البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أحاديث منثورة في الدجال



ذكر أحاديث منثورة في الدجال حديث عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه


قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي التياح، عن المغيرة بن سبيع، عن عمرو بن حريث، أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، أفاق من مرضة له، فخرج إلى الناس، فاعتذر بشيء وقال: ما أردنا إلا الخير. ثم قال: حدثنا رسول الله أن الدجال يخرج في أرض بالمشرق يقال لها: خراسان. يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة. ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث روح بن عبادة به. وقال الترمذي: حسن غريب.

[ص:156] قلت: وقد رواه عبيد الله بن موسى العبسي، عن الحسن بن دينار، عن أبي التياح، فلم يتفرد به روح، كما زعمه بعضهم، ولا سعيد بن أبي عروبة; فإن يعقوب بن شيبة قال: لم يسمعه ابن أبي عروبة من أبي التياح، وإنما سمعه من ابن شوذب عنه.

حديث عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن جابر، عن عبد الله بن نجي، عن علي، عن النبي . قال: ذكرنا الدجال عند النبي وهو نائم، فاستيقظ محمرا لونه، فقال: «غير ذلك أخوف لي عليكم». ذكر كلمة. تفرد به أحمد.

حديث عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن إسحاق، عن داود بن عامر بن سعد بن مالك، عن أبيه، عن جده، قال: قال. رسول الله : «إنه لم يكن نبي إلا وصف الدجال لأمته، ولأصفنه صفة لم يصفها أحد كان قبلي; إنه أعور، وإن الله، عز وجل، ليس بأعور». تفرد به أحمد.

[ص:157] حديث عن الصعب بن جثامة: قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبو حميد الحمصي، ثنا حيوة، ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد قال: لما فتحت إصطخر إذا مناد ينادي: ألا إن الدجال قد خرج. قال: فلقيهم الصعب بن جثامة فقال: لولا ما تقولون لأخبرتكم أني سمعت رسول الله يقول: «لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى يترك الأئمة ذكره على المنابر». إسناده حسن، ولم يخرجه.

حديث عن أبي عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه: قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن سراقة، عن أبي عبيدة بن الجراح، قال: سمعت رسول الله يقول: «إنه لم يكن نبي بعد نوح، إلا قد أنذر قومه الدجال، وأنا أنذركموه». فوصفه لنا رسول الله فقال: «لعله سيدركه بعض من رأى أو سمع كلامي». قالوا: يا رسول الله، كيف قلوبنا يومئذ؟ قال: «مثلها – يعني اليوم – أو خير».

[ص:158] ثم قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن بسر، وعبد الله بن الحارث بن جزي، وعبد الله بن مغفل، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث خالد الحذاء.

وقد رواه أحمد عن عفان وعبد الصمد، وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، كلهم عن حماد بن سلمة به. وروى أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء ببعضه. حديث عن أبي بن كعب، رضي الله عنه: روى أحمد عن غندر، وروح، وسليمان بن داود، ووهب بن جرير، كلهم عن شعبة، عن حبيب بن الزبير، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل، سمع عبد الرحمن بن أبزى، سمع عبد الله بن خباب، سمع أبي بن كعب يحدث أن رسول الله ذكر عنده الدجال، فقال: «إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء، وتعوذوا بالله من عذاب القبر». تفرد به أحمد.

حديث عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: قال عبد الله ابن الإمام أحمد: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده، حدثني عبد المتعال بن [ص:159] عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا مجالد، عن أبي الوداك، قال: قال لي أبو سعيد: هل تقر الخوارج بالدجال؟ قلت: لا. فقال: قال رسول الله : «إني خاتم ألف نبي أو أكثر، وما بعث نبي يتبع إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني قد بين لي من أمره ما لم يبين لأحد، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى، كأنها نخامة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، معه من كل لسان، ومعه صورة الجنة خضراء، يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء، تدخن». تفرد به أحمد. وقد روى عبد بن حميد في مسنده، عن حماد بن سلمة، عن الحجاج، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعا، نحوه.

حديث عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا بهز وعفان، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : «يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة، فيأتي المدينة، فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة، فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه، فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة».

[ص:160] ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد المؤدب، عن حماد بن سلمة، به نحوه.

طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، عن أنس، عن النبي ، قال: «إن الدجال أعور العين الشمال، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كفر أو كافر». هذا حديث ثلاثي الإسناد، وهو على شرط ” الصحيحين ”.

طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : «يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفا من اليهود، عليهم السيجان». تفرد به أحمد.

[ص:161] طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثني أبي، حدثنا شعيب; هو ابن الحبحاب، عن أنس، أن رسول الله قال: «الدجال ممسوح العين، بين عينيه مكتوب: كافر – ثم تهجاها – يقرؤه كل مسلم: ك ف ر».

حدثنا يونس، حدثنا حماد – يعني ابن سلمة – عن حميد وشعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: «الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كل مؤمن؟ كاتب وغير كاتب».

ورواه مسلمعن زهير، عن عفان، عن عبد الوارث، عن شعيب به، بنحوه.

طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا عمرو بن الهيثم، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله : ” ما بعث نبي إلا أنذر [ص:162] أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر ”.

ورواه البخاريومسلم، من حديث شعبة به.

حديث عن سفينة: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا حشرج، حدثني سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى رسول الله قال: خطبنا رسول الله فقال: ” ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته، هو أعور عينه اليسرى، بعينه اليمنى ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر، يخرج معه واديان; أحدهما جنة والآخر نار، فناره جنة، وجنته نار، معه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء، ولو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وذلك فتنة، فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين: كذبت. ما يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، فيقول له: صدقت. فيسمعه الناس فيظنون أنما يصدق الدجال، وذلك فتنة، ثم يسير حتى يأتي المدينة، فلا يؤذن له فيها؟ فيقول: هذه قرية ذاك الرجل. ثم يسير حتى يأتي الشام، فيهلكه الله عند عقبة [ص:163] أفيق ”. تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به، ولكن في متنه غرابة ونكارة، فالله أعلم.

حديث عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه: قال يعقوب بن سفيان الفسوي في ” مسنده ”: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا خنيس بن عامر بن يحيى المعافري، عن أبي قبيل، عن جنادة بن أبي أمية، أن قوما دخلوا على معاذ بن جبل وهو مريض، فقالوا له: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله لم تنسه. فقال: أجلسوني. فأخذ بعض القوم بيده، وجلس بعضهم خلفه، فقال: سمعت رسول الله يقول: «ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني أحذركم أمره، إنه أعور، وإن ربي، عز وجل، ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه الكاتب وغير الكاتب، معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار». قال العلماء: تفرد به خنيس، وما علمت فيه جرحا، وإسناده صالح.

[ص:164] حديث عن سمرة بن جندب، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا زهير، عن الأسود بن قيس، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي، من أهل البصرة، قال: شهدت يوما خطبة لسمرة بن جندب، فذكر في خطبته حديثا في صلاة الكسوف، وأن رسول الله خطب بعد صلاة الكسوف، فقال: “وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى، كأنها عين أبي تحيى، وإنه متى يخرج – أو قال: متى ما يخرج – فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه; لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه; لم يعاقب بشيء من عمله – وقال الحسن: بسيئ من عمله – سلف، وإنه سوف يظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، ويزلزلون زلزالا شديدا، ثم يهلكه الله تعالى، حتى إن جذم الحائط، وأصل الشجرة لينادي: يا مؤمن، هذا يهودي – أو قال: هذا كافر – تعال فاقتله. ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم، [ص:165] وتسألون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تزول جبال عن مراتبها ثم شهد خطبة سمرة مرة أخرى، فما قدم كلمة ولا أخرها عن موضعها.

وأصل هذا الحديث في صلاة الكسوف عند أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم في مستدركه أيضا.

وقيل: سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعا: «الدجال أعور عين الشمال، عليها ظفرة غليظة».

قلت: وليس هذا الحديث من هذا الوجه في ” المسند ”، ولا في شيء من الكتب الستة، وكان الأولى بشيخنا أن يسنده، أو يعزوه إلى كتاب مشهور، والله الموفق.

حديث آخر عن سمرة: قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد وعبد الوهاب، أنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله [ص:166] كان يقول: «إن الدجال خارج، وهو أعور عين الشمال، عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، ويقول للناس: أنا ربكم. فمن قال: أنت ربي. فقد فتن، ومن قال: ربي الله. حتى يموت، فقد عصم من فتنته، ولا فتنة بعده عليه ولا عذاب، فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم من قبل المغرب، مصدقا بمحمد وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة».

وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا مروان بن جعفر السمري، حدثنا محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان، ثنا جعفر بن سعد بن سمرة، عن خبيب، عن أبيه، عن جده سمرة، أن رسول الله كان يقول: «إن المسيح الدجال أعور عين الشمال، عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، ويقول: أنا ربكم. فمن اعتصم بالله، فقال. ربي الله. ثم أبى إلا ذلك حتى يموت، فلا عذاب عليه ولا فتنة، ومن قال: أنت ربي. فقد فتن، وإنه يلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم من المشرق مصدقا بمحمد وعلى ملته، ثم يقتل الدجال».

[ص:167] حديث غريب.

حديث عن جابر، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير، عن زيد – يعني ابن أسلم – عن جابر بن عبد الله، قال: أشرف رسول الله على فلق من أفلاق الحرة، ونحن معه، فقال: «نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال، على كل نقب من أنقابها ملك، لا يدخلها، فإذا كان ذلك رجفت المدينة بأهلها ثلاث رجفات، لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، وأكثر – يعني من يخرج إليه – النساء، وذلك يوم التخليص; يوم تنفي المدينة الخبث، كما ينفي الكير خبث الحديد، يكون معه سبعون ألفا من اليهود، على كل رجل منهم ساج وسيف محلى، فيضرب رواقه بهذا الضرب الذي عند مجتمع السيول». ثم قال رسول الله : «ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة، أكبر من فتنة الدجال، وما من نبي إلا وقد حذر أمته، ولأخبرنكم بشيء ما أخبره نبي أمته قبلي». ثم وضع يده على عينيه، ثم قال: «أشهد أن الله ليس بأعور». تفرد به أحمد، وإسناده جيد، وصححه الحاكم.

[ص:168] طريق أخرى عن جابر: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول الله : «إني لخاتم ألف نبي أو أكثر، وإنه ليس منهم نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإنه قد تبين لي ما لم يتبين لأحد منهم، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور». تفرد به البزار، وإسناده حسن، ولفظه غريب جدا.

وروى عبد الله بن أحمد في ” السنة ”، من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر; أن رسول الله ذكر الدجال فقال: «إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور». ورواه ابن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، عن مجالد به، أطول من هذا.

طريق أخرى عن جابر: قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال النبي : «الدجال أعور، وهو أشد الكذابين».

وروى مسلممن حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي قال: ” لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى ينزل [ص:169] عيسى ابن مريم.... ” وتقدمت الطريق الأخرى عن أبي الزبير عنه، وعن أبي سلمة عنه، في الدجال.

حديث عن ابن عباس، رضي الله عنهما: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي أنه قال في الدجال: «أعور هجان أزهر، كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك، فإن ربكم ليس بأعور». قال شعبة: فحدثت به قتادة، فحدثني بنحو من هذا. تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وروى أحمد، والحارث بن أبي أسامة، وأبو يعلى، من طريق هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس في حديث الإسراء، قال: ورأى الدجال في صورته رؤيا عين، ليس رؤيا منام، وعيسى وإبراهيم، فسئل النبي عن الدجال، فقال: ” رأيته فيلمانيا أقمر هجانا، إحدى عينيه قائمة، كأنها [ص:170] كوكب دري، كأن شعره أغصان شجرة ”. وذكر تمام الحديث.

حديث عن هشام بن عامر: قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد – يعني ابن هلال – عن هشام بن عامر الأنصاري قال: سمعت رسول الله يقول: «ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال».

وقال أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن بعض أشياخهم، قال: قال هشام بن عامر لجيرانه: إنكم لتخطون إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله ولا أوعى لحديثه مني، وإني سمعت رسول الله يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال».

ورواه الإمام أحمد أيضا، عن أحمد بن عبد الملك، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، عن هشام بن عامر، أنه قال: إنكم لتجاوزنني إلى رهط من أصحاب رسول الله ما كانوا أحصى ولا أحفظ لحديثه مني، وإني سمعت رسول الله يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال».

[ص:171] وقد رواه مسلممن حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن رهط، منهم أبو الدهماء وأبو قتادة، عن هشام بن عامر، فذكر نحوه. وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هشام بن عامر، قال: قال رسول الله : «إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك، فمن قال: أنت ربي. افتتن، ومن قال: كذبت، ربي الله، عليه توكلت. فلا يضره». أو قال: «فلا فتنة عليه».

حديث عن ابن عمر، رضي الله عنهما: قال أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : ” ينزل الدجال في هذه السبخة، بمر قناة، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه، وإلى أمه، وابنته، وأخته، وعمته، فيوثقها رباطا، مخافة أن تخرج إليه، ثم يسلط الله المسلمين عليه، فيقتلونه، ويقتلون شيعته، حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة أو الحجر، فيقول الحجر أو الشجرة [ص:172] للمسلم: هذا يهودي تحتي فاقتله ”. تفرد به أحمد من هذا الوجه.

طريق أخرى عن سالم: قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قام رسول الله في الناس، فأثنى على الله، تعالى بما هو أهله، فذكر الدجال فقال: «إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومه; لقد أنذره نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه; تعلمون أنه أعور، وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور». وقد تقدم هذا في الصحيح مع حديث ابن صياد. وبه عن ابن عمر: أن رسول الله قال: «تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي، فاقتله». وأصله في ” الصحيحين ” من حديث الزهري، بنحوه.

طريق أخرى: قال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا عاصم بن محمد، عن أخيه عمر بن محمد، عن محمد بن زيد، يعني أبا عمر بن محمد، قال: قال عبد الله بن عمر: كنا نحدث بحجة الوداع، ولا ندري أنه الوداع من رسول الله فلما كان في حجة الوداع، خطب رسول الله فذكر المسيح الدجال، فأطنب في ذكره، ثم قال: ” ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته; لقد أنذره نوح أمته، والنبيون، عليهم الصلاة والسلام، من بعده، ألا ما خفي عليكم [ص:173] من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور ”. تفرد به أحمد من هذا الوجه.

طريق أخرى: قال أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا وصفه لأمته، ولأصفنه صفة لم يصفها من كان قبلي، إنه أعور وإن الله ليس بأعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية». وهذا إسناد جيد حسن.

وقال الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي أنه سئل عن الدجال فقال: «ألا إن ربكم ليس بأعور، ألا وإنه أعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن سعد، وحذيفة، وأبي هريرة، وأسماء، وجابر بن عبد الله، وأبي بكرة، وعائشة، وأنس، وابن عباس، والفلتان بن عاصم.

حديث عبد الله بن عمرو: قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن [ص:174] معاوية قدمت الشام، فأخبرت بمقام يقومه نوف، فجئته، إذ جاء رجل – فاشتد الناس – عليه خميصة، وإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص، فلما رآه نوف أمسك عن الكلام، فقال عبد الله: سمعت رسول الله يقول: «إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف». قال: وسمعت رسول الله يقول: «سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع – حتى عدها زيادة على عشر مرات – كلما خرج منهم قرن قطع، حتى يخرج الدجال في بقيتهم». ورواه أبو داود من حديث قتادة، عن شهر، عنه. طريق أخرى عنه: قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا جعفر بن أحمد الساماني، حدثنا أبو كريب، حدثنا فردوس الأشعري، عن مسعود بن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي أنه قال في الدجال: ” ما شبه عليكم منه، فإن الله، سبحانه، ليس بأعور، يخرج [ص:175] فيكون في الأرض أربعين صباحا، يرد كل منهل إلا الكعبة، وبيت المقدس والمدينة، الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ومعه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار، معه جبل من خبز، ونهر من ماء، يدعو برجل، لا يسلطه الله إلا عليه، فيقول: ما تقول في؟ فيقول: أنت عدو الله، وأنت الدجال الكذاب. فيدعو بمنشار، فيضعه حذو رأسه فيشقه، ثم يحييه، فيقول له: ما تقول في؟ فيقول: والله ما كنت أشد بصيرة مني فيك الآن، أنت عدو الله؟ الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله . فيهوي إليه بسيفه فلا يستطيعه، فيقول: أخروه عني ”. قال العلماء: هذا حديث غريب، ومسعود لا يعرف. وسيأتي حديث يعقوب بن عاصم عنه، في مكث الدجال في الأرض، ونزول عيسى ابن مريم.

حديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية، قالت: كان رسول الله في بيتي، فذكر الدجال، فقال: «إن بين يديه ثلاث سنين; سنة تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله، والأرض نباتها كله، ولا يبقى ذات ضرس ولا ذات [ص:176] ظلف من البهائم إلا هلكت، وإن من أشد فتنته أن يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك؟ ألست تعلم أني ربك؟» قال: «فيقول: بلى. فتمثل له الشياطين نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعها وأعظمه أسنمة». قال: «ويأتي الرجل قد مات أخوه، ومات أبوه، فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك، وأحييت لك أخاك، ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى. فتمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه». قالت: ثم خرج رسول الله لحاجة، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم، مما حدثهم به، قالت: فأخذ بلجفتي الباب وقال: «مهيم أسماء». قالت: قلت: يا رسول الله، لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال. قال: «فإن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه، وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن». قالت أسماء: يا رسول الله، إنا والله لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتى نجوع، فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: «يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح، والتقديس».

وكذلك رواه أحمد أيضا، عن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن قتادة، عن شهر، عنها، بنحوه، وهذا إسناد لا بأس به، وقد تفرد به أحمد، وتقدم له شاهد في حديث أبي أمامة الطويل، وفي حديث عائشة بعده شاهد له من وجه آخر أيضا، والله أعلم.

[ص:177] وقال أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثتني أسماء: أن رسول الله قال في حديث: «فمن حضر مجلسي، وسمع قولي، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، واعلموا أن الله، عز وجل، صحيح ليس بأعور، وأن الدجال أعور، ممسوح العين، مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كل مؤمن; كاتب وغير كاتب». وسيأتي عن أسماء بنت عميس نحوه، والمحفوظ هذا، والله أعلم.

حديث عائشة، رضي الله عنها: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن الحسن، عن عائشة، أن رسول الله ذكر جهدا يكون بين يدي الدجال، فقالوا: أي المال خير يومئذ. قال: «غلام شديد يسقي أهله الماء، وأما الطعام فليس». قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: «التسبيح والتكبير، والتحميد، والتهليل». قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: «العرب يومئذ قليل». تفرد به أحمد، وإسناده صحيح فيه غرابة، وتقدم في حديث أسماء، وأبي أمامة شاهد له، والله أعلم.

طريق أخرى عنها: قال أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني الحضرمي بن لاحق، أن ذكوان أبا [ص:178] صالح أخبره، أن عائشة أخبرته، قالت: دخل علي رسول الله وأنا أبكي، فقال: «ما يبكيك؟» قلت: يا رسول الله، ذكرت الدجال، فبكيت. فقال رسول الله : «إن يخرج الدجال وأنا حي كفيتكموه، وإن يخرج الدجال بعدي فإن ربكم، عز وجل، ليس بأعور، إنه يخرج في يهودية أصبهان، حتى يأتي المدينة، فينزل ناحيتها، ولها يومئذ سبعة أبواب، على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها، حتى يأتيالشام، مدينة بفلسطين بباب لد، فينزل عيسى ابن مريم، عليه السلام، فيقتله، ثم يمكث عيسى، عليه السلام، في الأرض أربعين سنة إماما عادلا، وحكما مقسطا». تفرد به أحمد.

وقال – أحمد أيضا: حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عامر، عن عائشة أن النبي قال: لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة ”. ورواهالنسائي عن قتيبة، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، به. والمحفوظ رواية عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس، كما تقدم.

وثبت في ” الصحيح ” من حديث هشام بن عروة، عن زوجته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت في حديث صلاة الكسوف: إن رسول الله قال في خطبته يومئذ: «وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا، أو مثل، فتنة المسيح الدجال». لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟ الحديث بطوله.

[ص:179] وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أم شريك، أن رسول الله قال: «ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا برءوس الجبال». قلت: يا رسول الله، أين العرب يومئذ؟ قال: «هم قليل».

حديث عن أم سلمة، رضي الله عنها: قال ابن وهب: أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عروة، قال: قالت أم سلمة: ذكرت المسيح الدجال ليلة، فلم يأتني النوم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله ، فأخبرته، فقال: «لا تفعلي، فإنه إن يخرج وأنا فيكم يكفكم الله بي، وإن يخرج بعد أن أموت يكفكم الله بالصالحين». ثم قام، فقال: «ما من نبي إلا حذر أمته منه، وإني أحذركموه، إنه أعور، وإن الله ليس بأعور». قال العلماء: إسناده قوي.

حديث رافع بن خديج: رواه الطبراني من رواية عطية بن عطية، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج، عن النبي في ذم القدرية، وأنهم زنادقة هذه الأمة، وفي زمانهم يكون ظلم السلطان، وحيف وأثرة، ثم يبعث الله طاعونا، فيفني عامتهم، ثم يكون الخسف، فما أقل من ينجو منهم، المؤمن يومئذ قليل فرحه، شديد غمه، ثم يكون المسخ، فيمسخ الله عامتهم قردة وخنازير، ثم يخرج الدجال على [ص:180] إثر ذلك قريبا. ثم بكى رسول الله حتى بكينا لبكائه، وقلنا: ما يبكيك؟ قال: «رحمة لأولئك الأشقياء، لأن فيهم المقتصد، وفيهم المجتهد...». الحديث.

حديث عن عثمان بن أبي العاص، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، قال: أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة; لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه، فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا، ثم أتينا بطيب فتطيبنا، ثم جئنا المسجد، فجلسنا إلى رجل، فحدثنا عن الدجال، ثم جاء عثمان بن أبي العاص، فقمنا إليه فجلسنا، فقال: سمعت رسول الله يقول: ” يكون للمسلمين ثلاثة أمصار ; مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام، فيفزع الناس ثلاث فزعات، فيخرج الدجال في أعراض الناس، فيهزم من قبل المشرق، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق; فرقة تقيم تقول: نشامه; ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، [ص:181] وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنساء، ثم يأتي المصر الذي يليه، فيصير أهله ثلاث فرق; فرقة تقول: نشامه ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغربي الشام، وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعثون سرحا لهم، فيصاب سرحهم، فيشتد ذلك عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد، حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر: يا أيها الناس، أتاكم الغوث. ثلاثا، فيقول بعضهم لبعض: إن هذا الصوت لصوت رجل شبعان، وينزل عيسى ابن مريم، عليه السلام، عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم: يا روح الله، تقدم صل. فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدم أميرهم فيصلي، فإذا قضى صلاته أخذ عيسى عليه السلام حربته، فيذهب نحو الدجال، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص، فيضع حربته بين ثندوتيه فيقتله، وينهزم أصحابه، فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا، حتى إن الشجرة لتقول: يا مؤمن، هذا كافر. ويقول الحجر: يا مؤمن، هذا كافر ”. تفرد به أحمد.

ولعل هذين المصرين هما البصرة والكوفة; بدليل ما رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا الحشرج بن نباتة القيسي الكوفي، [ص:182] حدثني سعيد بن جمهان، حدثنا عبد الله بن أبي بكرة، قال: حدثنا أبي في هذا المسجد، يعني مسجد البصرة، قال: قال رسول الله : «لتنزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها: البصرة. يكثر بها عددهم، ويكثر بها نخلهم، ثم يجيء بنو قنطوراء صغار العيون، حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له: دجلة. فيتفرق المسلمون ثلاث فرق، فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل، وتلحق بالبادية، وهلكت، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها، وكفرت، فهذه وتلك سواء، وأما فرقة فيجعلون عيالهم خلف ظهورهم ويقاتلون، فقتلاهم شهداء، ويفتح الله على بقيتها».

ثم رواه أحمد، عن يزيد بن هارون وغيره، عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جمهان، عن ابن أبي بكرة، عن أبيه، فذكره. قال العوام: بنو قنطوراء هم الترك. ورواه أبو داود، عن محمد بن يحيى بن فارس، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن سعيد بن جمهان، عن مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه، فذكر نحوه.

وروى أبو داود من حديث بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي في حديث «يقاتلكم قوم صغار الأعين». يعني الترك، قال: ” تسوقونهم ثلاث مرار، حتى تلحقوهم بجزيرة العرب، فأما في السياقة [ص:183] الأولى فينجو من هرب منهم، وأما في الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون ”. أو كما قال. لفظ أبي داود. وروى الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود، قال: يفترق الناس عند خروج الدجال ثلاث فرق، فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ بشط الفرات، يقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام، ويبعثون طليعة، فيهم فارس فرسه أشقر أو أبلق، فيقتلون فلا يرجع منهم بشر. حديث عن عبد الله بن بسر: قال حنبل بن إسحاق: حدثنا دحيم، حدثنا عبد الله بن يحيى المعافري، هو البرلسي – أحد الثقات – عن معاوية بن صالح، حدثني أبو الوازع أنه سمع عبد الله بن بسر يقول: سمعت رسول الله يقول: «ليدركن الدجال من رآني». أو قال: «ليكونن قريبا من موتي». قال العلماء: أبو الوازع لا يعرف، والحديث منكر. قلت: وقد تقدم في حديث أبي عبيدة شاهد له. [ص:184] حديث عن سلمة بن الأكوع، رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا زيد بن الحريش، حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني زيد بن عبد الرحمن، عن سلمة بن الأكوع، قال: أقبلت مع رسول الله من قبل العقيق، حتى إذا كنا مع الثنية، قال: «إني لأنظر إلى مواقع عدو الله المسيح، إنه يقبل حتى ينزل من كذا، حتى يخرج إليه الغوغاء، ما من نقب من أنقاب المدينة إلا عليه ملك أو ملكان يحرسانه، معه صورتان; صورة الجنة، وصورة النار خضراء، ومعه شياطين يتشبهون بالأموات، يقول للحي: تعرفني؟ أنا أخوك، أنا أبوك، أنا ذو قرابة منك، ألست قد مت؟ هذا ربنا فاتبعه. فيقضي الله ما شاء منه، ويبعث الله له رجلا من المسلمين، فيسكته ويبكته، ويقول: هذا الكذاب يا أيها الناس، لا يغرنكم، فإنه كذاب ويقول باطلا، وليس ربكم بأعور. فيقول: هل أنت متبعي؟ فيأتي، فيشقه شقتين، ويفصل ذلك، ويقول: أعيده لكم؟ فيبعثه الله أشد ما كان تكذيبا له، وأشد شتما، فيقول: أيها الناس، إنما رأيتم بلاء ابتليتم به، وفتنة افتتنتم بها، إن كان صادقا فليعدني مرة أخرى، ألا هو كذاب. فيأمر به إلى هذه النار، وهى صورة الجنة، ثم يخرج قبل الشام».

[ص:185] موسى بن عبيدة الربذي ضعيف، وهذا السياق فيه غرابة، والله أعلم.

حديث محجن بن الأدرع، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد، يعني ابن سلمة، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن محجن بن الأدرع، أن رسول الله خطب الناس، فقال: «يوم الخلاص، وما يوم الخلاص؟!» ثلاثا. فقيل له: وما يوم الخلاص. قال: «يجيء الدجال، فيصعد أحدا، فينظر إلى المدينة، فيقول لأصحابه: هل ترون هذا القصر الأبيض، هذا مسجد أحمد. ثم يأتي المدينة، فيجد بكل نقب من أنقابها ملكا مصلتا، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة، ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه، فذلك يوم الخلاص». تفرد به أحمد. ثم رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء، عن محجن بن الأدرع، قال: أخذ رسول الله بيدي، فصعد على أحد، فأشرف على المدينة، فقال: «ويل أمها قرية! يدعها أهلها خير ما تكون – أو كأخير ما تكون – فيأتيها الدجال، فيجد على كل باب من أبوابها ملكا مصلتا بجناحه، فلا يدخلها». قال: ثم نزل وهو آخذ بيدي، فدخل المسجد، فإذا رجل يصلي، فقال لي: «من هذا؟» فأثنيت عليه خيرا، فقال: «اسكت، لا تسمعه فتهلكه». قال: ثم أتى حجرة امرأة من نسائه، فنفض يده من يدي، وقال: ” إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم [ص:186] أيسره ”. حديث آخر: قال معمر في ” جامعه ”، عن الزهري، أخبرني عمرو بن أبي سفيان الثقفي، أخبرني رجل من الأنصار، عن بعض أصحاب محمد ، قال: ذكر رسول الله الدجال، فقال: ” يأتي سباخ المدينة، وهو محرم عليه أن يدخلها، فتنتفض بأهلها نفضة أو نفضتين، وهي الزلزلة، فيخرج إليه منها كل منافق ومنافقة، ثم يولي الدجال قبل الشام، حتى يأتي بعض جبال الشام، وبقية المسلمين يومئذ معتصمون بذروة جبل، فيحاصرهم نازلا بأصله، حتى إذا طال عليهم البلاء، قال رجل: حتى متى أنتم هكذا، وعدو الله نازل بأصل جبلكم؟ هل أنتم إلا بين إحدى الحسنيين; بين أن يستشهدكم أو يظهركم الله عليه. فتتبايعون على الموت بيعة يعلم الله أنها الصدق من أنفسهم، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر امرؤ كفه، فينزل ابن مريم، فيحسر عن أبصارهم، وبين أظهرهم رجل عليه لأمة، فيقولون: من أنت؟ فيقول: أنا عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته، عيسى، اختاروا إحدى ثلاث، بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا من السماء، أو يخسف بهم الأرض، أو يسلط عليهم سلاحكم، ويكف سلاحهم عنكم. فيقولون: هذه يا رسول الله، أشفى لصدورنا. فيومئذ يرى اليهودي العظيم الطويل، الأكول الشروب، لا تقل يده سيفه; من الرعدة، فينزلون إليهم، فيسلطون عليهم، ويذوب الدجال [ص:187] حتى يدركه عيسى ابن مريم، فيقتله ” قال العلماء: هذا حديث قوي الإسناد.

حديث نهيك بن صريم: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو موسى الزمن، حدثنا إبراهيم بن سليمان، حدثنا محمد بن أبان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن بشر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن نهيك بن صريم السكوني، قال: قال رسول الله : «لتقاتلن المشركين، حتى تقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقيه، وهو غربيه». قال: وما أدري أين الأردن يومئذ من الأرض؟ وكذا رواه سعيد بن سالم، وعبد الحميد بن صالح. حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا اليهودي من خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد; فإنه من شجر اليهود».

[ص:188] وقد روى مسلمعن قتيبة، بهذا الإسناد: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك». الحديث، وقد تقدم الحديث بطرقه وألفاظه، والظاهر، والله أعلم، أن المراد بهؤلاء الترك أنصار الدجال، كما تقدم في حديث أبي بكر الصديق الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

طريق أخرى عن أبى هريرة: قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول: «لينزلن الدجال بخوز وكرمان في سبعين ألفا كأن وجوههم المجان المطرقة». إسناده جيد قوي حسن.

طريق أخرى عن أبي هريرة: قال حنبل بن إسحاق: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا فليح، عن الحارث بن فضيل، عن زياد بن سعد، عن أبي هريرة، أن رسول الله خطب الناس، وذكر الدجال، فقال: «إنه لم يكن نبي إلا حذره أمته، وسأصفه لكم ما لم يصفه نبي قبلي; إنه أعور مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كل مؤمن يكتب أو لا يكتب». هذا إسناد جيد لم يخرجوه. [ص:189] طريق أخرى عن أبي هريرة: قال أحمد: حدثنا سريج، حدثنا فليح، عن عمر بن العلاء الثقفي، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: «المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة، على كل نقب منهما ملك لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون». هذا غريب جدا، وذكر مكة في هذا ليس بمحفوظ، أو ذكر الطاعون، والله أعلم، والعلاء الثقفي هذا إن كان ابن زيدل، فهو كذاب.

طريق أخرى عنه: قال البخاريومسلم: حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: مازلت أحب بني تميم منذ ثلاث، سمعت رسول الله يقول: «هم أشد أمتي على الدجال». قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله : «هذه صدقات قومي». قال: وكانت سبية منهم عند عائشة، فقال رسول الله : «أعتقيها; فإنها من ولد إسماعيل».

حديث عمران بن حصين، رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جرير، حدثنا حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، قال: سمعت عمران بن حصين يحدث، قال: قال رسول الله : ” من سمع [ص:190] بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات «أو لما يبعث به من الشبهات». هكذا قال. تفرد به أبو داود. وقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام بن حسان، حدثنا حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، عن عمران بن حصين، عن النبي ، قال: «من سمع بالدجال فلينأ عنه، فإن الرجل يأتيه يحسب أنه مؤمن، فما يزال به – لما معه من الشبه – حتى يتبعه». وكذلك رواه عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان. وهذا إسناد جيد، وأبو الدهماء – واسمه قرفة بن بهيس العدوي – ثقة.

وقال سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن عمران بن الحصين، قال: قال رسول الله : «لقد أكل الطعام، ومشى في الأسواق». يعني الدجال.

حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا بقية، حدثنا بحير، عن خالد، عن عمرو بن الأسود، عن [ص:191] جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، أنه حدثهم أن رسول الله قال: «إني قد حدثتكم عن الدجال، حتى خشيت ألا تعقلوا، إن المسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين ليس بناتئة، ولا حجراء، فإن لبس عليكم، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور». ورواه أحمد عن حيوة بن شريح ويزيد بن عبد ربه، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم، كلهم عن بقية بن الوليد، به.

حديث عن أسماء بنت عميس: رواه الطبراني من طريق أنس بن عياض، عن عبيد الله بن عمر، حدثني بعض أصحابنا عن أسماء بنت عميس، أنها شكت إلى رسول الله الحاجة، فقال: «كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها، فمن اتبعه أطعمه وأكفره، ومن عصاه حرمه ومنعه؟» فقلت: يا رسول الله، إن الجارية لتخلفن على التنور ساعة تخبزها، فأكاد أفتتن بها في صلاتي، فكيف بنا إذا كان ذلك؟ فقال: ” إن الله [ص:192] ليعصم المؤمنين بما يعصم به الملائكة من التسبيح، مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ”.

حديث المغيرة بن شعبة: قال مسلم: حدثنا شهاب بن عباد العبدي، حدثنا إبراهيم بن حميد الرؤاسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألت. قال: «وما ينصبك منه؟ إنه لا يضرك». قال: قلت: يا رسول الله، إنهم يقولون: إن معه الطعام والأنهار. قال: «هو أهون على الله من ذلك».

حدثنا سريج بن يونس، حدثنا هشيم، عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألته. قال: «وما سؤالك؟». قال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم، ونهر من ماء. قال «هو أهون على الله من ذلك».

ورواه مسلمأيضا في الاستئذان، من طرق كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد. وأخرجه البخاري، عن مسدد، عن يحيى القطان، عن إسماعيل، به.

[ص:193] وقد تقدم في حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار، وناره ماء بارد، وإنما ذلك في رأي العين.

وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء، كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق مموه، لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه، بل كلها خيالات عند هؤلاء. وقال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة: لا يجوز أن يكون لذلك حقيقة; لئلا يشتبه خارق الساحر بخارق النبي. وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية، وذلك مناف لبشريته، فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه، والحالة هذه.

وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية، وردوا الأحاديث الواردة فيه، فلم يصنعوا شيئا، وخرجوا بذلك عن حيز العلماء; لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله كما تقدم ذلك. وإنما أوردنا بعض ما ورد في هذا الباب، وفيه كفاية ومقنع، وبالله المستعان.

والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه، كما تقدم أن من استجاب له يأمر السماء [ص:194] فتمطرهم، والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم، وأنفسهم وترجع إليهم مواشيهم سمانا لبنا، ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والغلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وأنه يتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه، وهذا كله ليس بمخرقة، بل له حقيقة امتحن الله بها عباده في ذلك الزمان، فيضل به كثيرا، ويهدي به كثيرا، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيمانا.

وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث: «هو أهون على الله من ذلك». أي هو أقل من أن يكون معه ما يضل به عباده المؤمنين، وما ذاك إلا لأنه ناقص، ظاهر النقص والفجور والظلم، وإن كان معه ما معه من الخوارق; فبين عينيه مكتوب: كافر. كتابة ظاهرة، وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله: «ك ف ر». فدل ذلك على أنه كتابة حسية، لا معنوية، كما يقوله بعض الناس، وعينه الواحدة عوراء شنيعة المنظر ناتئة، وهو معنى قوله: «كأنها عنبة طافية». أي على وجه الماء، ومن روى ذلك: «طافئة». فمعناه: لا ضوء فيها. وفي الحديث الآخر: «كأنها نخامة على حائط مجصص». أي بشعة الشكل.

وقد ورد في بعض الأحاديث أن عينه اليمنى عوراء، وجاء في بعضها: اليسرى. فإما أن تكون إحدى الروايتين غير محفوظة، أو أن العور [ص:195] حاصل في كل من العينين، ويكون معنى العور النقص والعيب، ويقوي هذا الجواب ما رواه الطبراني، حدثنا محمد بن محمد التمار وأبو خليفة، قالا: حدثنا أبو الوليد، حدثنا زائدة، حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : «الدجال جعد هجان أقمر، كأن رأسه غصن شجرة، مطموس عينه اليسرى، والأخرى كأنها عنبة طافية». الحديث. وكذلك رواه سفيان الثوري، عن سماك بنحوه. لكن قد جاء في الحديث المتقدم: «وعينه الأخرى كأنها كوكب دري».

وعلى هذا فتكون الرواية الواحدة غلطا، ويحتمل أن يكون المراد أن العين الواحدة عوراء في نفسها، والأخرى عوراء باعتبار انفرادها. والله، سبحانه وتعالى، أعلم بالصواب. وقد سأل سائل سؤالا، فقال: ما الحكمة في أن الدجال مع كثرة شره وفجوره، وانتشار أمره، ودعواه الربوبية، وهو في ذاك ظاهر الكذب والافتراء، وقد حذر منه جميع الأنبياء، كيف لم يذكر في القرآن، ويبصر منه، ويصرح باسمه، وينوه بكذبه وعناده؟.

والجواب من وجوه; أحدها أنه قد أشير إلى ذكره في قوله تعالى: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ص:196] الآية [الأنعام: 158].

فال أبو عيسى الترمذي عند تفسيرها: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يعلى بن عبيد، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي قال: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من المغرب – أو من مغربها». ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.

الثاني: أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا، فيقتل الدجال، كما تقدم، وكما سيأتي، وقد ذكر في القرآن نزوله في قوله تعالى: بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا [النساء: 158، 159].

وقد قررنا في التفسير أن الضمير في قوله تعالى: قبل موته. عائد على عيسى، أي سينزل إلى الأرض، ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافا متباينا، فمن مدعي الإلهية كالنصارى، ومن قائل فيه قولا عظيما، وهو أنه ولد زنية، وهم اليهود، ومن قائل أنه قتل وصلب ومات. إلى غير ذلك، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه فيه من الافتراء، وسنقرر هذا قريبا. وعلى هذا فيكون ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى ذكر المسيح الدجال مسيح الضلالة، وهو ضد مسيح الهدى، ومن [ص:197] عادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر، كما هو مقرر في موضعه.

الثالث: أنه لم يذكر بصريح اسمه في القرآن احتقارا له، حيث أنه يدعي الإلهية وهو بشر، وهو مع بشريته ناقص الخلق ينافي حاله جلال الرب وعظمته وكبرياءه وتنزيهه عن النقص، فكان أمره عند الرب أحقر من أن يذكر، وأصغر، وأدحر من أن يجلى عن أمر دعواه ويحذر، ولكن انتصر الرسل لجناب الرب، عز وجل، فجلوا لأممهم عن أمره، وحذروهم ما معه من الفتن المضلة، والخوارق المنقضية المضمحلة، فاكتفى بإخبار الأنبياء، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله، في القرآن العظيم، ووكل بيان أمره إلى كل نبي كريم.

فإن قلت: فقد ذكر فرعون في القرآن، وقد ادعى ما ادعاه من الإلهية والكذب والبهتان; حيث قال: أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24]. وقال: يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري [القصص: 38]. فالجواب أن أمر فرعون قد انقضى، وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل، وأمر الدجال سيأتي، وهو كائن فيما يستقبل فتنة واختبارا للعباد، فترك ذكره في القرآن احتقارا له، وامتحانا به، إذ أمره وكذبه أظهر من أن ينبه عليه، ويحذر منه، وقد يترك ذكر الشيء لوضوحه، كما كان النبي في مرض موته قد عزم على أن يكتب كتابا بخلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، من بعده، ثم ترك ذلك، وقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». فترك نصه عليه لوضوح جلالته، وعظيم [ص:198] قدره عند الصحابة، وعلم، عليه الصلاة والسلام، أنهم لا يعدلون به أحدا بعده، وكذلك وقع الأمر، ولهذا يذكر هذا الحديث في دلائل النبوة، كما تقدم ذكرنا له غير مرة في مواضع من هذا الكتاب.

وهذا المقام الذي نحن فيه من هذا القبيل، وهو أن الشيء قد يكون ظهوره كافيا عن التنصيص عليه، وأن الأمر أظهر وأوضح وأجلى من أن يحتاج معه إلى زيادة إيضاح على ما في القلوب مستقر، فالدجال واضح الذم ظاهر النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدعيه من الربوبية، فترك الله ذكره والنص عليه; لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين أن مثل الدجال لا يخفى ضلاله عليهم ولا يهيضهم، ولا يزيدهم إلا إيمانا وتسليما لله ولرسوله، وتصديقا للحق، وردا للباطل.

ولهذا يقول ذلك المؤمن الذي يسلط عليه الدجال فيقتله، ثم يحييه: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا عنه رسول الله . ولا يلزم من هذا أنه سمع خبر الدجال من رسول الله شفاها.

وقد أخذ بظاهره إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الراوي للصحيح عن مسلم، فحكى عن بعضهم أنه الخضر، عليه السلام، وحكاه القاضي عياض عن معمر في ” جامعه ”.

[ص:199] وقد قال أحمد في ” مسنده ”، وأبو داود في سننه، والتزمذي في [[سنن الترمذي|جامعه]]، بإسنادهم إلى أبي عبيدة أن رسول الله قال: «لعله سيدركه من رآني، وسمع كلامي». وهذا مما قد يتقوى به بعض من يقول بهذا، ولكن في إسناده غرابة، ولعل هذا كان قبل أن يبين له من أمر الدجال ما بين في ثاني الحال. والله تعالى أعلم.

وقد ذكرنا في قصة الخضر كلام الناس في حياته، ودللنا على وفاته بأدلة أسلفناها هنالك، فمن أراد الوقوف عليها فليتأملها في قصص الأنبياء من كتابنا هذا. والله أعلم بالصواب.