التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد/المجلد الثاني/صفحة واحدة



التمهيد المجلد الثاني عدل

باب الثاء ثور بن زيد عدل

ثور بن زيد الديلي هو من أهل المدينة صدوق روى عنه مالك بن أنس وسليمان بن بلال وأبو أويس والدراوردي لم يتهمه أحد بالكذب وكان ينسب إلى رأي الخوارج والقول بالقدر ولم يكن يدعو إلى شيء من ذلك قال أحمد بن حنبل هو صالح الحديث وقد روى عنه مالك

قال أبو عمر : كأنه يقول حسبك برواية مالك عنه وتوفي ثور بن زيد هذا سنة خمس وثلاثين ومائة لا يختلفون في ذلك وذكر الحسن بن علي الحلواني عن علي بن المديني قال كان يحيى بن سعيد يأبى إلا أن يوثق ثور بن زيد وقال إنما كان رأيه وأما الحديث فإنه ثقة.

قال أبو عمر : لمالك عنه في الموطأ من حديث النبي أربعة أحاديث أحدها مسند متصل والثلاثة منقطعة يشركه في أحد الثلاثة حميد بن قيس قال البخاري سمع ثور ابن زيد الديلي المدني من عكرمة وأبي الغيث.

قال أبو عمر : أبو الغيث مولى ابن مطيع يسمى سالما وهو مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوى أحد بني عدي بن كعب

حديث أول لثور بن زيد مسند عدل

مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة أنه قال "خرجنا مع رسول الله عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب والمتاع قال فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله غلاما أسود يقال له مدعم فوجه رسول الله إلى وادي القرى حتى إذا كانوا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله كلا والذي نفسي بيده أن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا قال فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله فقال رسول الله شراك أو شراكان من نار"

هكذا قال يحيى خرجنا مع رسول الله عام خيبر وتابعه على ذلك عن مالك قوم منهم الشافعي وابن القاسم والقعنبي وقال جماعة من الرواة عن مالك في هذا الحديث خرجنا مع رسول الله عام حنين والله أعلم بالصواب وقال يحيى إلا الأموال الثياب والمتاع وتابعه قوم وقال ابن القاسم إلا الأموال والثياب والمتاع وكذلك قال الشافعي فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال حدثني ثور بن زيد قال حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط فجود أبو إسحاق مع جلالته إسناد هذا الحديث بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الإشكال.

ففي هذا الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمى العين مالا وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق وذكر ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى النحوي قال ما قصر عن بلوغ ما يجب فيه الزكاة من الذهب والورق والماشية فليس بمال وأنشد

والله ما بلغت بي قط ماشية ... حد الزكاة ولا إبل ولا مال

قال وأنشد أحمد بن يحيى أيضا :

ملأت يدي من الدنيا مرارا ... فما طمع العواذل في اقتصادي

ولا وجبت على زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على جواد

وهذان البيتان أنشدهما الزبير بن بكار عن محمد بن عيسى لفليح بن إسماعيل

قال أبو عمر : المعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال ألا ترى إلى قول أبي قتادة السلمي فابتعت يعني بسلب القتيل الذي قتلته يوم حنين مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام وقال الله عز وجل خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وأجمعوا أن العين مما تؤخذ منه الصدقة وإن الثياب والمتاع لا يؤخذ منها الصدقة إلا في قول من رأى زكاة العروض للمدير التاجر نض له في عامه شيء من العين أو لم ينض وقال "يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو تصدق فأمضى أو لبس فأبلي" وهذا أبين من أن يحتاج فيه إلى استشهاد فمن حلف بصدقة ماله فذلك على كل نوع من ماله سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن إلا أن ينوى شيئا بعينه فيكون على ما نوى ولا معنى لقول من قال إن ذلك على أموال الزكوات لأن العلم محيط واللسان شاهد في إن ما تملك وتمول يسمى مالا وسنذكر اختلاف العلماء فيمن حلف بصدقة ماله في باب عثمان من هذا الكتاب إن شاء الله

أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي الموت وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا محمد بن عيسى قالوا حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا إنا أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا منها زكاة وذكر الحديث وفيه إباحة قبول الهدية للخليفة إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي عليه السلام إذا كان منه قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته وروى حبيب عن مالك عن الزهري عن أنس قال كان رسول الله يقبل الهدية ويثيب عليها وهذا الحديث وإن كان إسناده غير صحيح لتفرد حبيب به عن مالك فإن قبول رسول الله الهدايا أشهر وأعرف وأكثر من أن تحصى الآثار في ذلك لكنه كان مخصوصا بما أفاء الله عليه من غير قتال من أموال الكفار أن يكون له خاصة دون سائر الناس ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه لأن ذلك لا يكون له خاصة دون المسلمين بإجماع لأنه فيء وفي حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية ما يدل على أن العامل لا يجوز له أن يستأثر بهدية أهديت إليه بسبب ولايته لأنها للمسلمين

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فقام النبي عليه السلام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال "ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أمه حتى ينظر أيهدي إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت"

ورواه هشام بن عروة وأبو الزناد عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي عن النبي مثله بمعناه.

روى وكيع وغيره عن الأعمش عن شقيق قال كان رسول الله قد استعمل معاذ بن جبل على اليمن فلما استخلف أبو بكر بعث عمر على الموسم في تلك السنة وقدم معاذ من اليمن برقيق فلقي عمر بعرفة فقال له عمر ما هؤلاء قال هؤلاء لأبي بكر وهؤلاء لي فقال له عمر أرى أن تأتي بهم إلى أبي بكر فتدفعهم إليه فإن سلمهم لك وإلا فهو أحق بهم فقال وما لي أدفع رقيقي إلى أبي بكر لا أعطيه هديتي فانصرف بهم إلى منزله فلما كان من الغد جاء إلى عمر فقال يا ابن الخطاب لقد رأيتني الليلة أشرف على نار قد أوقدت فأكاد أتقحمها وأهوى فيها وأنت آخذ بحجزتي ولا أراني إلا مطيعك قال فذهب إلى أبي بكر فقال هؤلاء لك وهؤلاء أهدوا لي قال فأنا قد سلمنا لك هديتك فرجع معاذ إلى منزله فصلى فإذا هم خلفه يصلون قال ما بالكم قالوا نصلي قال لمن قالوا لله قال فاذهبوا فأنتم لله فأعتقهم وذكر يعقوب بن شيبة قال حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن لكعب بن مالك قال بعث رسول الله معاذا إلى اليمن أميرا وكان أول من تجر في مال الله فمكث حتى أصاب مالا وقبض رسول الله ثم قدم معاذ فقال عمر لأبي بكر أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيش به وخذ سائره منه فقال أبو بكر إنما بعثه رسول الله ليجبره ولست بآخذ منه شيئا إلا أن يعطيني وفي قوله في هذا الحديث إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه دليل على أنه غلول حرام نار قال الله عز وجل {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقال النبي "هدايا الأمراء غلول" ومن ذلك قوله صلى الله عليه في حديث ثور بن زيد هذا "إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا" فكل من غل شيئا في سبيل الله أو خان شيئا من مال الله جاء به يوم القيامة إن شاء الله والغلول من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص بالحسنات والسيئات ثم صاحبه في المشيئة وسنذكر ما للعلماء في عقوبة الغال بعد هذا في هذا الباب إن شاء الله

وذكر سنيد عن مبشر عن صفوان بن عمرو عن حبيب ابن عبيد عن عوف بن مالك إن حبيب بن مسلمة أتى برجل قد غل ومعه غلوله فوجد الناس من ذلك وكان أول غلول رأوه في غزوهم بالشام فقام عوف بن مالك في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إياكم وما لا كفارة له من الذنوب إن الرجل ليزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن الرجل ليسرق ثم يتوب فيتوب الله عليه وإنهما لذنبان لا كفارة لهما صاحب الغلول وآكل الربا قال الله تبارك وتعالى {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فلا كفارة لصاحب الغلول حتى يأتي الله به يوم القيامة وآكل الربا يبعثه الله يوم القيامة مختنقا يختنق قال سنيد وحدثنا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله "هدايا الأمراء غلول"

حدثنا سعيد حدثنا قاسم حدثنا محمد حدثنا أبو بكر حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال "قام رسول الله فينا خطيبا فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال يا أيها الناس لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته بقرة لها خوار يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك ولا ألفين أحدكم يجيء على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك" فهذا ما في الغلول وقد يدخل فيه منع الزكوات لأنها من حقوق المسلمين أيضا بالمعنى والله أعلم.

وأما النص في هدايا المشركين فروى قتادة عن يزيد بن الشخير عن عياض بن حماد أن رسول الله نهى عن زبد المشركين يعني هداياهم ورفدهم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قالا أخبرنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا عمران القطان عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حماد قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو قال هدية فقال أسلمت قلت لا قال "إني نهيت عن زبد المشركين".

أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا وهب ابن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال أخبرنا ابن المبارك عن يونس ومعمر عن الزهري عن عبد الرحمن ابن مالك عن عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة قال قدمت على النبي عليه السلام بهدية فقال إنا لن نقبل هدية مشرك واختلف العلماء في معنى هذين الحديثين فقال منهم قائلون فيهما النسخ لما كان عليه رسول الله من قبول الهدية من أهل الشرك مثل أكيدر دومة وفروة بن نفاثة والمقوقس وغيرهم وقال آخرون ليس فيهما ناسخ ولا منسوخ والمعنى فيهما أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده أو دخوله في الإسلام فعن مثل هذا نهى أن يقبل هديته ويهادنه ويقره على دينه مع قدرته عليه أو طمعه في هدايته لأن في قبول هديته حملا على الكف عنه وقد أمر أن يقاتل الكفار حتى يقولوا لا إله إلا الله وقال آخرون كان مخيرا في قبول هديتهم وترك قبولها لأنه كان من خلقه أن يثيب على الهدية بأحسن منها فلذلك لم يقبل هدية مشرك ليلا يثيبه بأفضل منها والله أعلم.

أخبرنا علي بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سلام البغدادي قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سلام البغدادي قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت "كان رسول الله يقبل الهدية ويثيب عليها" وقد قيل أنه إنما ترك ذلك تنزها ونهى عن زبد المشركين لما في التهادي والزبد من التحاب وتليين القلوب والله عز وجل يقول {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك وقد قبل هدية قوم من المشركين وأجاز قبولها جماعة من الفقهاء على وجوه نذكر منها ما حضر ذكره إن شاء الله.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا محبوب ابن موسى ح وقرأت عليه أيضا أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي قالا جميعا حدثنا أبو إسحاق الفزاري قال قلت للأوزاعي أرأيت لو أن صاحب الروم أهدى إلى أمير المؤمنين هدية أترى بأسا أن يقبلها قال لا أرى بذلك بأسا قلت فما حالها إذا قبلها قال تكون بين المسلمين قلت وما وجه ذلك قال أليس إنما أهداها له لأنه وإلى عهد المسلمين لا يكون أحق بها منهم ويكافيه بمثلها من بيت مال المسلمين قلت للأوزاعي فلو أن صاحب الباب أهدى له صاحب العدو هدية أو صاحب ملطية أيقبلها أحب إليك أو يردها قال يردها أحب إلي فإن قبلها فهي بين المسلمين ويكافيه بمثلها قلت فصاحب الصائفة إذا دخل فأهدى له صاحب الروم هدية قال تكون بين ذلك الجيش فما كان من طعام قسمه بينهم وما كان سوى ذلك جعله في غنائم المسلمين.

قال أبو عمر : ليس أحد من أئمة الفقهاء زعموا أعلم بمسائل الجهاد من الأوزاعي وقوله هذا هو قولنا وروى عيسى عن ابن القاسم في الإمام يكون في أرض العدو فيهدي له العدو أتكون له خالصة أم للجيش قال لا أراها لجماعة الجيش قال لأنه إنما أهداها خوفا إلا أن يعلم أن ذلك إنما هو من قبل قرابة أو مكافأة فأراه له خالصا قيل فالرجل من أهل الجيش تأتيه الهدية قال هذه له خالصة لا شك فيه مثل أن يكون له قريب أو صديق فيهدي له فهو له خالص وقال الربيع عن الشافعي في كتاب الزكاة إذا أهدى واحد من القوم للوالي هدية فإن كانت لشيء نال منه حقا أو باطلا فحرام على الوالي أخذها لأنه حرام عليه أن يستجعل على الحق وقد ألزمه الله ذلك وحرام عليه أن يأخذ لهم باطلا والجعل عليه حرام قال وإن أهدى إليه أحد من أهل ولايته على غير هذين المعنيين تفضلا أو تشكرا بحسن كان منه في العامة فلا يقبلها وإن قبلها كانت في الصدقات ولا يسعه عندي غيره إلا أن يكافيه من ماله عليه بقدر ما يسعه به أن يتمولها قال وإن أهديت هدية إلى رجل ليس بذي سلطان شكرا على حسن كان منه فأحب إلي أن لا يقبلها ولا تحرم عليه عندي إن قبلها وأخذها وأحب إلي أن يدع قبولها ولا يأخذها على الحسن مكافأة هذا كله هو المشهور من قول الشافعي في كتبه الظاهرة عند أصحابه وقد روى عنه أن الحاكم إذا أهديت إليه هدية من أجل حكمه فحكم بالحق على وجهه لم تحرم عليه وأما العراقيون فقال أبو يوسف ما أهدى ملك الروم إلى أمير الجيش فهو له خاصة وكذلك ما يعطى الرسول.

قال أبو عمر : احتج بعض من ذهب هذا المذهب وقال إن الهدية تكون ملكا للمهدي له وإن كان واليا ولا تكون فيئا احتج بإجماعهم على أن للإمام أن لا يقبل هدية الكفار قالوا ولو كانت فيئا لما كان له أن لا يقبلها ويردها على الحربيين.

قال أبو عمر : هذا لا حجة فيه لأن تخييرهم الإمام في قبول هدية الكفار إنما هو من أجل أنه إن قبلها كان عليه أن يكافئ عليها من بيت المال لا أنها لا تكون فيئا وإذا كان عليه أن يثيب عليها كان مخيرا في قبولها ومعلوم أنه إنما أهديت إليه بسبب ولايته فاستحال أن تكون له دون المسلمين والحجة في هذا عندي حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية

أخبرنا خلف بن سعيد قال أخبرنا عبد الله ابن محمد قال أخبرنا أحمد بن خالد قال حدثنا عبيد بن محمد قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الرزاق وعبد الملك بن الصباح عن الثوري عن أبان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال "الهدايا للأمراء غلول" وبه عن عبد الرزاق وعبد الملك جميعا عن الثوري عن عاصم عن زر بن حبيش قال قال ابن مسعود الرشوة في الدين سحت قال سفيان يعني في الحكم وبه عن عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال جمع اليهود لابن رواحة حين خرص عليهم حليا من حلي نسائهم فأهدوه له فقال هذه الرشوة سحت وإنا لا نأكلها وذكر وكيع عن معاذ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده قال خطبنا علي بالكوفة وبيده قارورة وعليه سراويل ونعلان فقال ما أصبت منذ دخلتها غير هذه القارورة أهداها ليدهقان وعن أبي البختري عن علي بن ربيعة أن عليا استعمل رجلا فلما جاء قال يا أمير المؤمنين أنه أهدي لي في عملي أشياء وقد أتيت بها فإن كان حلالا أخذته وإلا جئتك به فجاءه به فقبضه علي رضي الله عنه وقال إني أحسبه كان غلولا وأما هدية غير الكفار إلى من لم تكن له ولاية فمأخوذة من قول رسول الله "أجيبوا الداعي ولا تردوا الهدية" وقال "ما أتاك مسألة فكله وتموله" وهذا إذا لم تكن الهدية على شرط أداء حق قد وجب عليه كالشهادة ونحوها فإن كانت كذلك فهي سحت ورشوة وشر من ذلك الأخذ على الباطل وبالله التوفيق.

قرأت على أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن أن محمد بن معاوية حدثهم قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر قال اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا فقال لو كان عندنا شيء من تفاح فإنه طيب الريح طيب الطعم فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحا فلما جاء به الرسول قال عمر بن عبد العزيز ما أطيب ريحه وطعمه يا غلام أرجعه وأقرأ فلانا السلام وقل له هديتك قد وقعت عندنا بحيث تحب قال عمرو بن مهاجر فقلت يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن رسول الله كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فقال إن الهدية كانت للنبي هدية وهي لنا اليوم رشوة.

قال أبو عمر : كان عمر رضي الله عنه في حين هذا الخبر خليفة وقد تقدم القول فيما للخلفاء والأمراء وسائر الولاة من الحكم في الهدية ويحتمل أن يكون ذلك الرجل من أهل بيته قد علم في كسبه شيئا أوجب التنزه عن هديته وأما قوله في الحديث شراك أو شراكان من نار وقوله في حديث عمرو بن شعيب أدوا الخيط والمخيط فيدل على أن القليل والكثير لا يحل لأحد أخذه في الغزو قبل المقاسم إلا ما أجمعوا عليه من أكل الطعام في أرض العدو من الاحتطاب والاصطياد وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب وما خالفه مما جاء عن بعض أصحابنا وغيرهم فليس بشيء لأن عموم قول الله عز وجل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} يوجب أن يكون الجميع غنيمة خمسها لمن سمى الله وأربعة أخمساها لمن شهد القتال من البالغين الأحرار الذكور فلا يحل لأحد منها شيء إلا سهمه الذي يقع له في المقاسم بعد إخراج الخمس المذكور إلا أن الطعام خرج بدليل إخراج رسول الله له عن جملة ذلك فمن ذلك حديث عبد الله بن مغفل في الجراب بالشحم وحديث عتبة بن غزوان في السفينة المملوءة بالجوز وحديث ابن أبي أوفى "كنا مع رسول الله بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ منه حاجته" وأجمع العلماء على أن أكل الطعام في دار الحرب مباح وكذلك العلف ما داموا في دار الحرب فدل على أنه لم يدخل في مراد الله من الآية التي تلونا وما عدا الطعام فهو داخل تحت عموم قوله {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية إلا أن للأرض حكما سنذكره في غير هذا الموضع من كتابنا هذا إن شاء الله وقد روي عن الزهري أنه قال لا يؤخذ الطعام في أرض العدو إلا بإذن الإمام وهذا لا أصل له لأن الآثار المرفوعة تخالفه ولم يقل به فيما علمت غيره ومن الآثار في ذلك ما ذكره البخاري قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه.

قال أبو عمر : ما يخرج به من الطعام إلى دار الإسلام وكان له قيمة فهو غنيمة وكذلك قليل وكثير غير الطعام فهو غنيمة لأنهم لم يجمعوا على شيء منه وروى ثوبان عن النبي أنه قال "من فارق الروح منه الجسد وهو برئ من ثلاث دخل الجنة الكبر والغلول والدين" .

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا أبان العطار وهمام عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان عن النبي عليه السلام أنه قال "من فارق منه الروح الجسد وهو برئ من ثلاث دخل الجنة الكبر والغلول والدين"

وروى رويفع بن ثابت عن النبي أنه قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أنقضها ردها في المغانم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه رده في المغانم" وهذا غاية في التحذير والمنع وأما قوله "والذي نفسي بيده أن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا ثم قال للذي جاء بالشراك أو الشراكين شراك أو شراكان من نار" ففي قوله هذا كله دليل على تعظيم الغلول وتعظيم الذنب فيه وأظن حقوق الأميين كلها كذلك في التعظيم وإن لم يقطع على أنه يأتي به حاملا له كما يأتي بالغلول والله أعلم.

وقد ترك رسول الله الصلاة على الرجل الذي غل الخرزات وهي لا تساوي درهمين عقوبة له وسيأتي هذا الحديث في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله وأما الشملة فكساء مخمل وقال الخليل اشتمل بالثوب أداره على جسده قال والاسم الشملة قال والشملة كساء ذو خمل وقال الأخفش الشملة الإزار من الصوف وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الغال لا يجب عليه حرق متاعه لأن رسول الله لم يحرق رحل الذي أخذ الشملة ولا متاعه ولا أحرق متاع صاحب الخرزات ولو كان حرق متاعه واجبا لفعله حينئذ ولو فعله لنقل ذلك في الحديث وقد روي عن النبي أنه قال "من غل فأحرقوا متاعه وأضربوه" رواه أسد بن موسى وغيره عن الدراوردي عن صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عن ابن عمر وقال بعض رواة هذا الحديث فيه فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه وهو حديث يدور على صالح بن محمد بن زائدة وهو ضعيف لا يحتج به.

وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد إلى أن الغال يعاقب بالتعزير ولا يحرق متاعه وقال الشافعي وداود بن علي إن كان عالما بالنهي عوقب وهو قول الليث قال الشافعي وإنما يعاقب الرجل في بدنه لا في ماله.

قال أبو عمر : اختلاف العلماء في العقوبة في المال دون البدن أو البدن دون المال قد ذكرناه في غير هذا المكان وقال الأوزاعي يحرق متاع الغال كله إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه ولا تنتزع منه دابته ويحرق سائر متاعه كله إلا الشيء الذي غل فإنه لا يحرق ويعاقب مع ذلك وقول أحمد وإسحاق كقول الأوزاعي في هذا الباب كله وروي عن الحسن البصري إنه قال يحرق رحله كله إلا أن يكون حيوانا أو مصحفا وممن قال يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول وسعيد بن عبد العزيز وحجة من ذهب إلى هذا القول حديث صالح المذكور وهو عندنا حديث لا يجب به انتهاك حرمة ولا إنفاذ حكم مع ما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه فأما رواية من روى فاضربوا عنقه واحرقوا متاعه فإنه يعارضه قوله "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" الحديث وهو ينفي القتل في الغلول وروى ابن الزبير عن جابر أن النبي قال "ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع" وهذا أيضا يعارض حديث صالح بن محمد بن زائدة وهو أقوى من حجة الإسناد والغال خائن في اللغة والشريعة وقال الطحاوي لو صح حديث صالح المذكور احتمل أن يكون كان حين كانت العقوبات في الأموال كما قال في مانع الزكاة إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات الله وكما روى أبو هريرة في ضالة الإبل المكتومة فيها عزامتها ومثلها معها وكما روى عبد الله بن عمرو بن العاص في الثمر المعلق غرامة مثلية وجلدات نكال وهذا كله منسوخ.

قال أبو عمر : الذي ذهب إليه مالك والشافعي وأبو حنيفة ومن تابعهم في هذه المسألة أولى من جهة النظر وصحيح الأثر والله أعلم وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم إن وجد السبيل إلى ذلك وإنه إذا فعل ذلك فهي توبة له وخروج عن ذنبه واختلفوا فيما يفعل بما غل إذا افترق أهل العسكر ولم يصل إليهم فقال جماعة من أهل العلم يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي وهذا مذهب الزهري ومالك والأوزاعي والليث والثوري

وروي ذلك عن عبادة بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان والحسن البصري وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن عباس لأنهما كانا يريان أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه وذكر بعض الناس عن الشافعي أنه كان لا يرى الصدقة بالمال الذي لا يعرف صاحبه وقال كيف يتصدق بمال غيره وهذا عندي معناه فيما يمكن وجود صاحبه والوصول إليه أو إلى ورثته وأما إن لم يمكن شيء من ذلك فإن الشافعي رحمه الله لا يكره الصدقة به حينئذ إن شاء الله ذكر سنيد حدثنا أبو فضالة عن أزهر بن عبد الله قال غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم فغل رجل مائة دينار فأتى بها معاوية بن أبي سفيان فأبى أن يقبلها وقال قد نفر الجيش وتفرق فخرج فلقي عبادة بن الصامت فذكر ذلك له فقال أرجع إليه فقل له خذ خمسها أنت ثم تصدق أنت بالبقية فإن الله عالم بهم جميعا فأتى معاوية فأخبره فقال لأن كنت أنا أفتيتك بهذا كان أحب إلي من كذا وكذا وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف وانقطاع صاحبها وجعلوه إذا جاء مخيرا بين الأجر والضمان وكذلك الغصوب وبالله والتوفيق.

حديث ثان لثور بن زيد مقطوع عدل

مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله ذكر رمضان فقال "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"

هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس ليس فيه ذكر عكرمة والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس وإنما رواه ثور عن عكرمة وقد روى عن روح بن عبادة هذا الحديث عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله ص ذكر رمضان ثم ساقه إلى آخره سواء وليس في الموطأ في هذا الإسناد عكرمة وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كره أن يكون في كتابه لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا لأن مالكا قد ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء في تلك المسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة روى مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع على امرأته وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة وروى مالك أيضا عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال أظنه عن ابن عباس أنه قال "الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي" وبه قال مالك

قال أبو عمر : عكرمة مولى ابن عباس من جلة العلماء لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه لأنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يرميه بالكذب ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأي الخوارج وكل ذلك باطل عليه إن شاء الله وقد قال الشافعي في بعض كتبه نحن نتقي حديث عكرمة وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى والقاسم العمري وإسحاق بن أبي فروة وهم ضعفاء متروكون وهؤلاء كانوا أولى أن يتقى حديثهم ولكنه لم يحتج بهم في حكم وكل أحد من خلق الله يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن إسحاق الطباع قال سألت مالك بن أنس قلت أبلغك أن ابن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس قال لا ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه وقيل لابن أبي أويس لم لم يكتب مالك حديث عكرمة مولى ابن عباس قال لأنه كان يرى رأي الإباضية

وأما قول سعيد بن المسيب فيه فقد ذكر العلة الموجبة للعداوة بينهما أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتاب الانتفاع بجلود الميتة وقد ذكرت ذلك وأشباهه في كتابي كتاب جامع بيان أخذ العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله في باب قول العلماء بعضهم في بعض فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا وتكلم فيه ابن سيرين ولا خلاف أعلمه بين نقاد أهل العلم أنه أعلم بكتاب الله من ابن سيرين وقد يظن الإنسان ظنا يغضب له ولا يملك نفسه ذكر الحلواني عن زيد بن الحباب قال سمعت الثوري يقول خذوا تفسير القرآن عن أربعة عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك فبدأ بعكرمة وقال ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار قال دفع إلى جابر بن زيد مسائل اسأل عنها عكرمة قال فجعل جابر يقول هذا عكرمة هذا مولى ابن عباس هذا البحر فاسألوه وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل فقال سل عنها عكرمة قال فكأني تبطأت فانتزعها من يدي وقال هذا عكرمة هذا مولى ابن عباس هذا أعلم الناس وقال جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال قيل لسعيد بن جبير تعلم أحدا أعلم منك قال نعم عكرمة قال فلما قتل سعيد بن جبير قال إبراهيم ما خلف بعده مثله

قال أبو عبد الله المروزي وحدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب قال نبئت عن سعيد بن جبير أنه قال لو كف عنهم عكرمة من حديثه لشدت إليه المطايا قال وحدثنا إسحاق ابن راهويه قال أخبرنا يحيى بن ضريس عن أبي سنان عن حبيب بن أبي ثابت قال أجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدا عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد ابن جبير وعكرمة فتذاكروا التفسير فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير على عكرمة يسألانه عن التفسير وهو يجيبهما قال وحدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال اجتمع عكرمة وسعيد بن جبير وطاووس وعدة من أصحاب ابن عباس فكان عكرمة صاحب الحديث قال وأخبرنا محمد بن يحيى قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال قال رجل لأيوب كان عكرمة يتهم فسكت هنيئة ثم قال أما أنا فإني لم أكن أتهمه وبه عن أيوب قال قال عكرمة أرأيت هؤلاء الذين يكذبونني من خلفي أفلا يكذبونني في وجهي قال وحدثنا الحلواني قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا سلام بن مسكين قال سمعت قتادة يقول كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام

وكان عطاء من أعلم الناس بالمناسك وكان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير قال وحدثنا الحلواني قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال حدثنا عبد الصمد بن معقل أن عكرمة قدم على طاووس اليمن فحمله طاووس على نجيب وأعطاه ثمانين دينارا فقيل لطاووس في ذلك فقال ألا اشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاووس بنجيب وثمانين دينارا وذكر عباس عن يحيى بن معين قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا عثمان بن حكيم قال جاء عكرمة إلى أبي أمامة بن سهل وأنا جالس فقال يا أبا أمامة أسمعت بن عباس يقول ما حدثكم به عكرمة فصدقوه فإنه لم يكذب علي قال نعم وقد روينا أن عبد الله بن عباس قال له أخرج يا عكرمة فافت الناس ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس

قال عباس قال يحيى بن معين مات ابن عباس وعكرمة عبد فباعه على ابن عبد الله فقيل له تبيع علم أبيك فاسترجعه وقال عثمان ابن سعيد قلت ليحيى بن معين عكرمة أحب إليك أو سعيد ابن جبير فقال ثقة وثقة قلت فعكرمة أو عبيد الله بن عبد الله فقال كلاهما ولم يختر وقال أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي عكرمة مولى ابن عباس ثقة وهو بريء مما رماه الناس به من الحرورية وذكر عيسى بن مسكين عن محمد بن الحجاج بن رشدين عن أحمد بن صالح المصري قال عكرمة مولى ابن عباس بربري من المغرب وقال أبو العرب سمعت قدامة بن محمد يقول كان خلفاء بني أمية يرسلون إلى المغرب يطلبون جلود الخرفان التي لم تولد بعد العسلية قال فربما ذبحت المائة شاة فلا يوجد في بطنها إلا واحد عسلي كانوا يتخذون منها الفراء فكان عكرمة يستعظم ذلك ويقول هذا كفر هذا شرك فأخذ ذلك عنه الصفرية والإباضية فكفروا الناس بالذنوب.

قال أبو عمر : لهذا كان سحنون يقول يزعمون أن عكرمة مولى ابن عباس أضل المغرب.

قال أبو عمر : نزل عكرمة مولى ابن عباس المغرب ومكث بالقيروان برهة ومن الناس من يقول أنه مات بها والصحيح أنه مات بالمدينة هو وكثير عزة الشاعر في يوم واحد وذكر ابن أبي مريم لهيعة عن أبي الأسود قال أنا مدحت المغرب لعكرمة مولى ابن عباس ذكرت له حال أهلها فخرج إلى المغرب فمات بها قال أبو عبد الله المروزي قد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال لي عكرمة عندنا أمام الدنيا وتعجب من سؤالي إياه قال وأخبرني غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بحديث عكرمة فأظهر التعجب

قال المروزي وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه وبأن غير واحد من أهل العلم رووا عنه وعدلوه وما زال أهل العلم بعدهم يروون عنه قال وممن روى عنه من جلة التابعين محمد بن سيرين وجابر بن زيد وطاووس والزهري وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم قال أبو عبد الله المروزي وكل رجل ثبتت عدالته برواية أهل العلم عنه وحملهم حديثه فلن يقبل فيه تجريح أحد جرحه حتى يثبت ذلك عليه بأمر لا يجهل أن يكون جرحة فأما قولهم فلان كذاب فليس مما يثبت به جرح حتى يتبين ما قاله حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا محمد بن أيوب الرقي قال سمعت أبا بكر أحمد بن عمرو والبزار يقول روى عن عكرمة مائة وثلاثون أو قال قريب من مائة وثلاثين رجلا من وجوه البلدان بين مكي ومدني وكوفي وبصري ومن سائر البلدان كلهم روى عنه ورضي به.

قال أبو عمر : جماعة الفقهاء وأئمة الحديث الذين لهم بصر بالفقه والنظر هذا قولهم أنه لا يقبل من ابن معين ولا من غيره فيمن اشتهر بالعلم وعرف به وصحت عدالته وفهمه إلا أن يتبين الوجه الذي يجرحه به على حسب ما يجوز من تجريح العدل المبرز العدالة في الشهادات وهذا الذي لا يصح أن يعتقد غيره ولا يحل أن يلتفت إلى ما خالفه وقد ذكرنا بيان ذلك في باب قول العلماء بعضهم في بعض من كتابنا كتاب العلم فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا وبالله توفيقنا

وذكر الزبير قال حدثني عمي مصعب قال حدثني الواقدي قال حدثني خالد بن القاسم البياضي قال مات عكرمة مولى ابن عباس وكثير بن عبد الرحمن الخزاعي صاحب عزة في يوم واحد في سنة خمس ومائة فرأيتهما جميعا صلي عليهما بعد الظهر في مسجد الجنائز فقال الناس مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس وقال المفضل بن فضالة مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فأخرج جنازتاهما فما علمته تخلف رجل ولا امرأة بالمدينة عن جنازتيهما قال وقيل مات اليوم أعلم الناس وأشعر الناس قال وغلب النساء على جنازة كثير يبكينه ويذكرن عزة في ندبتهن إياه وهذا الحديث صحيح لعكرمة عن ابن عباس حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد ح وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قالا جميعا حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله "لا تصوموا قبل رمضان صوموا للرؤية وأفطروا للرؤية فإن حالت دونه غياية فأكلموا ثلاثين" ورواه شعبة وأبو عوانة وحاتم بن أبي صغيرة عن سماك مثله

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ح وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد الجهني قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم قالا جميعا حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك قال سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله يقول "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحابة أو غياية فأكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا لا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان" اللفظ بحديث ابن عبد المؤمن

وقرأت على أحمد بن قاسم التميمي أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا عبد الله بن بكر قال حدثنا حاتم عن سماك قال دخلت على عكرمة في يوم وقد أشكل على أمره أمن رمضان هو أم من شعبان فأصبحت صائما وقلت إن كان من رمضان لم يسبقني وإن كان من شعبان كان تطوعا فدخلت على عكرمة وهو يأكل خبزا وبقلا ولبنا فقال هلم إلى الغداء فقلت إني صائم فقال أحلف عليك لتفطرنه فقلت سبحان الله فقال أحلف بالله لتفطرنه قال فلما رأيته لا يستثنى أفطرت فعدت لبعض الشيء وأنا شبعان فقلت هات فقال سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله يقول "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحابة أو غياية فكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا لاتستقبلوا رمضان بيوم من شعبان" وروى هذا الحديث حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ولم يسمعه عمرو من ابن عباس وإنما يرويه عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس عن النبي عليه السلام مثله حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا زكريا ابن إسحاق قال حدثنا عمرو بن دينار أن محمد بن حنين أخبره أنه سمع ابن عباس يقول إني لأعجب من هؤلاء الذين يصومون قبل رمضان إنما قال رسول الله "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فان غم عليكم فعدوا ثلاثين"

أما قوله في هذا الحديث إذ ذكر رمضان لا تصوموا حتى ترو الهلال فالصيام لاسمه معنيان أحدهما لغوي والآخر شرعي تعبد الله به عبادة فأما معنى الصيام في اللغة فمعناه الإمساك عما كان يصنعه الإنسان من حركة أو كلام أو أكل أو شرب أو مشى ونحو ذلك من سائر الحركات فإذا أمسك عما كان يصنعه سمى صائما في اللغة وليس ذلك معنى الصيام المأمور به المسلمون في القرآن والسنة والدليل على أن الإمساك يسمى صوما قول الله عز وجل حاكيا عن مريم {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} أي إمساكا عن الكلام وقال المفسرون أي صمتا وتقول العرب خيل صائمة إذا كانت واقفة دون أكل ولا رعى قال الشاعر :

خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلك اللجما

يقول خيل ممسكة عن الأكل وخيل آكلة

وقال امرؤ القيس

فدعها وسل الهم عنك بجسرة ... ذمول إذا صام النهار وسجرا

ومعناه إذا أمسكت الشمس عن الجري واستوت في كبد السماء

وقال بشر بن أبي حازم

نعاما بوجرة صفر الخدود ... ما تطعم النوم إلا صياما

وأما الصيام في الشريعة فالإمساك عن الأكل والشرب والجماع من اطلاع الفجر إلى غروب الشمس وفرائض الصوم خمس وهي العلم بدخول الشهر والنية والإمساك عن الطعام والشراب والجماع واستغراق طرفي النهار المفترض صيامه وسنن الصيام أن لا يرفث الصائم ولا يغتاب أحدا وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله وأما قوله فإن غم عليكم فذلك من الغيم والغمام وهو السحاب يقال منه يوم غم وليلة غمة وذلك أن تكون السماء مغيمة وفي الآثار المذكورة في هذا الباب ما يوضح لك ذلك والحمد لله.

وروى هذا الحديث عن النبي كما رواه ابن عباس وأبو هريرة من حديث أبي سلمة عنه ومن حديث محمد ابن زياد عنه ومن حديث سعيد بن المسيب عنه ومن حديث الأعرج عنه وحذيفة بن اليمان من رواية جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة ورواه ابن عمر عن النبي مثله إلا أنه قال فإن غم عليكم فاقدروا له وحديث ابن عباس يفسر حديث ابن عمر في قوله فاقدروا له وكذلك جعله مالك في كتابه بعده مفسرا له وقد كان ابن عمر يذهب في قوله فاقدروا له مذهبا سنذكره عنه في باب حديث نافع من كتابنا هذا إن شاء الله ونذكر من تابعه على تأويله ذلك ومن خالفه فيه ونذكر هنا كثيرا من معاني هذا الباب إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.

وفي حديث ابن عباس هذا من الفقه أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وفيه أن الله تعبد عباده في الصوم برؤية الهلال لرمضان أو باستكمال شعبان ثلاثين يوما وفيه تأويل لقول الله عز وجل {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} إن شهوده رؤيته أو العلم برؤيته وفيه أن اليقين لا يزيله الشك ولا يزيله إلا يقين مثله لأنه أمر الناس ألا يدعوا ما هم عليه من يقين شعبان إلا بيقين رؤية واستكمال العدة وإن الشك لا يعمل في ذلك شيئا ولهذا نهى عن صوم يوم الشك اطراحا لأعمال الشك وإعلاما أن الأحكام لا تجب إلا بيقين لا شك فيه وهذا أصل عظيم من الفقه أن لا يدع الإنسان ما هو عليه من الحال المتيقنة إلا بيقين من انتقالها وقوله فإن غم عليكم فأكملوا العدد ثلاثين يوما يقتضي استكمال شعبان قبل الصيام واستكمال رمضان أيضا وفيه دليل على أنه لا يجوز صيام يوم الشك خوفا أن يكون من رمضان وقد ذكرنا في باب نافع عن ابن عمر من كتابنا هذا اختلاف الفقهاء في صيام يوم الشك على أنه من رمضان بأتم من ذلك ها هنا لأن ذلك الموضع أولى به لقول النبي في حديث ابن عمر فاقدروا له واختلف العلماء في صوم آخر يوم من شعبان تطوعا فأجازه مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر الفقهاء إذا كان تطوعا ولم يكن خوفا ولا احتياطا أن يكون من رمضان ولا يجوز عندهم صومه على الشك قال مالك إن تيقن انه من شعبان جاز صومه تطوعا وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصام يوم الشك إلا تطوعا وقال الثوري لا يتلوم يوم الشك ولا يصوم أحد يوم الشك وسيأتي القول فيمن صامه على الشك هل يجزئه من رمضان عند قوله فأقدروا له في باب نافع إن شاء الله.

وقال بعض أهل العلم من أهل الحديث أنه لا يجوز صيام يومين قبل رمضان من آخر شعبان إلا لمن كان له عادة صيام شعبان واحتجوا بحديث النبي "ج" "لا يقدم "د" أحدكم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون صوما كان يصومه أحدكم فليتم صومه" رواه يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قالوا وفي قوله ولا يومين دليل على أن ذلك تطوع لأنه لا يجوز أن يكون الشك في يومين.

قال أبو عمر : زعم بعض أصحابنا أن في صوم رسول الله شعبان تطوعا دليلا على أن نهيه عن صوم يوم الشك إنما هو على الخوف أن يكون من رمضان وإن هذا هو المكروه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا صالح قال حدثني معاوية بن صالح أن عبد الله بن قيس حدثه انه سمع عائشة تقول "كان رسول الله يصوم شعبان ويصله برمضان" وروى سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة عن أم سلمة عن النبي أنه "كان يصوم شعبان ويصله برمضان" رواه عن سالم جماعة لم يختلفوا عليه وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله "كان يصوم شعبان كله" قال وهذه الآثار كلها تدل على أن رسول الله إنما كان يصوم يوم الشك تطوعا لا خوفا أن يكون من رمضان.

قال أبو عمر : ليس في صيامه لشعبان تطوعا دفع لما تأوله أولائك في النهي عن صوم يوم الشك تطوعا لأن في الحديث ألا أن يكون في صوم يصومه وفي ذلك دلالة على أن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو على ذلك الوجه والله أعلم وأما قوله "صوموا لرؤيته " فمعناه صوموا اليوم الذي يلي ليلة رؤيته من أوله ولم يرد صوموا من وقت رؤيته لأن الليل ليس بموضع صيام وإذا رؤى الهلال نهارا فإنما هو لليلة التي تأتي هذا هو الصحيح إن شاء الله.

وقد اختلفت الرواية في هذه المسألة عن عمر رضي الله عنه ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن أبي وائل قال كتب إلينا عمر ونحن بخانقين إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس ففي هذا الخبر عن عمر اعتبار شهادة رجلين على رؤية الهلال ولم يخص عشيا من غير عشي وقد ذكرنا مسألة الشهادة على الهلال في باب نافع حدثنا أحمد بن قاسم المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد ابن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير بن معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال كتب إلينا عمر بن الخطاب ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد عدلان أنهما رأياه بالأمس وروى عن علي بن أبي طالب مثل ذلك ذكره عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي وقد روى من حديث أبي إسحاق عن الحرث أن هلال الفطر ريء نهارا فلم يأمر علي بن أبي طالب الناس أن يفطروا من يومهم ذلك وروى الزهري عن سالم عن ابن عمر قال لا تفطروا حتى يرى من موضعه وعن ابن مسعود وأنس بن مالك

مثل ذلك وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن والليث بن سعد والأوزاعي وبه قال أحمد وإسحاق كل هؤلاء يقول إذا ريء الهلال نهارا قبل الزوال أو بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة وقال سفيان الثوري وأبو يوسف أن ريء بعد الزوال فهو لليلة التي تأتي وإن ريء قبل الزوال فهو لليلة الماضية وروى مثل ذلك عن عمر ذكر عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن مغيرة عن شباك عن إبراهيم قال كتب عمر إلى عتبة بن فرقد إذا رأيتم الهلال نهارا قبل أن تزول الشمس لتمام ثلاثين فافطروا وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أسباط بن محمد عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي مثل ذلك ولا يصح في هذه المسألة من جهة الإسناد شيء عن علي رحمه الله وروى عن سلمان بن ربيعة

مثل قول الثوري وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب واختلف عن عمر بن عبد العزيز في هذه المسألة فروى عنه ما يدل على الوجهين جميعا والحديث عن عمر بمعنى ما ذهب إليه مالك والشافعي وأبو حنيفة ومن تابعهم متصل والحديث الذي روى عنه بمذهب الثوري وأبي يوسف منقطع والمصير إلى المتصل أولى وعليه أكثر العلماء حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا هشام بن خالد قال حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت مالكا والليث والأوزاعي عن الهلال يرى من أول النهار فقالوا هو لليلة التي تجيء قال الأوزاعي وكتب بذلك عمر بن الخطاب وأما قوله ولا تفطروا حتى تروا الهلال ففيه رد لتأويل من تأول قوله شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذوا الحجة أنهما لا ينقصان من ثلاثين ثلاثين يوما لأن قوله ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين دليل على جواز كون رمضان من تسع وعشرين ومع هذا الدليل فإن المشاهدة تثبت ما قلنا وكفى بها حجة لما ذكرنا.

وأما الحديث فحدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد أن يزيد بن زريع حدثهم قال حدثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي عليه السلام قال شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي مثله ورواه سالم أبو عبيد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن النبي عليه السلام مثله سواء وهذا معناه عندنا والله أعلم أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا سواء كانا من تسع وعشرين أو من ثلاثين وأن ما وعد الله صائم رمضان على لسان نبيه عليه السلام من الأجر فهو منجزه له سواء كان شهره ثلاثين أو تسعا وعشرين وأما حديث أبي بكرة عن النبي أنه قال "كل شهر حرام ثلاثون يوما وثلاثون ليلة" فإنه حديث لا يحتج بمثله لأنه يدور على عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد البغدادي المعروف بابن الحداد بمصر قال حدثنا زكريا بن يحيى السجزي قال حدثنا يوسف بن سليمان قال حدثنا مروان ابن معاوية قال حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق القرشي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله "كل شهر حرام ثلاثون يوما وثلاثون ليلة" .

قال أبو عمر : الأشهر الحرم أربعة : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وقد حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن منيع عن ابن أبي زائدة عن عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحرث بن أبي ضرار عن ابن مسعود قال لما صمنا مع رسول الله تسعا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين وهذا أيضا يدفع التأويل المذكور في قوله شهرا عيد لا ينقصان ويوضح لك أن رمضان قد يكون تسعا وعشرين وفيما يدرك من ذلك معاينة ومشاهدة كفاية وبالله التوفيق.

وسيأتي ذكر الاختلاف في الشهادة على رؤية هلال رمضان وذكر رؤية هلال رمضان وهلال الفطر في بلد دون بلد في باب نافع إن شاء الله

حديث ثالث لثور بن زيد مرسل عدل

مالك عن ثور بن زيد الديلي أنه بلغه أن رسول الله قال أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام هكذا هذا الحديث في الموطأ لم يتجاوز به ثور بن زيد أنه بلغه عند جماعة رواة الموطأ والله أعلم ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس تفرد به عن مالك بهذا الإسناد وهو ثقة وقد روى هذا الحديث مسندا من حديث ابن عباس عن النبي رواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس ورواه ابن عيينة عن عمرو عن النبي عليه السلام مرسلا.

أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا ابن سنجر قال حدثنا موسى ابن داود قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال رسول الله "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وكل شيء أدركه الإسلام ولم يقسم فهو على قسم الإسلام" وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال أخبرنا محمد بن عمر بن علي بن حرب قال أخبرنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قال النبي عليه السلام "أيما ميراث من الجاهلية أقتسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وما أدرك الإسلام فهو على قسم الإسلام" .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثنا موسى بن داود قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال قال رسول الله "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام ولم يقسم فهو على قسم الإسلام" .

قال أبو عمر : قال المزني سألت الشافعي عن أهل دار الحرب يقتسمون ميراثا من العقار وغيره ويملك بعضهم على بعض بذلك القسم ثم يسلمون فيريد بعضهم أن ينقض ذلك القسم ويقسم على قسم الإسلام فقال ليس ذلك له فقلت له وما الحجة في ذلك فقال الاستدلال بمعنى الإجماع والسنة قلت وأين ذلك فذكر حديث مالك عن ثور بن زيد هذا قال ونحن نرويه متصلا ثابتا بهذا المعنى قال وأما الإجماع فإن أهل دار الحرب إذا سبا بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ثم أسلموا أهدرت الدماء وملك كل واحد منهم ما كان قد ملكه قبل الإسلام من الرقيق الذين استرقهم وسائر الأموال فما ملكوه بالقسم في الجاهلية أحق وأولى أن يثبت من ملك الغصب والاسترقاق لمن كان حرا وقال ابن وهب سألت مالكا عن تفسير حديث النبي "أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية"

فقال لي هو كذلك أيما دار في الجاهلية قسمت ثم أسلم أهلها فهم على قسمتهم يومئذ وأيما دار في الجاهلية لم تزل بأيدي أصحابها لم يقتسموها حتى كان الإسلام فاقتمسوها في الإسلام فهو على قسم الإسلام فقلت لمالك أرأيت النصراني يموت ويترك ولدا نصرانيا ثم يموت فيسلم بعض ولده قبل قسم ميراثهم فقال مالك ليس هذا من هذا في شيء إنما يقسم هؤلاء من أسلم مهم ومن لم يسلم على حال قسمهم يوم مات أبوهم وقال إسماعيل بن إسحاق في كتاب الفرائض له معنى هذا الحديث والله أعلم أن أهل الجاهلية كانوا يقتسمون المواريث على خلاف فرائضنا فإذا اقتسموا ميراثا في الجاهلية ثم أسلموا بعد ذلك فهم على ما أسلموا عليه كما يسلم على ما صار في يد كل واحد منهم وحازه من الغصوب والدماء وغير ذلك فكذلك كلما اقتسموا من المواريث فإذا أسلموا قبل أن يبرموا في ذلك شيئا عملوا فيه بأحكام المسلمين

وأما مواريث أهل الإسلام فقد استقر حكمها يوم مات الميت قسمت أو لم تقسم وهم فيما لم يقسم على حسب شركتهم وعلى قدر سهامهم قال إسماعيل وأحسب أهل الجاهلية لم يكونوا يعطون الزوجة ما نعطيها ولا يعطون البنات ما نعطيهن وربما لم تكن لهم مواريث معلومة يعملون عليها قال وقد حدثنا أبو ثابت عن ابن القاسم قال سألنا مالكا عن الحديث الذي جاء أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام فقال مالك الحديث لغير أهل الكتاب وأما النصارى واليهود فهم على مواريثهم لا ينقل الإسلام مواريثهم التي كانوا عليها قال إسماعيل قول مالك هذا على أن النصارى واليهود لهم مواريث قد تراضوا عليها وإن كانت ظلما فإذا اسلموا على ميراث قد مضى فهم كما لو اصطلحوا عليه ثم يكون ما يحدث من مواريثهم بعد الإسلام على حكم الإسلام.

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن كامل قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا زيد بن البشر قال حدثنا ابن وهب قال سمعت الليث يقول في قول النبي "ما كان على قسم الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وما كان من قسم أدركه الإسلام قبل أن يقسم فهو على قسم الإسلام"

إن ذلك يكون أبدا في الإسلام فلو أن نصرانيا هلك وترك ولدا له نصرانيا ثم أسلموا جميعا قبل القسم قسم بينهم الميراث على قسم مواريث المسلمين ولو أنهم اقتسموا قبل أن يسلموا لكانت مواريثهم على قسم الجاهلية قال وإن أسلم بعضهم ولم يسلم بعض فإن القسم بينهم على قسم الجاهلية لأنهم إنما ورثوه يوم مات وهم على دينهم.

قال أبو عمر : اختلف أصحاب مالك في معنى هذا الحديث فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال إنما ذلك في مشركي العرب والمجوس فقط وأما اليهود والنصارى فهم على قسمتهم.

قال أبو عمر : فالوثني والمجوسي ومن لا كتاب له عنده في هذه الرواية إذا مات وله ورثة على دينه فلم يقتسموا ميراثه حتى أسلموا اقتسموه على شريعة الإسلام لأنهم في وقت القسمة مسلمون ولا كتاب لهم فيقتسمون ما وجب لهم من ميراثهم عليه وأما الكتابي على هذه الرواية إذا مات وله ورثة على دينه فلم يقتسموا ميراثه حتى أسلموا فإنهم يقتسمونه على حسب ما وجب لكل واحد منهم في دينه وشريعته في حين موت موروثهم لأن الميراث حينئذ وجب واستحق كل واحد منهم ما استحقه بموت موروثه لا يزاح أحد منهم عما استحقه في دينه الذي قد أقررناه عليه

وروى ابن نافع وأشهب وعبد الملك بن عبد العزيز ومطرف عن مالك أن ذلك في الكفار كلهم المجوس ومشركي العرب وأهل الكتاب وجميع أهل الملل وهذا أولى لما فيه من استعمال الحديث على عمومه في أهل الجاهلية ولأن الكفر لا تفترق أحكامه لاختلاف أديانه ألا ترى أن من أسلم من جميعهم أقر على نكاحه ولحقه ولده وعند مالك وجميع أصحابه أن أهل الكفر كلهم سواء مجوسا كانوا أو كتابيين في مقاتلتهم وضرب الجزية عليهم وقبولهم منهم وإقرارهم على دينهم وقد جمعهم الله عز وجل في الوعيد والتخليد في النار وشملهم اسم الكفر فلا يفرق بين شيء من أحكامهم إلا ما قام الدليل عليه فيكون مخصوصا بذلك الدليل الذي خصه كأكل ذبائح الكتابين ومناكحتهم دون سائر أهل الكفر بما نص عليه من ذلك ومحال أن يكونوا جماعة مؤمنين كلهم يقتسمون ميراثهم على شريعة الطاغوت ومنهاج الكفر وهذا قول ابن شهاب وجماعة أهل الحجاز وجمهور أهل العلم والحديث وكل من قال بهذا الحديث لم يفرق بين الكتابيين وغيرهم إلا ما ذكرنا وقد أبي قوم من القول به والحجة تلزمهم به لأنه حديث قد وصله من ليس به بأس وهو معمول به عند أهل المدينة ومكة وقد روى أصبغ عن ابن القاسم أنه سئل عن قول رسول الله "أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام"

قلت أيريد بهذا مشركي العرب أم يكون في اليهود والنصارى فقال تفسيره عندي أن كل ورثة ورثوا دارا على مجوسية أو يهودية أو نصرانية فلم يقسموا حتى أسلموا فإن مواريثهم ترجع في قسم الدار على سنة فرائض الإسلام وإن كانوا قد اقتسموا وهم على يهوديتهم أو مجوسيتهم مضى ذلك القسم ولم يعد بينهم إتباعا للحديث وأخذا به قلت له فإن أسلم بعضهم قبل أن يقتسموا فدعا من اسلم منهم إلى أن يقتسموا على فرائض الإسلام ودعا من لم يسلم منهم إلى التمسك بفرائض أهل دينهم كيف الحكم بينهم فقال يقرون على قسم أهل دينهم ما بقي منهم واحد لم يسلم ولا يجبرون على غير ذلك إلا أن يتراضوا على حكم من حكام المسلمين فحكم بينهم بكتاب الله هكذا ذكره

ورواه مطروح بن محمد بن شاكر عن أصبغ وروى ابن وهب قال قلت لمالك النصراني يموت وله ولد نصارى فيسلم بعض ولده بعد موته قبل قسم الميراث فقال من أسلم منهم ومن لم يسلم على حال واحدة في قسمتهم يوم مات أبوهم إن كان للذكر في قسمتهم مثل حظ الأنثى لم يكن لمن أسلم إلا ذالك إنما يقسمون على قسم النصرانية وإن كان قد أسلم بعضهم فلا يقسم لمن أسلم منهم إلا ما وجب له قبل أن يسلم يوم مات أبوه قال وقال مالك في النصراني يموت وله أولاد مسلمون ونصارى فيسلم النصراني منهم قبل قسم الميراث فقال إنما يكون ميراثه لمن كان على دينه يوم مات وليس لمن كان مسلما قبل موته شيء ولو أسلم النصراني وله أولاد مسلمون ونصارى ثم مات فاسلم ولده النصارى بعد موته قبل القسم لم يكن لهم من ميراثه شيء فقلت لمالك والعتاقة كذلك فقال نعم من اعتق بعد الموت فلا شيء له وإن كان قبل القسم

قال أبو عمر : بهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وسليمان بن يسار والزهري كلهم يقول من أسلم أو أعتق بعد الموت فلا ميراث له ولا قسم لأن الميراث قد وجب في حين الموت لمن وجب من عصبة أو بيت مال المسلمين أو سائر ورثته وهو قول الكوفيين والحجازيين وجمهور العلماء أن الميراث إنما يقع ويجب بموت الموروث في حين موته كالرجل المسلم يموت وله أولاد نصارى ثم يسلمون بعد فلا حق لهم في ميراثه وقد وجب بموته لوارث مسلم إن كان له غيرهم وإلا فلبيت مال المسلمين إلا ما روى عن أبي الشعثاء جابر بن زيد البصرى وطائفة من فقهاء التابعين بالبصرة خاصة فإن ابن أبي عمر ذكر عن ابن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت أبا الشعثاء يقول إذا مات الرجل وترك ابنا له مملوكا فاعتق أو نصرانيا فاسلم من قبل أن يقتسم ميراثه ورثته قال سفيان سمعت عمرو بن دينار يقول أظن أبا الشعثاء أخذه من قول رسول الله "أيما ميراث من ميراث الجاهلية أقتسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وما أدرك الإسلام فهو على قسم الإسلام" قال سفيان بن عيينة حدثنا داود بن أبي هند قال سألت سعيد بن المسيب عن الميراث إذا أسلم أو أعتق الوارث بعد الموت فقال سعيد يرد الميراث إلى أهله يقول لا يرث وإن اعتق قبل أن يقسم الميراث لأن أباه وهو عبد مملوك

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا شعبة قال سألت الحكم وحمادا عن رجل أسلم على ميراث فقالا ليس له شيء وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وابن أبي ليلى إن مات مسلم وله ولد نصارى ثم أسلموا ولم يقسم ميراثه حتى أسلموا فلا حق لهم وقعت المواريث قبل أن يسلموا قال وأخبرنا معمر عن الزهري سمعه يقول إذا وقعت المواريث فمن أسلم على ميراث فلا شيء له ومن حديث شعبة قال أخبرني حصين قال رأيت شيخا يتوكأ على عصا فقيل لي هذا وارث صفية بنت حيي بن أخطب أسلم على ميراثها بعد موتها قبل ان يقسم فلم يورث.

قال أبو عمر : على هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث ومن قال بقولهم وقد جاء عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في هذا الباب شيء موافق لقول أبي الشعثاء ليس عليه العمل عند الفقهاء فيما علمت وهو حديث حدثناه احمد بن فتح قال حدثنا ابن أبي رافع قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن حسان بن بلال المزني عن يزيد بن قتادة إن إنسانا مات من أهله وهو على غير دين الإسلام قال فورثته ابنته دوني وكانت على دينه ثم إن جدي أسلم وشهد مع رسول الله حنينا فتوفى وترك نخلا فأسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان فحدث عبد الله بن الأرقم أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث قيل أن يقسم فإنه يصيبه فقضى له عثمان فذهبت بالأولى وشاركتني في الآخرة قال إسماعيل هذا حكم لا يحتمل فيه على مثل حسان ابن بلال ويزيد بن قتادة لأن فقهاء الأمصار من أهل المدينة والكوفة على خلافه ولأن ظاهر القرآن يدل على أن الميراث يجب لأهله في حين موت الميت.

قال أبو عمر : كان عثمان رحمه الله يقول في هذا الباب بما عليه الفقهاء اليوم حتى حدثه عبد الله بن أرقم عن عمر بن الخطاب أنه ورث قوما أسلموا قبل قسم الميراث وبعد موت الموروث فرجع إلى هذا القول وقال به وتابعه على ذلك ثلاثة من فقهاء التابعين بالبصرة وهم الحسن وجابر بن زيد وقتادة وقال الحسن فإن قسم بعض الميراث ثم أسلم ورث مما لم يقسم ولم يرث مما قسم وحجة من قال هذا القول حديث هذا الباب وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن يزيد بن قتادة العنزى عن عبد الله بن الأرقم كاتب عمر أن عمر بن الخطاب قال من أسلم على ميراث قبل أن يقسم صار الميراث له بإسلامه واجبا وروى عبد الوارث عن كثير بن شنظير عن عطاء أن رجلا أسلم على ميراث على عهد النبي عليه السلام قبل أن يقسم فأعطاه رسول الله نصيبه منه وروى يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن زيد بن قتادة قال توفيت أمنا مسلمة ولي أخوة نصارى فأسلموا قبل أن يقسم الميراث فدخلنا على عثمان فسأل كيف قضى في ذلك عمر فأخبر فأشرك بيننا وروى وهيب عن يونس عن الحسن قال من أسلم على ميراث قبل أن يقتسم فهو أحق به.

قال أبو عمر : حكم من اعتق عندهم قبل القسم كحكم من أسلم واختلف في ذلك عن الحسن فقال مرة هو بمنزلة من أسلم وقال مرة أخرى من اسلم ورث ومن اعتق لم يرث لأن الحديث إنما جاء فيمن أدرك الإسلام وهو قول إياس بن معاوية وحميد وروى أبو زرعة الرازي قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن حميد عن الحسن قال العبد إذا اعتق على ميراث قبل أن يقسم فهو أحق به وبه قال أبو زرعة فيمن أسلم على ميراث قبل أن يقسم أنه له وخالفه أبو حاتم فقال ليس له من الميراث شيء وروى أبو نعيم عن محمد بن راشد عن مكحول في المملوك يموت ذو قرابته ثم يعتق قبل أن يقسم الميراث فإنه يرثه وروى ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري في العبد يعتق على الميراث قال ليس له شيء وروى حماد بن سلمة عن حميد قال كان إياس بن معاوية يقول أما النصراني يسلم فنعم وأما العبد يعتق فلا قال وبه قال حميد فيمن أعتق أو أسلم على ميراث قبل أن يقسم يعني أنه فرق بين العتق والإسلام في ذلك.

قال أبو عمر : لا حجة في هذا الحديث لمن قال بقول جابر ابن زيد لأنه إنما ورد في كيفية قسمة من أسلم على ميراث لا في توريث من لا يجب له ميراث وقد قال "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" وعلى هذا الحديث العمل عند جماعة الفقهاء

بالحجاز والعراق والشام والمغرب وسيأتي ذكر هذا الحديث في باب ابن شهاب عن علي بن حسين من هذا الكتاب إن شاء الله وذكر إسماعيل قال حدثنا محمد بن المنهال قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم قال من أسلم على ميراث قبل أن يقسم أو اعتق على ميراث قبل أن يقسم فليس لواحد منهما شيء وجبت الحقوق لأهلها حيث مات قال وحدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا داود عن سعيد بن المسيب قال إذا مات الميت يرد الميراث لأهله.

قال أبو عمر : وحكم العين والمتاع وسائر الأموال حكم العقار المذكور في حديث مالك الدار والأرض لأن رسول الله قال في غير حديث مالك مما قد ذكرناه في هذا الباب وأيما شيء وأيما ميراث من ميراث الجاهلية وذلك عام في كل ما وقع عليه اسم شيء واسم ميراث وهذا لا خلاف فيه بين العلماء فأغنى ذلك عن الكلام فيه :

حديث رابع لثور بن زيد مرسل شركه فيه حميد بن قيس عدل

مالك عن حميد بن قيس وثور بن زيد أنهما أخبراه عن رسول الله وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه "إن رسول الله رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما بال هذا قالوا نذر ألا يتلكم ولا يستظل ولا يجلس ويصوم فقال رسول الله مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صيامه" قال مالك ولم أسمع أن رسول الله أمره بكفارة وقد أمره أن يتم ما كان لله طاعة وأن يترك ما كان لله معصية.

قال أبو عمر : هذا الحديث يتصل عن النبي من وجوه منها حديث جابر وابن عباس ومن حديث قيس بن أبي حازم عن أبيه عن النبي ومن حديث طاووس عن أبي إسرائيل رجل من أصحاب النبي عليه السلام وأظن والله أعلم أن حديث جابر هو هذا لأن مجاهدا رواه عن جابر وحميد بن قيس صاحب مجاهد وفيه دليل على أن السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس من طاعة الله وكذلك الجلوس للشمس وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه بنص كتاب أو سنة وكذلك الحفا وغيره مما لم ترد الشريعة بعمله لا طاعة لله فيه ولا قربة وإنما الطاعة ما أمر الله به ورسوله بالتقرب بعمله إلى الله تبارك اسمه وقد جاء عن مالك في هذا الباب مسألة ذكرها في موطأه في الرجل يقول للرجل أنا أحملك إلى بيت الله قال إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة فليس ذلك عليه وليمش على رجليه وليهد وإن لم يكن نوى شيئا من ذلك فليحج وليركب وليحج به معه إن أطاعه وأن أبى فلا شيء عليه وقد أنكر قوم على مالك إيجاب الهدى في هذه المسألة على الذي نوى أن يحمله على رقبته وقالوا ليس هذا أصله فيمن ترك الوفاء بما لا طاعة فيه من نذره أن يكفر بهدي أو غيره لأن حمله على رقبته ليس لله فيه طاعة وهو يشبه نذر الذي نذر أن لا يتكلم ولا يستظل وقد سئل إسماعيل القاضي عن هذا فقال لو قدر أن يحمله لكان طاعة قال ومن هنا وجب عليه الهدى عند مالك ولم يجعله كالمستظل والمتكلم بعد نذره أن لا يستظل ولا يتكلم.

قال أبو عمر : أصل مالك الذي لم يخالفه فيه أحد من أصحابه أن من نذر ما فيه لله طاعة بما لا طاعة فيه لزمه الوفاء بما فيه طاعة وترك ما سواه ولا شيء عليه لتركه وذلك كمن نذر أن يمشي إلى بيت المقدس للصلاة فيه فينبغي له أن يقصد بيت المقدس لما في ذلك من الطاعة وليس عليه قصده ماشيا إذ المشي لا طاعة فيه ولا هدي عليه وهذا يقضي على المسألة الأولى ويقضي على أن من نذر المشي إلى الكعبة حافيا أنه ينتعل ولا شيء عليه وإن كان مالك في هذه كان يستحسن الهدى أيضا وليس بشيء حدثني احمد بن محمد بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل الخفاف قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن أبان ابن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال كان أبو إسرائيل رجلا من بني فهر فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي عليه السلام الجمعة وليصومن ذلك اليوم فرآه النبي عليه السلام فقال ما شأنه فأخبروه فأمره أن يجلس ويستظل ويصوم ولم يأمره بكفارة وهذا الحديث يدل على أن كل ما ليس لله بطاعة حكمه حكم المعصية في أنه لا يلزم الوفاء ولا الكفارة عنه فإن ظن ظان إن إيجاب الكفارة بالهدي أو غيره احتياط قيل له لا مدخل للاحتياط في إيجاب شيء لم يوجبه الله في ذمة بريئة بل الاحتياط الكف عن إيجاب ما لم يأذن الله بإيجابه وفي هذا الحديث أيضا دليل على فساد قول من قال إن من نذر معصية كان عليه مع تركها كفارة يمين فإن احتج محتج بحديث عمران بن حصين وحديث أبي هريرة جميعا عن النبي عليه السلام أنه قال "لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين"

قيل له هذان حديثان مضطربان لا أصل لهما عند أهل الحديث لأن حديث أبي هريرة إنما يدور على سليمان بن أرقم وسليمان بن أرقم متروك الحديث وحديث عمران بن حصين يدور على زهير بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يرو عنه غير ابنه زهير وزهير أيضا عنده مناكير وقد بينا العلة في هذين الحديثين في باب طلحة بن عبد الملك من كتابنا هذا ويدل هذا الحديث أيضا على صحة قول من ذهب إلى أن من نذر أن ينحر ابنه أنه لا شيء عليه من كفارة ولا غيرها وقد قاله مالك على اختلاف عنه وهو الصحيح إن شاء الله لأنه لا معصية أعظم من إراقة دم امرئ مسلم بغير حق ولا معنى لإيجاب كفارة يمين على من نذر ذلك ولا للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار في قول المنكر والزور لأن الظهار ليس بنذر والمنذر في المعصية قد جاء فيه نص عن النبي قولا وعملا فأما العمل فهو ما في حديث جابر هذا وأما القول فحديث عائشة عن النبي عليه السلام أنه قال "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"

وقد ذكرنا في كتابنا هذا في باب طلحة بن عبد الملك

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد الجهني قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا أيوب عن ابن عباس قال بينما النبي عليه السلام يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا يا رسول الله أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي " مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" قال البخاري وقال عبد الوهاب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي عليه السلام.

قال أبو عمر : سيأتي في باب طلحة بن عبد الملك ما ينضاف إلى هذا الباب ويليق به إن شاء الله.

باب الجيم جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عدل

يكنى أبا عبد الله وأمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو جعفر المعروف بالصادق وكان ثقة مأمونا عاقلا حكيما ورعا فاضلا وإليه تنسب الجعفرية وتدعيه من الشيعة الإمامية وتكذب عليه الشيعة كثيرا ولم يكن هناك في الحفظ ذكر ابن عيينة أنه كان في حفظه شيء توفي بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر هذا قول الواقدي والمدائني وروى علي بن الجعد عن زهير بن محمد قال قال أبي لجعفر بن محمد أن لي جارا يزعم أنك تتبرأ من أبي بكر وعمر فقال برئ الله من جارك والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر ولقد اشتكيت شكاة فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن ابن القاسم ومن كلامه وكان أكثر كلامه حكمة أوفرالناس عقلا أقلهم نسيانا لأمر آخرته وهو القائل أسرع الأشياء انقطاعا مودة الفاسق وذكر مصعب الزبيري عن مالك رحمه الله قال اختلفت إلى جعفر بن محمد زمانا وما كنت أراه إلا على ثلاث خصال إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن وما رأيته يحدث عن رسول الله إلا على طهارة وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله ولقد حججت معه سنة فلما أتى الشجرة أحرم فكلما أراد أن يهل كاد يغشى عليه فقلت له لا بد لك من ذلك وكان يكرمني وينبسط إلي فقال يا أبن أبي عامر إني أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك فيقول لا لبيك ولا سعديك قال مالك ولقد أحرم جده علي بن حسين فلما أراد أن يقول اللهم لبيك أو قالها غشي عليه وسقط من ناقته فهشم وجهه رضي الله عنهم أجمعين.

قال أبو عمر : لمالك عن جعفر بن محمد في الموطأ من حديث النبي تسعة أحاديث منها خمسة متصلة أصلها حديث واحد وهو حديث جابر الحديث الطويل في الحج والأربعة منقطعة تتصل من غير رواية مالك من وجوه

حديث أول لجعفر بن محمد عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال "رأيت رسول الله رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أشواط" .

قال أبو عمر : يعني من الأشواط السبعة في طواف الدخول وهذا ما لا خلاف فيه أن الرمل وهو الحركة والزيادة في المشي لا يكون إلا ثلاثة أشواط.

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا عبد الله بن عبد الحكيم أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال "كان رسول الله يرمل من الحجر الأسود حتى ينتهي إليه ثلاثة أطواف" في هذا الحديث أن الطائف بالبيت يبتدئ طوافه من الحجر وهو ما لا خلاف فيه أيضا وإذا بدأ من الحجر مضى على يمينه وهو أيضا ما لا خلاف فيه فإن لم يمض على يمينه كان الطواف منكوسا وكان عليه إعادته عندنا فإذا مضى على يمينه جعل البيت عن يساره وذلك أن الداخل من باب بني شيبة أو من غيره أول ما يبدأ به أن يأتي الحجر يقصده فيقبله إن استطاع أو يمسحه بيمينه ويقبلها فإن لم يقدر قام بحياله فكبر ثم أخذ في طوافه يمضي على يمينه ويكون البيت عن يساره متوجها ما يلي الباب باب الكعبة إلى الركن الذي لا يستلم ثم الذي يليه مثله إلى الركن الثالث وهو اليماني الذي يلي الأسود من جهة اليمين ثم إلى الحجر الأسود يفعل ذلك ثلاثة أشواط يرمل فيها ثم أربعة لا يرمل فيها وهذا كله إجماع من العلماء فإن لم يطف كما وصفنا كان منكسا لطوافه وإذا أخذ عن يساره إلى الركن اليماني وجعل البيت عن يمينه لم يجزه ذلك الطواف عندنا واختلف الفقهاء فيمن طاف الطواف الواجب منكوسا على ضد ما وصفنا بأن يمضي على يساره إذا استسلم الحجر ولم يعده حتى خرج من مكة وأبعد فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا يجزئه الطواف منكوسا وعليه أن ينصرف من بلاده فيطوف لأنه كمن لم يطف وهو قول الحميدي وأبي ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه يعيد الطواف ما دام بمكة فإذا بلغ الكوفة أو أبعد كان عليه دم ويجزئه وكلهم يقول إذا كان بمكة أعاد وكذلك القول عند مالك والشافعي فيمن نسي شوطا واحدا من الطواف الواجب أنه لا يجزئه وعليه أن يرجع من بلاده على بقية إحرامه فيطوف وقال أبو حنيفة في هذه إن بلغ بلده لم ينصرف وكان عليه دم.

قال أبو عمر : حجة من لم يجز الطواف منكوسا أن رسول الله لما استسلم الركن أخذ عن يمينه فمن خالف فعله فليس بطائف ويعضد ذلك قوله "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" يعني مردودا وقال "خذوا عني مناسككم" أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عبد الأعلى ابن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : "لما قدم رسول الله مكة دخل المسجد فاستلم الحجر ومضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعة ثم أتى المقام فقال واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت ثم أتى البيت بعد الركعتين فاستلم الحجر ثم خرج إلى الصفا" .

قال أبو عمر : وأما الرمل فهو المشي خببا يشتد فيه دون الهرولة قليلا وأصله أن يحرك الماشي منكبيه لشدة الحركة في مشيه هذا حكم الثلاثة الأشواط في الطواف بالبيت وأما الأربعة الأشواط في الطواف تتمة الأسبوع فحكمها المشي المعهود بالرفق وهذا أمر مجتمع عليه أنه كذلك ينبغي للحاج والمعتمر أن يفعلها في طوافه بالبيت يرمل ثلاثة ويمشي أربعة إلا أنهم اختلفوا في الرمل فقال قوم الرمل سنة من سنن الحج لا يجوز تركها روى ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر واختلف فيه عن ابن عباس وهو قول مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وجماعة فقهاء الأمصار وقال قوم إن شاء رمل وإن شاء لم يرمل قالوا وليس الرمل سنة قال ذلك جماعة من كبار التابعين منهم عطاء ومجاهد وطاووس والحسن وسالم والقاسم وسعيد بن جبير وحجتهم على ما ذهبوا إليه من ذلك ما روي عن ابن عباس قال أبو الطفيل قلت لابن عباس زعم قومك أن رسول الله رمل بالبيت وإن ذلك سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا قد رمل رسول الله حين طاف بالبيت وكذبوا ليس ذلك بسنة إن قريشا قالت زمن الحديبية أن به وبأصحابه هزلا وقعدوا على قعيقعان ينظرون إليهم فبلغ ذلك رسول الله فقال لأصحابه "أرملوا أروهم أن بكم قوة" فكان رسول الله يرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني فإذا توارى عنهم مشى هكذا حدث به فطر عن أبي الطفيل

ورواه أبو عاصم الغنوي وابن أبي حسين عن أبي الطفيل نحوه واحتجوا أيضا بما رواه حماد بن زيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قدم رسول الله وأصحابه مكة فقال المشركون أنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فلما قدموا قعد المشركون مما يلي الحجر "فأمر النبي أصحابه أن يرملوا الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين" قال ابن عباس ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم وبما رواه فضيل بن عياض عن ليث عن طاووس وعطاء عن ابن عباس قال إنما رمل رسول الله بالبيت وبين الصفا والمروة لأن المشركين رأو أن بأصحابه جهدا فرمل ليريهم إن بهم قوة وبما رواه الحجاج بن أرطأة عن أبي جعفر وعكرمة عن ابن عباس قال لما اعتمر رسول الله بلغ أهل مكة أن بأصحابه هزلا فلما قدم مكة قال لأصحابه "شدوا ميازركم وأرملوا حتى يرى قومكم أن بكم قوة" ثم حج رسول الله فلم يرمل.

قال أبو عمر : أما من زعم أن الرمل ليس بسنة واحتج بقول ابن عباس هذا فمغفل فيما اختاره وقد ظن في ذلك ظنا ليس كما ظن والدليل على ذلك ما رواه ابن المبارك عن عبيد الله ابن أبي زياد عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال رمل رسول الله من الحجر إلى الحجر وروى حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس "أن رسول الله اعتمر من الجعرانة فرمل بالبيت ثلاثا ومشى أربعة أشواط ففي هاتين الروايتين أن رسول الله رمل الأشواط الثلاثة كلها وقد كان في بعضها حيث لا يراه المشركون وفي ذلك دليل على أنه ليس من أجلهم رمل.

وبعد فلو كان رمل من أجل المشركين في عمرته كما قال ابن عباس ما منع ذلك من أن يكون الرمل سنة لأن الرمل مأخوذ عنه محفوظ في حجته التي حجها وليس بمكة مشرك واحد يومئذ فرمل رسول الله في حجته ثلاثة أشواط كملا ومشى أربعا في حجة الوداع ولا مشرك ينظر إليه حينئذ فصح أن الرمل سنة روى مالك وإسماعيل بن جعفر ويزيد بن الهاد وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطان وغيرهم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن رسول الله طاف في حجة الوداع سبعا رمل منها ثلاثة ومشى أربعا" وهذا في حديث جابر الحديث الطويل الذي وصف فيه حجة رسول الله من حين خروجه إليها إلى انقضاء جميعها رواه عن جعفر بن محمد جماعة من العلماء في وقتهم وقد حكى عبد الله بن رجاء أن مالكا سمعه بتمامه من جعفر بن محمد

ويدل على صحة قوله أن مالكا قطعه في أبواب من موطأه وأتى منه بما احتاج إليه في أبوابه روينا عن عبد الله بن رجاء أنه قال حضرت عبد الملك بن جريج وعبيد الله وعبد الله العمريين وسفيان الثوري وعلي بن صالح ومالك بن أنس عند جعفر بن محمد يسألونه عن حديث الحج فحدثهم به وروه عنه ورواه أيضا عن جعفر بن محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعبد الله بن عمرو علقمة المكي وحاتم بن إسماعيل وسلام القارئ وجماعة يطول ذكرهم ولما ثبت هذا الحديث عن النبي عليه السلام بعد عدم المشركين في الأشواط الثلاثة علمنا أن ذلك من سنة الطواف عند القدوم وأنه لا ينبغي لأحد من الرجال تركه إذا كان قادرا عليه وهو قول فقهاء الأمصار كلهم يقولون بحديث جابر لأنه الثابت في ذلك والعلة التي حكاها ابن عباس مرتفعة فبطل تأويل ابن عباس إن صح عنه وبطل أن يكون في قوله حجة على السنة الثابتة وقد روى عطاء عن يعلى بن أمية قال لما حج عمر رمل ثلاثا ومشى أربعا وروى هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه قال في الرمل لا ندع شيئا صنعناه مع رسول الله وروى منصور عن شقيق عن مسروق عن ابن مسعود أنه اعتمر فرمل ثلاثا ومشى أربعا وروى نافع عن ابن عمر مثله في حجه وعمرته

وقد ثبت الرمل عن النبي وعن أصحابه فصار سنة وأما ما رواه الحجاج بن أرطأة عن أبي جعفر وعكرمة عن ابن عباس في الحديث الذي ذكرناه عنه قال فيه ثم حج رسول الله فلم يرمل فهذا يدلك على ضعف رواية الحجاج وأن ما قال أهل الحديث فيه أنه ضعيف مدلس لا يحتج بحديثه لضعفه وسوء نقله عندهم حق وقد ثبت عن النبي أنه رمل في حجته فبطل ما خالفه ولو كان ما حكاه الحجاج في روايته عن ابن عباس صحيحا لم يكن فيه حجة لأنه ناف والذي حكى أن رسول الله رمل وأخبر أنه عاينه يصنع ذلك مثبت والمثبت أولى من النافي في وجه الشهادات والأخبار عند أهل العلم.

قال أبو عمر : فإن احتج بعض من لا يرى الرمل سنة من سنن الحج بما رواه العلاء بن المسيب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر "أن رسول الله رمل في العمرة ومشى في الحج" قيل له هذا حديث لا يثبت لأنه رواه الحفاظ موقوفا على ابن عمر ولو كان مرفوعا كان قد عارضه ما هو أثبت منه وهو ما ذكرنا من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي رحمه الله قال حدثنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله "أنه رمل ثلاثة ومشى أربعة" قال الطحاوي حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا أبو بكر الحنفي قال حدثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر "أن رسول الله رمل ثلاثة ومشى أربعة حين قدم في الحج وفي العمرة حين كان اعتمر" وهذه الآثار كلها عن ابن عمر تدفع حديث العلاء بن المسيب وقد ذكر حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قدم مكة رمل بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة وإذا أحرم بمكة لم يرمل بالبيت وأخر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر ومالك عن نافع عن ابن عمر نحوه.

ففي هذا الحديث عن ابن عمر أنه كان يرمل في الحجة إذا كان إحرامه بها من غير مكة وكان لا يرمل في حجته إذا أحرم بها من مكة وهذا إجماع من أحرم بالحج من مكة لا رمل عليه إن طاف بالبيت قبل خروجه إلى منى وعلى هذا يصح حديث مجاهد إن كان موقوفا وكانت حجة ابن عمر فيه مكية وأما مرفوعا فلا يصح لدفع الآثار الصحاح له في أن رسول الله رمل في حجته ولم تكن له حجة غيرها

واختلف قول مالك وأصحابه فيمن ترك الرمل في الطواف والهرولة في السعي ثم ذكر ذلك وهو قريب فمرة قال يعيد ومرة قال لا يعيد وبه قال ابن القاسم واختلف قول مالك أيضا فيما حكاه ابن القاسم عنه هل عليه دم مع حاله هذه إذا لم يعد أم لا شيء عليه فمرة قال لا شيء عليه ومرة قال عليه دم وقال ابن القاسم هو خفيف ولا نرى فيه شيئا وكذلك روى ابن وهب في موطأه عن مالك أنه استخفه ولم ير فيه شيئا وروى معن بن عيسى عن مالك أن عليه دما قال ابن القاسم رجع عن ذلك وقال عبد الملك بن الماجشون عليه دم وهو قول الحسن البصري وسفيان الثوري وذكر ابن حبيب بن مطرف وابن القاسم أن عليه في قليل ذلك وكثيره دما والحجة لما حكاه ابن حبيب قول ابن عباس من ترك من نسكه شيئا فعليه دم ومن جعله نسكا حكم فيه بذلك والحجة لمن استخف ذلك أنه شيء مختلف فيه هل هو سنة أم لا وإيجاب الدم عليه إيجاب فرض وإخراج مال من يده وهذا لا يجب إلا بيقين لا شك فيه وقد جاء عن ابن عباس نصا فيمن ترك الرمل أنه لا شيء عليه وهو قول عطاء وابن جريج والشافعي فيمن اتبعه وقول الأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور كلهم يقول لا شيء عليه في ترك الرمل وهو أولى ما قيل به في هذا الباب لما ذكرنا ولأنه ليس بإسقاط نفس عمل إنما هو سقوط هيئة عمل وأجمعوا أن ليس على النساء رمل في طوافهن بالبيت ولا هرولة في سعيهن بين الصفا والمروة

حديث ثان لجعفر بن محمد مسند عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال سمعت رسول الله يقول حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا وهو يقول "نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا" .

قال أبو عمر : في هذا الحديث أن الخروج إلى الصفا من المسجد لأن الحاج أو المعتمر إذا دخل أحدهما مكة أول شيء يبدأ به إذا لم يكن الحاج مراهقا يخشى فوت الوقوف بعرفة أول ما يبدأ به الطواف بالبيت يبدأ بالحجر فيستلمه ثم يطوف منه بالبيت سبعا فإذا طاف به سبعا صلى في المسجد عند المقام أو حيث أمكنه ركعتين بأثر أسبوعه يخرج من باب الصفا إن شاء إلى الصفا فيرقى عليها ثم يبتدئ السعي منها بين الصفا والمروة لا بد من ذلك وهذا كله منصوص في حديث جابر عن النبي وبعض الناس أحسن سياقة له من بعض.

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن يزيد الحلبي القاضي قال حدثنا محمد بن معاذ بن المستهل ابن أبي جامع البصري يعرف بدران حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن النبي طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثا ومشى أربعة ثم صلى ركعتين فقرأ فيهما بقل يأيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم خرج يريد الصفا والمروة فقال نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقا عليه فكبر ثلاثا وأهل واحدة ثم هبط فلما انصبت قدماه سعى حتى ظهر من طريق المسيل" وفي هذا الحديث دليل على أن النسق بالواو جائز أن يقال فيه قبل وبعد لقوله نبدأ بما بدأ الله به فقد أخبر أن الله بدأ بذكر الصفا قبل المروة وعطف المروة عليها إنما كان بالواو وإذا كان الابتداء بالصفا قبل المروة سنة مسنونة وعملا واجبا فكذلك كل ما رتبه الله ونسق بعضه على بعض بالواو في كتابه من آية الوضوء وهذا موضع اختلف فيه العلماء وأهل الأمصار وأهل العربية فمذهب مالك في أكثر الروايات عنه وأشهرها أن الواو لا توجب التعقيب ولا تعطى رتبة وبذلك قال أصحابه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والليث بن سعد المزني صاحب الشافعي وداود بن علي قالوا فيمن غسل ذراعيه أو رجليه قبل أن يغسل وجهه أو قدم غسل رجليه قبل غسل يديه أو مسح برأسه قبل غسل وجهه أن ذلك يجزئه إلا أن مالكا يستحب لمن نكس وضوءه ولم يصل أن يستأنف الوضوء على نسق الآية ثم يستأنف صلاته فإن صلى لم يأمره بإعادة الصلاة لكنه يستحب له استنئاف الوضوء على النسق لما يستقبل ولا يرى ذلك واجبا عليه هذا هو تحصيل مذهب مالك وقد روى علي بن زياد عن مالك قال من غسل ذراعيه ثم وجهه ثم ذكر مكانه أعاد غسل ذراعيه وإن لم يذكر حتى صلى أعاد الوضوء والصلاة قال علي ثم قال بعد ذلك لا يعيد الصلاة ويعيد الوضوء لما يستقبل

وذكر أبو مصعب عن مالك وأهل المدينة أن من قدم في الضوء يديه على وجهه ولم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلى بذلك الوضوء وكل من ذكرناه من العلماء مع مالك يستحب أن يكون الوضوء نسقا والحجة لمالك ومن ذكرنا من العلماء أن سيبويه وسائر البصريين من النحويين قالوا في قول الرجل أعط زيدا وعمرا دينارا أن ذلك إنما يوجب الجمع بينهما في العطاء ولا يوجب تقدمة زيد على عمرو فكذلك قول الله عز وجل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} إنما يوجب ذلك الجمع بين الأعضاء المذكورة في الغسل ولا يوجب النسق وقد قال الله عز وجل {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فبدأ بالحج قبل العمرة وجائز عند الجميع أن يعتمر الرجل قبل أن يحج وكذلك قوله {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} جائز لمن وجب عليه إخراج زكاة ماله في حين وقت صلاة أن يبدأ بإخراج الزكاة ثم يصلي الصلاة في وقتها عند الجميع وكذلك قوله {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} لا يختلف العلماء أنه جائز لمن وجب عليه في قتل الخطأ إخراج الدية وتحرير الرقبة ويسلمها قبل أن يحرر الرقبة وهذا كله منسوق بالواو ومثله كثير في القرآن فدل على أن الواو لا توجب رتبة

وقد روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا ما أبالي بأي أعضائي بدأت في الوضوء إذا أتممت وضوئي وهم أهل اللسان فلم يبق لهم من الآية إلا معنى الجمع لا معنى الترتيب وقد أجمعوا أن غسل الأعضاء كلها مأمور في غسل الجنابة ولا ترتيب في ذلك عند الجميع فكذلك غسل أعضاء الوضوء لأن المعنى في ذلك الغسل لا التبدية وقد قال الله عز وجل {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ومعلوم أن السجود بعد الركوع وإنما أراد الجمع لا الرتبة هذا جملة ما احتج به من احتج للقائلين بما ذكرنا وأما الذين ذهبوا إلى إبطال وضوء من لم يأت بالوضوء على ترتيب الآية وإبطال صلاته إن صلى بذلك الوضوء المنكوس منهم الشافعي وسائر أصحابه والقائلين بقوله إلا المزني

ومنهم أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وإليه ذهب أبو مصعب صاحب مالك ذكره في مختصره وحكاه عن أهل المدينة ومالك معهم فمن الحجة لهم أن الواو توجب الرتبة والجمع جميعا وحكى ذلك بعض أصحاب الشافعي في كتاب الأصول له عن نحوي الكوفة الكسائي والفراء وهشام بن معاوية أنهم قالوا في واو العطف أنها توجب الجمع وتدل على تقدمة المقدم في قولهم أعط زيدا وعمرا قالوا وذلك زيادة في فائدة الخطاب مع الجمع قالوا ولو كانت الواو توجب الرتبة أحيانا ولا توجبها أحيانا ولم يكن بد من بيان مراد الله عز وجل في الآية على ما زعم مخالفونا لكان في بيان رسول الله لذلك بفعله ما يوجبه لأنه مذ بعثه الله إلى أن مات لم يتوضأ إلا على الترتيب فصار ذلك فرضا لأنه بيان لمراد الله عز وجل فيما احتمل التأويل من الوضوء كتبيينه عدد الصلوات ومقدار الزكوات وغير ذلك من بيانه للفرائض المجملات التي لم يختلف أنها مفروضات فمن توضأ على غير ما كان يفعله رسول الله بدليل قوله "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" وبدليل قوله أيضا وقد توضأ على الترتيب "هذا وضوء لا يقبل الله صلاة إلا به" قالوا وأما الحديث عن علي وابن مسعود فغير صحيح عنهما لأن حديث علي انفرد به عبد الله بن عمرو ابن هند الجملي ولم يسمع من علي والمنقطع من الحديث لا تجب به حجة قالوا

وكذلك حديث عبد الله بن مسعود أشد انقطاعا لأنه لا يوجد إلا من رواية مجاهد عن ابن مسعود ومجاهد لم يسمع من ابن مسعود ولا رآه ولا أدركه وهو أيضا حديث مختلف فيه لأن عبد الرزاق ومحمد بن بكر البرساني روياه عن ابن جريج عن سليمان الأحول عن مجاهد عن ابن مسعود قال ما أبالي بأيهما بدأت باليمنى أو باليسرى ورواه حفص بن غياث عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن مجاهد قال قال عبد الله بن مسعود لا بأس أن تبدأ بيديك قبل رجليك قالوا وعبد الرزاق أثبت في ابن جريج من حفص بن غياث وقد تابعه البرساني وليس في روايتهما ما يوجب تقديما ولا تأخيرا لأن اليمنى واليسرى لا تنازع بين المسلمين في تقديم إحداهما على الأخرى لأنه ليس فيهما نسق بواو وقد جمعهما الله بقوله {وَأَيْدِيكُمْ} وهذا لم يختلف فيه فيحتاج إليه قالوا وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال أنتم تقرؤون الوصية قبل الدين وقضى رسول الله بالدين قبل الوصية وهو مشهور ثابت عن علي رضي الله عنه قالوا فهذا علي قد أوجبت عنده أو التي هي في أكثر أحوالها بمعنى الواو القبل والبعد فالواو أو عنده أحرى بهذا وأولى لا محالة لأن الواو أقوى عملا في العطف من أو عند الجميع ومن الحجة لهم أيضا ما أخبرنا به عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثنا عمي إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال أخبرنا عطاف بن خالد قال أخبرني إبراهيم بن مسلم بن أبي حرة عن عبد الله بن عباس قال ما ندمت على شيء لم أكن علمت به ما ندمت على المشي إلى بيت الله أن لا أكون مشيت لأني سمعت الله عز وجل يقول حين ذكر إبراهيم وأمره أن ينادي في الناس بالحج قال يأتوك رجالا فبدأ بالرجال قبل الركبان فهذا ابن عباس قد صرح بأن الواو توجب عنده القبل والبعد والترتيب.

وأخبرنا خلف بن القاسم قال أخبرنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا احمد بن محمد بن سلام قال حدثنا أبو بكر بن أبي العوام قال حدثنا أبي قال حدثنا أيوب بن أبن مدرك عن أبي عبيدة عن عون بن عبد الله في قوله عز وجل {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} قال ضج والله القوم من الصغار قبل الكبار فهذا أيضا مثل ما تقدم عن ابن عباس سواء قالوا وليس الصلاة والزكاة في التقدمة في معنى هذا الباب في شيء لأنهما فرضان مختلفان أحدهما في مال والثاني في بدن وقد يجب الواحد على من لا يجب عليه الآخر وكذلك الدية والرقبة شيئان لا يحتاج فيهما إلى الرتبة وأما الطهارة ففرض واحد مرتبط بعضه ببعض كالركوع والسجود وكالصفا والمروة اللذين أمرنا بالترتيب فيهما قالوا والفرق بين جمع زيد وعمرو في العطاء وبين أعضاء الوضوء لأنه لا يمكن أن يجمع بين عمرو وزيد معا في عطية واحدة وذلك غير متمكن في أعضاء الوضوء إلا على الرتبة فالواجب أن لا يقدم بعضها على بعض لأن رسول الله لم يفعل ذلك منذ افتراض الله عليه الوضوء إلى أن توفي ولو كان ذلك جائزا لفعله ولو مرة واحدة لأنه كان إذا خير في أمرين أخذ أيسرهما فلما لم يفعل ذلك علمنا أن الرتبة في الوضوء كالركوع والسجود ولا يجوز أن يقدم السجود على الركوع بإجماع واحتجوا أيضا بأن الواو في آية الوضوء في الأعضاء كلها معطوفة على الفاء في قوله {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية قالوا وما كان معطوفا على الفاء فحكمه حكم الفاء بواو كان معطوفا أو بغير واو لأن أصله العطف على الفاء وحكمها إيجاب الرتبة والعجلة قالوا وحروف العطف كلها قد أجمعوا أنها توجب الرتبة إلا الواو فإنهم قد اختلفوا فيها فالواجب أن يكون حكمها حكم أخواتها من حروف العطف في إيجاب الترتيب وأما قول الله عز وجل {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي}

فجائز أن يكون عبادتها في شريعتها الركوع بعد السجود فإن صح أن ذلك ليس كذلك فالوجه فيه أن الله عز وجل أمرها أولا بالقنوت وهو الطاعة ثم السجود وهي الصلاة بعينها كما قال وإدبار السجود أي إدبار الصلوات واركعي مع الراكعين أي اشكري مع الشاكرين ومنه قول الله تعالى فخر راكعا أي سجد شكرا لله وكذلك قال ابن عباس وغيره هي سجدة شكر واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل واركعوا واسجدوا مع إجماع المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يسجد قبل أن يركع قالوا فهذه الواو قد أوجبت الرتبة في هذا الموضع من غير خلاف واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} مع قول رسول الله "نبدأ بما بدأ الله به" ورجحوا قولهم بأن الاحتياط في الصلوات واجب وهو ما قالوه لأن من صلى بعد أن توضأ على النسق كانت صلاته تامة بإجماع قالوا ومن الدليل على ثبوت الترتيب في الوضوء دخول المسح بين الغسل لأنه لو قدم ذكر الرجلين وأخر مسح الرأس لما فهم المراد من تقديم المسح فأدخل المسح بين الغسلين ليعلم أنه مقدم عليه ليثبت ترتيب الرأس قبل الرجلين ولولا ذلك لقال فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم ولما احتاج أن يأتي بلفظ ملتبس محتمل للتأويل لولا فائدة الترتيب في ذلك ألا ترى أن تقديم ذكر الرأس ليس على من جعل الرجلين ممسوحتين فلفائدة وجوب الترتيب وردت الآية بالتقديم والتأخير والله أعلم هذا جملة ما احتج به الشافعيون في هذه المسألة.

قال أبو عمر : أما ما ادعوه عن العرب ونسبوه إلى الفراء روينا وهشام فليس بمشهور عنهم والذي عليه جماعة أهل العربية أن الواو إنما توجب التسوية وأما ما ذكروه من آية الوصية والدين فلا معنى له لأن المال إذا كان مأمونا وبذر الورثة فنفذوا الوصية قبل أداء الدين ثم أدوا الدين بعد من مال الميت لم تجب عليهم إعادة الوصية ولو نفذوا الوصية ولم يكن في المال ما يؤدى منه الدين وكانوا قد علموا به ضمنوا لأنهم قد تعدوا وكذلك قوله اركعوا واسجدوا ولسنا ننكر إذا صحب الواو بيان يدل على التقدمة أن ذلك كذلك لموضع البيان وإنما قلنا أن حق الواو في اللغة التسوية لا غير حتى يأتي إجماع يدل على غير ذلك ويبين المراد فيه والإجماع في آية الوضوء معدوم بل أكثر أهل العلم على خلاف الشافعي في ذلك مع ما روي في ذلك عن علي وابن مسعود وأما ما ادعوه من أن فعل رسول الله في الآية بيان كبيانه ركعات الصلوات فخطأ لأن الصلوات فرضها مجمل لا سبيل إلى الوصول لمراد الله منها إلا بالبيان فصار البيان فيها فرضا بإجماع وليس آية الوضوء كذلك لأنا لو تركنا وظاهرها كان الظاهر يغنينا عن غيره لأنها محكمة مستغنية عن بيان فلم يكن فعله فيها إلا على الاستحباب وعلى الأفضل كما كان يبدأ بيمينه قبل يساره وكان يحب التيامن في أمره كله وليس ذلك بفرض عند الجميع وأما ما احتجوا به من قول الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}

مع قول رسول الله "نبدأ بم بدأ الله به" فلا حجة فيه لأنا كذلك نقول نبدأ بما بدأ الله به هذا الذي هو أولى ولسنا نختلف في ذلك وإنما الخلاف بيننا وبينهم فيمن لم يبدأ بما بدأ الله به هل يفسد عمله في ذلك أم لا وقد أريناهم أنه لا يفسد بالدلائل التي ذكرنا على أن قوله نبدأ بما بدأ الله به ظاهره أنه سنة والله أعلم لأن فعله ليس بفرض إلا أن يصحبه دليل يدخله في حيز الفروض ولو كان فرضا لقال ابدأوا بما بدأ الله يأمرهم بذلك ولفظ الأمر في هذا الحديث لا يؤخذ من رواية من يحتج به وهذا الإدخال والاحتجاج على غير مذهب أصحابنا المالكيين لأنهم يذهبون إلى أن أفعال رسول الله على الوجوب أبدا حتى يقوم الدليل على أنها أريد بها الندب وهذه المسألة خارجة على مذهبهم عن أصلهم هذا وقد ينفصل من هذا بما يطول ذكره وقد يحتمل أن يحتج بقوله نبدأ بما بدأ الله به على أن الواو لا توجب الترتيب لأنها لو كانت توجب الترتيب لم يحتج رسول الله أن يقول لهم نبدأ بما بدأ الله به لأنهم أهل اللسان الذي نزل القرآن به فلو كان مفهوما في فحوى الخطاب أن الواو توجب القبل والبعد ما احتاج رسول الله والله أعلم أن يبين لهم ذلك وإنما بين لهم ذلك لأن المراد كان من السعي بين الصفا والمروة أن يبدأ فيه بالصفا ولم يكن ذلك بينا في الخطاب فبينه رسول الله

وقد اختلف الفقهاء فيمن نكس السعي بين الصفا والمروة فبدأ بالمروة قبل الصفا فقال منهم قائلون لا يجزئه وعليه أن يلغي ابتداءه بالمروة ويبني على سعيه من الصفا ويختم بالمروة منهم مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة ومن قال بقولهم وقال بعض العراقيين يجزئه ذلك وإنما الابتداء عندهم بالصفا استحباب وقد اختلف عن عطاء فروي عنه أنه يلغي الشوط وهو الذي عليه العمل عند الفقهاء وروي عنه أنه من جهل ذلك أجزأ عنه والحجة لمالك ومن قال بقوله ما قدمنا ذكره وأما ترجيحهم بالاحتياط في الصلاة فأصل غير مطرد عند الجميع ألا ترى أن الشافعي لم ير ذلك حجة في اختلاف نية المأمور والإمام وفي الجمعة خلف العبد وفي الوضوء بما حل فيه النجاسة إذا كان فوق القلتين ولم يتغير وهذا كله الاحتياط فيه غير قوله ولم ير للاحتياط معنى إذ قام له الدليل على صحة ما ذهب إليه فكذلك لا معنى لما ذكروه من الاحتياط مع ظاهر قول الله عز وجل والمشهور من لسان العرب وأما قولهم من فعل فعلنا كان مصليا بإجماع فهذا أيضا أصل لا يراعيه أحد من الفقهاء مع قيام الدليل على ما ذهب إليه وأما قولهم أن وجوب الترتيب أوجب التقديم والتأخير في آية الوضوء فظن والظن لا يغنى من الحق شيئا والتقديم والتأخير في القرآن كثير وهو معروف في لسان العرب متكرر في كتاب الله فليس في قولهم ذلك شيء يلزم والله أعلم أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن

قال أخبرنا أحمد بن سلمان النجاد ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي قال حدثني عبد الله بن عمرو بن هند الجملي أن عليا قال ما أبالي بأي أعضائي بدأت إذا أتممت وضوئي قال عوف ولم يسمع من علي وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال أحب إلي أن يبدأ بالأول فالأول المضمضة ثم الاستنشاق ثم الوجه ثم اليدين ثم المسح على الرأس ثم الرجلين قال فإن قدم شيئا على شيء فلا حرج وهو يكرهه.

قال أبو عمر : قول مالك في مثل قول عطا سواء وأما على قول من لم ير بتنكيس السعي وتنكيس الطواف بأسا فالحجة عليه أن رسول الله بدأ بالصفا وختم بالمروة في السعي وطاف بالبيت على رتبته ثم قال خذوا عني مناسككم والحج في الكتاب مجمل وبيانه له كبيانه لسائر المجملات من الصلوات والزكوات إلا أن يجمع على شيء من ذلك فيخرج بدليله وبالله التوفيق.

ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال دفع رسول الله وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة وأن يوضعوا في وادي محسر وأمرهم بمثل حصى الخذف وقال "خذوا عني مناسككم لعلي لا أحج بعد عامي هذا" .

حديث ثالث لجعفر بن محمد متصل عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك" .

في هذا الحديث أن الوقوف على الصفا والمروة والمشي بينهما والسعي من شعائر الحج لقوله "خذوا عني مناسككم" وفيه أن الصفا والمروة موضع دعاء ترجى فيه الإجابة وفيه أن الدعا يفتتح بالتكبير والتهليل وفيه أن عدد التكبير في ذلك الموضع ثلاث والتهليل مرة واحدة ثم الدعاء والذكر والدعاء في ذلك الموضع وغيره من سائر مواقف الحج مندوب إليه مستحب لما فيه من الفضل ورجاء الإجابة وليس بفرض عند الجميع ومن زاد على ما ذكر في هذا الحديث من التهليل والتكبير والذكر فلا حرج وأحب إلي استعمال ما فيه على حسبه وبالله التوفيق وكذلك أحب للمرتقي على الصفا والمروة أن يعلو عليهما حتى يبدو له البيت لما رواه عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر "أن النبي كان يصعد على الصفا والمروة حتى يبدو له البيت" وهو حديث انفرد به عبد الرزاق عن مالك

فإن لم يفعل فلا حرج وكذلك انفرد الوليد بن مسلم عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن رسول الله لما انتهى إلى المقام قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} فصلى ركعتين قرأ فيهما بفاتحة الكتاب و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج إلى الصفا فقال "نبدأ بما بدأ الله به" {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} والذي انفرد به الوليد وأغرب فيه عن مالك قوله لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وسائر ذلك في الموطأ.

حديث رابع لجعفر بن محمد عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن رسول الله كان إذا نزل بين الصفا والمروة مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن المسيل سعى حتى يخرج منه" هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث إذا نزل بين الصفا والمروة وغيره من رواة الموطأ يقول إذا نزل من الصفا مشى حتى انصبت قدماه في بطن المسيل سعى حتى يخرج منه ولا أعلم لرواية يحيى وجها إلا أن تحمل على ما رواه الناس لأن ظاهر قوله نزل بين الصفا والمروة يدل على أنه كان راكبا فنزل بين الصفا والمروة وقول غيره نزل من الصفا والصفا جبل لا يحتمل إلا ذلك وقد يمكن أن يكون شبه على يحيى رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر "أن رسول الله طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف لهم ليسألوه لأن الناس غشوه"

وهذا خبر لم يذكر فيه وبين الصفا والمروة غير ابن جريج وإنما المحفوظ في هذا حديث ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس "أن النبي طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه" وهذا الحديث وإن كان ثابت الاسناد عندهم صحيحا فإن العلماء قد أجمعوا على أنه لم يكن لغير عذر وضرورة واختلفوا في العذر فقال سعيد بن جبير وطائفة كان شاكيا وقال آخرون بل كان ذلك منه لشدة ما غشيه من السائلين ليشرف لهم ويعلمهم ويفهمهم وذلك في حين طوافه بالبيت لا بين الصفا والمروة وقد وهم فيه ابن جريج حين ذكر فيه الصفا والمروة لأن ذلك كان منه في طواف الإفاضة والله أعلم وحديث ابن جريج حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول طاف النبي عليه السلام في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليسألوه فإن الناس غشوه.

قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث وبين الصفا والمروة تدفعه الآثار المتواترة عن جابر بمثل رواية مالك هذه لأن قوله انصبت قدماه في بطن المسيل يدفع أن يكون راكبا أخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا جابر "أن رسول الله نزل يعني على الصفا حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى"

والوجه عند أهل العلم في طواف رسول الله راكبا إنه كان في طواف الإفاضة وحينئذ ألظ الناس به يسألونه وفي حديث طاووس بيان ذلك روى ابن عيينة عن عبد الله بن طاووس عن أبيه أن رسول الله أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا فطاف على راحلته وفي حديث أم سلمة أنها اشتكت يومئذ فقال لها رسول الله طوفي راكبة من وراء الناس ومما يدل على كراهة الطواف راكبا من غير عذر أني لا أعلم خلافا بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحد أن يطوف بين الصفا والمروة على راحلة راكبا ولو كان طوافه راكبا لغير عذر لكان ذلك مستحبا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم وقد روينا عن عائشة وعروة بن الزبير كراهية أن يطوف أحد بين الصفا والمروة راكبا وهو قول جماعة الفقهاء فأما مالك فلا أحفظ له فيه نصا إلا أنه قال من طاف بالبيت محمولا أو راكبا من غير عذر لم يجزه وأعاد وكذلك السعي بين الصفا والمروة عندي في قوله بل السعي أو كد ماشيا لما ورد فيه من اشتداد رسول الله في سعيه ماشيا على قدميه

وقال مالك أنه إن سعى أحد حاملا صبيا بين الصفا والمروة أجزأه عن نفسه وعن الصبي إذا نوى ذلك وقال في الطائف بالبيت محمولا إن رجع إلى بلاده كان عليه أن لا يهريق دما وقال الليث بن سعد الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة سواء لا يجزئ واحد منهما راكبا إلا أن يكون له عذر وكذلك قال أبو ثور من سعى بين الصفا والمروة راكبا لم يجزه وعليه أن يعيد وقال مجاهد لا يركب إلا من ضرورة وهو قول مالك وقال الشافعي لا ينبغي له أن يطوف بالبيت ولا يسعى راكبا فإن فعل فلا دم عليه من عذر كان ذلك أو من غير عذر وذكر أن أنس بن مالك وعطاء طافا راكبين وقال أبو حنيفة أن سعى راكبا بين الصفا والمروة أعاد ما دام بمكة وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم وكذلك إن طاف بالبيت راكبا عنده وقال هشام بن عبيد الله عن محمد بن الحسن لو طاف بأمه حاملا لها أجزأه عنه وعنها وكذلك لو استأجرت امرأة رجلا يطوف بها كان الطواف لهما جميعا وكانت الأجرة له.

قال أبو عمر : قول مالك والليث بن سعد وأبي ثور أسعد بظاهر الحديث وأقيس في قول من أوجب السعي بن الصفا والمروة فرضا وأما قول من قال أن رسول الله كان شاكيا فحجته في ذلك حديث عكرمة عن ابن عباس حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا خالد بن عبد الله قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس "أن رسول الله قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى على الركن استلم بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين" ومثل هذا قوله لأم سلمة حين اشتكت إليه "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" وقد اختلف الفقهاء في السعي بين الصفا والمروة على الهيئة المذكورة فيه هل هو من فروض الحج أو من سننه فالذي ذهب إليه مالك والشافعي ومن اتبعهما وقال بقولهما إن ذلك فرض لا ينوب عنه الدم ولا بد من الإتيان به كالطواف بالبيت الطواف الواجب سواء

وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وداود وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري السعي بين الصفا والمروة ليس بواجب فإن تركه أحد من الحجاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم لأنه سنة من سنة الحج وسنن الحج تجبر بالدم إذا سقط الإتيان بها هذا قول الثوري وروي عن قتادة والحسن البصري مثله وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا إن ترك أربعة أشواط من السعي بين الصفا والمروة فعليه دم وإن ترك أقل كان عليه لكل شوط إطعام مسكين نصف صاع من حنطة قالوا وإن ترك ذلك في العمرة أو في الحج ناسيا فعليه دم وقال قوم هو فرض في العمرة وليس بفرض في الحج وقال طاووس من ترك السعي بينهما فعلى عمرة واختلف فيه قول عطاء وروي عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين أنه تطوع وحجة أبي حنيفة ومن قال بقوله في السعي بين الصفا والمروة أنه ليس بفرض قول رسول الله "الحج عرفات فمن أدركها فقد أدرك الحج" قالوا فصار ما سواه ينوب عنه الدم قالوا وإنما السعي بين الصفا والمروة تبع للطواف كما أن المبيت بالمزدلفة تبع للوقوف بعرفة فلما ناب عن المبيت بجمع الدم فكذلك ينوب عن السعي الدم.

قال أبو عمر : أما الوقوف بعرفة ففرض مجتمع عليه وأما المبيت أو حضور المزدلفة للصلاة والذكر بها فمختلف في فرضه وإن كان مالك وأبو حنيفة والشافعي لا يرونه فرضا وسيأتي ذكر حكم الوقوف بعرفة والمبيت بجمع في باب شهاب عن سالم إن شاء الله والحجة لمن أوجب السعي بين الصفا والمروة فرضا على من لم يوجبه أن رسول الله فعله وقال "خذوا عني مناسككم" فصار بيانا لمجمل الحج فالواجب أن يكون فرضا كبيانه لركعات الصلوات وما كان مثل ذلك إذ لم يتفق على أنه سنة أو تطوع وقد قال الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فإن احتج محتج بقراءة ابن مسعود وما في مصحفه وذلك قوله فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قيل له ليس فيما سقط من مصحف الجماعة حجة لأنه لا يقطع به على الله عز وجل ولا يحكم بأنه قرآن إلا بما نقلته الجماعة بين اللوحين وأحسن ما روي في تأويل هذه الآية ما ذكره هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت مناة على ساحل البحر وحولها الفروث والدماء مما يذبح بها المشركون فقالت الأنصار يا رسول الله إنا كنا إذا أحرمنا بمناة في الجاهلية لم يحل لنا في ديننا أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} قال عروة أما أنا فلا أبالي ألا أطوف بين الصفا والمروة قالت عائشة لم يا ابن أختي قال لأن الله يقول فلا جناح عليه أن يطوف بهما فقالت عائشة لو كان كما تقول لكان فلا جناح عليه ألا يطوف بهما فلعمري ما تمت حجة أحد ولا عمرته إن لم يطف بين الصفا والمروة ورواه الزهري عن عروة عن عائشة مثله وقال فيه معمر عن الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام فقال هذا العلم وقد روى مالك هذا الحديث عن هشام بن عروة بمعنى واحد

وسنذكره في باب هشام من هذا الكتاب إن شاء الله وروى ابن جريج عن عطاء عن عائشة أن رسول الله قال لها "طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يجزئك أو يكفيك لحجك وعمرتك" .

قال أبو عمر : ولو لم يكن واجبا لما قال يجزئك والله أعلم فقد تبين بما ذكرته عائشة مخرج نزول الآية على أي شيء كان وبين رسول الله ذلك بطوافه بين الصفا والمروة وقوله "اسعوا بينهما فإن الله كتب عليكم السعي" وكتب بمعنى أوجب كقول الله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وكقول رسول الله في الخمس الصلوات "كتبهن الله على العباد" ومثله كثير

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سريج بن النعمان قال حدثنا عبد الله بن المؤمل عن عطاء عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت رأيت رسول الله يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي وهو يقول "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" هكذا قال عن عبد الله بن المؤمل عن عطاء وبين عطاء وعبد الله بن المؤمل في هذا الحديث عمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال أخبرنا محمد بن سنجر قال أخبرنا الفضل بن دكين قال حدثنا عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن السهمي عن عطاء عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراه امرأة من أهل اليمن قالت لما سعى النبي بين الصفا والمروة دخلنا في دار آل أبي حسين في نسوة من قريش فرأيت النبي عليه السلام يسعى بين الصفا والمروة في بطن الوادي وهو يقول "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" حتى أن ثوبه يديره من شدة السعي وكذلك رواه الشافعي عن عبد الله بن المؤمل

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد ابن علي قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال أخبرنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني ابنة أبي تجرأة إحدى نساء بني عبد الدار قالت دخلت مع نسوة من قريش دار أبي حسين ننظر إلى رسول الله وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى أقول أني لأرى ركبتيه وسمعته يقول "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" وذكره أبو بكر بن أبي شيبة فأخطأ في إسناده إما هو وإما محمد بن بشر.

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا عبد الله بن المؤمل قال حدثنا عبد الله بن أبي حسين عن عطاء عن حبيبة بنت أبي تجرأة قالت نظرت إلى رسول الله فذكر الحديث بمعنى ما تقدم سواء ولكنه أخطأ في موضعين من الإسناد أحدهما أنه جعل في موضع عمر بن عبد الرحمن عبد الله بن أبي حسين والآخر أنه أسقط صفية بنت شيبة من الإسناد فأفسد إسناد هذا الحديث ولا أدري ممن هذا أمن أبي بكر أم من محمد بن بشر ومن أيهما كان فهو خطأ لا شك فيه وقد رواه محمد بن سنان العوفي عن عبد الله بن المؤمل فجعله بالطواف بالبيت ذكر أبو جعفر العقيلي قال حدثنا محمد بن أيوب قال أخبرنا محمد بن سنان العوفي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل المكي قال أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي عن صفية بنت شيبة عن امرأة يقال لها حبيبة بنت أبي تجرأة قالت دخلت المسجد أنا ونسوة معي من قريش قالت والنبي عليه السلام يطوف بالبيت قالت وإنه ليسعى حتى أني لأرثى له وهو يقول لأصحابه "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" هكذا قال يطوف بالبيت وأسقط من إسناد الحديث عطاء والصحيح في إسناد هذا الحديث ومتنه ما ذكره الشافعي وأبو نعيم إلا أن قول أبي نعيم امرأة من أهل اليمن ليس بشيء

والصواب ما قال الشافعي والله أعلم فإن قال قائل إن عبد الله بن المؤمل ليس ممن يحتج بحديثه لضعفه وقد انفرد بهذا الحديث قيل له هو سيء الحفظ فلذلك اضطربت الرواية عنه وما علمنا له خربة تسقط عدالته وقد روى عنه جماعة من جلة العلماء وفي ذلك ما يرفع من حاله والاضطراب عنه لا يسقط حديثه لأن الاختلاف على الأئمة كثير ولم يقدح ذلك في روايتهم وقد اتفق شاهدان عدلان عليه وهما الشافعي وأبو نعيم وليس من لم يحفظ ولم يقم حجة على من أقام وحفظ ومما يشد حديث عبد الله بن المؤمل هذا حديث المغيرة بن حيكم عن صفية بنت شيبة فإنه يبين صحة ما قاله عبد الله بن المؤمل

أخبرنا عبد الله بن محمد الجهني قال أخبرنا حمزة بن محمد قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا حماد بن زيد عن بديل عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن امرأة قالت رأيت النبي عليه السلام يسعى في بطن المسيل ويقول : "لا يقطع الوادي إلا شدا" وقد ذكر أبو جعفر العقيلي قال حدثنا محمد بن موسى النهرتيري قال أخبرنا يوسف بن موسى القطان قال أخبرنا مهران بن أبي عمر الرازي قال أخبرنا سفيان عن مثنى بن الصباح عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن تملك قال العقيلي يعني الشيبية قالت نظرت إلى النبي وأنا في غرفة لي بين الصفا والمروة وهو يقول "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا" .

قال أبو عمر : فهذا القول مع قول رسول الله لعائشة "طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك" يوضح وجوب السعي وبالله التوفيق وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا فيمن ترك الرمل في الطواف بالبيت أو ترك الهرولة في السعي بين الصفا والمروة فيما تقدم من كتابنا هذا والذي عليه أكثر الفقهاء أن ذلك خفيف لا شيء فيه وذلك والله أعلم لما ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير قال رأيت ابن عمر يمشي بين الصفا والمروة ثم قال إن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي وإن سعيت فقد رأيت رسول الله يسعى وروى سفيان أيضا عن عطاء ابن السائب عن كثير بن جمهان عن ابن عمر مثله سواء وزاد وأخبرنا شيخ كبير.

قال أبو عمر : لا ينبغي لأحد قوي على السعي والهرولة والاشتداد تركه ومن كان شيخا ضعيفا أو مريضا فالله أعذر بالعذر ويجزئه المشي لأن السعي العمل وقد عمله بالمشي واختلف العلماء فيمن قدم السعي بين الصفا والمروة على الطواف بالبيت فقال عطاء بن أبي رباح يجزئه ولا يعيد السعي ولا شيء عليه وكذلك قال الأوزاعي وطائفة من أهل الحديث واختلف في ذلك عن الثوري فروي عنه مثل قول الأوزاعي وعطاء وروي عنه أنه يعيد السعي وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم لا يجزئه وعليه أن يعيد إلا أن مالكا وأبا حنيفة قالا يعيد الطواف والسعي جميعا.

وقال الشافعي يعيد السعي وحده ليكون بعد الطواف ولا شيء عليه واختلفوا والمسألة بحالها إذا خرج من مكة فأبعد أو وطئ النساء فقال مالك يرجع فيطوف ويسعى وإن كان وطئ النساء اعتمر وأهدى يعني إذا كان وطؤه بعد رميه جمرة العقبة وبعد الوقوف بعرفة وقال الشافعي يرجع حيث كان فيسعى ويهدي ولا معنى للعمرة ها هنا وروى عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي سواء وروى عنه إذا بلغ بلاده أهدى وأجزأه.

قال أبو عمر : لا فرق عند مالك والشافعي بين من نسي السعي بين الصفا والمروة وبين من قدم السعي على الطواف وعليه أن يأتي بالسعي عندهما أبدا وإن أبعد على ما قدمنا من اختلافهما في إعادة الطواف معه فإن وطئ كان عليه هدي بدنه عند الشافعي لا غير مع الإتيان بالسعي وكان عليه عند مالك أن يطوف ويسعى ويعتمر ويهدي وكذلك من نسي الطواف الواجب بالبيت سواء عندهما كمن نسي السعي بين الصفا والمروة على أصل كل واحد منهما لا فرق بين شيء من ذلك عندهما وعند من قال بقولهما قال مالك في موطأه من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة فلم يذكر حتى يستبعد من مكة إنه يرجع فيسعى وإن أصاب النساء فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدي.

قال أبو عمر : إنما أوجب مالك في هذه المسألة العمرة والهدي ليكون سعيه في إحرام صحيح لا في إحرام فاسد بالوطء وليكون طوافه بالبيت في إحرام صحيح لا في إحرام فاسد والله أعلم

حديث خامس لجعفر بن محمد عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب "أن رسول الله نحر بعض هديه بيده ونحر غيره بعضه" .

هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن علي وتابعه القعنبي فجعله عن علي أيضا كما رواه يحيى ورواه ابن بكير وسعيد بن عفير وابن القاسم وعبد الله بن نافع وأبو مصعب والشافعي فقالوا فيه عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وأرسله ابن وهب عن مالك عن جعفر عن أبيه أن رسول الله الحديث لم يقل عن جابر ولا عن علي.

قال أبو عمر : الصحيح فيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وذلك موجود في رواية محمد بن علي عن جابر في الحديث الطويل في الحج وإنما جاء حديث علي رضي الله عنه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه لا أحفظه من وجه آخر وهذا المتن صحيح ثابت من حديث جابر وحديث علي وفيه من الفقه أن يتولى الرجل نحر هديه بيده وذلك عند أهل العلم مستحب مستحسن لفعل رسول الله ذلك بيده ولأنها قربة إلى الله عز وجل فمباشرتها أولى وجائز أن ينحر الهدى صاحبها ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحر بعض هدي رسول الله وهو أمر لا خلاف بين العلماء في إجازته فأغنى عن الكلام فيه وقد جاءت رواية عن بعض أهل العلم أن من نحر أضحيته غيره كان عليه الإعادة ولم يجزه وهذا محمول عند أهل الفهم على أنها نحرت بغير إذن صاحبها وهو موضع اختلاف

وأما إذا كان صاحب الهدي أو الضحية قد أمر بنحر هديه أو ذبح أضحيته فلا خلاف بين الفقهاء في إجازة ذلك كما لو وكل غيره بشراء هديه فاشتراه جاز بإجماع وفي نحر غير رسول الله هديه دليل على جواز الوكالة لأنه معلوم أنه لم يفعل ذلك بغير إذنه وإذا صح أنه كذلك صحت الوكالة وجازت في كل ما يتصرف فيه الإنسان أنه جائز أن يوليه غيره فينفذ فيه فعله

وقد روى سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة في ذلك حديث عروة البارقي أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة قال حدثني الحسن عن عروة أن النبي أعطاه دينارا يشترى له به أضحية أو قال شاة فاشترى له ثنتين فباع إحداهما بدينار وأتى بشاة ودينار فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى ترابا لربح فيه وهكذا رواه الشافعي عن ابن عيينة بنحو رواية مسدد وقد روى من حديث حكيم بن حزام نحو هذا المعنى ولا خلاف في جواز الوكالة عند العلماء.

قال أبو عمر : وقد اختلف العلماء أيضا في معنى هذا الحديث في الوكيل يشتري زيادة على ما وكل به هل يلزم الأمر ذلك أم لا كرجل قال له رجل اشتر لي بهذا الدرهم رطل لحم صفته كذا فاشترى له أربعة أرطال من تلك الصفة بذلك الدرهم والذي عليه مالك وأصحابه أن الجميع يلزمه إذا وافق الصفة وزاد من جنسها لأنه محسن وهذا الحديث يعضد قولهم في ذلك وهو حديث جيد وفيه ثبوت صحة ملك النبي عليه السلام للشاتين ولولا ذلك ما أخذ منه الدينار ولا أمضى له البيع وقد اختلف عن مالك وأصحابه فيمن نحرت أضحيته بغير إذنه ولا أمره فروي عنه أنها لا تجزئ عن الذابح وسواء نوى ذبحها عن نفسه أو عن صاحبها وعلى الذابح ضمانها وروي عنه أن الذابح لها إذا كان مثل الولد أو بعض العيال فإنها تجزئ وقال محمد بن الحسن في رجل تطوع عن رجل فذبح له ضحية قد أوجبها أنه إن ذبحها عن نفسه متعمدا لم تجز عن صاحبها وله أن يضمن الذابح فإن ضمنه إياها أجزت عن الضامن وإن ذبحها عن صاحبها بغير أمره أجزت عنه وقال الثوري لا تجزئ ويضمن الذابح

وقال الشافعي تجزئ عن صاحبها ويضمن الذابح النقصان وروى ابن عبد الحكم عن مالك إن ذبح رجل ضحية رجل بغير أمره لم تجز عنه وهو ضامن لضحيته إلا أن يكون مثل الولد أو بعض العيال إنما ذبحوها على وجه الكفاية له فأرجو أن تجزئ وقال ابن القاسم عنه إذا كانوا كذلك فإنها تجزئ ولم يقل أرجو وإن أخطأ رجلان فذبح كل واحد منهما ضحية صاحبه لم تجز عن واحد منهما في قول مالك وأصحابه ويضمن عندهم كل واحد منهما قيمة ضحية صاحبه لا أعلم خلافا بين أصحاب مالك في الضحايا وأما الهدي فاختلف فيه عن مالك والأشهر عنه ما حكاه ابن عبد الحكم وغيره أنه لو أخطأ رجلان كل واحد منهما بهدي صاحبه أجزأهما ولم يكن عليهما شيء وهذا هو تحصيل المذهب في الهدي خاصة

وقد روي عن مالك في المعتمرين إذا أهديا شاتين فذبح كل واحد منهما شاة صاحبه خطأ أن ذلك يجزئ عنهما ويضمن كل واحد منهما قيمة ما ذبح وائتنفا الهدي وقال الشافعي يضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا وأجزت عن كل واحد منهما أضحيته أو هديه وقال الطبري يجزئ عن كل واحد منهما أضحيته أو هديه التي أوجبها ولا شيء على الذابح لأنه فعل ما لا بد منه ولا ضمان على واحد منهما إلا أن يستهلك شيئا من لحمها فيضمن ما استهلك وقال ابن عبد الحكم أيضا عن مالك أو ذبح أحدهما يعني المعتمرين شاة صاحبه عن نفسه ضمنها ولم تجزه وذبح شاته التي أوجبها وغرم لصاحبه قيمة شاته التي ذبحها واشترى صاحبه شاة وأهداها قال ابن عبد الحكم والقول الأول أعجب إلينا يعني المعتمرين يذبح أحدهما شاة صاحبه وهو قد أخطأ بها إن ذلك يجزيهما.

قال أبو عمر : في حديث مالك الذي قدمنا ذكره "إن رسول الله نحر بعض هديه بيده ونحر غيره بعضه" وغيره في هذا الموضع هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذلك صحيح في حديث جابر وحديث علي أيضا أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني وهارون بن معروف قالا حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه في حديثه الطويل في الحج قال ثم انصرف يعني رسول الله بعد أن رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات فنحر ثلاثا وستين بدنه ثم أعطى عليا فنحر سائرها

وذكر الحديث أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في الحديث الطويل في الحج مثله قال فنحر رسول الله ثلاثا وستين بدنه ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وذكر الحديث وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا علي بن حجر قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال "ساق رسول الله مائة بدنه فنحر منها رسول الله ثلاثا وستين بيده ونحر على ما بقي ثم أمر رسول الله أن تؤخذ بضعة من كل بدنه فتجعل في قدر فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها" وأخبرنا عبد الله بن محمد الجهني قال حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث قال حدثني الليث عن ابن الهادي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال "قدم علي من اليمن بهدي لرسول الله وكان الهدي الذي قدم به رسول الله وعلي من اليمن مائة بدنه فنحر رسول الله منها ثلاثا وستين بدنه ونحر علي سبعا وثلاثين وأشرك عليا في بدنه ثم أخذ من كل بدنه بضعة فجعلت في قدر فطبخه فأكل رسول الله وعلي رضي الله عنه من لحمها وشربا من مرقها"

هكذا قال أكثر الرواة لهذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله نحر من تلك البدن المائة ثلاثا وستين ونحر علي بقيتها إلا سفيان بن عيينة فإنه روى هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال ونحر رسول الله ستا وستين بدنه ونحر علي أربعا وثلاثين

وأما رواية علي بن أبي طالب في ذلك فحدثناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر التمار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هارون بن عبد الله قال حدثنا محمد ويعلى ابنا عبيد قالا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال لما نحر رسول الله بدنه فنحر ثلاثين بدنه بيده أمرني فنحرت سائرها

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عبد الكريم الجزري قال سمعت مجاهدا يقول سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول "أمرني رسول الله أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلالها وجلودها وأن لا أعطى الجازر منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا" قال سفيان وحدثنا به ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي وحديث عبد الكريم أتم.

قال أبو عمر : في حديث هذا الباب إن رسول الله أكل من هديه الذي ساقه في حجته وهديه ذلك كان تطوعا عند كل من جعله مفردا وأجمع العلماء على جواز الأكل من التطوع إذا بلغ محله لقول الله عز وجل {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} واختلفوا في جواز الأكل مما عدا هدي التطوع فقال مالك يؤكل من كل هدي سيق في الإحرام إلا جزاء الصيد فدية الأذى وما نذر للمساكين والأصل في ذلك عند مالك وأصحابه إن كل ما دخله الإطعام من الهدي والنسك لمن لم يجده فسبيله سبيل ما جعل للمساكين ولا يجوز الأكل منه وما سوى ذلك يوكل منه لأن الله قد أطلق الأكل من البدن وهي من شعائر الله فلا يجب أن يمتنع من أكل شيء منها إلا بدليل لا معارض له أو بإجماع وقد أجمعوا على إباحة الأكل من هدي التطوع إذا بلغ محله ولم يجعلوه رجوعا فيه فكذلك كل هدي إلا ما اجتمع عليه وقال أبو حنيفة يأكل من هدي المتعة وهدي التطوع إذا بلغ محله لا غير وقال الشافعي لا يأكل من شيء من الهدي الواجب وقال في معنى قول الله عز وجل {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} إن ذلك في هدي التطوع لا في الواجب بدليل الإجماع على أنه لا يوكل من جزاء الصيد وفدية الأذى فكانت العلة في ذلك أنه دم واجب في الإحرام من أجل ما أتاه المحرم فكل هدي وجب على المحرم بسبب فعل أتاه فهو بمنزلته والواجبات لا يجوز الرجوع في شيء منها كالزكاة وبالله التوفيق.

حديث سادس لجعفر بن محمد منقطع عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت من رسول الله يقول "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" هذا حديث منقطع لأن محمد بن علي لم يلق عمر ولا عبد الرحمن بن عوف رواه أبو علي الحنفي عن مالك فقال فيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وهو مع هذا أيضا منقطع لأن علي بن حسين لم يلق عمر ولا عبد الرحمن بن عوف أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه حدثه قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا أبو بكر بن أبي الحجيم قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال حدثنا مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال عمر ما أدري ما أصنع بالمجوس فقال له عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله "يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب"

وأخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا مالك بن أنس حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب قال "ما أدري ما أصنع بالمجوس أهل الذمة فقال عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله يقول "سنتهم سنة أهل الكتاب" قال مالك في الجزية قال أبو الحسن على بن عمر لم يقل في هذا الإسناد عن جده ممن حدث به عن أبي على الحنفي وكان ثقة وهو في الموطأ جعفر عن أبيه أن عمر.

قال أبو عمر : وهو مع هذا كله منقطع ولكن معناه متصل من وجوه حسان وفيه أن العالم الحبر قد يخفى عليه ما يوجد عند من هو دونه في العلم وهذا موجود كثيرا في علم الخبر الذي لا يدرك إلا بالتوقيف والسمع فإذا كان عمر رضي الله عنه لا يبلغه من ذلك ما سمع غيره منه مع موضعه وجلالته فغيره ممن ليس مثله أحرى إلا ينكر على نفسه ذلك ولا ينكر عليه وفيه إن العالم إذا جهل شيئا أو أشكل عليه لزمه السؤال والاعتراف بالتقصير والبحث حتى يقف على حقيقة من أمره فيما أشكل عليه .

وفيه إيجاب العمل بخبر الواحد العدل وإنه حجة يلزم العمل بها والانقياد إليها ألا ترى أن عمر رضي الله عنه قد أشكل عليه أمر المجوس فلما حدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي عليه السلام لم يحتج إلى غير ذلك وقضى به.

وأما قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب فهو من الكلام الذي خرج مخرج العموم والمراد منه الخصوص لأنه إنما أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب في الجزية وعليها خرج الجواب وإليها أشير بذلك ألا ترى أن علماء المسلمين مجتمعون على أن لا يسن بالمجوس سنة أهل الكتاب في نكاح نسائهم ولا في ذبائحهم إلا شيء روي عن سعيد بن المسيب أنه لم ير بذبح المجوسي لشاة المسلم إذا أمره المسلم بذبحها بأسا وقد روي عنه أنه لا يجوز ذلك على ما عليه الجماعة والخبر الأول عنه هو خبر شاذ وقد اجتمع الفقهاء على خلافه وليست الجزية من الذبائح في شيء لأن أخذ الجزية منهم صغار وذلة لكفرهم

وقد ساووا أهل الكتاب في الكفر بل هم أشد كفرا فوجب أن يجروا مجراهم في الذل والصغار وأخذ الجزية منهم لأن الجزية لم تؤخذ من الكتابيين رفقا بهم وإنما أخذت منهم تقوية للمسلمين وذلا للكافرين فلذلك لم يفترق حال الكتابي وغيره عند مالك وأصحابه الذين ذهبوا هذا المذهب في أخذ الجزية من جميعهم للعلة التي ذكرنا وليس نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم من هذا الباب لأن ذلك مكرمة بالكتابيين لموضع كتابهم واتباعهم الرسل فلم يجز أن يلحق بهم من لا كتاب له في هذه المكرمة هذه جملة اعتل بها أصحاب مالك ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الجزية تؤخذ من المجوس لأن رسول الله أخذ الجزية من مجوس أهل البحرين ومن مجوس هجر وفعله بعد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي روى الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله أخذ الجزية من مجوس هجر وإن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس السواد وإن عثمان بن عفان أخذها من البربر هكذا رواه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب وأما مالك ومعمر فإنهما جعلاه عن ابن شهاب ولم يذكرا سعيدا ورواه ابن مهدي عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد وقد ذكرناه في باب مراسل ابن شهاب واختلف الفقهاء في مشركي العرب ومن لا كتاب له هل تؤخذ منهم الجزية أم لا فقال مالك تقبل الجزية من جميع الكفار عربا كانوا أو عجما لقول الله عز وجل {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ}

قال وتقبل من المجوس بالسنة وعلى هذا مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور واحمد وداود وقال أبو ثور الجزيه لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب ومن المجوس وكذلك قال أحمد بن حنبل وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه إن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وتقبل الجزية من الكتابيين من العرب ومن سائر كفار العجم وقال الأوزاعي ومالك وسعيد بن عبد العزيز إن الفرازنة ومن لا دين له من أجناس الترك والهند وعبدة النيران والأوثان وكل جاحد ومكذب بربوبية الله يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وإن بذلوا الجزية قبلت منهم وكانوا كالمجوس في تحريم مناكحهم وذبائحهم وسائر أمورهم وقال أبو عبيد كل عجمي تقبل منه الجزية إن بذلها ولا تقبل من العرب إلا من كتابي وحجة الشافعي ومن يذهب مذهبه ظاهر قول الله عز وجل {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} لأن قوله من الذين أوتوا الكتاب يقتضي أن يقتصر عليهم بأخذ الجزية دون غيرهم لأنهم خصوا بالذكر فتوجه الحكم إليهم دون من سواهم لقول الله عز وجل {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ولم يقل حتى يعطوا الجزية كما قال في أهل الكتاب ومن أوجب الجزية على غيرهم قال هم في معناهم واستدل بأخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب.

قال أبو عمر : في قول رسول الله في المجوس "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" يعيني في الجزية دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب وعلى ذلك جمهور الفقهاء وقد روى عن الشافعي أنهم كانوا أهل كتاب فبدلوه وأظنه ذهب في ذلك إلى شيء روى عن علي بن أبي طالب من وجه فيه ضعف يدور على أبي سعد البقال ذكر عبد الرزاق وغيره عن سفيان بن عيينة وهذا لفظ حديث عبد الرزاق قال أخبرنا ابن عيينة عن شيخ منهم يقال له أبو سعد عن رجل شهد ذلك أحسبه نصر بن عاصم أن المستورد بن غفلة كان في مجلس وفروة بن نوفل الأشجعي فقال رجل ليس على المجوس جزية فقال المستورد أنت تقول هذا وقد أخذ رسول الله من مجوس هجر الجزية والله لما أخفيت أخبث مما أظهرت فذهب به حتى دخلا على علي رضي الله عنه وهو في قصره جالس في قبة فقال يا أمير المؤمنين زعم هذا أنه ليس على المجوس جزية وقد علمت أن رسول الله أخذها من مجوس هجر فقال علي أجلسا فوالله ما على الأرض اليوم أحد أعلم بذلك مني كان المجوس أهل كتاب يقرؤونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فرآه نفر من المسلمين فلما أصبح قالت أخته إنك قد صنعت بها كذا وكذا وقد رآك نفر لا يسترون عليك فدعا أهل الطمع فأعطاهم ثم قال لهم قد علمتم إن آدم أنكح بنيه بناته

فجاء أولئك الذين رأوه فقالوا ويلا للأبعد إن في ظهرك حدا فقتلهم وهم الذين كانوا عنده ثم جاءت امرأة فقالت بلى قد رأيتك فقال لها ويحا لبغي بني فلان فقالت أجل والله لقد كنت بغيا ثم تبت فقتلها ثم أسرى على ما في قلوبهم وعلى كتابهم فلم يصبح عندهم شيء منه فإلى هذا ذهب من قال إن المجوس كانوا أهل كتاب وأكثر أهل العلم يأبون ذلك ولا يصححون هذا الأثر والحجة لهم قول الله تبارك وتعالى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} يعني اليهود والنصارى وقوله {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} وقال {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ} فدل على أن أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل اليهود والنصارى لا غير والله أعلم وأما قول رسول الله "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فقد احتج من قال أنهم كانوا أهل كتاب بأنه يحتمل أن يكون رسول الله أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب الذين يعلم كتابهم علم ظهور واستفاضة وأما المجوس فعلم كتابهم على خصوص والآية محتملة للتأويل عندهم أيضا وأي الأمرين كان فلا خلاف بين العلماء إن المجوس تؤخذ منهم الجزية وإن رسول الله أخذها منهم فأغنى عن الإكثار في هذا

وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء المجوس أهل كتاب قال لا وأما الآثار المتصلة الثابتة في معنى حديث مالك في أخذ رسول الله الجزية من المجوس فأحسنها إسنادا ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرني أبي عن موسى بن عقبة قال قال ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان قد شهد بدرا مع رسول الله أخبره أن رسول الله بعث أبا عبيدة ابن الجراح يأتي بجزيتها يعني البحرين وكان رسول الله هو صالح أهل البحرين فأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بالمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله فلما صلى انصرف فعرضوا له فتبسم حين رآهم وقال "أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء قالوا أجل فقال فأبشروا وأملوا فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكم أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم"

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال حدثني ابن شهاب قال حدثني عروة عن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان قد شهد بدرا مع رسول الله أخبره "أن رسول الله صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي"

وذكر الحديث نحوه وفي آخره فتنافسوا فيها كما تنافسوا فتهلككم كما أهلكتهم فإن قيل أن البحرين لعلهم لم يكونوا مجوسا قيل له روى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد "أن النبي عليه السلام كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم منهم قبل ومن أبى وجبت عليه الجزية ولا توكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة" وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة أما بعد فسل الحسن يعني البصري ما منع من قبلنا من الأئمة أن يحولوا بين المجوس وبين ما يجمعون من النساء اللاتي لا يجمعهن أحد غيرهم فسأله فأخبروه أن النبي قبل من مجوس البحرين الجزية وأقرهم على مجوسيتهم وأمر رسول الله يومئذ على البحرين العلاء بن الحضرمي وفعله بعده أبو بكر وعمر وعثمان ذكره الطحاوي قال حدثنا بكار بن قتيبة قال حدثنا عبد الله بن حمران قال حدثنا عوف قال كتب عمر بن عبد العزيز وذكر مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال بلغني "أن رسول الله أخذ الجزية من مجوس البحرين"

وإن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس وإن عثمان أخذها من البربر وذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر قال سمعت الزهري سئل أتؤخذ الجزية ممن ليس من أهل الكتاب قال نعم أخذها رسول الله من أهل البحرين وعمر من أهل السواد وعثمان من بربر قال وأخبرنا معمر عن الزهري "أن النبي عليه السلام صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب وقبل الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا" .

قال أبو عمر : هذا يدل على أن مذهب ابن شهاب أن العرب لا تؤخذ منهم الجزية إلا أن يدينوا بدين أهل الكتاب وما أعلم أحدا روى هذا الخبر المرسل عن ابن شهاب إلا معمرا أعنى قوله صالح رسول الله عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب فاستثنى العرب وإن كانوا عبدة أوثان من بين سائر عبدة الأوثان وبه يقول ابن وهب وذكر ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال أنزلت في كفار العرب {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وأنزلت في أهل الكتاب {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية قال ابن شهاب فكان أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا وكانوا نصارى قال ابن شهاب ثم قبل رسول الله من أهل البحرين الجزية وكانوا مجوسا ثم أدى أهل أيلة وأهل أذرح وأهل اذر عات إلى رسول الله وأقروا له في غزوة تبوك فقال ابن شهاب ثم بعث خالد بن الوليد إلى أهل دومة الجندل وكانوا من عباد الكوفة فأسر رأسهم أكيدر فقاضاه على الجزية قال ابن شهاب فمن أسلم من أولئك كلهم قبل منه الإسلام وأحرز له إسلامه نفسه وماله إلا الأرض لأنها كانت من فيء المسلمين قال ابن وهب وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني ابن المسيب أن رسول الله أخذ الجزية من مجوس هجر وإن عمر ابن الخطاب أخذها من مجوس السواد وإن عثمان أخذها من بربر وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن محمد بن قيس عن الشعبي قال كان أهل السواد ليس لهم عهد فلما أخذ منهم الخراج كان لهم عهد.

قال أبو عمر : أهل العهد وأهل الذمة سواء وهم أهل العنوة يقرون بعد الغلبة عليهم فيما جعله الله للمسلمين وأفاءه عليهم منهم ومن أرضهم فإذا أقروهم كانوا أهل عهد وذمة تضرب على رؤوسهم الجزية ما كانوا كفارا ويضرب على أرضهم الخراج فيئا للمسلمين لأنها مما أفاء الله عليهم ولا يسقط الخراج عن الأرض بإسلام عاملها فهذا حكم أهل الذمة وهم أهل العنوة الذين غلبوا على بلادهم وأقروا فيها وأما أهل الصلح فإنما عليهم ما صولحوا عليه يؤدونه عن أنفسهم وأموالهم وأرضهم وسائر ما يملكونه وليس عليهم غير ما صولحوا عليه إلا أن ينقضوا فإن نقضوا فلا عهد لهم ولا ذمة ويعودون حربا إلا أن يصالحوا بعد

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع بجالة يقول كنت كاتبا لجزي بن معاوية عم الأحنف فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة" قال ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي عليه السلام أخذها من مجوس هجر ورواه أبو معاوية عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن دينار عن بجالة بن عبدة قال كنت كاتبا لجزي بن معاوية على منادر فقدم علينا كتاب عمر إن انظر وخذ من مجوس من قبلك الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني أن رسول الله أخذ من مجوس هجر الجزية

وحدثنا أبو القاسم حدثنا أحمد بن صالح المقرئ قال حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني قال حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال حدثنا الخضر بن محمد بن شجاع قال حدثنا هشيم بن بشير عن عمرو عن بجالة بن عبدة أن عبد الرحمن بن عوف قال إن رسول الله أخذ من مجوس هجر الجزية قال وقال ابن عباس فرأيت منهم رجلا أتى النبي عليه السلام فدخل عليه ومكث عنده ما مكث ثم خرج فقلت ما قضى الله ورسوله قال شر قلت مه قال الإسلام أو القتل قال ابن عباس فأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف وتركوا قولي

قال أبو عمر : كان ابن عباس يذهب إلى أن أموال أهل الذمة لا شيء فيها ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه أن إبراهيم بن سعد سأل ابن عباس وكان عاملا بعدن فقال لابن عباس ما في أموال أهل الذمة قال العفو قال أنهم يأمروننا بكذا وكذا قال فلا تعمل لهم قلت له فما في العنبر قال إن كان فيه شيء فالخمس.

قال أبو عمر : قد روى عنه أن العنبر ليس فيه شيء إنما هو شيء دسره البحر وعلى هذا جمهور العلماء وكان ابن عباس لا يرى في أموال أهل الذمة شيئا تجروا في بلادهم أو في غير بلادهم أو لم يتجروا ولا يرى عليهم غير جزية رؤوسهم وقد أخذ عمر بن الخطاب من أهل الذمة مما كانوا يتجرون به ويختلفون به إلى مكة والمدينة وغيرهما من البلدان ومضى على ذلك الخلفاء وكان عمر ابن عبد العزيز يأمر به عماله وعليه جماعة الفقهاء إلا أنهم اختلفوا في المقدار المأخوذ منهم وكذلك اختلفت الرواية في ذلك عن عمر بن الخطاب رحمه الله فروى مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر وروى مالك أيضا عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال كنت عاملا مع عبد الله بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر ورواه معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر كان يأخذ من أهل الذمة نصف العشر

وكذلك روى أنس بن سيرين عن أنس بن مالك أن عمر كان يأخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي إذا دخل من الشام العشر وبهذا يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي ويعتبرون النصاب في ذلك والحول فيأخذون من الذمي نصف العشر إذا كان معه مائتا درهم ولا يؤخذ منه شيء إلى الحول ومن المسلم زكاة ماله الواجبة ربع العشر هذه رواية الأشجعي عن الثوري كقول أبي حنيفة وروى عنه أبو أسامة أن الذمي يؤخذ منه من كل مائة درهم خمسة دراهم فإن نقصت من المائة فلا شيء عليهم يعتبر النصاب في هذه الرواية كنصاب المسلم قال مالك يؤخذ من الذمي كلما تجر من بلده إلى غير بلده كما لو تجر من الشام إلى العراق أو إلى مصر من قليل ما يتجر به في ذلك وكثيره كلما تجر ولا يراعى في ذلك نصاب ولا حول وأما المقدار المأخوذ فالعشر إلا في الطعام إلى مكة والمدينة فإن فيه نصف العشر على ما فعل عمر ولا يؤخذ منهم إلا مرة واحدة في كل سفرة عند البيع لما جلبوه فإن لم يبيعوا شيئا ودخلوا بمال ناض لم يؤخذ منهم حتى يشتروا فإن اشتروا أخذ منهم فإن باع ما أشترى لم يؤخذ منه شيء ولو أقام سنين وعبيدهم كذلك إن تجروا يؤخذ منهم مثل ما يؤخذ من ساداتهم وقال الشافعي لا يؤخذ من الذمي في السنة إلا مرة واحدة كالجزية ويؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر إتباعا له وهو قول أحمد فإن قال قائل كيف ادعيت الإجماع على انه لا يجوز للمسلمين نكاح المجوسيات

وقد تزوج بعض الصحابة مجوسية قيل له هذا لا يصح ولا يؤخذ من وجه ثابت وإنما الصحيح والله أعلم عن حذيفة أنه تزوج يهودية وعن طلحة بن عبيد الله أنه تزوج يهودية وقد كره ذلك عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما خشية أن يظن الناس ذلك وروينا عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كتب إلى حذيفة بن اليمان وهو بالكوفة وكان نكح امرأة من أهل الكتاب فكتب عمر أن فارقها فإنك بأرض المجوس وإني أخشى أن يقول الجاهل قد تزوج صاحب رسول الله كافرة ويجهل الرخصة التي كانت من الله عز وجل في نساء أهل الكتاب فيتزوجوا نساء المجوس ففارقها حذيفة وإجماع فقهاء الأمصار على أن نكاح المجوسيات والوثنيات وما عدا اليهوديات والنصرانيات من الكافرات لا يحل يغني عن الإكثار في هذا ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسين ابن محمد بن علي قال "كتب رسول الله إلى مجوس هجر يدعوهم إلا الإسلام فمن أسلم قبل منه ومن أبى كتب عليه الجزية" ولا توكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة

واختلف العلماء في مقدار الجزية فقال عطاء بن أبي رباح لا توقيت في ذلك وإنما هو على ما صولحوا عليه وكذلك قال يحيى بن آدم وأبو عبيد والطبري إلا أن الطبري قال أقله دينار وأكثره لا حد له إلا الإجحاف والاحتمال قالوا الجزية على قدر الاحتمال بغير توقيت يجتهد في ذلك الإمام ولا يكلفهم ما لا يطيقون إنما يكلفهم من ذلك ما يستطيعون ويخف عليهم هذا معنى قولهم وأظن من ذهب إلى هذا القول يحتج بحديث عمرو بن عوف الذي قدمنا ذكره في هذا الباب إن رسول الله صالح أهل البحرين على الجزية وبما ذكره محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن أنس أن النبي بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذه وأتى به فحقن له دمه وصالحه على الجزية وبحديث السدي عن ابن عباس في مصالحة رسول الله أهل نجران ولما رواه معمر عن ابن شهاب أن النبي عليه السلام صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا ما كان من العرب ولا نعلم أحدا روى هذا الخبر بهذا اللفظ عن ابن شهاب إلا معمرا وقال الشافعي المقدار في الجزية دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء وحجته في ذلك أن رسول الله بعث معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا في الجزية وهو المبين عن الله عز وجل مراده

وبهذا قال أبو ثور قال الشافعي وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز وإن زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم وإن صولحوا على ضيافة ثلاثة أيام جاز إذا كانت الضيافة معلومة في الخبز والشعير والتبن والإدام وذكر على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر موضع النزول والكن من البر والبحر ولا يقبل من غني ولا فقير أقل من دينار لانا لم نعلم أن النبي عليه السلام صالح أحدا على أقل من دينار وقال في موضع آخر أخذ عمر الجزية من أهل الشام إنما كان على وجه الصلح فلذلك اختلفت ضرائبه ولا بأس بما صولح عليه أهل الذمة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ أن رسول الله لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم يعني محتلما دينارا أو عدله من المعافر ثياب تكون باليمن هكذا قال أبو معاوية في هذا الحديث عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ وإنما هو عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال "بعث رسول الله معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم في كل عام دينارا أو عدله معافر ومن البقر من كل ثلاثين بقرة تبيعا ومن كل أربعين مسنة" وهكذا رواه شعبة وجماعة عن الأعمش كما رواه أبو عوانة بإسناده هذا وهو حديث صحيح وكذلك رواه عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ وقال مالك أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق للغني والفقير سواء لا يزاد ولا ينقص على ما فرض عمر لا يؤخذ منهم غيره وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحمد بن حنبل اثنا عشر وأربعة وعشرون وثمانية وأربعون وقال الثوري جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك ضرائب مختلفة فللوالي أن يأخذ بأيها شاء إذا كانوا ذمة وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه لا غير.

قال أبو عمر : روى مالك عن نافع عن أسلم أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعون درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال ذكرت عن عمر ضرائب مختلفة على أهل الذمة الذين أخذوا عنوة قال الثوري وذلك إلى الوالي يزيد عليهم بقدر يسرهم ويضع عنهم بقدر حاجتهم وليس لذلك وقت ولكن ينظر في ذلك الوالي على قدر ما يطيقون فأما ما لم يؤخذ عنوة حتى صولحوا صلحا فلا يزاد عليهم شيء على ما صولحوا عليه والجزية على ما صولحوا عليه من قليل أو كثير في أرضهم وأعناقهم وليس في أموالهم زكاة

وأجمع العلماء على أن لا زكاة على أهل الكتاب ولا المجوس في شيء من مواشيهم ولا زرعهم ولا ثمارهم إلا أن من العلماء من رأى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية وهو فعل عمر بن الخطاب فيما رواه أهل الكوفة وممن ذهب إلى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد بن حنبل قالوا يؤخذ منهم من كل ما يؤخذ من المسلم مثلا ما يؤخذ من المسلم حتى في الركاز يؤخذ منهم خمسان وما يؤخذ من المسلم فيه العشر أخذ منهم عشران وما أخذ من المسلم فيه ربع العشر أخذ منهم نصف العشر ويجرى ذلك على أموالهم ونسائهم ورجالهم بخلاف الجزية وقال زفر لا شيء على نساء بني تغلب في أموالهم وليس عن مالك في هذا شيء منصوص ومذهبه عند أصحابه أن بني تغلب وغيرهم سواء في أخذ الجزية منهم وقد جاء عن عمر أنه إنما فعل ذلك بهم على أن لا ينصروا أولادهم وقد فعلوا ذلك فلا عهد لهم كذلك قال داود بن كردوس وهو راوية حديث عمر في بني تغلب.

قال أبو عمر : قد عم الله أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فلا وجه لإخراج بني تغلب عنهم وأجمع العلماء على أن الجزية إنما تضرب على البالغين من الرجال دون النساء والصبيان وأجمعوا أن الذمي إذا أسلم فلا جزية عليه فيما يستقبل واختلفوا فيه إذا أسلم في بعض الحلول أو مات قبل أن يتم حوله فقال مالك إذا أسلم الذمي سقط عنه كل ما لزمه من الجزية لما مضى وسواء اجتمع عليه حول أو أحوال وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وعبيد الله بن الحسين وقال أبو حنيفة إذا انقضت السنة ولم يؤخذ منه شيء ودخلت سنة أخرى لم يؤخذ منه شيء لما مضى وقال أبو يوسف ومحمد يؤخذ منه وقال الشافعي وابن شبرمة إذا أسلم في بعض السنة أخذ منه بحساب قال الشافعي فإن أفلس فالإمام غريم من الغرماء وقول أحمد بن حنبل في المسألة كقول مالك وهو الصواب إن شاء الله والحمد لله.

حديث سابع لجعفر بن محمد مرسل عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه "إن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" وهذا الحديث في الموطأ عن مالك مرسل عند جماعة رواته وقد روى عنه مسندا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله القاضي حدثنا حامد بن محمد بن هارون الحضرمي حدثنا الحسين بن منصور الدباغ حدثنا عثمان بن خالد المدني العثماني حدثنا مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "إن رسول الله قصي بشاهد ويمين" هكذا حدث به عثمان بن خالد المدني عن مالك بإسناده هذا مسندا والصحيح فيه عن مالك انه مرسل في روايته وقد تابع عثمان بن خالد العثماني على روايته هذه في هذا الحديث عن مالك إسماعيل بن موسى الكوفي فرواه أيضا عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ورواه محمد بن عبد الرحمن بن رداد ومسكين ابن بكير كلاهما عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على أن النبي عليه السلام قضى باليمين مع الشاهد والصحيح عن مالك ما في الموطأ

وروى أبو حذافة عن مالك في هذا الباب حديثا منكرا عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام حدثناه خلف ابن القاسم حدثنا الحسن بن علي المطرز حدثنا أحمد بن الحسن ابن هارون حدثنا أبو حذافة مالك عن نافع عن ابن عمر "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد" وقد أسنده عن جعفر بن محمد جماعة حفاظ وزيادة الحافظ مقبولة فممن أسنده عبيد الله بن عمر وعبد الوهاب الثقفي ومحمد بن عبد الرحمن بن رداد المدني ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حية ورواه ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا كما رواه مالك وكذلك رواه الحكم بن عتيبة وعمرو بن دينار جميعا عن محمد ابن علي مرسلا فأما حديث عبيد الله بن عمر فحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ البغدادي قال حدثنا أبو الحسن علي ابن الحسن القافلاني قال حدثنا أبو همام عبد الله بن عبد السلام قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله "إن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد"

ورواه محمد بن عيسى ابن سميع عن عبيد الله بن عمر مثله سواء وأما حديث الثقفي فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو جعفر محمد بن داود بن سليمان ألمنقري قال حدثنا مسدد وعبد الله بن عبد الوهاب ألحجبي ومحمد بن المثنى أبو موسى قالوا حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله " قضى باليمين مع الشاهد" وحدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد ابن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرقى قال حدثنا أحمد بن عمرو البصري البزار قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد"

وحدثني أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" وكذلك رواه جماعة عن الشافعي منهم أحمد بن عمرو بن السرج والحسن بن محمد الزعفراني والربيع بن سليمان المرادي وأما حديث يحيى بن سليم فحدثني به أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد البغدادي بمصر قال حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف قال حدثنا يحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد"

وروى هذا الحديث عن يحيى بن سليم أيضا عبد الوهاب الوراق فاخطأ فيه جعله عن يحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عن النبي وإنما شبه عليه لأن في الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال وقضى بها على بين أظهركم يا أهل الكوفة وأما حديث ابن رداد فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد ابن أيوب بن حبيب قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال حدثنا بشر بن معاذ العقدي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن رداد قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن النبي عليه السلام قضى باليمين مع الشاهد" هكذا ذكره البزار وذكره الدار قطني على وجهين فقال حدثنا أحمد ابن المطلب حدثنا القاسم بن زكريا المقرئ حدثنا بشر ابن معاذ حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن رداد قال أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد" هكذا قال عن أبيه عن جده عن علي وجعله له عن جعفر قال وحدثنا أحمد بن المطلب أيضا قال حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا بشر بن معاذ حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن مالك عن جعفر بن محمد مثله فجعله لابن رداد عن مالك بإسناد واحد وفي ذلك ما لا يخفى

وأما حديث إبراهيم بن أبي حية فحدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أحمد البغدادي بمصر قال حدثنا داود بن حماد البلخي قال حدثنا إبراهيم بن أبي حية عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال "جاء جبريل إلى النبي فأمره أن يقضي باليمين مع الشاهد" فهذا ما في حديث جعفر بن محمد وإرساله أشهر وفي اليمين مع الشاهد آثار متواترة حسان ثابتة متصلة أصحها إسنادا وأحسنها حديث ابن عباس وهو حديث لا مطعن لأحد في إسناده ولا خلاف بين أهل المعرفة بالحديث في أن رجاله ثقات رواه سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ورواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمر بن دينار عن ابن عباس وقال يحيى القطان سيف ابن سليمان ثبت ما رأيت أحفظ منه وقال النسائي هذا إسناد جيد سيف ثقة وقيس ثقة

حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني سيف بن سليمان المكي قال أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد"

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن داود بن سليمان ألمنقري قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا زيد بن الحباب عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس "إن النبي قضى باليمين مع الشاهد" وحدثني أحمد بن محمد قال حدثنا محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال حدثنا الحسن بن شاذان قال حدثنا بن الحباب قال حدثنا سيف ابن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد"

وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي وحدثنا عبد الوارث ابن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا عبد الرحمن بن يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد قالا حدثنا عبد الله بن الحرث قال حدثنا سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد الواحد" قال عمرو في الأموال خاصة

وأخبرنا محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن شاكر قالا أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرقى قال حدثنا أحمد بن عمر البزار قال حدثنا داود بن سليمان الخراز قال حدثنا عبد الله بن الحرث المخزومي قال حدثنا سيف بن سليمان قال حدثنا قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه قضى باليمين مع الشاهد" قال أحمد بن عمرو وحدثناه عبدة بن عبد الله ورزق الله بن موسى قالا حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو ابن ابن دينار عن ابن عباس عن النبي "أنه قضى باليمين مع الشاهد" قال أحمد بن عمرو بن دينار في الأموال خاصة.

قال أبو عمر : خرج مسلم حديث ابن عباس هذا قال أبو بكر البزار سيف بن سليمان وقيس بن سعد ثقتان ومن بعدهما يستغنى عن ذكرهما لشهرتهما في الثقة والعدالة وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد وأخبرنا عبد الله بن محمد ابن أسد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قالا حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي "أنه قضى باليمين مع الشاهد" ورواه أبو هريرة عن النبي حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي بمكة قال حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة قال حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي قال حدثنا الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد" قال الدراوردي ثم أتيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فقال حدثني ربيعة عني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه ثم ذكره.

قال أبو عمر : نسى سهيل حديثه هذا ثم حمله الورع على أن يحدث به عن ربيعة عن نفسه ولم يمل إلى أذكار ربيعة إياه بذلك فكان يقول حدثني ربيعة إني حدثته عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام بهذا الحديث ولم يقل هذا عن سهيل أحد إلا الدراوردي في رواية بعض الرواة عنه فيما علمت وقد رواه جماعة حفاظ عن ربيعة لم يقولوا فيه ما قاله الدراوردي على أنه قد رواه جماعة عن الدراروردي فلم يذكروا ذلك وقد عرض ذلك لجماعة من العلماء نسوا ما حدثوا به ثم رووه عمن رواه عنهم عن أنفسهم ولو تقصينا ذلك وذكرناه خرجنا عن حد ما قصدنا له فمن ذلك ما حدثنا به عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا معمر قال حدثني أبي قال حدثتني أنت عن الحسن قال ويح كلمة رحمة قال وحدثنا يحيى بن معين قال حدثنا معتمر قال حدثني أبي قال حدثتني أنت يعني معتمرا عن عبيد الله بن عمر قال إنما كسر عمر النبيذ من شدة حلاوته قال قال معتمر فأما أنا فلا أحفظه وحفظه أبي عنى أخبرنا أحمد ابن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى بن مجاهد المقرئ قال حدثنا عباس بن محمد الدوري قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال قال لي أبي أنت حدثتني عني عن فلان أنه قال "ويح باب رحمة" .

قال أبو عمر : فهذا سليمان التيمي قد عرض له كالذي عرض لسهيل إن صح ما ذكر الدراوردي ونسيان سهيل وغيره له لا يقدح في شيء منها لأن العدل إذا روى خبرا عن عدل مثله حتى يتصل لم يضر الحديث أن ينساه احدهم لأن الحجة حفظ من حفظ وليس النسيان بحجة أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن علي قال حدثنا أبو الحسين محمد بن العباس الحلبي قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الطائي قال حدثنا محمد بن عوف الطائي قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا الدراوردي عن ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد" وحدثنا أبو العباس أحمد بن قاسم المقرئ قال حدثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المقرئ الكندي ببغداد

قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد" وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن داود بن سليمان قال حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال حدثنا أنس بن عياض أبو ضمرة عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا سحنون بن سعيد قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا سليمان بن بلال عن ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد"

وأخبرنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديلي قال حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن داود قال حدثنا أحمد بن عيسى قال حدثنا عبد الله بن وهب قالا جميعا أخبرنا سليما بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة "إن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد"

وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي الحلبي بدمشق قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عيسى الزهري قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن ربيعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد" الواحد ورواه زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت وهو خطأ والصواب عن أبيه عن أبي هريرة أخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة بن عبد الله الحسيني قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة بن جعفر الطحاوي قال حدثنا بحر بن نصر قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا عثمان بن الحكم عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت عن النبي "أنه قضى باليمين مع الشاهد" قال الطحاوي سألني عنه النسائي وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن داود قال حدثنا أحمد بن عيسى وبحر بن نصر قالا حدثنا عبد الله بن وهب عن عثمان بن الحكم المدني عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" .

قال أبو عمر : زهير بن محمد عندهم سيء الحفظ كثير الغلط لا يحتج به وعثمان بن الحكم ليس بالقوى والصواب في حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وبالله التوفيق وقد رواه حماد بن سلمة عن سهيل وهو غريب من حديث حماد أخبرنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا أخبرنا الحسن بن رشيق قال حدثنا محمد بن القاسم ابن محمد بن عبد الرزاق الجمحي بمكة قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بزة المؤذن قال حدثنا المؤمل بن إسماعيل

قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : "قضى رسول الله باليمين مع الشاهد" .

قال أبو عمر : لا أعلمه روي عن حماد بن سلمة بغير هذا الإسناد وهو غير محفوظ من حديث حماد بن سلمة والله أعلم وقد روي عن أبي هريرة من غير حديث سهيل.

أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال أخبرنا أبو الحسن محمد بن العباس الحلبي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الطائي بحمص قال حدثنا محمد بن عوف الطائي قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله عليه قضى باليمين مع الشاهد" قال ابن المبارك وحدثنا الدراوردي عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز وشريحا قضيا باليمين مع الشاهد

قال أبو عمر : المغيرة بن عبد الرحمن انفرد برواية هذا الحديث عن أبي الزناد بإسناده المذكور ولم يتابع عليه أخبرني أبو عمر احمد بن محمد بن أحمد بن سعيد قال حدثنا أبو بكر محمد بن معاوية القرشي قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد البغدادي بمصر قال حدثنا الحسن بن عرفة أبو على قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري أبو محمد المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد" ورواه عمارة بن حزم عن النبي

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى ابن أبي مسرة قال أخبرنا مروان بن سالم اليزيدي قال أخبرنا معن بن عيسى القزاز قال أخبرنا عبد العزيز بن المطلب عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عن شرحبيل بن معين بن سعد بن عبادة قال كتاب وجدته في كتب سعد بن عبادة أن عمارة بن حزم شهد "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" ورواه سعد بن عبادة عن النبي أخبرنا أبو القاسم يعيش بن سعيد بن محمد وأبو القاسم عبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن داود المنقري قال حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال حدثنا إبراهيم بن محمد المدني قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أبي قال حدثنا عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد"

وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القعنبي قال حدثنا سليمان بن بلال عن ربيعة عن إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه أنهم وجدوا في كتب سعد بن عبادة "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد الواحد" وحدثنا خلف قال حدثنا عبد الله قال حدثنا احمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أبي عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد الواحد في الحقوق"

أخبرنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال حدثنا البغوي قال حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا عبد العزيز الدراوردي قال حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ابن لسعد بن عبادة قال وجدنا في كتب سعد بن عبادة "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" وذكر ابن وهب في موطأه عن سليمان بن بلال عن ربيعة قال أخبرني إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه أنه وجدوا في كتاب سعد بن عبادة "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد الواحد"

قال ابن وهب وحدثني ابن لهيعة ونافع بن يزيد عن عمارة بن غزية عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة أنه وجد في كتب آبائه هذا ما رفع أو ذكر عمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة قالا "بينما نحن عند رسول الله دخل رجلان يختصمان مع أحدهما شاهد له على حقه فجعل رسول الله يمين صاحب الحق مع شاهده فاقتطع بذلك حقه" ورواه عبد الله بن عمرو بن العاصي عن النبي

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن سليمان بن داود قال حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد الرقي قال حدثني مطرف بن مازن عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد"

أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد البغدادي قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو جعفر النفيلي قال حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد"

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن علي الأشناني قال حدثنا أبو جعفر النفيلي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" ورواه سرق رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه السلام

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن سليمان بن داود المنقري قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية بن أسماء عن يزيد بن عبد الله عن رجل من أهل مصر أحسبه ابن البيلماني عن سرق "أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد" الواحد

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا يحيى بن حماد قال جويرية بن أسماء وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال أخبرنا إبراهيم بن بكر بن عمران قال حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الحافظ الموصلي قال حدثنا أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجرادي والحسن بن محمد بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن زياد الشعراني وأبو عروبة الحراني قالوا حدثنا يحيى بن حكيم المقوم قال حدثنا أبو قتيبة مسلم بن قتيبة قال حدثنا جويرية بن أسماء عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل عن سرق "أن النبي قضى بشهادة رجل مع يمين الطالب"

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن غالب التمتام قال حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا جويرية بن أسماء عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من المصريين عن رجل كان بين أظهرهم من أصحاب النبي عليه السلام يقال له سرق "أن النبي قضى بيمين وشاهد" وأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال حدثنا الحسن بن شاذان الواسطي قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا جويرية بن أسماء عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سرق مولى النبي "أن النبي قضى باليمين مع الشاهد" وقال مرة أخرى قضى بشهادة رجل ويمين الطالب".

قال أبو عمر : أصح إسناد لهذا الحديث إسناد حديث ابن عباس وأما حديث أبي هريرة وحديث جعفر بن محمد وغيرها فحسان وإنما ذكرنا في هذا الباب الآثار المرفوعة لا غير ولو ذكرنا الأسانيد عمن قضى بذلك من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين لطال ذلك وممن روى عنه القضاء باليمين مع الشاهد منصوصا من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وعبد الله بن عمر وإن كان في الأسانيد عنهم ضعف فإنا لم نذكرهم على سبيل الحجة لأن الحجة قد لزمت بالسنة الثابتة ولا تحتاج السنة إلى من يتابعها لأن من خالفها محجوج بها ولم يأت عن أحد من الصحابة أنه أنكر اليمين مع الشاهد بل جاء عنهم القول به وعلى القول به جمهور التابعين بالمدينة سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وعروة وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وعلي بن حسين وأبو جعفر محمد بن علي وأبو الزناد وعمر بن عبد العزيز ولم يختلف عن واحد من هؤلاء في ذلك إلا عروة فإنه اختلف فيه عنه وكذلك اختلف فيه عن ابن شهاب فقال معمر سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد فقال هذا شيء أحدثه الناس لا بد من شهيدين وقد روي عنه أنه أول ما ولى القضاء حكم بشاهد ويمين

وبه قال مالك وأصحابه والشافعي وأتباعه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبو عبيد وأبو ثور وداود بن علي وجماعة أهل الأثر هو الذي لا يجوز عندي خلافه لتواتر الآثار به عن النبي وعمل أهل المدينة به قرنا بعد قرن وقال مالك رحمه الله يقضي باليمين مع الشاهد في كل البلدان ولم يحتج في موطأه لمسألة غيرها ولم يختلف عنه في القضاء باليمين مع الشاهد ولا عن أحد من أصحابه بالمدينة ومصر وغيرها ولا يعرف المالكيون في كل بلد غير ذلك من مذهبهم إلا عندنا بالأندلس فإن يحيى بن يحيى تركه وزعم أنه لم ير الليث بن سعد يفتى به ولا يذهب إليه وخالف يحيى مالكا في ذلك مع خلافه السنة والعمل بدار الهجرة وقد كان مالك يقول لا يقضى بالعهدة في الرقيق إلا بالمدينة خاصة أو على من اشترطت عليه ويقضي باليمين مع الشاهد الواحد في كل بلد وقد أفرد الشافعي رحمه الله لذلك كتابا بين فيه الحجة على من رده وأكثر من ذلك أصحابه وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد وهو قول عطاء والحكم بن عتيبة وطائفة وزعم عطاء أن أول من قضى به عبد الملك بن مروان وهذا غلط وظن لا يغنى من الحق شيئا وليس من نفى وجهل كمن اثبت وعلم وقد ذكرنا من سمينا من الصحابة والتابعين وليس فيهم من يدع علمه لعبد الملك بن مروان وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده لنبي صهيب يعني مع إيمانهم وزعم بعض من رد اليمين مع الشاهد أن الحديث المروي فيه منسوخ بقول الله عز وجل {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} قالوا ولم يقل فإن لم يكن رجل وامرأتان فشهادة ويمين ومن حجتهم أيضا أن اليمين إنما جعلت للنفي لا للإثبات وجعلها النبي على المدعى عليه فلا سبيل للمدعي إليها.

قال أبو عمر : وفي هذا إغفال شديد وذهاب عن طريق النظر والعلم وما في قول عز وجل {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} ما يرد به قضاء رسول الله في اليمين مع الشاهد وإنما في هذا أن الحقوق يتوصل إلى أخذها بذلك وليس في الآية أنه لا يتوصل إليها ولا تستحق إلا بما ذكر فيها لاغير واليمين مع الشاهد زيادة حكم على لسان رسول الله كنهيه عن نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قول الله {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وكنهيه عن أكل لحوم الحمر وكل ذي ناب من السباع مع قول الله عز وجل {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية وكالمسح على الخفين والقرآن إنما ورد بغسل الرجلين أو مسحهما ومثل هذا كثير ولو جاز أن يقال أن القرآن نسخ حكم رسول الله باليمين مع الشاهد لجاز أن يقال أن القرآن في قوله عز وجل {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} وفي قوله {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ناسخ لنهيه عن المزابنة وبيع الغرر وبيع ما لم يخلق إلى سائر ما نهى عنه في البيوع ولجاز أن يقال إن قول الله عز وجل {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ناسخ لقول رسول الله "لا صدقة في الخيل والرقيق" وهذا لا يسوغ لأحد لأن السنة مبينة للكتاب زائدة عليه ما أذن الله لرسوله في الحكم به ولو جاز ذلك لارتفع البيان والله عز وجل يقول {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} والله عز وجل يفترض في كتابه وعلى لسان رسوله ما شاء وقد أمر الله بطاعة رسوله أمرا مطلقا وأخبر أنه لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وقال " أوتيت الكتاب ومثله معه" وقال عز وجل {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}

قالوا القرآن والسنة ومن القياس والنظر أنا وجدنا اليمين أقوى من المرأتين لأنهما لا مدخل لهما في اللعان واليمين تدخل في اللعان ولما ثبت أن يحكم بشهادة امرأتين ورجل في الأموال كان كذلك اليمين مع شهادة رجل وفي الأصول أن من قوى سببه حلف واستحق ألا ترى أن الشيء إذا كان في يد أحد حلف صاحب اليد فكذلك الشاهد الواحد وما ذكروا من أن الزيادة من حكم النبي عليه السلام منسوخة بآية الدين ينتقض عليهم بالإقرار والنكول ومعاقر القمط وإنصاب اللبن والجذوع الموضوعة في الحيطان فإنهم قد حكموا بكل ذلك وليس مذكورا في الآية فإذا استجازوا أن يستحسنوا ويزيدوا على النص ذلك كله استحسانا فكيف ينكرون الزيادة عليه بالأخبار الثابتة عن النبي وعن الخلفاء وجمهور العلماء وصحيح الأثر والنظر والأمر في هذا أوضح من أن يحتاج فيه إلى إكثار وفيما ذكرنا منه كفاية لمن فهم وبالله التوفيق.

أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق قال حدثنا علي بن سعيد الرازي قال حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا خالد بن إياس بن معاوية أجاز شهادة عاصم الجحدري وحده يعني مع يمين الطالب وذكر إسماعيل قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد أن شريحا أجاز شهادة رجل واحد مع يمين الطالب قال وحدثنا سليمان حدثنا حماد حدثنا عبد المجيد بن وهب قال شهدت يحيى بن معمر قضى بذلك قال وحدثنا إبراهيم الهروي أخبرنا هشيم أخبرنا حصين عن عبد الله بن عتبة بن مسعود مثله قال وأخبرنا أبو موسى حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا الأشعث عن الحسن مثله فهؤلاء قضاة أهل العراق أيضا يقضون باليمين مع الشاهد في زمن الصحابة وصدر الأمة وحسبك به عملا متوارثا بالمدينة قال إسماعيل بن إسحاق حدثنا إبراهيم الهروي قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا المغيرة عن الشعبي قال أهل المدينة يقولون شهادة الشاهد ويمين الطالب وقال مالك يحلف مع شهادة المرأتين لأنهما بمنزلة الرجل فلما حلف مع الرجل حلف معهما وقال الشافعي لا يمين إلا مع الشاهد الواحد العدل في الأموال خاصة إن شاء الله والله الموفق للصواب.

حديث ثامن لجعفر بن محمد مرسل عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه "أن رسول الله غسل في قميص" هكذا رواه سائر رواة الموطأ مرسلا إلا سعيد بن عفير فإنه جعله عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة فإن صحت روايته فهو متصل والحكم عندي فيه أنه مرسل عند مالك لرواية الجماعة له عن مالك كذلك إلا أنه حديث مشهور عند أهل السير والمغازي وسائر العلماء وقد روى مسندا من حديث عائشة من وجه صحيح والحمد لله ورواه الوحاظي عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي عليه السلام غسل في قميص وكذلك رواه الباغندي عن إسحاق بن عيسى الطباع عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر إلا أنه خولف الباغندي في ذلك عن إسحاق

فأما الموطأ فهو فيه مرسل إلا في رواية سعيد بن عفير فإنه رواه في الموطأ عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة وهو صحيح عن عائشة من رواية غير مالك أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة هكذا قال وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال سمعت عائشة تقول "لما أرادوا غسل رسول الله قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم" وكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرته ما غسله إلا نساؤه

قال أبو عمر : السنة في الحي والميت تحريم النظر إلى عورتهما وحرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا في ذلك ولا يجوز لأحد أن يغسل ميتا إلا وعليه ما يستره فإن غسل في قميصه فحسن وإن ستر وجرد عنه قميصه وسجي بثوب غطى به رأسه وسائر جسمه إلى أطراف قدميه فحسن وإلا فأقل ما يلزم من ستره أن تستر عورته ويستحب العلماء أن يستر وجهه بخرقة وعورته بأخرى لأن الميت ربما تغير وجهه عند الموت لعلة أو دم وأهل الجهل ينكرون ذلك ويتحدثون به وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال "من غسل ميتا ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وروي "الناظر من الرجال إلى فروج الرجال كالناظر منهم إلى فروج النساء والناظر والمنكشف ملعون" وقال ابن سيرين يستر من الميت ما يستر من الحي وقال إبراهيم كانوا يكرهون أن يغسل الميت وما بينه وبين السماء فضاء حتى يكون بينه وبينها ستره.

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا عمر بن محمد الجمحي قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان قال حدثنا محمد بن الفضل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحرث أن عليا غسل رسول الله وعليه قميصه وعلى يد علي خرقة.

قال أبو عمر : هذا مستحسن عند جماعة العلماء أن يأخذ الغاسل خرقة فيلفها على يده إذا أراد غسل فرج الميت لئلا يباشر فرجه بيده بل يدخل يده ملفوفة بالخرقة تحت الثوب الذي يستر عورته قميصا كان أو غيره فيغسل فرجه ويأمر من يوالي بالصب عليه حتى ينفي ما هنالك من قبل ودبر وعلى ما وصفنا من العمل في غسل الميت في باب أيوب وإن لم يلف على يده خرقة ودلكه بالقميص أجزأه إذا أنقى ولا يباشر شيئا من عورته بيده.

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال "التمس علي رضي الله عنه من النبي ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا فقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا" قال وأخبرنا ابن جريح قال سمعت محمد بن علي بن حسين يخبر قال "غسل رسول الله في قميص وغسل ثلاثا كلهن بماء وسدر وولى على سفلته والفضل بن العباس محتضن النبي عليه السلام والعباس يصب الماء وعلي يغسل سفلته والفضل يقول أرحني أرحني قطعت وتيني أني أجد شيئا يتنزل علي" قال "وغسل النبي من بير لسعد بن خيثمة يقال لها العرس بقباء كان رسول الله يشرب منها" .

وروي عن علي رحمه الله أنه قال "لما توفي النبي وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السلام عليكم أهل البيت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} الآية أن في الله خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركا من كل فايت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب.

قال علي رضي الله عنه وتولى غسله العباس وأنا والفضل قال علي فلم أره يعتاد فاه في الموت ما يعتاد أفواه الموتى ثم "لما فرغ علي من غسله وأدرجه في أكفانه كشف الإزار عن وجهه ثم قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والأنبياء خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك وعممت حتى صارت المصيبة فيك سواء ولولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك الشؤن بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من همك ثم نظر إلى قذاة في عينه فلفظها بلسانه ثم رد الإزار على وجهه " وقد قال بعض الناس وقطع أن رسول الله لم ينزع عنه ذلك القميص وأنه كفن فيه مع الثلاثة الأثواب السحولية وهذا ليس بشيء ومعلوم أن الثوب الذي يغسل فيه الميت ليس من ثياب أكفانه وثياب الأكفان غير مبلولة

وقد قالت عائشة كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة تعني ليس في أكفانه قميص ولا عمامة وسيأتي القول في ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله وقد يجوز أن يكون قائل ذلك مال إلى رواية المؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي كفن في قميص وثوبين صحاريين من عمل عمان وهذا خبر غير متصل وحديث عائشة صحيح مسند والحجة به ألزم في العمل وكلاهما لا يقطع العذر وبالله العصمة والتوفيق إلا أن الحديث المسند يوجب العمل وتجب به الحجة عند جميع أهل الحق والسنة فإن احتج محتج بما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن يزيد عن مقسم عن ابن عباس قال كفن رسول الله في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة له نجرانية قيل له هذا الحديث يدور على يزيد بن أبي زياد وليس عندهم ممن يحتج به فيما خولف فيه أو انفرد به ومنهم من لا يحتج به في شيء لضعفه وحديث عائشة حديث ثابت يعارضه ويدفعه وقد روي من حديث مقسم عن ابن عباس أن النبي كفن في ثلاثة أثواب أحدها قميصه الذي غسل فيه

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا إسحاق بن عيسى بن نجيح الطباع وأبو نعيم الفضل بن دكين قال إسحاق حدثنا مالك وقال أبو نعيم حدثنا سفيان جميعا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كفن رسول الله في ثلاثة أثواب سحولية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة وليس في حديث مالك كرسف وذكر عبد الرزاق عن ابن جريح عن صالح مولى التوءمة أنه سمع ابن عباس يقول "غسل النبي في قميص" قال وأخبرنا معمر والثوري عن منصور قال كان على النبي قميص فنودوا ألا تنزعوه

حديث تاسع لجعفر بن محمد مرسل عدل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه "أن رسول الله خطب خطبتين يوم الجمعة وجلس بينهما" هكذا رواه جماعة رواة الموطأ مرسلا وهو يتصل من وجوه ثابتة من غير حديث مالك واختلف الفقهاء في الجلوس بين الخطبتين هل هو فرض أم سنة فقال مالك وأصحابه والعراقيون وسائر فقهاء الأمصار إلا الشافعي الجلوس بين الخطبتين سنة فإن لم يجلس بينهما فلا شيء عليه وقال الشافعي هو فرض وإن لم يجلس بينهما صلى ظهرا أربعا واختلفوا أيضا في الخطبة هل هي من فروض صلاة الجمعة أم لا وقد جاء فيها أيضا عن أصحابنا أقاويل مضطربة والخطبة عندنا في الجمعة فرض وهو مذهب ابن القاسم والحجة في ذلك أنها من بيان رسول الله لمجمل الخطاب في صلاة يوم الجمعة قال الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} فأبان رسول الله صلاة الجمعة بفعله كيف هي وأي وقت هي وبيانه لذلك فرض كسائر بيانه لمجملات الكتاب في الصلوات وركوعها وسجودها وأوقاتها وفي الزكوات ومقاديرها وغير ذلك مما يطول ذكره وقد استدل بعض أصحابنا على وجوب الخطبة بقول الله عز وجل {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} لأنه عاتب بذلك الذين تركوا النبي قائما يخطب يوم الجمعة وانفضوا إلى التجارة التي قدمت العيس بها في تلك الساعة وعابهم لذلك ولا يعاب إلا على ترك الواجب وما قدمناه من قول في وجوبها لازم أيضا قاطع وبالله التوفيق.

وكل ما وقع عليه اسم خطبة من كلام مؤلف يكون فيه ثناء على الله وصلاة على رسول الله وشيء من القرآن يجزئ ولا يجزئ عندي إلا أقل ما يقع عليه اسم خطبة وأما تكبيرة واحدة أو تسبيحة أو تهليلة كما قال أبو حنيفة فلا وقد ذكر ابن عبد الحكم في هذا شيئا لم أر لذكره وجها لما قدمنا ذكره من صحيح القول عندنا وبالله التوفيق.

وأما الأثر المتصل في معنى حديث مالك فأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا محمد بن كثير العبدي قال حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي "كان يجلس بين الخطبتين" قال علي وحدثنا بشر بن المفضل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله كان يخطب بخطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس" وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع عن الثوري عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال "كان النبي يخطب قائما ويجلس بين الخطبتين وكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا وكان يتلو في خطبته آيات القرآن"

باب الحاء حميد الطويل عدل

حميد الطويل أبو عبيدة بصري وهو حميد بن أبي حميد مولى طلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله الخزاعي قيل كان حميد من سبي سجتان وقيل من سبي كابل واختلف في اسم أبيه أبي حميد فقيل طرخان وقيل مهران وقيل حميد الطويل هو حميد بن شرويه قاله أبو نعيم وقال غيره هو حميد بن ثيرويه.

قال أبو عمر : سمع من أنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن وأكثر روايته عن أنس أخذها عن ثابت البناني عن أنس وعن قتادة عن أنس وقد سمع من أنس توفي في جمادى سنة أربعين ومائة وقيل سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة قاله ابن إبراهيم بن حميد وهو ابن خمس وسبعين سنة وكان ثقة روى عنه جماعة من الأئمة وذكر الحلواني قال حدثنا عفان قال حدثنا يزيد بن زريع قال تناول رجل حميدا الطويل عند يونس بن عبيد فقال أكثر الله فينا أمثاله قال عفان كان حميد الطويل فقيها وكان هو والبتي يفتيان فأما البتي فكان يقضي وأما حميد فكان يصلح فقال حميد للبتي إذا جاءك الرجلان فلا تخبرهما بمر الحق ولكن أصلح بينهما أحمل على هذا وأحمل على هذا فقال عثمان البتي أنا لا أحسن سحرك وكان حميد رفيقا وقال الأصمعي رأيت حميدا الطويل ولم يكن بالطويل كان طويل اليدين.

لمالك عنه من مرفوعات الموطأ سبعة أحاديث مسندات وواحد موقوف لم يسنده عن مالك خاصة إلا من لا يوثق بحفظه

حديث أول لمالك عن حميد الطويل مسند صحيح عدل

مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال "سافرنا مع رسول الله في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم" هذا حديث متصل صحيح وبلغني عن ابن وضاح رحمه الله أنه كان يقول إن مالكا لم يتابع عليه في لفظه وزعم أن غيره يرويه عن حميد عن أنس أنه قال كان أصحاب رسول الله يسافرون فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ليس فيه ذكر رسول الله ولا أنه كان يشاهدهم في حالهم هذه وهذا عندي قلة اتساع في علم الأثر وقد تابع على ذلك مالكا جماعة من الحفاظ منهم أبو إسحاق الفزاري وأبو ضمرة أنس بن عياض ومحمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الوهاب الثقفي كلهم رووه عن حميد عن أنس بمعنى حديث مالك "سافرنا مع رسول الله سواء" وروي عن النبي وأصحابه مثل ذلك من وجوه منها حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس هو حديث صحيح ثابت وبالله التوفيق وما أعلم أحدا روى حديث أنس هذا على ما قال ابن وضاح إلا ما رواه محمد بن مسعود عن القطان عن حميد عن أنس قال "كنا نسافر مع أصحاب رسول الله ولا أعلمه قال إلا في رمضان منا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب هذا على هذا" هكذا حدث به ابن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن حميد عن أنس فذكره.

قال أبو عمر : ليس هذا بشيء والذي عليه الرواة ما ذكره مالك وسائر من سميناه من الحفاظ عن حميد عن أنس قال سافرنا مع رسول الله وهو الصواب إن شاء الله وسنذكر الآثار في ذلك بالأسانيد الجياد في آخر هذا الباب بعد الفراغ من القول في معانيه واختلاف العلماء فيه بعون الله إن شاء الله.

وفيه من الفقه وجوه كثيرة منها رد قول من زعم أن الصائم في رمضان في السفر لا يجزئه كما روي عن عمر وأبي هريرة وابن عباس وقال بذلك قوم من أهل الظاهر وروي عن ابن عمر أنه قال من صام في السفر قضى في الحضر وروي عن عبد الرحمن بن عوف أن الصائم في السفر كالمفطر وروي عن ابن عباس أيضا والحسن أنهما قالا أن الفطر في السفر عزمة لا ينبغي تركها وحديث هذا الباب يرد هذه الأقاويل ويبطلها كلها وقد روي عن ابن عباس في هذه المسألة خذ بيسر الله وهذا منه إباحة للصوم والفطر للمسافر خلاف القولين اللذين ذكرناهما عنه وعلى إباحة الصوم والفطر للمسافر جماعة العلماء وأئمة الفقه بجميع الأمصار إلا ما ذكرت لك عمن قدمنا ذكره ولا حجة في أحد مع السنة الثابتة هذا إن ثبت ما ذكرناه عنهم وقد ثبت عن النبي من وجوه أنه صام في السفر وأنه لم يعب على من أفطر ولا على من صام فثبتت حجته ولزم التسليم له وإنما اختلف الفقهاء في الأفضل من الفطر في السفر أو الصوم فيه لمن قدر عليه فروينا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك صاحبي رسول الله أنهما قالا "الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه"

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ونحو ذلك قول مالك والثوري لأنهما قالا الصوم في السفر أحب إلينا لمن قدر عليه فاستدللنا أنهم لم يستحسنوه إلا أنه أفضل عندهم وقال الشافعي ومن اتبعه هو مخير ولم يفضل وكذلك قال ابن علية وقد روي عن الشافعي أن الصوم أحب إليه ولم يختلف عن ابن علية أنه لا يفضل وهو ظاهر حديث أنس هذا وروي عن ابن عمر وابن عباس الرخصة أفضل وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية كل هؤلاء يقولون أن الفطر أفضل لقول الله عز وجل {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وروي عن ابن عباس من وجوه إن شاء صام وإن شاء أفطر وهو الثابت عن النبي من حديث أنس وابن عباس وأبي سعيد وحمزة بن عمرو الأسلمي حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا إسرائيل عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس قال "قد صام رسول الله في السفر فمن شاء صام ومن شاء أفطر" قال علي وكذلك رواه أبو عوانة عن منصور بإسناده حدثناه فضل بن عوف قال حدثنا أبو عوانة عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس عن النبي عليه السلام فذكر الحديث قال ورواه شعبة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس لم يذكر طاووسا حدثنا مسلم قال حدثنا شعبة فذكره.

قال أبو عمر : كان حذيفة رحمه الله وسعيد بن جبير والشعبي وأبو جعفر محمد بن علي لا يصومون في السفر وكان عمرو بن ميمون والأسود بن يزيد وأبو وائل يصومون في السفر وكان ابن عمر يكره الصيام في السفر وعن سعيد بن جبير مثله.

حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا عبد الله بن جعفر الرقى قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن طاووس عن ابن عباس قال إنما أراد الله برخصة الفطر في السفر التيسير عليكم فمن تيسر عليه الصوم فليصم ومن تيسر عليه الفطر فليفطر فإن قال قائل ممن يميل إلى قول أهل الظاهر في هذه المسألة قد روي عن النبي أنه قال "ليس البر أو ليس من البر الصيام في السفر" وما لم يكن من البر فهو من الإثم واستدل بهذا على أن صوم رمضان في السفر لا يجزئ فالجواب عن ذلك أن هذا الحديث خرج لفظه على شخص معين وهو رجل رآه رسول الله وهو صائم قد ظلل عليه وهو يجود بنفسه فقال ذلك القول أي ليس البر أن يبلغ الإنسان بنفسه ذلك المبلغ والله قد رخص له في الفطر.

والدليل على صحة هذا التأويل صوم رسول الله في السفر ولو كان الصوم إثما كان رسول الله أبعد الناس منه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثني عمي إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن سعد بن زرارة قال قال جابر بينا رسول الله عام تبوك ليسير بعد أن أضحى إذا هو بجماعة في ظل شجرة فقال ما هذه الجماعة فقالوا رجل صام فجهده الصوم فقال رسول الله "ليس البر أن تصوموا في السفر"

قال إسماعيل وحدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن حسن أو ابن حسين عن جابر بن عبد الله نحوه وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال حدثنا أبو محمد الحسن بن يحيى القلزمي قال حدثنا عبد الله بن علي ابن الجارود قال حدثنا عبد الله ابن هاشم قال حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر بن عبد الله "إن رسول الله كان في سفر فرأى رجلا عليه زحام وقد ظلل عليه فقال ما هذا قالوا صائم قال ليس من البر أو ليس البر أن تصوموا في السفر" هكذا قال محمد بن عمرو بن الحسن ويحتمل قوله ليس البر الصيام في السفر أي ليس هو أبر البر لأنه قد يكون الإفطار أبر منه إذا كان في حج أو جهاد ليقوى عليه وقد يكون الفطر في السفر المباح برا لأن الله أباحه ونظير هذا من كلامه قوله "ليس المسكين الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان قيل فمن المسكين قال الذي لا يسأل ولا يجد ما يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه"

ومعلوم أن الطواف مسكين وأنه من أهل الصدقة إذا لم يكن له تطوافه وقد قال "ردوا المسكين ولو بكراع محرق وردوا السائل ولو بظلف محرق" وقالت عائشة أن المسكين ليقف على بابي الحديث وقال عز وجل {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} وأجمعوا أن الطواف منهم فعلم أن قوله ليس المسكين بالطواف عليكم معناه ليس السائل بأشد الناس مسكنة لأن المتعفف الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له أشد مسكنة منه فكذلك قوله "ليس البر الصيام في السفر" معناه ليس البر كله في الصيام في السفر لأن الفطر في السفر بر أيضا لمن شاء أن يأخذ برخصة الله تعالى ذكره وأما قوله ليس من البر فهو كقوله ليس البر ومن قد تكون زائدة كقولهم ما جاءني من أحد أي ما جاءني أحد والله أعلم فأما من احتج بقول الله عز وجل {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وزعم أن ذلك عزمة فلا دليل معه على ذلك لأن ظاهر الكلام وسياقه إنما يدل على الرخصة والتخيير والدليل على ذلك قوله عز وجل {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ودليل آخر وهو إجماعهم أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام وأتم يومه إن ذلك مجزئ عنه فدل على أن ذلك رخصة له والمسافر في التلاوة وفي المعنى مثله والكلام في هذا أوضح من أن يحتاج فيه إلى إكثار والله المستعان.

وحدثني أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين بن السندي قال حدثنا أبو الفضل قاسم بن محمد بن الخياط قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال "سافرنا مع رسول الله فصام قوم وأفطر قوم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم" وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال "سافرنا مع رسول الله فمنا الصائم ومنا المفطر لا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم" وبه عن الشافعي قال وحدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال "كنا نسافر مع رسول الله منا الصائم ومنا المفطر لا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أنه من وجد قوة فصام أن ذلك حسن جميل ومن وجد ضعفا فأفطر فكذلك حسن جميل"

حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال "خرجنا مع رسول الله حين فتح مكة لسبع عشرة أو لتسع عشرة بقين من رمضان فصام صائمون وأفطر مفطرون فلم يعب على هؤلاء ولم يعب على هؤلاء"

قال أبو عمر : هذا معنى حسن لأنه أضاف الإباحة إلى النبي عليه السلام وأنه لم يعب على واحدة من الطائفتين وهو من أصح إسناد جاء في هذا الحديث ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بإسناده فقال فيه "خرجنا مع النبي لثنتي عشرة" وقال هشام عن قتادة فيه بإسناده لثمان عشرة وقد حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا ابن أبي العقب بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال "أذننا رسول الله بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا بالفطر فأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر حتى بلغنا مر الظهران فأذننا بلقاء العدو وأمرنا بالفطر فأفطرنا جميعا"

قال أبو عمر : عند سعيد بن عبد العزيز في هذا الباب حديثان أحدهما هذا عن عطية والآخر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء وهما صحيحان وفي هذا الباب مسائل الفقهاء قد اختلفوا فيها وقد ذكرتها في باب ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله والحمد لله على ذلك كثيرا

حديث ثان لحميد الطويل عن أنس مسند صحيح متصل عدل

مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك "أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله وبه أثر صفرة فسأله رسول الله فأخبره أنه تزوج فقال رسول الله كم سقت إليها قال زنة نواة من ذهب فقال له رسول الله أولم ولو بشاة" .

قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت من مسند أنس بن مالك ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن بن عوف أنه جاء إلى رسول الله فجعله من مسند عبد الرحمن بن عوف وقد ذكرنا عبد الرحمن بن عوف بما يجب من ذكره وما ينبغي مما يحتاج إليه من خبره في كتابنا في الصحابة وذكرنا هناك نساءه وذريته وقال الزبير بن بكار المرأة التي قال رسول الله فيها لعبد الرحمن بن عوف حين تزوجها : "ماذا أصدقتها فقال زنة نواة من ذهب فقال له رسول الله أولم ولو بشاة" هي ابنة أنس بن رافع ابن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصارية ولدت له القاسم وأبا عثمان قال واسم أبي عثمان عبد الله وأما قوله وبه أثر صفرة فيروى أن الصفرة كانت من الزعفران وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز أن تكون إلا في ثيابه والله أعلم لأن العلماء لم يختلفوا فيما علمت أنه مكروه للرجل أن يخلق جسده بخلوق الزعفران وقد اختلفوا في لباس الرجل للثياب المزعفرة فأجازها أهل المدينة وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه وكره ذلك العراقيون وإليه ذهب الشافعي ولكل واحد منهم آثار مروية بما ذهب إليه عن السلف وآثار مرفوعة إلى النبي فأما الرواية بأن الصفرة كانت على عبد الرحمن بن عوف زعفرانا فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان بن سعيد عن حميد الطويل قال سمعت أنس بن مالك يقول "قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى رسول الله بينه وبين سعد بن الربيع فأتى السوق فربح شيئا من أقط وسمن فرآه النبي بعد أيام وعليه وضر صفرة فقال رسول الله مهيم فقال عبد الرحمن تزوجت امرأة من الأنصار قال فما سقت إليها قال وزن نواة من ذهب فقال رسول الله أولم ولو بشاة" .

وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد الطويل عن أنس بن مالك "أن رسول الله رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع زعفران فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ميهم قال يا رسول الله تزوجت امرأة قال ما أصدقتها قال وزن نواة من ذهب قال أولم ولو بشاة" .

قال أبو عمر : فقد بان في هذه الآثار من نقل الأئمة أن الصفرة التي رأى رسول الله بعبد الرحمن كانت زعفرانا والوضر معروف في الثياب والردع صبغ الثياب بالزعفران قال الخليل الردع الفعل والرادعة والمردعة قميص قد لمع بالزعفران أو بالطيب في مواضع وليس مصبوغا كله إنما هو مبلق كما تدرع الجارية جيبها بالزعفران بلمىء كفها وقال الشاعر : رادعة بالمسك أردانها

وقال الأعشى :

ورادعة بالمسك صفراء عندنا ... لحسن الندامى في يد الدرع مفتق

يعني جارية قد جعلت على ثيابها في مواضع زعفرانا وأما الردغ بالغين المنقوطة فإنما هو من الطين والحماة وأما اختلاف العلماء في لباس الثياب المصبوغة بالزعفران فقال مالك لا بأس بلباس الثوب المزعفر وقد كنت ألبسه وفي موطأ مالك عن نافع أن ابن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران وتأول مالك وجماعة معه حديثه عن سعيد ابن أبي سعيد عن عبيد بن جريح عن ابن عمر أن النبي عليه السلام كان يصبغ بالصفرة "أنه كان يصبغ ثيابه بصفرة الزعفران" وقد ذكرنا من خالفه في تأويله ذلك في باب سعيد بن أبي سعد وقد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله يصبغ به ورأيته أحب الطيب إليه وذكر ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله يصبغ به ورأيته أحب الطيب إليه وذكر ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم قال كان رسول الله يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة وذكر أيضا عن هشام بن سعد عن يحيى بن عبد الله بن مالك الدار قال "كان النبي عليه السلام يبعث بقميصه وردائه إلى بعض أزواجه فتصبغ له بالزعفران" .

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد ابن ابن القاسم بن شعبان قال حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك قال حدثنا أبو مروان العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم قال سألت ابن شهاب عن الخلوق فقال قد كان أصحاب رسول الله يتخلقون ولا يرون بالخلوق بأسا قال ابن شعبان هذا خاص عند أصحابنا في الثياب دون الجسد.

قال أبو عمر : هو كما قال ابن شعبان وقد كره التزعفر للرجال في الجسد والثياب جماعة من سلف أهل العراق وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأصحابه لآثار رويت في ذلك أصحها حديث أنس بن مالك حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن محمد البرتي ببغداد حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال "نهى رسول الله أن يتزعفر الرجل" ورواه حماد بن زيد وابن عليه عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس مثله سواء إلا أنهما قالا "نهى رسول الله أن يتزعفر الرجال" والمعنى واحد أخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا مسدد أن حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم حدثاهم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال "نهى رسول الله عن التزعفر للرجال" .

قال أبو عمر : حملوا هذا على الثياب وغيرها وأما الجسد فلا خلاف علمته فيه والله أعلم أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا زهير بن حرب قال أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا سمعنا أبا موسى يقول قال رسول الله "لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق" وروى يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر أن رسول الله قال له وقد رأى عليه خلوق زعفران قد خلقه به أهله فقال له "اذهب فاغسل هذا عنك فإن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب" ورخص للجنب في أن يتوضأ إذا أراد النوم ولم يسمعه يحيى بن يعمر من عمار بن ياسر بينهما رجل ورواه الحسن بن أبي الحسن عن عمار أيضا ولم يسمع منه أن رسول الله قال "ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ" ذكر حديث عمار أبو داود وغيره وذكروا أيضا حديث الوليد بن عقبة أن رسول الله يوم فتح مكة كان يؤتى بالصبيان فيمسح رؤوسهم ويدعوا لهم بالبركة قال فجيء بي إليه وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن حكيم عن يوسف بن صهيب عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله "ثلاثة لا تقربهم الملائكة المتخلق والسكران والجنب" .

قال أبو عمر : عبد الله بن حكيم هو أبو بكر الداهري مدني مجتمع على ضعفه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن محمد البرتي حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا عطاء بن السائب قال حدثني يعلى بن مرة هكذا في كتاب قاسم وقد حدثنا عبد الوارث في ذلك الكتاب قال حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب قال سمعت رجلا من آل أبي عقيل يكنى أبا حفص بن عمرو عن يعلى بن مرة أن رسول الله رآه متخلقا فقال : "ألك امرأة قال قلت لا قال اذهب فاغسله عنك ثم اغسله ثم اغسله" قال فذهبت فغسلته ثم غسلته ثم غسلته ثم لم أعد حتى الساعة.

قال أبو عمر : هذا هو الصواب وأما عطاء بن السائب فلم يسمع من يعلى بن مرة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكير حدثنا أبو داود قال حدثنا مخلد بن خالد قال حدثنا روح قال حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله قال لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير قال وأومأ الحسن إلى جيب قميصه وقال قال رسول الله ألا وطيب الرجال ريح لا لون له إلا وطيب النساء لون لا ريح له قال سعيد أراه قال إنما حملوا قوله في طيب النساء على أنها إذا أرادت أن تخرج فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت.

قال أبو عمر : احتج بحديث عمران بن حصين هذا من كره الخلوق للرجال لأن لونه ظاهر فهذا ما بلغنا في الخلوق للرجال من الآثار المرفوعة وقد ذكرنا مذاهب الفقهاء في ذلك وأما المعصفر المقدم المشبع وغيره فسيأتي ذكره وما للعلماء فيه من الرواية والمذاهب في باب نافع من هذا الكتاب إن شاء الله عند نهيه عن تختم الذهب ولبس القسى ولبس المعصفر وقراءة القرآن في الركوع.

وفي هذا الحديث دليل على أن من فعل ما يجوز له فعله دون أن يشاور السلطان خليفة كان أو غيره فلا حرج ولا تثريب عليه ألا ترى أن عبد الرحمن بن عوف تزوج ولم يشاور رسول الله ولا أعلمه بذلك ولم يكن من رسول الله إليه إنكار ولا عتاب وكان على خلق عظيم من الحلم والتجاوز وأما قوله حين أخبره أنه تزوج كم سقت إليها قال زنة نواة من ذهب فالنواة فيما قال أهل العلم اسم لحد من الأوزان وهو خمسة دراهم كما أن الأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما ولا أعلم في شيء من ذلك كله خلافا إلا في النواة فالأكثر أنها خمسة دراهم وقال أحمد بن حنبل وزن النواة ثلاثة دراهم وثلث وقال إسحاق بل وزنها خمسة دراهم وقد قيل أن النواة المذكورة في هذا الحديث نواة التمرة وأراد وزنها وهذا عندي لا وجه له لأن وزنها مجهول وأجمعوا أن الصداق لا يكون إلا معلوما لأنه من باب المعاوضات

وقال بعض المالكيين وزنه النواة بالمدينة ربع دينار واحتج بحديث يروى عن الحجاج بن أرطأة عن قتادة عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة من الأنصار وأصدقها زنة نواة من ذهب قومت ثلاثة دراهم وربعا وهذا حديث لا تقوم به حجة لضعف إسناده وأجمع العلماء على أنه لا تحديد في أكثر الصداق لقول الله تعالى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} واختلفوا في أقل الصداق فقال مالك لا يكون الصداق أقل من ربع دينار ذهبا أو ثلاثة دراهم كيلا واعتل بعض أصحابنا لذلك بأنها أقل ما بلغه في الصداق فلم يتعده وجعله حدا إذا لم يكن فيه بد من الحد لأنه لو ترك الناس وقليل الصداق كما تركوا وكثيره لكان الفلس والدانق ثمنا للبضع وهذا لا يصلح لأنه لا يسمى طولا ولا يشبه الطول قال الله عز وجل {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية ولو كان الطول فلسا ونحوه لكان كل أحد مستطيعا له.

وفي الآية دليل على منع استباحة الفروج باليسير ثم جاء حديث عبد الرحمن بن عوف في وزن النواة فجعله حدا لا يتجاوز لما يعضده من القياس لأن الفروج لا تستباح بغير بدل ولم يكن بد من الصداق المقدر كالنفس التي لا تستباح بغير بدل فقدرت ديتها وكان أشبه الأشياء بذلك قطع اليد لأن البضع عضو واليد عضو يستباح بمقدر من المال وذلك ربع دينار فرد مالك البضع قياسا على اليد وقال لا يجوز صداق أقل من ربع دينار لأن اليد لا تقطع عنده من السارق في أقل من ربع دينار.

قال أبو عمر : قد تقدمه إلى هذا أبو حنيفة فقاس الصداق على قطع اليد واليد عنده لا تقطع إلا في دينار ذهبا أو عشرة دراهم كيلا ولا صداق عنده أقل من ذلك وعلى ذلك جماعة أصحابه وأهل مذهبه وهو قول أكثر أهل بلده في قطع اليد لا في أقل الصداق وقد قال الدراوردي لمالك رحمه الله إذ قال لا صداق أقل من ربع دينار تعرقت فيها يا أبا عبد الله أي سلكت فيها سبيل أهل العراق وقال جمهور أهل العلم من أهل المدينة وغيرهم لا حد في قليل الصداق كما لا حد في كثيره وممن قال ذلك سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وأبو الزناد ويزيد بن قسيط وابن أبي ذيب وهؤلاء أئمة أهل المدينة قال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا حلت وأنكح ابنته من عبد الله بن وداعة بدرهمين وقال ربيعة يجوز النكاح بصداق درهم

وقال أبو الزناد ما تراضى به الأهلون وقال يحيى بن سعيد الثوب والسوط والنعلان صداق إذا رضيت به وأجاز الصداق بقليل المال وكثيره من غير حد الحسن البصري وعمرو بن دينار وعثمان البتي وابن أبي ليلى وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه والحسن بن حي وعبيد بن الحسن وجماعة أهل الحديث منهم وكيع ويحيى بن سعيد القطان وعبد الله بن وهب صاحب مالك كانوا يجيزون النكاح بدرهم ونصف درهم وكان ابن شبرمة لا يجيز أن يكون الصداق أقل من خمسة دراهم ولا تقطع اليد عنده في أقل من ذلك قال الشافعي وأصحابه ما جاز أن يكون لشيء أو ثمنا له جاز أن يكون صداقا قياسا على الإجارات لأنها منافع طارئة على أعيان باقية وأشبه الأشياء بالإجارات الاستمتاع بالبضع قالوا وهذا أولى من قياسه قطع اليد قالوا ولا معنى لمن شبه المهر اليسير بمهر البغي لأن مهر البغي لو كان قنطارا لم يجز ولم يحل لأن الزنى ليس على شروط النكاح بالشهود والولي والصداق المعلوم وما يجب للزوجات من حقوق العصمة وأحكام الزوجية.

وأنشد بعضهم لبعض الأعراب :

يقولون تزويج وأشهد أنه ... هو البيع إلا أن من شاء يكذب

وسنزيد هذا الباب بيانا في باب أبي حازم عند قول رسول الله "التمس ولو خاتما من حديد" إن شاء الله

أخبرنا أحمد بن قاسم وأحمد بن سعيد قالا حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال سمعت أبا بكر بن شيبة يقول كان وكيع بن الجراح يرى التزويج بدرهم قال ابن وضاح وكان ابن وهب يرى التزويج بدرهم وروي في هذا الباب عن سعيد بن جبير وإبراهيم اضطراب منهم من قال أربعون درهما أقل الصداق ومنهم من قال خمسون درهما وهذه الأقاويل لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا اتفاق وما خرج من هذه الأصول ومعانيها فليس بعلم وبالله التوفيق.

وفي هذا الحديث دليل على أن الوليمة من السنة لقوله "أولم ولو بشاة" وقد اختلف أهل العلم في وجوبها فذهب فقهاء الأمصار إلى أنها سنة مسنونة وليست بواجبة لقوله "أولم ولو بشاة" ولو كانت واجبة لكانت مقدرة معلوم مبلغها كسائر ما أوجب الله ورسوله من الطعام في الكفارات وغيرها قالوا فلما لم يكن مقدرا خرج من حد الوجوب إلى حد الندب وأشبه الطعام لحادث السرور كطعام الختان والقدوم من السفر وما صنع شكرا لله عز وجل.

وقال أهل الظاهر الوليمة واجبة فرضا لأن رسول الله أمر بها وفعلها وأوعد من تخلف عنها وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عند قوله "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله" والحمد لله.

حديث ثالث لحميد عن أنس مسند صحيح عدل

مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك "أن رسول الله نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل يا رسول الله وما تزهي قال حتى تحمر " وقال رسول الله "أرأيت إن منع الله الثمرة ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه" هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة في الموطأ لم يختلفوا فيه فيما علمت وقوله في هذا الحديث حتى تحمر يدل على أن الثمار إذا بدا فيها الاحمرار وكانت مما تطيب إذا احمرت مثل ثمر النخل وشبهها حل بيعها وقبل ذلك لا يجوز بيعها إلا على القطع في الحين على اختلاف في ذلك نذكره إن شاء الله واحمرار الثمرة في النخل هو بدو صلاحها وهو وقت للأمن من العاهات عليها في الأغلب وقوله "أزهت واحمرت وبدا صلاحها"

ألفاظ مختلفة وردت في الأحاديث الثابتة معانيها كلها متفقة وذلك إذا بدا طيبها ونضجها وكذلك سائر الثمار إذا بدا صلاح الجنس منها وطاب ما يؤكل منها الطيب المعهود في التين والعنب وسائر الثمار جاز بيعها على الترك في شجرها حتى ينقضي أوانها ولا يجوز بيع شيء من الثمار ولا الزرع قبل بدو صلاحه إلا على القطع وقد اختلف الفقهاء قديما وحديثا في ذلك وقد أرجأنا القول فيه إلى باب نافع فهناك تراه إن شاء الله وأما قوله أرأيت إن منع الله الثمرة ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه فيزعم قوم أنه من قول أنس بن مالك وهذا باطل بما رواه مالك وغيره من الحفاظ في هذا الحديث إذ جعلوه مرفوعا من قول النبي

وقد روى أبو الزبير عن جابر عن النبي مثله وتنازع العلماء في تأويل هذا الحديث فقال قوم فيه دليل على إبطال قول من قال بوضع الجوائح لأن نهي رسول الله عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وقوله مع ذلك أرأيت إن منع الله الثمرة أي إذا بعتم الثمرة قبل بدو طيبها ومنعها الله كنتم قد ركبتم الغرر وأخذتم مال المبتاع بالباطل لأن الأغلب في الثمار أن تلحقها الجوائح قبل ظهور الطيب فيها فإذا طابت أو طاب أولها أمنت عليها العاهة في الأغلب وجاز بيعها لأن الأغلب من أمرها السلامة فإن لحقتها جائحة حينئذ لم يكن لها حكم وكانت كالدار تباع فتنهدم بعد البيع قبل أن ينتفع المبتاع بشيء منها أو الحيوان يباع فيموت بأثر قبض مبتاعه له أو سائر العروض لأن الأغلب من هذا كله السلامة فما خرج من ذلك نادرا لم يلتفت إليه ولم يعرج عليه وكانت المصيبة من مبتاعه وكذلك الثمرة إذا بيعت بعد بدو صلاحها لم يلتفت إلى ما لحقها من الجوائح لأنهم قد سلموا من عظم الغرر ولا يكاد شيء من البيوع يسلم من قليل الغرر فكان معفوا عنه قالوا فإذا بيعت الثمرة في وقت يحل بيعها ثم لحقتها جائحة كان ذلك كما لو جذب فتلفت كانت مصيبتها من المبتاع واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله "نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قيل له وما بدو صلاحها يا رسول الله فقال إذا بدا صلاحها ذهبت عاهتها" وبحديث مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله "نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة" وهذا معنى قول ابن شهاب ذكر الليث بن سعد عن يونس عن ابن شهاب قال لو أن رجلا ابتاع ثمرا قبل أن يبدو صلاحه ثم أصابته عاهة كان ما أصابه على ربه.

أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله قال "لا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا الثمر بالثمر" وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال أخبرنا الميمون بن حمزة قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال حدثنا إسماعيل بن يحيى قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئيب عن عثمان بن عبد الله بن عمر "أن رسول الله نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة" قال محمد بن سراقة فسألت ابن عمر متى ذلك فقال طلوع الثريا وروى المعلى بن أسد قال حدثنا وهيب عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله "إذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن أهل البلد" حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم ابن أصبغ حدثنا محمد بن غالب قال حدثنا حرمي وعفان قالا حدثنا وهيب بن خالد عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي قال "ما طلع النجم صباحا قط وبقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفت" .

قال أبو عمر : هذا كله على الأغلب وما وقع نادرا فليس بأصل يبني عليه في شيء والنجم هو الثريا لا خلاف ها هنا في ذلك وطلوعها صباحا لا ثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار وهو شهر ماي فنهى رسول الله عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها معناه عندهم لأنه من بيوع الغرر لا غير فإذا بدأ صلاحها ارتفع الغرر في الأغلب عنها كسائر البيوع وكانت المصيبة فيها من المبتاع إذا قبضها على أصولهم في المبيع أنه مضمون على البائع حتى يقبضه المبتاع طعاما كان أو غيره وهذا كله قول الشافعي وأصحابه والثوري وقول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد فيمن ابتاع ثمرة من نخل أو سائر الفواكه والثمرات فقبض ذلك بما يقبض به مثله فأصابته جائحة فأهلكته كله أو بعضه كان ثلثا أو أقل أو أكثر فالمصيبة في ذلك كله قل أو أكثر من مال المشتري وقد كان الشافعي رحمه الله في العراق يقول بوضع الجوائح ثم رجع إلى هذا القول بمصر وهو المشهور عند أصحابه من مذهبه لحديث حميد الطويل عن أنس بن مالك المذكور في هذا الباب ولأن حديث سليمان بن عتيق عن جابر لم يثبت عنده في أمر رسول الله بموضع الجوائح قال الشافعي كان ابن عيينة يحدثنا بحديث حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر أن رسول الله نهى عن بيع السنين ولا يذكر فيه وضع الجائحة قال ثم حدثنا بذلك غير مرة كذلك ثم زاد فيه وضع الجوائح فذكرنا له ذلك فقال هو في الحديث واضطرب لنا فيه قال الشافعي ولم يثبت عندي أن رسول الله أمر بوضع الجوائح ولو ثبت لم أعده قال ولو كنت قائلا بوضع الجوائح لوضعتها في القليل والكثير قال والأصل المجتمع عليه إن كل من ابتاع ما يجوز بيعه وقبضه كانت المصيبة منه ولم يثبت عندنا وضع الجوائح فيخرجه من تلك الجملة.

قال أبو عمر : اختلف أصحاب ابن عيينة عنه في ذكر الجوائح في حديث سليمان بن عتبق عن جابر فبعضهم ذكر ذلك عنه فيه وبعضهم لم يذكره وممن ذكره عنه في ذلك الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن حرب الطائي وغيرهم وقالت طائفة من أهل العلم في قول رسول الله "أرأيت إن منع الله الثمرة فيم يأخذ أحدكم مال أخيه" دليل واضح على أن الثمرة إذا منعت لم يستحق البائع ثمنا لأن المبتاع قد منع مما ابتاعه قالوا وهذا هو المفهوم من هذا الخطاب قالوا وحكم رسول الله بهذا في الثمار أصل في نفسه مخالف لحكمه في سائر السلع يجب التسليم له واحتجوا بحديث أبي الزبير عن جابر في ذلك وهو ما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى وخلف بن احمد قالا حدثنا أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن قال حدثنا سعيد بن عثمان الاعناقي قال حدثنا محمد بن تميم القفصي قال حدثنا أنس بن عياض قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله "إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق"

قالوا وهذا الحديث لم ينسق على النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فيحتمل من التأويل ما احتمله حديث أنس بل ظاهره يدل في قوله إن بعت من أخيك ثمرا أنه البيع المباح بعد الإزهاء وبدو الصلاح لا يحتمل ظاهره غير ذلك وهو أوضح وأبين من أن يحتاج فيه إلى الإكثار واحتجوا أيضا بحديث سليمان بن عتيق عن جابر وهو ما حدثناه احمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن الأموي وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قالا جميعا حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله أمر بوضع الجوائح ونهى عن بيع السنين" وحدثناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر بن علي قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن النبي "نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح"

وممن قال بوضع الجوائح هكذا مجملا أكثر أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وأصحابه وهو قول عمر بن عبد العزيز وبوضع الجوائح كان يقضي رضي الله عنه وبه قال أحمد بن حنبل وسائر أصحاب الحديث وأهل الظاهر إلا أن مالكا وأصحابه وجمهور أهل المدينة يراعون الجائحة ويعتبرون فيها أن تبلغ ثلث الثمرة فصاعدا فإن بلغت الثلث فصاعدا حكموا بها على البائع وجعلوا المصيبة منه وما كان دون الثلث ألغوه وكانت المصيبة عندهم فيه من المبتاع وجعلوا ما دون الثلث تبعا لا يلتفت إليه وهو عندهم في حكم التافه اليسير إذ لا تخلو ثمرة من أن يتعذر القليل من طيبها وإن يلحقها في اليسير منها فساد فلما لم يراع الجميع ذلك التافه الحقير كان ما دون الثلث عندهم كذلك وذكر عبد الرزاق عن معمر قال كاد أهل المدينة أن لا يستقيموا في الجائحة يقولون ما كان دون الثلث فهو على المشتري إلى الثلث فإذا كان فوق ذلك فهي جائحة قال وما رأيتهم يجعلون الجائحة إلا في الثمار وقال وذلك إني ذكرت لهم البز يحترق والرقيق يموتون قال معمر وأخبرني من سمع الزهري قال قلت له ما الجائحة قال النصف وروى حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي قال والجائحة الريح والمطر والجراد والحريق والمراعاة عند مالك وأصحابه ثلث الثمرة لا ثلث الثمن ولو كان ما بقي من الثمرة وفاء لرأسماله وأضعاف ذلك وإذا كانت الجائحة أقل من ثلث الثمرة فمصيبتها عندهم من المشتري ولو لم يكن في ثمن ما بقي إلا درهم واحد وأما أحمد بن حنبل وسائر من قال بوضع الجوائح من العلماء فإنهم وضعوها عن المبتاع في القليل والكثير وقالوا المصيبة في كل ما أصابت الجائحة من الثمار على البائع قليلا كان ذلك أو كثيرا ولا معنى عندهم لتحديد الثلث لأن الخبر الوارد بذلك ليس فيه ما يدل على خصوص شيء دون شيء وهو حديث جابر عن النبي من رواية أبي الزبير ورواية سليمان بن عتيق وقد ذكرناهما.

قال أبو عمر : كان بعض من لم ير وضع الجوائح يتأول حديث سليمان بن عتيق عن جابر أنه على الندب ويقول هو كحديث عمرة في الذي تبين له النقصان فيما ابتاعه من ثمر الحائط حين قال رسول الله تالي إلا يفعل خيرا يعني رب الحائط وكان يتأول في حديث أبي الزبير عن جابر أنه محمول على بيع ما لم يقبض وما لم يقبض فمصيبته عندهم من بائعه وكان بعضهم يتأول ذلك في وضع الخراج خراج الأرض يريد كراءها عمن أصاب ثمره أو زرعه آفة وقال بعضهم معناه معنى حديث أنس سواء إلا أن أنسا ساقه على وجهه وفهمه بتمامه وهذه التأويلات كلها خلاف الظاهر والظاهر يوجب وضع الجوائح إن ثبت حديث سليمان بن عتيق وأما الأصول فتشهد لتأويل الشافعي وبالله التوفيق.

وأما جملة قول مالك وأصحابه في الحوائج فذكر ابن القاسم وغيره عن مالك فيمن ابتاع ثمرة فأصابتها أنها من ضمان البائع إذا كانت الثلث فصاعدا وإذا كانت أقل من الثلث لم توضع عن المشتري وكانت المصيبة منه في النخل والعنب ونحوهما قال وأما الورد والياسمين والرمان والتفاح والخوخ والأترج والموز وكل ما يجنى بطنا بعد بطن من المقاثي وما أشبهها إذا أصابت شيئا من ذلك الجائحة فإنه ينظر إلى المقثاة كم نباتها من أول ما يشترى إلى آخر ما ينقطع ثمرتها في المتعارف وينظر إلى قيمتها في كل زمان على قدر نفاقه في الأسواق ثم يمتثل فيه أن يقسم الثمن على ذلك واختلف أصحاب مالك في الحائط يكون فيه أنواع من الثمار فيجاح منها نوع واحد فكان أشهب وأصبغ يقولان لا ينظر فيه إلى الثمرة ولكن إلى القيمة فإن كانت القيمة الثلث فصاعدا وضع عنه قال ابن القاسم بل ينظر إلى الثمرة على ما قدمنا عنهم وكان ابن القاسم أيضا يرى السرق جائحة وخالفه أصحابه والناس

وقال ابن عبد الحكم عن مالك من اشترى حوائط في صفقات مختلفة فأصيب منها ثلث حائط فإنها توضع عنه ولو اشتراها في صفقة واحدة فلا وضعية له إلا أن يكون ما أصابت الجائحة ثلث ثمر جميع الحوائط وقال مالك في البقول كلها والبصل والجرز والكراث والفجل وما أشبه ذلك إذا اشتراه رجل فأصابته جائحة فإنه يوضع عن المشتري كل شيء أصابته به الجائحة قل أو كثر قال وكل ما يبس فصار تمرا أو زبيبا وأمكن قطافه فلا جائحة فيه قال والجراد والنار والبرد والمطر والطير الغالب والعفن وماء السماء المترادف المفسد والسموم وانقطاع ماء العيون كلها من الجوائح إلا الماء فيما يسقى فإنه يوضع قليل ذلك وكثيره لأن الماء من سبب ما يباع ولا جائحة في الثمر إذا يبس قال ابن عبد الحكم عن مالك لا جائحة في ثمر عند جذاذه ولا في زرع عند حصاده قال ومن اشترى زرعا قد استحصد فتلف فالمصيبة من المشتري وإن كان لم يحصده حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال سمعت سحنونا قال في الذي يشتري الكرم وقد طاب فيؤخر قطافه إلى آخر السنة ليكون أكثر لثمنه فتصيبه جائحة أنه لا جائحة فيه ولا يوضع عن المشتري فيه شيء قال وكذلك الثمر إذا طاب كله وتركه للغلاء في ثمنه قال وليس التين كذلك لأنه يطيب شيئا بعد شيء وما طاب شيئا بعد شيء وضع عنه.

قال أبو عمر : أجاز مالك رحمه الله وأصحابه بيع المقاثي إذا بدا صلاح أولها وبيع الباذنجان والياسمين والموز وأما أشبه ذلك استدلالا بإجازة رسول الله بيع الثمار حين يبدو صلاحها ومعناه عند الجميع أن يطيب أولها أو يبدو صلاح بعضها وإذا جاز ذلك عند الجميع في الثمار كانت المقاثي وما أشبهها مما يخلق شيئا بعد شيء ويخرج بطنا بعد بطن كذلك قياسا ونظرا لأنه لما كان ما لم يبد صلاحه من الحائط ومن ثمر الشجر تبعا لما بدا صلاحه في البيع من ذلك كان كذلك بيع ما لم يخلق من المقاثي وما أشبهها تبعا لما خلق وطاب وقياسا أيضا على بيع منافع الدار وهي مخلوقة ولأن الضرورة تؤدي إلى إجازته وقول المزني في ذلك كقول مالك وأصحابه سواء وأما العراقيون والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وداود بن علي فإنهم لا يجيزون بيع المقاثي ولا بيع شيء مما يخرج بطنا بعد بطن بوجه من الوجوه والبيع عند جميعهم في ذلك مفسوخ إلا أن يقع البيع فيما ظهر وأحاط المبتاع برؤيته وطاب بعضه وحجتهم في ذلك نهى رسول الله عن بيع ما لم يخلق ونهيه عن بيع ما ليس عندك ولأنها عيان مقصودة بالشراء ليست مرئية ولا مستقرة في ذمة فأشبهت بيع السنين المنهي عنه وبالله التوفيق.

حديث رابع لحميد الطويل عن أنس عدل

مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال "خرج علينا رسول الله فقال إني أريت هذه الليلة في رمضان فتلاحى رجلان فرفعت فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" هكذا روى مالك هذا الحديث لا خلاف عنه في إسناده ومتنه وفيه عن أنس "خرج علينا رسول الله" وإنما الحديث لأنس عن عبادة بن الصامت حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الوهاب عن أنس عن عبادة قال "خرج علينا رسول الله وهو يريد أن يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان فقال إني خرجت أن أخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان ولعل ذلك أن يكون خيرا فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" .

قال أبو عمر : في حديث مالك فرفعت وليس في هذا فرفعت وهي لفظة محفوظة عند الحفاظ في حديث حميد هذا والله أعلم بمعنى ما أراد رسول الله بقوله ذلك وإلا ظهر من معانيه أنه رفع علم تلك الليلة عنه فأنسيها بعد أن كان علمها ولم ترفع رفعا لا تعود بعده لأن في حديث أبي ذر أنها في كل رمضان وأنها إلى يوم القيامة ويدل على ذلك من هذا الحديث قوله فالتمسوها إلا أنه يحتمل أن يكون معنى قوله التمسوها في سائر الأعوام أو في العام المقبل فإنها رفعت في هذا العام ويحتمل أن يكون رفعت في تلك الليلة من ذلك الشهر ثم تعود فيه في غيرها وفي ذلك دليل على أنها ليس لها ليلة معينة لا تعدوها والله أعلم وكان سبب رفع علمها عنه ما كان من التلاحي بين الرجلين والله أعلم وأما الملاحاة فهي التشاجر ورفع الأصوات والمراجعة بالقول الذي لا يصلح على حال الغضب وذلك شؤم والله أعلم وقد نهى رسول الله عنها وعن المراء أشد النهي وروي عنه عليه السلام أنه قال نهاني ربي عن ملاحاة الرجال وقال الملاحاة السب يقال تلاحيا إذا استبا ولحاني أسمعني ما أكره من قبيح الكلام وأنشد :

ألا أيها اللاحي بأن أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

وقد ينشد هذا البيت على غير هذا :

ألا أيها ذا اللائمي أحضر الوغى

ومن شؤم الملاحاة أنهم حرموا بركة ليلة القدر في تلك الليلة وهذا مما سبق في علم الله ولم يحرموها في ذلك العام لأن قوله التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة يدل على ذلك ويحتمل أن يكون النبي عليه السلام منعهم الإخبار بها في ذلك الوقت تأديبا لهم في الملاحاة ويحتمل أن يكون اشتغل باله بتشاجرهما فنسيها وقد روي نحو ذلك منصوصا من حديث أبي سعيد الخدري حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال "اعتكف رسول الله العشر الأواسط من رمضان وهو يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له فلما انقضين أمر بالبناء يعني فرفع فأبينت له أنها في العشر الأواخر من رمضان فأعاد البناء واعتكف العشر الأواخر من رمضان فخرج إلى الناس فقال يا أيها الناس إني أبينت لي ليلة القدر فخرجت أخبركم بها فجاء رجلان يختصمان ومعهما الشيطان

فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة والتمسوها في السابعة والتمسوها في الخامسة" وذكر عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان رسول الله في نفر من أصحابه فقال "ألا أخبركم بليلة القدر قالوا بلى يا رسول الله فسكت ساعة فقال لقد قلت لكم ما قلت آنفا وأنا أعلمها أو أني لأعلمها ثم أنسيتها" فذكر الحديث وفيه فاستقام ملأ القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين وأما قوله التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة فقد اختلف العلماء في ذلك فقال قوم هي تاسعة تبقى يعنون ليلة إحدى وعشرين وسابعة تبقى ليلة ثلاث وعشرين وخامسة تبقى ليلة خمس وعشرين

وممن قال ذلك مالك رحمه الله وروى سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك أنه سئل ما وجه تفسير قول النبي عليه السلام التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة فقال أرى والله أعلم أنه أراد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين والسابعة ليلة ثلاث وعشرين وبالخامسة ليلة خمس وعشرين وقال ابن القاسم رجع مالك عن ذلك وقال هو حديث مشرقي لا أعلمه وما حكاه ابن القاسم فليس بشيء وقد قال مالك وغيره من العلماء ما وصفت لك واستدلوا على ذلك بأنه قد روى منصوصا مثل قولهم هذا وبتقديم رسول الله التاسعة على السابعة والسابعة على الخامسة وأما الحديث في ذلك فحدثناه عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى وفي سابعة تبقى وفي خامسة تبقى" وإلى هذا ذهب أيوب رحمه الله ذكر ذلك عنه معمر وروى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" قال قلت يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا قال أجل قلت ما التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت إحدى وعشرون فالتي تليها التاسعة وإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة وإذا مضت خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة

ذكره أبو داود عن ابن المثنى عن عبد الأعلى عن سعيد عن أبي نضرة هكذا جاء في هذا الباب مراعاة التي تليها وذلك الأولى من التسع البواقي والأولى من السبع البواقي والأولى من الخمس البواقي وهذا يدل على اعتباره كمال العدد ثلاثين يوما وهو الأصل والأغلب وما خالفه فإنما يعرف بنزوله لا بأصله وروى معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إني رأيت في النوم ليلة القدر كأنها ليلة سابعة فقال النبي "أرى رؤياكم قد تواطت أنها في ليلة سابعة فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة" قال معمر فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيبا قوله فمن كان منكم متحريها دليل على أن قيام ليلة القدر فضيلة لا فريضة وبالله التوفيق وقال آخرون إنما أراد رسول الله بقوله هذا التاسعة من العشر الأواخر والسابعة منه والخامسة منه يعنون ليلة تسع وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة خمس وعشرين واحتجوا بقوله في حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر "التمسوها في السبع الأواخر" قالوا فيدخل في ذلك ليلة تسع وعشرين فغير نكير أن تكون تلك التاسعة المذكورة في الحديث وكذلك تكون السابعة ليلة سبع وعشرين والخامسة ليلة خمس وعشرين قالوا وليس في تقديمه لها في لفظه وعطفه ببعضها على بعض بالواو ما يدل على تقديم ولا تأخير.

قال أبو عمر : كل ما قالوه من ذلك يحتمل إلا أن قوله تاسعة تبقى وسابعة تبقى وخامسة تبقى يقضي للقول الأول وقال "التمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر" وهذا أعم من ذلك لما فيه من الزيادة في الليالي التي تكون وترا وفيه دليل على انتقالها والله أعلم وأنها ليست في ليلة واحدة معينة في كل شهر رمضان فربما كانت ليلة إحدى وعشرين وربما كانت ليلة خمس وعشرين وربما كانت ليلة سبع وعشرين وربما كانت ليلة تسع وعشرين وقوله في كل وتر يقتضي ذلك وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في كل وتر.

قال أبو عمر : في ليلة إحدى وعشرين حديث أبي سعيد الخدري وفي ليلة ثلاث وعشرين حديث عبد الله بن أنيس الجهني وفي ليلة سبع وعشرين حديث أبي بن كعب وحديث معاوية بن أبي سفيان وهي كلها صحاح فأما حديث أبي سعيد الخدري فمن رواية مالك في الموطأ فأغنى عن ذكره ها هنا لأنه سيأتي في موضعه من كتابنا في باب يزيد بن الهادي وهو محفوظ مشهور رواه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن جماعة وأما حديث عبد الله بن أنيس الجهني فهو مشهور وأكثر ما يأتي منقطعا وقد وصله جماعة من وجوه كثيرة قد ذكرناها في باب أبي النضر سالم من كتابنا هذا والحمد لله وروى عباد بن إسحاق عن الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه "أنه أتى رسول الله فقال أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر فقال كم الليلة قال اثنان وعشرون قال هي الليلة ثم رجع فقال أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين" ففي هذا الحديث دليل على جواز كونها ليلة اثنتين وعشرين وإذا كان هذا كذلك جاز أن تكون في غير وتر وممن ذهب إلى هذا الحسن البصري رحمه الله ذكر معمر عمن سمع الحسن يقول نظرت الشمس عشرين سنة فرأيتها تطلع صباح أربع وعشرين من رمضان ليس لها شعاع وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي عن بلال أن رسول الله قال "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين" وهذا عندنا على ذلك العام وممكن أن تكون في مثله بعد إلا أن أكثر الأحاديث أنها في الوتر من العشر الأواخر وأكثر ما جاء أيضا في حديث عبد الله بن أنيس أنها ليلة ثلاث وعشرين بلا شك وسترى ذلك في باب أبي النضر إن شاء الله وروى محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه أنه قال "يا رسول الله أن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين"

وكان محمد بن إبراهيم يجتهد ليلة ثلاث وعشرين وفي ليلة ثلاث وعشرين حديث ابن عباس يأتي في باب أبي النضر وفي ليلة ثلاث وعشرين قصة زهرة بن معبد تأتي في باب أبي النضر إن شاء الله وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يتحرى ليلة القدر ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين والثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال قال عبد الله بن مسعود تحروا ليلة القدر ليلة سبع عشرة صبيحة بدر أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين فهذا علي وابن مسعود رضي الله عنهما قد جاز عندهما أن تكون العشر الأواخر في الوتر من العشر الأوسط وروي عن ابن مسعود قوله هذا مرفوعا رواه زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال قال لنا رسول الله "أطلبوها ليلة سبع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ثم سكت" وهذا الحديث يرد عن ابن مسعود ما حدثناه سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر حدثنا أبو الأحوص عن أبي يعفور عن أبي الصلت عن أبي عقرب الأسدي قال أتينا عبد الله بن مسعود في داره فوجدناه فوق البيت قال فسمعناه يقول قبل أن ينزل صدق الله ورسوله فلما نزل قلت يا أبا عبد الله سمعناك تقول صدق الله ورسوله قال فقال ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر وذلك أن الشمس تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها فنظرت إلى الشمس فرأيتها كما حدثت فكبرت.

قال أبو عمر : أبو الصلت في هذا الإسناد مجهول وإسناد الأسود بن يزيد أثبت من هذا والله أعلم وأبو عقرب الأسدي اسمه خويلد بن خالد له صحبة وهو والد نوفل بن أبي عقرب فإن صح هذا الخبر فمعناه ليلة خمس وعشرين والله أعلم وأما حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله قال "أرى رؤياكم قد تواطأت على العشر الأواخر فالتمسوها في تسع في كل وتر" فيحتمل أن تكون أيضا في ذلك العام فلا يكون فيه خلاف لما ذهب إليه علي وابن مسعود على أن حديث عمر اختلف في ألفاظه فلفظ عبد الله بن دينار غير لفظ نافع ولفظ نافع غير لفظ سالم ومعناها متقارب أنها في السبع الغوابر أو السبع الأواخر فالله أعلم وأما حديث أبي بن كعب في سبع وعشرين فأخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد عن عاصم عن زر قال قلت لأبي بن كعب أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنا سئل عنها فقال من يقم الحول يصبها فقال رحم الله أبا عبد الرحمن والله لقد علم أنها في رمضان زاد مسدد ولكن كره أن يتكلوا أو أحب أن لا يتكلوا ثم اتفقا والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثنى قلت يا أبا المنذر أني علمت ذلك قال بالآية التي أخبرنا رسول الله قلت لزر ما الآية قال تطلع الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع.

قال أبو عمر : جاء في هذا الحديث كما ترى عن ابن مسعود أنه من يقم الحول يصب ليلة القدر والذي تأوله عليه أبي بن كعب رضي الله عنه عليه جمهور العلماء وهو الذي لا يجوز عليه غيره لأنه قد جاء عنه بأقوى من هذا الإسناد أنه قال تحروا ليلة القدر ليلة سبع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وأظنه أراد بما حكى عنه زر بن حبيش الاجتهاد في العمل سائر العام بقيام الليل والله أعلم وقد ثبت عن أربعة من الصحابة رضي الله عنهم أنها في كل رمضان ولا أعلم لهم مخالفا وذكر الجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أنهم قالوا ليلة القدر في السنة كلها كأنهم ذهبوا إلى قول ابن مسعود من يقم الحول يصبها وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد هي في العشر الأواخر من رمضان إن شاء الله وروى سفيان وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه سئل عن ليلة القدر فقال هي في كل رمضان ورواه موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي مرفوعا وقد قال بعض رواة أبي إسحاق في حديث ابن عمر هذا هي في رمضان كله وجاء عن أبي ذر أنه سئل عن ليلة القدر أرفعت قال بل هي في كل رمضان وبعضهم يرويه عن أبي ذر عن النبي وروى ابن جريج قال أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن يحنس قال قلت لأبي هريرة زعموا أن ليلة القدر قد رفعت قال كذب من قال ذلك قال قلت فهي في كل رمضان استقبله قال نعم وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال ليلة القدر في كل رمضان يأتي وذكر إسماعيل بن إسحاق قال أخبرنا حجاج قال أخبرنا حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال يا أبا سعيد أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي قال أي والذي لا إله إلا هو أنها لفي كل رمضان أنها لليلة فيها يفرق كل أمر حكيم فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها.

أخبرنا محمد بن عبد المالك قال أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا إسحاق الأزرق قال أخبرنا عبد الملك عن سعيد بن جبير قال كان ناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم قال وكان يسأله فقال عمر أما إني سأريكم اليوم منه شيئا فتعرفون فضله فسألهم عن هذه السورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} قال بعضهم أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا جاء يحمده ويستغفره فقال عمر يا ابن عباس ألا تكلم فقال أعلمه متى يموت إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فالموت آتيك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توبا قال ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها فقال بعضهم كنا نراها في العشر الأواسط ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر فأكثروا فيها فقال بعضهم ليلة إحدى وعشرين وقال بعضهم ليلة ثلاث وعشرين وقال بعضهم ليلة سبع وعشرين فقال عمر يا ابن عباس إلا تكلم قال الله أعلم قال قد نعلم أن الله يعلم وإنما نسألك عن علمك فقال ابن عباس إن الله وتر يحب الوتر خلق من خلقه سبع سموات فاستوى عليهن وخلق الأرض سبعا وجعل عدة الأيام سبعا ورمي الجمار سبعا وخلق الإنسان من سبع وجعل رزقه من سبع فقال عمر خلق الإنسان من سبع وجعل رزقه من سبع هذا أمر ما فهمته فقال أن الله يقول {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً} حتى بلغ آخر الآيات وقرأ {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً} إلى {وَلِأَنْعَامِكُمْ}

ثم قال والأب للأنعام قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه قال ذكرت هذا الحديث لابن عباس يعني في ليلة القدر فقال وما أعجبك سأل عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله وكان يسألني مع الأكابر منهم وكان يقول لا تكلم حتى يتكلموا قال لقد علمتم أن رسول الله قال في ليلة القدر "اطلبوها في العشر الأواخر وترا" ففي أي الوتر فأكثر القوم في الوتر فقال مالك لا تتكلم يا ابن عباس قال قلت إن شئت تكلمت قال ما دعوتك إلا لتتكلم فقلت رأيت الله أكثر من ذكر السبع فذكر السماوات سبعا والأرضين سبعا والطواف سبعا والجمار سبعا وذكر ما شاء الله من ذلك وخلق الإنسان من سبع وجعل رزقه في سبعة قال كل ما ذكرت قد عرفته فما قولك خلق الإنسان من سبعة وجعل رزقه في سبعة قال {خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} ثم قال {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ثم قرأت {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} والأب ما تنبته الأرض مما لا يأكل الناس وما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع يبقين فقال عمر أعييتموني أن تأتوا بمثل ما جاء به هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه

أخبرني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن سعيد وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قالا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال من قام ليلة سبع وعشرين فقد أصاب ليلة القدر قال وأخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب يا أبا المنذر أخبرني عن ليلة القدر فإن ابن أم عبد يقول من يقم الحول يصبها فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن وذكر الحديث نحو ما تقدم من حديث حماد عن عاصم سواء إلى آخره قال وأخبرنا معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول قال ابن عباس دعا عمر أصحاب محمد فسألهم عن ليلة القدر فاجتمعوا أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس فقلت لعمر إني لأعلم أو أني لأظن أي ليلة هي قال عمر فأي ليلة هي فقلت سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر من أين علمت ذلك قال ابن عباس فقلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام وإن الدهر يدور على سبع وخلق الإنسان من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف بالبيت سبع ورمي الجمار سبع لأشياء ذكرها قال فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا له وكان قتادة يزيد على ابن عباس في قوله يأكل من سبع قال هو قول الله تبارك وتعالى {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً} الآية.

قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث دعا عمر أصحاب محمد فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا أنها في العشر الأواخر أولى ما قيل به في هذا الباب وأصحه لأن ما أجمعوا عليه سكن القلب إليه وكذلك النفس أميل إلى أنها في الأغلب ليلة ثلاث وعشرين أو ليلة سبع وعشرين على ما قال ابن عباس في هذا الحديث أنها سابعة تمضي أو سابعة تبقى وأكثر الآثار الثابتة الصحاح تدل على ذلك والله أعلم.

وفيها دليل على أنها في كل رمضان والله أعلم وفي كل ما أوردنا من الآثار في هذا الباب ما يدل على أنها لا علامة لها في نفسها تعرف بها معرفة حقيقية كما تقول العامة حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن الأوزاعي عن مرثد بن أبي مرثد عن أبيه قال كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى فسألته عن ليلة القدر فقال كان أسأل الناس عنها رسول الله أنا قلت يا رسول الله ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رفعت قال : "لا ولكنها تكون إلى يوم القيامة" قلت يا رسول الله فأخبرنا بها قال "لو أذن لي فيها لأخبرتكم ولكن التمسوها في إحدى السبعين ثم لا تسألني عنها بعد مقامك ومقامي" ثم أخذ في حديث فلما انبسط قلت "يا رسول الله أقسمت عليك إلا حدثتني بها فغضب علي غضبة لم يغضب علي قبلها مثلها ولا بعدها مثلها" هكذا قال الأوزاعي عن مرثد بن أبي مرثد وهو خطأ وإنما هو مالك بن مرثد عن أبيه ولم يقم الأوزاعي إسناد هذا الحديث ولا ساقه سياقة أهل الحفظ له

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عكرمة بن عمار قال حدثني أبو زميل سماك الحنفي قال حدثني مالك بن مرثد قال حدثني أبي مرثد قال سألت أبا ذر قلت كنت سألت رسول الله عن ليلة القدر فقال أنا كنت أسأل الناس عنها قال فقلت "يا نبي الله أخبرني عن ليلة القدر في رمضان هي أم رمضان قال بل هي في رمضان قلت تكون مع الأنبياء إذا كانوا فإذا قبضوا رفعت قال بل هي إلى يوم القيامة قلت في أي رمضان قال التمسوها في العشر الأول والعشرالأواخر لا تسألني عن شيء بعدها ثم حدث رسول الله وحدث ثم اهتبلت غفلته فقلت يا رسول الله أخبرني في أي العشرين هي قال التمسوها في الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها ثم حدث رسول الله وحدث ثم اهتبلت غفلته فقلت يا رسول الله أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي فغضب غضبا ما رأيته غضب مثله"

قال يحيى قال عكرمة كلمة لم أحفظها ثم قال التمسوها في السبع البواقي لا تسألني عن شيء بعدها ففي حديث أبي ذر هذا ما يدل على أنها في رمضان كله وإنها أحرى أن تكون في العشر وفي السبع البواقي وجائز أن تكون في العشر الأول وقد قال الله عز وجل {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وقال {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وهذا يدل على أنه لا يدفع أن تكون في رمضان كله والله أعلم لكنها في الوتر من العشر أو السبع البواقي تكون أكثر على ما تدل عليه الآثار وجملة القول في ليلة القدر أنها ليلة عظيم شأنها وبركتها وجليل قدرها هي خير من ألف شهر تدرك فيها هذه الأمة ما فاتهم من طول أعمال من سلف قبلهم من الأمم في العمل والمحروم من حرم خيرها نسأل الله برحمته أن يوفقنا لها وأن لا يحرمنا خيرها آمين وقال سعيد بن المسيب رحمه الله من شهد العشاء ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه منها فسبحان المتفضل على عباده بما شاء لا شريك له المنان المفضل

حديث خامس لحميد الطويل عن أنس متصل صحيح عدل

مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله "الله أكبر خربت خيبر أنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" في هذا الحديث إباحة المشي بالليل فإذا كان ذلك كذلك جاز الاستخدام بالمماليك والأحرار إذا اشترط ذلك عليهم وكانت ضرورة وفيه إتعاب الدواب بالليل عند الحاجة إلى ذلك ما لم يكن سرمدا لأن العلم محيط أنهم لم يخلوا من مملوك يخدمهم وأجير ونحو ذلك وفيه أن الغارة على العدو إنما ينبغي أن تكون في وجه الصباح لما في ذلك من التبيين والنجاح في البكور وفيه أن من بلغته الدعوة من الكفار لم يلزم دعاؤه وجازت الغارة عليه وطلب غفلته وغرته وقد اختلف العلماء في دعاء العدو قبل القتال إذا كانوا قد بلغتهم الدعوة فكان مالك رحمه الله يقول الدعوة أصوب بلغهم ذلك أو لم يبلغهم إلا أن يعجلوا المسلمين أن يدعوهم وقال عنه ابن القاسم لا يبيتوا حتى يدعو وذكر الربيع عن الشافعي في كتاب البويطي مثل ذلك لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلا أن يعجلوا عن ذلك فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة وحكى المزني عن الشافعي من لم تبلغهم الدعوة لم يقاتلوا حتى تبلغهم الدعوة يدعون إلى الإيمان قال وإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى قاتله الدية وقال المزني عنه أيضا في موضع آخر من بلغتهم الدعوة فلا بأس أن يغار عليهم بلا دعوة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن دعوهم قبل القتال فحسن ولا بأس أن يغيروا عليهم وقال الحسن بن صالح بن حي يعجبني كل ما حدث إمام بعد إمام أحدث دعوة لأهل الشرك.

قال أبو عمر : هذا قول حسن والدعاء قبل القتال على كل حال حسن لأن رسول الله كان يأمر سراياه بذلك وكان يدعو كل من يقاتله مع اشتهار كلمته ودينه في جزيرة العرب وعلمهم بمنابذته إياهم ومحاربته لمن خالفه ما أظنه أغار على خيبر وعلى بني المصطلق إلا بأثر دعوته لهم في فور ذلك أو قريب منه مع يأسه عن إجابتهم إياه وكذلك كان تبييته وتبييت جيوشه لمن بيتوا من المشركين على هذا الوجه والله أعلم وفي التبييت حديث الصعب بن جثامة وحديث سلمة بن الأكوع قال "أمر علينا رسول الله أبا بكر فغزونا ناسا فبيتناهم وقتلناهم قال وكان شعارنا في تلك الليلة أمت أمت" قال سلمة فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أبيات من المشركين قال أبو عمر : هذا والله أعلم ومثله لقوم أظهروا العناد والأدنى للمسلمين ويئس من إنابتهم وخيرهم والله أعلم أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا علي بن حرب الطائي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس قال ما قاتل رسول الله قوما حتى يدعوهم وهذا يحتمل ممن لم تبلغهم الدعوة ويحتمل من كل كافر محارب

حدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال "اغزوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال فأيها أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم أدعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم أنهم إن فعلوا فإن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله كما يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم"

قال أبو عمر : هذا من أحسن حديث يروى في معناه إلا أن فيه التحول عن الدار وذلك منسوخ نسخه رسول الله بقوله "لا هجرة بعد الفتح" وإنما كان هذا منه قبل فتح مكة فلما فتح الله عليه مكة قال لهم "قد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية إلى يوم القيامة" حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالعزيز البغوي قال حدثنا خلف بن هشام البزار قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد "أن رسول الله قال يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه فذكر أن الناس طمعوا في ذلك فلما كان من الغد قال أين علي فقال على رسلك أنفذ حتى تنزل بساحتهم فإذا أنزلت بساحتهم فادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم منه من الحق أو من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" .

قال أبو عمر : هذا حديث ثابت في خيبر أنهم لم يقاتلهم حينئذ حتى دعاهم وهو شيء قصر عنه أنس في حديثه وذكره سهل بن سعد وقد روى عن أنس "أن رسول الله أمر عليا أن لا يقاتل

قوما حتى يدعوهم" رواه ابن عيينة عن عمر بن ذر عن ابن أخي أنس بن مالك عن عمه عدا أبو إسحاق الفزاري ابن عيينة في إسناد هذا الحديث وابن عيينة أحفظ إن شاء الله.

قال أبو عمر : فلهذه الآثار قلنا أن الدعاء أحسن وأصوب فإن أغار عليهم ولم يدعهم ولم يشعرهم وكانوا قد بلغتهم الدعوة فمباح جائز لما رواه نافع عن ابن عمر "أن النبي أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذريتهم وكانت فيهم جويرية" أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر التمار بالبصرة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا إسماعيل بن علية قال أخبرنا ابن عون قال كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين عند القتال فكتب إلي أن ذلك كان في أول الإسلام وقد أغار نبي الله على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ جويرية بنت الحرث حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش قال أبو داود هذا حديث نبيل رواه ابن عون عن نافع لم يشركه فيه أحد وروى صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة أن أسامة بن زيد حدثه "أن رسول الله عهد إليه فقال أغر على ابني صباحا وحرق" حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا ابن المبارك وعيسى بن يونس عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن أسامة عن النبي فذكره سواء وحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن صالح بإسناده مثله قال أبو داود وحدثنا محمد بن عمرو الغزي قال سمعت أبا مسهر يقول وقيل له ابنى فقال نحن أعلم هي يبنى فلسطين.

قال أبو عمر : قد روي هذا الحديث عن صالح بن أبي الأخضر وكيع وعيسى بن يونس فقالا فيه يبني كما قال أبو مسهر حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد "أن النبي بعثه إلى قرية يقال لها يبنى فقال ائتها صباحا ثم حرق" وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يعقوب بن كعب حدثنا عيسى بن يونس عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة قال فحدثني أسامة بن زيد "أن رسول الله قال أغر على يبنى ذا صباح وحرق" وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال "كان رسول الله يغير على العدو عند صلاة الصبح ويستمع فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار"

فهذا كله دليل على أنه ربما لم يدع وذلك فيمن بلغته الدعوة فأما من لم تبلغه الدعوة لبعد داره فلا بد من دعائه قال الله عز وجل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وهذا الحديث مما رواه يحيى القطان عن حماد بن سلمة حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا ابن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس الحديث بتمامه وهذا يرد قول من قال أن القطان لا يحدث عن حماد بن سلمة وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير بن لؤلؤ البغدادي بمدينة السلام قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا حماد بن سلمة فذكره وروى عصام المزني عن النبي عليه السلام مثل حديث حماد عن ثابت بن أنس في ذلك وأما قوله في حديث مالك عن حميد عن أنس بمساحيهم ومكاتلهم فإنه يعني المحافر والقفاف كانوا يخرجون لأعمالهم وأما قولهم محمد والخميس فالخميس العسكر والجيش قال حميد بن ثور الهلالي فيما ذكر بعض أهل الخبر ولا يصح له

حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس زعيما

ويروى هذا البيت لليلى الأخيلية وهو صحيح لها وهذه القصيدة مذهبتها فيها قولها :

ومخرق عنه القميص تخاله ... عند اللقاء من الحياء سقيما

حتى إذا رفع اللواء رأيته ... يوم الهياج على الخيمس زعيما

والزعيم في هذا الموضع الرئيس ومنه قول الشاعر :

ولكن الزعامة للغلام

يعني الرئاسة والزعيم في غير هذا الكفيل والضامن من قول الله عز وجل {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} وقال أبو الحسن ابن لنكك في مقصورته :

فزادهم منا خميس جحفل ... تعثر منه الخيل عثرا بالقنا

وقال بكر بن حماد في قصيدة له يرثي بها حبيب بن أويس الطائي يخاطب أخاه سهم بن أوس

أنسيت يوم الجسر خلة وده ... والدهر غض بالسرور المقبل

أيام سار أبو سعيد واليا ... نحو الجزيرة في خميس جحفل

وأما قوله إذا نزل بساحة قوم فالساحة والسحسحة عرصة الدار أخبرني خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال مسلم بن إبراهيم قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال "كنت رديف النبي فلو قلت أن ركبتي تمس ركبته صدقت يعني عام خيبر قال فسكت عنهم حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الضرع إلى ضرعه وذو الزرع إلى زرعه أغار عليهم" وقال "إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" .

قال أبو عمر : قد كان دعاهم وذلك موجود في حديث سهل بن سعد في قصة علي ولا يشك في بلوغ دعوته خيبر لقرب الديار من الديار وفي هذا الحديث إباحة الاستشهاد بالقرآن فيما يحسن ويجمل

حديث سادس لحميد الطويل عن أنس متصل صحيح عدل

مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال احتجم رسول الله حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه هذا يدل على أن كسب الحجام طيب لأن رسول الله لا يوكل إلا ما يحل أكله ولا يجعل ثمنا ولا عوضا ولا جعلا بشيء من الباطل واختلف العلماء في هذا المعنى فقال قوم حديث أنس هذا وما جاء في معناه من إعطاء رسول الله الحجام أجره ناسخ لما حرمه من ثمن الدم وناسخ لما كرهه من أكل إجارة الحجام حدثنا أحمد بن قاسم المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه اشترى غلاما حجاما فكسر محاجمة أو أمر بها فكسرت وقال "إن رسول الله نهى عن ثمن الدم" وهذا حديث صحيح وظاهره عندي على غير ما تأوله أبو جحيفة بدليل ما في حديث أنس هذا لأن نهيه عن ثمن الدم ليس من أجرة الحجام في شيء وإنما هو كنهيه عن ثمن الكلب وثمن الخمر والخنزير وثمن الميتة ونحو

ذلك ولما لم يكن نهيه عن ثمن الكلب تحريما لصيده كذلك ليس تحريم ثمن الدم تحريما لأجرة الحجام لأنه إنما أخذ أجرة تعبه وعمله وكل ما ينتفع به فجائر بيعه والإجارة عليه وقد قال "من السنة قص الشارب" وقال "احفوا الشوارب وأعفوا اللحى" وأمر بحلق الرأس في الحج فكيف تحرم الإجارة فيما أباحه الله ورسوله قولا وعملا فلا سبيل إلى تسليم ما تأوله أبو جحيفة وإن كانت له صحبة لأن الأصول الصحاح ترده فلو كان على ما تأوله أبو جحيفة كان منسوخا بما ذكرنا وبالله توفيقنا.

وقال آخرون كسب الحجام كسب فيه دناءة وليس بحرام وسلم واحتجوا بحديث ابن محيصة أن النبي لم يرخص له في أكله وأمره أن يعلفه نواضجه ويطعمه رقيقه وكذلك روى رفاعة بن نافع قال نهانا رسول الله عن كسب الحجام وأمرنا أن نطعمه نواضحنا فهذا يدل على أنه نزههم عن أكله ولو كان حراما لم يأمرهم أن يطعموه رقيقهم لأنهم متعبدون فيهم كما تعبدوا في أنفسهم هذا قول الشافعي وأتباعه وأظن الكراهة منهم في ذلك من أجل أنه ليس يخرج مخرج الإجارة لأنه غير مقدر ولا معلوم وإنما هو عمل يعطى عليه عامله ما تطيب به نفس معمول له وربما لم تطب نفس العامل بذلك فكأنه شيء قد نسخ بسنة الإجارة والبيوع والجعل المقدر المعلوم وهكذا دخول الحمام عند بعضهم وقد بلغني أن طائفة من الشافعين كرهوا دخول الحمام إلا بشيء معروف وإناء معلوم وشيء محدود يوقف عليه من تناول الماء وغيره وهذا شديد جدا وفي تواتر العمل بالأمصار في دخول الحمام وأجرة الحجام ما يرد قولهم وحديث أنس هذا شاهد على تجويز أجرة الحجام بغير سوم ولا شيء معلوم قبل العلم لأنه لم يذكر ذلك فيه ولو ذكر لنقل وحسبك بهذا حجة وإذا صح هذا كان أصلا في نفسه وفيما كان مثله ولم يجز لأحد رده والله أعلم

أخبرنا سعيد بن سيد وعبد الله بن محمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال سمعت أبا جعفر السبتي يقول لم يكن نهى النبي عن كسب الحجام لتحريم إنما كان على التنزه وكانت قريش تكره أن تأكل من كسب غلمانها في الحجامة وكان الرجل في أول الإسلام يأخذ من شعر أخيه ولحيته ولا يأخذ منه على ذلك شيئا حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن يحيى عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج أن رسول الله قال "كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث" وهذا الحديث لا يخلو أن يكون منسوخا منه كسب الحجام بحديث أنس وابن عباس والإجماع على ذلك أو يكون على جهة التنزه كما ذكرنا وليس في عطف ثمن الكلب ومهر البغي عليه ما يتعلق به في تحريم كسب الحجام لأنه قد يعطف الشيء على الشيء وحكمه مختلف وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع والحمد لله.

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا محمد بن عبد الله المهراني حدثنا محمد بن الوليد القرشي حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن ابن عباس "أن رسول الله احتجم وأعطى الحجام أجره" قال ابن عباس ولو كان به بأس لم يعطه هكذا قال خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن ابن عباس وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال "احتجم رسول الله وأعطى الحجام أجره" ولو علمه خبيثا لم يعطه وفي هذا الحديث إباحة الحجامة وفي معناها إباحة التداوي كله بما يؤلم وبما لا يؤلم إذا كان يرجى نفعه وقد بينا ما للعلماء في إباحة التداوي والرقى من الاختلاف والتنازع وما في ذلك من الآثار في باب زيد بن أسلم والحمد لله

حديث سابع لحميد الطويل عن أنس عدل

هو موقوف في الموطأ وأسندته طائفة عن مالك ليسوا في الحفظ هناك

مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال "قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إذا افتتح الصلاة" هكذا هو في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت موقوفا وروته طائفة عن مالك فرفعته ذكرت فيه النبي عليه السلام وليس ذلك بمحفوظ فيه عن مالك وممن رواه مرفوعا عن مالك الوليد بن مسلم حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن سليمان حدثنا محمد بن وزير حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا مالك عن حميد عن أنس قال صليت خلف رسول الله وأبى بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمان الرحيم إذا افتتح الصلاة وذكره أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث فقال حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك بن أنس عن حميد عن أنس قال "صليت خلف النبي وأبى بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم"

وروى عن أبي قرة موسى بن طارق عن مالك أيضا مرفوعا حدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن محمد بن الأزهر حدثنا محمد بن يوسف حدثنا أبو قرة عن مالك عن حميد عن أنس قال : "صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" وهذا خطأ كله خلاف ما في الموطأ ورواه إسماعيل بن موسى السدى عن مالك مرفوعا أيضا إلا انه اختلف عنه في لفظه حدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن مشكان المروزي حدثنا عبد الله بن محمود المروزي حدثنا إسماعيل بن موسى السدي أخبرنا مالك عن حميد عن أنس "أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي من كتابه حدثنا محمد بن الليث الجوهري حدثنا إسماعيل ابن موسى حدثنا مالك عن حميد عن أنس "أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يستفتحون ببسم الله الرحمان الرحيم" ورفعه أيضا ابن أخي ابن وهب عن ابن وهب عن مالك حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح المقرئ حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب حدثنا عبد الله بن عمر ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن حميد عن أنس

"أن رسول الله كان لا يجهر في القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم" فهذا ما بلغنا من الاختلاف على مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه وهو في الموطأ موقوف ليس فيه ذكر النبي وقد روى هذا الحديث عن أنس قتادة وثابت البناني وغيرهما كلهم أسنده وذكر فيه النبي إلا أنهم اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا مضطربا متدافعا منهم من يقول فيه كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من يقول كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال كانوا لا يتركون بسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وهذا اضطراب لا يقوم معه حجة لأحد من الفقهاء وقد روى عن أنس انه سئل عن هذا الحديث فقال كبرنا ونسينا وقد أوضحنا ما للعلماء في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب وغيرها بوجوه اعتلالهم وآثارهم وما نزعوا به في ذلك في كتاب جمعته في ذلك وهو كتاب الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب من الاختلاف ومضى في ذلك أيضا ما يكفى ويشفى في هذا الكتاب عند قوله في حديث مالك عن العلاء بن عبد الرحمن "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل اقرءوا يقول العبد الحمد لله رب العالمين الحديث بتمامه إلى آخر السورة" وهو أقطع حديث في ترك بسم الله الرحمن الرحيم والله أعلم لأن غيره من الأحاديث قد تأولوا فيها فأكثروا التشغيب والمنازعة وبالله التوفيق.

قال أبو عمر : الاختلاف في بسم الله الرحمن الرحيم على أوجه أحدها هل هي من القرآن في غير سورة النمل والآخر هل هي آية من فاتحة الكتاب أو هي آية من أول كل سورة من القرآن والثالث هل تصح الصلاة دون أن يقرأ بها مع فاتحة الكتاب والرابع هل تقرأ في النوافل دون الفرائض ونختصر القول في القراءة بها ها هنا لأنا قد استوعبنا القول في ذلك كله ومهدناه في كتاب الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف في ذلك قال مالك لا تقرأ في المكتوبة سرا ولا جهرا وفي النافلة إن شاء فعل وإن شاء ترك وهو قول الطبري وقال الثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل تقرأ مع أم القرآن في كل ركعة إلا أن ابن أبي ليلى قال إن شاء جهر بها وإن شاء أخفاها وقال سائرهم يخفيها وقال الشافعي هي آية من فاتحة الكتاب يخفيها إذا أخفى ويجهر بها إذا جهر واختلف قوله هل هي آية في أول كل سورة أم لا على قولين أحدهما هي وهو قول ابن المبارك والثاني لا إلا في فاتحة الكتاب وقد أشبعنا هذا الباب وبسطناه بحجة كل فرقة في كتاب الإنصاف وفي باب العلاء من هذا الكتاب والحمد لله ومما هو موقوف في الموطأ وقد أسنده عن مالك من لا يوثق بحفظه أيضا ما أخبرناه محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا علي بن أحمد بن حامد المعدل حدثنا إبراهيم بن ميمون قال قرئ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبركم ابن وهب حدثني مالك بن أنس وعبد الله بن عمر ويحيى بن أيوب عن حميد عن أنس قال قال رسول الله "ثلاث للثيب وسبع للبكر" لم يسنده غير ابن وهب إن صح عنه وهو في الموطأ عند جميعهم موقوف وقد ذكرنا معنى هذا الحديث مجودا مبسوطا ممهدا بما فيه للعلماء من المذاهب في باب عبد الله بن أبي بكر والحمد لله.

باب حميد الأعرج المكي عدل

وهو حميد بن قيس مولى بني فزارة ومن نسبه إلى ولاء بني فزارة قال هو مولى آل منظور بن سيار وقيل مولى عفراء بنت سيار بن منظور وقال مصعب الزبيري مولى أم هاشم بنت سيار بن منظور الفزاري امرأة عبد الله بن الزبير فنسب إلى الزبير ويقال مولى بني أسد وآل الزبير أسديون أسد قريش وحميد بن قيس مكي ثقة صاحب قرآن يكنى أبا صفوان وقيل أبا عبد الرحمن وإليه يسند كثير من أهل مكة قراءتهم وإلى عبد الله بن كثير وابن محيصن وأخوه عمر بن قيس هو المعروف بسندل مكي ضعيف عندهم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثني أبي عن حميد بن قيس المكي مولى بني أسد بن عبد العزى قال أحمد بن زهير وسمعت يحيى بن معين يقول حميد بن قيس مكي ثقة.

قال أبو عمر : لمالك عنه ستة أحاديث مرفوعة في الموطأ منها حديثان متصلان مسندان ومنها حديث ظاهره موقوف ومنها ثلاثة منقطعات أحدها شركه فيه ثور بن زيد وقد تقدم ذكره في باب ثور بن زيد وتأتي الخمسة في بابه هذا إن شاء الله

حديث أول لحميد بن قيس عدل

مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد أبي الحجاج عن أبن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله قال له "لعلك أذاك هوامك قال فقلت نعم يا رسول الله فقال رسول الله أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك بشاة" هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد متصلا وتابعه القعنبي والشافعي وابن عبد ا لحكم وعتيق ابن يعقوب الزبيري وابن بكير وأبو مصعب وأكثر الرواة وهو الصواب ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن كعب بن عجرة لم يذكروا ابن أبي ليلى وكذلك اخلتف الرواة عن مالك في حديثه عن عبد الكريم الجزري في حديث كعب بن عجرة هذا وسنذكر لك في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله والحديث لمجاهد عن ابن أبي ليلى صحيح لا شك فيه عند أهل العلم بالحديث رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وكذلك رواه أبو بشر وأيوب وابن عون وغيرهم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وهو الصحيح من رواية حميد بن قيس وعبد الكريم الجزري عن مجاهد عن أبن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وابن أبي ليلى هذا هو عبد الرحمن بن أبي ليلى من كبار تابعي الكوفة

وهو والد محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فقيه الكوفة وقاضيها ولأبيه أبي ليلى صحبة وقد ذكرناه في كتابنا من كتاب الصحابة بما يغنى عن ذكره ها هنا.

قال أبو عمر : لم يذكر حميد بن قيس في هذا الحديث كم الإطعام وقد رواه جماعة عن مجاهد كذلك لم يذكروه وذكره جماعة عن مجاهد ومنهم عبد الكريم الجزري من رواية مالك وذكره من غير رواية مالك من حديث مجاهد وغيره جماعة ومن ذكره حجة على من لم يذكره ولم يذكر حميد أيضا في هذا الحديث العلة التي أوجبت ذلك القول من رسول الله لكعب بن عجرة ولا الموضع الذي قال له ذلك فيه وكان ذلك القول منه لكعب وهو محرم زمن الحديبية ذكر ذلك جماعة من حديث مجاهد وغيره وروى مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله وهو محرم فأذاه القمل في رأسه "فأمره رسول الله أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين مدين أو انسك شاة أي ذلك فعلت أجزا عنك" أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن منصور حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثنا أبان يعني ابن صالح عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة الأنصاري قال أصابني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله عام الحديبية حتى تخوفت على بصري قال فانزل الله عز وجل {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} الآية فدعاني رسول الله فقال "أحلق راسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو انسك شاة" فحلقت رأسي ثم نسكت

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا شعبة عن أبي بشر عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : "ملت إلى رسول الله والقمل تتناثر على وجهي فقال يا أبا كعب ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى فأمرني أن أحلق رأسي وأنسك نسيكة أو أطعم ستة مساكين أو أصوم ثلاثة أيام" وفي رواية ابن أبي نجيح عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : "صم ثلاثة أيام أو اطعم فرقا بين ستة مساكين" ورواه أبو قلابة "أو اذبح شاة " من حديث معمر وسيف بن سليمان وورقاء وابن عيينة عن ابن أبي نجيح وكذلك رواه معمر عن أيوب عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال فيه "أو تطعم فرقا بين ستة مساكين" ورواه أبو قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال فيه "فاحلق شعرك واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع تمر بين ستة مساكين" وكذلك قال سليمان بن قرم عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل المزني سمع كعب بن عجرة في هذا الحديث قال أتقدر على نسك قال لا قال فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر ورواه أبو عوانة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني بإسناده مثله سواء وكذلك روى أشعث عن الشعبي عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة إطعام ثلاثة آصع تمر بين ستة مساكين ورواه شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني سمع عبد الله بن معقل سمع كعب بن عجرة في هذا الحديث قال أو اطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام هكذا يقول شعبة في هذا الحديث بهذا الإسناد من طعام لم يقل من تمر

قال أبو عمر : من روى الحديث عن أبي قلابة عن كعب بن عجرة أو عن الشعبي عن كعب بن عجرة فليس بشيء والصحيح فيه عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وأما الشعبي فاختلف فيه عليه فرواه بعضهم عنه عن عبد الرحمن عن كعب بن عجرة وبعضهم جعله عن الشعبي عن كعب بن عجرة وبعضهم عنه عن عبد الله بن مغفل عن كعب بن عجرة وبعضهم جعله عن الشعبي عن كعب بن عجرة ولم يسمع الشعبي من كعب بن عجرة ولا سمعه أبو قلابة من كعب بن عجرة والله أعلم.

قال أبو عمر : كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا فإنما ذكره بشاة وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء وأما الصوم والإطعام فاختلفوا فيه فجمهور فقهاء المسلمين على أن الصوم ثلاثة أيام وهو محفوظ صحيح في حديث كعب بن عجرة وجاء عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا الصوم في فدية الأذى عشرة أيام والإطعام عشرة مساكين ولم يقل بهذا احد من فقهاء الأمصار ولا أئمة الحديث حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثني عمي إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا إبراهيم بن عون عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال كعب بن عجرة "في أنزلت هذه الآية أتيت النبي فقال أدنه فدنوت مرتين أو ثلاثا فقال أتؤذيك هوامك قال ابن عون وأحسبه قال نعم قال فأمرني بصيام أو صدقة أو نسك مما تيسر" قال إسماعيل وحدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال "أتى علي رسول الله زمن الحديبية وأنا أوقد تحت برمة لي والقمل يتناثر على وجهي فقال أتؤذيك هوام رأسك قلت نعم قال "احلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسك نسيكة" قال أيوب لا أدري بأيها بدأ وحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت مجاهدا يحدث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال " أتى على رسول الله زمن الحديبية فذكره حرفا بحرف" ورواه أبو الزبير عن مجاهد حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة الأنصاري أنه حدثه أنه كان أهل في ذي القعدة وأنه قمل رأسه فأتى عليه النبي وهو يوقد تحت قدر له فقال له كأنك تؤذيك هوام رأسك قال أجل قال "أحلق وأهد هديا فقال ما أجد هديا قال فاطعم ستة مساكين فقال ما أجد فقال صم ثلاثة أيام" .

قال أبو عمر : كأن ظاهر هذا الحديث على الترتيب وليس كذلك ولو صح هذا كان معناه الاختيار أولا فأولا وعامة الآثار عن كعب بن عجرة وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن وعليه مضى عمل العلماء في كل الأمصار وفتواهم وبالله التوفيق.

واختلف الفقهاء في الإطعام في فدية الأذى فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم الإطعام في ذلك مدان مدان بمد النبي وهو قول أبي ثور وداود وروى عن الثوري أنه قال في الفدية من البر نصف صاع ومن التمر والشعير والزبيب صاع وروى عن أبي حنيفة أيضا مثله جعل نصف صاع بر عدل صاع تمر وهذا على أصله في ذلك وقال أحمد بن حنبل مرة كما قال مالك والشافعي ومرة قال إن أطعم برا فمد لكل مسكين وإن اطعم تمرا فنصف صاع.

قال أبو عمر : لم يختلف الفقهاء إن الإطعام إنما هو لستة مساكين إلا ما ذكرنا عن الحسن وعكرمة ونافع وهو قول لا يعرج عليه لأن السنة الثابتة تدفعه وقال مالك رحمه الله لا يجزئه أن يغدي المساكين ويعشيهم في كفارة الأذى حتى يعطي كل مسكين مدين مدين بمد النبي وبذلك قال الثوري والشافعي ومحمد ابن الحسن وقال أبو يوسف يجزئه أن يغديهم ويعشيهم.

قال أبو عمر : قال الله عز وجل {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قال ابن عباس المرض أن يكون برأسه قروح والأذى القمل وقال عطاء المرض الصداع والقمل وغيره وحديث كعب بن عجرة أوضح شيء في هذا وأصحه وأولى ما عول عليه في هذا الباب وهو الأصل حدثنا خلف بن القاسم حدثنا محمد بن أحمد بن كامل حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال سمعت أحمد بن صالح يعني المصري يقول حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها أحد من الصحابة غيره ولا رواها عن كعب بن عجرة إلا رجلان عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن معقل وهذه سنة أخذها أهل المدينة وغيرهم عن أهل الكوفة قال أحمد قال ابن شهاب سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يثبتوا كم عدد المساكين وأجمعوا أن الفدية واجبة على من حلق رأسه من عذر وضرورة وأنه مخير فيما نص الله ورسوله عليه مما ذكرنا على حسب ما تقدم ذكره واختلفوا فيمن حلق رأسه من غير ضرورة عامدا أو تطيب لغير ضرورة عامدا أو لبس لغير عذر عامدا فقال مالك بئس ما فعل وعليه الفدية وهو مخير فيها إن شاء صام ثلاثة أيام وإن شاء ذبح شاة وإن شاء أطعم ستة مساكين مدين مدين من قوته أي ذلك شاء فعل وسواء عنده العمد في ذلك والخطأ لضرورة وغير ضرورة وهو مخير في ذلك عنده وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وأبو ثور ليس بمخير إلا في الضرورة لأن الله يقول "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ"

فأما إذا حلق عامدا أو تطيب عامدا لغير عذر فليس بمخير وعليه دم لا غير واختلفوا فيمن حلق أو لبس أو تطيب ناسيا فقال مالك رحمه الله العامد والناسي في ذلك سواء في وجوب الفدية وهو قول أبي حنيفة والثوري والليث وللشافعي في هذه المسألة قولان أحدهما لا فدية عليه والآخر عليه الفدية وقال داود وإسحاق لا فدية عليه في شيء من ذلك إن صنعه ناسيا وأكثر العلماء يوجبون الفدية على المحرم إذا حلق شعر جسده أو أطلا أو حلق موضع المحاجم وبعضهم يجعل عليه في كل شيء من ذلك دما وقال داود لاشيء عليه في حلق شعر جسده

واختلفوا في موضع الفدية المذكورة فقال مالك يفعل ذلك أين شاء إن شاء بمكة وإن شاء ببلده وذبح النسك والإطعام والصيام عنده سواء يفعل ما شاء من ذلك أين شاء وهو قول مجاهد والذبح ها هنا عند مالك نسك وليس بهدي قال والنسك يكون حيث شاء والهدى لا يكون إلا بمكة وحجته في أن النسك يكون بغير مكة حديثه عن يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر وخرج معه من المدينة فمروا على حسين بن علي وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الموت خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه ثم إن حسينا أشار إلى رأسه فأمر علي بن أبي طالب برأسه فحلق ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا قال مالك قال يحيى بن سعيد وكان حسين خرج مع عثمان في سفره إلى مكة فهذا واضح في أن الذبح في فدية الأذى جائز بغير مكة وجائز عند مالك في الهدي إذا نحر في الحرم أن يعطاه غير أهل الحرم لأن البغية فيه إطعام مساكين المسلمين قال ولما جاز الصوم أن يؤتى به في غير الحرم جاز إطعام غير أهل الحرم وقال أبو حنيفة والشافعي الدم والإطعام لا يجزي إلا بمكة والصوم حيث شاء وهو قول طاووس قال الشافعي الصوم مخالف للإطعام والذبح لان الصوم لا منفعة فيه لأهل الحرم وقد قال الله {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} رفقا لمساكين الحرم جيران بيته والله أعلم وقد قال عطاء ما كان من دم فبمكة وما كان من إطعام أو صيام فحيث شاء وعن أبي حنيفة وأصحابه أيضا مثل قول عطاء وعن الحسن أن الدم بمكة ذكر إسماعيل القاضي حديث علي حين حلق رأس حسين ابنه بالسقيا ونسك عنه في موضعه من حديث مالك وغيره عن يحيى بن سعيد ثم قال هذا أبين ما جاء في هذا الباب وأصحه وفيه جواز الذبح في فدية الأذى بغير مكة.

قال أبو عمر : الحجة في ذلك قول الله عز وجل {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ثم قال {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ولم يقل في موضع دون موضع فالظاهر أنه حيث ما فعل أجزا وقد سمى رسول الله ما يذبح في فدية الأذى نسكا ولم يسمه هديا فلا يلزمنا أن نرده قياسا على الهدى ولا أن نعتبره بالهدى مع ما جاء في ذلك عن علي رضي الله عنه ومع استعمال ظاهر الحديث في ذلك والله أعلم

حديث ثان لحميد بن قيس متصل عدل

مالك عن حميد بن قيس الملكي عن مجاهد أنه قال كنت مع عبد ا لله بن عمر فجاءه صائغ فقال يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه فاستفضل في ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها فقال عبد الله بن عمر "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم" .

في هذا الحديث النهى عن التفاضل في الدنانير والدراهم إذا بيع شيء منها بجنسه وقوله فيه الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إرسال ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ وبدليل قوله "الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن" ولا أعلم أحدا من العلماء حرم التفاضل في المضروب العين من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا شيء جاء عن معاوية بن أبي سفيان روي عنه من وجوه وقد أجمعوا على خلافه فأغنى إجماعهم على ذلك عن الاستشهاد فيه بغيره وفي قصة معاوية مع أبي الدرداء إذ باع معاوية السقاية بأكثر من وزنها بيان أن الربا في المصوغ وغير المصوغ والمضروب وغير المضروب

قال أبو عمر : فالفضة السوداء والبيضاء والذهب الأحمر والأصفر كل ذلك لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل وزنا بوزن سواء بسواء على كل حال إلا أن تكون إحدى الفضتين أو إحدى الذهبين فيه دخل من غير جنسه فإن كانت كذلك لم يجز بيع بعضها ببعض البتة على حال إلا أن يحيط العلم أن الدخل فيهما سواء نحو السكة الواحدة لعدم المماثلة لأنا إذا عدمنا حقيقة المماثلة لم نأمن التفاضل وقد ورد الشرع بتحريم الازدياد في ذلك فوجب المنع حتى تصح المماثلة وروى مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في باب نافع إن شاء الله.

قال أبو عمر : المماثلة في الموزونات الوزن لا غير وفي المكيلات الكيل ولو وزن المكيل رجوت أن يكون مماثلة إن شاء الله وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه وعن بعض أصحابه في هذا الباب شيء لا يصح عنه إن شاء الله لأنه قد روي عنه من وجوه خلافه وهو الذي عليه علماء الأمصار فلم أر وجها في ذلك للإكثار.

أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا عبد السلام عن مغيرة عن عبد الرحمن بن أبي نعيم أن أبا سعيد لقي ابن عباس فشهد على رسول الله أنه قال "الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلا بمثل فمن زاد فقد أربا" فقال ابن عباس أتوب إلى الله فيما كنت أفتي به ورجع عنه قال علي وحدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ذكوان أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله يقول "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا زيادة" وبلغه قول ابن عباس قال أبو سعيد فقلت لابن عباس ما هذا الحديث الذي تحدث به أشيء سمعته من رسول الله أو شيء وجدته في كتاب الله فقال ابن عباس ما وجدته في كتاب الله ولا سمعته من رسول الله ولأنتم أعلم برسول الله مني ولكن أسامة بن زيد حدثني أن رسول الله قال "الربا في النسيئة"

قال علي وحدثنا عتيق بن يعقوب الزبيري قال حدثني عبد العزيز بن محمد عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير المكي قال سمعت أبا أسيد الساعدي وابن عباس يفتي في الدينار بالدينارين فأغلظ له أبو أسيد فقال له ابن عباس ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله يقول لي مثل هذا يا أبا أسيد فقال أبو أسيد أشهد لسمعت رسول الله يقول "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم وصاع حنطة بصاع حنطة وصاع شعير بصاع شعير وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بين شيء من ذلك" فقال عبد الله بن عباس هذا شيء إنما كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه شيئا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا سليمان بن علي الربعي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه رجع عن الصرف وقال إنما كان ذلك رأيا مني وهذا أبو سعيد يحدث به عن النبي وروى ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت سليمان بن يسار يزعم أنه سمع مالك بن أبي عامر يحدث عن عثمان بن عفان أن رسول الله قال "لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين" .

قال أبو عمر : لم أر ذكر ما روى ابن عباس ومن تابعه في الصرف ولم أعده خلافا لما روي عنه من رجوعه عن ذلك وفي رجوعه إلى خبر أبي سعيد المفسر وتركه القول بخبر أسامة بن زيد المجمل ضروب من الفقه ليس هذا موضع ذكرها ومن تدبرها ووفق لفهمها أدركها وبالله التوفيق وقد روي عن كثير من أصحاب مالك وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه فيقول للضراب خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي أو دراهم مضروبة في فضتي هذه لأني محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج معه إن ذلك جائز للضرورة وإنه قد عمل به بعض الناس.

قال أبو عمر : هذا مما يرسله العالم عن غير تدبر ولا رواية وربما حكاه لمعنى قاده إلى حكايته فيتوهم السامع أنه مذهبه فيحمله عنه وهذا عين الربا لأن رسول الله قال "من زاد أو ازداد فقد أربى" وقال ابن عمر للصائغ لا في مثل هذه المسألة سواء ونهاه عنها وقال "هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم" وهذا قد باع فضة بفضة أكثر منها وأخذ في المضروب زيادة على غير المضروب وهو الربا المجتمع عليه لأنه لا يجوز مضروب الفضة ومصوغها بتبرها ولا مضروب الذهب ومصوغه بتبره وعينه إلا وزنا بوزن عند جميع الفقهاء وعلى ذلك تواترت السنن عن النبي حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر حدثنا همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال "الذهب بالذهب تبره وعينه والفضة بالفضة تبرها وعينها يعني وزنا بوزن مثلا بمثل يدا بيد من زاد أو ازداد فقد أربى" مختصرا

قال أبو داود ورواه سعيد بن أبي عروبة وهشام عن قتادة عن مسلم بن يسار وقد ذكرنا خبر عبادة بكثير من طرقه في مواضع من هذا الكتاب وقد رد ابن وهب هذه المسألة عن مالك وأنكرها وزعم الأبهري أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئلا يفوت السوق قال وليس الربا إلا على من أراد أن يربي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه ونسي الأبهري أصله في قطع الذرائع وقوله فيمن باع ثوبا بنسيئة وهو لا نية له في شرائه ثم يجده في السوق أنه لا يجوز له أن يبتاعه منه بدون ما به باعه وإن لم يقصد إلى ذلك ولم يبتعه ومثل هذا كثير ولو لم يكن الربا إلا على من قصده ما حرم إلا على الفقهاء خاصة وقد قال عمر لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا أكل الربا والأمر في هذا بين لمن رزق الإنصاف وألهم رشده حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن وردان الرومي أنه سأل ابن عمر فقال إني رجل أصوغ الحلي ثم أبيعه وأستفضل فيه قدر أجرتي أو عمل يدي فقال ابن عمر الذهب بالذهب لا فضل بينهما هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم قال الشافعي يعني بقوله صاحبنا عمر بن الخطاب قال وقول حميد عن مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا خطا

قال أبو عمر : قول الشافعي عندي غلط على أصله لأن حديث ابن عيينة في قوله صاحبنا مجمل يحتمل أن يكون أراد رسول الله وهو الأظهر فيه ويحتمل أن يكون أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر هذا عهد نبينا فسر ما أجمل وردان الرومي وهذا أصل ما يعتمد عليه الشافعي في الآثار ولكن الناس لا يسلم منهم أحد من الغلط وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل وبالله التوفيق.

حديث ثالث لحميد بن قيس مرسل عدل

مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص وبه أثر صفرة فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع فقال له رسول الله "أنزع قميصك هذا واغسل هذه الصفرة عنك وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك" هذا حديث مرسل عند جميع رواة الموطأ فيما علمت ولكنه يتصل من غير رواية مالك من طرق صحيحة ثابتة عن عطاء بن أبي رباح وهو محفوظ من حديث يعلى ابن أمية عن النبي رواه عن عطاء بن أبي رباح جماعة منهم أبو الزبير وعمرو بن دينار وقتادة وابن جريح وقيس بن سعد وهمام بن يحيى ومطر وإبراهيم بن يزيد وعبد الملك بن أبي سليمان ومنصور وابن أبي ليلى والليث بن سعد وأحسنهم رواية له عن عطاء وأتقنهم ابن جريح وعمرو بن دينار وإبراهيم بن يزيد وقيس بن سعد وهمام بن يحيى فإن هؤلاء كلهم رووه عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه عن النبي وهو الصواب فيه وغيرهم رواه عن عطاء عن يعلى وليس بشيء

حدثنا عبد الله ابن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري وحدثنا سعيد بن نصر واللفظ بحديثه قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا همام قال حدثنا عطاء قال حدثنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا أتى النبي وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق أو قال صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال فأنزل على النبي واستتر بثوب قال وكان يعلى يقول وددت أني قد رأيت رسول الله وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر يا يعلى أيسرك أن تنظر إلى رسول الله وقد أنزل عليه قال قلت نعم فرفع طرف الثوب فنظرت إليه فإذا له غطيط وأحسبه كغطيط البكر قال فلما سري عنه قال "أين السائل عن العمرة اخلع عنك الجبة واغسل عنك أثر الخلوق أو قال أثر الصفرة واصنع في عمرتك كما صنعت في حجك" قال "وأتاه رجل آخر قد عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنيته التي عض بها فأبطله النبي "

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق التمار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا همام قال سمعت عطاء قال أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا أتى النبي وهو بالجعرانة فذكره سواء وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا إبراهيم بن يزيد أنه سمع عطاء يقول أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى قال لعمر وددت أني رأيت رسول الله حين يوحى إليه فلما كان بالجعرانة أتاه أعرابي وعليه جبة وهو متضمخ بخلوق وقد أحرم بعمرة فقال أفتني يا رسول الله وأوحي إلى النبي فذكر مثل حديث همام بن يحيى

في هذه القصة إلى آخرها ولم يذكر قصة العاض يد الرجل أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حضرة بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن شعيب بن علي قال أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثني أبي قال سمعت قيس بن سعد يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال أتى رسول الله رجل وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه فقال يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى قال "انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك" حدثنا سعيد بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عطاء عن صفوان بن أمية أنه قال جاء رجل إلى رسول الله متضمخا بالخلوق وعليه مقطعات فقال كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي قال فأنزل الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} قال فقال رسول الله "أين السائل عن العمرة فقال له ألق عنك ثيابك واغتسل واستنق ما استطعت وما كنت صانعه في حجك فاصنعه في عمرتك" هكذا جاء في هذا الحديث صفوان بن أمية نسبة إلى جده وهو صفوان بن يعلى بن أمية رجل تميمي وليس بصفوان بن أمية الجمحي وقد نسبناهما في كتاب الصحابة والحمد لله وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال كنت عند النبي بالجعرانة فأتاه رجل عليه مقطعة يعني جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله إني وعلي هذه فقال النبي "ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه وأغسلها بالخلوق فقال النبي ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك"

حدثنا عبد الرحمن بن مروان قال حدثنا الحسن بن يحيى القاضي القلزمي بالقلزم قال حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا علي بن خشرم قال حدثنا عيسى بن يونس عن ابن جريح عن عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى بن أمية كان يقول لعمر بن الخطاب ليتني أرى رسول الله حين ينزل عليه فبينا هو مع رسول الله في ناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل عليه جبة وهو متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة معه بعدما تضمخ بطيب فسكت ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى بيده أن تعال فجاءه وأدخل رأسه فإذا النبي عليه السلام محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه فقال أين السائل عن العمرة فالتمس الرجل فأتى به فقال النبي "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك" قال ابن جريح كان عطاء يأخذ في الطيب بهذا الحديث فكان يكره الطيب عند الإحرام ويقول إن كان به شيء منه فليغسله وكان يأخذ بشأن صاحب الجبة وكان صاحب الجبة قبل حجة الوداع قال ابن جريح والآخر فالآخر من أمر رسول الله أحق

وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال أخبرنا الحسين بن يحيى قال أخبرنا ابن الجارود قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عثمان بن الهيثم قال حدثنا ابن جريح قال كان عطاء يأخذ بشأن صاحب الجبة وكان شأن صاحب الجبة قبل حجة الوداع قال والآخر فالآخر من أمر رسول الله أحق قال ابن جريح وكان شأن صاحب الجبة أن عطاء أخبرني أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول لعمر ليتني أرى نبي الله حين ينزل عليه فلما كان النبي عليه السلام بالجعرانة وعلى النبي عليه السلام ثوب قد ظلل به ومعه ناس من أصحابه إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخ بطيب فذكر الحديث بتمامه.

قال أبو عمر : روى هذا الحديث عن ابن جريح جماعة منهم يحيى بن سعيد القطان وقال فيه نوح بن حبيب عن القطان عن ابن جريح بإسناده كما ذكرنا وأما الجبة فاخلعها وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراما ذكره أحمد بن شعيب النسائي عن نوح بن حبيب وقال لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث ثم أحدث إحراما غير نوح بن حبيب قال ولا أحسبه محفوظا والله أعلم.

قال أبو عمر : أما قوله في حديث مالك أن أعرابيا جاء إلى رسول الله وهو بحنين فالمراد منصرفه من غزوة حنين والموضع الذي لقي فيه الأعرابي رسول الله هو الجعرانة وهو بطريق حنين بقرب ذلك معروف وفيه قسم رسول الله غنائم حنين والآثار المذكورة كلها تدلك على ما ذكرناه ولا تنازع في ذلك إن شاء الله وأما قوله وعلى الأعرابي قميص فالقميص المذكور في حديث مالك هو الجبة المذكورة في حديث غيره ولا خلاف بين العلماء أن المخيط كله من الثياب لا يجوز لباسه للمحرم لنهي رسول الله المحرم عن لباس القمص والسراويلات وسيأتي ذكر هذا المعنى في حديث نافع إن شاء الله وأما قوله وبه أثر صفرة فقد بان بما ذكرنا من الآثار أنها كانت صفرة خلوق وهو طيب معمول من الزعفران وقد نهى رسول الله المحرم عن لباس ثوب مسه ورس أو زعفران وأجمع العلماء على أن الطيب كله محرم على الحاج والمعتمر بعد إحرامه وكذلك لباس الثياب واختلفوا في جواز الطيب للمحرم قبل الإحرام بما يبقى عليه بعد الإحرام فأجاز ذلك قوم وكرهه آخرون واحتج بهذا الحديث كل من كره الطيب عند الإحرام وقالوا لا يجوز لأحد إذا أراد الإحرام أن يتطيب قبل أن يحرم ثم يحرم لأنه كما لا يجوز للمحرم بإجماع أن يمس طيبا بعد أن يحرم فكذلك لا يجوز له أن يتطيب ثم يحرم لأن بقاء الطيب عليه كابتدائه له بعد إحرامه سواء لا فرق بينهما واحتجوا بأن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبدا لله بن عمر وعثمان بن أبي العاص كرهوا أن يوجد من المحرم شيء من ريح الطيب ولم يرخصوا لأحد أن يتطيب عند إحرامه ثم يحرم وممن قال بهذا من العلماء عطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله على اختلاف عنه ومالك بن أنس وأصحابه ومحمد بن الحسن

رواه ابن سماعة عنه وهو اختيار أبي جعفر الطحاوي ومن حجة من قال بهذا القول من طريق النظر أن الإحرام يمنع من لبس القمص والسراويلات والخفاف والعمائم ويمنع من الطيب ومن قتل الصيد وإمساكه فلما أجمعوا أن الرجل إذا لبس قميصا أو سراويل قبل أن يحرم ثم أحرم وهو عليه أنه يؤمر بنزعه وإن لم ينزعه وتركه كان كمن لبسه بعد إحرامه لبسا مستقبلا ويجب عليه في ذلك ما يجب عليه لو استأنف لبسه بعد إحرامه وكذلك لو اصطاد صيدا في الحل وهو حلال فأمسكه في يده ثم أحرم وهو في يده أمر بتخليته وإن لم يخله كان إمساكه له بعد أن أحرم كابتدائه الصيد وإمساكه في إحرامه قالوا فلما كان ما ذكرنا وكان الطيب محرما على المحرم بعد إحرامه كحرمة هذه الأشياء كان ثبوت الطيب عليه بعد إحرامه وإن كان قد تطيب به قبل إحرامه كتطيبه بعد إحرامه ولا يجوز في القياس والنظر عندهم غير هذا واعتلوا في دفع ظاهر حديث عائشة بما رواه إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال سألت ابن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال لأن أطلى بالقطران أحب إلي من أن أصبح محرما تنضخ مني ريح الطيب قال فدخلت على عائشة فأخبرتها بقول ابن عمر فقالت طيبت رسول الله فطاف على نسائه ثم أصبح محرما قالوا فقد بان بهذا في حديث عائشة أن رسول الله طاف على نسائه بعد التطيب وإذا طاف عليهن اغتسل لا محالة فكان بين إحرامه وتطيبه غسل قالوا فكان عائشة إنما أرادت بهذا الحديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب كما كره ذلك ابن عمر وأما بقاء نفس الطيب على المحرم فلا.

قال أبو عمر : هذا ما احتج به من كره الطيب للمحرم من طريق الآثار ومن طريق النظر وقال جماعة من أهل العلم لا بأس أن يتطيب المحرم عند إحرامه قبل أن يحرم بما شاء من الطيب مما يبقى عليه بعد أحرامه ومما لا يبقى وممن قال بهذا من العلماء أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وجماعة وجاء ذلك أيضا عن جماعة من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبو سعيد الخدري وعائشة وأم حبيبة وعبد الله بن الزبير ومعاوية فثبت الخلاف في هذه المسألة بين الصحابة ومن بعدهم وكان عروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والحسن البصري وخارجة بن زيد لا يرون بالطيب كله عند الإحرام بأسا والحجة لمن ذهب هذا المذهب حديث عائشة قالت طيبت رسول الله لحرمه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت هذا لفظ القاسم بن محمد عن عائشة ومثله رواية عطاء عن عائشة في ذلك وقال الأسود عن عائشة أنها كانت تطيب النبي بأطيب ما تجد من الطيب قالت حتى أني لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته وروى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة قالت "كنت أطيب رسول الله بالغالية الجيدة عند إحرامه" رواه أبو زيد بن أبي الغمر عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن موسى بن عقبة وروى هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن أبي عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة قالت طيبت رسول الله عند إحرامه بأطيب ما أجد وربما قالت بأطيب الطيب لحرمه وحله وقالوا لا معنى لحديث بن المنتشر لأنه ليس ممن يعارض به هؤلاء الأئمة فلو كان مما يحتج به ما كان في لفظه حجة لأن قوله طاف على نسائه يحتمل أن يكون طوافه لغير جماع وجائز أن يكون طوافه عليهن ليعلمهن كيف يحرمن أو لغير ذلك والدليل على ذلك ما رواه إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله بعد ثلاث وهو محرم قالوا والصحيح في حديث ابن المنتشر ما رواه شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه سأل ابن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال لأن أتطيب بقطران أحب إلي من أن أفعل قال فذكرته لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كنت أطيب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا قالوا والنضخ في كلام العرب اللطخ والجري والظهور قال الله عز وجل {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} قال النابغة :

من كل نهكتة نضخ العبير بها ... لا الفحش يعرف من فيها ولا الزور

يريد لطخ العبير بها قالوا ولا معنى لحديث الأعرابي في هذا لمعان.

منها أنه يحتمل أن يكون الأعرابي تطيب بعد ما أحرم ومنها أنه كان عام حنين وتطيب رسول الله عند إحرامه في حجة الوداع فلو كان ما تطيب به الأعرابي يومئذ مباحا للرجال في حال الإحلال محظرا عليهم في الإحرام كان ذلك منسوخا بفعله عام حجة الوداع قالوا وقد صح وعلم أن الطيب الذي كان على الأعرابي يومئذ كان خلوقا والخلوق لا يجوز للرجال في حال الحل ولا في حال الإحرام واحتجوا فيما ذهبوا إليه من هذا بحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله نهى أن يتزعفر الرجل رواه حماد بن زيد وشعبة وإسماعيل بن علية وهشيم كلهم عن عبد العزيز بن صهيب واحتجوا أيضا في ذلك بما رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا سمعنا أبا موسى الأشعري يقول قال رسول الله "لا تقبل صلاة رجل في جسده شيء من خلوق" وبما رواه يوسف بن صهيب عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله "ثلاثة لا تقربهم الملائكة المتخلق والسكران والجنب" وبحديث الحسن عن عمران بن حصين قال قال رسول الله "ألا وطيب الرجال ريح لا لون وطيب النساء لون لا ريح" وروى حميد عن أنس عن النبي عليه السلام مثله ونحوه.

قال أبو عمر : أما مالك رحمه الله فلم ير بلبس الثياب المزعفرة بأسا للرجال والنساء ذكر ابن القاسم عن مالك قال رأيت محمد بن المنكدر يلبس المصبوغ بالزعفران والثوب المورد ورأيت ابن هرمز يلبس الثوب بالزعفران والحجة لهؤلاء في ذلك حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريح أنه قال لابن عمر ورأيتك تصبغ بالصفرة يعني ثيابك فقال ابن عمر رأيت رسول الله يصبغ بها وسيأتي هذا الحديث وما للعلماء في ذلك من القول في باب سعيد بن أبي سعيد إن شاء الله وقد ذكرنا الاختلاف في لباس الثياب المزعفرة للرجال فيما تقدم من كتابنا هذا في باب حميد الطويل وسيأتي منه ذكر صالح في باب سعيد بن أبي سعيد إن شاء الله قالوا وما روي عن عمر رحمه الله في كراهيته للطيب على المحرم فيحتمل أن يكون لئلا يراه جاهل فيظن أنه تطيب بعد الإحرام فيستجيز بذلك الطيب بعد الإحرام وكان عمر كثير الاحتياط في مثل هذا ألا ترى أنه نهى طلحة بن عبيد الله عن لبس الثوب المصبوغ بالمدر خوفا أن يراه جاهل فيتسجيز بذلك لبس الثياب المصبغة قالوا وفي لفظ عمر لمعاوية عزمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسله عنك دليل على أنه لم يكن ذلك عنده محرما لأن من أتى ما لا يحل ليس يقال له عزمت عليك لتتركن ما لا يحل لك لا سيما في عمر ومعاوية فقد كان عمر يضرب بالدرة على أقل من هذا أجل من معاوية وأسن قالوا ولو صح عن عمر ما ذهب إليه من كره الطيب عند الإحرام لم تكن فيه حجة لوجود الاختلاف بين الصحابة في ذلك والمصير إلى السنة فيه وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال قالت عائشة أنا طيبت رسول الله لإحرامه قال سالم وسنة رسول الله أحق أن تتبع وروى الثوري عن منصور عن سعيد بن جبير قال كان ابن عمر لا يدهن إلا بالزيت حين يريد أن يحرم قال منصور فذكرت ذلك لإبراهيم فقال ما تصنع بهذا

حدثني الأسود عن عائشة أنها قالت "كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله وهو محرم" وروى مالك عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الوليد بن عبد الملك سأل سالم بن عبد الله وخارجة بن زيد بن ثابت بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض عن الطيب فنهاه سالم وأرخص له خارجة بن زيد قال إسماعيل بن إسحاق جاء عن عائشة بالإسناد الصحيح أنها قالت "كنت أطيب رسول الله لحرمه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت" وقد كانت عائشة تفتي بذلك بعد النبي حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أن أباه كان يكره الطيب عند الإحرام وكان يعلم أن عائشة كانت تفتي بأنه لا بأس بالطيب عند الإحرام قال إسماعيل وجاء عن عمر بالأسانيد الصحاح أنه كره الطيب عند الإحرام وبعد رمي الجمرة قبل الطواف بالبيت وأمر معاوية أن تغسل أم حبيبة عنه الطيب وقال في خطبته بعرفة "إذا رميتم الجمرة ونحرتم فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب لا يمس أحد طيبا ولا نساء حتى يطوف بالبيت" وهذا بمحضر جماعة الصحابة فما رد قوله ذلك عليه أحد ولا أنكره منكر وجاء عن عثمان في ذلك مثل مذهب عمر وعن ابن عمر مثل ذلك ولا يقع في القلب أنهم جهلوا ما روت عائشة ولا أنهم يقصدون لخلاف رسول الله ولكنه يمكن أن يكون علموا نسخ ذلك وإذا كان ذلك ممكنا فالاحتياط التوقف فمن اتقى ذلك فقد احتاط لنفسه قال وأما التابعون فاختلفوا في ذلك أيضا فذهبت جماعة منهم إلى ما روي عن عائشة وجماعة إلى ما روي عن عمر وقال أبو ثابت قلت لابن القاسم هل كان مالك يكره أن يتطيب إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض قال نعم قلت فإن فعل أترى عليه الفدية قال لا أرى عليه شيئا لما جاء فيه وقال مالك لا بأس أن يدهن المحرم قبل أن يحرم وقبل أن يفيض بالزيت المطيب مما لا ريح له.

قال أبو عمر : لا معنى لمن قاس الطيب على الثياب والصيد لأن السنة قد فرقت بين ذلك فأجازت التطيب عند الإحرام بما يرى بعد الإحرام في المفارق والشعر ويوجد ريحه من المحرم وحظرت على المحرم أن يحرم وعليه شيء من المخيط أو بيده شيء من الصيد ومن جعل الطيب قياسا على الثياب والصيد فقد جمع بين ما فرق رسول الله وأكثر المسلمين بينه وقد شبه بعض الفقهاء الطيب قبل الإحرام بالواطئ قبل الفجر يصبح جنبا بعد الفجر ولم يكن له أن ينشئ الجنابة بعد الفجر وهو قياس صحيح إن شاء الله ولكن إنكاره للمحرم أن يشم الطيب بعد إحرامه إذا أجاز التطيب قبل الإحرام مناقض تارك للقياس لأن الاستمتاع من رائحة الطيب لمن تطيب قبل إحرامه أكثر من شمه من غيره والله أعلم وهم لا يجيزون مس الطيب اليابس ولا حمله في الخرق إذا ظهر ريحه وهذا كله دليل على صحة قول من كره الطيب للمحرم وهو الاحتياط وبالله التوفيق واختلف الفقهاء فيمن تطيب بعد إحرامه جاهلا أو ناسيا فكان مالك يرى الفدية على كل من قصد إلى التطيب بعد إحرامه عامدا أو ناسيا أو جاهلا إذا تعلق بيده أو ببدنه شيء منه والطيب المسك والكافور والزعفران والورس وكل ما كان معروفا عند الناس بأنه طيب لطيب رائحته وأما شم الرياحين والمرور في سوق الطيب وإن كان ذلك مكروها عنده فإنه لا شيء على من وصل إليه رائحته إذا لم يعلق بيديه أو بدنه منه شيء وقال الشافعي إن تطيب جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه وإن تطيب عامدا فعليه الفدية قال والفرق في التطيب بين الجاهل والعامد أن النبي أمر الأعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة وغسل الصفرة ولم يأمره بفدية ولو كانت عليه فدية لأمره بها كما أمره بنزع الجبة لم يختلف قول الشافعي في الجاهل واختلف قوله في الناسي يلبس أو يتطيب ناسيا فمرة أوجب عليه الفدية ومرة لم ير عليه فدية وفي هذا الحديث رد على من زعم من العلماء أن الرجل إذا أحرم وعليه قميص كان عليه أن يشقه وقالوا لا ينبغي أن ينزعه كما ينزع الحلال قميصه لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه وذلك لا يجوز له فلذلك أمر بشقه

وممن قال بهذا من العلماء الحسن والشعبي والنخعي وأبو قلابة وسعيد بن جبير على اختلاف عنه ذكر سعيد بن منصور قال حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس عن الحسن قال هشيم وأخبرني مغيرة عن إبراهيم والشعبي أنهم قالوا إذا أحرم الرجل وعليه قميصه فليخرقه حتى يخرج منه وروى شعبة عن المغيرة عن إبراهيم قال إذا أحرم الرجل وعليه قميص فليخرقه قال أحدهما يشقه وقال الآخر يخلعه من قبل رجليه وذكر الطحاوي قال حدثنا روح بن الفرج قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير قال يخرقه ولا ينزعه هكذا قال وهو عندي خطأ لأن الثوري روى عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال ينزع ثيابه ولا يخرقها وهو الصحيح إن شاء الله عن سعيد بن جبير ذكره عبد الرزاق وغيره عن الثوري وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال إن أحرم في قميص شقه.

قال أبو عمر : احتج من ذهب إلى هذا المذهب بما رواه عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما بينا النبي جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه فقيل له فقال واعدتهم يقلدون هديي اليوم فنسيت ذكره عبد ا لرزاق عن داود بن قيس عن عبد الرحمن بن عطاء ورواه أسد بن موسى عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر عن جابر بن عبد الله قال كنت عند النبي جالسا فقد قميصه من جيبه حتى إذا أخرجه من رجليه فنظر القوم إلى النبي فقال إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على كذا وكذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنه وأقام بالمدينة وقال جمهور فقهاء الأمصار ليس على من نسي فأحرم وعليه قميصه أن يخرقه ولا يشقه وممن قال ذلك مالك وأصحابه والشافعي ومن سلك سبيله وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والثوري وسائر فقهاء الأمصار وأصحاب الآثار وحجتهم في ذلك حديث عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه في قصة الأعرابي الذي أحرم وعليه جبة فأمره رسول الله أن ينزعها وهو الحديث المذكور في هذا الباب ولا خلاف بين أهل العلم بالحديث أنه حديث ثابت صحيح وحديث جابر الذي يرويه عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عندهم حديث ضعيف لا يحتج به وهو عندهم أيضا مع ضعفه مردود بالثابت عن عائشة أنها قالت كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ثم يقلده ويبعث به فلا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي وإن كان جماعة العلماء قالوا إذا أشعر هديه أو قلده فقد أحرم وقال آخرون إذا كان يريد بذلك الإحرام وسنذكر هذا المعنى مجردا في باب عبد الله بن أبي بكر إن شاء الله ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن النبي قال لرجل أحرم في قميص "أنزع عنك القميص واغسل عنك الطيب حسبته قال ثلاث مرات" قال قتادة فقلت لعطاء أن ناسا يقولون إذا أحرم في قميصه فليشقه قال لا لينزعه إن الله لا يحب الفساد وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عطاء بإسناده مثله سواء وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال من أحرم في قميص فلينزعه ولا يشقه.

قال أبو عمر : ليس نزع القميص بمنزلة اللباس في أثر ولا نظر فأما الأثر فقد ذكرناه في قصة الأعرابي وأما النظر فإن المحرم لو حمل على رأسه شيئا لم يعد ذلك معد لبس القلنسوة وكذلك من تردى بإزار وحلل به بدنه لم يحكم له بحكم لباس المخيط وفي هذا دليل على أنه إنما نهى عن لباس الرأس القلنسوة في حال الإحرام اللباس المعهود وعن لباس الرجل القميص اللباس المعهود وعلم أن النهي إنما وقع في ذلك وقصد به إلى من قصد وتعمد فعل ما نهى عنه من اللباس في حال إحرامه اللباس المعهود في حال إحلاله فخرج بما ذكرنا ما أصاب الرأس من القميص المنزوع هذا ما يوجب النظر إن شاء الله وأما قوله وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك فكلام خرج على لفظ العموم والمراد به الخصوص وقد تبين ذلك في سياقة ابن عيينة له عن عمرو بن دينار حيث قال فقال له النبي عليه السلام ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه يعنى الجبة وأغسل هذا الخلوق فقال النبي "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك" أي من هذا الذي ذكرت من نزع القميص وغسل الطيب فخرج كلامه في حديث مالك وما كان مثله على جواب السائل فيما قصده بالسؤال عنه وهذا إجماع من العلماء أنه لا يصنع المعتمر عمل الحج كله وإنما عليه أن يتم عمل عمرته وذلك الطواف والسعي والحلاق والسنن كلها والإجماع يدلك على أن قوله في هذا الحديث وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك كلام ليس على ظاهره وأنه لفظ عموم أريد به الخصوص على ما وصفنا من الاقتصار به على جواب السائل في مراده وبالله التوفيق.

تم السفر الأول من كتاب التمهيد بحمد الله وعونه إن شاء الله تعالى حديث رابع لحميد بن قيس منقطع والله المعين برحمته

حديث رابع لحميد بن قيس منقطع عدل

مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال دخل على رسول الله بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما ما لي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما يا رسول الله أنه تسرع إليهما العين ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك فقال رسول الله "استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين" هكذا جاء هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة فيما علمت وذكره ابن وهب في جامعه فقال حدثني مالك بن أنس عن حميد بن قيس عن عكرمة بن خالد قال دخل على رسول الله فذكر مثله سواء وهو مع هذا كله منقطع ولكنه محفوظ لأسماء بنت عميس الخثعمية عن النبي من وجوه ثابتة متصلة صحاح وهي أمهما وقد يجوز والله أعلم أن تكون مع ذلك حاضنتها المذكورة في حديث مالك هذا وكانت أسماء بنت عميس رحمها الله تحت جعفر ابن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة وولدت هناك عبد الله بن جعفر ومحمد بن جعفر وعون بن جعفر وهلك عنها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قتل يوم مؤتة بمؤتة من أرض الروم فخلف عليها بعده أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر بالبيداء بذي الحليفة على ما روي من اختلاف ألفاظ ذلك الحديث عام حجة الوداع فأمرها أن تغتسل ثم لتهل ثم توفي أبو بكر رضي الله عنه فخلف عليها بعده علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي وقد ذكرنا خبرها مستوعبا في كتاب النساء من كتابنا في الصحابة وجائز أن تكون حاضنتهما غيرها وقد رويت قصة أسماء بنت عميس في ابني جعفر بن أبي طالب والاسترقاء لهما من حديثها ومن حديث جابر بن عبد الله وقوله في الحديث مالي أراهما ضارعين يقول ما لي أراهما ضعيفين ضئيلين ناحلين وللضرع في اللغة وجوه منها الضعف قال صاحب كتاب العين الضرع الصغير الضعيف قال والضرع والضراعة أيضا التذلل يقال قد ضرع يضرع وأضرعته الحاجة وأما الحاضن فهو الذي يضم الشيء إلى نفسه ويستره ويكنفه وأصله من الحضن والمحتضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح تقول العرب الحمامة تحضن بيضها حدثني أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو يعني ابن دينار قال أخبرني عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله إن ابني جعفر يصيبهما العين أفأ سترقي لهما "قال نعم لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين" .

قال أبو عمر : عروة بن عامر روى عن ابن عباس وعبيد بن رفاعة روى عنه عمرو بن دينار وحبيب بن أبي ثابت والقاسم بن أبي بزة وله أخ يسمى عبيد الله بن عامر روى عن ابن عمر وروى عنه ابن أبي نجيح ولهما أخ ثالث أصغر منهما اسمه عبد الرحمن بن عامر

روى عنه سفيان بن عيينة وهم مكيون ثقات أخبرني أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا ابن حبابة ببغداد قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن ابن باباه عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله فذكر مثله سواء وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا إبراهيم بن علي بن غالب التمار قال حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان قال حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم قال حدثنا حجاج عن ابن جريح قال أخبرني عطاء عن أسماء بنت عميس أن النبي نظر إلى بنيها بني جعفر فقال "ما لي أرى أجسامهم ضارعة قالت يا نبي الله إن العين تسرع إليهم أفأر قيهم قال وبماذا فعرضت عليه كلاما ليس به بأس فقال أرقيهم به" وبه عن حجاج عن ابن جريح قال أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول "كان رسول الله يرخص لبني عمرو بن حزم في رقية الحمة" قال وقال لأسماء بنت عميس "ما شأن أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم حاجة قالت لا ولكن تسرع إليهم العين أفنرقيهم قال وبماذا فعرضت عليه فقال أرقيهم"

وحدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أسامة قال حدثنا روح قال حدثنا ابن جريح قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إن النبي يقول لأسماء بنت عميس "ما شأن أجسام بني أخي ضارعة" فذكر مثله سواء حدثنا خلف بن قاسم حدثنا ابن المفسر حدثنا أحمد بن علي حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج عن ابن جريح عن أبي الزبير عن جابر أن النبي قال لأسماء بنت عميس "مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم أفأرقيهم قال بماذا فعرضت عليه كلاما قال لا بأس به فارقيهم" وفي هذا الحديث إباحة الرقى للعين وفي ذلك دليل على أن الرقى مما يستدفع به أنواع من البلاء إذا أذن الله في ذلك وقضى به وفيه أيضا دليل على أن العين تسرع إلى قوم فوق إسراعها إلى آخرين وأنها تؤثر في الإنسان بقضاء الله وقدرته وتضرعه في أشياء كثيرة قد فهمته العامة والخاصة فأغنى ذلك عن الكلام فيه وإنما يسترقى من العين إذا لم يعرف العائن وأما إذا عرف الذي أصابه بعينه فإنه يؤمر بالوضوء على حسب ما يأتي ذكره وشرحه وبيانه في باب ابن شهاب عن ابن أبي أمامة من هذا الكتاب ثم يصب ذلك الماء على المعين على حسب ما فسره الزهري مما قد ذكرناه هنالك فإن لم يعرف العائن استرقي حينئذ للمعين فإن الرقى مما يستشفى به من العين وغيرها وأسعد الناس من ذلك من صحبه اليقين وما توفيقي إلا بالله

وفي إباحة الرقى إجازة أخذ العوض عليه لأن كل ما انتفع به جاز أخذ البدل منه ومن احتسب ولم يأخذ على ذلك شيئا كان له الفضل وفي قوله لو سبق شيء القدر لسبقته العين دليل على أن الصحة والسقم قد جف بذلك كله القلم ولكن النفس تطيب بالتداوي وتأنس بالعلاج ولعله يوافق قدرا وكما أنه من أعطى الدعاء وفتح عليه فلم يكد يحرم الإجابة كذلك الرقى والتداوي من الهم شيئا من ذلك وفعله ربما كان ذلك سببا لفرجه ومنزلة الذين لا يكتبون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون أرفع وأسنى ولا حرج على من استرقى وتداوى وقد ذكرنا اختلاف الناس في هذا الباب عند ذكر حديث زيد بن أسلم من كتابنا هذا وبينا الحجة لكل فريق منهم وبالله التوفيق حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه أنه قال "يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها وتقى نتقيها وأدوية نتداوى بها هل ترد من القدر أو تغني من القدر شيئا فقال رسول الله إنها من القدر" قال إسماعيل ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي خزامة أحد بني الحارث بن سعد عن أبيه أنه سأل رسول الله مثله سواء هكذا حدث به سليمان بن بلال عن يونس ورواه عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري عن أبي خزامة أن الحرث بن سعد أخبره أن أباه أخبره قال إسماعيل والصواب ما قاله سليمان عن يونس.

قال أبو عمر : ورواه يزيد بن زريع عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه كما قال ابن عيينة سواء لم ينسبه ورواه حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن رجل من بني سعد عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها مثله سواء لم يذكر اسمه ولا كنيته.

قال أبو عمر : قد روى ابن عباس عن النبي نحو حديث أسماء بنت عميس في هذا الباب حدثناه خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا وهيب قال حدثنا ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي قال "العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا" .

قال أبو عمر : قوله وإذا استغسلتم فاغسلوا يعني غسل المعاين المصاب بالعين

وسترى معنى ذلك مجودا في كتابنا هذا عند ذكر حديث ابن شهاب عن أبي أمامة بعون الله تعالى.

أخبرنا عبد الرحمن حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني سفيان الثوري عن منصور عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال "كان رسول الله يعوذ حسنا وحسينا أعيذكما بكلمة الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ثم يقول هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ إسماعيل وإسحاق"

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك قال "أعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" .

قال أبو عمر : سيأتي للرقى ذكر في مواضع من هذا الديوان على حسب تكرار أحاديث مالك في ذلك وفي كل باب منها نذكر من الأثر ما ليس في غيره إن شاء الله.

حديث خامس لحميد بن قيس يدخل في المرفوع بالدليل عدل

مالك عن حميد بن قيس المكي عن طاووس اليماني "أن معاذ بن جبل الأنصاري أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لم أسمع من رسول الله فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله" فتوفي رسول الله قبل أن يقدم معاذ بن جبل.

هذا الحديث ظاهره الوقوف على معاذ بن جبل من قوله إلا أن في قوله أنه لم يسمع من النبي فيما دون الثلاثين والأربعين من البقر شيئا دليلا واضحا على أنه قد سمع منه في الثلاثين والأربعين ما عمل به في ذلك مع أنه لا يكون مثله رأيا وإنما هو توقيف ممن أمر بأخذ الزكاة من المؤمنين يطهرهم ويزكيهم بها ولا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر عن النبي وأصحابه ما قال معاذ بن جبل في ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين مسنة والتبيع والتبيعة في ذلك عندهم سواء قال الخليل التبيع العجل من ولد البقر وحديث طاووس عندهم عن معاذ غير متصل ويقولون أن طاووسا لم يسمع من معاذ شيئا وقد رواه قوم عن طاووس عن ابن عباس عن معاذ إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه.

أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا احمد بن عمرو البزار قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن شبوية المروزي قال حدثنا حيوة بن شريح بن يزيد قال حدثنا بقية عن المسعودي عن الحكم عن طاووس عن ابن عباس قال لما بعث رسول الله معاذ بن جبل إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة ومن كل أربعين بقرة مسنة قالوا فالأوقاص قال ما أمرت فيها بشيء وسأسال رسول الله إذا قدمت عليه فلما قدم على رسول الله سأله فقال ليس فيها شيء

قال أبو عمر : لم يسنده عن المسعودي عن الحكم غير بقية بن الوليد وقد اختلفوا في الاحتجاج بما ينفرد به بقية عن الثقة وله روايات عن مجهولين لا يعرج عليهم وقد رواه الحسن بن عمارة عن الحكم عن طاووس عن ابن عباس عن معاذ كما رواه بقية عن المسعودي عن الحكم والحسن مجتمع على ضعفه وقد روي عن معاذ هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاووس ذكره عبد الرزاق قال أخبرنا معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال بعثه النبي إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر.

وذكر عبد الرزاق أيضا عن معمر والثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال وفي البقر من كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وفي كل أربعين مسنة وكذلك في كتاب النبي لعمرو بن حزم وكذلك في كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر وعلي ذلك مضى جماعة الخلفاء ولم يختلف في ذلك العلماء إلا شيء روي عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وقتادة ولو ثبت عنهم لم يلتفت إليه لخلاف الفقهاء له من أهل الرأي والأثر بالحجاز والعراق والشام وسائر أمصار المسلمين إلى اليوم الذي جاء في ذلك عن النبي وأصحابه على ما في حديث معاذ هذا وفيه ما يرد قولهم لأنهم يوجبون في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين واختلف الفقهاء من هذا الباب فيما زاد على الأربعين فذهب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وجماعة أهل الفقه من أهل الرأي والحديث إلى أن لا شيء في ما زاد على الأربعين من البقر حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها مسنة وتبيع إلى ثمانين فتكون فيها مسنتان إلى تسعين فيكون فيها ثلاثة تبابيع إلى مائة فيكون فيها تبيعان ومسنة ثم هكذا أبدا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة وبهذا كله أيضا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة ما زاد على الأربعين فبحساب ذلك وتفسير ذلك على مذهبه أن يكون في خمس وأربعين مسنة وثمن وفي خمسين مسنة وربع وعلى هذا كل ما زاد قل أو كثر هذه الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وقد روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف ومحمد ومالك والشافعي وسائر الفقهاء وكان إبراهيم النخعي يقول في ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين مسنة وفي خمسين مسنة وربع وفي الستين تبيعان وكان الحكم وحماد يقولان إذا بلغت خمسين فبحساب ما زاد.

قال أبو عمر : لا أقول في هذا الباب إلا ما قاله مالك ومن تابعه وهم الجمهور والله الموفق للصواب وذكر عبد الرزاق عن ابن جريح قال أخبرني عمرو بن دينار أن طاووسا أخبره أن معاذا قال لست آخذ في أوقاص البقر شيئا حتى آتي رسول الله فإن رسول الله لم يأمرني فيها بشيء قال ابن جريج وقال عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند منذ بعثه النبي إلى اليمن حتى مات النبي وأبو بكر ثم قدم على عمر فرده على ما كان فيه عليه.

قال أبو عمر : الجند من اليمن هو بلد طاووس وتوفي طاووس سنة ست ومائة وتوفي معاذ سنة خمس عشرة أو أربع عشرة في طاعون عمواس بالشام وقيل سنة ثمان عشرة وهو الصحيح وهو قول جمهورهم في طاعون عمواس أنه سنة ثمان عشرة وفي طاعون عمواس مات معاذ وأبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وقد ذكرنا خبره ووفاته في كتاب الصحابة والحمد لله على ذلك كثيرا.

باب الخاء خبيب بن عبد الرحمن عدل

خبيب بن عبد الرحمن رجل من الأنصار مدني ثقة وهو خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف بن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشام بن الحارث الأنصاري يكنى خبيب شيخ مالك هذا أبا محمد وقيل يكنى أبا الحرث لمالك عنه من مسندات الموطأ حديثان متصلان.

حديث أول لخبيب بن عبد الرحمن متصل صحيح عدل

مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة قال قال رسول الله "سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا ورجل ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" هكذا في رواية يحيى وأكثر رواة الموطأ في هذا الحديث إمام عادل وقد رواه بعضهم عدل وهو المختار عند أهل اللغة يقال رجل عدل ورجال عدل وامرأة عدل وكذلك رضا سواء قال زهير فهم رضا وهم عدل ويجوز عادل على اسم الفاعل يقال عدل فهو عادل كما يقال ضرب فهو ضارب إلا أن للعادل في اللغة معاني مختلفة منها العدول عن الحق ومنها الإشراك بالله عز وجل وليس هذان المعنيان من هذا الحديث في شيء ومن الشاهد على أنه يقال لفاعل العدل عادل قول الشاعر

ومن كان في إخوانه غير عادل ... فما أحد في العدل منه بطامع

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وأحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية قالا حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر القطان قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل" وذكر الحديث وروى هذا الحديث عن مالك كل من نقل الموطأ عنه فيما علمت على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد إلا مصعبا الزبيري وأبا قرة موسى بن طارق فإنهما قالا فيه عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا عن النبي

أخبرنا خلف بن قاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا المفضل بن محمد حدثنا علي بن زياد حدثنا موسى بن طارق قال ذكر مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا قال رسول الله "سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل" فذكر الحديث سواء كلفظ يحيى وحدثنا محمد قال حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا إبراهيم الحربي حدثنا مصعب حدثنا مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي قال "سبعة يظلهم الله في ظله" ثم ذكره وكذلك رواه أبو معاذ البلخي عن مالك ورواه الوقار عن ثلاثة من أصحاب مالك عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي سعيد الخدري وحده لم يذكر أبا هريرة على الجمع ولا على الشك.

أخبرنا علي بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو محمد سعيد بن أحمد بن زكرياء كاتب العمري زكرياء بن يحيى الوقار حدثنا عبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم ويوسف بن عمر بن يزيد كلهم يقول حدثني مالك بن أنس عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم بن عمر قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله "سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله" وساق الحديث إلى آخره عن أبي سعيد وحده ولم يتابع الوقار على ذلك عنهم وإنما هو في الموطأ عنهم على الشك في أبي هريرة أو أبي سعيد والحديث محفوظ لأبي هريرة بلا شك من رواية خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة ومن غير هذا الإسناد أيضا والذي رواه عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة من غير شك عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو أحد أئمة أهل الحديث الأثبات في الحفظ والنقل رواه عن عبيد الله جماعة منهم حماد بن زيد وابن المبارك ويحيى القطان وأنس بن عياض كلهم رواه عنه كما وصفت لك

حدثنا خلف بن القاسم وأحمد بن فتح وعبد الرحمن بن يحيى قالوا حدثنا حمزة بن محمد الكناني بمصر قال حدثنا العباس بن حماد ابن فضالة البصري بالبصرة وعلى بن سعيد الرازي قالا حدثنا محمد بن عبيد بن خباب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثني خالي خبيب بن عبد الرحمن عن جدي حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله "سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله إمام مقتصد وشاب نشأ في عبادة الله حتى توفي على ذلك" وذكر الحديث وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر قال حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي قال "سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا على ذلك ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة وأخفاها حتى لم تعلم شماله ما أنفقت يمينه" .

قال أبو عمر : هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال وأعمها وأصحها إن شاء الله وحسبك به فضلا لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف والظل في هذا الحديث يراد به الرحمة والله أعلم ومن رحمة الله الجنة قال الله عز وجل {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} وقال {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} وقال {فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} وروي عن النبي من حديث المقداد بن الأسود أنه قال "تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم على قدر ميل أو كمقدار ميل قال فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون فيه إلى كعبيه ومنهم من يكون فيه إلى ركبتيه ومنهم من يكون فيه إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما وأشار رسول الله بيده إلى فيه" ورواه يحيى وحمزة وبقية بن الوليد عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر قال حدثني سليم بن عامر الخبايري قال حدثنا المقداد بن الأسود هذا لفظ حديث يحيى بن حمزة وفيه قال سليم بن عامر والله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي يكتحل به.

قال أبو عمر : من كان في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله نجا من هول ذلك الموقف إن شاء الله والله أعلم جعلنا منهم برحمته آمين.

ويدخل تحت قوله عليه السلام إمام عادل بالمعنى دون اللفظ كل من لزمه الحكم بين اثنين ويوضح لك ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" الحديث وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي عن رسول الله "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في أهليهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا" وروى أبو مدلة عن أبي هريرة عن النبي قال "الإمام العادل لا ترد دعوته" وقال علي بن أبي طالب رحمه الله على المنبر في يوم الجمعة أيها الرعاء إن لرعيتكم حقوقا الحكم بالعدل والقسم بالسوية وما من حسنة أحب إلى الله من حكم إمام عادل وفي فضل الإمام العادل وفضل الشاب الناسك وفضل المشي إلى المسجد والصلاة فيه وانتظار الصلاة بعد الصلاة وفي المتحابين في الله وفي البغض في الله والحب في الله وفي العين الباكية من خوف الله مع قول الله {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وفي العفة فضلها وفي ذم الزنا وأنه من الكبائر وما انضاف إلى هذا المعنى من قصة ذي الكفل وفي فضل الصدقة في السر مع قول الله عز وجل {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وفي تضعيف الله الصدقة المقبولة من الكسب الطيب إلى سائر ما ينتظم بهذه المعاني آثار كثيرة جدا تحتمل أن يفرد لها كتاب فضلا عن أن ترسل في باب ومن طلب العلم لله فالقليل يكفيه إن شاء الله وبالله التوفيق.

حديث ثان لخبيب بن عبد الرحمن متصل صحيح عدل

مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي" هكذا روى هذا الحديث عن مالك رحمه الله رواة الموطأ كلهم فيما علمت على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد على نحو الحديث الذي قبله إلا معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبد الرحمن بن مهدي فإنهم قالوا فيه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا على الجمع لا على الشك حدثنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن أبي الحارث أخبرنا معن حدثنا مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله "قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي"

وحدثناه أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا مالك بن أنس عن خبيب بن عبد الرحمن أن حفص بن عاص أخبره عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله قال "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي" رواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بإسناده فجعله عن أبي هريرة وحده ولم يذكر معه أبا سعيد حدثناه عبد الرحمن بن يحيى حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا أحمد ابن شعيب حدثنا إسحاق بن منصور وحدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر حدثنا أحمد بن سنان قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا مالك عن خبيب عن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" والحديث محفوظ لأبي هريرة بهذا الإسناد كذلك رواه عبيد الله بن عمر عن خبيب بهذا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان عن عبيد الله بن عمر عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أن رسول الله قال "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي" .

قال أبو عمر : في تأويل قول النبي "ما بين بيتي ومنبري وروي ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" فقال قوم معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة وقال آخرون هذا على المجاز.

قال أبو عمر : كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكرم ما يجتني فيها وأضافها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة كما قال "الجنة تحت ظلال السيوف" يعني أنه عمل يوصل به إلى الجنة وكما يقال الأم باب من أبواب الجنة يريدون أن برها يوصل المسلم إلى الجنة مع أداء فرائضه وهذا جائز سائغ مستعمل في لسان العرب والله أعلم بما أراد من ذلك وقد استدل أصحابنا على أن المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث وركبوا عليه قوله موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وهذا لا دليل فيه على شيء مما ذهبوا إليه لأن قوله هذا إنما أراد به ذم الدنيا والزهد فيها والترغيب في الآخرة فأخبر إن اليسير من الجنة خير من الدنيا كلها وأراد بذكر السوط والله أعلم التقليل لا أنه أراد موضع السوط بعينه بل موضع نصف سوط وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية وهذا مثل قول الله عز وجل {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَار}ٍ لم يرد القنطار بعينه وإنما أراد الكثير {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ} لم يرد به الدينار بعينه وإنما أراد القليل أي أن منهم من يؤتمن على بيت مال فلا يخون ومنهم من يؤتمن على فلس أو نحوه فيخون على أن قوله روضة من رياض الجنة محتمل ما قال العلماء فيه مما قد ذكرناه فلا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه والمواضع كلها والبقاع أرض الله فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بخبر يجب التسليم له وإني لأعجب ممن يترك قول رسول الله إذ وقف بمكة على الحزورة وقيل على الحجون وقال "والله إني أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت" وهذا حديث صحيح رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء جميعا عن النبي فكيف يترك مثل هذا النص الثابت ويمال إلى تأويل لا يجامع متأوله عليه.

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره أنه سمع النبي يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" وتابع شعيبا على مثل هذا الإسناد سواء صالح بن كيسان ويونس بن يزيد وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلهم عن ابن شهاب بإسناده مثله ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي مثله وقد رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد روى مالك ما يدل على أن مكة أفضل الأرض كلها ولكن المشهور عن أصحابه في مذهبه تفضيل المدينة حدثنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض بالهند أو السند قال يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون الله فقالوا مرحبا مرحبا بأبي البشر إنا ننتظرك ها هنا منذ ألفي سنة

حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال رأيت النبي وهو واقف على راحلته الحزورة يقول "والله إنك لخير أرض وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" وكان مالك رضي الله عنه يقول من فضل المدينة على مكة إني لا أعلم بقعة فيها قبر نبي معروف غيرها وهذا والله أعلم وجهه عندي من قول مالك فإنه يريد ما لا يشك فيه وما يقطع العذر خبره وإلا فإن الناس يزعم منهم الكثير أن قبر إبراهيم ببيت المقدس وإن قبر موسى هناك أيضا حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا محمد بن إسحاق السجسي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر بن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة في حديث ذكره قال فسأل موسى ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر يعني عند وفاته قال أبو هريرة لو كنت ثم لأريتكم قبره تحت الطريق إلى جانب الكثيب الأحمر وذكره البخاري بهذا الإسناد مرفوعا إلى النبي مثله.

قال أبو عمر : إنما يحتج بقبر رسول الله وبفضائل المدينة بما جاء فيها عن النبي وعن أصحابه على من أنكر فضلها وكرامتها وأما من أقر بفضلها وعرف لها موضعها وأقر أنه ليس على وجه الأرض أفضل بعد مكة منها فقد أنزلها منزلتها وعرف لها حقها واستعمل القول بما جاء عن النبي في مكة وفيها لأن فضائل البلدان لا تدرك بالقياس والاستنباط وإنما سبيلها التوقيف فكل يقول بما بلغه وصح عنده غير حرج والآثار في فضل مكة عن السلف أكثر وفيها بيت الله الذي رضي من عباده على الحط لأوزارهم بقصده مرة في العمر وقد زدنا هذا المعنى بيانا في باب زيد بن رباح وذكرنا هنالك اختلاف العلماء في ذلك وبالله التوفيق.

وأما قوله في هذا الحديث "ومنبري على حوضي" فزعم بعض أهل العلم من أهل الكلام في معاني الآثار أنه أراد والله أعلم أن له منبرا يوم القيامة على حوضه كأنه قال ولي أيضا منبر على حوضي أدعو الناس إليه لا أن منبره ذلك على حوضه وقال آخرون يحتمل أن يكون الله تبارك وتعالى يعيد ذلك المنبر ويرفعه بعينه فيكون يومئذ على حوضه وبالله التوفيق.

قال أبو عمر : الأحاديث في حوضه متواترة صحيحة ثابتة كثيرة والإيمان بالحوض عند جماعة علماء المسلمين واجب والإقرار به عند الجماعة لازم وقد نفاه أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وأهل الحق على التصديق بما جاء عنه في ذلك .

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا العباس بن الوليد قال قال سفيان بن عيينة الإيمان قول وعمل ونية والإيمان يزيد وينقص والإيمان بالحوض والشفاعة والدجال.

قال أبو عمر : على هذا جماعة المسلمين إلا من ذكرنا فإنهم لا يصدقون بالشفاعة ولا بالحوض ولا بالدجال والآثار في الحوض أكثر من أن تحصى وأصح ما ينقل ويروى ونحن نذكر في هذا الباب ما حضرنا ذكره منها لأنها مسألة مأخوذة من جهة الأثر لا ينكرها من يرضى قوله ويحمد مذهبه وبالله التوفيق.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن حصين عن أبي وائل عن حذيفة قال قال النبي "ليردن على الحوض أقوام إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحرث بن أبي أسامة حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله "أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن رجالا من أصحابي ولأغلبن عليهم ثم ليقالن لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله عن النبي قال "أنا فرطكم على الحوض وليدفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" قال البخاري تابعه عاصم عن أبي وائل وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي ورواه الأعمش عن أبي وائل شقيق عن عبد الله عن النبي "أنا فرطكم على الحوض" لم يزد.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن سلام السويقي قال حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة قال قال رسول الله "ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني فإذا رفعوا إلي اختلجوا دوني فلأقولن يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إسماعيل بن عياش قال حدثنا محمد بن مهاجر عن العباس بن سالم اللخمي قال بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام فحمل على البريد فلما قدم عليه قال أبو سلام لقد شق على محمد بن علي البريد ولقد أشفقت على رحلي قال ما أردنا المشقة عليك يا أبا سلام ولكن بلغني عنك حديث ثوبان مولى رسول الله في الحوض فأحببت أن أشافهك به قال سمعت ثوبان مولى رسول الله يقول سمعت رسول الله يقول "إن حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكاويبه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين فقال عمر بن الخطاب من هم يا رسول الله قال هم الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا يفتح لهم أبواب السدد" فقال عمر بن عبد العزيز والله لقد نكحت المتنعمات فاطمة بنت عبد الملك وفتحت لي أبواب السدد إلا أن يرحمني الله لا جرم لا ادهن رأسي حتى تشعث ولا أغسل ثوبي الذي يلي جلدي حتى يتسخ حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا صدقة بن خالد قال حدثنا زيد بن واقد قال حدثني أبو سلام عن ثوبان مولى رسول الله أن النبي قال "إن حوضي كما بين عدن إلى عمان أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك أكاويبه كنجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وأكثر الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين قال قلنا يا رسول الله ومن فقراء المهاجرين قال الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون كل الذي لهم"

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا سعيد وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معد أن بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان مولى رسول الله أنه قال "إني لبعقر الحوض يوم القيامة أذود الناس عنه لأهل اليمن أضربهم بعصاي حتى ترفض عليهم قال فسئل رسول الله عن عرضه فقال من مقامي هذا إلى عمان وسئل عن بياضه فقال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يصب فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما ذهب والآخر ورق"

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار بندار قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا شعبة وأبو عوانة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان مولى رسول الله عن رسول الله قال "إني لبعقر الحوض أذود عنه لأهل اليمن بعصاي" فذكر مثله سواء إلى آخره وزاد فيه همام عن قتادة بإسناده هذا فذكر آنيته مثل عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال قال رسول الله "تردون على الحوض فتجدوني أذود لأهل اليمن بعصاي حتى أرفض عنهم قالوا يا رسول الله ما عرضه فقال من مقامي هذا إلى عمان قالوا فما شرابه قال أبرد من الثلج وأحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن يصب فيه ميزابان من الجنة ميزاب من ذهب وميزاب من فضة ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا فادعوا الله أن يجعلكم من وارديه" قال أحمد بن زهير كذا يقول الأعمش في أحاديث سالم عن ثوبان وقتادة يدخل بين سالم وثوبان معدان بن أبي طلحة.

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني المعروف بعبدوس قال حدثنا سلام بن سليمان الثقفي المدائني قال حدثنا سويد بن عبد العزيز عن ثابت بن عجلان قال سمعت فلانا يحدث عمر بن عبد العزيز فقال له عمر حدثني بحديث ثوبان قال نعم سمعت ثوبان يقول سمعت رسول الله يقول "حوضي ما بين عدن إلى أيلة فيه من الآنية بعدد نجوم السماء أحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك وأبيض من اللبن من شرب منه شربة لم يظمأ بعد أبدا وأول ما يرد عليه الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا تفتح لهم السدد" حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن علي الاشناني قال حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن زبريق قال حدثني عمرو بن الحرث قال حدثنا عبد الله بن سالم الأشعري قال حدثنا الزبيدي قال أخبرني محمد بن مسلم الزهري عن محمد بن علي حسين عن عبيد الله بن أبي رافع قال كان أبو هريرة يحدث عن النبي قال "يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى" أما قوله فيحلؤون عن الحوض أي يحبسون عنه ويمنعون منه تقول العرب حلأت الإبل أي حبستها عن وردها قال الشاعر :

وقبل ذاك مرة حلأتها ... تكلؤني كمثل ما كلأتها

وبإسناده عن الزبيدي قال حدثنا لقمان بن عامر عن سويد بن جبلة عن العرباض بن سارية أن النبي قال "لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام إبل وردت لشربها" .

قال أبو عمر : اختلف أصحاب ابن شهاب عنه في هذا الحديث فرواه الزبيدي واسمه محمد بن الوليد عن ابن شهاب عن محمد بن علي عن ابن رافع عن أبي هريرة ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال كان أبو هريرة يحدث عن النبي مثل حديث الزبيدي سواء ومعناه ورواه عقيل عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب كان يحدث عن أصحاب رسول الله قال "يرد على الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى" ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله قال "يرد على الحوض يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض" مثل حديث الزبيدي هكذا حدث به عن يونس أحمد بن سعيد الحبطي عن أبيه عن يونس ورواه أحمد بن صالح عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يحدث عن أصحاب النبي أن النبي قال "يرد على الحوض رجال من أصحابي" مثله بمعناه وروى سعيد بن عفير عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله قال "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء وإن فيه من الأباريق عدد نجوم السماء" وذكره البخاري عن سعيد بن عفير وحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج قال حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني ابن مسافر عن ابن شهاب أن رسول الله قال "إن قدر حوضي ما بين أيلة إلى صنعاء وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء"

حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا مسلمة بن قاسم حدثنا جعفر بن محمد حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا عمرو بن ثابت حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال "خطب رسول الله فقال ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع والذي نفسي بيده أن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة وإني فرطكم على الحوض أيها الناس إلا وسيجيء أقوام يوم القيامة فيقول القائل منهم يا رسول الله أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفت ولكنكم ارتددتم ورجعتم على أعقابكم القهقرى" ورواه شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب وحمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال "يزعمون أن قرابتي ورحمي لا تنفع والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة ثم قال أيها الناس أنا فرطكم على الحوض يوم القيامة وليرفعن لي قوم ممن صحبني وليمرن بهم ذات اليسار فينادي الرجل يا محمد أنا فلان بن فلان ويقول آخر يا محمد أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم على أعقابكم القهقرى" قيل لشريك يا أبا عبد الله علام حملتم هذا الحديث قال علي أهل الردة رواه أبو قتيبة وعبد الرحمن بن شريك

وذكره الطبري فقال حدثنا الحسن بن شبيب المكتب قال حدثنا شريك قال أنبأنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله فذكره قال الحسن بن شبيب قال أخي لشريك يا أبا عبد الله علام حملتم هذا الحديث قال علي أهل الردة يا أبا شيبة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير ومحمد بن إسماعيل بن سالم أبو جعفر الصايغ بمكة في المسجد الحرام واللفظ له قالا حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي أبو غسان قال حدثنا يعقوب ابن عبد الله القمي الأشعري عن حفص بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله "إني ممسك بحجزكم هلم عن النار وتغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفراش والجنادب وأوشك أن أرسل حجزكم وأفرط لكم على الحوض وتردون علي معا أشتاتا فأعرفكم بأسمائكم وسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة في إبله فيؤخذ بكم ذات الشمال وأناشد فيكم رب العالمين أي رب رهطي أي رب أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك أنهم كانوا يمشون القهقرى" قال أحمد بن زهير سمعت يحيى بن معين يقول يعقوب القمى صالح الحديث.

قال أبو عمر : وحفص بن حميد ثقة كوفي وغيرهما في هذا الإسناد أشهر من أن يحتاج إلى ذكرهم حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قالا حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر قال حدثني أبو حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول سمعت رسول الله يقول "أنا فرطكم على الحوض من ورد علي شرب ومن شرب لم يظمأ بعدها أبدا إلا ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم"؟ .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى قال أخبرنا شعبة قال أخبرنا معبد بن خالد قال سمعت حارثة بن وهب الخزاعي قال قال رسول الله "ما بين ناحيتي حوضي ما بين المدينة وعمان" فقال له المستورد سمعت منه شيئا غيرها فقال نعم "آنية كعدد نجوم السماء" ومن حديث شعبة أيضا عن عبد الملك قال سمعت جندبا قال سمعت النبي يقول "أنا فرطكم على الحوض" ذكره البخاري عن عبدان عن أبيه عن أبي شعبة وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر "أن رسول الله خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم والله إني لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها" وذكره البخاري عن عمرو بن خالد بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن الليث بن سعد فذكر بإسناده مثله سواء حرفا بحرف إلى آخره

أخبرنا خلف بن القاسم وعبد الرحمن بن مروان قالا حدثنا الحسن ابن رشيق قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا يحيى بن صالح الايلي عن المثنى بن الصباح عن عطاء بن عباس عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله "تعوذوا بالله من إمارة السفهاء قالوا يا رسول الله وما إمارة السفهاء قال سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم دورهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد على حوضي ومن لم يدخل عليهم دورهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد على حوضي يا كعب لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به يا كعب الناس غاديان فمبتاع نفسه فمنقذها أو بائغ نفسه فموبقها يا كعب الصلاة برهان والصيام جنة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار" .

قال أبو عمر : المثنى بن الصباح ضعيف الحديث لا حجة في نقله ولكن صدرهذا الحديث قد روي عن كعب بن عجرة من غير طريق المثنى والحمد لله وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني أبو حصين عن الشعبي عن عاصم العدوى عن كعب بن عجرة قال خرج علينا رسول الله أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من آدم فقال "إنه سيكون من بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس يرد على الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد على الحوض" .

وروى ابن عمر عن النبي مثله وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد البجلي وابن أبي العقب جميعا قالا حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا يحيى بن حمزة قال حدثني يزيد بن أبي مريم أن أبا عبد الله حدثه عن أم الدرداء قالت قال أبو الدرداء قال رسول الله "أنا فرطكم على الحوض فلا ألفين ما نوزعت أحدكم فأقول هذا مني فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك قال فقلت يا رسول الله أدع الله أن لا يجعلني منهم قال لست منهم" وروى ابن المبارك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن الصنابحي قال سمعت رسول الله يقول "أنا فرطكم على الحوض وإني مكاثر بكم الأمم فلا تقاتلن" ومن حديث سلمان قال سمعت رسول الله يقول "أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب" ورواه الثوري عن سلمة بن كهيل عن حية العرني عن عليم الكندي عن سلمان الفارسي قال "أول هذه الأمة ورودا على نبيها أولها إسلاما علي بن أبي طالب" رواه عبد الرزاق عن الثوري فاختلف عليه فيه فمنهم من رواه عنه عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن عليم عن سلمان ومنهم من رواه كما ذكرنا ورواه يحيى بن هاشم عن الثوري عن سلمة عن أبي صادق عن حنش عن عليم عن سلمان حدثناه أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحرث بن أبي أسامة حدثنا يحيى بن هشام حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن حنش بن المعتمر عن عليم الكندي عن سلمان الفارسي قال رسول الله "أولكم واردا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب"

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن علي الاشناني حدثنا أبو جعفر النفيلي قال حدثنا مسكين قال حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس قال قال رسول الله "إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني فإن موعدكم الحوض" وذكر أبو الربيع سليمان بن داود الرشديني ابن أخت رشيدين بن سعد في كتاب الجنائز الكبيرة من موطأ بن وهب ولم يروه عن ابن وهب غيره فيما علمت قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عبد الله بن عمر ومالك بن أنس والليث بن سعد ويونس بن يزيد وجرير بن حازم عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى على الجنازة يقول "اللهم بارك فيه وأغفر له وصل عليه وأورده حوض رسولك" حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله "ألا إن أمامكم حوضا ما بين ناحيتيه كما بين جربا وأذرح"

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي قال "أمامكم حوض كما بين جربا وأذرح" حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا محمد بن حيون قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة عن أبي صبرة عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال "ألا وإن لي حوضا وإن فيه من الأباريق مثل الكواكب هو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا" حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن أبي مرة الهذلي في حديث طويل ذكره سمع عبد الله بن عمرو بن العاصي قال حدثني رسول الله قال "إن موعدكم حوضي عرضه مثل طوله هو أبعد ما بين أيلة إلى مكة فذاك مسيرة شهر فيه أمثال الكواكب أباريق أشد بياضا من الفضة من ورده فشرب منه لم يظمأ أبدا" فقال عبد الله بن زياد ما حدثت عن الحوض أثبت من هذا أنا أشهد أنه حق

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثني نافع عن ابن عمر عن بن أبي مليكة قال قال عبد الله بن عمر قال النبي "حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه فلا يظمأ أبدا" قال وحدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد بن مطرف قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي "أنا فرطكم على الحوض ومن مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم" قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال أهكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال أشهد على أبي سعيد الخدري سمعته وهو يزيد فيها فيقول "إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول فسحقا لمن غير بعدي" قال البخاري وحدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة أنه حدثه عن أسماء ابنة أبي بكر قالت قال النبي "إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيدخل أناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم" فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن في ديننا وحدثنا سعيد بن سيد وعبد الله بن محمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا الحسن بن عبد الله الزبيدي قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن حميد في الرفاعي قال حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله "بروا آباءكم يبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم ومن تنصل الله فلم يقبل لم يرد على الحوض" وهذا حديث غريب من حديث مالك ولا أصل له في حديث مالك عندي والله أعلم.

حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا علي بن الحسين بن سليمان القطيعي قال حدثنا محمد بن يوسف بن أسوار اليماني أبو حمة قال حدثنا أبو قرة موسى بن طارق عن ابن جريح عن أبي الزبير عن جابر سمعه يقول سمعت رسول الله يقول "أنا فرطكم بين أيديكم فإن لم تجدوني فعلى الحوض ما بين أيلة إلى مكة" .

قال أبو عمر : تواتر الآثار عن النبي في الحوض حمل أهل السنة والحق وهم الجماعة على الإيمان به وتصديقه وكذلك الأثر في الشفاعة وعذاب القبر والحمد لله رب العالمين.

آخر السفر الأول من الأصل المنقول منه أيضا وهو بخط الشيخ أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد التجيفي القرطبي المالكي الإمام بالجامع الأموي بدمشق

باب الدال داود بن الحصين عدل

داود بن الحصين أبو سليمان مولى عبد الله بن عمرو بن عثمان كذا قال مصعب الزبيري وقال ابن إسحاق داود بن الحصين مولى عمرو بن عثمان مدني جائز الحديث وقال يحيى بن معين داود بن الحصين ثقة قال مالك رحمه الله كان لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يكذب في الحديث قال ذلك فيه وفي ثور بن زيد وكانا جميعا ينسبان إلى القدر وإلى مذهب الخوارج ولم ينسب إلى واحد منهما كذب وقد احتملا في الحديث وروى عنهما الثقات الأئمة قال مصعب كان داود بن الحصين يؤدب بني داود بن علي مقدم داود بن علي المدينة وكان فصيحا عالما وكان يتهم برأي الخوارج قال ومات عكرمة عند داود بن الحصين كان مختفيا عنده وكان عكرمة يتهم برأي الخوارج وتوفي داود بن الحصين بالمدينة سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة لمالك عن داود من مرفوع حديث الموطأ أربعة أحاديث منها ثلاثة متصلة وواحد مرسل

حديث أول لداود بن الحصين عدل

مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد أنه قال سمعت أبا هريرة يقول : "صلى رسول الله صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت فقال رسول الله كل ذلك لم يكن فقال قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله على الناس فقال أصدق ذو اليدين فقالوا نعم فقام رسول الله فأتم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين بعد التسليم وهو جالس" هكذا في كتاب يحيى عن مالك في هذا الحديث صلى رسول الله ولم يقل لنا وقال ابن القاسم وغيره في هذا الحديث بهذا الإسناد عن أبي هريرة صلى لنا رسول الله صلاة العصر.

قرأت على عبد الرحمن بن يحيى أن الحسن بن الخضر حدثهم قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد سمعت أبا هريرة يقول صلى لنا رسول الله صلاة العصر وذكر الحديث وكذلك رواه أكثر الرواة للموطأ ومنهم من يقول صلى بنا وقد تقدم القول في معنى حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين بما فيه كفاية في باب أيوب من كتابنا هذا فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا وأما قوله في هذا الحديث كل ذلك لم يكن يعني أن القصر والسهو لم يجتمعا لأنه عليه السلام قد كان متيقنا إن الصلاة لم تقصر وإنما الذي شك فيه السهو لا غير ويدل على ذلك قولهم له قد كان بعض ذلك يا رسول الله ويجوز أن يكون قوله كل ذلك لم يكن في علمي أي لم أسه في علمي ولا قصرت الصلاة ولا يجوز أن يقال قصرت الصلاة في علمي لأنه كان يعلم أن الصلاة لم تقصر

حديث ثان لداود بن الحصين متصل صحيح عدل

مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي سعيد الخدري "أن رسول الله نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء التمر بالتمر في رؤوس لنخل والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة" قد جاء في هذا الحديث مع جودة إسناده تفسير المزابنة والمحاقلة وأقل أحواله إن لم يكن التفسير مرفوعا فهو من قول أبي سعيد الخدري وقد أجمعوا أن من روى شيئا وعلم مخرجه سلم له في تأويله لأنه أعلم به وقد جاء عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله في تفسير المزابنة نحو ذلك روى ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي نهى عن المزابنة قال عبد الله بن عمر والمزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه بتمر كيلا إن كانت نخلا أو زبيبا إن كانت كرما أو حنطة إن كانت زرعا.

قال أبو عمر : هذا أبين شيء وأوضحه في ذلك وروى حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار "أن ابن عمر سئل عن رجل باع ثمر أرضه من رجل بمائة فرق يكيل له منها فقال ابن عمر نهى رسول الله عن هذا وهو المزابنة" وروى ابن عيينة عن ابن جريح عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال "نهى رسول الله عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وألا يباع إلا بالدناينر والدراهم إلا العرايا" قال سفيان المخابرة كراء الأرض بالحنطة والمزابنة بيع ما في رؤوس النخل بالتمر والمحاقلة بيع السنبل من الزرع بالحب المصفى كان هذا الحديث سقط من نسختي هذه ومن الأصل فبقي الكلام غير تام فألحقته من كتاب الاستذكار لأبي عمر رحمه الله وبه يتصل قوله فهؤلاء ثلاثة من الصحابة قد فسروا المزابنة بما تراه ولا مخالف لهم علمته بل قد أجمع العلماء على أن ذلك مزابنة وكذلك أجمعوا على أن كل ما لا يجوز إلا مثلا بمثل أنه لا يجوز منه كيل بجزاف ولا جزاف بجزاف لأن في ذلك جهل المساواة ولا يؤمن مع ذلك التفاضل ولم يختلفوا أن بيع الكرم بالزبيب والرطب بالتمر المعلق في رؤوس النخل والزرع بالحنطة مزابنة إلا أن بعضهم قد سمى بيع الحنطة بالزرع محاقلة أيضا وسنذكر مذاهبهم في المحاقلة ومعانيهم فيها بعد الفراغ من القول في معنى المزابنة عندهم في هذا الباب إن شاء الله

أما مالك رحمه الله فمذهبه في المزابنة أنها بيع كل مجهول بمعلوم من صنف ذلك كائنا ما كان سواء كان مما يجوز فيه التفاضل أم لا لأن ذلك يصير إلى باب المخاطرة والقمار وذلك داخل عنده في معنى المزابنة وفسر المزابنة في الموطأ تفسيرا يوقف به على المراد من مذهبه في ذلك وبينه بيانا شافيا يغني عن القول فيه فقال كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده فلا يجوز ابتياعه بشيء من الكيل أو الوزن أو العدد يعنى من صنفه ثم شرح ذلك بكلام معناه كرجل قال لرجل له تمر في رؤوس شجر أو صبرة من طعام أو غيره من نوى أو عصفر أو بزر كتان أو حب بان أو زيتون أو نحو ذلك أنا آخذ زيتونك بكذا وكذا ربعا أو رطلا من زيت أعصرها فما نقص فعلي وما زاد فلي وكذلك حب البان أو السمسم بكذا وكذا رطلا من البان أو الجلجلان أو كرمك بكذا وكذا من الزبيب كيلا معلوما فما زاد فلي وما نقص فعلي وكذلك صبر العصفر أو الطعام وما أشبه هذا كله قال مالك فليس هذا ببيع ولكنه من المخاطرة والغرر والقمار فيضمن له ما سمى من الكيل أو الوزن أو العدد على أن له ما زاد وعليه ما نقص فهذا غرر ومخاطرة وعند مالك أنه كما لم يجز أن يقول له أنا أضمن لك من كرمك كذا وكذا من الزبيب معلوما أو من زيتونك كذا وكذا من الزيت معلوما ومن صبرتك في القطن أو العصفر أو الطعام كذا وكذا وزنا أو كيلا معلوما فكذلك لا يجوز أن يشترى شيئا من ذلك كله مجهولا بمعلوم من صنفه مما يجوز فيه التفاضل ومما لا يجوز

وقد نص على أنه لا يجوز بيع الزيتون بالزيت ولا الجلجلان بدهن الجلجلان ولا الزبد بالسمن قال لأن المزابنة تدخله ومن المزابنة عنده بيع اللحم بالحيوان من صنفه ولو قال رجل لآخر أنا أضمن لك من جزورك هذه أو من شاتك هذه كذا وكذا رطلا ما زاد فلي وما نقص فعلي كان ذلك مزابنة فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يشتروا الجزور ولا الشاة بلحم لأنهم يصيرون عنده إلى ذلك المعنى وسنذكر ما للعلماء في بيع اللحم بالحيوان في باب زيد بن أسلم إن شاء الله وقال إسماعيل بن إسحاق لو أن رجلا قال لصاحب البان أعصر حبك هذا فما نقص من مائة رطل فعلي وما زاد فلي فقال له أن هذا لا يصلح فقال أنا أشتري منك هذا الحب بكذا وكذا رطلا من البان لدخل في المزابنة لأنه قد صار إلى معناها إذا كان البان الذي اشترى به حب البان قد قام مقاما لم يكن يجوز له من الضمان الذي ضمنه في عصر البان قال إسماعيل ولو أن صاحب البان اشترى معلوما بمعلوم من البان متفاضلا لجاز عند مالك لأنه اشترى شيئا عرفه بشيء قد عرفه فخرج من باب القمار قال أبو الفرج وكذلك السمسم بدهنه إذا كانا معلومين فإن كان معلوما بمجهول لم يجز وقد اختلف قول مالك في غزل الكتان بثوب الكتان وغزل الصوف بثوب الصوف.

وتحصيل مذهبه أن ذلك يجوز نقدا إذا كان معلوما بمعلوم وقال أبو الفرج إذا أريد بابتياع شيء من المجهول الانتفاع به لوقته وكان ذلك مما جرت به العادة جاز بيعه كلبن الحليب بالمخيض إذا أريد بالحليب وقته وكالقصيل بالشعير إذا أريد قطع القصيل لوقته وكالتمر بالبلح إذا جد البلح لوقته قال وكذلك لا بأس ببيع كل ما خرج عن أن يكون مضمونا من المجهول كدهن البان المطيب بحبه وكالشعير بالقصيل الذي لا يكون منه شعير واختلف قول مالك في النوى بالتمر فيما ذكر ابن القاسم فمرة كرهه وجعله مزابنة وقال في موضع آخر لا بأس بذلك قال ابن القاسم لأنه ليس بطعام قال أبو الفرج ظن ابن القاسم أنه ليس من باب المزابنة فاعتل أنه ليس بطعام والمنع منه أشبه بقوله

قال أبو عمر : لم يختلف قول مالك أنه لا يجوز شراء السمسم أو الزيتون على أن على البائع عصره قال مالك لأنه إنما اشترى منه ما يخرج من زيته ودهنه وأجاز بيع القمح على أن على البائع طحنه قال ابن القاسم قال لي مالك فيه غرر وأرجو أن يكون خفيفا وقال إسماعيل كأن مالكا كان عنده ما يخرج من القمح معلوما لا يتفاوت إلا قريبا فأخرجه من باب المزابنة وجعله من باب بيع وإجارة كمن ابتاع من رجل ثوبا على أن يخيطه له.

قال أبو عمر : قد أوردنا من أصول مذهب مالك في المزابنة ما يوقف به على المراد والبغية والله أعلم وأما الشافعي فقال جماع المزابنة أن ينظر كل ما عقد بيعه وفي الفضل في بعضه ببعض يدا بيد ربا فلا يجوز منه شيء يعرف بشيء منه جزافا ولا جزافا بجزاف من صنفه وأما أن يقول أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا فما زاد فلي وما نقص فعلي تمامها فهذا من القمار والمخاطرة وليس من المزابنة

قال أبو عمر : ما قدمنا عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وجابر في تفسير المزابنة يشهد لما قاله الشافعي وهو الذي تدل عليه الآثار المرفوعة في ذلك ويشهد لقول مالك والله أعلم أصل معنى المزابنة في اللغة المخاطرة لأنه لفظ مأخوذ من الزبن وهو المقامرة والدفع والمغالبة وفي معنى القمار والزيادة والنقصان أيضا حتى لقد قال بعض أهل اللغة أن القمر مشتق من القمار لزيادته ونقصانه فالمزابنة والقمار والمخاطرة شيء متداخل حتى يشبه أن يكون أصل اشتقاقهما واحدا والله أعلم تقول العرب حرب زبون أي ذات دفع وقمار ومغالبة وقال أبو الغول الطهوي :

فوارس لا يملون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزبون

وقال معمر بن لقيط الأيادي :

عبل الذراع أبياذا مزابنة ... في الحرب يختتل الرئال والسقبا

وقال معاوية :

ومستعجب مما رأى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم

وروى مالك عن داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين فأخبر سعيد بن المسيب أن ذلك ميسر والميسر القمار فدخل في معنى المزابنة قال أبو عمر من أحسن ما روي في تفسير المزابنة وأرفعه ما ذكرناه ما رواه حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر.

قال أبو عمر : فهذا جليل من الصحابة قد فسر المزابنة على نحو ما فسرها مالك في موطأه سواء فأما المحاقلة فللعلماء فيها ثلاثة أقوال منهم من قال معناها ما جاء في هذا الحديث من كراء الأرض بالحنطة قالوا وفي معنى كراء الأرض بالحنطة في تأويل هذا الحديث كراؤها بجميع أنواع الطعام على اختلاف قالوا فلا يجوز كراء الأرض بشيء من الطعام سواء كان مما يخرج منها ويزرع فيها أو من سائر صنوف الطعام المأكول كله والمشروب نحو العسل والزيت والسمن وكل ما يؤكل ويشرب لأن ذلك عندهم في معنى بيع الطعام بالطعام نساء وكذلك لا يجوز كراء الأرض عندهم بشيء مما يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكولا ولا مشروبا سوى الخشب والقصب والحطب لأنه عندهم في معنى المزابنة وأصله عندهم النهي عن كراء الأرض بالحنطة هذا هو المحفوظ عن مالك وأصحابه وقد ذكر ابن سحنون عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني أنه لا بأس بكراء الأرض بطعام لا يخرج منها

وروى يحيى بن عمر عن المغيرة أن ذلك لا يجوز كقول سائر أصحاب مالك ومن قال بالجملة التي قدمنا عن مالك وأصحابه ابن القاسم وابن وهب وأشهب ومطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ كلهم يقولون لا تكرى الأرض بشيء مما يخرج منها أكل أو لم يؤكل ولا بشيء مما يؤكل ويشرب خرج منها أو لم يخرج منها وذكر ابن حبيب أن ابن كنانة كان يقول لا تكرى الأرض بشيء إذا أعيد فيها نبت ولا بأس أن تكرى بما سوى ذلك من جميع الأشياء مما يؤكل ومما لا يؤكل خرج منها أو لم يخرج منها قال وكان ابن نافع يقول لا بأس أن تكرى الأرض بكل شيء من طعام وغيره خرج منها أو لم يخرج منها ما عدا الحنطة وأخواتها فإنها محاقلة وأجمع مالك وأصحابه كلهم أن الأرض لا يجوز كراؤها ببعض ما يخرج منها مما يزرع فيها ثلثا كان أو ربعا أو جزافا كان لأنه غرر ومحاقلة وقد نهى عن ذلك كله رسول الله وقال جماعة من أهل العلم معنى المحاقلة دفع الأرض على الثلث والربع وعلى جزء مما يخرج منها قالوا وهي المخابرة أيضا فلا يجوز لأحد أن يعطى أرضه على جزء مما يخرج منها لنهي رسول الله عن ذلك لأنه مجهول ولا يجوز الكراء بشيء معلوم قالوا وكراء الأرض بالذهب والورق وبالعروض كلها الطعام وغيره مما ينبت في الأرض ومما لا ينبت فيها جائز كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد هذا كله قول الشافعي ومن تابعه وهو قول أبي حنيفة وداود وإليه ذهب ابن عبد الحكم وقال آخرون المحاقلة بيع الزرع في سنبله بعد أن يشتد ويستحصد بالحنطة ذكر الشافعي عن ابن عيينة عن ابن جريح قال قلت لعطاء ما المحاقلة قال المحاقلة في الحرث كهيئة المزابنة في النخل سواء وهو بيع الزرع بالقمح قال ابن جريج قلت لعطاء فسر لكم جابر المحاقلة كما أخبرتني قال نعم.

قال أبو عمر : وكذلك فسر المحاقلة سعيد بن المسيب في حديثه المرسل في الموطأ إلا أن سعيد بن المسيب جمع في تأويل الحديث الوجهين جميعا فقال والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة وإلى هذا التفسير في المحاقلة أنه بيع الزرع في سنبله بالحنطة دون ما عداه ذهب الليث بن سعد والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد وهو قول ابن عمر وطاووس وبه قال أحمد بن حنبل وكل هؤلاء بأسا أن يعطى الرجل أرضه على جزء مما تخرجه نحو الثلث والربع لأن المحاقلة عندهم في معنى المزابنة وأنها في بيع الثمر بالثمر والحنطة بالزرع قالوا ولما اختلف في المحاقلة كان أولى ما قيل في معناها ما تأولناه من بيع الزرع بالحنطة واحتجوا على صحة ما تأولوه وذهبوا إليه من إجازة كراء الأرض ببعض ما يخرج منها بقصة خيبر وإن رسول الله عامل أهلها على شطر ما تخرجه أرضهم وثمارهم وقد قال أحمد بن حنبل حديث رافع بن خديج في النهي عن كراء المزارع مضطرب الألفاظ ولا يصح والقول بقصة خيبر أولى واحتج بعض من لم يجز كراء الأرض ببعض ما يخرج منها إن قصة خيبر منسوخة بنهى رسول الله عن المخابرة لأن لفظ المخابرة مأخوذ من خيبر وذلك أن رسول الله لما عامل أهل خيبر على ما ذكرنا قيل خابر رسول الله أهل خيبر أي عاملهم في أرض خيبر وقال الشافعي في قول ابن عمر كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج "أن رسول الله نهى عنها" أي كنا نكرى الأرض ببعض ما يخرج منها قال وفي ذلك نسخ لسنة خيبر قال وابن عمر روى قصة خيبر وعمل بها حتى بلغه أن رسول الله نهى بعد ذلك عنها.

قال أبو عمر : أما المحاقلة فمأخوذة عند أهل اللغة من الحقل وهي الأرض البيضاء المزروعة تقول له العرب البراح والحقل يقال حاقل فلان فلانا إذا زارعه كما خاضره إذا باعه شيئا أخضر وقد نهى رسول الله عن المخاضرة ونهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وكذلك يقال حاقل فلان فلانا إذا بايعه زرعا بحنطة وحاقله أيضا إذا أكرى منه الأرض ببعض ما يخرج منها كما يقال زارعه إذا عامله في زرع وهذا يكون من اثنين في أمرين مختلفين مثل بيع الزرع بالحنطة واكتراء الأرض بالحنطة لأنك لا تستطيع أن تشتق من الاسمين جميعا أعطى واحدا للمفاعلة وإن اشتققت من أحدهما للمفاعلة لم تستدل على الآخر فلم يكن بد من الاثنين هذا قول ابن قتيبة وغيره وأما المخابرة فقال قوم اشتقاقها من خيبر على ما قدمنا ذكره وقال آخرون هي مشتقة من الخبر والخبر حرث الأرض وحملها وزعم من تأول في المخابرة هذا التأويل أن لفظ المخابرة كان قبل خيبر ولا دليل على ما ادعى من ذلك والله أعلم حدثنا محمد بن محمد بن نظير وخلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى قالوا حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مروان قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله "نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة" وهي بيع السنين قال والمخابرة أن يدفع الرجل أرضه بالثلث والربع.

قال أبو عمر : المخابرة عند جمهور أهل العلم على ما في هذا الحديث من كراء الأرض بجزء مما تخرجه وهي المزارعة عند جميعهم فكل حديث يأتي فيه النهي عن المزارعة أو ذكر المخابرة فالمراد به دفع الأرض على الثلث والربع والله أعلم فقف على ذلك وأعرفه وسيأتي القول مستوعبا في كراء الأرض بما للعلماء في ذلك من أقاويل وما رووا في ذلك من الآثار ممهدة في باب ربيعة من كتابنا هذا إن شاء الله.

والبيع في المزابنة إذا وقع كتمر بيع برطب وزبيب بيع بعنب وكذلك المحاقلة كزرع بيع بحنطة صبرة أو كيلا معلوما أو تمر بيع في رؤوس النخل جزافا بكيل من التمر معلوما فهذا كله إذا وقع فسخ إن أدرك قبل القبض أو بعده فإن قبض وفات رجع صاحب التمر بمكيلة تمره وجنسه على صاحب الرطب ورجع صاحب الرطب على صاحب التمر بقيمة رطبه يوم قبضه بالغا ما بلغ وكذلك يرجع صاحب النخل وصاحب الزرع بقيمة تمره وقيمة زرعه على صاحب المكيلة يوم قبضه ذلك بالغا ما بلغ ويرجع صاحب المكيلة بمكيلته في مثل صفة ما قبض منه.

قال أبو عمر كل من ذكرنا في هذا الباب من العلماء على اختلاف مذاهبهم من كره المزارعة منهم ومن أجازها كلهم متفقون على جواز المساقاة في النخل والعنب إلا أبا حنيفة وزفر فإنهما كرهاها وزعما أن ذلك منسوخ بالنهي عن المخابرة وخالف أبا حنيفة أصحابه وغيرهم إلا زفر وسيأتي ذكر المساقاة في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب إن شاء الله.

حديث ثالث لداود بن الحصين متصل صحيح عدل

مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة "أن رسول الله أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق" يشك داود قال خمسة أو دون خمسة هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت ورواه عثمان بن عمر عن مالك عن داود عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله عن النبي فأخطأ فيه والصواب ما في الموطأ وأبو سفيان هذا مدني اسمه قزمان ثقة حجة فيما روى وهو مولى عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي واسم أبي أحمد بن جحش عبيد بن جحش وهو أخو زينب بنت جحش زوج النبي قد ذكرناه وإخوته في كتابنا في الصحابة قال مصعب الزبيري في أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد هذا قالوا هو مولى لبني عبد الأشهل وكان له انقطاع إلى عبد الله ابن أبي أحمد بن جحش فنسب إليه روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وكان مكاتبا وكان يصلي لبني عبد الأشهل في رمضان وفيهم قوم قد شهدوا بدرا والعقبة يصلون خلفه وأما أبو سفيان الذي يروي عن جابر فاسمه طلحة بن نافع ليس له ذكر في الموطأ

وأما العرايا فواحدها عرية والجمع عرايا ومعناها عطية ثمر النخل دون الرقاب كانت العرب إذا دهمتهم سنة تطوع أهل النخل منهم على من لا نخل له فيعطونه من ثمر نخلهم فمنهم المكثر ومنهم المقل ولهم عطايا منافع لا يملك بشيء منها رقبة الشيء الموقوف منها الإفقار والإخبال والإعراء ومنها المنحة كانوا إذا أعطى أحد منهم صاحبه ناقة أو شاة من غنمه يشرب لبنها مرة قيل منحه فإن أعطاه دابة يرتفق بظهرها ويكري ذلك وينتفع به قيل أخبله فإن أعطاه شيئا من الإبل يركبه مرة قيل أفقره ظهر جمله أو ناقته أو دابته فالعرايا في ثمر النخل وتكون عند جماعة من العلماء في النخل والعنب وغيرهما من الثمار والمنحة في ألبان النوق والغنم والإخبال في الدواب والإفقار في النوق والإبل والإطراق أن يعطيه فحل غنمه أو إبله لحمله على نعاجه أو نوقه والإسكان أن يسكنه بيتا له مدة لا يملك بشيء من هذا كله رقبة ما يعطى ومن هذا الباب عند أصحابنا العمري وخالفهم في ذلك غيرهم وقد ذكرنا ذلك في موضعه من كتابنا هذا وقال الخليل بن أحمد رحمه الله العرية من النخل التي تعزل عن المساومة عند بيع النخل والفعل الإعراء وهو أن يجعل ثمرة عامها لمحتاج وقال غيره إنما قيل لها عرية لأنها تعرى من ثمرها قبل غيرها من سائر الحوائط وقال ابن قتيبة العرية مأخوذة من العارية وهي عارية مضمنة بهبة فالأصل معار والثمرة هبة فهذا معنى لفظ العرية في اللغة وذلك أن الرجل منهم كان يعطي جاره أو المسكين من كان نخلة من حائطه أو نخلات يجني ثمرها فيقول أعريت نخلتي أو نخلي فلانا وكانوا يمتدحون بذلك قال بعض شعراء الأنصار :

فليست بسنهاء ولا رجيبة ... ولكن عرايا في السنين الجوائح

ويروى في السنين المواحل وسنهاء من النخل التي تحمل سنة وتحول سنة فلا تحمل وذلك عيب في النخل فوصف نخله أنها ليست كذلك ولكنها تحمل كل عام والرجبية هي التي تميل لضعفها فتدعم من تحتها كذا قال ابن قتيبة في كتاب الفقه له ثم وصف أنه يعريها في السنين الجوائح أي يطعم ثمرتها أهل الحاجة في سني الجدب والمجاعة وقد كان الرجل منهم يعطي ذلك أيضا لأهله ولعياله يأكلون ثمرتها فتدعى أيضا عرية فهذا كله أقاويل أهل اللغة في العرية وأما معنى العرايا في الشريعة ففيه اختلاف بين أهل العلم على ما أصفه لك بعون الله فمن ذلك أن ابن وهب روى عن عمرو بن الحرث بن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو الرجل يسمي من ماله النخلة والنخلتين ليأكلها فيبيعها بتمر وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد عن عبدة عن ابن إسحاق قال العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها وهذا من أحسن ما فسر به معنى العرايا فذهب قوم إلى هذا وجعلوا الرخصة في بيع العرايا بخرصها وقفا على الرفق بالمعرى يبيعها ممن شاء المعرى وغيره في ذلك عندهم سواء ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما رواه حماد بن سلمة عن أيوب وعبد الله بن عمر جميعا عن نافع عن ابن عمر أن النبي "نهى البائع والمشتري عن المزابنة" .

قال أبو عمر : وقال زيد بن ثابت "أن رسول الله أرخص في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمرا" قالوا فقد أطلق في هذا الحديث بيعها بخرصها تمرا ولم يقل من المعرى ولا من غيره فدل على أن الرخصة في ذلك قصد بها المعرى المسكين لحاجته قالوا وهو الصحيح في النظر لأن المعرى قد ملك ما وهب له فجائز له أن يبيعه من المعرى ومن غيره إذ أرخصت له السنة في ذلك وخصته من معنى المزابنة في المقدار المذكور في حديث هذا الباب ذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل وسنذكر قوله في هذا الباب بعد ذكر قول مالك والشافعي إن شاء الله وذهب جماعة من أهل العلم في العرايا إلى أن جعلوا الرخصة الواردة فيها موقوفة على المعرى لا غير فقالوا لا يجوز بيع الرطب بالتمر بوجه من الوجوه إلا لمن أعرى نخلا يأكل ثمرها رطبا ثم بدا له أن يبيعها بالتمر فإنه أرخص للمعري أن يشتريها من المعرى إذا كان ذلك خرص خمسة أوسق أو دونها لما يدخل عليه من الضرر في دخول غيره عليه حائطه ولأن ذلك من باب المعروف يكفيه فيه مؤونة السقي ولا يجوز ذلك لغير المعرى لأن الرخصة فيه وردت فلا يجوز أن يتعدى بها إلى غير ذلك لنهي رسول الله عن المزابنة ونهيه عن بيع التمر بالتمر وعن بيع الرطب بالتمر وهو أمر مجتمع عليه فلا يجوز أن يتعدى بالرخصة موضعها وممن ذهب إلى هذا مالك بن أنس وأصحابه في المشهور عنهم ومن حجتهم في ذلك ما حدثنا به سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار مولى بني حارثة قال سمعت سهل ابن أبي حثمة يقول "نهى رسول الله عن بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا"

وذكره أبو ثور عن الشافعي عن سفيان عن يحيى بن بشير عن سهل مثله سواء إلا أنه قال ورخص في العرايا بخرصها تمرا يأكلها صاحبها رطبا وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا الوليد بن كثير قال حدثنا بشير بن يسار مولى بني حارثة أن رافع بن خديج وسهل ابن أبي حثمة حدثناه أن رسول الله نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القاضي قال حدثنا إبراهيم بن هشام البغوي قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال نهى رسول الله عن بيع التمر بالتمر وأرخص في بيع العرايا أن تشترى بخرصها يأكلها أهلها رطبا قال سفيان قال لي يحيى ما أعلم أهل مكة بالعرايا قلت أخبرهم عطاء وسمعه من جابر.

قال أبو عمر : ألا ترى إلى قوله يأكلها أهلها رطبا إلى استثنائه العرايا من المزابنة على هذه الصفة كأنه والله أعلم يريد صاحبها الذي أعراها وأهلها الذين وهبوا ثمرها وأعروها فهم الذين أباح لهم شراءها خاصة هذا تأويل أصحاب مالك ومن اتبعهم وجملة قول مالك وأصحابه في هذا الباب في العرايا إن العرية هي أن يهب الرجل من حائطه خمسة أوسق فما دونها ثم يريد أن يشتريها من المعرى عند طيب التمر فأبيح له أن يشتريها بخرصها تمرا عند الجذاذ وإن عجل له لم يجز ويجوز أن يعري من حائطه ما شاء ولكن البيع لا يكون إلا في خمسة أو سق فما دون هذا جملة قوله وقول أصحابه ولا يجوز عندهم البيع في العرايا إلا لوجهين إما لدفع ضرورة دخول المعرى على المعرى وإما لأن يرفق المعرى المعرى فيكفيه المؤونة فأرخص له أن يشتريها منه تمرا إلى الجذاذ ولا يجوز بيع العرية قبل زهوها إلا كما يجوز بيع غير العرية على الجذاذ والقطع ولا يجوز بيع العرية وإن أزهت بخرصها رطبا ولا بخرصها تمرا نقدا قلت أو كثرت وإن جذها مكانه ولا تباع بنصف سواها من التمر مثل أن تكون من البرني فتباع بالعجوة ولا يباع ببسر ولا رطب ولا ثمر معين وإنما تباع بتمر يكون في الذمة إلى الجذاذ بخرصها وما عدا وجه الرخصة فيها مزابنة ولا يكون البيع منها في أكثر من خمسة أوسق إلا أن يكون بعين أو عرض غير الطعام فيجوز نقدا أو إلى أجل كسائر البيوع فإن كان طعاما روعي فيه القبض قبل الافتراق أو الجذاذ قبل الافتراق

وقال ابن القاسم ومن أعرى جميع حائطه فذلك جائز وله شراء جميعه وبعضه بالخرص إذا لم يتجاوز البيع خمسة أوسق قال وتوقف لي مالك في شراء جميعه بالخرص وإن كان خمسة أوسق أو أدنى وبلغني عنه إجازته والذي سمعت أنا منه شراء بعضه وجائز عندي شراء جميعه قال فإن قيل له أعرى جميعه فلا ينفي عن نفسه بشرائه ضررا قبل إلا أن ذلك أرفاق للمعري والعرية تشترى للإرفاق كما يجوز لمن أسكن رجلا دارا حياته شراء جميع السكنى أو بعضها ولا يدفع بذلك ضررا قال سحنون وقال كثير من أصحاب مالك لا يجوز لأحد أن يشترى ما أعرى إلا لدفع الضرر وقال ابن وهب عن مالك والعرية أن يعري الرجل النخلة والنخلتين أو أكثر من ذلك سنة أو سنتين أو ما شاء فإذا كان التمر طاب قال صاحب النخل أنا أكفيكم سقيها وضمانها ولكم خرصها تمرا عند الجذاذ وكان ذلك منه معروفا عند الجذاذ قال ولا أحب أن يجاوز ذلك خمسة أوسق قال وتجوز العرية في كل ما ييبس ويدخر نحو العنب والتين والزيتون ولا أرى لصاحب العرية أن يبيعها إلا ممن في الحائط إذا كان له تمر بخرصها تمرا وقال ابن عبد الحكم عن مالك العرية أن يعري الرجل الرجل تمر نخلة له أو نخلات فيملكها المعرى ثم يبتاعها المعرى من المعرى بما شاء من التمر ولا يبتاعها منه بخرصها تمرا إلا المعرى لأن الرخصة فيه وردت فهذه جملة قول مالك وتحصيل مذهبه عند جماعة أصحابه

وقد روى ابن نافع عن مالك في رجل له نخلتان في حائط رجل فقال له صاحب الحائط أنا آخذها بخرصها إلى الجذاذ قال إن كان ذلك منه للمرفق يدخله عليه يعني على صاحب النخلتين فلا بأس به قال مالك وإن كره دخوله ولم يرد أن يكفيه مؤونة السقي فهذا على وجه البيع ولا أحبه فهذه الرواية عن مالك على خلاف أصله في العرية أنها هبة للثمرة وأن الواهب هو الذي رخص له في شرائها على ما ذكرنا لأن هذا لم يوهب له ثمر نخل بل هو مالك رقاب نخل مقدارها خمسة أوسق أو دون أبيح له بيع ثمرها بالخرص إلى الجذاذ بالتمر وهي رواية مشهورة عنه بالمدينة وبالعراق إلا أن العراقيين رووها عن مالك بخلاف شيء من معناها وذلك أن الطحاوي ذكرها عن ابن أبي عمران عن محمد بن شجاع عن ابن نافع عن مالك أن العرية النخلة والنخلتان في حائط لغيره والعادة بالمدينة أنهم يخرجون بأهلهم في وقت الثمار إلى حوائطهم فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك خرص نخلتك تمرا فرخص له في ذلك.

قال أبو عمر : هذه الرواية وما أشبهها عن مالك تضارع مذهب الشافعي في العرايا وذلك أن الذي ذهب إليه الشافعي إجازة بيع ما دون خمسة أوسق من الرطب بالتمر يدا بيد وسواء كان ذلك ممن وهب له ثمرة نخلة أو نخلات أو فيمن يريد أن يبيع ذلك المقدار من حائطه لعلة أو لغير علة الرخصة عنده إنما وردت في المقدار المذكور فخرج ذلك عنده من المزابنة وما عدا ذلك فهو داخل في المزابنة ولا يجوز عنده بوجه من الوجوه وحجته في ذلك ظاهر حديث داود بن الحصين المذكور في هذا الباب وحديث ابن عمر "أن النبي نهى عن بيع الثمر بالثمر إلا أنه أرخص في بيع العرايا" وحديث سهل بن أبي حثمة الذي ذكرناه في هذا الباب وقال في قوله في ذلك الحديث يأكلها أهلها رطبا أي يأكلها الذين يبتاعونها رطبا قال وهم أهلها وروي عن محمود بن لبيد بإسناد منقطع ما يوضح تأويله هذا وذلك أن محمود بن لبيد قال لرجل من أصحاب النبي إما زيد بن ثابت وإما غيره قال ما عراياكم هذه قال فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضل من قوته من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي بأيديهم يأكلونها رطبا وروى الربيع عن الشافعي في العرية إذا بيعت وهي خسمة أوسق قال فيها قولان أحدهما أنه جائز والآخر أن البيع لا يصح إلا ما دون خمسة أوسق

وقال المزني يلزمه على أصل قوله أن يفسخ البيع من خمسة أوسق فما زاد لأنها شك وأصل بيع الثمر في رؤوس النخل بالثمر حرام فلا يحل منه إلا ما استوفيت الرخصة فيه وذلك ما دون خمسة أوسق وإلى هذا ذهب المزني وأبو الفرج المالكي واحتج أبو الفرج بحديث جابر في الأربعة أوسق وسنذكره في آخر هذا الباب إن شاء الله ولا عرية عند الشافعي وأصحابه في غير النخل والعنب لأن رسول الله سن الخرص في ثمرتها وإنه لا حائل دون الإحاطة بها قال الشافعي ولا تباع العرية بالتمر إلا بأن تخرص العرية كما تخرص للعشر فيقال فيها الآن رطبا كذا وإذا يبس كان تمرا كذا فيدفع من التمر مكيلة خرصها تمرا ويقبض النخلة بتمرها قبل أن يفترقا فإن افترقا قبل دفعه فسد البيع قال ويبيع صاحب الحائط من كل من رخص له أن يشتريه بالتمر وأن أتى على جميع حوائطه.

قال أبو عمر : يعنى لا ذهب عنده ولا ورق ولا عرض غير التمر والزبيب وبه حاجة إلى الرطب وإلى العنب فافهم وقول أبي ثور في العرايا كقول الشافعي سواء واحتج أبو ثور لاختياره قول الشافعي قال وذلك أن يزيد بن هارون أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت قال "رخص رسول الله في بيع العرايا بخرصها كيلا يأكلها أهلها رطبا" هكذا ذكر في هذا الحديث ثم أردفه عن الشافعي بحديث ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل ابن أبي حثمة على ما ذكرناه في كتابنا هذا وأما أحمد بن حنبل فحكى عنه أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن تفسير العرايا فقال أنا لا أقول فيها بقول مالك وأقول العرايا أن يعري الرجل الجار أو القرابة للحاجة والمسكنة فإذا أعراه إياها فللمعرى أن يبيعها ممن شاء إنما نهى رسول الله عن المزابنة وأرخص في العرايا فرخص في شيء من شيء فنهى عن المزابنة أن تباع من كل أحد ورخص في العرايا أن تباع من كل أحد فيبيعها ممن شاء ثم قال مالك يقول ببيعها من الذي أعراها إياه وليس هذا وجه الحديث عندي ويبيعها ممن شاء قال

وكذلك فسره لي سفيان بن عيينة وغيره قال الأثرم وسمعت أبا عبد الله يقول العرية فيها معنيان لا يجوزان في غيرها فيها أنها رطب بتمر وقد نهى النبي عن ذلك وفيها أنها تمر بثمر يعلم كيل التمر ولا يعلم كيل الثمر وقد نهى رسول الله عن ذلك فهذا لا يجوز إلا في العرية قلت لأبي عبد الله فإذا باع المعرى العرية أله أن يأخذ التمر الساعة أو عند الجذاذ قال بل يأخذ الساعة قلت له إن مالكا يقول ليس له أن يأخذ التمر الساعة حتى يجذ قال بل يأخذ الساعة على ظاهر الحديث

أخبرنا بذلك كله عبد الله بن محمد بن عبد المؤن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم فذكره بمثله وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا في العرايا قولا لا وجه له لأنه مخالف لصحيح الأثر في ذلك فوجب أن لا يعرج عليه وإنكارهم للعرايا كإنكارهم للمساقاة مع صحتها ودفعهم بحديث التفليس إلى أشياء من الأصول ردوها بتأويل لا معنى له فأما قولهم في ذلك فقالوا العرية هي النخلة يهب صاحبها تمرها لرجل ويأذن له في أخذها فلا يفعل حتى يبدو لصاحبها أن يمنعه من ذلك فله منعه لأنها هبة غير مقبوضة لأن المعرى لم يكن ملكها فأبيح للمعرى أن يعوضه بخرصها تمرا ويمنعه وهذا على أصولهم في الهبات أن للواهب منع ما وهب حتى يقبضه الموهوب له وقال بعض أصحاب أبي حنيفة وهو عيسى بن أبان الرخصة في ذلك للمعرى أن يأخذ بدلا من رطب لم يملكه تمرا

وقال غيره منهم الرخصة فيه للمعري لأنه كان يكون مخلفا لوعده فرخص له في ذلك وأخرج به من إخلاف الوعد وليس للعرية عندهم مدخل من البيوع ولا يجوز لأحد عندهم أن يشتري ثمر العربية غير المعطى وحده على الصفة المذكورة والعرية عندهم هبة غير مقبوضة واحتج بعضهم بحديث معمر عن ابن طاووس عن أبي بكر بن محمد قال "كان النبي يأمر أصحاب الخرص أن لا يخرصوا العرايا" قال والعرايا أن يمنح الرجل من حائطه رجلا نخلا ثم يبتاعها الذي منحها إياه من الممنوح يخرصها قالوا فالعرية منحة وعطية لم تقبض فلذلك جاز فيها هذه الرخصة والله أعلم

قال أبو عمر : الآثار الصحاح تشهد بأن العرايا بيع الثمر بالتمر في مقدار معلوم مستثنى من المحظور في ذلك على حسب ما تقدم من الوصف في العرايا ومحال أن يأذن رسول الله لأحد في بيع ما لم يملك حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا أبو عبيد الله قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه "أن النبي أرخص في بيع العرايا بالتمر والرطب" كذا قال أو الرطب

وحدثنا أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه "أن النبي رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب" وروى الثوري عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت "أن النبي رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها ولم يرخص في غيرها" قال والعرايا التي تؤكل وروى مالك عن نافع عن بن عمر عن زيد بن ثابت "أن رسول الله أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها" فهذه الآثار كلها قد أوضحت أن ذلك بيع فلا معنى لما خالفها.

قال أبو عمر : في حديث يونس عن ابن شهاب عن خارجة عن أبيه ذكر بيعها بالرطب وهو ما اختلف فيه فقال قوم منهم أصحاب أبي حنيفة إلى أنه جائز بيعها بالرطب خرصا كما يجوز بالتمر خرصا.

قال أبو عمر : ذكر الرطب في هذا الحديث ليس بمحفوظ إلا بهذا الإسناد وقد جعله بعض أهل العلم وهما وجعل القول به شذوذا ومن ذهب إلى القول بحديث يونس هذا قال رواته كلهم ثقات فقهاء عدول واحتج أيضا بأن الرطب بالرطب أجوز في البيع من الرطب بالتمر وقال آخرون وهم الجمهور لا يجوز بيعها بالرطب لأن العلة حينئذ ترتفع وتذهب وأي ضرورة تدعو إلى بيع رطب برطب لا يعرف إن ذلك مثل بمثل وكيف يجوز ذلك وهو المزابنة المنهي عنها ولم تدع ضرورة إليها والذين أجازوا بيعها بالرطب جعلوا الرخصة في العرية أنها وردت في المقدار المستثنى رخصة لمن شاء ذلك من غير ضرورة إذا الضرورة لم تنص في الحديث قالوا ومن لم يراع الضرورة لم يخالف الحديث إنما يخالف تأويل مخالفه ولهم في هذا اعتراضات لا وجه لذكرها.

قال أبو عمر : لا أعلم أحدا قال يجوز أن يبيع العرية بالرطب إلا بعض أصحاب داود وأصحاب أبي حنيفة والله أعلم وكان أبو بكر الأبهري رحمه الله يقول معنى حديث يونس هذا أن يأخذ المعرى الرطب ويعطى خرصها تمرا عند الجذاذ للمعري وهذا يخرج على أصل مذهبه قال الأبهري ولا أعلم أحدا تابع يونس على ما ذكره في حديثه عن ابن شهاب بالرطب.

قال أبو عمر : قد روى الأوزاعي عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن زيد في هذا الحديث ذكر الرطب أيضا إن كان محفوظا عن الأوزاعي حدثناه محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق ابن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت أن رسول الله أرخص في بيع العرايا بالرطب لم يرخص في غير ذلك.

قال أبو عمر : عبد الحميد كاتب الأوزاعي ليس بالحافظ المتقن ولا ممن يحتج به وقد روى هذا الحديث بهذا الإسناد عن ابن شهاب سفيان بن عيينة فقال فيه أن رسول الله أرخص في بيع العرايا لم يقل بالرطب ولا بالتمر وحديث نافع عن ابن عمر عن زيد يدل على أن ذلك بالتمر والله أعلم

حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله قال أخبرنا نافع عن ابن عمر أن زيد بن ثابت أخبره "أن رسول الله رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا" واختلف العلماء في مقدار العرية بعد إجماعهم أنها لا تجوز في أكثر من خمسة أوسق فقال قوم مقدارها خمسة أوسق وقال آخرون مقدارها دون خمسة أوسق ولو بأقل ما تبين من النقصان وحجة الطائفتين حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب من رواية مالك وغيره وقال آخرون لا تجوز العرية في أكثر من أربعة أوسق واحتجوا بما رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله رخص في العرايا في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة" ورواه حماد بن سلمة وغيره كذلك

واحتجوا أيضا بما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي أنه قال "لا صدقة في العرية" قالوا وهذا يدل على أنها فيما دون خمسة أوسق وممن أجازها في خمسة أوسق مالك وأكثر أصحابه وقد ذكرنا اختلاف قول الشافعي في ذلك وقال إسماعيل بن إسحاق نكرهه ففي الخمسة أوسق ولا ننسخه فيها كما ننسخه فيما زاد عليها ولا خلاف عن مالك والشافعي ومن اتبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق إذا كانت دون خمسة أوسق لحديث داود بن الحصين المذكور في هذا الباب ولم يعرفوا حديث جابر في الأربعة أوسق أو لم يثبت عندهم والله أعلم وكذلك حديث أبي سعيد الخدري لا يعرفه أصحابنا وهم يوجبون الزكاة في الحوائط المحبسة على المساكين وفيما تصدق به عليهم على جهة الوقف وقال العراقيون العرية نفسها صدقة فلا تجب فيها صدقة قلت أو كثرت على حديث أبي سعيد الخدري هذا وقد اختلف قول مالك وقول أصحابه أيضا في زكاة العرية والمعروف في المذاهب أن زكاتها على المعرى إذا أعراها بعد بدو صلاحها والقياس الصحيح أنه لا شيء عليه فيها مع حديث أبي سعيد وبالله التوفيق.

حديث رابع لداود مرسل من وجه متصل من وجه صحيح عدل

مالك عن داوود بن الحصين عن الأعرج "أن رسول الله كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" الأعرج هذا هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب من خيار التابعين توفي سنة سبع عشرة ومائة بالإسكندرية يكنى أبا أيوب وهذا الحديث هكذا جماعة من أصحاب مالك مرسلا إلا أبا المصعب في غير الموطأ ومحمد بن المبارك الصوري ومحمد بن خالد بن عثمة ومطرف والحنيني وإسماعيل بن داود المخراقي فإنهم قالوا عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة مسندا

حدثنا خلف بن قاسم ابن سهل قال حدثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق بن عتبة الرازي قال حدثنا علي بن سعيد بن بشر الرازي حدثنا سليمان بن داود ابن أبي الغصن الرازي قال حدثنا إسماعيل بن داود المخراقي حدثنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله جمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" حدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر النقاش محمد بن الحسن المقرئ حدثنا أحمد بن يوسف بن عيسى حدثنا المروزي محمد بن غيلان حدثنا إسماعيل بن داود المخراقي عن مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله كان جمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك"

وحدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا الحسين بن الخضر قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا هلال بن بشر قال حدثنا محمد بن خالد عن عثمة قال حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي "أنه كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" وحدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن يونس حدثنا محمد بن خالد بن عثمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله كان يجمع بين الظهر العصر في سفره إلى تبوك" وكذلك رواه الحنيني عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" مسندا قال وأصحاب مالك جميعا على إرساله عن الأعرج

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا محمد بن زريق بن جامع حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك عن داوود بن الحصين عن الأعرج قال "كان رسول الله يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" هكذا حدثنا به في الموطأ أبو مصعب عنه مرسل وكذلك هو عنه في الموطأ مرسل وذكر أحمد بن خالد أن يحيى بن يحيى روى هذا الحديث عن مالك بن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" مسندا

قال وأصحاب مالك جميعا على إرساله عن الأعرج في نسخة يحيى وروايته وقد يمكن أن يكون ابن وضاح طرح أبا هريرة من روايته عن يحيى لأنه رأى ابن القاسم وغيره ممن انتهت إليه روايته عن مالك في الموطأ أرسل الحديث فظن أن رواية يحيى غلط لم يتابع عليه فرمى أبا هريرة وأرسل الحديث فإن كان فعل هذا ففيه ما لا يخفى على ذي لب وقد كان له على يحيى تسور في الموطأ في بعضه فيمكن أن يكون هذا من ذلك إن صح أن رواية يحيى لهذا الحديث على الإسناد والاتصال وإلا فقول أحمد وهم منه وما أدري كيف هذا إلا أن روايتنا لهذا الحديث في الموطأ عن يحيى مرسلا قال كان يحيى قد أسنده كما ذكره أحمد بن خالد فقد تابعه محمد بن المبارك الصوري وأبو المصعب الموطأ والحنيني ومحمد بن خالد بن عثمة وإسماعيل بن داود المخراقي ومن ذكرنا معهم وقد تأملت رواية يحيى فيما أرسل من الحديث ووصل في الموطأ فرأيتها أشد موافقة لرواية ابن المصعب في الموطأ كله من غيره وما رأيت في رواية في الموطأ أكثر اتفاقا منها.

حدثني أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد الحافظ بمصر قال حدثنا جعفر بن أحمد بن محمد بن الصباح قال حدثنا أبو المصعب عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة "أن رسول الله كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" قال أبو الحسين علي بن عمر الدار قطني لم يسنده عن أبي المصعب غير جعفر بن صباح وهو في الموطأ عند أبي المصعب وغيره مرسل.

قال أبو عمر : لم يذكر في هذا الحديث الجمع بين المغرب والعشاء وهو محفوظ عن النبي في سفره إلى تبوك يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من حديث معاذ بن جبل وغيره عن النبي ورواه مالك وغيره عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ وسيأتي ذكر حديث مالك في باب أبي الزبير من كتابنا هذا إن شاء الله وقال أحمد بن عمرو البزار وقد روي في الجمع بين الصلاتين عن أبي هريرة عن النبي من طريقين أحدهما زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة والآخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة قال وقد روي عن ابن عباس وابن عمر ومعاذ بن جبل عن النبي وجوه يحتج بها.

قال أبو عمر : في حديث معاذ بن جبل ذكر جمعه بين الصلاتين في غزوة تبوك قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أنه قال "جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من تبوك" حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أبو صالح الفراء محبوب بن موسى قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن أبي الزبير عن عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل قال "جمع رسول الله بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في غزوة تبوك"

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن يونس الكديمي قال حدثنا أبو بكر الحنفي قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل قال "جمع رسول الله في عزوة تبوك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء" وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال "جمع رسول الله في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء"

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي قال حدثنا المفضل بن فضالة عن الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل "أن رسول الله كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإن ارتحل قبل أن ترتفع الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب والعشاء مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل العشاء ثم جمع بينهما" قال أبو داود رواه ابن أبي فديك عن هشام بن سعد عن أبي الزبير على معنى حديث مالك

ورواه هشام بن عروة عن حسين بن عبيد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي نحو حديث المفضل وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن قتيبة قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل "أن النبي كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس" فذكر مثل حديث المفضل بن فضالة سواء إلى آخره.

قال أبو عمر : اختلف الفقهاء في كيفية الجمع بين الصلاتين في السفر في الحال التي للمسافر أن يجمع فيها بين الصلاتين وقت ذلك وقد ذكرنا ذلك كله ووضحنا وجه الصواب فيه عندنا في باب أبي الزبير من كتابنا هذا وبالله توفيقنا.