البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/نفخة البعث



نفخة البعث


قال تعالى: ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون [الزمر: 68]. الآيات إلى آخر السورة، وقال: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [النبإ: 18].

[ص:343] الآيات، وقال تعالى: يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده [الإسراء: 52] الآية. وقال تعالى: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 13، 14]. وقال تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون الآيات إلى قوله: وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون [يس: 51 - 65].

وذكر في حديث الصور بعد نفخة الصعق وفناء الخلق، وبقاء الحي القيوم الذي لا يموت، الذي كان قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، وأنه يبدل السماوات والأرض بين النفختين، ثم يأمر بإنزال الماء على الأرض، الذي تخلق منه الأجساد في قبورها، وتتركب في أجداثها، كما كانت في حياتها في هذه الدنيا، ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها تتوهج أرواح المؤمنين نورا، والأخرى ظلمة، فتوضع في الصور، ويأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض، فتدخل كل روح على جسدها التي كانت فيه في هذه الدار، فتمشي الأرواح في الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنهم، كما تنشق عن نباتها فيخرجون منها سراعا إلى ربهم ينسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 8]. حفاة عراة غرلا.

وقد قال الله تعالى: يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون [المعارج: 43]. إلى آخر السورة، وقال تعالى: واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب [ق: 41]. إلى آخر السورة، وقال تعالى: خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 7 - 8]. وقال تعالى: فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ص:344] [المدثر: 8 - 10]. وقال تعالى: ومنها نخرجكم تارة أخرى [طه: 55]. وقال: والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا [نوح: 17، 18] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على البعث والنشور.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود، قال: يرسل الله قبل يوم القيامة ريحا فيها صر باردة، وزمهريرا باردا; فلا تذر على الأرض مؤمنا إلا كفت بتلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فلا يبقى خلق في السماء والأرض إلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فيرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ابن مسعود: كذلك النشور [فاطر: 9]. ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه، ويقومون، فيجيئون قياما لرب العالمين.

[ص:345] وعن وهب بن منبه، قال: يبلون في القبور، فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح في الأبدان، والمفاصل بعضها إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية وثب القوم قياما على أرجلهم، ينفضون التراب عن رءوسهم، يقول المؤمنون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.