اجتلي الكاس فذي كف الصبا

اجتلي الكاس فذي كفُّ الصَبا

​اجتلي الكاس فذي كفُّ الصَبا​ المؤلف حيدر بن سليمان الحلي



اجتلي الكاس فذي كفُّ الصَبا
 
حَدَرت عن مبسمِ الصبح اللثاما
واصطبحها من يَدي غضِّ الصِبا
 
أغيدٍ يجلو محيّاهُ الظلاما
بنتُ كرمٍ زُوِّجت بابنِ السحب
 
فتحلّت في لئالٍ من حَبَب
مذ جلاها الشربُ في نادي الطَرب
 
ضَحِكت في الكاسِ حتى قَطّبا
كلُّ مَن كان لها يُبدي ابتساما
 
وانثنى الزامرُ يشدو مُطرِبا
هيَ نارٌ في إناءٍ مِن بَرَد
 
عجباً ذابت به وهو جَمد
أبداً تحرقُ نمرودَ الكمد
 
وإذا منها الخليلُ اقتربا
غُودرت بَرداً عليه وسلاما
 
فاحتسي أعذبَ من ماءِ الربى
أشبهت صافية ً في الأكؤس
 
دمعة َ الهجرِ بخدَّي ألعس
إن أُديرت مَثَّلت للمحتسي
 
وجنة َ الساقي بها فاستُلبا
رشدُه حتى تراه مُستهاما
 
ليس يدري وجنة ً قد شربا
تنشىء الخفَّة في روحِ النسم
 
وتروضُ الصعبَ منهم للكرم
لو حساها وهو في اللؤمِ عَلَم
 
«مادرٌ» منه إذاً لانقلبا
ذلكَ اللؤمُ سماحاً مُستداما
 
ودعى خذ معَ عقلي النشبا
كم على ذاتِ الغضا من مجلس
 
قد كساه الروضُ أبهى مَلبس
فيه بتنا تحت بُردِ الحندس
 
نتعاطى من كؤوسٍ شُهبا
تطردُ الهمَّ وإن كان لِزاما
 
إذ به نامت عيونُ الرُقبا
ونديمي مِن بني الترك أغَن
 
شهدة ُ النحل بفيه يُختزن
هبَّ يثني عطفَه سُكرُ الوسن
 
وأخيه المصطفى ابن المجتبى
أنملاً أبدى بها الحسنُ وشاما
 
وكأّن خدّيه منها أُشرِبا
رشأٌ جُسِّد صافي جسمِه
 
من شعاعِ الخمرِ لا من جُرمِه
خَفَيت صهباؤُه من كتمِه
 
لسناه مذ عليها غلبا
نورُ خدّيه فما تدري الندامى
 
أسنا خدّيهِ أبدى لهبا
إن يقل لليل: عَسعِس، شعرُه
 
قال للصبحِ: تنفَّس، ثَغرُه
أومن الردف تشكَّى خصرهُ
 
قال يازادك: من زامَ الظِبا؟
بالخصورِ الهيفِ ضعفاً وانهضاماً
 
ولكاسِيكَ الوشاحَ المُذهبا
يا أليفي صبوتي بُشراكما
 
جاء ما قرَّت به عيناكما
ذا جديدُ الأُنسِ قد حيّاكما
 
وخلاصاً لكما قد جلبا
ناقلاً من صفة ِ الراحِ النظاما
 
فاجعلاه للتهاني سببا
خلّيا ذكرَ أحاديثِ الغَضا
 
واطويا من عهدِ حزوى ما مضى
وانشرا فرحة َ إقبالِ الرضا
 
وأخيه المصطفى ابن المجتني
إنّ إقبالَهما سَرَّ الأناما
 
وكذا الدنيا استهلت طربا
بوركا في الكرخ من بدري عُلى
 
شعَّ برجُ المجدِ لمّا أقبلا
ومحيّا الفخرِ بالبِشرِ انجلى
 
وأعِد ذكرَ كرامٍ نُجبا
بمُنيرَي أبرجَ المجدِ القُدامى
 
بكما قرَّت عيونُ النُجبا
رجع السعدُ إلى مطلعِه
 
والبها رُدَّ إلى موضِعه
والندى عادَ إلى منبعِه
 
بِسراجي شرفٍ قد أذهبا
بالسنا من أُفق الكرخ الظلاما
 
وخضمَّي كرمٍ قد عَذُبا
هل بَناتُ السير في تلك الفلا
 
علمت عادَ بها ما حملا
وبماذا بوقارٍ وعُلى
 
رحلت بالأمس تطوي السبسبا
حَدَراً تهبطُ أو تعلو أُكاما
 
وأُريحت بالمصلّى لُغبا
حملت من حرمِ المجد الكرَم
 
وانبرِت تسعى إلى نحوِ الحرم
وألمَّت لا لتمحيصِ اللمم
 
بمقام البيتِ لكن طَلَبا
لمزيد الأجرِ وافين المقاما
 
وبمغناه طرحنَ القتبا
قَرَّبت منه ومُنشي الفَلكِ
 
صفوتي بيتِ التُقى والنُسُك
بالسما أُقسمُ ذاتِ الحُبك
 
لهما بالحجِّ حازا رُتبا
ما حبا في مثلِها الله الأناما
 
هي كانت من سواها أقربا
رتباً لا يتناهى قدرُها
 
يسعُ الخلقَ جميعاً برُّها
حيثُ لو عاد إليهم أجرُها
 
واستووا في الإِثم شخصاً مذنبا
لمحى الله به عنه الإِثاما
 
وله من حسناتٍ كتبا
بهما سائِل، تجد حتى الحجر
 
شاهداً أنّهما بين البشر
مسحاهُ بيدٍ تنشى الحُطاما
 
هي بالجودِ لأجزالِ الحَبا
 
بين إحرامٍ عن الإِثم وحلّ
ويرى للهدي بالنحرِ يصلِ
 
كلَّ يومٍ ويميحُ النشبا
بيدٍ لم يحكها الغيثُ انسجاما
 
كان طبعاً جودُها محتلبا
ثمَّ لمّا أكملا الحجَّ معاً
 
ودَّعا مكَّة فيمن ودَّعا
وإلى يثرب منها أزمعا
 
قصد مَن ألبسِ فخراً يثربا
وحباها شرفَ الذكرِ دَواما
 
وبه فاقَ سناها الشُهبا
ونحن كلٌّ ضريحَ المصطفى
 
ناشقاً طيبَ ثراه عرفا
وبه طاف ومنه عطفا
 
نحوَ مغنى المرتضى مرتغبا
لسواه عنه لا يلوي الزِماما
 
فقضى مِن حقّه ما وجبا
كم لأيدي العيسِ يا سعدُ يدُ
 
أبداً مشكورة ٌ لا تُجحدُ
فعليها ليسَ ينأى بلدُ
 
وبها وخداً سَرت أو خبَبا
يدرك الساري أمانيه الجساما
 
ويرى أوطأَ شيءٍ مركبا
أطلعت بالكرخ من حجب السرى
 
قمري سعدٍ بها قد أزهرا
وغراماً بهما أمُّ القُرى
 
لو أطاقت لهما أن تصحبَا
حين آبا لأتت تسعى غراما
 
وأقامت لا ترى منقَلبا
أوبة ٌ جاءت بنيلِ المِنَحِ
 
ذهبت فرحتُها بالترح
فبهذا العامِ أمُّ الفرحِ
 
وَلَدتها فأجدَّت طربا
بعد ما جاءت بها من قبلُ عاما
 
ولها الإقبالُ قد كان أبا
فاهنَ والبشرى أبا المهديّ لك
 
تلك علياكَ لبدرَيك فلك
قد بدا كلٌّ بها يجلو الحلك
 
فترى الأقطارَ شرقاً مغرِبا
لم يدع ضوؤهما فيها ظلاما
 
والورى أبعدَها والأقربا
مَلَت القلبَ سروراً مثلما
 
قد ملآتَ الكفَّ مِنها كَرَما
واحتبت زهواً تهنيّك بما
 
خصَّك الرحمنُ مِن هذا الحَبا
حيث لازلتَ لها ترعى الذماما
 
جالياً أن وجه عامٍ قَطّبا
معشرٌ ما خُلِقوا إلاّ فِدا
 
لبسوا الفخرَ مُعاراً فنبا
عن أُناسٍ تلبسُ الفخرَ حراما
 
كلّ من فيهم على الحظّ أبى
تَشتكي من مسَّ أبدانُهم
 
حللٌ ترفعُ من شانِهمُ
وإذا صرَّ بأيمانِهمُ
 
قلمٌ فهو ينادي عَجبا
صرتُ في أنملة ِ اللؤمِ مُضاما
 
من بها قرَّ مقيماً عُذَّبا
هب لهم درهمهم أصبحَ أب
 
فسما فيهم إلى أعلا الرُتب
إكرامٌ هم لدى نصِّ النسب
 
إن يعدّوا نسباً مُقتَضَيا
لا عريقاً في المعالي أو قدامى
 
عدموا الجودَ معاً والحسبا
عَبَدوا فلسَهمُ دهرَهُم
 
وعليه قَصروا شكرَهمُ
قصروا الوفرَ على الوفدِ دواما
 
وبنوا للضيفِ قدماً قِببا
إذ على تقوى من اللهِ الصمد
 
أُسَّس البنيانُ منها وَوطد
من له كلُّ يدٍ تشكرُ يَد
 
مصطفى الفخرِ وفيها أعقبا
عَشرة َ ألقى له الفضلُ الزماما
 
إذ سهامُ الفضلِ عشرٌ قَصبا
أعقبَ الصالحَ فيها خَلَفا
 
وأبا الكاظم من قد شُرِفا
والرضا الهادي حسيناً مصطفى
 
وأميناً كاظماً أن أغضبا
وجواداً جعفراً كلاًّ هُماما
 
صبية ٌ سادوا ولكن في الصِبا
معشرٌ بيتُ عُلاهم عامرُ
 
بهم للضيفِ زاهٍ زاهرُ
فيه ما أمُّ الأماني عاقرُّ
 
تَلِدُ النجحَ فتكفي الطَلَبا
وأبو الآمالِ لا يشكوا العُقاما
 
وعلى أبوابِه مثلُ الدَبي
 
فزكى ميلادُهم والمولِدُ
إنّهم طفلُهم والسؤدُد
 
يستهلا‍ّنِ فداعِ للحبا
ذا وهذا قائلٌ طبتَ غلاما
 
إبقَ في حجر المعالي حقبا
صفوة َ المعروفِ قِرّوا أعينا
 
واهنئوا بالصفوِ من هذا الهنا
لكم السعدُ جلا وجهَ المُنى
 
بيدِ اليمنِ ومنه قرَّبا
لكم الإقبالُ ما ينأى مراما
 
فالبسوا أبرادَ زهوٍ قُشُبا
واليكم غادة ً وشّحتُها
 
وبريّا ذكركم عَطّرتُها
وإلى علياكم ارفقتُها
 
فلها جاءَ افتتاحاً طيبّا
نشرُ راح الأنسِ منكم لا الخزامى
 
ولها تشهدُ أنفاسُ الصَبا