الجامع لأحكام القرآن/المقدمة/باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره


قال الله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} وقال تعالى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} . روى مسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول : " إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قاريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار" . وقال الترمذي في هذا الحديث : ثم ضرب رسول الله على ركبتي فقال : " يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة" أبو هريرة اسمه عبد لله وقيل : عبد الرحمن وقال : كنيت أبا هريرة لأني حملت هرة في كمي فرآني رسول الله فقال : "ما هذه قلت هرة فقال : يا أبا هريرة" قال ابن عبد البر وهذا الحديث فيمن لم يرد بعمله وعلمه وجه الله تعالى وروي عن النبي أنه قال : " من طلب العلم لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار" .

وخرج ابن المبارك في رقائقه عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله  : " يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى يخاض البحار بالخيل في سبيل الله تبارك وتعالى ثم يأتي أقوام يقرءون القرآن فإذا قرءوه قالوا من أقرأ منا من أعلم منا ثم التفت إلى أصحابه فقال هل ترون في أولئكم من خير قالوا لا قال أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار" .وروي أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله  : "من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها" . قال الترمذي : حديث حسن وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الله  : " تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن ؟ قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم في كل يوم مائة مرة قيل يا رسول الله ومن يدخله قال القراء المراءون بأعمالهم" . قال هذا حديث غريب وفي كتاب أسد بن موسى أن النبي قال : " إن في جهنم لواديا إن جهنم لتتعوذ من شر ذلك الوادي كل يوم سبع مرات وإن في ذلك الوادي لجبا إن جهنم وذلك الوادي ليتعوذان بالله من شر ذلك الجب وإن في الجب لحية وإن جهنم والوادي والجب ليتعوذون بالله من شر تلك الحية سبع مرات أعدها الله للأشقياء من حملة القرآن الذين يعصون الله" . فيجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره كما أن له من الأجر ما ليس لغيره روى الترمذي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله  : " أنزل الله في بعض الكتب _ أو أوحى _ إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزئون لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران" .

وخرج الطبري في كتاب ((آداب النفوس)) حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا المحاربي عن عمرو بن عامر البجلي عن ابن صدقة عن رجل من أصحاب النبي أو من حدثه قال قال رسول الله صلى عليه وسلم : " لاتخادع الله فإنه من يخادع الله يخدعه الله ونفسه يخدع لو يشعر" قالوا يا رسول الله وكيف يخادع الله قال : " تعمل بما أمرك الله به وتطلب به غيره واتقوا الرياء فإنه الشرك وإن المرائي يدعى يوم القيامة على رءوس الأشهاد بأربعة أسماء ينسب إليها يا كافر يا خاسر ياغادر يا فاجر ضل عملك وبطل أجرك فلا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع". وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم الكبير وتتخذ سنة مبتدعة يجري عليها الناس فإذا غير منها شيء قيل قد غيرت السنة قيل متى ذلك يا أبا عبد الرحمن قال إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم وكثر أمراؤكم وقل أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين وقال سفيان بن عيينة بلغنا عن ابن عباس أنه قال : ((لو أن حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبهم الله ولكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم الله وهانوا على الناس)) وروي عن أبي جعفر محمد بن علي في قول الله تعالى : {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} قال : قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى.

الجامع لأحكام القرآن - المقدمة
مقدمة المؤلف | باب ذكر جمل من فضائل القرآن والترغيب فيه وفضل طالبه وقارئه ومستعمله والعامل به | باب كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى وما يكره منها وما يحرم واختلاف الناس في ذلك | باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره | باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه | باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه وثواب من قرأ القرآن مُعْربا | باب ما جاء في فضل تفسير القرآن وأهله | باب ما جاء في حامل القرآن ومن هو وفيمن عاداه | باب ما يلزم قارىء القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته | باب ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي والجرأة على ذلك ومراتب المفسرين | باب تبيين الكتاب بالسنة وما جاء في ذلك | باب كيفية التعلم والفقه لكتاب الله تعالى وسنة نبيه وما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه | باب معنى قول النبي إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه | فصل قال كثير من علمائنا كالداودي وابن صفرة وغيرهما | فصل في ذكر معنى حديث عمر وهشام | باب ذكر جمع القرآن وسبب كتب عثمان المصاحف وإحراقه ما سواها | فصل في فعل عثمان رضي الله عنه | فصل وقد طعن الرافضة قبحهم الله تعالى في القرآن | باب ما جاء في ترتيب سور القرآن وآياته وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره وعدد حروفه وأجزائه وكلماته وآيه | فصل وأما شكل المصحف ونقطه | فصل وأما وضع الأعشار | فصل وأما عدد حروفه وأجزائه | باب ذكر معنى السورة والآية والكلمة والحرف | باب هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب أولا | باب ذكر نكت في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة وحقيقتها | فصل إذا ثبت هذا فاعلم أن المعجزات على ضربين | باب التنبيه عن أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وغيره | باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان