​اتبعيني​ المؤلف بدر شاكر السياب


اتبعيني

فالضحى رانت به الذكرى على شط بعيد

حالم الأغوار بالنجم الوحيد

وشراع يتوارى واتبعيني

همسة في الزرقة الوسنى وظل

من جناح يضمحل

في بقايا ناعسات من سكون

في بقايا من سكون

في سكون !

هذه الأغوار يغشاها خيال

هذه الأغوار لا يسبرها إلا ملال

تعكس الأمواج في شبه انطفاء

لونه المهجور في الشط الكئيب

في صباح ومساء

وأساطير سكارى ... في دروب

في دروب أطفأ الماضي مداها

وطواها

فاتبعيني .. إتبعيني

اتبعيني ... ها هي الشطآن يعلوها ذهول

ناصل الألوان كالحلم القديم

عادت الذكرى به ساج كأشباح نجوم

نسي الصبح سناها والأفول

في سهاد ناعس بين جفون

في وجوم الشاطئ الخالي كعينيك انتظار

وظلال تصبغ الريح وليل ونهار

صفحة زرقاء تجلو في برود

وابتسام غامض ظل الزمان

للفراغ المتعب البالي على الشط الوحيد

اتبعيني في غد يأتي سوانا عاشقان

في غد حتى وإن لم تتبعني

يعكس الموج على الشط الحزين

والفراغ المتعب المخنوق أشباح السنين

أمس جاء الموعد الخاوي وراحا

يطرق الباب على الماضي على اليأس عليا

كنت وحدي .. أرقب الساعة تقتات الصباحا

وهي ترنو مثل عين القاتل القاسي إليا

أمس.. في الأمس الذي لا تذكرينه

ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته

واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا

وتناءت في ارتخاء وتوان

غمغمات مجهدات وأغاني

وتلاشت تتبع الضوء الضئيلا

أقبلي الآن ففي الأمس الذي لا تذكرينه

ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته

واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا .