البلبل السجين
البلبل السجين
يا ربّ بلا سناء
كأنّما بدره يتيم
مشى به اليأس في الرّخاء
كأنّه النار و الهشيم
ليت الدّجى رقّ للمحبّ
أو ليت لي مهجة حجر
أقضّ هذا الفراش جنبي
كأنّ في مضجعي الإبر
هل بك يا نجم مثل كربي؟
أم أنت من طبعك السّهر؟
سهرت شوقا إلى ذكاء؟
أم عندك المقعد المقيم؟
أبكي و تصغي إلى البكاء
يا ربّ! هل تعشق النجوم؟
قد نال فرط السّهاد منّي
و اشتاق طرفي إلى الهجوع
و قرّح الجفن ماء جفني
في الحبّ ما فاض من دموعي
و شاب رأسي من التّجنّي
ياليت ذا الشّيب في الولوع
لعلّ في سلوتي شفائي
هيهات. داء الهوى قديم
ما يحسب الناس في ردائي؟
في بردتي هيكل رميم!
قد طال يا ليل فيك صبري
و أشبهت ساعك القرونا
فقل لهذي النجوم تسري
أو إسأل الصّبح أن يبينا
و إن تشأ أن تكون قبري
فكن كما شئت أن تكونا
في سكون إلى البلاء
قد يألف العلّة السّقيم
من كان في قبضة الهواء
هان على نفسه النّسيم!
قرّب بين الضّنى و جسمي
ما أبعد النّوم عن جفوني
يا ليل فيك الرّقاد خصمي
يا ليل ما فيك من معين
سوى شج همّه كهمّي
ينشد و اللّيل في سكون!
أيمرح البوم في الخلاء
و تمسك البلبل الهموم؟
هذا ضلال من القضاء
فلا تلمني إذا ألوم
سا سيّد المنشدين طرّا
و صاحب المنطق المبين
لو كنت بوما أو كنت نسرا
ما بتّ في أسرك المهين
خلقت لما خلقت، حرّا
فزجّك الحسن في السّجون
و أطلق البوم في الفضاء
زعم الورى أنّه دميم
و أنّه غير ذي رواء
و لا له صوت الرّخيم!
تيّمك الروض فيه حتّى
تخذت باحاته مقاما
رأيت فيه النعيم بحتا
و لم تر عنده الأناما
مدّوا الأحابيل فيه شتّى
أقلّها يجلب الحماما
لو كنت كالبوم في الجفاء
ما صادك المنظر الوسيم
أصبحت تبكي من الشّقاء
ليضحك الآسر المضيم!
و المرء وحش فإن ترقّى
أصبح شرا من الوحوش
فخفه حرّا و خفه رقّا
و خفه ملكا على العروش
فالشرّ في الناس كان خلقا
و أيّ طير بغير ريش؟
ما قام فيهم أخو وفاء
يحفظ عهدا و لا رحيم
فكلّ مستضعف مرائي
و كلّ ذي قوّة غشوم!
إن كان للوحش من نيوب
فالناس أنيابهم حديد
ما كان، و الله، للحروب
لولا بنو آدم وجود
لو امّحى عالم الخطوب
لقام منهم لها معيد
قد نسبوا الظلم للسماء
و كلّهم جائر ظلوم
لم يخل منه أخو الثّراء
و لا الفتى البائس العديم
أعجب ما في بني التراب
قتالهم فوقه عليه
قد صيّر و الأرض كالكتاب
و انحشروا بين دفّتيه
و استعجلوا الموت بالعذاب
و كلّهم صائر إليه
ما خاب داع إلى العداء
و لم يفز ناصح حكيم
ما رغب الناس في الفناء
لكنّما ضاعت الحلوم!!
لو لم يك الظلم في الطّبائع
ما استنصر العاجز العداله
لو عدلت فيهم الشرائع
ما استحدثوا للقتال آله
عجبت للقاتل المدافع
جزاؤه الموت لا محاله
لكنّما سافكو الدماء
يوم الوغى قادة قروم
و هكذا المجرم الدائي
في عرفهم فاتح عظيم!
أقبح من هذه الضّلاله
أن يحكم الواحد الألوفا
و يدّعي الفضل و النّباله
من يسلب العامل الرّغيفا
يا قوم ما هذه الجهالة
قد حان أن تنصفوا الضّعيفا
فراقبوا ذمّة الإخاء
و لتنس أحقادها الخصوم!
لا تتبعوا سنّة البقاء
فإنّها سنّة ظلوم!