الأنسان و الدين
الأنسان و الدّين
إنّي عرفت من الإنسان ما كانا
فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته و هو مشتدّ القوى أسدا
صعب المراس و عند الضّعف ثعبانا
تعود الشّرّ حتّى لو نبت يده
عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
خفه قديرا و خفه لا اقتدار له
فالظّلم و الغدر إمّا عزّ أو هانا
ألقتيل ذنب شنيع غير مغتفر
و القتل يغفره الإنسان أحيانا
أحلّ قتل نفوس السائمات له
و الطيّر و القتل قتل حيثما كانا
أذاق ذئب الفلا من غدره طرفا
فلا يزال مدى الأيام يقظانا
و نفّر الطير حتّى ما تلمّ به
إلاّ كما اعتادت الأحلام و سنانا
سروره في بكاء الأكثرين له
و حزنه أن ترى عيناه جذلانا
كأنّما المجد ربّ ليس يعطفه
إلاّ إذا قدّم الأرواح قربانا
هو الذي سلب الدّنيا بشاشتها
وراح يملأها همّا و أحزانا
لا تصطفيه و إن أثقلته منّنا
يعدو عليك و إن أولاك شكرانا
قالوا ترّقى سليل الطّين قلت لهم
ألآن تمّ شقاء العالم الآنا
إنّ الحديد إذا ما لان صار مدى
فكن على حذر منه إذا لانا
و المرء وحش و لكن حسن صورته
أنسى بلاياه من سمّاه إنسانا
قد حارب الدّين خوفا من زواجره
كأنّ بين الورى و الدّين عدوانا
ورام يهدم ما الرحمن شيّده
و ليس ما شيّد الرّحمن بنيانا
إنّي ليأخذني من أمره عجب
أكلّما زاد علما زاد كفرانا؟
و كلّما انقادت الدّنيا و صار له
زمامها انقاد للآثام طغيانا؟
يرجو الكمال من الدّنيا و كيف له
نيل الكمال من الدّنيا و ما دانا؟
إذا ارتدى المرء ما في الأرض من برد
و عاف للدّين بردا عاد عريانا
هو الحياة التي ما غادرت جسدا
إلاّ اغتدى الميت أحيامنه وجدانا
و هو الضّياء الذي يمحو الظّلام فمن
لا يهتدي بسناه ظلّ حيرانا
و المنهل الرائق العذب الورود فمن
لا يسقي منه دام الدّهر عطشانا
ليس المبذّر من يقلي دراهمه
إنّ المبذّر من للدّين ما صانا
ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر
إنّي أرى من ذوي الأبصار عميانا