الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار/الاستغفار
باب الاستغفار
عدلاعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم اللّه الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين.
قال اللّه تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعَشِيّ وَالإِبْكارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَللْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [محمد:19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:106] وقال تعالى: {لِلَّذينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وأزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بالعِبادِ، الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بالأسحَارِ} [آل عمران:15ـ17] وقال تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وقال تعالى: {وَالَّذينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ؟ وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: 110] وقال تعالى: {وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ..} الآية [هود:3]، وقال تعالى إخباراً عن نوح صلى اللّه عليه وسلم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفَّاراً} [نوح: 10] وقال تعالى حكاية عن هود صلى اللّه عليه وسلم: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ..} الآية [هود:52]، والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكرناه.
وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار فلا يمكن استقصاؤها، لكني أُشير إلى أطراف من ذلك.
1/1049 روينا في صحيح مسلم، عن الأغرّ المزنيّ الصحابيّ رضي اللّه تعالى عنه:أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ مِئَة مَرَّةٍ".
2/1050 وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "واللّه إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتُوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة".(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255)"(البخاري (6307) ، والترمذي (3255)
3/1051 وروينا في صحيح البخاري أيضاً، عن شداد بن أوس رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وأبُوءُ بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ؛ مَنْ قَالَهَا بالنَّهارِ مُوقِناً بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ موقِن بها فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ".
قلت: أبوء بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرّ وأعترف.
4/1052 وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه،عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما، قال: كنّا نعدُّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المجلس الواحد مِئَةَ مرّة: "ربّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" قال الترمذي: حديث صحيح.
5/1053 وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ".
6/1054 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ".
7/1055 وروينا في سنن أبي داود، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالى عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يُعجبه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفرَ ثلاثاً. وقد تقدم هذا الحديث قريباً في جامع الدعوات
8/1056 وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن مولى لأبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ.
9/1057 وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال:سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "قالَ اللَّهُ تَعالى: يا بْنَ آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منْكَ وَ لا أُبالي، يا بْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يابْنَ آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطايَا ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِها مَغْفِرَةً" قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة؛ وقيل العنان: ما عنّ لك منها، أي ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يُقارب مِلْئَها، وممّن حكى كسرها صاحب المطالع.
10/1058 وروينا في سنن ابن ماجه، بإسناد جيد عن عبد اللّه بن بُسْرٍ ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ رضي اللّه تعالى عنه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفاراً كَثِيراً".
11/1059 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِليْهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.
قلتُ: وهذا الباب واسع جداً، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه.
ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم رضي اللّه تعالى عنه قال: لا يقلْ أحدُكم: أستغفر اللّه وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقولُ: اللَّهمّ اغفر لي وتُبْ عليّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللَّهمّ اغفر لي وتب عليّ حسن.
وأما كراهيته أستغفرُ اللّه وتسميته كذباً فلا نُوافق عليه، لأن معنى أستغفرُ اللّه أطلبُ مغفرتَه، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردّه حديث ابن مسعود المذكور قبله.
وعن الفُضيل رضي اللّه تعالى عنه: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين، ويُقاربه ما جاءَ عن رابعة العدوية رضي اللّه تعالى عنها قالت: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفار كثير.
وعن بعضِ الأعراب أنه تعلَّقَ بأستار الكعبة وهو يقول: اللَّهمّ إن استغفاري مع إصراري لؤم، وإن تركي الاستغفارَ مع علمي بسَعَة عفوك لعجز، فكم تَتَحَبَّبُ إليّ بالنعم مع غِناكَ عني، وأَتَبَغَّضُ إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا مَن إذا وَعدَ وَفَّى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفا، أدخلْ عظيمَ جُرمي في عظيم عفوكَ يا أرحم الراحمين.
بابُ النّهي عن صَمْتِ يَوْمٍ إلى الليل
عدل1/1060 روينا في سنن أبي داود، بإسناد حسن، عن عليّ رضي اللّه عنه، قال:حفظتُ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يُتْم((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) "((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) "((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) "((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) "
عْدَ احْتِلام، وَلا صُماتَ يَوْمٍ إلى اللَّيْلِ".
وروينا في معالم السنن للإِمام أبي سليمان الخطابي رضي اللّه عنه قال في تفسير هذا الحديث: كان أهل الجاهلية من نُسْكهم الصُّماتُ، وكان أحدُهم يعتكفُ اليومَ والليلة فيصمتُ ولا ينطق، فنُهوا: يعني في الإِسلام عن ذلك، وأُمروا بالذكر والحديث بالخير.
2/1061 وروينا في صحيح البخاري، عن قيس بن أبي حازم رحمه اللّه قال:دخل أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه على امرأة من أحْمَسَ يُقال لها زينب فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، فقال لها: تكلمي فإن هذا لا يَحِلّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلَّمتْ.
الأحاديث التي عليها مدار الاسلام
عدلفصل: في آخر ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد رأيتُ أن أضمَّ إليه أحاديث تتمُّ محاسنُ الكتاب بها إن شاء اللّه تعالى، وهي الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام ، وقد اختلفَ العلماءُ فيها اختلافاً منتشراً، وقد اجتمعَ مِن تداخل أقوالهم مع ما ضممتُه إليها ثلاثون حديثاً.
- 1062 الحديث الأول: حديثُ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه:"إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ" وقد سبق بيانَه في أول هذا الكتاب.
- 1063 الحديث الثاني: عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:قالَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" رويناه في صحيحي البخاري ومسلم.
- 1064 الثالث: عن النعمان بن بشير رضيَ اللّه عنهما قال:سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألاَ وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللَّهِ تَعالى مَحَارِمُهُ، ألا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألاَ وَهِيَ القَلْبُ" رويناه في صحيحيهما.
- 1065 الرابع: عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال:حدّثنا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْب رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، فَوَالَّذي لا إِلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل النَّارِ فيدْخُلُها، وَإنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها" رويناه في صحيحيهما.
- 1066 الخامس: عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما، قال:حَفِظتُ من رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ" رويناه في الترمذي واننسائي، قال الترمذي: حديث صحيح. قوله يَريبك بفتح الياء وضمّها لغتان، والفتح أشهر.
- 1067 السادس: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ" رويناه في كتاب الترمذي وابن ماجه، وهو حسن.
- 1068 السابع: عن أنس رضي اللّه عنه،عن النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ" رويناه في صحيحيهما.
- 1069 الثامن: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعالى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً، وَإنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقالَ تَعالى: {يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] وَقالَ تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعث أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ: يا رَبّ يا رَبّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِي بالحَرَامِ، فأنّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟" رويناه في صحيح مسلم.
- 1070 التاسع: حديث "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" رويناه في الموطأ مرسلاً، وفي سنن الدارقطنيّ وغيره من طرق متصلاً، وهو حسن.
- 1071 العاشر: عن تميم الداري رضي اللّه عنه:أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "الدّين النَّصِيحَةُ، قلنا: لمن؟ قال: لِلَّهِ، وَلِكِتابِهِ، وَلِرسُولهِ، ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِم" رويناه في مسلم.
- 1072 الحادي عشر: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أنه سمعَ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم يقول: "ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فاجْتَنِبُوهُ، وَما أمَرْتُكُمْ بِهِ فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ فإنَّما أهْلَكَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسائِلِهِمْ وَاخْتِلافهُمْ على أنْبِيائِهِمْ" رويناه في صحيحيهما.
- 1073 الثاني عشر: عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه قال:جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه! دُلّني على عمل إذا عملتُه أحبّني اللّه وأحبّني الناس؟ فقال: "ازْهَدْ في الدُّنْيا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيما عِنْدَ النَّاس يُحِبَّكَ النَّاسُ" حديث حسن رويناه في كتاب ابن ماجه.
- 1074 الثالث عشر: عن ابن مسعود رضي اللّه عنه، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلمٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وأنِّي رَسولُ اللّه إِلاَّ بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ للجَمَاعَةِ" رويناه في صحيحيهما.
- 1075 الرابع عشر: عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاة، فإذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسابُهُمْ على اللّه تعالى" رويناه في صحيحيهما.
- 1076 الخامس عشر: عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال:قالَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَإقامِ الصَّلاةِ، وَإيتاءِ الزَّكاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" رويناه في صحيحيهما.
- 1077 السادس عشر: عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى رجالٌ أمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ البَيِّنَةُ على المُدَّعِي وَاليَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ" هو حسن بهذا اللفظ، وبعضه في الصحيحين.
- 1078 السابع عشر: عن وَابِصَةَ بن معبد رضي اللّه عنه؛أنه أتى رسولَ اللّه صلى اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: "جِئْتَ تَسألُ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ؟ قال: نعم، فقال: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ: البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ" حديث حسن رويناه في مسندَيْ أحمد والدارمي وغيرهما.
- وفي صحيح مسلم، عن النواس بن سمعانَ رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "البرّ: حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ".
- 1079 الثامن عشر: عن شَدَّادِ بن أوسٍ رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلِّ شَيْءٍ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" رويناه في مسلم، والقِتلة بكسر أولها.
- 1080 التاسع عشر: عن أبي هريرةَ رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" رويناه في صحيحيهما
- 1081 العشرون: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رجلاً قالَ للنبي صلى اللّه عليه وسلم: أوصني قال: "لا تَغْضَبْ" فردّد مِراراً، قال: "لا تَغْضَبْ" رويناه في البخاري.
- 1082 الحادي والعشرون: عن أبي ثعلبة الخُشنيِّ رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وَحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوها، وَحَرَّمَ أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسَكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْها" رويناه في سنن الدارقطني بإسناد حسن.
- 1083 الثاني والعشرون: عن معاذٍ رضي اللّه عنه قال:قلت: يا رسول اللّه! أخبرني بعمل يُدخلُني الجنةَ ويُباعدني من النار؟ قال: "لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْركُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكّاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال: ألا أَدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ؟" الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا {تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَن المَضَاجِع} حتى بلغ" {يَعْمَلُونَ} [السجدة:16ـ17] ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِرأْس الأمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سنَامِهِ؟ قلتُ: بَلَى يا رسولَ اللَّهِ! قالَ: رأسُ الأمر الإِسلامُ، وعمودهُ الصلاةُ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذلكَ كُلِّهِ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! فأخذ بلسانه، ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فقلتُ: يا نبيّ اللّه! وإنّا لمؤاخَذُونَ بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ، أوْ على مَناخِرهِم إلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟" رويناه في الترمذي وقال: حسن صحيح.
- وذِروة السنام: أعلاه، وهي بكسر الذال وضمّها. وملاك الأمر بكسر الميم: أي مقصوده.
- 1084 الثالث والعشرون: عن أبي ذرّ ومعاذ رضي اللّه عنهماعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَة تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رويناه في الترمذي وقال: حسن، وفي بعض نسخه المعتمدة: حسن صحيح.
- 1085 الرابع والعشرون: عن العِرباضِ بن ساريةَ رضي اللّه عنه، قال:وَعَظَنا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم موعظةً وَجِلت منها القلوب، وذرفتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ اللّه! كأنها موعظةُ مُودّع فأوصنا، قال: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تأمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَليْكُم بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْها بالنَّواجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" رويناه في سنن أبي داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
- 1086 الخامس والعشرون: عن أبي مسعود البدريّ رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ" رويناه في البخاري.
- 1087 السادس والعشرون: عن جابر رضي اللّه عنه:أن رجلاً سألَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أرأيتَ إذا صَلَّيْتُ المكتوبات، وصمتُ رمضانَ، وأحللتُ الحلالَ، وحرّمتُ الحرامَ، ولم أزدْ على ذلك شيئاً؛ أدخلُ الجنة؟ قال: "نَعَمْ" رويناه في مسلم.
- 1088 السابع والعشرون: عن سفيانَ بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال:قلت: يا رسول اللّه! قل لي في الإِسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً غيرك، قال: "قُلْ آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ" رويناه في مسلم.
- قال العلماءُ: هذا الحديث من جوامع كلمه صلى اللّه عليه وسلم، وهو مطابق لقول اللّه تعالى: {إنَّ الَّذينَ قالُوا: رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [فصّلت:30] قال جمهور العلماء: معنى الآية والحديث: آمنوا والتزموا طاعةَ اللّه.
- 1089 الثامن والعشرون: حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في سؤال جبريل النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم عن الإِيمان والإِسلام والإِحسان والساعة، وهو مشهور في صحيح مسلم وغيره.
- 1090 التاسع والعشرون: عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:"كنتُ خَلْفَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يوماً فقال: "يا غُلامُ! إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ؛ وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رويناه في الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح؛ وفي رواية غير الترمذي زيادة "احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ" وفي آخره "وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً" هذا حديث عظيم الموقع.
- 1091 الثلاثون: وبه اختتامها واختتام الكتاب، فنذكره بإسناد مستطرف، ونسأل اللّه الكريم خاتمة الخير، أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسيّ ثم الدمشقي رحمه اللّه تعالى، قال: أخبرنا أبو طالب عبد اللّه وأبو منصور يُونس وأبو القاسم حسين بن هبة اللّه بن مصري وأبو يَعلى حمزة وأبو الطاهر إسماعيل، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسين ـ هو ابن عساكر ـ قال: أخبرنا الشريفُ أبو القاسم عليّ بن إبراهيم بن العباس الحسيني خطيب دمشق، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن علي بن يحيى بن سلوان، قال: أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشميّ قال: أخبرنا أبو مسهر قال: أخبرنا سعيدُ بن عبد العزيز عن ربيعةَ بن يزيدَ عن أبي إدريسَ الخولاني، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عن جبريلَ صلى اللّه عليه وسلم، عن اللّه تبارك وتعالى أنه قال: "يا عِبادي! إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلا تَظَّالَمُوا؛ يا عِبادي! إِنَّكُمُ الَّذينَ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وأنا الَّذي أغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلا أُبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ جائعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ عارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسِكُمْ؛ يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ منْ مُلْكِي شَيْئاً؛ يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُـِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئاً؛ يا عِبادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً؛ يا عِبادي! إنَّما هِيَ أعْمالُكُمْ أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ".
قال أبو مسهر: قال سعيدُ بن عبد العزيز: كان أبو إدريس إذا حدّثَ بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
هذا حديث صحيح، رويناه في صحيح مسلم وغيره، ورجال إسناده مني إلى أبي ذرّ رضي اللّه عنه كلُّهم دمشقيون، ودخل أبو ذرّ رضي اللّه عنه دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جمل من الفوائد: منها صحة إسناده وَمَتنه، وعلوّه وتسلسله بالدمشقيين رضي اللّه عنهم وبارك فيهم، ومنها ما اشتمل عليه من البيان لقواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه والآداب ولطائف القلوب وغيرها، وللّه الحمد.
روينا عن الإِمام أبي عبد اللّه أحمد بن حنبل رحمه اللّه تعالى ورضي عنه قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث.
خاتمة
عدلهذا آخرُ ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد مَنّ اللّه الكريمُ فيه بما هو أهلٌ له من الفوائد النفيسة والدقائق اللطيفة من أنواع العلوم ومهماتها، ومُستجادَاتِ الحقائق ومَطلُوبَاتِها. ومن تفسير آياتٍ من القرآن العزيز وبيانِ المراد بها، والأحاديث الصحيحة وإيضاح مقاصدها، وبيان نُكَتٍ من علوم الأسانيد ودقائقِ الفقه ومعاملاتِ القلوب وغيرها، واللّه المحمودُ على ذلك وغيره من نعمه التي لا تُحصى، وله المِنّة أن هداني لذلك، ووفّقني لجمعه ويَسَّرَه عليّ، وأعانني عليه وَمَنّ علي بإتمامه؛ فله السحمدُ والامتنانُ والفضلُ والطَّوْلُ والشكرانُ. وأنا راجٍ من فضل اللّه تعالى دعوة أخٍ صالح أنتفعُ بها تقرّبني إلى اللّه الكريم، وانتفاع مسلمٍ راغب في الخير ببعض ما فيه أكون مساعداً له على العمل بمرضاة ربّنا.
وأستودعُ اللّه الكريمَ اللطيفَ الرحيمَ منّي ومن والديّ، وجميعِ أحبابنا وإخواننا ومَنْ أحسنَ إلينا وسائرِ المسلمين: أديانَنا وأماناتِنا وخواتِيمَ أعمالنا، وجميعَ ما أنعمَ اللَّهُ تَعالى به علينا، وأسألُه سبحانه لنا أجمعين سلوكَ سبيل الرشاد والعِصْمة من أحوال أهل الزَّيْغ والعِناد، والدَّوامَ على ذلك وغيره من الخير في ازدياد، وأتضرّعُ إليه سبحانه أن يرزقنا التوفيقَ في الأقوال والأفعال للصواب، والجريَ على آثار ذوي البصائر والألباب، إنه الكريم الواسعُ الوهَّاب، وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلتُ وإليه متاب،، حسبنا اللّه ونِعمَ الوكيل، ولا حولَ ولا قوّة إلا باللّه العزيز الحكيم.
والحمدُ للّه ربّ العالمين أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلواتُه وسلامُه الأطيبان الأتمّان الأكملان على سيدنا محمد خير خلقه أجمعين، كلما ذكره الذاكرون، وغَفَل عن ذكره الغافلون، وعلى سائر النبيّينَ وآل كل وسائر الصالحين.
قال جامعه أبو زكريا محي الدين _ عفا الله عنه: فرغت من جمعه في المحرم سنة سبع وستين وستمائة, سوى أحرف الحقتها بعد ذلك وأجزت روايته لجميع المسلمين.