الباعث على إنكار البدع والحوادث
مقدمة المؤلف:
قال الشيخ الإمام العلامة ناصر السنة شهاب الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي رضى الله عنه:
الحمد لله هادي الورى طرق الهدى وزاجرهم عن أسباب التهلكة والردى وصلاته وسلامه على عبادة الذين اصطفى من ملك ونبي مرتضى وعبد صالح أتبع ما شرعة فاهتدى وإياه نسأل بمنه وفضله أن ينفعنا بالعلم وأن يجعلنا من أهله وأن يوفقنا للعمل بما علمنا وتعلم ما جهلنا وإليه نرغب في أن يعيذنا من أتباع الهوى وركوب مالا يرتضى وأن نشرع في دينه مالم يشرع أو أن نقول عليه مالم يصح أو يسمع وأن يعصمنا في الأقوال والأفعال من تزيين الشيطان لنا سوء الأعمال وأن يقينا زلة العالم وأن يبصرنا بعيوننا فما خلق من العيب بسالم وأن يرشدنا لقبول نصح الناصح وسلوك الطريق والواضح فما أسعد من ذكر فتذكر وبصر بعيوبه فتبصر وصلى الله على من بعثه بالدين القويم والصراط المستقيم فأكمل به الدين وأوضح به الحق المستبين محمد بن عبد الله أبي القاسم المصطفى الأمين صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ورضى الله عن الآئمة التابعين والعلماء من بعدهم العاملين الذين بلغوا الينا سنته وشرحوا لنا هدية وطريقته وأصلوا لنا أصولا ترجع إليها فيم أشكل علينا ونستضيء بها ما استبهم علينا وميزوا ما نقلوا إلينا عنه من بين ما يجب الرجوع اليه من ذلك وما يطرح وما يوضع عليه مما قد تبين أمره واتضح فالواجب على العالم فيما يرد عليه من الوقائع وما يسأل عنه من الشرائع الرجوع الى مادل عليه كتاب الله المنزل وما صح عن نبيه المرسل وما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من الصدر الاول
فما وافق ذلك أذن فيه وأمر وما خالفه نهى عنه وزجر فيكون قد آمن بذلك واتبع ولا يستحسن فإن من استحسن فقد شرع قال أبو العباس أحمد بن يحيى حدثني محمد بن عبيد بن ميمون قال حدثني عبد الله بن اسحق الجعفري قال كان عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس الى ربيعة قال فتذاكروا يوما السنن فقال رجل كان في المجلس ليس العمل على هذا فقال عبد الله أرأيت ان كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام فهم الحجة على السنة فقال ربيعة أشهد أن هذا الكلام أبناء الأنبياء وبعد هذا كتاب جمعته محذرا من البدع زاجرا لمن وفق لذلك وارتدع ممتثلا به قول رب العالمين وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وسميته الباعث على إنكار البدع والحوادث فما على العالم إلا نشر علمه والله يهدي من يشاء الى مراسم حكمه وما أحسن ما روى عن الشافعي رضى الله عنه قال سمعت سفيان بن عيبنة قال إن العالم لا يمارى ولا يداري ينشر حكمه الله تعالى فإن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله،
قلت: ثم كان من العجائب والغرائب أن وقع في زماننا نزاع في بدعة صلاة الرغائب واحتيج بذلك الى التصنيف المشتمل على ذم المخالف والتعفيف فحملتني الأنفة للعلم والحمية لصدق على تمييز الباطل من الحق فألفت هذا الجزء الموصوف بالإنصاف فيما وقع في صلاة الرغائب من الاختلاف، وأضفت إلى ذلك بيان البدع في غيره مما يناسبه وضممت إليه ما يقاربه رغبه في تعليل المحن من مخالفة السنن وقمعا للطائفة المبتدعة ورفعا لمنار المتشرعة والله الكريم أسال ذا الجلال الأكمل والعطاء الأجزل أن يسلك بنا السبيل الأعدل والطريق الأمثل فهو المؤمل لإجابة دعاء من أمل.
فصل: في تحذير النبي ﷺ أصحابه ومن بعدهم من البدع ومحدثات الأمور
عدلوقد حذر النبي ﷺ وأصحابه فمن بعدهم أهل زمانهم البدع ومحدثات الأمور وأمروهم بالاتباع الذي فيه النجاة من كل محذور وجاء في كتاب الله تعالى من الأمر بالأتباع بما لا يرتفع معه الترك قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعو السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون. وهذا نص فيما نحن فيه وقد روينا عن أبي الحجاج بن جبير المكي وهو من كبار التابعين وإمام المفسرين قول الله تعالى: ولا تتبعوا السبل قال: البدع والشبهات وقال تعالى: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا. قال إمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الرسالة يعني والله أعلم إلى ما قال الله والرسول. وروينا عن أبي عبد الله ميمون بن مهران الحرومي وهو من فقهاء التابعين قال في هذه الآية الرد إلى الله الرد إلى كتابه والرد إلى رسوله إذا قبض إلى سنته. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ما من نبي بعثه الله تعالى في أمه قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره وفي رواية يهتدون بهدية ويستنون بسنته، ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. وفيه عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي كان يقول في خطبته خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة وأخرج الحافظ أبو بكر البهيقي في كتاب الإعتقاد بلفظ أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد ﷺ وزاد وكل ضلالة في النار وأخبرنا أبو النجي الحريمي أخبرنا أبو الوقت عبد الأول أخبرنا أبو الحسن الداؤدي أخبرنا أبو محمد الحموي أخبرنا أبو عمران السمرقندي أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا عفان حدثنا حماد بن زيد حدثنا عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال خط لنا رسول الله يوما خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلا: وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. وبه إلى الدارمي أخبرنا أبو عاصم أخبرنا ثور بن يزيد حدثنا خالد بن معدان عن عبد الرحمن ابن عمرو عن عرباض بن ساريا رضى الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى إختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضو عليها بالنواجذ وإياكم والمحدثنات فإن كل محدثة بدعه قال أبو عاصم مرة وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة أخرجه أبو داود وابن ماجه في سننهما وأبو عيسى الترمذي في جامعه وقال هذا حديث حسن صحيح.
وفي الصحيحين وسنن أبي داود من إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد وفي رواية من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد أي مردود على فاعله. وقال الدارمي أخبرنا مروان بن محمد أخبرنا سعيد عن ربيعة بن زيد قال قال معاذ بن جبل رضى الله عنه يفتح القرآن على الناس حتى يقرأه الصبي والمرأة والرجل فيقول الرجل قد قرأت القرآن فلم أتبع والله لأقومن به فيهم لعلي أتبع فيقوم به فيهم فلا يتبع فيقول قد قرأت القرآن فلم اتبع به وقد قمت به فلم أتبع لأختصرن في بيتي مسجدا لعلي أتبع فيختصر في بيته مسجدا فلا يتبع فيقول قد قرأت القرآن فلم أتبع وقمت به فيهم فلم أتبع وقد اختصرت في بيتي في مسجدا فلم أتبع والله لأتينهم بحديث لا يجدونه في كتاب الله ولم يسمعوه عن رسول الله لعلي أتبع قال معاذ فأياكم وما جاء به فإن ما جاء به ضلالة وأخرج أبو دواد هذا الأثر بلفظ آخر فقال قال معاذ إن من ورائكم فتن يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر فيوشك أن يقول قائل ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره فأياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة واحذروا زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلال على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق.
قال الدارمي أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه الى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد قلنا لا فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا اليه جميعا فقال يا أبا عبد الرحمن أني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا قال فما هو قال إن عشت فستراه قال رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة فيقول سبحوا مائة فيسبحون مائة قال فماذا قلت لهم قال ما قلت لهم شيئا انتظارك رأيك أو انتظار أمرك قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيآتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ثم مضى ومضينا معه حتى أتي حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي آراكم تصنعون قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء أصحابة متوافرون وهذه ثيابه لم قبل وآنيته لم تكسر والذي نفسي بيده انكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال وكم من مريد للخير لن يصيبه أن رسول الله ﷺ حدثنا أن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم وأيم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة اولئك يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
أخبرنا يعلي حدثنا الأعمش عن حبيب عن عبد الرحمن قال قال عبد الله أتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم أخبرنا موسى بن خالد حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن عمارة ومالك بن الحرث عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة. أخبرنا أبو المغيرة أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي قلابة قال عبد الله بن مسعود تعلموا العلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع وعليكم بالعتيق.
أخبرنا مروان بن معاوية عن حفص بن غياث حدثنا الأعمش قال عبد الله أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول قال حفص كنت أسند هذا عن حبيب عن أبي عبد الرحمن ثم دخلني منه شك أخبرنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم قال دخل أبو بكر رضى الله عنه على أمرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم قالوا نوت حجة مصمتة فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية.
أخبرنا محمد ابن عيينة أخبرنا علي بن مسهر عن أبي اسحق عن الشعبي عن زياد بن حدير قال قال لي عمر هل تعرف ما يهدم الإسلام قلت: لا قال: يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين.
أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عمر بن الأشج أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال أنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن اصحاب السنن أعلم بكتاب الله تعالى. أخبرنا أبو نعيم حدثنا زمعة بن صالح عن عثمان بن حاضر الأزدي دخلت على ابن عباس رضى الله عنهما فقلت أوصني فقال نعم عليك بتقوى الله تعالى والاستقامة اتبع ولا تبتدع وأخرج الحافظ البيهقي رحمه الله في كتاب السنن الكبير بسنده الى ابن عباس ان أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع وإن من البدع الإعتكاف في المساجد التي في الدور وفي سنن ابي داود عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنهما كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالا فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم. وفي كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أوصيكم بتقوى الله تعالى والاقتصاد في أمره واتباع سنة رسول الله وترك ما أحدث المحدثون بعد. قال الدرامي أخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أبو أسامة عن مبارك عن الحسن رحمه الله تعالى قال سنتكم والله الذي لا إله إلا هو بينهما بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله فان أهل السنة كانوا أقل الناس فيما بقي الذين لم يذهبوا مع أهل الأتراف في اترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا.
أخبرنا محمد بن عبينة عن أبي اسحق الفزاري عن ليث بن أيوب عن ابن سير بن قال ما أخذ رجل ببدعة فراجع سنة قال أحمد بن علي بن سعيد القاضي حدثنا علي بن الجعد أخبرنا مبارك عن الحسن رحمه الله تعالى قال قال رسول الله ﷺ: عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعه. حدثنا ابن أبي إسرائيل حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن الحسن رحمه الله تعالى قال لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا حجة ولا عمرة حتى يدعها.
حدثنا أبن أبي إسرائيل قال حسان بن إبراهيم حدثنا محمد بن مسلم قال من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام قال أبو معشر سألت إبراهيم بن موسى عن هذه الأهواء فقال ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير ما هي إلا نزعة من الشيطان عليك بالأمر الأول أخبرنا غير واحد إجازة عن الحافظ أبي طاهر السلفي وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي قالا أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحسين بن زكريا الطريثيثي المقريء قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري في كتاب شرح الحجج أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة بإسناده أن عبد الملك ابن مروان سأل غضيف بن الحرث عن القصص ورفع الأيدي على المنابر فقال غضيف إنهما لمن أمثال ما أحدثتم وإني لا أجيبك إليهما لأني حدثت أن رسول الله قال ما من أمة تحدث في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة والتمسك بالسنة أحب إلى من أن أحدث بدعة وفيه عن شبابه قال حدثنا هشام بن الغاز عن نافع عن عمر رضى الله عنهما قال كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.
الفصل الثاني
عدل2 - فصل في إنكار المنكر وإحياء السنن وإماتة البدع ومن اتباع سنة رسول الله وسنة خلفائه الراشدين رضى الله عنهم إنكار المنكر وإحياء السنن وإماتة البدع ففي ذلك أفضل أجر وأجمل ذكر ففي حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده رضى الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ولا رسوله كان عليه من الإثم مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا». أخرجه ابن ماجة والتزمذي وقال هذا حديث حسن.
وأخرج الدارمي وأبو داود نحوه من حديث أبي هريرة فقال الدارمي أخبرنا الوليد بن شجاع حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن ابن يعقوب مولى الخرقة عن أبي هريره رضى الله عنه أن رسول الله قال: «من دعى الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعى الى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا». أخبرنا علي بن حجر أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب عن عيسى الشيباني حدثنا القاسم بن عوف الشيباني عن أبي ذر رضى الله عنه أمرنا رسول الله أن لا تغلبوا على ثلاث أن تأمروا بالمعروف واتنهوا عن المنكر وتعلموا الناس السنن أخبرنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رضى الله عنه عن النبي قال: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين».
أخبرنا محمد بن الصلت حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أخ لعدي ابن أرطاة عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: «إن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون». وأخرج الحافظ البيهقي في كتاب المدخل من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: «القائم بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد». جعلنا الله من القائمين بسنته عند فساد أمته وأعاننا على ردع من ابتدع وأصر وتذكير من سها واستمر والأمر بالاتباع لمن أنكر واجتنب ومساعدته في فعل ما وجب خلافا لمن أنكر حقه وجحد وعارضه فيما له قصد وسلك طريقه من أسر خلاف ما أعلن وسبيل الذين يجادلون في الحق بعدما تبين اتباعا للهوى، وقد خاب من افترى، وقصدنا بذلك امتثال أمر المصطفى ﷺ فيما أمر به من النصيحة والنصرة الصحيحة فقد صح عنه من حديث تميم الداري رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: «الدين النصيحة» -ثلاث مرات- قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسله ولأئمة المؤمنين وعامتهم». ومن حديث ثوبان قال قال رسول الله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله»، ومن حديث أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: «» أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»، قيل يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ فقال: «تكفه عن الظلم فذلك نصرك إياه».
الفصل الثالث
عدل3 - فصل في معنى وأصل البدعة وقد صنف الإمام الشيخ الزاهد أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي رحمه الله كتابا ذكر فيه جملا من بدع الأمور ومحدثاتها التي ليس لها أصل في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا غيره وهو كتاب حسن مشحون بالفوائد على صغره أخبرنا به شيخنا العلامه أبو الحسن علي بن محمد الهمداني قراءة مني عليه قال أنبأنا به الإمام أبو الطاهر أسماعيل بن مكي بن عوف مفتي الأسكندرية عنه وسننقل منه الى هذا الكتاب جمله من قوائده في مواضعها وذكر في أوله فصلا في معنى لفظ البدعة قال فإن قيل ما معنى أصل البدعة قلنا أصل هذه الكلمة من الآختراع وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق ولا مثال احتذى ولا ألف مثله ومنه قولهم أبدع الله الخلق أي خلقهم ابتداء ومنه قوله تعالى بديع السموات والأرض البقرة آية 117 وقوله قل ما كنت بدعا من الرسل الأحقاف آية 9 أي لم أكن أول رسول الى أهل الآض قال وهذا الأسم يدخل فيما تخترع القلوب وفيما تنطق به الألسنة وفيما
تفعله الجوارح والدليل على هذا ما سنذكره في أعيان الحوادث من تسمية الصحابة رضى الله عنهم وكافة العلماء بدعا للأقوال والأفعال قلت وقد غلب لفظ البدعة على الحدث المكروه في الدين مهما أطلق هذا اللفظ ومثله لفظ المبتدع لا يكاد يستعمل إلا في الذم وأما من حيث أصل الاشتقاق فإنه يقال ذلك في المدح والذم المراد أنه شيء مخترع على غير مثال سبق ولهذا يقال في الشيء الفائق جمالا وجوده ما هو إلا بدعة وقال الجوهري في كتاب صحاح اللغة والبديع والمبتدع ايضا والبدعة الحدث في الدين بعد الإكمال قلت وهو ما لم يكن في عصر النبي مما فعله أو أقر عليه أو علم مع قواعد شريعته الإذن فيه وعدم النكير عليه نحو ما سنشرحه في الفصل الآتي عقيب هذا الفصل وفي معنى ذلك ما كان في عصر الصحابه رضى الله عنهم مما أجمعوا عليه قولا أو فعلا أو تقريرا وكذلك ما اختلفوا فيه فإن أختلافهم فيه رحمه مهما كان للاجتهاد والتردد مساغ وليس لغيرهم إلا إلاتباع دون الإبتداع وما أحسن ما قاله إبراهيم النخعي رحمه الله عليه ما أعطاكم الله خيرا أخبيء عنهم وهم أصحاب رسوله وخيرته من خلقه أشار بذلك الى ترك الغلو في الدين والى الاقتداء بالسلف الصالحين وقد قال الله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق فكل من فعل أمرا موهما أنه مشروع وليس كذلك فهو غال في دينه
مبتدع فيه قائل على الله غير الحق بلسان مقاله أو لسان حاله ومثاله ما رواه مالك بن أنس في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهذيل أنه رأى رجلا مجردا بالعراق فسأل عنه الناس فقيل أنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد قال ربيعة فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت ذلك له فقال بدعة ورب الكعبة قلت قوصف ذلك عبد الله بأنه بدعة لما كان موهما أنه من الدين لأنه قد ثبت أن التجرد مشروع في الإحرام بنسك الحج والعمرة فإذا فعل في غير ذلك أوهم من لا يعلم من العوام أنه مشروع في هذه الحالة الأخرى لأنه قد ثبت شرعته في صورة فربما يقتدى به فيتفاقم الأمر في أنتشار ذلك ويعسر الفطام عنه كما قد وقع في غيره من البدع على ما يأتي في كتاب الجامع لأبي بكر الخلال حدثنا موسى بن محمد الزبيري ثنا الزبير ثنا محمد بن الضحاك وغيره أن رجلا جاء الى مالك بن أنس فقال من أين احرم فقال من الميقات الذي وقت رسول الله وأحرم منه فقال الرجل فإن أحرمت من أبعد منه فقال مالك لا أرى ذلك فقال ما تكره من ذلك قال أكره عليك الفتنة قال وأي فتنة في ازدياد الخير فقال مالك فإن الله تعالى يقول فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم سورة النور أية 63 وأي فتنة أ كبر من من أنك خصصت بفضل لم يختص به رسول الله وفي رواية أن رجلا قال لمالك بن أنس من أين أحرم قال من حيث أحرم رسول الله فأعاد عليه مرارا قال فإن زدت على ذلك قال فلا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة قال وما في هذه من الفتنة إنما هي أميال أزيدها قال فإن الله تعالى يقول فليحذر الذين يخالفون عن أمره الآية قال وأي فتنة في هذا قال مالك وأي فتنة أعظم من أن ترى
أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله ورسوله وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعة وان كان المتمسك بالحق قليلا والمخالف كثيرا لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي ﷺ وأصحابه رضى الله عنهم ولا نظر الى كثرة أهل الباطل بعدهم قال عمر بن ميمون الأودي صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته بالتراب بالشام ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول سيلى عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصل معهم فإنها لك نافلة قال قلت يا أصحاب محمد ما أدرى ما تحدثون قال وما ذاك قلت تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول لي صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة قال يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة قلت لا قال ان جمهور الناس فارقوا الجماعة وأن الجماعة ما وافق الحق وأن كنت وحدك وفي رواية فقال ابن مسعود وضرب على فخذي ويحك أن جمهور الناس فارقوا الجماعة وأن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى قال نعيم ابن حماد يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وأن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى في كتاب المدخل 4 فصل في تقسيم الحوادث الى بدع مستحسنة والى بدع مستقبحة ثم الحوادث منقسمة الى بدع مستحسنة والى بدع مستقبحة قال حرملة ابن يحيى سمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم واحتج
يقول عمر رضى الله عنه في قيام رمضان نعمت البدعة وقال الربيع قال الشافعي رحمه الله تعالى المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو اجماعا أو أثرا فهذه البدعة الضلالة والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهي محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضى الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه يعني إنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى قلت وإنما كان كذلك لأن النبي ﷺ حث على قيام شهر رمضان وفعله ﷺ في المسجد واقتدى فيه بعض الصحابة ليلة بعد أخرى ثم ترك النبي ﷺ ذلك بأنه خشى أن يفرض عليهم فلما قبض النبي ﷺ أمن ذلك فاتفق الصحابة رضى الله عنهم على فعل قيام رمضان في المسجد جماعة لما فيه من أحياء هذا الشعار الذي أمر به الشارع وفعله وحث عليه ورغب فيه والله أعلم فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها والآستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي وذلك نحو بناء المنابر والربط والمدارس وخانات السبيل وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعد في الصدر الأول فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة اربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي ﷺ من الصدقات والمعروف واظهار الزينة والسرور فان ذلك مع ما فيه من الاحسان الى الفقراء مشعر بمحبة النبي ﷺ وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكرا لله تعالى على ما من به من ايجاد رسوله الذي أرسله رحمة
للعالمين ﷺ وعلى جميع المرسلين وكان أول من فعل ذلك يالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب أربل وغيره رحمهم الله تعالى ومما يعد أيضا من البدع الحسنة التصانيف في جميع العلوم النافعة الشرعية على اختلاف فنونها وتقرير قواعدها وتقيسمها وتقريرها وتعليمها وكثرة التفريعات وفرض المسائل التي لم تقع وتحقيق الأجوبة فيها وتفسير الكتاب العزيز وأخبار النبوة والكلام على الاسانيد والمتون وتتبع كلام العرب نثره ونظمه وتدوين كل ذلك واستخراج علوم جمة منه كالنحو والمعاني والبيان والآوزان فذلك وما شا كله معلوم حسنة ظاهره فائدته معين على معرفة أحكام الله تعالى وفهم معاني كتابه وسنة رسول الله وكل ذلك مأمور به ولا يلزم من فعله محذور شرعي وقد قال الامام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في شرح قوله ﷺ كل محدثة بدعة هذا خاص في بعض الأمور دون بعض وهي شيء أحدث على غير مثال أصل من أصول الدين وعلى غير عبادته وقياسه وأما ما كان منها مبنيا على قواعد الأصول ومردودا اليها فليس بدعة ولا ضلالة والله أعلم قلت ومن هذا الباب اقراره ﷺ بلالا رضى الله عنه على صلاته ركعتين بعد كل وضوء وان كان هو ﷺ لم يشرع خصوصية ذلك بقول ولا فعل وذلك لأن باب التطوع بالصلاة مفتوح إلا
في الأوقات المكروهه ومن ذلك اقراره ﷺ الصحابي الآخر على ملازمة قراءة قل هو الله أحد دون غيرها من السور وأما البدع المستقبحة فهي التي أردنا نفيها بهذا الكتاب وانكارها وهي كل ما كان مخالفا للشريعة أو ملتزما لمخالفتها وذلك منقسم الى محرم ومكروه ويختلف ذلك بإختلاف الوقائع وبحسب ما به من مخالفة الشريعة تارة ينتهي ذلك الى ما يوجب التحريم وتارة لا يتجاوز صفة كراهة التنزيه وكل فقيه موفق يتمكن بعون الله من التمييز بين القسمين مهما رسخت قدمه في إيمانة وعلمه 5
فصل في تقسيم البدع المستقبحة ثم هذه البدع المستقبحة والمحدثات تنقسم قسمين قسم تعرف العامة والخاصة أنه بدعة إما محرمة وإما مكروهة وقسم يظنه معظمهم إلا من عصم عبادات وقربا وطاعات وسننا فاما فالقسم الأول فلا نطيل بذكره إذ قد كفينا مؤنة الكلام فيه لاعتراف فاعله انه ليس من الدين لكن نبين من هذا القسم مما وقع فيه جماعة من جهال العوام النابذين لشريعة الاسلام التاركين الأئمة الدين والفقهاء وهو ما يفعله طوائف من المنتمين الى الفقر الذي حقيقته الإفتقار من الآيمان من مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن واعتقادهم في مشايخ لهم ضالين ممضلين يأكلون في نهار رمضان من غير عذر ويتركون الصلاة ويخامرون النجسات غير مكترثين لذلك فهم داخلون تحت قوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله الشورى آية 21 وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادىء ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها ومن هذا القسم أيضا ما قد عم الإبتلاء به من تزيين الشيطان للعامة
تخليق الحيطان والعمد وسرح مواضع مخصومة في كل بلد يحكى لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحدا ممن اشتهر بالصلاح والولاية فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه ويظنون أنهم متقربون بذلك ثم يتجاوزون هذا الى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر وفي مدينة دمشق صانها الله تعالى من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى خارج باب توما والعمود المخلق داخل باب الصغير والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها فما أشببها بذات أنواط الواردة في الحديث الذي رواه محمد بن إسحق وسفيان بن عبينة عن الزهري عن سنان بن سنان عن أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله ﷺ الى حنين وكانت لقريش شجرة خضراء عظيمه يأتونها كل سنة فيعلقون عليها سلاحهم ويعكفون عندها ويذبحون لها وفي رواية خرجنا مع النبي قبل حنين ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله وفي الرواية الأولى وكانت تسمى ذات نواط فمررنا بسدرة بشجرة عظيمة خضراء فتنادينا من جنبتي الطريق ونحن نسير الى حنين يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي الله أكبر هذا كما قال فوم موسى لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهه قال إنكم قوم تجهلون لتزكبن سنن من كان قبلكم أخرجه التزمذي بلفظ آخر والمعنى واحد وقال حديث حسن صحيح قال الإمام أبو بكر الطرطوسي رحمه الله تعالى في كتابه المتقدم ذكره فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من
شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق فاقطعوها فهي ذات أنواط قلت ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو اسحق الجبيناني رحمه الله تعالى أحد الصالحين ببلاد إفريقية في المائة الرابعة حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد بن أبي العباس المؤدب أنه كان الى جانبه عين تسمى عين العافيه كانت العامة قد افتتنوا بها ياتونها من الآفاق من تعذر عليها نكاح أو ولد قالت امضوا بي الى العافية فتعرف بها الفتنة قال أبو عبد الله فانا في السحر ذات ليلة اذ سمعت أذان اسحق نحوها فخرجت فوجدته قد هدمها وأذن الصبح عليها ثم قال اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأسا قال فما رفع لها رأس الى الآن قلت وادهى من ذلك وأمر إقدامهم على قطع الطريق السابلة يختزون في احد الأبواب الثلاثة القديمة العادية التي هي من بناء الجن في زمن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام ومن بناء ذي القرنين وقيل فيها غير ذلك ما يؤذن بالتقدم على ما نقلناه في كتاب تاريخ مدينة دمشق حرسها الله تعالى وهو الباب الشمالي ذكر لهم بعض من لا يثق به في شهور سنة ست وثلاثين وستمائة أنه رأى مناما يقتضي أن ذلك المكان دفن فيه بعض أهل البيت وقد اخبرني عنه ثقة أنه اعترف له انه افتعل ذلك فقطعوا طريق المارة فيه وجعلوا الباب بكماله أصل مسجد مفصوب وقد كان الطريق يضيق بسالكيه فتضاعف الضيق والحرج على من دخل ومن خرج ضاعف الله عذاب من تسبب في بنائه واجزل ثواب من أعان على هدمه وإزالة اعتدائه اتباعا لسنة النبي في هدم مسجد الضرار المرصد لأعدائه من الكفار فلن ينظر الشرع الى كونه مسجدا وهدمه لما قصد به من السوء والردى
وقال الله تعالى لنبيه ﷺ لا تقم فيه أبدا التوبة آية 108 أسأل الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه وألا يجعلنا ممن أضله فاتخذ إلهه هواه 6 فصل في القسم الثاني من البدع المشتبه أمره على الناس وأما القسم الثاني الذي يظنه معظم الناس طاعة وقربة الى الله تعالى وهو بخلاف ذلك أو تركه أفضل من فعله فهذا الذي وضعت هذا الكتاب لأجله وهو ما قد أمر الشرع به في صورة من الصور من زمان مخصوص أو مكان معين كالصوم بالنهار والطواف بالكعبة أو أمر به شخص دون غيره كالذي اختص النبي ﷺ من المباحات والتخفيفات فيقيس الجاهل نفسه عليه فيفعله وهو منهي عن ذلك ويقيس الصور بعضها على بعض ولا يفرق بين الأزمنة والأمكنة ويقع ذلك من بعضهم بسبب الحرص على ألآثار من إيقاع العبادات والقرب والطاعات فيحمهلم ذلك الحرص على فعلها في أوقات وأماكن نهاهم الشرع عن اتخاذ تلك الطاعات فيها ومنها ما هو محرم ومنها ما هو مكروه ويورطهم الجهل وتزيين الشيطان في أن يقولوا هذه طاعة قد ثبتت في غير هذه الآوقات فنحن نفعلها أبدا
فإن الله تعالى لا يعاقبنا على طاعة قد أمرنا بها وحثنا عليها أو ندبنا الى الأستكثار منها وهذا مثل صلاتهم في الأوقات المكروهه للصلاة وهي خمسة أوقات أو ستة عند الفقهاء ثبت نهي الشرع عن الصلاة فيها وكصومهم في الأيام المنهي عن الصوم فيها كصوم العيد ويوم الشك وأيام منى التشريق وكوصالهم في الصيام الذي هو من خصائص المصطفى ﷺ وقد اشتد نكيره ﷺ على من تعاطى ذلك فهؤلاء وأمثالهم يتقربون الى الله بما لم يشرعه بل نهى عنه وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون سورة البقرة آية 11 12 وما أحسن ما قال ولي الله أبو سفيان الداراني رحمه الله تعالى ليس لمن ألهم شيئا من الخيرات أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر فإذا سمعه من الأثر عمل به رحمه الله حين وافق ما في قلبه وقال أيضا رحمه الله تعالى ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة وقال الإمام أبو حامد العزالي رحمة الله في كتاب الأحياء من توجه عليه رد وديعه في الحال فقام وتحرم بالصلاة التي هي أقرب الى الله تعالى عصى به فلا يكفي في كون الشخص مطيعا كون فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشرط والترتيب واغتر بعض الجهال المتعلمين منهم بقوله واسجد واقترب سورة العلق آية 19 وظن أن هذا يقتضي عموم السجود في جميع الأوقات وأن كل سجود على الإطلاق يحصل به التقرب من الله تعالى وهو قرب الكرامة واتعضد بما جاء قبل ذلك من التعجب والآنكار في قوله تعالى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى سورة العلق آية 9 10 وغفل عن السجود المقرب الى الله تعالى هو السجود المأذون فيه وهو المشروع لا كل سجود من حيث الصورة والأنكار وقع في الآية ووقع على ما ينهي عن الصلاة المأذون فيها وهي المشروعه فتلك لا ينبغي لأحد أن ينهى عنها
أما إذا صلى العبد صلاة قد علمنا نهي الشارع عنها فإنه يجب على كل أحد علم به نهيه عنها فإن الشارع هو الذي نهاه وقد ثبت أن النبي نهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس خرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر رضى الله عنهما وقال عقبة بن عامر ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف للغروب حتى تغرب أخرجه مسلم وفيه من حديث أبي هريره رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة زاد بعض الرواة وليس في كتاب مسلم قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر وفي رواية أن رجلا قال يا رسول الله أي ساعات الليل والنهار تأمرني أن لا أصلي فيها فقال نعم إذا صليت الصبح فاقصر عن الصلاة الحديث وهو في السنن الكبير وفي سنن أبي داود عن عائشة رضى الله عنها أن النبي ﷺ كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال وفي صحيح البخاري وغيره أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان ينهى عن الركعتين بعد العصر ويضرب الناس عليهما وقال أيضا كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني النبي ﷺ وقال اتصلي الصبح أربعا وعن أبن عمر ابن عمر رضى الله عنهما أنه رأى رجلا يصلي بعد الجمعة ركعتين في مقامه فدفعه وفي رواية أنه أبصر رجلا يصلى الركعتين والمؤذن يقيم فحصبه وقال أتصلى الصبح أربعا اخرجهن البيهقي في السنن الكبير وقد جاء في الصحيح هذا اللفظ مرفوعا من حديث عبد الله بن مالك بن بحينة
قال البيهقي روينا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان إذا رأى رجلا يصلي وهو يسمع الإقامة ضربه قلت أيجوز لمسلم أن يسمع هذه الأحاديث والإثار ثم يقول أن النبي نهى الناس عن الصلاة من حيث هي صلاة وأن عمر وابن عباس رضى الله عنهما داخلان تحت قوله تعالى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى سورة العلق 9 10 وأن يقال لهما جوابا عن نهيهما كلا لا تطعه واسجد واقترب سورة العلق آية 19 فكذلك كل من نهى عن ما نهى عنه الشرع لا يقول له ذلك ولا يستحسنه من قائله ويسطره متبجحا به إلا جاهل محرف لكتاب الله تعالى مبدل لكلامه قد سلبه الله تعالى لذة فهم مراده من وحيه إن كان هذا من أوضح المواضع فكيف بما يذق معانيه وتلطف اشاراته ورده على الناهي عن ذلك ممتثلا بقوله تعالى كلا لا تطعه يتضمن الرد على الرسول فإنه هو الذي نهى وأمر بانكار المنكر والله حسيب من افترى اللهم اجعلنا ممن يدخل في عموم ما روى عن النبي مرسلا ومرفوعا من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاصي وغيرهما رضى الله عنهم يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
7 - فصل فيما اشتهر من البدع في بلاد الإسلام ومن هذا القسم الثاني أمور اشتهرت في معظم بلاد الإسلام وعظم وقعها عند العوام ووضعت فيها أحاديث كذب فيها على الله وعلى رسوله ﷺ واعتقد بسبب تلك الأحاديث فيها ما لم يعتقد فيما افترضه الله تعالى واقترنت فيها مفاسد كثيرة وأدى التمادي في ذلك الى أمور منكرة غير يسيرة ترك الاحتفال بها أولا فتفاهم أمرها فسومح بها فتطاير شررها وطهر شرها وأشدها في ذلك ثلاثة أمور وهي التعريف والألفية وصلاة الغائب
أما التعريف المحدث فعبارة عن اجتماع الناس عشية يوم عرفة في غير عرفة فعلول ما يفعله الحاج يوم عرفة من الدعاء والثناء وهذا أحدث قديما واشتهر في الأفاق شرقا وغربا واستفحل أمره ببيت المقدس وخرج الأمر فيه الى ما لا يحل اعتقاده وسنذكره أخبرنا أبو الحسن ثنا أبو طاهر أخبرنا أبو بكر الطرطوشي قال ابن وهب سألت مالكا عن الجلوس يوم عرفة يجلس أهل البلد في مسجدهم ويدعو الامام رجالا يدعون الله تعالى للناس الى غروب الشمس فقال مالك ما نعرف هذا وإن الناس عندنا اليوم يفعلونه قال ابن وهب سمعت مالكا يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر واجتماعهم للدعاء فقال ليس هذا من أمر الناس وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع قال ماللكك رحمه الله تعالى في العتبية وأكره ان يجلس أهل الافاق يوم عرفة في المساجد للدعاء ومن اجتمع اليه الناس للدعاء فلينصرف ومقامه في منزله أحب الي فاذا حضرت الصلاة رجع فصلى في المسجد وروى محمد بن وضاح أن الناس اجتمعوا بعد العصر من يوم عرفة في مسجد النبي يدعون فخرج نافع مولى ابن عمر فقال يا أيها الناس إن الذين أنتم فيه دعة وليست بسنة أدركت الناس ولا يصنعون هذا قال مالك بن أنس ولقد رأيت رجالا ممن اقتدى بهم يتخلفون عشية عرفة في بيوتهم قال ولا أحب للرجل الذي قد علم يعني العالم أن يقعد في المسجد تلك العشية إذا أرادوا أن يقتدوا به وليقعد في بيته قال الحارث بن مسكين كنت أرى الليث بن سعد ينصرف بعد العصر يوم عرفة فلا يرجع الى قرب المغرب وقال ابراهيم النخعي الإجتماع يوم عرفة أمر محدث وقال عطاء الخراساني إن استطعت أن تخلو عشية عرفة بنفسك فافعل وكان أبو وائل لا يأتي المسجد عشية عرفة قال الطرطوشي فاعلموا رحمكم الله أن هؤلاء الأئمة علموا أن أفضل
الدعاء يوم عرفة ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة لا في غيرها ولا منعوا من خلى بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى وإنما كرهوا الحوادث في الدين وأن يظن العوام أن من سنة يوم عرفة الإجتماع بسائر الآفاق والدعاء فيتداعى الأمر الى أن يدخل في الدين ما ليس منه قال وقد كنت ببيت المقدس فإذا كان يوم عرفة حشر أهل السواد وكثير من أهل البلد فيقفون في المسجد مستقبلي القبلة مرتفعة أصواتهم بالدعاء وكأنه موطن عرفة وكنت أسمع هناك سماعا فاشيا منهم ا من وقف ببيت المقدس أربع وفقات فإنها تعدل حجة ثم يجعلونه ذريعة الى اسقاط الحج الى بيت الله الحرام قلت وقد بلغني أن منهم من يطوف بقبة الصخرة تشبها بالطواف بالكعبة ولا سيما في السنين التي انقطع فيها طريق الحاج واخرج الحافظ ابو القاسم في ترجمة معاوية بن الريان قال خرجت مع سهل بن عبد العزيز الى أخيه عمر ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى حين استخلف فحضر فلما كان يوم عرفة صلى عمر العصر فلما فرغ انصرف الى منزله فلم يخرج الى المغرب ولم يقعد للناس وجاء عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال أول من جمع الناس في هذا المسجد يوم عرفة ابن عباس يعني مسجد البصرة وفي رواية أول من عرف ابن عباس وقال الحكم أول من عرف بالكوفة مصعب بن الزبير وقال ابن عوانة رأيت الحسن البصري رحمه الله تعالى يوم عرفة بعد العصر جلس فدعا وذكر الله تعالى فاجتمع الناس وفي وراية رأيت الحسن خرج يوم عرفة من المقصورة بعد العصر فقعد وعرف قال علي بن الجعد حدثنا شعبة قال سألت الحكم وحماد عن اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد فقالا وهو محدث وأخبرنا عن منصور عن إبراهيم قال هو محدث اخبرنا قتادة عن الحسن قال أول من صنع ذلك ابن عباس قلت فان ابن عباس رضى الله عنهما حضرته نية فقعد فدعا وكذلك
الحسن من غير قصد الجمعية ومضاهاه لأهل عرفة وإيهام العوام إن هذا شعار من شعائر الدين والمنكر إنما هو ما اتصف بذلك والله أعلم على أن تعريف ابن عباس قد صار على صورة أخرى غير مستنكر ذكر محمد بن قتيبة في غريبة قال في حديث ابن عباس ان الحسن ذكره فقال كان أول من عرف بالبصرة صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران وفسرهما حرفا حرفا قلت فتعريف ابن عباس رضى الله عنهما كان على هذا الوجه فسر للناس القرآن فإنما اجتمعوا لاستماع العلم وكان ذلك عشية عرفة فقيل عرف ابن عباس بالبصرة لاجتماع الناس له كاجتماعهم الموقف وقد وضحت ذلك أيضا في ترجمة عبد الله بن عباس رضى الله عنهما في كتاب التاريخ الكبير وعلى الجملة فأمر التعريف قريب إلا إذا جر مفسدة كما ذكره الطرطوشي في التعريف ببيت المقدس وقد قال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن التعريف في الأمصار يجتمعون يوم عرفة فقال أرجو أن لا يكون به بأس قد فعله غير واحد الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة وفي رواية قال أحمد لا بأس به إنما هو دعاء وذكر لله فقيل له تفعله أنت قال أما أنا فلا ذكره الشيخ من موفق الدين في كتابه المغني.
8 - فصل في بدعة النصف من شعبان فأما الألفية فصلاة ليلة النصف من شعبان سميت بذلك لأنها يقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة لأنها مائة ركعة في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة وبعدها سورة الإخلاص عشر مرات وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خير ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع وللعوام بها افتتان عظيم والتزم بسببها كثرة الوقيد في جميع مساجد البلاد التي تصلي فيها ويستمر ذلك كله ويجري فيه الفسوق والعصيان واختلاط الرجال بالنساء ومن الفتن المختلفة ما شهرته تغني عن
وصفه للمتعبدين من العوام فيها اعتقاد متين وزين الشيطان لهم جعلها من أجل شعائر المسلمين وأصلها ما حكاه الطرطوشي في كتابه وأخبرني به أبو محمد المقدسي قال لم يكن عندنا بيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلي في رجب وشعبان وأول ما حدثت عندنا في سنة 448 ه ثمان وأربعين وأربعمائة قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يعرف بابن أبي الحمراء وكان حسن التلاوة فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فاحرم خلفه رجل ثم انضاف اليهما ثالث ورابع فما ختمها إلا وهم جماعة كثيرة ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم ثم استقرت كأنها سنة الى يومنا هذا قلت فأنا رأيتك تصليها في جماعة قال نعم واستغفر الله منها قال وأما صلاة رجب فم تحدث عندنا ببيت المقدس إلا بعد سنة 480ه ثمانين وأربعمائة وما كنا رأيناها ولا سمعنا بها قبل ذلك أخبرناه الشيخ قال أنا الفقيه أبو الطاهر قال أخبرنا الإمام أبو بكر الطرطوشي فذكره قلت أبو محمد هذا أظنه عبد العزيز بن أحمد بن إبراهيم المقدسي روى عنه مكي بن عبد السلام الزميلي الشهيد ووصفه بالشيخ الثقة والله أعلم قال أبو بكر وروى ابن وضاح عن زيد بن اسلم قال ما ادركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون الى ليلة النصف من شعبان ولا يلتفتون الى حديث مكحول ولا يرون لها فضلا على سواها قال وقيل لابن ابي مليكة أن زياد النميري يقول أن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال لو سمعته وبيدي عصا لضربته قال وكان زياد قاسيا وأنا الحافظ أبو الخطاب بن دحيه قال في كتاب أداء ما وجب وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان احاديث موضوعه وواحد مقطوع وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعه فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة في كل ركعة الحمد لله مرة وقل هو الله أحد
عشر مرات فينصرفون وقد غلبهم النوم فتفوتهم صلاة الصبح التي ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال من صلى الصبح فهو في ذمة الله وقال في كتاب ما جاء في شهر شعبان من تأليفه أيضا قال أهل التعديل والتجريح ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح فتحفظوا عباد الله من مفتر يروي لكم حديثا موضوعا يسوقه في معرض الخير فاستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا من النبي فإذا صح أنه كذب خرج من المشروعيه وكان مستعمله من خدم الشيطان لاستعماله حديثا على رسول الله لم ينزل الله به من سلطان ثم قال ومما أحدثه المبتدعون وخرجوا به عما رسمه المتشرعون وجروا فيه على سنن المجوس واتخذوا دينهم لهوا ولعبا الوقيد ليلة النصف من شعبان ولم يصح فيها شيء عن رسول الله ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد وصدق من الرواة وما احدثه المتلاعب بالشريعة المحمدية راغب في دين المجوسية لأن النار معبودهم وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطعام وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه في سنن الإيمان ومقصودهم عبادة النيران وإقامة دينهم وهو اخسر الأديان حتى إذا صلى المسلون وركعوا وسجدوا وكان ذلك الى النار التي أوقدوا ومضت على ذلك سنون وإعصار تبعت بعد ذلك فيء سائر الأمصار هذا مع ما يجتمع في تلك الليله من الرجال والنساء واختلاطهم فالواجب على السلطان منعهم وعلى العالم ردعهم وإنما شرف شعبان لأنه رسول الله كان يصومه فقد صح الحديث في صيامه ﷺ شعبان كله أو أكثره والله أعلم قلت من جملة الأحاديث التي رووها في ليلة النصف ما أخرجه أبن
ماجة في سننه عن علي رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها وعن عائشة رضى الله عنها عن النبي ﷺ أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان الى السماء الدنيا فيغفر لاكثر من عدد شعر غنم بني كلب وعن ابي موسى رضى الله عنه عن رسول الله قال إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا المشرك أو مشاحن وكل ذلك باسانيد ضعاف فالأول أبن ابي سبره عن ابراهيم بن محمد وفي الثاني الحجاج بن ارطأة وفي الثالث ابن لهيعة والله أعلم وذكر الحافظ ابو بكر البيهقي في كتاب الدعوات الكبير الذي أنبأنا به أبو القاسم القاضي أنبأنا أبو عبد الله الفراوي أخبرنا البيهقي قال باب القول والدعاء ليلة البراءة فذكر حديثين عن عائشة رضى الله عنها وقد أخرج حديث عائشة الترمذي في جامعه وطعن فيه قال الإمام أبو بكر بن العربي في شرحه باب ليلة النصف من شعبان ذكر أبو عيسى في ذلك حديث الحجاج بن ارطاة عن يحيى بن أبي كثير عن عروة وطعن البخاري فيه من وجهين أحدهما أن الحجاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير ولم يسمع يحيى من عروة فالحديث مقطوع في وضعين وأيضا فإن الحجاج ليس بحجة قال وليس في ليلة النصف من شعبان حديث ساوى سماعه ثم قال كسوفا قمريا فاجتمع الخلق للكسوف واتفق لهم مع الكسوف تلك الليله واتصلت لهم الليلتان فما رأيت منكرا فط كان أجمع منه ولا أجمل وذكر البيهقي في كتاب الدعوات الكبير الذي أنبأ به أبو القاسم القاضي أنبأنا أو عبد الله الفراوي أخبرنا البيهقي قال باب الدعاء والقول ليلة البراءة فذكر حديثين عن عائشة رضى الله عنها أن النبي ﷺ صلى ليلتئذ وقال في هذه الليلة يكتب كل مولود وهالك من بنى آدم وفيها ترفع أعمالهم
وتنزل أرزاقهم وقال في الرواية الأخرى ان لله في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب ثم قال البيهقي في هذا الإسناد بعض من يجهل وكذلك فيما قبله وإذا أنضم أحدهما الى الآخر أخذ بعض القوة والله أعلم قلت وليس في هذا بيان صلاة مخصوصه وإنما هو مشعر بفضيلة هذه الليلة وقيام الليلة مستحب في جميع ليالي السنة وكان على النبي واجبا فهذه الليلة بعض من الليالي التي كان يصليها ويحيها وإنما المحذور المنكر تخصيص بعض الليالي بصلاة مخصوصه على صفة مخصوصه وإظهار ذلك على مثل ما ثبت من شرائع الإسلام كصلاة الجمعة والعيد وصلاة التراويح فيتداولها الناس وينشأ أصل وضعها ويربى الصغار عليها قد ألفوا أباءهم مخافظين عليها محافظتهم على الفرائض بل أشد محافظة ومهتمين لإظهار هذا الشعار بالزينة والوقيد والنفقات كاهتمامهم بعيدي الإسلام بل أشد على ما هو معروف من فعل العوام وفي هذا خلطوا ضياء الحق بظلام الباطل وعسى بوضع الكاذب وفعل الجاهل وقول البيهقي رحمه الله تعالى ليلة البراءة أي ليلة نصف شعبان والبراءة مصدر بريء ن كذا يشير الى البراءة من النار أو من الذنوب على ما سبق من الأحاديث وأنبأنا غير واحد عن الشيخ ابي الفرج عبد الرحمن بن علي قال في كتاب الأحاديث الموضوعات صلاة ليلة النصف من شعبان منها الصلاة المتداولة بين الناس رويت من طريق على وابن عمر وابي جعفر الباقر مقطوعة الإسناد ثم ذكر أسانيد الطرق الثلاثة ومتن حديث على رضى الله عنه من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان يقرأ بفاتحة الكتاب وقل هو الله احد عشر مرات فذكر من فضله وأجره ومتن حديث ابن عمر وابي جعفر الباقر بنحوه
لكنهما أخصر منه ثم قال أبو الفرج هذا الحديث لا يشك في أنه موضوع وجمهور رواته في الطرق الثلاثه مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة والحديث محال قطعا قال وقد رأينا كثيرا ممن يصلي هذه الصلاة ويتفق قصر الليل فينامون عقيبها فتفوتهم صلاة الفجر ويصبحون كسالى قال وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوها من الصلوات شبكة لجمع العوام وطلب الرسالة المتقدم وما لا يذكرها القصاص مجالسهم وكل ذلك عن الحق بمعزل قلت فهذا كله فساد ناشيء من جهة المتنسكين المضلين فكيف بما يقع من فساد الفسقة المتمردين وإحياء تلك الليلة بأنواع من المعاصي الطاهرة والباطنة وكله بسبب الوقيد الخارج عن المعتاد الذي يظن انه قربه وإنما هو إعانة على معاصي الله تعالى وإظهار المنكر وتقوية لشعار أهل البدع ولم يأت في الشريعة استحباب زيادة في الوقيد على قدر الحاجة في موضع ما أصلا وما يفعله عوام الحجاج يوم عرفة بجبال عرفاتو ليلة يوم النحر بالمشعر الحرام فهو من هذا القبيل يجب إنكاره ووصفه بأنه بدعة ومنكر وخلاف الشريعة المطهرة على ما ياتي بيانه والله أعلم وقد أنكر الإمام الطرطوشي على أهل القيروان اجتماعهم ليلة الختم في صلاة التراويح في شهر رمضان ونصب المنابر وبين أنه بدعة ومنكر وان مالكا رحمة الله تعالى كرهه ثم قال فإن قيل إنه يأثم فاعل ذلك فالجواب أن يقال إن كان ذلك على وجه السلامة من اللغط ولم يكن إلا الرجال والنساء منفردين بعضهم عن بعض يستمعون الذكر ولم تنتهك فيه شعائر الرحمن فهذه البدعة التي كره مالك رحمه الله تعالى وأما إن كان على الوجه الذي يجري في هذا الزمان من اختلاط الرجال والنساء ومضامة أجسامهم ومن احمة في قلبه مرض من أهل الريب ومعانقة بعضهم لبعض كما حكى لنا أن رجلا وجد يطأ امرأة وهم وقوف في زحام الناس قال وحكت لنا أمرأة أن رجلا واقعها فما حال
بينهما إلا الثياب وأمثال ذلك من الفسق واللغط فهذا فسق فيفسق الذي يكون سببا لاجتماعهم فإن قبل أليس روى عبد الرزاق في التفسير أن أنس بن مالك رضى الله عنه كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله قلنا هذا هو الحجة عليكم فإنه كان يصلي في بيته ويجمع أهله عند الختم فأين هذا من نصبكم المنابر وتلفيق الخطب على رؤوس الأشهاد فيختلط الرجال والنساء والصبيان والغوغاء وتكثر الزعقات والصياح ويختلط الأمر ويذهب بهاء الإسلام أو قال الإيمان وقال قبل ذلك عند إنكاره تطيب المرأة عند خروجها الى المسجد وأعظم من ذلك يوجد اليوم في هذا الختم من اختلاط الرجال بالنساء وازد حامهم وتلاصق أجساد بعضهم ببعض حتى بلغني أن رجلا ضم امرأة من خلفها فغيب بها في مزدحم الناس وجاءت إلينا امرأة تشكو فقالت حضرت عند الواعظ في المسجد الجامع فاحتضنني رجل من خلفي والتزمني في مزحم الناس فما جال بينه وبين ذلك منة إلا الثياب فأقسمت أن لا تحضره أبدا قلت وكل من حضر ليلة نصف شعبان عندنا بدمشق في البلاد المضاهية لها يعلم أنه يقع فيها تلك الليلة من الفسوق والمعاصي وكثرة اللغط والخطف والسرقة وتنجيس مواضع العبادات وأنها تهان بيوت الله تعالى أكثر مما ذكره الإمام أبو بكر في ختم القرآن والله المستعان فكل ذلك سببه الاجتماع للتفرج على كثرة الوقيد سببها تلك الصلاة المبتدعة المنكرة وكل بدعة ضلالة وقد رويت صلاة نصف شعبان على وجهين آخرين موضوعين أيضا ذكرهما أبو الفرج في كتابه
الأول عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي قال من صلى ليلة النصف من شعبان اثنى عشر ركعة يقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة ويشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت لهم النار والثاني عن علي رضى الله عنه قال رأيت رسول الله ليلة النصف من شعبان فقام فصلى أربع عشرة ركعة ثم جلس فقرأ بأم القرآن أربع عشرة مرة وقل هو الله أحد أربع عشرة مرة وقل أعوذ برب الفلق أربع عشرة مرة وقل أعوذ برب الناس أربع عشرة مرة وآية الكرسي أربع عشرة مرة ولقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية وقال من صنع هكذا كان له كعشرين حجة مبرورة وكصيام عشرين سنة مقبوله فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان له كصيام ستين ماضية وصيام ستين سنة مستقبله قال أبو الفرج الأول وهذا حديث موضوع وفيه جماعة مجهولون وقال في الثاني وهذا موضوع أيضا وإسناده مظلم وكان واضعه يكتب من الأسماء ما يقع له ويذكر قوما يعرفون قال وقد رويت صلوات آخر موضوعة فلم أر التطويل بذكر ما لا يخفي بطلانه 9 فصل في صلاة الرغائب وأما صلاة الرغائب فالمشهور بين الناس اليوم أنها هي التي تصلي بين العشائين ليلة أو جمعة في شهر رجب وقد سبق فيما حكاه الإمام أبو بكر الطرطوشي زمان حدوثها وظهورها وسبق في الحكاية أيضا أن صلاة ليلة النصف من شعبان كانت تسمى صلاة الرغائب والرغائب جمع رغبة وهي العطاء الكثير قال الشاعر أنشدني الجوهري عجز هذا البيت انشدني الجوهري عجز هذا البيت ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى وإلى الذي يعطى الرغائب فارغب
قال الهروى في كتاب الغريبين الذي أنبأنا به القاضي أبو القاسم أنبأنا زاهر بن طاهر أنبأنا أبو عبد الواحد بن أحمد بن القاسم المليحي الهروي وأبو عثمان الصابوني بسماع المليحي وإجازة الصابوني من مصنفة قال وحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن لا تدع ركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب قال شمر الرغائب ما يرغب فيه الواحدة رغيبة يعني الثواب العظيم قلت فكأنها سميت بذلك لأجل العطايا الحاصلة لمصيلها بزعم واضع الحديث فيها وهو ما أخبرنا به غير واحد عن الحافظ أبي القاسم سماعا منه قال أنا أبو الفتح نصر بن محمد الفقيه حدثنا الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم الزاهد أنا أبو سعد أحمد بن مظفر الهمداني حدثنا أبو منصور محمد بن أحمد الأصبهاني أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهمداني بمكة حرسها الله تعالى حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد البصري حدثني أبي حدثنا خلف بن عبد الله الصنعاني عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ فذكر الحديث في فضل صوم رجب ثم قال لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة فيه فانها ليلة تسميها الملائكة الرغائب ما من احد يصوم أول خميس في رجب ثم يصلي فيها بين العشاء والعتمة اثني عشر ركعة فذكر صفة الصلاة ثم قال إلا غفر الله له ذنوبه الحديث قال الحافظ أبو القاسم تفرد به خلف عن حميد ولم أكتبه إلا من حديث محمد بن سعيد عنه أنبأنا به ابو القاسم القاضي وغيره عاليا قالوا حدثنا الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر أنبأنا أبو القاسم بن هندة أنبأنا علي بن عبد الله بن جهضم الصوفي حدثنا علي بن محمد بن سعيد فذكره وابن جهضم هذا هو الهمذاني أبو الحسن المداس في اسناد الحافظ أبي القاسم وكان يتهم ذكر الحافظ أبو القاسم في تاريخه عن أبي الفضل بن جبرون قال ومن ذكر أنه مات سنة أربعة عشر يعني وأربعمائة أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم بمكة صاحب كتاب بهجة الأسرار وقد تكلم فيه قال الشيخ أبو الفرج
هذا الحديث موضوع على رسول الله ﷺ وقد اتهموا به جهضم فنسبوه الى الكذب وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول رجاله مجهولون وقد فتشت عليهم في جميع الكتب فما وجدتهم قال أبو الفرج ولقد أبدع من وضعها أي غلا في بدعته فانه يحتاج من يصليها الى أن يصوم وربما كان النهار شديد الحر فإذا صام لم يتمكن من الأكل حتى يصلي المغرب ثم يقف فيها ويقع في ذلك التسبيح الطويل والسجود الطويل فيتأذى غاية الأذى قال وأني لأغار لرمضان ولصلاة التراويح كيف روجها بهذه بل هذه عند العوام أعظم وأحلى فإنه يحضرها من لا يحضر الجماعات قلت ولعل سببه ما ذكر في هذا الحديث الموضوع من عظيم الصواب وتكفير الذنوب بهذه الصلاة فيتكل العامة عليها ويهملون القرائض وواضع هذا الحديث استعمل فيه ايضا من الالفاظ ما كان يدل على وضعه ظاهر أو هو قوله يصلي بين العشاء والعتمة أراد بين العشاء والمغرب فهذا بعيد من لفظ النبي ﷺ فإنه قد صح عنه أنه نهى أن يقال للمقرب العشاء ونهى ان يقال للعشاء العتمة وهذا وجه حسن والله أعلم قال الحافظ أبوالخطاب أما صلاة الرغائب فاتهم بوضعها على بن عبد الله ابن جهضم وضعها على رجال مجهولين لم يوجدوا في جميع الكتب رواها عنه الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن ابراهيم الأصبهاني أبي عبد الله محمد بن اسحق ابن مندة قال وكذلك عمل الحسين بن ابراهيم حديثا موضوعا على رجال مجهولين لا يعرفون والصقه بانس بن مالك قال قال رسول الله من صلى ليلة النصف من شعبان ورجب أربع عشر ركعة للحديث قال وهو حديث أطول من طويل جمع من الكذب والزور غير قليل قلت وما ذكره هذا الحافظ أبو الخطاب رحمه الله تعالى في أمر صلاتي رجب وشعبان هو كان سبب تبطيلهما في بلاد مصر بأمر سلطانها الكامل محمد بن أبي بكر رحمه الله تعالى فإنه كان ماثلا الى إظهار السنن وأمانة البدع
10 - فصل في الجواب على فتوى وقد وقعت هذه المسألة في الفتاوي بدمشق قبل سنة 620ه عشرين وستمائة صورتها ما تقول السادة الفقهاء الأئمة رضى الله عنهم في الصلاة المدعوة بصلاة الرغائب هل هي بدعة في الجماعات أم لا وهل ورد فيها حديث صحيح أم لا فأجاب فيها الشيخ الحافظ الفقيه أبو عمرو بن الصلاح بارك الله فه بجواب نقلته من خطه صورته حديثها موضوع على رسول الله وهي بدعة حدثت بعد أربعمائة سنة من الهجرة ظهرت بالشام وانتشرت في سائر البلاد ولا بأس بأن يصلها الأنسان بناء على أن الأحياء فيما بين العشائين مستحب كل ليلة ولا بأس بالجماعة في النوافل مطلقا أما أن تتخذ الجماعة فيها سنة وتتخذ هذه الصلاة من شعائر الدين الطاهرة فهذه من البدع المنكرة ولكن ما أسرع الناس الى البدع والله أعلم ووقعت هذه المسألة مرة ثانية صورتها ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين فيمن ينكر على من يصلي في ليلة الرغائب وليلة النصف من شعبان ويقول أن الزيت الذي يشعل فيها حرام وتفريط ويقول أن ذلك بدعة وا لهما فضل ولا ورد في الحديث عن النبي فيها فضل ولا شرف فهل هو على الصواب أو على الخطأ أفتونا رضى الله عنكم فأجاب أيضا أما الصلاة المعروفه في ليلة الرغائب فهي بدعة وحديثها المروي موضوع وما حدثت إلا بعد أربعمائة سنة من الهجرة وليس لليلتها تفضيل على أشباهها من ليالي الجمع وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيله واحياؤها بالعبادة مستحب ولكن على الانفراد من غير جماعة واتخاذ الناس لها وليلة الرغائب موسما وشعارا بدعة منكرة وما يزيدونه فيهما على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه فغير موافق للشريعة والألفيه التي تصلي في ليلة النصف لا أصل لها ولا أشباهها ومن العجب حرص الناس على المبتدع في هاتين
الليلتين وتقصيرهم في المؤكدات الثابتة عن رسول الله والله المستعان والله أعلم وقرأت في تأليف آخر له جمعة في سنة سبع وثلاثين وستمائة فصلا حسنا في هذا قال هذه الصلاة شاعت بين الناس بعد المائة الرابعة ولم تكن تعرف وقد قيل أن منشأها من بيت المقدس صيانه الله تعالى والحديث الوارد بها بعينها وخصوصها ضعيف ساقط الإسناد عند أهل الحديث ثم منهم من يقول هو موضوع وذلك الذي نظنه ومنهم من يقتصر على وصفه بالضعف قال ولا تستفاد له صحة من ذكر رزين بن معاوية أياه في كتابه في تجريد الصحاح ولا من ذكر صاحب الأحياء له فيه واعتماده عليه لكثرة ما فيهما من الحديث الضعيف وإيراد رزين له في مثل كتابه من العجب 11 فصل في العالم جهاده دفع البدع والمنكرات وإحياء السنة وإمانة البدع ولو كان ذلك بالرجوع عن الفتوى الأولى واتفق أن ولي الخطابه والامامة بجامع دمشق حرسها الله في سنة سبع وثلاثين وستمائة أحق الناس بها يومئذ الفقيه المفتي ناصر السنة مظهر الحق أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام ايده الله بحراسته وقواه على طاعته فجرى في إحياء السنن وأماتة البدع على عادته فلما قرب دخول شهر رجب أظهر الناس أمر صلاة الرغائب وأنها بدعة منكرة وأن حديثها كذب على رسول الله ﷺ وخطب بذلك على المنبر يوم جمعة وأعلم الناس أنه لا يصلها ونهاهم عن صلاتها ووضع في ذلك جزءا لطيفا سماه الترهيب عن صلاة الرغائب حذر الناس فيه من ركوب البدع والتقرب الى الله تعالى بما لم يشرع وأراد فطام الناس عنها قولا وفعلا فشق ذلك على العوام وكثير من المتميزين الطعام اغتروا منهم بمجرد كونها صلاة فهي طاعة وقربة فلما ذا ينهي عنها وركونا الى ذلك
الحديث الباطل وشق على سلطان البلد واتباعة أبطالها فصنف لهم بعض مفتي البلد جزء في تقريرها بتحسين حالها والحاقها بالبدع الحسنة من جهة كونها صلاة ودام نقض رد الجزء في تصنيفه هذا فرد عليه الفقيه أبو محمد أحسن رد وبين أنه هو الذي أفتى فيما نقدم بالفتيين المقدم ذكرهما فخالف ما كان أفتى به أولا وجاء بما وافق هوى السلطان وعوام الزمان وهو من العلماء الصالحين والأئمة المفتيين ولكن ليبلو بعضكم ببعض وجعلنا بعضكم لبقض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا وسنورد ما أعتمد عليه كل واحد منهما والحق ابلج واضح لمن أنصف وقد ضرب له مثل في تصنيفه الثاني المناقض لما كان أفتى به أولا بما ثبت في الصحيحين من قول عائشة رضى الله عنها في حديث الأفك يوم رد سعد بن عبادة على أسيد بن الحضير رضى الله عنهما قالت عائشة رضى الله عنها وكان يعني سعد بن عبادة ذلك رجلا صالحا ولكن أخذته الحمية وقد اعتذر عن ذلك بأنه تغير إجتهاده وقال الإجتهاد يختلف على ما قد عرف فلم تلتفت الى عذره لما علم المناوأة بين الرجلين فلم تحمل المخالفة إلا على ذلك ثم إني قلت نحن نأخذ بإجتهاده الأول الموافق للدليل وفتوى غيره ونرد إجتهاده الثاني المنفرد هو به لا سيما وإجتهاده الأول كان في حالة اجتماع الكلمة بين الرجلين والثاني في حال الفرقة بينهما فرأيه في الجماعة أحب إلينا من رأيه في الفرقه وقد سبقنا الى هذا الكلام رجل جليل من كبار التابعين قاله لا فضل أهل زمانه يؤمئذ من أصحاب رسول الله قال يعقوب بن سفيان حدثنا حماد حدثنا يعقوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال قال على رضى الله عنه اجتمع رأيي ورأى عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن قال ثم رأيت بعد أن تباع في دين سيدها وأن يعتق من نصيب ولدها فقلت رأيك ورأى عمر في الجماعة احب الينا من رأيك في الفرقة وقال حدثنا أبو نعيم حديث
القاسم بن الفضل قال حدثنا محمد بن علي يعني ابن جعفر قال قلت زعم أهل الكوفة أن عبيدة السلماني قال رأيك ورأى عمر اذا اجتمعا أحب الى من رأيك أذا انفردت فقال رجل من بني هاشم أو كان ذلك فقال محمد قد كان ذلك أخرجهما البيهق الحافظ في كتاب المدخل وغيره وأخرج في كتاب السنن الكبير من حديث جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السلمان قال كان علي رضى الله عنه يعطيه يعطي الجد الأخوة الثلث و كان عمر رضي الله عنه يعطيه السدس وكتب عمر الى عبد 2 الله رضى الله عنهما أنا نخاف أن نكون قد أجحفنا بالجد فأعطه الثلث فلما قدم على ههنا أعطاه السدس فقال عبيدة فرأيهما في الجماعة أحب الى من رأى احدهما في الفرقة 12 فصل في دليل العز بن عبد السلام في دفع بدعة صلاة الرغائب اعتمد الفقيه أبو محمد رحمه الله تعالى في إنكاره والمنع منها على أدلة بعد بيان بطلان حديثها منها أن قال ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة أن العلماء الذين هم ممن دونو الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض والسنن لم ينقل عن واحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ولا دونها في كتابه ولا تعرض لها في مجلسه والعادة تحيل أن يكون مثل هذه سنة وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين وقدوة المؤمنين وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن والحلال والحرام قلت وفي هذا أوضح دليل على انه لا أصل لهذه الصلاة بخصوصيتها من حيث الشريعة والخصم المخالف مسلم هذا لكنه يدعى جواز الفعل لدخول هذه الصلاة تحت مطلق الأمر الوارد في الكتاب والسنة بمطلق الصلاة فهي
مستحبة بعمومات نصوص الشريعة منها الصلاة نور وخير أعمالكم الصلاة ونحو ذلك فصارت كسائر التطوعات التي ينشئها الانسان من قبل نفسه والجواب عن هذا أن يقال ليست صلاة الرغائب من هذا القبيل لأن الصلاة التي أخبر النبي عنها أنها نور وأنها خير موضوع هي التي لا تخالف الشريعة بوجه من الوجوه وهذه الصلاة مخالفة للشرع من وجوه ثلاثة أتسع القول فيها بحيث ذكرنا كل وجه مع ما يتصل به ويتبعه في فصل الوجه الأول الحديث الصحيح الذي أخرجه الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج في صحيحه عن أبي كريب عن الحسين بن علي عن زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي قال لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم وأخرجه أيضا أبو عبد الرحمن النسائي في سنته الكبير فقال أخبرنا القاسم بن زكريا حدثنا حسين فذكره قال أبو محمد علي بن أحمد بن حزم ولا يجوز تخصيص ليلة الجمعة بصلاة زائدة على سائر الليالي واستدل بهذا الحديث قلت إن كان النهي للتحريم فالأمر على ما ذكر قان الصلاة غير منعقدة فهو كالنهي عن صوم يومي العيدين وإن كان النهي التنزية فينبغي أن يكون انعقاد الصلاة وجهين كالوجهين في الصلاة في الأوقات المكروهة والظاهر عدم الانعقاد فانها لو انعقدت لصحت وترتب عليها ثواب ولو صحت لكانت عبادة والعبادة مأمور بها والامر بالشيء والنهي عنه مقصودان يتناقضان وليس هذا كالصلاة في الدار المغصوبة فان النهي عنها غير مقصود في نفسه وهذا تعليل صاحب النهاية عليه قول النبي لجويرية رضى الله عنها وقد صامت يوم الجمعة أفطري رواه البخاري
ولو كان منعقدا لما حرمها ثواب ما شرعت فيه من الصوم والفرق بين نهي التنزيه ونهي التحريم ان فاعل المحرم معاقب على فعله وفاعل المكروه غير معاقب وهذا الحديث دال بطريق النظر على النهي عن صلاة الرغائب لأن من اشتراط الصلاة أن توقع ليلة أول جمعة في رجب فكان فعلها داخلا تحت النهي وفاعل هذه البدعة من امام مسجد ومفت وغيره لم يفرقوا قط بين من عادته قيام الليل فيسوعوا له ذلك وبين من ليس عادته ذلك فيمنعوه منه بل أكثر من يقع في هذه الصلاة العوام ومن لا يواظب على الفرائض فضلا عن النوافل الرواتب فضلا عن قيام الليل فالغالب أن هذه الصلاة تقع على الوجه الذي نهى النبي عنه فينبغي أن يمنع عنها من ليس من عادته قيام الليل من أمام وغيره وأما من كان من عادته قيام الليل وهو إمام مسجد فينبغي أيضا أن يمتنع منها لئلا يوقع المأمومين في صلاة نهى عنها في حقهم فيكون متسببا الى مخالفة الشريعة وهذا الحديث أيضا مما يدل على بطلان حديث أهل هذه الصلاة أعنى صلاة الرغائب ووضعه فان النبي لا يحث على الصلاة في وقت نهى عن الصلاة فيه فن قيل من حيث عادته قيام الليل قلنا اللفظ عام وواضح ذلك لم يرد إلا جمع العوام ولو أراد تخصيص ذلك بمن عادته قيام الليل لم يكن له فائدة إذ فعله غير متوقف على هذا الحديث الباطل فأن قيل هذا الحديث قد تكلم فيه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في جملة الأحاديث التي تكلم عليها في صحيح أبي الحسين مسلم فقال وهم فيه حسين على زائدة وخالفه معاويه بن عمرو قال فيه عن محمد عن بعض أصحاب النبي وقال أبن سيرين مرسلا ان النبي قال لأبي الدرداء قال ذلك أيوب وابن عون , هشام ويونس قلت قد أجاب عن هذا الحافظ أبو مسعود الدمشقي في جملة ما أجاب عنه من تلك الأحاديث التي تكلم عليها الدارقطني رحمه الله تعالى فقال حسين
الجعفي من الإثبات الحفاظ وقول معاوية عن زائدة عن هشام عن محمد عن بعض أصحاب النبي ما يقوى به حديث حسين وحديث الصوم له أصل عن أبي هريرة وقد أخرج أيضا حديث أن النبي نهى عن صوم يوم الجمعة من حديث جابر وهذا مما يبين أن الحديث ثابت عن النبي صلع وان له أصلا وانما اراد مسلم بإخراج حديث هشام عن ابن سيرين لتكثر طرق الحديث قلت ولذكر تخصيص ليلة الجمعة بالقيام فإنه ليس في حديث غير أبي هريرة ممن ذكر النهي عن صوم يوم الجمعة في صحيح مسلم ورواية ابن سيرين له مرة مرسلا لا يقدح له في روايته له مرة أخرى موصولا إذا صحت الرواية عنه وتنكيره للصحابي في بعض الروايات لا يمنع من تعيينه في رواية أخرى والصحابة كلهم عدول على أنه قد عين أيضا غير أبي هريرة أخبرنا عن الحافظ أبي طاهر الأصبهاني قال أنبأنا أبو الخطاب بن النظر قال أنا أبو محمد بن النبع أنا القاضي أبو عبد الله المحاملي حدثنا يوسف بن مهران ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عاصم الأحول عن ابن سيرين عن سلمان هكذا قال رسول الله لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام وقال محمد بن سعد في كتاب الطبقات الكبير أخبرنا اسحق بن يوسف الأزرق أخبرنا ابن عون عن محمد بن سيرين دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم جمعة فقيل له هو نائم فقال ماله قالوا إنه إذا كان ليلة جمعة أحياها ويصوم الجمعة قال فأمرهم فصنعوا طعاما في يوم جمعة ثم أتاهم فقال كل فقال اني صائم فلم يزل به حتى أكل ثم أتيا النبي صلع فذكر له ضلك فقال النبي وهو يضرب بيده على فخذ ابي الدرداء عويمر سلمان أعلم منك ثلاث مرات لا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الأيام وفي سنن النسائي الكبير أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا إسرائيل عن عاصم
عن محمد بن سيرين عن ابي الدرداء قال قال رسول الله ﷺ يا أبا الدرداء لا تخصن يوم الجمعة بصيام دون الأيام ولا تخصن ليلة الجمعة بقيام دون الليالي قلت فحصل من مجموع ذلك ان ابن سيرين روى هذا الحديث عن ثلاثة من الصحابة وهم أبو هريرة وسلمان وأبو الدرداء وحيث أطلق الصحابي في بعض هذه الروايات اراد به احد هؤلاء الثلاثة فاختصر وكذلك لما رواه مرسلا وذلك من تصرف الراوي عن ابن سيرين وكل ذلك صحيح الجمع بين جميع الروايات ممكن فلا يكون في ذلك تناقض والله أعلم ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة فان كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلا فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر فمثل ذلك يكون أي عمل من اعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر فالحاصل أن الملكف ليس له منصب التخصيص بل ذلك الى الشارع وهذه كانت صفة عبادة رسول الله قال الحافظ البيهقي في السنن الكبير باب من كره ان يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور أو صوم يوم من الأيام وساق فيه من الصحيحين حديث أبي سلمة عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وحديث علقمة قال قلت لعائشة رضى الله عنها هل كان رسول الله صلع يخص من الأيام شيئا قالت لا كان عمله ديمة قال الأمام الشافعي وأكره ان يتخذ الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل
رمضان وكذلك يوم من بين الأيام قال وإنما كرهته ليتأسى رجل جاهل فيظن ان ذلك واجب أو فعل حسن وذكر الشيخ أبو الخطاب في كتاب أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب عن المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ قال كان الإمام عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجب وينهي عن ذلك ويقول ما صح في فضل رجب ولا في صيامة عن رسول الله شيء وقد رويت كراهة صومه عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وكان عمر يضرب بالدرة صوامه وروى ذلك الفاكيهي في كتاب مكة له واسنده الامام المجمع على عدالته المتفق على إخراج حديثه وروايته ابو عثمان سعيد بن منصور الخراساني قال حدثنا سفيان عن مسعر عن وبرة عن خرشة بن الحر ان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوها عن طعامه حتى يضعوها فيه ويقول إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه قال وهذا سند مجمع على عدالة رواته فالصيام جنة وفعل خير وعمل بر لا لفضل صوم هذا الشهر قال فأن قيل اليس هذا هو استعمال خير قيل له استعمال الخير نبغي أن يكون مشروعا من النبي فإذا علمنا أنه كذب خرج من المشروعيه وإنما كانت تعظمه مصر في الجاهلية كما قال أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه وضرب أيدي الذين كانوا يصومونه وكان ابن عباس حبر القرآن يكره صيامه وقال فقيه القيروان وعالم أهل زمانه بالفروع ابو محمد ابن ابي زيد وكره ابن عباس صيام رجب كله خيفة أن يرى الجاهل أنه مفترض وقلت وذكر بعض هذه الآثار أبو بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث واليدع وزاد قال وروى ابن وضاح أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يضرب الرجبين الذين يصومون رجب كله وروى أن ابن عمر رضى الله عنهما كان إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كرهه وقال صوموا وافطروا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهيلة وعن أبي بكر رضى الله عنه أنه دخل على أهله
وقد أعدوا لرجب فقال ما هذا فقالوا لرجب نصومه فقال اجعلتم رجب كرمضان قال الطرطوشي يكره صيام رجب على أحد ثلاثة أوجه أحدها إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامة أنه فرض كرمضان أو أنه سنة ثابته خصه رسول الله كالسنن الراتبة وأما أن الصوم فيه مخصوص يفضل ثواب على سائر الشهور جار مجرى صوم عاشوراء وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض ولو كان من باب الفضائل لسنة صلع أو فعله مرة في العمر كما فعل في يوم عاشوراء وفي الثلث الغابر من الليل ولما لم يفعل بطل كونه مخصوصا بالفضيلة ولا هو فرض ولا سنة بإتفاق فلم يبق لتخصيصه بالصيام وحه فكره صيامه والدوام عليه حذرا من أن يلتحق بالفرائض والسنن الراتبة عند العوام فإن أحب أمرؤ أن يصومه على وجه يؤمن من فيه الذريعة وانتشار الأمر حتى لا يعد فرضا او سنة فلا بأس بذلك قال وسئل سفيان الثوري رحمه الله تعالى عمن يقرأ قل هو الله أحد لا يقرأ غيرها يكررها فكرهه وقال إنما أنزل القرآن ليقرأ ولا يخص شيء دون شيء وإنما انتم متبعون ولم يبلغنا عنهم مثل هذا قال محمد بن مسلمة ولا يؤتى شيء من المساجد يعتتقد فيه الفضل بعد المساجد الثلاثة إلا مسجد قباء قال وكره أن يعد له يوما بعينه فيؤتى فيه خوفا من البدعة وأن يطول بالناس زمان فيجعل ذلك عيدا يعتمد أو فريضه تؤخذ ولا بأس أن يؤتى كل حين ما لم تجيء فيه بدعة قلت وقد صح أن النبي كان يؤتى قباء كل سبت ولكن معنى هذا أنه كان يزوره في كل أسبوع وغبر بالسبت عن الأسبوع كما يعبر عنه بالجمعة ونظيره ما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك
رضى الله عنه في استسقاء النبي يوم الجمعة قال فيه فلا والله ما رأينا الشمس سبتا والله أعلم وقرأت في كتاب شرح الجامع للزعفراني الحنفي فصلا حسنا أعجبني إثباته ههنا قال وكان يكره ان يتخذ شيئا من القرآن حتما يوقت لشيء من الصلاة وكره أن تتخذ السجدة وهل أتى على الإنسان لصلاة الفجر يقرآن كل جمعة وأوصله قوله تعالى وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا قال ابن عباس ليس شيء من القرآن مهجورا وهذا لأن القرآن كلام الله تعالى ليس لبعضه على بعض من حيث أنه قرآن أما من حيث المذكور فقد يكون بينهما فرق وفي تخصيص البعض لبعض الصلاة هجر للباقي وإنما كره الملازمة في قراءة السورة فأما أحيانا فمستحب لأن الحديث قد صح أن النبي صلع قرأهما في صلاة الفجر ولكن فعل ذلك لا يدل على اللزوم لأن ذلك يوجب هجر غيره وملازمة بعض المصلين في الوتر قراءة سبح اسم ربك الأعلى وسورة القدر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد ليس بصواب لما قلنا وفي كتاب المغنى يستحب أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة ألم تنزيل السجدة وهل أتى على الأنسان نص عليه أحمد قال أحمد ولا أحب أن يداوم عليها لئلا يظن الناس أنها مفضلة بسجدة قلت والعجب من مواظبة أكثر أئمة المساجد على قراءة السجدة في صبح كل يوم جمعه ولا تكاد ترى أحدا من الخطباء في هذه البلاد يقرأ سورة ق في خطبة يوم الجمعة مع أن في صحيح مسلم عن أن هشام بنت حارثه قالت ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله ﷺ يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس
13 - فصل في الفرق بين صلاة الرغائب وغيرها من صلاة البدع وبين التطوع الوجه الثاني في الفرق بين صلاة الرغائب وغيرها من صلاة البدع وبين التطوع الذي ينشئه الإنسان المستفاد من النصوص الدالة على طلب التنقل بجنس الصلاة في غير الأوقات المكروهة أن نقول قد ثبت أن هاتين الصلاتين أعنى صلاتي رجب وشعبان صلاة بدعة قد كذب فيهما على رسول الله بوضع ما ليس من حديثه وكذب على الله تعالى بالتقدير عليه في جزاء الأعمال ما لم ينزل به سلطانا ولم يقترن بغير صلاة البدع من ذلك شيء وكان من الغيرة لله ولرسوله ولدينه تعطيل ما كتب عليه وهجره واطراحه واستقباحه وتنفير الناس عنه إذ يلزم من الموافقه عليه مفاسد الأولى اعتماد العوام على ما جاء في فضلها وتكفيرها فيحمل كثيرا منهم على أمرين عظيمين أحدهما التفريط في الفرائض والثاني الآنهماك في المعاصي وينتظرون مجيء هذه الليلة ويصلون هذه الصلاة فيرون ما فعلوه مجزيا عما تركوه وما حيا ما ارتكبوه فعاد ما ظنه واضع الحديث في صلاة الرغائب حاملا على مزيد الطاعات مكثرا من ارتكاب المعاصي والمنكرات المفسدة الثانية أن فعل البدع مما يغري المبتدعين الواضعين بوضعها واقترابها والزيادة عليها إذا رأوا رواج ما اقترفوه ووضعوه وانهماك الناس عليه ويقع لهم الطمع في إضلال الناس واستدراجهم من بدعة الى بدعة ويتوصل بذلك الى إهمال الشريعة والإنسلاخ منها فكان في فعلها إغراء بالباطل وإعانة عليه وذلك ممنوع شرعا وفي إطراح البدع وتنفير الناس عنها زاجر للمبتدعين والوضاعين عن وضع مثلها وابتداعه والزجر عن المنكرات واجب على المنزلة عند الله تعالى المفسدة الثالثة أن الرجل العالم المقتدي به والمرموق بعين الصلاح
إذا فعلها كان موهما للعامة أنها من السنن كما هو الواقع فيكون كاذبا على رسول الله بلسان الحال قد يقوم مقام لسان المقال وأكثر ما أتى الناس في البدع بهذا السبب يظن في شخص أنه من أهل العلم والتقوى وليس هو في نفس الأمر كذلك فيرمقون أقواله وأفعاله فيتبعونه في ذلك فتفسد أمورهم ففي الحديث عن ثوبان رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال إن مما الخوف على أمتي الأئمة المضلين أخرجه ابن ماجة والترمذي وقال هذا حديث صحيح وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بموت العلماء وحتى إذا لم يبقى عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم وأضلوا قال الإمام الطرطوشي رحمه الله تعالى فتدبروا هذا الحديث فإنه يدل على أنه لا يؤتى الناس قط من قبل علمائهم وإنما يؤتون من قبل إذا مات علماؤهم أفتى من ليس بعالم فيؤتى الناس من قبلهم قال وقد صرف عمر رضى الله عنه هذا المعنى تصريفا فقال ما خان أمين قط ولكان ائتمن غير أمين فخان قال ونحن نقول ما ابتدع عالم قط ولكنه استفتى من ليس بعالم فضل وأضل وكذلك فعل ربيعة قال مالك رحمه الله تعالى بكى ربيعة يوما بكاء شديدا فقيل له أمصيبة نزلت بك قال لا ولكن أستفتى من لا علم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم المفسدة الرابعة أن العالم إذا صلى هذه الصلاة المبتدعة كان متسببا الى أن تكذب العامة على رسول الله ﷺ فتقول هذه سنة من السنن والتسبب الى الكذب على رسول الله ﷺ لا يجوز لأنه يورط العامة في عهدة قوله ﷺ من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده
من النار فلا ينبغي للعالم أن يفعل ما يتورط العوام بسبب فعله في اعتقاد أمر على مخلفة الشرع وقد امتنع جماعة من الصحابة من فعل أشياء إما واجبة وإما مؤكدة خوفا من ظن العامة خلاف ما هي عليه قال الشافعي رحمه الله تعالى عليه وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر رضى الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية ان يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال اشتروا بهما لحما ثم قال هذه أضحية ابن عباس قال الشافعي رحمه الله تعالى وقد كان قل ما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة قال وإنما أراد بذلك مثل الذي روى عن أبي بكر وعمر رضى الله عنهما وعن أبي شريحة حذيفةبن أسيد قال أدركت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وكانا لي جارين وكانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما وعن أبي مسعود الأنصارى قال أني لأترك أن لا أضحي وإني لمؤسس كراهية أن يرى جيراني وأهلي أنه على حتم أخرجهن الحافظ البيهقي في كتاب المعرفة وذكرهن أيضا الطرطوشي الفقيه في كتابه وزاد أبو أيوب الأنصاري رضى الله عنه كنا نضحي عن النساء وأهلينا فلما تباهى الناس بذلك تركناها قال أبو بكر انظروا رحمكم الله فإن لأهل الإسلام قولين في الأضحيه أحدهما سنة والثاني واجبة ثم اقتحمت الصحابة ترك السنة حذرا من أن يضع الناس الأمر على غير وجهه فيعتقدوها فريضة قال ومن ذلك قصة عثمان بن عفان رضى الله عنه وذلك أنه كان يسافر فيتم في السفر فيقال له أليس قصرت مع رسول الله قال بلى ولكني أمام الناس فينظر الى الأعراب وأهل البادية اصلي ركعتين فيقولون هكذا فرضت قال الطرطوشي رحمة الله تعالى تأملوا رحمكم الله فإن في القصر قولين لأهل الإسلام منهم من يقول فريضة ومن أتم فإنه يأثم ويعيد أبدا ومنهم من يقول سنة يعيد من أتم في الوقت ثم اقتحم عثمان رضى الله عنه ترك الفرض أو السنة لما خاف من سوء العاقبة وأن يعتقد الناس أن الفرض ركعتان وكان عمر ينهي إلإماء عن لبس الإزار وقال لا تشبهن الحرائر وقال
لأبنة عبد الله ألم أخبر أن جاريتك لبست الأزار ولو لقيتها لأوجعتها ضربا قال أبو بكر الطرطوشي ومعلوم أن هذا سترة ولكن فهموا أن مقصود الشرع المحافظة على حدوده وأن لا يظن أن الحرة والأمة في السترة سواء فتموت سنة وتحيا بدعة قلت نظير ما حكى عن أبي بتكر وعمر رضى الله عنهما في الأضحية ما أخرجة البيهقي في كتاب السنن الكبير بسنده عن عبد الرحمن بن ابزي ان أبا بكر وعمر رضى الله عنه كانا يمشيان أمام الجنازة وكان على يمشى خلفها فقيل لعلى رضى الله عنه كانا يمشيان أمامها فقال أنهما يعلمان أن المشي أمامها كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا ولكنهما يسهلان للناس وقد أنكر عمر بن الخطاب على طلحة بن عبيد الله رضى الله عنهما فعلا يغتر بظاهرة الجهال فيحملونه على غير وجه ففي الموطأ عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر يحدث ابن عمر رضى الله عنهما أن عمر رأى طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة فقال طلحة يا أمير المؤمنين إنما هو مدر فقال ما فقال عمر إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال أن طلحة بن عبيد الله قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة قلت المدر الطين العلك الذي لا يخالطة شيء من رمل والمغرة الطين الأحمر فكأنه كان مصبوغا ولم يك مصبوغا بما لا يجوز في الأحرام فعله والله أعلم 14 - فصل في مخالفة صلاة الرغائب للشرع الوجه الثالث في الفرق أن هذه الصلاة أعنى صلاة الرغائب المفضوله على الوجه المخصوص المشهور الذي العوام به أحذق من العلماء مشتملة على مخالفة
سبن الشرع في الصلاة من وجوه ذكرها الفقيه أبو محمد في جزئه وردته أنا أيضاحا وتقريرا الوجه الأول مخالفة سنة المسلمين في الصلاة وماله حكم الصلوات من السجدات المشروعة بسبب عدد التسبيحات وعدد قراءة القدر والاخلاص في كل ركعة ولا يتأنى ذلك إلا بتحريك الأصابع في الغالب وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال اسكنوا في الصلاة وأما تكبيرات العيد ونحوها مما تعبدنا الشرع بتكراره في الصلاة فإن كان قليلا يمكن فعله مع كمال الخشوع فهما عبادتان وإلا لم يكن إلا مع نقص الخشوع لم يضر ذلك لأن كليهما مأمور به للشرع فكيف ما تقلب المكلف كان فاعلا ما أمر به ويقدم التكرار على الخشوع لتقديم الشرع له فهو أعلم بمصلحة ما كلف به وأما صلاة يبتدعها المكلف فليس له أن يتحكم ويجعل فيها العدد مقدما على الخشوع في جميع الصلوات على يقين من الأمر به ولسنا كذلك في العدد وهذا واضح ولله الحمد الوجه الثاني مخالفة سنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في الصلاة وتفريغه لله تعالى وملاحظة جلاله والوقوف على معاني القرآن والإذكار فهو المطلوب الأعظم في الصلاة قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ولهذا بحكى عن جماعة من الموفقين من المتقدمين أنه جرت بهم أمور عظيمة وهم في الصلاة فلم يحسوا بها كالذي يحكي عن مرور حجر المنجنيق بوجه عبد الله بن الزبير وخروج حية على ابن له صغير في بيته بحضرته وقطع رجل أخيه عروة وأبي العالية ووقوع قطعة من جامع البصرة ومسلم بن يسار يصلي رضى الله عنهم وإذا لاحظ المصلي عدد قراءة السور والتسبيحات بقلبه كان ملتفتا عن الله تعالى معرضا عنه
الوجه الثالث مخالفة سنة النوافل من جهة أن فعلها في البيوت أولى من فعلها في المساجد ومن جهة أن فعلها بالأنفراد أولى من فعلها في الجماعة إلا ما استثناه الشرع من ذلك الوجه الرابع ان كمال هذه الصلاة عند من وضعها من المبتدعين أن يفعلها من صام ذلك اليوم وعند ذلك يلزم تعطيل سنتين من سنن رسول الله ﷺ إحداهما تعجيل الفطر والثانية تفريغ القلب من الشواغل المقلقة في سبب جوع الصائم وعطشه ولهذا قال النبي إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابؤا بالعشاء وهذه الصلاة يدخل فيها بعد الفراغ من صلاة المغرب ولا يفرغ منها إلا عند دخول وقت صلاة العشاء الآخرة فتوصل بصلاة العشاء والقلق باق ويتأخر الفطر الى ما بعد ذلك الوجه الخامس أن سجدتي هذه الصلاة المفعولتين بعد الفراغ منها مكروهتان فإنهما سجدتان لا سبب لهما والشريعة لم ترد بالتقرب الى الله تعالى في السجود إلا في الصلاة أو لسبب خاص في سهو أو قراءةة سجدة وفي سجدة الشكر خلاف استحبها الشافعي وقال أحمد لا بأس بها وقال اسحق وأبو ثور هي سنة وكره النخعي ذلك وزعم أنه بدعة وكره ذلك مالك والنعمان هذا نقل ابي بكر بن المنذر في كتابه ثم قال بالقول الأول أقول لأن ذلك قد روى عن النبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعلي وكعب بن مالك وقال أمام الحرمين المعالي ذكر صاحب التقريب عن بعض الأصحاب أن الرجل لو خضع لله تعالى فسجد من غير سبب فله ذلك قال وهذا لم أره إلا له وكان شيخي يكره ذلك واشتد نكيره على من يفعل ذلك قال وهو الظاهر عندي قال أبو حامد الغزالي كان الشيخ أبو محمد رحمه الله يشدد النكير على فاعل ذلك وهو الصحيح وقال في كتاب النذر ولم يذهب أحد الى ان السجدة وحدها تلزم بالنذر فإنها ليست عبادة إلا مقرنه بسبب كالتلاوة قال إمام الحرمين وكان شيخي يقطع بأن السجدة مفرده لا تلزم بالنذر وإن كان 2
التالي يسجد فإن السجدة مفردة من غير سبب ليست قربة على الرأي الظاهر كما قرره في كتاب الصلاة قال أبو نصر الأرغباني سجود الشكر سنة عند مفاجأة نعمة واندفاع نقمة وبلية ولا تستحب لدوام النعم وقال صاحب التتمة جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعو فيه قال وتلك سجدة لا يعرف لها أصل ولا نقلت عن رسول الله ﷺ ولا عن أصحابه والأولى أن يدعو بالصلاة لما روى من الأخبار فيه والله أعلم قلت ولا يلزم من كون السجود قربة في الصلاة أن يكون قربه خارج الصلاة كالركوع قال الفقيه أبو محمد لم ترد الشريعه بالتقرب الى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب لها فإن القرب لها أسباب وشرائط وأوقات واركان لا تصلح بدونها وكما لا يتقرب الى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة من غير نسك واقع في وقته بأسبابه وشرائطه فكذلك لا يتقرب الى اللهتعالى بسجدة منفردة وان كانت قربة اذا كان لها سبب صحيح وكذلك لا يتقرب الى الله تعالى بالصلاة والصيام في كل وقت وأوان وربما تقرب الجاهلون الى الله تعالى بما هو مبعد عنه من حيث لا يشعرون قلت وهذا صحيح ففي الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت أن كنت لأفتل قلائد هدى رسول الله ثم يبعث بها وهو مقيم ما يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم قال وكان بلغها أن زياد بن أبي سفيان أهدى وتجرد قال فقالت هل كانت له كعبة يطوف بها فإنا لا نعلم أحدا نحرم عليه الثياب وتحل له حتى يطوف الكعبة رواه البيهقي في السنن الكبير ثم قال أخرجه مسلم في الصحيح من حديث حماد بن زيد عن هشام وفي السنن الكبير أيضا عن أبي الصديق الناجي قال رأى عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما قوما قد اضطجعوا بعد الركعتين قبل صلاة الفجر فقال أرجع اليهم فاسألهم ما حملهم على ما صنعوا قال فأتيتهم فسألتهم فقالوا نريد السنة قال فارجع اليهم فاخبرهم أنها بدعة
وفي كتاب أبي بكر الطرطوشي الله تعالى قال روى محمد بن وصاح أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي ﷺ لأن الناس كانوا يذهبون إليها فخاف عمر رضى الله عنه الفتنة عليهم قال كان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون تلك المساجد وتلك الآثار التي في المدينه ما عدا قباء واحدا ودخل سفيان الثوري رحمه الله تعالى ببيت المقدس فصلى فيه ولم يتبغ تلك الآثار والصلاة فيها وكذلك فعل غيره أيضا ممن يقتدي به قال محمد بن وضاح كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرا عند من مضى وكم متحبب الى الله تعالى بما يبغض الله تعالى عليه ومتقرب الى الله تعالى بما يبعده منه وكل بدعة عليها زينة وبهجة قال وروى المالكي في كتاب رياضة النفوس أن يحيى بن عمر الفقيه الأندلسي كان يعبر في القيروان على موضع ناس حاكه فإذا كانت أيام العشرين يرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل فنهاهم فلم ينتهوا وكان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال فدعا الله عليهم ثم انقرضوا وخربت ديارهم برهة من الزمان 13 15 - فصل في الرد على من يعتقد في صلاة الرغائب واعتمد الشيخ التقي في تشريغ هذه الصلاة على دخولها تحت مطلق الأمر الوارد بمطلق الصلاة وقال لا يلزم من ضعف الحديث بصلان صلاة الرغائب وجوابه أنا لم نأخذ ذلك من بطلان الحديث فقط بل من أدلة أخر منها النهي عن تخصيص ليلة ا لجمعة بقيام وما ثبت بعد ورود الأمر المطلق كونه مكروها لا يتعلق الأمر المطلق به نص عليه أئمتنا في كتب الأصول وقرروه ثم أن ذلك يجري مجرى الخصوص والعموم والخاص مرجع على العام سواء تقدم العام أو تأخر لا خلاف فيه على أنه قد تقدم الجواب عن هذا الذي ذكره والفرق من وجوه سبقت ثم أنه لو سلم أن هذه الصلاة يسوغ الإقدام عليها
بناء ذلك فهذا أمر لا يعرفه إلا خواص العلماء وأما العوام ومن لا يرسخ قدمه في العلم فلا يفعل هذه الصلاة إلا معتقدا أنه سنة من السنن الموظفة المأجور عليها مصليا أضعافا مضاعفه فهو لا يدخل فيها إلا ناويا ذلك وأقل المراتب أن ينوي صلاة الرغائب وليس لنا في الشريعة صلاة بهذا الإسم فكأنه نوى ما لا حقيقة له شرعا قال الفقيه أبو محمد جوابا لمفتيين أفتيا بصحة هذه الصلاة فقال افتيا بصحتها مع خلاف أصحاب الشافعي رضى الله عنه في صحة مثلها فان من نوى صلاة ووصفها في نيته بصفة فاختلفت تلك الصفة فهل تبطل صلاته من أصلها أو تنعقد نفلا فيه خلاف مشهور وهذه الصلاة بهذه المثابة فإن من يصليها يعتقد أنها من السنن الموظفة الراتبة وهذه الصفة مختلفة عنها ثم قال الشيخ روى التزمذي في كتابه تعليقا من حديث عائشة رضى الله عنها فلم يضعفه أن النبي ﷺ قال من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة قال فهذا مخصوص فيما بين المغرب والعشاء فهو بتناول صلاة الرغائب من جهة أن اثنتي عشرة ركعة وما فيها من الأوصاف الزائدة توجب نوعية وخصوصية غير مانعة من الدخول في هذا العموم فلو لم يرد حديث أصلا بصلاة الرغائب بعينها ووصفها لكان فعلها مشروعا لما ذكرناه ثم ضرب لذلك مثلا قلت أوهم الشيخ في كلامه هذا أنواعا من الإيهام وليس في قوله تعليقا من ذلك أن ظاهر هذا اللفظ أن الترمذي أسند هذا الحديث وهو لم يسنده أصلا وقوله تعليقا فيما يفهم من لفظ التعليق أنه الذي حذف من مبتدأ استاذه واحد وقد يكون أكثر من واحد واستعمله بعضهم فيما حذف منه جميع الآسناد وهذه درجات في الضعف بعضها دون بعض فيظن من يقف على كلامه هذا أنه من أعلا درجات التعليق وهو الذي حذف من مبتدأ سنده رجل وهو شيخ المصنف حذفه المعلم به كما وقع ذلك في بعض مسند صحيح البخاري ولم يخرجه ذلك عن الأحتجاج به عند بعضهم وهذا الذي خرجه التزمذي في أدنى درجات التعليق فإنه قد قال وروى عن عائشة رضى الله عنها عن النبي
ﷺ قال من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بني الله له بيتا في الجنة وكيف يحل الأحتجاج بمثل هذا مع علم المحتج به أنه لا حجة في المرسل والمنقطع والمعضل فما الظن بهذا وقوله ولم يضعفه موهم أنه عار من الضعف وهذا استرواح بارد اقناعي يروج على من وقف عليه من العوام وأما من وقف من العلماء على كتاب ابي عيسى التزمذى رحمه الله وتبين الصورة التي أخرج عليها هذا الحديث فقد عرف منزلة هذا الحديث عند الترمذي وهو أنه أنزل محلا من أن يقال فيه أنه ضعيف وذلك أنه قال أنبأنا أبو كريب حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عمر بن خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادتي ثنتي عشرة سنة قال أبو عيسى وقد روى عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى صلى الله الله عليه وسلم قال من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب عن عمر بن جثعم وسمعت محمد بن أسماعيل يقول عمر بن عبد الله بن أبي خثعم منكر الحديث وضعفه جدا قلت فاغتر الشيخ بكون الترمذي ضعف حديث أبي هريرة وسكت عن حديث عائشة فاعتقد أن حديث عائشة أمثل ولم يفعل الترمذي ذلك لذلك وإنما تعرض لتضعيف سند ما ساق اسناده وسكت عن حديث عائشة لأنه لا سند له فهو غير مقبول وترك ذكر اسناده لقوة ضعفه والله أعلم وقد استدل الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة بهذين الحديثين في سننه وبدأ بحديث عائشة فقال حدثنا أحمد ابن منيع حدثنا يعقوب بن الوليد القرشي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره يعقوب بن الوليد المديني كذاب وضاع على ما ذكره الأمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة الحديث على ما نقله
الخطيب في تاريخ بغداد وقال النسائي يعقوب بن الوليد ليس بشيء متروك وقد روى نحو هذا الحديث عن أبان بن أبي عياش المجمع على ضعفه عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله من صلى بعد المغرب اثني عشر ركعة يقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد أربعين مرة صافحته يوم القيامة أمن الصراط والحساب والميزان أحرجه أبو الفرح في كتاب الموضوعات ثم قال هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله علية وسلم وفيه مجاهيل وأن حديثه ليس بشيئ قلت لو صح هذا الحديث لم يعارض لما ذكرنا لوجهين أحدهما أن هذا خرج من النبي مخرج الترغيب في الصلاة بين العشائين مطلقا والمحافظة عليها فيكون ذلك كل ليلة ولا يختص بذلك ليلة جمعة ولا غيرها فضلا عن ليلة واحدة في كل عام وقد ثبت النهي عن تخصيص ليلة الجمعة فلا معارضة فان الخاص مقدم على العام والوجه الثاني أن الثواب المشروط بصلاة عشرين ركعة لا يحصل بفعل بعضها وصلاة الرغائب ناقصة عن هذا العدد ثم لو سلم اندراج صلاة الرغائب في ذلك لم يكن ذلك بمانع من النهي عنها في هذه الأزمان لما تعلق بها من المفاسد التي تقدم ذكرها وكيف يخفي ذلك على عالم محدث قد طرق سمعه كثيرا قول عائشة رضى الله عنها لو علم رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المسجد هذا مع صحة الحديث عن النبي لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وكل صلاة محدثه على صفة لم تعهد في الشريعة أن اقترن بها من الصفات ما يقتصي النهي عنها وإلا فلا كما ذكرنا في صلاة الرغائب من غير فرق فلا حاجة الى ما مثل به ثم نقول نص إمام الحرمين في كتاب النهاية على ان المتوضيء إذا شك فلم يدر أغسل وجهه مرتين أو ثلاثة على أنه يقتصر على ما جرى منه وحكاه عن والده الشيخ أبي محمد الجويني وعلل ذلك بأن قال إذا غسل مرة اخرى كانت مترددة بين الرابعة وهي بدعة وبين الثالثة وهي سنة وترك السنة أهون من اقتحام البدعة
قلت وحكى ذلك أبو محمد الغزالي أيضا وكذلك نقول ههنا لو صح أن ذلك سنة لكان ينبغي أن تترك ليلة صلاة الرغائب ولا تفعل على هذه الصفة المبتدعة خوفا من الوقوع في البدعة وإن استلزم ذلك ترك سنة من حيث فعل مجرد الصلاة بين العشائين فترك السنة أولى من اقتحام البدعة كما ذكر هؤلاء الأئمة وبالله التوفيق 16 - فصل في صلاة التسبيح ليس فيها حديث يثبت واستشهد الشيخ على جواز عد الآي والتسبيحات في الصلاة بحديث صلاة التسبيح ولم ينكر أحد جواز ذلك وإنما قيل في ملاحظة ذلك والإعتناء به نقص للخشوع المقصود من شرعية الصلاة والمحافظة علي الخشوع أولى إلا فيما استثناه الشارع فصلاة التسبيح أن صحت كانت من جملة ما استثناه الشرع على أنها لم تصح على كثرة طرقها لم يصف منها طريق ولا يغتر باخراجها في سنن ابي داود وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة ثم في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي وبأنه قد صنف فيها الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب جزأ جمع فيه طرقها وتسمية من رواها من الصحابة فقد قال إمام الأئمة محمد بن إسحق بن خزيمة في صحيحه باب صلاة التسبيح إن صح الخبر فإن في القلب منه وقال الحافظ أبو جعفر العقيلي ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت واخرجها الشيخ أبو الفرج في كتاب الموضوعات وطرقها كلها ما تخلوا من وقف وأرسال أو ضعف رجال والله أعلم ومما ذكر الشيخ أن قال هذه صلاة الرغائب صلاة لها أصل في الشريعة ظهرت وكثرت الرغبات فيها فيقال لمن أنكره صل هذه الصلاة وتجنب وجنب فيها ما زعمت أنه محذور وجوابه أن الانكار وقع عليها بجملتها ولو تركت خصائصها لخرجت من أن تكون الصلاة المنكرة بيانه أنه انكر فعلها في ليلة
جمعة مختصة بذلك والتزام تكرار السورتين فيها والسجدتين بعد والاجتماع 8لها والاعتناء بها اعتناء ما سنه الشارع لئلا يفضي ذلك الى نسبه للكذب والوضع على رسول الله ﷺ على ما سبق بيانه ولو يجتنب ذلك كله لم يبق إلا أن يصلي الشخص في بيته ركعات بين العشائين غير مخصص ليلة الجمعة بذلك وذلك مستحب مثاب عليه ولكن ليس هذا الذي كثرت الرغائب به وجرى فيه المخالف والتعصب إنما مراده العوام واعتقادهم في الاجتماع وفعلها وعلى هذه الصورة المخصوصة ولقد رأيت من العوام من قرع بعض أئمة المساجد وعابه بأنه لم يحسن يصليها فساءلته عن ذلك فذكر أنه صلى بهم صلاة الرغائب ولم يدر كيف يسجد السجدتين بعدها ورأيت العامي يعلمه إياها متعجبا من كونه إمام مسجد وهو غير خبير بها وذلك الإمام في يده كالأسير لا يمكنه أن يقول هي بدعة منكرة ولا أنها غير سنة وكم من إمام قال لي أنه لا يصليها إلا حفظا لقلوب العوام عليها وتمسكا بمسجده خوفا من انتزاعه منه وفي هذا دخول منهم في الصلاة بغير نية صحيحة وانتهاز الوقوف بين يدي الله تعالى ولو لم يكن في هذه البدعة سوى هذا لكفى وكل من آمن بهذه الصلاة أو حسنها فهو متسبب في ذلك مغر للعوام بما اعتقدوه منها كاذبين على الشرع بسببها ولو تصبروا وعرفوا هذه سنة بعد سنة لأقلعوا عن ذلك وتركوه وألغوه لكن تزول رياسة محبي البدع ومحييها والله الموفق وقد كان الرؤساء من أهل الكتاب يمنعهم من الإسلام خوف زوال رياستهم وفيهم نزل فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عبد الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون وحكى الشيخ التقي في كتاب المناسك له عن الشيخ أبي محمد قال رأيت ناسا إذا فرغوا من السعي على المروة فربما صلوا ركعتين على متسع المروه وذلك حسن وزيادة طاعة ولكن لم يثبت ذلك عن رسول الله
قال الشيخ التقي أبو عمرو قلت ينبغي أن يكره ذلك لأنه ابتداع شعار قلت وأن هذا لازم للشيخ في صلاة الرغائب فإنها ابتداع شعار فهي مكروهة وغالب ظني أني لما قرأت عليه كتاب المناسك المذكور وجاء هذا الموضع قلت له فكيف صلاة الرغائب فتبسم ولم يرد وتصنيفه المناسك كان قبل واقعة الرغائب فإنه صفه في سنة أربع وثلاثين وقراءتي إياه عليه كانت في سنة تسع وثلاثين وواقعة الرغائب كانت سنة سبع وثلاثين كما سبق وكلامه في المناسك موافق لكلامه في المفتين المتقدمين وهو الحق وبالله التوفيق وفي كتاب الطرطوشي رحمه الله تعالى قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لكعب ما أخوف ما تخاف على أمة محمد قال الآئمة المضلين قال صدقت قد أسر الى ذلك رسول الله قال سهيل بن عبد الله آخر عقوبه يعاقب بها ضلال هذه الأمة كفران النعم واستحسان المساوي وقال يسار أبو الحكم خرج رهط من القراء حتى بنوا مسجدا بنخلة قريبا من الكوفة فوضعوا جرارا من ماء وجمعوا أكواما من الحصى للتسبيح ثم قاموا يصلون في مسجدهم ويتعبدون وتركوا الناس فخرج اليهم ابن مسعود فقالوا يا مرجبا يا أبا عبد الرحمن انزل فقال والله ما أنا بنازل حتى يهدم مسجد الخبال هذا فهدموه ثم قال والله إنكم لمتمسكون بذنب ضلطة أو لانتم لا هدى ممن كان قبلكم أرأيتم لو أن الناس كلهم صنعوا ما صنعتم من كان لجمعهم ولصلاتهم في مساجدهم ولعيادة مرضاهم ولدفن موتاهم فردهم الى الناس فقال ابن مسعود رضى الله عنه أن منكر اليوم معروف قوم ما جاؤا بعد وإن معروف اليوم لمنكر قوم ما جاؤا بعد أخرجه الدارمي في مستنده وأخرج الحافظ أبو القاسم في كتاب فضل أصحاب الحديث عن ابن سيرين قال إن قوما تركوا العلم ومجالسة العلماء واتخذوا محاريب يصلون فيها حتى يبس جلد أحدهم على عظمه خالفوا السنة فهلكوا والله ما عمل عامل بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح
17 - فصل في إنكار من أنكر من البدع فقد بان ووضح بتوفيق الله تعالى صحة إنكار من أنكر شيئا من البدع وإن كان صلاة ومسجدا ولا مبالاة بشناعة جاهل يقول كيف يؤمر بتبطيل صلاة وتخريب مسجد فما وزانه الأوزان من يقول كيف يؤمر بتخريب مسجد إذا سمع أن النبي خرب مسجد الضرار ومن يقول كيف ينهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وإذا سمع حديث علي رضي الله عنه المخرج في الصحيح نهاني رسول الله ﷺ أن اقرأ القرآن في الركوع والسجود واتباع السنة أولى من اقتحام البدعة وأن كانت صلاة في الصورة فتركه واتباع السنة أكثر فائدة وأعظم أجرا إن سلمنا أن لتلك الصلاة أجرا وقد تقدم من الآدلة على ذلك والآثار ما فيه كفاية ونزيد ههنا أشياء منها ما أخرجه الطرطوشي في كتاب الحوادث قال روى مالك رحمه الله تعالى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ضرب رجلا على صلاته بعد العصر ورواه غيره فقيل له أعلى الصلاة فقال على خلاف السنة وفي كتاب عبد الله بن الزبير الحميدي في الرد على أهل الأهواء قال حدثنا سفيان حدثنا حجير عن طاوس قال رآني ابن عباس وأنا أصلي بعد العصر فنهاني فقال إنما كرهت لئلا تتخذ سلما قال ابن عباس نهى رسول الله ﷺ عن الصلاة بعد العصر وقال الله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنه الآية ولا أدري يعذب أم يؤجر وفي مسند الدارمي حدثنا عبد الله ابن سعيد حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجر قال كان طاوس يصلي ركعتين بعد العصر فقال له ابن عباس أنه قد نهى رسول الله عن صلاة العصر فلا أدري تعذب عليها أم تؤ الله تعالى قال وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم قال سفيان يتخذون سلما يقولون نصلي بعد العصر الى الليل
قلت وطاوس هذا أبو عبد الله اليماني فقيه أهل اليمن وكان من كبار أصحاب ابن عباس وفهم السبب الذي لأجله أنكر عليه ابن عباس وهو مخالفة السنة فاستعمل هذا الإنكار بعيه في صورة أخرى حيث كانت على خلاف السنة عنده قرأت في كتاب المغني في شرح مختصر أبي القاسم الخرقي الذي أنبأنا به مصنفه الشيخ موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه رحمه الله تعالى ونقلته من خطه وقال طاوس الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أم يعذبون قيل له فلم يعذبون قال لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج الى أربعة أميال ويجري الى أن يحيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف كلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء قلت هذه الفتوى على رأي من لا يرى الإكثار من الأعتمار والموالاة بين العمرة في سنة واحدة وهو الذي نختار لأنه على خلاف سنة رسول الله فإنه لم يعتمر في سنة إلا مرة وقد حققنا ذلك في موضع آخر وكان طاوس قال لأنه يخالف السنة ثم بين أنه مع مخالفته للسنة تفوته جملة من العبادة وهو كثرى الطواف بالبيت قال أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي رباح عن سعيد بن السيب أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه فقال يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك على خلاف السنة أخرجه البيهقي في السنن وقال الدارمي حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن أبي رباح شيخ من آل عمر قال رأى سعيد بن المسيب رجلا يصلي بعد الركعتين يكثر فذكره وقد ذكرنا في التاريخ في ترجمة السرقسطي الزاهد رحمه الله تعالى أنه قال عمل قليل في سنة خير من كثير في بدعة كيف يقل عمل تقوى ورأينا في جزء أبي عبد الله بن محمد العيشي قال أنبأنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن الحسن عن أبي الحسن أنه قال إذ صلى الرجل في بيته فإنه يقيم إقامة فقال يزيد الرقاشي أفلا يؤذن ويقيم فيكون له أجران فقال الحسن السنة
71 - أفضل وقال الطرطوشي وروى استاذنا القاضي أبو الوليد في المنتقى أن ابن عمر حضر جنازة فقال لتسرعن بها وإلا رجعت قال أبو بكر انظروا رحمكم الله لما تركت الإسراع وهي السنة هم ابن عمر بالإنصراف لم ير أن قيراطين من الأجر تفي بترك السنة من سنن رسول الله 18 - فصل في إنكار الصحابة رضى الله عنهم مخالفة السنة وقد أنكر الصحابة رضى الله عنهم مخالفة السنة في أمر هو أقرب لما ذكرنا منه ما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال أخرج مروان المنبر في يوم عيد وبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال يا مروان خالفت السنة أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج به وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ولم يكن يبدأ بها فقال أبو سعد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت النبي يقول من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان قلت فنسب مروان الى مخالفة السنة وجعل أبو سعيد فعله منكرا وليس في تقديم الخطبة على الصلاة كبير أمر ولا خلل بالمقصود منها وكذا في إخراج المنبر إلا مجرد الإمتهان له وقد ثبت تقديم الخطبة على الصلاة في صلاة الإستسقاء جاء أنه ﷺ خطب قبل الصلاة وجاء أنه ﷺ صلى قبل الخطبة فيحمل ذلك على وقتين وجواز الأمرين بحصول الغرض بكل واحد من هذين النوعين وصلاة الإستسقاء عند الفقهاء القائلين بإنها جارية مجرى تقديمها في الإستسقاء ومع ذلك أنكرته الصحابة ونسبت فاعله الى مخالفة السنة فكيف لو رأى الصحابة ما قد أحدث من هذه الصلوات
المبتدعة في الأوقات المكروهة على الصفات غير المشروعة ثم وضع فيها أحاديث منكرة ثم عوند فيها من أنكرها من أهل الحق من العلماء نعوذ بالله من الخذلان فهو المستعان وعهدي بأن مثل هذه الصلاة لا يحافظ عليها إلا عامي جاهل وأن أهل العلم مطبقون على إنكارها كما حدثنا الشيخ أبو الحسن العلامة قال كنت جالسا بعد المغرب عند الشيخ أبي القاسم بن فيرة الشاطيء رحمه الله تعالى وحدثني بحجرته التي كان يقرأ فيها القرآن بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة من الديار المصرية والناس يصلون صلاة الرغائب في المدرسة وأصواتهم تبلغنا فلما فرغوا منها سمعت الشيخ الشاطبي يقول لا إله إلا الله فرغت البدعة مرتين قلت وكان هذا الشاطبي جامعا بين العلم والعمل وليا من أولياء الله تعالى ذا كرامات وقد بينت أحواله في أول شرح قصيدته في القرآن وقد حدثني عنه شيخنا المذكور أنه قال ما أتكلم بكلمة إلا الله فما أراد الشاطبي رحمه الله تعالى بهذا الكلام إلا إعلام صاحبه بأنها بدعة نصحا لله ولدينه وقرأت بخط بعض الشيوخ قال كنت بحران سنة خمس وستمائة أسمع الحديث على الحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه الله عليه فاتفق أنه ذكرت في بعض الأيام صلاة الرغائب فمنكرها ذكرها واضع منها ثم قال كنت أصلي بمسجد الصخرة يعني إماما بجماعته ومسجد الصخرة هذا بحران مشهور معتبر وله جماعة جامعة وأهل حران أبدا يتذاكرون أنه مقام إبراهيم عليه السلام شائع ذلك فيما بينهم ولا يكاد يكون إمامه إلا رجلا معتبرا فقال رحمه الله تعالى وهو يتبسم وكان رحمه اله تعالى كيسا مبساما بشوشا منبسطا الى أصحابه ومجالسه مع حرمة ووقار وهيبة قال وكنت إذا جاءت ليلة الرغائب أهرب وأخليهم أو كما قال وكان في المجلس رجل من متميزي أهل حران جالسا الى جنبه فقال له وكل واحد منهما متبسم الى صاحبه يا سيدي ولم لا كنت تحضر وتصلى بهم وما كان يضر من ذلك قال هذا الإجتماع لها والإحتفال بها ليس بمليح
ولا من السنة وهي على خلاف ما جاءت به النوافل والسجدتان عقيبهما إطالتهما وإطالة الجلوس بينهما على خلاف السنة والحديث المروي فيها ليس بصحيح يروى من طرق مدادها على علي بن جهضم وكان كذابا قلت ولا ينبغي لمسلم أن يرغب عن سنة رسول الله فمن يرغب عن سنته فليس منه وفي الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن النبي قال ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه تفوالله لأنا أعلم بالله وأشدهم له خشية وفي كتاب السنن الكبير عن صفوان بن محرز قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر قال ركعتان من خالف السنة كفر يعني من غير مصلحة تأولها كما تأول عثمان رضى الله عنه على ما سبق قوله كفر يعني لمخالفته السنة لأنه سلك غير سبيل المؤمنين كقوله عليه السلام من يرغب عن سنتي فليس مني 19 - فصل في فضل شهر رجب وقد أملى في فضل رجب الشيخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن محدث الشام رحمه الله تعالى مجلسا وهو السادس بعد الأربعمائة من أماليه وقد سمعناه من غير واحد ممن سمعه عليه ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها منكرة أحدها حديث صلاة الرغائب الذي بينا حاله والثاني حديث زائدة بن أبي الرقاد قال حدثنا زياد النميري عن أنس رضى الله عنه قال كان رسول الله ﷺ إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان قال الحافظ تفرد به زائده عن زياد بن ميمون البصر عن أنس قلت وقال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي زائدة بن أبي الرقاد أبو معاذ منكر الحديث زياد بن ميمون البصري أبو عمار متروك الحديث وقال
أبو عبد الله البخاري الإمام زياد بن ميمون أبو عمار البصري صاحب الفاكه عن أنس تركوه الحديث الثالث منصور بن زيد بن زائده بن قدامة الأسدي عن موسى بن عمران عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إن في الجنة عينا أو قال نهرا يقال لها رجب ماؤه أحلى من العسل وأبيض من اللبن فمن صام يوما من رجب شرب من ذلك النهر قال الحافظ أبو القاسم تفرد به منصور عن موسى قلت وله في إملاء آخر وقد ذكر أبو الخطاب الحافظ فيما أنبأنا به في كتابه قال وفي هذا الشهر يعني شهر رجب أحاديث من رواية جماعة من الواضعين منهم مأمون بن أحمد رواها عن أحمد بن عبد الله الجويباري ومأمون هذا قال فيه الإمام أبو عبد الله الشافعي مأمون غير مأمون ذكر أنه وضع مائة ألف حديث وكلها كذب وزور فلا يصح منها لا في الصلاة في أول رجب ولا في النصف منه ولا في آخره ولا في عدد أيام منه وكذلك حديث العيون والأنهار كحديث موسى الطويل عن أنس أن النبي ﷺ قال أن في الجنة نهرا يقال له رجب الى آخره وموسى الطويل كذاب عندهم قال ابن حبان يروي عن أنس أشياء موضوعة لا يحل كتبها قال وكذلك حديث شهر بن حوشب عن أبي هريرة رضى الله عنه من صام السابع والعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا وهو أول يوم نزل جبريل على محمد بالرسالة قال أبو الخطاب وهذا حديث لا يصح وذكر بعض القصاص أن الأسرى كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب قال الإمام أبو اسحق الحربي أسرى برسول الله ليلة سبع وعشرين شهر ربيع الأول قال وقد ذكرنا ما فيه من الإختلاف والإحتجاج في كتابنا المسمى بالآبتهاج في أحاديث المعراج وقال النسائي أحمد بن عبد الله الجويباري كذاب قلت وقد ذكر الحافظ أبو القاسم حديث أبي هريرة هذا بعد تلك
الأحاديث الثلاثة في المجلس الذي أملاه في فضل رجب ثم أنشد أبياتا لنفسه ... يا طالب الشرب في الفردوس من رجب ... أن رمت ذاك فصم لله في رجب ... وصل فيه صلاة الراغبين وصم ... فكل من جد في الطاعات لم يخب ... وكنت أود أن الحافظ لم يقل ذلك فإن فيه تقريرا لما فيه من الأحاديث المنكرة فقدره كان من أن يحدث عن رسول الله ﷺ بحديث يرى أنه كذب ولكنه جرى في ذلك على عادة جماعة من أهل الأحاديث يتساهلون في أحاديث فضائل الأعمال وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول فالفقه خطأ بل ينبغي أن يبين أمره أن علم وإلا دخل تحت الوعيد في قوله ﷺ من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين وذكر أبو الخطاب في كتاب أداء ما وجب بسنده الى أبي بكر محمد بن الحسن المقريء المفسر الموصلي المعروف بالنقاش قال حدثنا أبو عمرو أحمد ابن العباس الطبري حدثنا الكسائي حدثنا الأعمش حدثنا أبو معاوية عن إبراهيم عن علقمة عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال قال رسول الله رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي فمن صام رجب فذكر في فضله حديثا طويلا غير حديث صلاة الرغائب قال أبو الخطاب هذا حديث موضوع على رسول الله والنقاش هذا مؤلف كتاب شفاء الصدور وقد ملأ أكثره بالكذب والزور قال الخطيب الحافظ أبو بكر بن ثابت بل هو شقاء الصدور وذكر كلام الناس في النقاش واتهامهم له بالوضع وقال طلحة بن جعفر الحافظ كان النقاش يكذب وقال الإمام أبو بكر البرقاني كل حديثه منكر قال وقد وضع في هذا الحديث الكسائي ولا يعرفه أحد من خلق الله تعالى وكلمات رسول الله منزهة عن هذا التخليط والتجازيف في الجزاء على الأعمال من غير تقرير يشهد به الكتاب العزيز والسنة الثابتة
قال وكذلك وضع عمر بن الأزهر فيه حديثا ورواه ابن عمه عن أبان عن أنس بن مالك قال قال رسول الله من صام ثلاثة أيام رجب الحديث وأبان هذا هو الذي قال فيه شعبة لأن أزني أحب الي من أن أحدث عن أبان بن أبي عياش قال الإمام أحمد بن حنبل عمر بن الأزهر بصرى قاضى جرجان كان يضع الحديث وقال النسائي هو متروك الحديث وقال أبو حاتم ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات ويأتي بالموضوعات عن الإثبات لا يحل ذكره إلا بالقدح فيه وقال الدار قطنى هو كذاب وقال أبو الخطاب وأصحاب الإمام أحمد يحتجون بالأحاديث التي رواها في مسنده وأكثرها لا يحل الأحتجاج بها وإنما أخرجخا الإمام أحمد حتى يعرف من أين الحديث مخرجه والمنفرد به أعدل أو مجرح ولا يحل الآن لمسلم عالم أن يذكر إلا ما صح لئلا يشقى في الدارين لما صح عن سيد الثقلين أنه قال من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين قال ويلزم المحدث أن يكون على الصفة التي ذكرنا في أول كتابنا من الحفظ والأتقان والمعرفة بما يتعلق بهذا الشأن وأما من طلب الحديث دون تمييز لصحيحه من سقيمه ولا حفظ لمتونه ولغته وعلومه إلا لمجرد الرواية دون ضبط ولا حفظ ولا دراية مقتصرا على لقاء العس وهو فلان فكل ذو وسواس وهذيان 20 - فصل في المبالغة في البدع ولأجل ما اشتهرت به الليله التي يصلي بها صلاة الرغائب من الفضيلة عند الجهال بسبب الحديث الموضوع وانهماك الناس على إظهار ذلك الشعار المعهود من الصوم والتعبد والصلاة بالغ بعضهم في تنسكه فتعدى ذلك الى أحياء جميع الليلة طلبا لحيازة الفضل من الفضيلة وفعله ذلك أدخل في الإنكار من أقامة ذلك الشعار لإختصاصه ليلة الجمعة في كل عام من بين الليالي بالقيام حتى أن بعض من يقصد الوقف على وجه من وجوه البر وقف على أحياء هذه الليله
ما يشتري به زيت وشمع وطعام لمن يحيى هذه الليلة بقراءة القرآن في مكان مخصوص وكذا ليلة النصف من شعبان ومما أجازه فيه من المدارس بدمشق مدرسة الزكي هبة الله بن رواحة وهو يومئذ بيد الشيخ التقي رحمه الله تعالى ثم أنه أشار على واقف دار الحديث الشرقيه بدمشق حين وقفها والوقف عليها أن يشترط على كل من يحفظ القرآن من أهلها أن يحيى خمس ليالي كل سنة وهي ليلة النصف من شعبان وليلة سبع وعشرين من رمضان وليلتا العيدين وليلة أول المحرم وصار يقعد بنفسه والجماعة حوله ويكثر الوقيد بالشمع والزيت زائدا على المعتاد في غير هذه الليالي بكثير ولا يزال ذلك الى الفراغ من الختم وهذه أيضا بدعة متجددة يظن الجاهل أن هذا الشيخ المفتي المقتدي به المظهر من الخشوع والسكون فوق أضرابه لم ينتصب بنفسه لهذه الليالي تخصيصا لها بذلك إلا ومعتقده أن هذه الليالي متساوية في الفضل ومتقارية وأن لها فضلا على غيرها وأن السنة تدل على ذلك فيطول الأمد ويبعد العهد وينسى أول هذا كيف كان يتمادى الأمر فلا يبعد أن يوضع فيه أحاديث على رسول الله كما فعل في صلاة الرغائب ونصف شعبان ليت شعري أي مقاربة بين ليلة سبع وعشرن من رمضان وبين أول ليلة المحرم وتلك إحدى ليالي القدر بل أرجأها عند قوم ولم يأت شيء في أول ليلة المحرم وقد فتشت فيما نقل من الآثار صححيحا وضعيفا وفي الأحاديث الموضوعة فلم أر أحدا ذكر فيها شيئا وإني لأتخوف والعياذ بالله من مفتر يختلق فيها ولا أدري ما الذي صرفه عن تغير ليلة الرغائب أو ليلة عاشوراء فقد وضع فيها من الأحاديث الباطلة ووضع في ليلتي العيدين صلاة وإحياء وأما ليلة نصف شعبان فقد مضى ذكرها وقد ظفرت بحديث أخرجه صاحب كتاب الترغيب والترهيب عن وهب بن منبه عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان
قلت ولو كان الشيخ جعل الخمس المشار اليها في هذه الخمس لكان له مأخذ من هذا الحديث وأما ليلة سبع وعشرين من رمضان فإحياؤها مستحب كسائر ليالي العشر الأواخر وقد صحت الأحاديث في ذلك ولكن يبقى تعيين هذه الليالي من بين ليالي العشر فإنه مشعر بنوع تخصيص من الشارع وليس كذلك فإنه ﷺ حث على قيام ليالي رمضان مطلقا وحث على التماس ليلة القدر في جميع الليالي العشر الأواخر وقال أيضا التمسوها في كل وتر واختلفوا في العدد فمنهم من عد أول العشر من ليلة الحادي والعشرين ومنهم من ابتدأ العدد من ليلة الثلاثين فأوتر كل قول منهما أشفاع القول الآخر فيقينا على إحياء جميع العشر ولم تتعين ليلة القدر في واحدة منها وإنما حاصل ما حاصر فيه العلماء أي الليالي منها أرجى لأدلة وقفوا عليها من خارج وقد فاوضته في سبب تعيين ليلة أول المحرم فلم يزدني على كونها أول السنة فلما أحدث هذه الليالي قولا وفعلا على وجه مشعر بشعار ظاهر موهم لأنه سنة وجاءه بعد ذلك السؤال عن صلاة الرغائب وتبطيلها لم ير إبطالها صوابا وذهب وهمه الى أن في ذلك تكثيرا من الطاعات والقربات ونظر باشتغال العامة بهذا خير من تعطيلهم عنه فربما شغلوا أنفسهم بما يناقض ذلك من معصية وغيرها وهذا كما يفعله بعض من يتعمد الكذب في شهادته على هلال رمضان شهر رمضان في ليلة آخر شعبان ويقول تصويم الناس هذا اليوم خير من تفريطهم فيه وغاب عما في شهادة الزور من الأثم وأنها من الكبائر وسعيه في منع الناس عما أحل الله لهم ومحرم الحلال كمحلل الحرام كما غاب عن الشيخ ما في ذلك من المفاسد من الكذب على الله ورسوله عليه السلام وإغراء المبتدعين وتقوية شعارهم وما اشاروا به وتكثير المفاسد والمعاصي التي يجلبها الوقيد الكثير في المساجد وإثبات أهل الفسوق وانتشار المؤذين في نواحي البلد ومساجدها يؤذون من يظفرون به أنواعا من الأذى معروفه في ليلة النصف من شعبان ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه ولهذا رجح أهل العلم الحديث المتداول للفقهاء على غيره وقال عبد الله بن هاشم الطوسي وغيره أنا كنا عند وكيع فقال
الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أو عن سفيان عن منصور عن أبراهيم عن علقمة عن عبد الله يعني وهما شيخا الأعمش وسفيان قال فقلنا الأعمش عن أبي وائل أقرب فقال الأعمش شيخ وأبو وائل شيخ وسفيان عن أبراهيم عن علقمة عن عبد الله فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه وحديث يتداوله الفقهاء خير مما يتداوله الشيوخ قلت على أن قراءة القرآن على هذه الصورة التي فعلها الشيخ بدار الحديث كرهها مالك بن أنس الأمام رحمه الله تعالى وذكر الطرطوشي في كتاب الحوادث قال مالك لا يجتمع القوم بقرؤون في سورة واحدة كما يفعله أهل الإسكندرية هذا مكروه ولا يعجبنا لم يكن هذا من عمل الناس هذا مكروه ومنكر فلو قرأ واحد منهما آيات ثم قرأ الآخر على أثر صاحبه والآخر كذلك لم يكن بذلك بأس هؤلاء يعرضون بعضهم على بعض قلت والذي كره مالك رحمه الله تعالى من ذلك موافق لما أخرجه الحافظ أبو القاسم في تاريخه بإسناده عن عبد الله بن العلاء بن زبير الربيعي قال سمعت الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب ينكر هذه المدارسة ويقول ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب النبي ﷺ وقال الوليد سألت عنها عبد الله بن العلاء فقال كنا ندرس في مجلس يحيى بن الحرث في مسجد دمشق في خلافة يزيد بن عبد الملك إذ خرج علينا أميرنا الضشحاك بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري من الخضراء مقبلا علينا منكرا لما نصنع فقال ما هذا وما أنتم فيه فقلنا ندري كتاب الله تعالى فقال أتدرسون كتاب الله إن هذا الشيء ما رأيته ولا سمعت أنه كان قبل ثم دخل الخضار قال الحافظ أبو القاسم وكان الضحاك بن عبد الرحمن أميرا على دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى
21 - فصل فيما ابتدع واستميلت به قلوب العوام ومما ابتدع وروى به واستميلت قلوب الجهال والعوام بسببه التماوت في المشي والكلام حتى صار ذلك شعارا لمن يريد أن يظن فيه التنسك والتورع فليعلم أن الدين خلاف ذلك وهو ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه رضى الله عنهم ثم السلف الصالح كما سنورد من أخبارهم في ذلك وصفاتهم في حركاتهم وسكناتهم ففي أحاديث صفة النبي وشمائله أنه كان إذا مشى ﷺ تقلع كأنما يمشي في صبب وفي رواية كأنما ينحدر من سبب وفي سنن أبي داود عن أنس رضى الله عنه كان النبي إذا مشى كأنما يتوكاء وفيه عن أبي الطفيل قال رأيت رسول الله إذا مشى كأنه يهوى في صبب قلت معنى يتوكأ يسعى قال الآزهري الإتكاء في كلام العرب يكون بمعنى السعي والصبب والصبوب واحد قال الخطابي وقوله يهوى معناه ينزل يتدلى وذلك مشية ا لقوي من الرجال قال والصواب إذا فتحت الصاد كان أسما لما يصب على الإنسان من ماء ونحوه كالطهور والغسول والفطور ومن رواه يضم الصاد فهو جمع صبب وهو ما انحدر من الأرض وقال صاحب المحكم الصبب من الرمل ما انصب والصبوب ما صببت فيه والجمع صبب وأرض صبب وصبوب وهي كالهبط والهبوط قال أبو عبيد الهروي وفي صفته ﷺ إذا مشى تقلع أي كان قوي المشية وفي حديث أبن أبي هالة إذا زال زال قلعا المعنى أنه كان يرفع رجليه من الآرض رفعا بائنا يقوه لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه تنعما وهي المشية المحموده للرجال وأما النساء فإنهن يوصفن بقصر الخطو قال وقرأت هذه الحروف في كتاب غريب الحديث لابن الأنباري
زال قلعا بفتح القاف وكسر اللام وكذلك قرأته بخط الأزهري قال وهذا كما جاء في حديث آخر كأنما ينحط من صبب والانحدار من الصبب والتكفؤ الى قدام والتقلع من الآرض قريب بعضه من بعض قال أبو بكر أراد أنه كان يستعمل التثبت ولا يتبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة ألا تراه يقول يمشي هونا ويخطو تكفأ أي تمايل في المشي الى قدام كما تتكأ السفينه في جريها وقال أيضا والهون الرفق واللين ومنه ما جاء في صفة النبي يمشي هونا قال أبو بكر بن الانباري معناه أنه لتثبته كان يميد في مشيته كما يميد الغصن إذا حركته الرياح والهون معناه الترفق والتثبت ومنه قوله تعالى يمشون على الآرض هونا قلت المحمود من ذلك ترك العجله المفرطة وترك التكاسل والتثبط والتماوت ولكن بين ذلك وفي كتاب شرح السنة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما كان النبي إذا مشى مشى مشيا مجتمعا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا كسلان وقال محمد بن سعد أنبأنا محمد بن عبد السلمى حدثنا عمر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبيه قال قالت الشفاء بنت عبد الله فرأت فتيانا يقصدون في المشي ويتعلمون رويدا فقالت وما هذا فقالوا نساك فقالت كان والله عمر رضى الله عنه إذا تكلم اسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وهو الناسك حقا قلت لعل هؤلاء قد كانوا بالغوا في ذلك مبالغة شديدة مجاوزة للحد الذي أمر لقمان عليه السلام ابنه في قوله واقصد في مشيك واغضض من صوتك كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عنه وتلك المجاوزة هي التي ذممناها وهي التي يرتكبها من اشرنا اليه على ما نشاهده وبالله التوفيق قال أبو مسهر وغيره حدثنا مالك ابن انس عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله
قال لم يكن البر يعرف في عمر ولا ابنه حتى يقولا أو يفعلا قال يزيد بن هارون أنباءنا عبد الله ابن عبد الله بن ابي اويس المديني عن الزهري عن سالم قال كان عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر رضى الله عنهما لا يعرف فيهما البر حتى يقولا او يفعلا قال قلت يا أبا بكر ما يعني بذلك لم يكونا مؤتنسين ولا متماوتين وفي كتاب الكامل لابي العباس المبرد قال ويروي أن عائشة رضى الله عنها نظرت الى رجل متماوت فقالت ما هذا فقالوا أحد الفقراء فقالت قد كان عمر رضى الله عنه قارئا فكان إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا ضرب أوجع قال ويروي أن عمر رضى الله عنه رأى رجلا مظهرا للنسك متماوتا فخفقه بالدرة وقال لا تمت علينا ديننا أماتك الله وقال أحمد بن حنبل رضى الله عنه حدثنا يحيى بن آدم حدثنا محمد بن خالد الضبي عن محمد بن سعد الأنصاري عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى سيأتي أقوام يتخشعون رياء وسمعة هم كالذئاب الضواري غايتهم الدينار والدرهم من الحلال والحرام وقال الإمام ابن الامام ابو محمد عبد الرحمن ابن الامام ابي حاتم الرازي في كتابه في فضائل الامام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى سمعت أبي يقول كان احمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك رأيت عليه نعلا لا تشبه نعل القراء له رأس كبير معقف وشراكة مسبل كأنه اشترى له من السوق ورأيت عليه ازارا وجبه بر مخططة من اثمار جوز قال عبد الرحمن أراد بهذا والله أعلم ترك التزني بزي القراء وإزالته عن نفسه ما يشتهر به وفي كتاب مناقب الامام احمد بن حنبل للشيخ أبي الفرج بن الجوزي عن الامام ابي عبد الله محمد بن أبراهيم البوشنجي قال ما رأيت أحدا في عصر أحمد أجمع منه ديانة وصيانة وأبعد من التماوت وفيه قال الخلال أخبرنا
المروزي قال رايت أبا عبد الله إذا كان في البيت كان عامة جلوسه متربعا خاشعا فإذا كان يرى لم يكن يبين منه شدة خشوع كما كان داخلا قال أبو الحسن محمد بن الحسين الابرى في كتاب مناقب الامام الشافعي رحمه الله تعالى أخبرني الزبير بن عبد الواحد حدثني يوسف بن عبد الاحد القمي قال سمعت الربيع قال سمعت البويطي يقول احذر كل مستميت فانه ملد قلت هو مفعل من اللدد وهي الخصومه فهي مثل مسعر حرب وبابه والله أعلم ومنه رجل الد ولدود أي شديد الخصومة قال الله تعالى وهو ألد الخصام وفي صحيح البخاري وقالت عائشة رضى الله عنها وإذا أعجبك حسن عمل امريء فقل اعملوا فسير الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا سيتخفك أحد وقال مجاهد بن موسى حدثنا وليد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع محمد بن أبي عائشة يقول كان يقال لا تكن ذا وجهين وذا لسانين تظهر للناس انك تخشى الله وقلبك فاجر قال أبو عبد الرحمن السلمي سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت البناني وسأله بعض المريدين فقال له اوصني فقال له كن كما ترى الناس وراء الناس تكون قالل المدايني كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى عمر بن العاص وهو واليه بمصر رفع الى أنك تبكي بمجلسك فإذا جلست فكن كسائر الناس ولا تبك وأخرج الحافظ أبو القاسم في تاريخه في ترجمة محرز بن عبد الله قال ابن المبارك حدثنا اسماعيل ابن عياش اخبرني محرز أبو رجاء مولي هشام أنه سمع مكحولا يقول قال رسول الله لا تكونوا عبابين ولا مداحين ولا طعانين ولا متماوتين هذا مرسل وأخرج في ترحمة
ابراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى باسناده عن عبد الرحمن بن مهدي قال قلت لابن المبارك ابراهيم بن أدهم ممن سمع فقال قد سمع من الناس ولكن له فضل في نفسه صاحب سرائر وما رأيته يظهر تسبيحا ولا شيئا من الخير ولا أكل مع قوم طعاما إلا كان آخر من يرفع يدية من الطعام وأخرج في ترجمة عبد الرحمن ابن الآسود عن عاصم بن كليب عن أبيه قال ثم لقيت عبد الرحمن بن الآسود وهو يمشي بجانب الحائط فقلت له مالك قال أكره أن يستقبلني إنسان فيساءلني عن شيء قال فقلت له لكن عمر كان شديد الوطيء على على الآرض له صوت جهوري وأخرج في ترجمه الآوزاعي عن الوليد بن مسلم قال كان الأمر لا يتبين على الأوزاعي حتى يتكلم فإذا تكلم جل وملآ القلوب وأخرج في ترجمة عبد الله بن المبارك من حديث الحافظ أبي بكر البيهقي بإسناده الى الأصمعي قال سمعت ابن المبارك يقول انه ليعجبني من القراء كل طلق مضحاك فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعلمه فلا كثر الله في القراء مثله وهذه الطلاقة التي أشار اليها هي التي كانت تعرف من حسن أخلاق النبي وهي كانت الغالب على أصحابه رضى الله عنهم وسادات المتقدمين من الأئمة الجامعين بين العلم والعمل كسعيد بن المسيب إمام أهل المدينة وسيد التابعين في وقته مع خشونته المعروفه في أمر الله تعالى وكعامر الشعبي من أئمة الكوفه وابن سيرين من أئمة البصرة والآوزاعي من أئمة الشام والليث بن سعد من أئمة أهل مصر وغيرهم رضى الله عنهم قد عرف ذلك من وقف على أخبارهم ثم هي طريقة إمامنا أبي عبد الله الشافعي رحمه الله تعالى وطريقه من ارتضيناه من مشايخنا الذين عاصرناهم وبالله التوفيق
22 - فصل فيما ابتدع في قيام رمضان ومما ابتدع في قيام رمضان في الجماعة قراءة سورة الأنعام جميعها في ركعة واحدة يخصونها بذلك في آخر ركعة من التراويح ليلة السابع أو قبلها فعل ذلك ابتداعا بعض أئمة المساجد الجهال مستشهدا بحديث لا أصل له عند أهل الحديث ولا دليل فيه أيضا يروى موقوفا على على وابن عباس وإنما ذكره بعض المفسرين مرفوعا الى النبي في فضل سورة الإنعام بإسناد مظلم عن أبي معاذ عن ابي عصمة عن زيد العمى وكل هؤلاء ضعفاء عن أبي نظرة عن أبن عباس عن ابي بن كعب رضى الله عنه عن النبي قال نزلت سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد فاغتر بذلك من سمعه من عوام المصلين وهذا حديث أخرجه أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي في تفسيره وكم من حديث ضعيف فيه وقد أخرج في أول سورة براءة ما هو أبلغ من ذلك ومعارض له فذكر سنده الى عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول ما نزل على القرآن إلا آية آية وحرفا حرفا ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد فإنهما نزلتا على ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة قلت فعلى هذا قراءة سورة براءة في كل ركعة أولى من قراءة سورة الأنعام لأن معها حين نزلت سبعون ألف صف من الملائكه والأنعام معها سبعون ألف ملك ثم ظاهر حديث براءة أن الأنعام لم تنزل جملة فتعارضا والرجحان لبراءة وهذا نقوله على وجه الآلزام وإلا فالجميع عندنا باطل والله أعلم ثم لو صح حديث الانعام لم يكن فيه دلالة على استحباب قراءتها في كل ركعة واحدة بل هي من جملة سور القرآن فيستحب فيها ما يستحب في سائر السور والأفضل لمن استفتح سورة في الصلاة وغيرها أن لا يقطعها بل يتمها الى آخرها وهذه كانت عادة السلف ولا جله جاء أن النبي
قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب وإن كان فرقها في الركعتين لأنه لم يقطع الصلاة إلا على تمام السورة تنزيلا للقراءة في ركعات الصلاة كالقراءة الواحدة ومنه حديث جابر في الأعرابي الذي انصرف من الصلاة خلف معاذ فإنه سمعه أنه استفتح بسورة البقرة فعلم أنه لا يركع حتى يفرغ منها فخرج من الصلاة وشكاه الى النبي فقال لمعاذ أقرأ بسورة كذا وسورة كذا من السور القصار التي يمكن اتمامها من غير تطويل على من خلفه إذا ثبت هذا فنقول البدعة فيمن يقرأ الانعام كلها في ركعة واحدة في صلاة التراويح على ما جرت به العادة ليس من جهة قراءتها كلها بل من وجوه أخرى الأول تخصيصه ذلك بسورة الآنعام دون غيرها من السور فيوهم ذلك أن هذا هو السنة فيها دون غيرها والأمر بخلاف ذلك على ما تقرر الثاني تخصيص ذلك بصلاة التراويح دون غيرها من الصلاة وبالركعة الأخيرة منها دون ما قبلها من الركعات الثالث ما فيه من التطويل على المأمومين ولا سيما من يجهل ذلك من عادتهم فينشب في تلك الركعة فيقلق ويضجر ويتسخط بالعبادة الرابع ما فيه من مخفالة السنة من تقليل القراءة في الركعة الثانية عن الأولى حتى أن النبي كان يجعلها في الظهر والعصر على النصف من القراءة في الأولى وقد عكس صاحب هذه البدعة قضية ذلك فإنه يقرأ في الركعة الأولى نحو آيتين من أخر سورة المائدة ويقرأ في الثانية سورة الأنعام كلها بل يقرأ في تسع عشرة ركعة نحو نصف حزب من المائدة ويقرأ في الركعة الموفيه عشرين بنحو حزب ونصف حزب وفي هذا ما فيهمن البدعة ومخالفة الشريعة والتوفيق بالله تعالى وابتدع بعضهم أيضا جمع آيات السجدات يقرأ بها في ليلة ختم القرآن وصلاة التراويح ويسبح بالمأمومين في جميعها وابتدع آخرون سرد جميع ما في القرآن من آيات الدعاء في آخر ركعة من التراويح بعد قراءة سورة الناس فيطول الركعة الثانية على الأولى
نحو من تطويله بقراءة الأنعام مع اختراعه لهذه البدعة وكذلك الذين يجمعون آيات يخصونها بالقراءة ويسمونها آيات الحرس ولا أصل لشيء من ذلك فليعلم أن جميع ذلك بدعة وليس شيء منها من الشريعة بل هو مما يوهم أنه من الشرع وليس منه وبالله التوفيق 23 - فصل في البدع المشعرة بأنها من السنن ومن البدع المشعرة بأنها من السنن بعمومها وشهرتها واستدامة مبتدعيها لفعلها ما يفعله عوام الخطباء وشبه العوام ممن يدعى العلم منهم من أمور نذكرها وإن ذلك لمقام عظيم وارتقاء كريم يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ويحذر من أحوال الموت وأهل المحشر مقام جد يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة ويكثر فيه المواعظ المتظاهرة فهو أولى المقامات بإجتناب البدع وأحراها بإظهار السنن لمتبعيها وقد فعل ذلك الشيخ الفقيه أبو محمد رحمه الله تعالى بدمشق حين ولى الخطابة وجرى فيما يتعلق بها وبالصلاة على وجه الآصابة وأظهر من محاسن الشريعة ما ابتهجت به قلوب المتبعين وانقمعت به أنفس المبتدعين فمن البدع دق الخطيب المنير عند صعوده في ثلاث مرات بأسفل سيفه دقا مزعجا فاصل بين كل ضربتين بقليل من الزمان ومنها تباطؤه في الطلوع واستغاله بالدعاء قبل الإقبال على الناس والسلام عليهم وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة قال أحمد بن حنبل حدثنا شريح بن النعمان حدثنا بقية عن ابي بكر بن عبد الله حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحرث التمالي قال بعث الى عبد الملك بن مروان فقال يا أبا أسماء أنا قد جمعنا الناس على أمرين قال فقلت وما هما قال رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح
والعصر فقال انهما أمثل بدعكم عندي ولست مجيبك الى شيء منها قال لم قال لأن النبي ﷺ قال ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة خير من أحداث بدعة وقد تقدم هذا الأثر في موضع آخر ومنها الالتفات يمينا وشمالا عند قوله آمركم وأنها كم وعند الصلاة على النبي ﷺ مع زياديه ارتقاء درجة من المنبر عند ذلك ثم نزوله عند الفراغ منها ولا أصل لشيء من ذلك بل السنة الاقبال على الناس بوجهه من أول الخطبة الى أخرها قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى ويقبل يعنى الخطيب بوجه قصد وجهه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا قال القاضي أبو الحسن الماوردي صاحب كتاب الحاوي في شرح هذا الكلام ولا يفعل ما يفعله أئمة هذا الوقت من الالتفات يمينا وشمالا في الصلاة على النبي ليكون متبعا لسنته أخذا بحسن الآدب قلت ثم انهم يتكلفون رفع الصوت في الصلاة على النبي فوق المعتاد في باقي الخطبة وهو على مخالفة الشريعة وموافق لمذهب العامة في ذلك فانهم يرون أزعاج الآعضاء برفع الصوت في الصلاة على النبي وذلك جهل فإن الصلاة على النبي إنما هو دعاء له وجميع الادعية المأمور بها سنة فيها الاسرار دون الجهر بها غالبا وحيث سن الجهر في بعضها لمصلحة كدعاء القنوت لم يكن برفع الصوت فأما الصلاة على النبي في الخطبة فلها حكم جميع ألفاظ الخطبة من الثناء على الله تعالى وكان النبي يرفع صوته عند الموعظه لأنها معظم المقصود من الخطبة وصفه الراوي بأنه كان منذر جيش صبحكم ومساكم وقد أمرنا بالصلاة على النبي في الصلاة ولم يشرع لنا الجهر بها وإن كانت الصلاة جهرية بالقراءة نعم من البدع المستحسنة الموافقة لقواعد الشريعة أمر الناس بالأنصات
قبل الشروع في الخطبة وتذكيرهم بما صح من حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي أنه قال إذ قلت لصاحبك والامام يخطب أنصت فقد لغوت أي أنيت بلغو من القول وإن كنت في صورة الأمر آمر بمعروف لأنك مأمور بالأنصات حينئذ فليس لك أن تتكلم بشيء أصلا كما لو كنت مصليا وللغو المطرح من القول وما ينبغي أن يلغي ولا يلتفت إليه ويستعمل أيضا في الفعل ومنه الحديث أيضا من مس الحمصي فقد لغى يعني في الصلاة لأنه تشاغل به عن الخشوع وحضور القلب فانظروا حكم الله كيف جعل رسول الله هذا الأمر بالمعروف لغوا لوقوعه في غير موضعه فهذا كنهيه عن الصلاة في الأوقات المكروهه لها وكنهيه عليه السلام عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وأما تراسل المؤذنين بالآذان يوم الجمعة وآذان الآحاد مفترقين صورة مختلطة أصواتهم فكل ذلك بدعة مكروهة قال إمام الحرمين في كتاب النهاية وإذا أذن المؤذن فلا يستحب أن يتراسلوا في الاذان بل أن وسع الوقت ترتبوا وأن ضاق تبددوا في أطراف المسجد واذنوا فيكون كل واحد منفردا بآذانه ويظهر أثر ذلك في الاسماع والابلاغ ثم لا يقيم في المسجد إلا واحد وإن كثر المؤذنون قلت يريد بذلك الاذان الأول الذي هو الاعلام بدخول الوقت وهو الذي يفعل على المنابر وأما الاذان بين يدي الخطيب بعد صعوده المنبر فلا
ينبغي أن يكون إلا من واحد لأنه لا قامة الشعار والأعلام بصعود الخطيب المنبر لانصات الناس الحاضرين والسنة فيه إفراد المؤذن قال أبو حامد الغزالي رضى الله عنه في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو التاسع من كتاب ربع العبادات من كتاب الأحياء الثالث في المنكرات المؤالفة فذكر منكرات المساجد ثم قال منها تراسل المؤذنين في الأذان وتطويلهم مد كلماته وإسرافهم عن صوب القبله بجميع الصدور في الحيعلتين وانفراد كل واحد بأذان ولكن من غير توقف الى انقطاع أذان الآخر بحيث يضطر بالحاضرين جواب الآذان لتداخل الأصوات وكل ذلك منكرات مكروهه يجب تعريفها وأن صدرت عن معرفة فيستحب المنع منها والحسنة فيها ثم قال ومنها أن يكون الخطيب لابسا ثوبا أسود يغلب عليه الا بريسم او ممسكا لسيف مذهب فهو فاسق والانكار عليه واجب فاما بمجرد السواد فليس بمكروه ولكنه ليس بمحبوب إذ أحب الثياب الى الله الثياب البيض قلت ومنع القاضي أبو الحسن الماوردي في كتاب الحاوي الترسل في الاذان أيضا وقال يؤذن بعد واحد لأن الصوت يختلط بإجتماعهم فلا يفهم إلا أن يكون البلد كبيرا والمسجد واسعا فلا بأس أن يجتمعوا في الاذان دفعه واحدة كالبصرة لأن إجتماع أصواتهم أبلغ في الأعلام ويتفقوا في الاذان إذا اجتمعوا عليه كلمه واحدة فإن اشتراكهم في كل كلمة منها أبين وإذا أختلفوا فيه اختلط
24 - فصل في البدع في الجنائز وفيما يفعله الناس اليوم في الجنائز بدع كثيرة ومخالفة لما ثبت في السنة من ترك الإسراع بها والقرب منها والإنصات فيها ومن قراءتهم بالقرآن بالآلحان واتباعهم في تزيينها والمباهاة بالحاضرين لها وساوس الشيطان لا يفكرون فيما هم صائرون اليه من الموت والمعاد بل ليومهم وحديثهم فيها فيما خلفه من المال والأولاد وطريقه العلماء الذين يخشون الله تعالى إنكار ذلك من أفعالهم خلافا لمن حاله على خلاف حالهم روينا عن يحيى بن صالح الوحاظي حدثنا حماد بن شعيت الكوفي عن منصور عن ابراهيم قال كان يقال انتشطوا بجنائزكم ولا تدبوا كدبيب اليهود والنصارى وقال عتبة ابن عبد الرحمن بن جوشن حدثني أبي قال كنا في جنازة عبد الرحمن بن سمرة فجعل ناس من أهله يمشون على أعقابهم ويستقبلون السرير ويقولون رويدا رويدا بارك الله فيكم قال فلحقنا أبو بكرة طريق المربد فحل بغلته عليهم وأهوى اليهم بالسوط وقال فو الذي كرم وجه أبي القاسم لقد رايتنا مع النبي وإنا لنكاد أن نرمل بها وفي رواية شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي سريره وكان ناس من مواليه وأهله يمشون أما الجنازة ويقولون رويدا رويدا بارك الله فيكم وكانوا يدبون دبيبا فجاء أبو بكره فذكر ما تقدم قال فخلي القوم وأسرعوا في المشي وأسرع زياد المشي أخرجه الحافظ أبو القاسم في تاريخه في ترجمة عبد الرحمن بن سمرة وأخرجه النسائي لاحافظ والبيهقي في كتاب السنن الكبير وفي رواية أن ذلك كان في جنازة عثمان بن أبي العاص قال وكنا نمشي مشيا خفيفا ولحقنا أبو بكرة وقال لقد رأيتنا ونحن مع نبي الله نرمل رملا
وقال هشام بن عمار حدثنا مسكين المؤذن حدثنا عروة ابن رويم أنه شهد جنازة عبد الرحمن بن قرط قرأى الناس تقدموا فابعدوا وتأخروا مثل ذلك فأمر بالجنازة فوضعت ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا ثم أمر بها فحلت وقال بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن يسارها أخرجه الحافظ أبو القاسم في تاريخه في ترجمة عبد الرحمن بن قرط ثم قال كذا قال ولعله شهد جنازة شهدها عبد الرحمن والله أعلم لعبد الرحمن بن قرط صحبه وأخرج في ترجمة عبد الرحمن ابن سليمان وقال هارون بن معروف حدثنا ضمرة حدثنا رجاء بن جميل قال شهدت رجاء بن حيوة في جنازة عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الملك بعسقلان فسمع رجلا يقول استغفروا له غفر الله لكم فقال رجاء اسكت دق الله عنقك وجاء عن النبي ﷺ أنه كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمات ورؤى عليه الكآبة وأكثر حديث النفس وقال الفضيل بن عياض رحمه الله كانوا إذا كانوا في جنازة يعرف ذلك فيهم ثلاثة ايام قال ورأى أبن مسعود رضى الله عنه رجلا يضحك في جنازة فقال تضحك لا أكلمك أبدا وعن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أنه قال في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول استغفروا الله غفر الله لكم وكرهه الحسن والنخعي وابن جبير واحمد واسحق وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه سمع قائلا يقول ذلك فقال له لا غفر الله لك وانما كره ذلك لما فيه من التشويش على المشيعين الموفقين المفكرين في أحوالهم ومعادهم على ما أشارت اليه هذه الآثار وقال وسئل سفيان بن عبينة عن السكوت في تشييع الجنازة وماذا يجيء به يذكر به أحوال يوم القيامة ثم تلا وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وقيل لابراهيم بن ادهم ألا تتبع الجنازة قال لا أجد صاحبا إنما صاحبي من يأخذ بعضدي انتبه فانظر الى رأس اخيك كيف يتعبأ عليه السرير
قال قتادة وبلغنا أن أبا الدرداء نظر الى رجل يضحك في جنازة فقال أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يشغلك عن الضحك قال عبد الله بن المبارك أخبر صالح المزي عن بديل قال كان مطرف يلقي الرجل من خاصة إخوانه في الجنازة فعسى أن يكون كان غائبا عنه فما يزيده على التسليم ثم عرض اشتغالا بما هو فيه وفي كتاب الأحياء قال كان اسيد بن حضير يقول ما شهدت جنازة فحدثت نفسي بشيء سوى ما هو مفعول به وما هو صائر اليه وقال الأعمش كنا نشهد الجنائز فلا ندري من نعزي لحزن الجميع وقال ثابت البناني كنا نشهد الجنازة فلا نرى إلا مقنعا باكيا وقال أبو حامد فهكذا كان خوفهم من الموت والآن لا تنظر جماعة يحضرون جنازة إلا وأكثرهم يضحكون ويلهون ولا يتكلمون إلا في ميراثه وما خلفه لورثته ولا يتفكر أقرانه وقرابته إلا في الحيلة التي يتناول بها بعض ما خلفه 25 - فصل في البدع في مناسك الحج وقد ابتدع في مناسك الحج أشياء فبيحة وترك سنن صحيحة سنبن ذلك في كتاب المناسك إن شاء الله تعالى وقد ذكر الشيخ التقي الامام أبو عمرو بن الصلاح رضى الله عنه جملة منها في مناسكه الذي صنفه فقال بعد ذكر الطواف ودخول البيت وقد ابتدع من قريب بعض الفجرة المحتالين في الكعبة المكرمة
أمرين باطلين عظم ضررهما على العامة أحدهما ما يذكرون من العروة الوثقى عمدوا الى موضع عال من جدار البيت المقابل لباب البيت فسموه العروة الوثقى وأوقعوا في قلوب العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى فاحوجهم الى أن يقاسوا بالوصول إليها شدة وعناء ويركب بعضهم فوق بعض وربما صعدت الآنثى فوق الذكر ولا مست الرجال ولا مسوها فلحقهم بذلك أنواع الضر دينا ودنيا والثاني مسمار في وسط البيت سموه سرة الدنيا وحملوا العامة على أن يكشف أحدهم عن سرته وينبطح بها على ذلك الموضع حتى يكون واضعا سرته على سرة الدنيا قاتل الله واضع ذلك ومختلقه وهو المستعان وقال في جبل عرفات قد افتتنت العامة بهذا الجبل في زماننا واخطؤا في أشياء من أمره منها أنهم جعلوا الجبل هو الأصل في الوقت بعرفات فهم بذكره مشغوفون وعليه دون باقي بقاعها يحرصون وذلك خطأ منهم وإنما أفضلها موقف رسول الله ﷺ عند الصخرات عن يسار الجبل قال ومنها إيقاد النيران عليه ليلة عرفة واهتمامهم لذلك باستصحاب الشمع له من بلادهم واختلاط الرجال بالنساء في ذلك صعودا وهبوطا بالشموع المشتعله الكثيرة وقد تزاحم المرأة الجميلة بيدها الشمع الموقد كاشفة عن وجهها وهي ضلالة شابهوا فيها أهل الشرك في مثل ذلك الموقف الجليل وإنما احدثوا ذلك من قريب حين انقرض أكابر العلماء العاملين الآمرين
بالمعروف والناهين عن المنكر وحين تركوا سنة رسول الله بحصولهم بعرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف يوم عرفة لكونهم يرحلون في اليوم الثامن من مكة الى عرفة رحلة واحدة وإنما سنة رسول الله السير في الثامن من مكة الى منى والمبيت بها الى يوم عرفة وتأخير الوصول بعرفات الى ما بعد زوال الشمس يوم عرفة وقال أيضا من جهالات العامة وبدعهم في مسجد رسول الله تقربهم بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة بين المنبر والقبر وقطعهم من شعورهم ورميها في القنديل الكبير القريب من التربة النبوية قال ولا يجوز أن يطاف بالقبر وحكى الامام الحليمي عن بعض أهل العلم أنه نهى عن الصاق البطن والظهر بجدار القبر ومسحه باليد وذكر أن ذلك من البدع قال وما قاله شبيه بالحق والله أعلم قال ومن العامة من إذا حج يقول أقدس حجتي ويذهب فيزور بيت المقدس ويرى أن ذلك من تمام الحج وهو غير صحيح وزيارة بيت المقدس مستحبة ولكنها مستقلة ولا تعلق للحج بها قال ومنهم من يزعم ان رسول الله قال من زارني
وزار ابي ابراهيم في عام ضمنت له على الجنة وهذا باطل لا يعرف في كتاب وزيارة الخليل صلى الله علية وسلم مستحبة غير منكرة وإنما المنكر ما رووه قال وبلغني عن بعض أهل العلم من اشياخنا أنه قال ما سمع بهذا إلا بعد فتح صلاح الدين القدس والله أعلم 26 - فصل في بدع الجمعة وجرت عادة الناس انهم يصلون بين الاذنين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك الى خروج الامام وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من 2جهة كونه صلاة وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقهة منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر ويصرحون في نيتهم بانها سنة الجمعة ويقول من هو عند نفسه معتمدا على قوله إن قلنا الجمعة ظهر مقصورة فلها كالظهر وإلا فلا وكل ذلك بمعزل عن التحقيق والجمعة لا سنة لها قبلها كالعشاء والمغرب وكذا العصر على قول وهو الصحيح عند بعضهم وهي صلاة مستقله بنفسها حتى قال بعض الناس هي الصلاة الوسطى وهو الذي يترجح في ظني والعلم لما خصها الله تعالى به من الشرائط والشعائر ونقرر ذلك في موضع غير هذا إن شاء الله تعالى والدليل على أنه لا سنة لها قبلها أن المراد من قولنا الصلاة المسنونة أنها منقوله عن رسول الله قولا وفعلا والصلاة قبل الجمعة لم يأت منها شيء عن النبي يدل على أنه سنة ولا يجوز القياس في شرعية الصلوات أما بعد الجمعة فقد نقل في الصحيح أن النبي ﷺ كان يصلي بعد الجمعة ركعتين وقال من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا
قال أبو عيسى الترمذي روى عن على بن ابي طالب رضى الله عنه أنه أمر أن يصلي بعد الجمعة ركعتين ثم أربعا قال وقال عطاء رأيت ابن عمر رضى الله عنهما صلى بعد الجمعة ركعتين ثم صلى بعد ذلك اربعا فإن قلت فقد روى الترمذي أيضا قال وروى عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها اربعا واليه ذهب النووي وابن المبارك فهذا يدل على أن للجمعة سنة قبلها أربع ركعات كالظهر قلت المراد من صلاة عبد الله بن مسعود قبل الجمعة أربعا أنه كان يفعل ذلك تطوعا الى خروج الإمام كما تقدم ذكره فمن أين لكم أنه كان يعتقد أنها سنة الجمعة وقد جاء عن غيره من الصحابة رضى الله عنهم أكثر من ذلك قال أبو بكر بن المنذر روينا عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة وعن عباس رضى الله عنهما أنه كان يصلي ثماني ركعات وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع من قبل أنفسهم من غير توقيف من النبي ﷺ وكذلك اختلف العدد المروي عنهم وباب التطوع مفتوح ولعل ذلك كان يقع منهم أو معظمه قبل الآذان ودخول وقت الجمعة لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام وقد فعلوا مثل ذلك في صلاة العيد وقد علم قطعا أن صلاة العيد لا سنة لها وكانوا يصلون بعد ارتفاع الشمس في المصلى وفي البيوت ثم يصلون العيد روى ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وبوب له الحافظ البيهقي بابا في سننه ثم الدليل على صحة ذلك أن النبي كان يخرج من بيته يوم الجمعة فيصعد منبره ثم يؤذن المؤذن فإذا فرغ أخذ النبي في خطبته ولو كان للجمعة سنة قبلها لأمرهم بعد الآذان بصلاة السنة وفعلها هو ﷺ ولم يكن في زمن النبي صلى اللهعليه وسلم غير هذا الآذان الذي بين يدي الخطيب وعلى ذلك مذهب المالكية الى الآن فان قلت لعله ﷺ صلى السنة في بيته بعد زوال الشمس ثم خرج
قلت لو جرى ذلك لنقله أزواجه رضى الله عنهن كما نقلن سائر صلواته في بيته ليلا ونهارا وكيفية تهجده وقيامة بالليل وحيث لم ينقل شيء من ذلك فالآصل عدمه ودل على أنه لم يقع وأنه غير مشروع وإن قلت فما معنى قول البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي قبل الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين قلت مراده من هذه الترجمة أنه هل ورد في الصلاة قبلها وبعدها شيء ثم ذكر هذا الحديث أي أنه لم يرد إلا بعدها ولم يرد قبلها شيء والدليل على أن هذا مراده أنه قال في ابواب العيد باب الصلاة قبل العيد وبعدها وقال أبو المعلي سمعت سعيدا عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي ﷺ خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال رضى الله عنه قلت فترجم البخاري للعيد مثل ما ترجم للجمعة ولم يذكر للعيد إلا حديثا دالا على أنه لا تسوغ الصلاة قبلها ولا بعدها فدل ذلك على أن مراده من الجمعة ما ذكرناه فأن قلت الجمعة بدل عن الظهر وقد ذكر في الحديث سنة قبل الظهر وبعدها فاكتفى بذلك وإنما قال وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف بيانا لموضع صلاة السنة بعدها قلت ليس كذلك بدليل أنه قال في باب التطوع بعد المكتوبه حدثنا
يحيى بن سعيد عن عبد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صليت مع النبي سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة وهذا دليل على أن الجمعة عندهم غير الظهر وإلا ما كان يحتاج الى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر ثم لم يذكر لها سنة إلا بعدها دل على أنه لا سنة قبلها فإن قلت أن النبي ﷺ أمر الداخل الى المسجد وهو يخطب أن يصلي ركعتين قلت هما تحية المسجد لأنه لم يأت بهما فقال له قم قصل ركعتين ووقع في سنن ابن ماجة من حديث أبي هريرة وجابر رضى الله عنهما قالا جاء سليك الغطفاني ورسول الله يخطب فقال له النبي ﷺ أصليت ركعتين قبل أن تجيء قال لا قال فصل ركعتين وتجوز فيهما قال بعض من صنف في عصرنا قوله قبل أن تجيء يدل على أن هاتين الركعتين سنة للجمعة فبلها وليست تحية المسجد كأنه توهم أن معنى قوله قبل أن تدخل المسجد أي أنه صلاهما في بيته وليس الآمر كذلك فقد أخرج هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما وليس في واحد منها هذا اللفظ وهو قوله قبل أن تجيء وفي البخاري عن جابر قال جاء رجل والنبي قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما فقول النبي قم دليل على أنه لم يشعر به إلا وهو قد تهيأ للجلوس فجلس قبل أن يصلي فكلمه حينئذ وأمره بالقيام وجوز أن يكون صلى الركعتين عند أول دخوله الى المسجد قريبا من الباب ثم اقترب من رسول الله ليسمع الخصبة فسأله أصليت قبل لا فقوله فيما أخرجه ابن ماجة قبل أن تجيء يحتمل أن يكون معناه قبل ان تقرب منى لسماع الخطبة وليس المراد قبل ان تدخل فإن صلاته قبل دخول المسجد غير مشروعه فكيف يسأله عنها وذلك أن المأمور به بعد دخول وقت الجمعة إنما هو السعي الى مكان الصلاة فلا يشتغل بغير ذلك وقبل دخول الوقت لا يصح فعل السنة على تقدير أن تكون مشروعه
ومن الدليل على صحة ذلك أن النبي لم يسأل أحدا غير هذا الرجل الداخل عن كونه صلى سنة الجمعه أو لم يصل دل على أن النبي ﷺ لم يعتن بالبحث عن ذلك وإنما لما رآه قد جلس ولم يفعل ما هو مشروع له من تحية المسجد بركعتين أمره بهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والامام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما أي أن خطبة الامام والاستماع لها غير مانع من تحية المسجد وأخرج أبو داود الحديث الذي في سنن ابن ماجه وهو من حديث ابن حفص بن غياث عن الآعمش عن أبي سفيان عن جابر وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه قال جاء سليك العطفاني ورسول الله يخطب فقال له أصليت شيئا قال لا قال صل ركعتين تجوز فيهما وليس في الحديث قبل أن تجيء والله أعلم وذكر صاحب شرح السنة أيضا رواية غير معروفه قال وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال صلى رسول الله ﷺ قبل الجمعة ركعتين وبعدها ركعتين قلت هذا غير محفوظ وإنما هو قبل الظهر فوهم من قال قبل الجمعة والذي في الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله علية وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين ولم يزد على ذلك فان قلت ففي سنن أبي داود حدثنا مسدد حدثنا اسماعيل أخبرنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته وحدث أن رسول الله ﷺ كان يفعل ذلك قلت أراد بقوله أن رسول الله ﷺ أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته ولا يصليهما في المسجد وذلك هو المستحب وقد ورد من غير هذا الحديث وأرشد الى هذا التأويل ما تقدم من الآدلة على أنه لا سنة للجمعة قبلها وأما اطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فقد سبق الكلام
عليه وأن ذلك منه ومن أمثاله تطوعا من عند أنفسهم لأنهم كانوا يبكرون إلى حضور الجمعة فيشتغلون بالصلاة ذكر ذلك الامام أبو حامد الغزالي في كتاب الاحباء قال وكان يرى في القرن الأول بعد طلوع الفجر الطرقات مملوءة من الناس يمشون في السرج ويزد حمون فيها الى الجامع قال ودخل ان مسعود بكرة فرأى ثلاثة نفر قد سبقوه بالبكور فاغتم لذلك وجعل يقول لنفسه معاتبا إياها رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد وذكر من آداب الجمعة أن يقطع الصلاة عند خروج الإمام ويقطع الكلام أيضا بل يشتغل بجواب المؤذن ثم استماع الخطبة قال وجرت عادة بعض العوام بسجود عند قيام المؤذنين ولا يثبت له اصل في أثر ولا خبر لكنه إن وافق سجود تلاوة فلا بأس فان قلت دليل ان للجمعة سنة قبلها ما أخرجه أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجة في سننه فقال باب الصلاة قبل الجمعة حدثنا محمد بن يحي حدثنا يزيد ابن عبد ربه حدثنا بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن ارطأة عن عطية العوفي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان النبي ﷺ يركع من قبل الجمعة اربعا لا يفصل في شيء منهن قلت: في سنن ابن ماجه من جملة الأحاديث الضعاف والموضوعات كالذي ذكره في فضل بلدة قزوين وليس لعطية العوفي عن ابن عباس في كتابه غير هذا الحديث وهذا إسناد لا تقوم به حجة لضعف رجاله فكيف يعارض ما تقدم من الآدلة الصحيحة على خلافه فبقية ضعيف ومبشر ومنكر الحديث والحجاج بن ارطأة لا يحتج به وعطية قال البخاري كان هشيم يتكلم فيه وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول شيخ يقال له مبشر بن عبيد كان يكون بحمص أظنه كوفيا روى عنه بقية وأبو المغيرة أحاديث موضوعة كذب وقال الدارقطني مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها وقال أبو بكر البيهقي عطية العوفي لا يحتج به وكذلك في الحجاج بن ارطأة في غير ما وضع من سننه وقال مبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى وضع الحديث،
قلت: ولعل الحديث انقلب على أحد هؤلاء الضعفاء لعدم ضبطهم واتقانهم 2فقال قبل الجمعة وإنما هو بعد الجمعة فيكون موافقا لما ثبت في الصحيح وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى نحوا من هذا القول في رواية عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلع قسم يوم خيبر للفارس سهمين وللراجل سهما قال الشافعي في القديم كأنه سمع نافعا يقول للفرس سهمين وللراجل سهما فقال الفارس سهمين وللراجل سهما يعني فيكون موافقا لرواية أخيه عبيد الله بن عمر قال وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدمه عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ نقل ذلك عن الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى في كتاب السنن الكبير فهذا وجه الكلام على الحديث الذي في سنن ابن ماجه ولم يكن لنا في تأويله بعد بيان ضعفه حاجة والله سبحانه وتعالى أعلم وهو حسبي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين دائما إلى يوم الدين آمين.
تم الكتاب والحمد الله.