الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الطلاق/صفحة واحدة



صفحة واحدة


كتاب الطلاق

تعريف الطلاق

هو مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك ومنه طلقت البلاد أي تركتها .

هو جائز بنص الكتاب العزيز ، ومتواتر السنة المطهرة ، وإجماع المسلمين ، وهو قطعي من قطعيات الشريعة ولكنه يكره مع عدم الحاجة وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه من حديث ثوبان قال : قال رسول الله () أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وأخرج أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه عن ابن عمر عن النبي () قال : أبغض الحلال إلى الله الطلاق .

وقال في الحجة البالغة : إن في الإكثار من الطلاق وجريان الرسم بعدم المبالاة به مفاسد كثيرة . وذلك أن ناساً ينقادون لشهوة الفرج ولا يقصدون إقامة تدبير المنزل ولا التعاون في الارتفاقات ولا تحصين الفرج ، وانما مطمح أبصارهم التلذذ بالنساء وذوق لذة كل امرأة ، فيهيجهم ذلك إلى أن يكثروا الطلاق والنكاح . ولا فرق بينهم وبين الزناة من جهة ما يرجع إلى نفوسهم وإن تميزوا عنهم بإقامة سنة النكاح والموافقة لسياسته المدنية وهو قوله () لعن الله الذواقين والذواقات انتهى .

أقول : هذا الحديث ذكره صاحب الحجة تبعاً لابن همام من غير تخريج ولم أجده في كتب الحديث مخرجاً . نعم حديث لا أحب الذواقين من الرجال والذواقات من النساء رواه الطبراني عن أبي موسى مرفوعاً ، وكذا الدارقطني في الإفراد ، وهو في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ إن الله لا يحب الخ . قال شراحه وفي سنده راو لم يسم . وأما حديث إن الله يكره المطلاق الذواق فقال السخاوي : لا أعرفه كذلك . ثم قال في الحجة : وأيضا ففي جريان الرسم بذلك إهمال لتوطين النفس على المعاونة الداعية أو شبه الداعية ، وعسى إن فتح هذا الباب أن يضيق صدره أو صدرها في شئ من محقرات الأمور فيندفعان إلى الفراق . وأين ذلك من احتمال أعباء الصحبة والاجماع على إدامة هذا النظم . وأيضاً فإن اعتيادهن بذلك وعدم مبالاة الناس به وعدم حزنهم عليه يفتح باب الوقاحة . وأن لا يجعل كل منهما ضرر الآخر ضرر نفسه . وأن يخون كل واحد الآخر يمهد لنفسه إن وقع الافتراق وفي ذلك ما لا يخفى ومع ذلك لا يمكن سد هذا الباب والتضييق فيه فإنه قد يصير الزوجان متناشزين إما لسوء خلقهما أو لطموح عين أحدهما إلى حسن إنسان آخر أو لضيق معيشتهما أو لخرق واحد منهما ونحو ذلك من الأسباب . فيكون إدامة هذا النظم مع ذلك بلاء عظيماً وحرجاً انتهى .

من مكلف مختار لأن أمر الصغير إلى وليه . وطلاق المكره لا حكم له . والأدلة على هاتين المسألتين مقررة في مواضعهما . وقال () لا طلاق ولا عتاق في إغلاق معناه في إكراه وطلاق المكره هدر .

ولو هازلاً وهو الذي يتكلم من غير قصد لموجبه وحقيقته بل على وجه اللعب ونقيضه الجاد من الجد بكسر الجيم وهو نقيض الهزل لحديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود وابن ماجة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه قال قال رسول الله () ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب ابن أردك وهو مختلف فيه . وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني مرفوعاً ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق وفي إسناده ابن لهيعة . وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بن أسامة في مسنده مرفوعاً بنحوه وزاد فمن قالهن فقد وجبن وفي إسناده انقطاع . وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ، ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ، ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز وفي إسناده أيضاً انقطاع . وعن علي موقوفاً عند عبد الرزاق أيضاً وعن عمر مرفوعاً عنده أيضاً. وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً . قال ابن القيم : وأما طلاق الهازل فيقع عند الجمهور وكذلك نكاحه صحيح كما به النص وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين وهو قول الجمهور حكاه أبو حفص أيضاً عن أحمد وهو قول الصحابة وقول طائفة من أصحاب الشافعي . وذكر بعضهم أن الشافعي نص على أن نكاح الهازل لا يصح بخلاف طلاقه . ومذهب مالك رواه ابن القاسم عنه وعليه العمل عند أصحابه إن هزل النكاح والطلاق لازم بخلاف البيع انتهى .

لمن كانت في طهر لم يمسها فيه ولا طلقها في الحيضة التي قبله أو في حمل قد استبان أقول : ويشترط في طلاق السنة أن لا تكن المرأة حائضاً وهذا لغضبه () على ابن عمر لما طلق امرأته في الحيض كما في الصحيحين وغيرهما . وأما اشتراط أن لا تكون نفساء فلأن قوله () في حديث ابن عمر ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإذا بدا له أن يطلقها فليطلقها فهذا فيه ان طلاق السنة يكون حال الطهر ، والنفاس ليس بطهر ، وأما اشتراط أن يكون في طهر لم يجامعها فيه فلقوله () في حديث ابن عمر فليطلقها قبل أن يمسها يعني في ذلك الطهر . وأما اشتراط أن لا يطلقها في ذلك الطهر أكثر من طلقة فلما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد ان يتبعها تطليقتين أخريين عند القرء فبلغ ذلك النبي () فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك قد أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قر وفي لفظ في كل قرء تطليقة وقد أنكر الحافظ ابن حجر هذه الرواية . وأخرج النسائي من حديث محمود ابن لبيد قال : أخبر رسول الله () عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان فقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهر كم وأما اشتراط أن لا يطلقها في طهر قد طلقها في حيضه المتقدم ، فلأمره () لابن عمر أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر . فلولا أن الطلاق في الحيض مانع من الطلاق في الطهر المتعقب له لم يأمره بإمساكها في الطهر الذي عقب الحيضة التي طلقها فيها . وجميع ما ذكرناه من حديث ابن عمر متفق عليه إلا رواية الدارقطني التي ذكرناها . وفي رواية من حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والنسائي أن النبي أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق أو أمسك وفي لفظ لمسلم أيضاً والترمذي مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً وظاهر هاتين الروايتين ، أن الطلاق في الطهر المتعقب للحيضة التي وقع الطلاق فيها ، يكون طلاق سنة لا بدعة. ولكن الرواية الأولى التي فيها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر متضمنة لزيادة يجب العمل بها . وهي أيضاً في الصحيحين فكانت أرجح من وجهين . ويدل على قوله أو حاملاً ، إن طلاق الحامل للسنة وأما من كانت صغيرة أو آيسة أو منقطعاً حيضها فالظاهر أنه يكون طلاقها للسنة من غير شرط إلا مجرد افراد الطلاق . وأما القول بأنه ليس بسنة ولا بدعة كما في البحر وغيره ففاسد لأن الأصل عدم عروض ما يمنع من الطلاق المشروع .

ويحرم إيقاعه على غير هذه الصفة لحديث ابن عمر عند مسلم وأهل السنن وأحمد أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي () فقال : مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً وفي لفظ أنه قال : ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها قبل أن يمسها ، فتلك العدة كما أمر الله وهو في الصحيحين وغيرهما . وفي رواية في الصحيح أنه قرأ النبي () يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وللحديث ألفاظ . ووقع الخلاف بين الرواة هل حسبت تلك الطلقة أم لا ؟ ورواية عدم الحسبان لها أرجح . وقد أوضح الماتن هذه المسألة في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة والخلاف طويل والأدلة كثيرة ، والراجح عدم وقوع البدعي لما ذكره هنالك . وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله () : ليس ذلك بشئ وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض لا يعتد بذلك وإسناده صحيح وقد تابع أبا الزبير الراوي لعدم الحسبان لتطليقة ابن عمر المذكورة في الحديث أربعة عبد الله بن عمر العمري ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رواد ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولو لم يكن في المقام إلا قول الله عز وجل يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وقد تقرر أن الأمر بالشئ نهى عن ضده ، والنهي يقتضي الفساد . وقول الله تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والمطلق على غير ما أمر الله تعالى به لم بسرح بإحسان . وقد ذهب إلى عدم الوقوع جماعة من السلف كابن علية وإليه ذهب ابن حزم وابن تيمية . وذهب الجمهور إلى الوقوع .

وفي وقوعه أقول : هذه المسألة من المعارك التي لا يجول في حافاتها إلا الأبطال ، ولا يقف على تحقيق الحق في أبوابها إلا أفراد الرجال . والمقام يضيق عن تحريرها على وجه ينتج المطلوب . فمن رام الوقوف على سرها فعليه بمؤلفات ابن حزم كالمحلي . ومؤلفات ابن القيم كالهدي . وقد جمع السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في ذلك مصنفاً حافلاً . وجمع الإمام الشوكاني رسالة ذكر فيها حاصل ما يحتاج إليه من ذيول المسألة وقرر ما ألهم الله إليه وذكر في شرح المنتقى أطرافاً من ذلك .

وخلاصة ماعول عليه القائلون بوقوع الطلاق البدعي هو اندراجه تحت الآيات العامة وتصريح ابن عمر بأنها حسبت تلك طلقة . وأجاب القائلون بعدم الوقوع عنهم بمنع اندراجه تحت العمومات لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به ، بل هو من الطلاق الذي أمر الله بخلافه قال فطلقوهن لعدتهن وقال ()  : مره فليراجعها وصح أنه غضب عند أن بلغه ذلك وهو لايغضب مما أحله الله . وأما قول ابن عمر : أنها حسبت فلم يبين من الحاسب لها ، بل أخرج عنه أحمد وأبو داود والنسائي أنه طلق امرأته وهي حائض فردها رسول الله () ولم يرها شيئاً وإسناد هذه الرواية صحيح ولم يأت من تكلم عليها بطائل ، وهي مصرحة بأن الذي لم يرها شيئاً هو رسول الله () فلا يعارضها قول ابن عمر لأن الحجة في روايته لا في رايه . وأما الرواية بلفظ مره فليراجعها ويعتد بتطليقه فهذه لو صحت لكانت حجة ظاهرة ولكنها لم تصح كما جزم به ابن القيم في الهدي . وقد روي في ذلك روايات في أسانيدها مجاهيل وكذابون لا تثبت الحجة بشئ منها .

والحاصل أن الاتفاق كائن على أن الطلاق المخالف لطلاق السنة يقال له طلاق بدعة . وقد ثبت عنه () أن كل بدعة ضلالة . ولا خلاف أيضاً أن هذا الطلاق مخالف لما شرعه الله في كتابه وبينه رسول الله () في حديث ابن عمر . وما خالف ما شرعه الله ورسوله () فهو رد لحديث عائشة عنه () كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وهو حديث متفق عليه . فمن زعم أن هذه البدعة يلزم حكمها وأن هذا الأمر الذي ليس من أمره () يقع من فاعله ويعتد به لم يقبل منه ذلك إلا بدليل وإذا كان من جلمة طلاق البدعة ايقاع الثلاث دفعة كما سيأتي فهذه الصورة من طلاق البدعة بخصوصها .

ووقوع ما فوق الواحدة من دون تخلل رجعة خلاف قال الماتن في رسالته في هذا الباب : اختلف أهل العلم فيها على أربعة أقوال : الأول وقوع جميعها وهو مذهب الأئمة وجمهور العلماء وكثير من الصحابة وفريق من أهل البيت . الثاني عدم الوقوع مطلقاً لا واحدة ولا ما فوقها لأنه بدعة محرمة وهذا المذهب حكاه ابن حزم . وحكى للإمام أحد ما يكفي وقال : هو مذهب الرافضة

قلت : بل هو مذهب جماعة من التابعين كما حكاه الليث ومذهب ابن علية وهشام بن الحكم وجميع الأمامية ومن أهل البيت عليهم السلام الباقر والصادق والناصر وبه قال أبو عبيدة وبعض الظاهرية لأن هؤلاء قالوا : إن الطلاق البدعي لا يقع والثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة لا يقع . الثالث وقع الثلاث أن كانت المطلقة مدخولة وواحدة إن لم تكن كذلك وهذا هو مذهب جماعة من أصحاب ابن عباس واسحق بن راهوية . الرابع أنه يقع واحدة رجعية من غير فرق بين المدخول بها وغيرها وهذا مذهب ابن عباس على الأصح وابن اسحق وعطاء وعكرمة وأكثر أهل البيت وهذا أصح الأقوال انتهى . ثم سرد أدلة هؤلاء ورجح القول الرابع فليرجع إليه .

قال ابن القيم : قد صح عنه صلى الله عليه تعالى وآله وسلم أن الثلاث كانت واحدة في عهده وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر وغاية ما يقدر مع بعده أن الصحابة كانوا على ذلك ولم يبلغه . وهذا وإن كان كالمستحيل فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك . وقد أفتى هو () فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد ولا معارض لذلك . ورأى عمر رضي الله تعالى عنه أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجراً لهم لئلا يرسلوها جملة وهذا إجتهاد منه رضي الله تعالى عنه غايته أن يكون سائغاً لمصلحة رآها ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله () وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته . فإذا ظهرت الحقائق فليقل امرؤ ما شاء وبالله التوفيق انتهى .

الراجح عدم الوقوع قال الماتن ذهب الجمهور إلى أنه يقع وأن الطلاق يتبع الطلاق . وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطالق بل يقع واحدة . وقد حكي ذلك عن أبي موسى وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى ورواية عن علي ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تميمة والحافظ ابن القيم وقد حكاه ابن مغيث في كتاب الوثائق عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وحكاه أيضاً عن جماعة من مشايخ قرطبة ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس . واستدل الجمهور بحديث ركانة بن عبد الله أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي () بذلك فقال : والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله ()  : والله ما أردت إلا واحد قال ركانة : والله ما أردت إلى واحدة فردها إليه أخرجه الشافعي وأبو داود والترمذي وصححه أبو داود وابن حبان والحاكم وفي إسناده أيضاً الزبير بن سعيد الهاشمي . وقد ضعفه غير واحد وقيل أنه متروك . وفي إسناده أيضاً نافع بن عجير وهو مجهول ومتنه أيضاً مضطرب كما قال البخاري ففي لفظ منه أنه طلقها ثلاثاً وفي لفظ واحدة وفي لفظ البتة وقال أحمد : طرقه كلها ضعيفة . وأما استدلالهم بقوله تعالى الطلاق مرتان وبقوله فإن طلقها فلا تحل له فليس في ذلك من الحجة شئ بل هو عليهم لا لهم . وقد حقق هذا صاحب الهدي بما يشفي . وقد ورد ما يدل على أن الطلاق يتبع الطلاق وليس في الصحيح شئ من ذلك . وأرجح من الجميع والحجة في هذا المقام حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم وغيره أن الطلاق كان على عهد رسول الله () وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر الثلاث واحدة فلما كان في عهد عمر تتابع الناس فأجازه عليهم انتهى . وكل رجال إسناده أئمة وله ألفاظ وأسانيد وفي لفظ أن أبا الصهباء قال له ألم تعلم أن الثلاث كانت واحدة على عهد رسول الله () وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر قال نعم ولم يأت من حاول التخلص عنه بحجة تنفق . والتمسك بما في بعض الروايات من تقييد ذلك بالطلاق قبل الدخول لا وجه له . فإن الطلاق لا يتفاوت الحال فيه قبل الدخول وبعده وإذا ثبت الحكم في أحدهما ثبت في الآخر ومن ادعي الفرق فعليه إيضاحه . وفي حديث محمود بن لبيد أن رسول الله () أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاثاً جمعاً فقام غضبان فقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال : يارسول الله ألا أقتله وقد أخرجه النسائي بإسناد صحيح . وروى البيهقي عن ابن عباس أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول الله () كيف طلقتها ؟ فقال : طلقتها ثلاثاً فقال : في مجلس واحد قال : نعم قال : إنما تلك واحدة إن شئت فراجعها وأخرج نحوه عبد الرزاق ، وأبو داود من حديثه ، وهذا خلاصة الحجج في هذه المسألة وهي طويلة الذيول ، كثيرة النقول ، متشعبة الأطراف ، قديمة الخلاف ، والإحاطة بجميع ما فيها من الأقوال وأدلتها وتصحيحها يحتمل مصنفاً مستقلاً ، وقد جمع في ذلك شيخنا العلامة الشوكاني رسالة بسط فيها بعض البسط ، وقد امتحن بهذه المسألة جماعة من العلماء منه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وجماعة ممن بعده ، والحق بأيديهم ، ولكن لما كان مذهب الأربعة الأئمة أن الطلاق يتبع الطلاق ، كان المخالف لذلك عند عامة أتباعهم ، وكثير من خاصتهم كالمخالف للإجماع . وقد ظهر مما سقناه ههنا من الأدلة والنقول أن الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد أو ألفاظ في مجلس واحد من دون تخلل رجعة يقع واحدة ، وإن كان بدعياً فتكون هذه الصورة من صور الطلاق البدعي واقعة مع إثم الفاعل دون سائر صور البدعي فلا يقع الطلاق فيها لما قدمنا تحقيقه ، وأطال ابن القيم في تخريج أحاديث الباب والكلام عليها ، وأثبته بالكتاب ، والسنة ، واللغة ، والعرف ، وعمل أكثر الصحابة . ثم قال بعد ذلك فهذا كتاب الله تعالى ، وهذه سنة رسول الله () ، وهذه لغة العرب ، وهذا عرف التخاطب ، وهذا خليفة رسول الله () والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر عمر على هذا المذهب . فلو عدهم العاد بأسمائهم واحداً واحداً أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى ، وإما بإقرار عليها ، ولو فرض منهم من لم يكن يرى ذلك فإنه لم يكن منكراً للفتوى به بل كانوا ما بين مفت ومقر بفتيا ، وساكت غير منكر . هذا حال كل صحابي من عهد الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر ، وهم يزيدون على الألف قطعاً كما ذكر يونس بن بكير عن أبي اسحق . فكل صحابي كان على أن الثلاث واحدة بفتوى أو إقرار أو سكوت . ولقد ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه بل لم يزل فيهم من يفت به قرناً بعد قرن وإلى يومنا هذا . فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إذا قال : أنت طالق ثلاثاً بفم واحد فهي واحدة . وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف حكاه عنهما ابن وضاح . وأما التابعون فأفتى به عكرمة وطاوس وأما تابعو التابعين فأفتى به محمد بن اسحق وحلاس بن عمرو والحارث العكلي . وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه وأفتى به بعض أصحاب مالك وأفتى به بعض الحنفية وأفتى به بعض أصحاب أحمد . والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب ، والسنة ، والقياس ، والإجماع القديم ، ولم يأت بعده إجماع يبطله . ولكن رأي أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه أن الناس استهانوا بأمر الطلاق وكثر منهم ايقاعه جملة واحدة فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه . والذي ندين الله تعالى به ولا يسعنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول الله () ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان انتهى حاصله . وتمام هذا البحث في إعلام الموقعين وإغاثة اللهفان للحافظ ابن القيم ، وفي رسالة مستقلة للماتن ، وفي كتابنا مسك الختام فليرجع الطالب إليها إن أراد التفصيل والتحقيق وبالله التوفيق .

وأما التفريق بين المعسر وبين امرأته فأقول : إذا كانت المرأة مثلاً جائعة ، أو عارية في الحالة الراهنة فهي في ضرار ، والله تعالى يقول ولا تضاروهن وهي أيضاً غير معاشرة بالمعروف والله يقول وعاشروهن بالمعروف وهي أيضاً غير ممسكة بمعروف ، والله يقول فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان بل هي ممسكة ضراراً ، والله يقول ولا تمسكوهن ضراراً والنبي () يقول لا ضرر ولا ضرار وقد ثبت في الفسخ بعدم النفقة ما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعاً قال : قال رسول الله () في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته يفرق بينهما وأخرجه الشافعي وعبد الرزاق عن سعيد ابن المسيب ، وقد سأله سائل عن ذلك فقال : يفرق بينهما . فقيل له سنة فقال نعم سنة . وما زعمه ابن القطان من توهيم الدارقطني فليس بظاهر . ثم من أعظم ما يدل على جواز الفسخ بعد النفقة أن الله سبحانه قد شرع الحكمين بين الزوجين عند الشقاق وجعل إليهما الحكم بينهما . ومن أعظم الشقاق أن يكون الخصام بينهما في النفقة . وإذا لم يمكنهما دفع الضرر عنها إلا بالتفريق كان ذلك إليهما . وإذا جاز ذلك منهما فجوازه من القاضي أولى . فإن قلت : تجويزك الفسخ للنفقة بتلك الأدلة العامة يستلزم جوازه من القاضي أولى . فإن قلت : تجويزك التضرر بها على أحد الزوجين قلت : النفقة وتوابعهما واجبة للزوجة على زوجها وليس ما يفوت بسبب تلك العيوب بواجب لها عليه ثم التضرر بترك النفقة وتوابعها لا يعادله شئ ، وإذا كان العيب في الزوجة كالجنون والجذام والبرص فقد فات الزوج شئ واجب له لكن قد جعل الله بيده الطلاق . ثم قد ورد في خصوص الفسخ بعدم النفقة ما قدمنا ذكره

وأما التفريق بين المفقود وبين امرأته فأقول : قد تشعبت المذاهب في هذه المسألة إلى شعب ليس عليه أثارة من علم لا سيما التحديدات بمقادير معلومة من الأوقات منها ماهو رجوع إلى مذاهب الطبائعية كقول من قال : أنه ينتظر المفقود حتى يمضي له من يوم ولادته مائة وعشرون سنة لأن كل طبيعة من الطبائع الأربع إذا لم يعرض لها ما يفسدها تغلب على الإنسان ثلاثين سنة فتحصل من مجموع الأربع الطبائع مائة وعشرون سنة وهذا مذهب كفري وكلام بمعزل عن الشريعة قال الماتن في حاشية الشفاء : وقد رأينا في عمرنا من عاش مائة وسبعاً وعشرين سنة ونصف سنة ورأيناه وهو في هذا السن في كمال من حواسه وجوارحه بحيث إنه لم يفقد منها شيئاً وهو يذهب ويجيء ويحضر المساجد وغاب عنا بعد ذلك فالله أعلم بعد هذه المدة انتهى .

أقول : وقد رأينا من عاش فوق المائة إلى عشرين سنة أو أكثر من ذلك وهم كثيرون وسمعنا بمن عاش فوق المائة إلى أربعين سنة بل أزيد من ذلك وهم قليلون ، والقدرة الإلهية صالحة للكل ، وبالجملة فمن العلماء من قال : مائة وخمسون ومنهم من قال : مائتان ومنهم من قال : أربع سنين ومنهم من قال : زيادة على ذلك ، ومنهم من فرق بين من كان له أهل ومال ومن لم يكن له أهل ومال ، والكل محض رأي . وعندي أن تحريم نكاح المحصنة ورد به النص القرآني ، وأجمع عليه جميع المسلمين ، بل هو معلوم من ضرورة الدين . وامرأة المفقود محصنة فالأصل الأصيل تحريم نكاحها ، وإذا لم يكن لها ما تستنفقه وكان امساكها حينئذ وإلزامها على استمرار نكاح الغائب فيه أضرار بها كان ذلك وجهاً للفسخ . وهكذا إذا طالت مدة الغيبة وكانت المرأة تتضرر بترك النكاح فالفسخ لذلك جائز ، وإذا جاز الفسخ للعنة فجوازه للغيبة الطويلة أولى لأنه قد علم من نصوص الكتاب والسنة تحريم الإمساك ضراراً والنهي للأزواج عن الضرار في غير موضع ، فوجب دفع الضرار عن الزوجة بكل ممكن وإذا لم يكن إلا بالفسخ جاز ذلك بل وجب . وأما عدم وقوع طلاق المكره فدليله حديث لا طلاق في إغلاق أخرجه أحمد وأبو داود وأبن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه من حديث عائشة وضعفه أبو حاتم بمحمد بن عبيد الله بن أبي صالح ورد عليه بأنه قد أخرجه البيهقي من طريق غيره . والإغلاق عند علماء اللغة الإكراه كما في النهاية وغيرها . وأما عدم صحة الطلاق قبل أن ينكحها فالأحاديث الواردة في هذا الكتاب لا تخلو عن مقال لكن لها طرق عدة عن جماعة من الصحابة وهي لا تقصر عن بلوغ رتبة الحسن لغيره فالعمل بها متحتم ولم يأت من خالفها بشئ إلا مجرد رأي محض . ثم إن السيد لا يطلق عند عبده بل الطلاق إلى العبد وذلك هو الأصل في الشريعة المطهرة فمن زعم أنه يصح طلاق غير زوج فعليه الدليل

فصل ويقع الطلاق بالكناية مع النية

ويقع بالكناية مع النية لحديث عائشة عند البخاري وغيره أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله () ودنا منها قالت : أعوذ بالله منك فقال لها : لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك وفي الصحيحين وغيرهما في حديث تخلف كعب بن مالك لما قيل له أن رسول الله () يأمرك أن تعتزل امرأتك فقال : أطلقها أم ماذ أفعل ؟ قال : بل إعتزلها فلا تقربنها فقال لإمرأته : الحقي بأهلك فأفاد الحديثان أن هذه اللفظة تكون طلاقاً مع القصد ، ولا تكون طلاقاً مع عدمه .

و يقع الطلاق بالتخيير إذا إختارت الفرقة لقوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا الآية وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة الآية . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله () دعا نساءه لما نزلت الأية فخيرهن وثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة قالت : خيرنا رسول الله () فاخترناه فلم يعدها شيئاً وفي المسألة خلاف وهذا هو الحق وبه قال الجمهور .

وإذا جعله الزوج إلى غيره وقع منه لأنه توكيل بالإيقاع وقد تقرر جواز التوكيل من غير فرق بين الطلاق وغيره فلا يخرج من ذلك إلا ما خصه دليل ، وقد سئل أبو هريرة ، وابن عباس ، وعمرو بن العاص ، عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيه فأجازوا طلاقه ، كما أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرج على الصحيحين .

ولا يقع بالتحريم لما في الصحيحين عن ابن عباس قال إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها وقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وأخرج عنه النسائي أنه قال أتاه رجل فقال إني جعلت امرأتي علي حراماً فقال : كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا هذه الآية يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك عليك أغلظ الكفارة عتق رقبة . وأخرج النسائي أيضاً بإسناد صحيح عن أنس أن رسول الله () كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله عز وجل يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية . وفي الباب روايات عن جماعة من الصحابة في تفسير الآية بمثل ما ذكر . وفي هذه المسألة مذاهب قد ذكر الحافظ ابن القيم منها ثلاثة عشر مذهب وقال : إنها تزيد على عشرين مذهباً ، والذي أرجحه منها هو أن التحريم ليس من صرائح الطلاق ولا من كناياته بل هو يمين من الإيمان كما سماه الله عز وجل في كتابه فقال يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فهذه الآية مصرحة بأن التحريم يمين ، والسبب وإن كان خاصاً وهو العسل الذي حرمه على نفسه ، أو الأمة التي كان يطؤها فلا اعتبار بخصوص السبب ، فإن لفظ ما أحل الله لك عام ، وعلى فرض عدم العموم فلا فرق بين الأعيان التي هي حلال . وأخرج الترمذي عن عائشة قالت : آلى رسول الله () من نسائه فجعل الحرام حلالاً وجعل في اليمين كفارة أي جعل الشئ الذي حرمه حلالاً بعد تحريمه . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها ثم قال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وفي الباب عن جماعة من الصحابة في تفسير الآية بمثل ما ذكرناه . وبالجملة الحق ما ذكرناه وقد ذهب إليه جماعة من الصحابة ومن بعدهم وجميع أهل الظاهر وأكثر أصحابه الحديث وهذا إذا أراد تحريم العين وأما إذا أراد الطلاق بلفظ التحريم غير قاصد لمعنى اللفظ بل قصد التسريح فلا مانع من وقوع الطلاق بهذه الكناية كسائر الكنايات .

والرجل أحق بامرأته في عدة طلاقه يراجعها متى شاء إذا كان الطلاق رجعياً لحديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي في قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية . قال : وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك الطلاق مرتان وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وأخرج الترمذي عن عائشة قالت : كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا راجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته والله لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبداً وقالت : وكيف ذلك قال : أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت حتى جاء النبي () فأخبرته فسكت النبي () حتى نزل القرآن الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قالت عائشة : فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من كان طلق ومن لم يكن طلق وأخرج أبو داود وأبن ماجه والبيهقي والطبراني عن عمران بن حصين أنه سأل عن الرجل يطلق امرأته يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة ، وراجعت لغير سنة ، اشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد .

ولا تحل له بعد الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره لقول الله تعالى : حتى تنكح زوجاً غيره ولما في الصحيحين وغيرهما من قوله () لامرأة رفاعة القرظي لا حتى تذوقي عسيلته ويذون عسيلتك وهو مجمع على ذلك

باب الخلع

وفيه شناعة ما ، لأن الذي أعطاه من المال قد وقع في مقابلة المسيس وهو قوله تعالى وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً واعتبر النبي () هذا المعنى في اللعان حيث قال : إن صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ومع ذلك فربما تقع الحاجة إلى ذلك فذلك قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به قلت : دلت الآية الأولى على النهي عن الخلع والثانية على جوازه فتكلم الفقهاء في ترتيبهما . قال البغوي وغيره إذا آذاها بمنع بعض حقوقها حتى ضجرت فاختلعت نفسها فهذا الفعل منه حرام . ولكن الخلع نافد لأن الله تعالى قال في صورة النهي ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن والعضل التضييق والمنع . وقال : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وهذا إشارة طموح بصره إلى غيرها من غير أن يرى منها التقصير . والخلع المباح بلا كراهية أن تكره المرأة صحبة الزوج ولا يمكنها القيام بأداء حقوقه فتخرج فتخلع نفسها لقوله تعالى إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله إلى أن قال : فلا جناح عليهما ولتقريره () حبيبة بنت سهل على الخلع حين ذكرت الشقاق . ولو اختلعت نفسها بلا سبب فجائز مع الكراهة لأن النبي () وأصحابه لم يفتشوا عن سبب الإختلاع من جانبها . وقد ثبت أن رسول الله () قال : أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق .

أقول : في قولهم هذا الفعل منه حرام ولكن الخلع نافذ نظراً لأن قوله تعالى : لا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وقوله : لا يحل لكم نصان في تحريم أخذ البدل وهو يقتضي بطلان العقد كما في كثير من مسائل البيوع فإما أن يكون العقد باطلاً من أصله أو يمضي الطلاق ويرد عليها ما لها كما قال مالك والله تعالى أعلم .

واتفق أهل العلم على أنه إن طلقها على مال فقبلت فهو طلاق بائن . واختلفوا في الخلع فقال أبو حنيفة : تطليقة بائنة وهو أصح قولي الشافعي وله قول أنه فسخ وليس بطلاق ولا ينقص به العدد كذا في المسوى .

وإذا خالع الرجل امرأته كان أمرها إليها بعد الخلع لا ترجع إليه بمجرد الرجعة ويجوز بالقليل والكثير ما لم يجاوز ما صار إليها منه لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءت إلى النبي () فقالت : يارسول الله إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله ()  : أتردين عليه حديقته ، قالت : نعم فقال رسول الله ()  : اقبل الحديقة وطلقها وفي رواية لابن ماجة والنسائي بإسناد رجاله ثقات أنها قالت : لا أطيقه بغضاً فقال النبي ()  : أتردين عليه حديقته قالت : نعم فأمره رسول الله () أن يأخذ الحديقة ولا يزداد وفي رواية للدارقطني بإسناد صحيح أن أبا الزبير قال إنه كان أصدقها حديقه فقال النبي ()  : أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت : نعم وزيادة فقال النبي ()  : أما الزيادة فلا ولكن حديقته قال : نعم فهذه الفرقة إنما كانت بسبب ماافتدت به المرأة فلو لم يكن أمرها إليها كانت الفدية ضائعة . وقد أفاد ما ذكرناه أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ منها أكثر مما صار إليها منه . وقد ذهب إلى هذا علي وطاوس وعطاء والزهري وأبو حنيفة وأحمد واسحق . وذهب الجمهور إلى أنه يجوز أن يأخذ منها زيادة على ما أخذت منه استدلالاً بقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به فإنه عام للقليل والكثير . ويجاب بأن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لذلك كحديث أما الزيادة فلا صححه الدارقطني فصلح لتخصيص ذلك العموم كما هو الحق عند الماتن رحمه الله من جواز تخصيص عموم القرآن بالآحاد . ومذاهب الصحابة فمن بعدهم في هذا مختلفة مبسوطة في المطولات . وأما ما أخرجه البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : كانت أختى تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول الله () فقال لها : أتردين حديقته قالت : وأزيد عليها فردت عليه حديقته وزادته ففي إسناده ضعف مع أنه لا حجة فيه لأنه لم يقررها على تسليم الزيادة وأيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله يدل على منع الأخذ مما آتوهن إلا مع ذلك الأمر فلا بأس بأن يأخذوا مما آتوهن لا كله فضلاً عن زيادة عليه .

ولا بد من التراضي بين الزوجين على الخلع أو إلزام الحاكم مع الشقاق بينهما لقوله تعالى : فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأما اعتبار الزام الحاكم فلارتفاع ثابت وامرأته إلى النبي () وإلزامه بأن يقبل الحديقة ويطلق ولقوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها وهذه الآية كما تدل على بعث حكمين تدل على اعتبار الشقاق في الخلع . ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ويدل عليه قصة امرأة ثابت المذكورة وقولها أكره الكفر بعد الإسلام ، وقولها لا أطيقه بغضاً . فلهذا اعتبرنا الشقاق في الخلع .

وهو فسخ وليس بطلاق . ولكن قال الماتن رحمه الله في حاشية الشفاء بخلاف ما قال ههنا ، ورجح أن الخلع طلاق وليس بفسخ وقال هذا هو الحق لأن الله سبحانه ذكر أحكام الخلع بعد قوله : الطلاق مرتان والضمائر من آيات الإختلاع راجعة إلى ذلك كقوله : إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله وقوله : فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقد سماه النبي () طلاقاً كما في صحيح البخاري وغيره . فإنه قال لثابت بن قيس اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ولا يعارضه ما روي في سنن النسائي أنه () أمرها أن تعتد بحيضة وكذلك في سنن أبي داود لأنه ملازمة بين الاعتداد بحيضة وبين الفسخ بل إذا ورد في بعض المطلقات ما يدل على مخالفة عدتها لعدة سائر المطلقات المصرح بها في القرآن كان ذلك مخصصاً لعموم العدة ، وقد أطال ابن القيم الكلام على ذلك ورجح أن الخلع فسخ ولم يأت ببرهان يشفى سوى ما ذكرنا من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لها أن تعتد بحيضة وهو في غير محل النزاع كما عرفت انتهى .

ثم رجح في فتاواه المسماة بالفتح الرباني كون الخلع فسخاً وقال : الظاهر أنه فسخ لا طلاق ، وهو قول جماعة من العلماء منهم ابن عباس رواه عنه ابن عبد البر في التمهيد ، وكذلك رواه عن أحمد واسحق وداود وهو قول الصادق والباقر ، وأحد قولي الشافعي ، ومن قال بذلك لم يشترط فيه أن يكون للسنة ، وأجازه في الحيض وأوقعه وإن كان لا يرى وقوع الطلاق البدعي ، واحتجوا لذلك بقول الله تعالى الطلاق مرتان ثم ذكر الافتداء ثم عقبة بقوله : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فلو كان الاقتداء طلاقاً لكان الطلاق الذي لا تحل له إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع . وبحديث الربيع أنها اختلعت على عهد رسول الله () فأمرها النبي () أو أمرت أن تعتد بحيضة أخرجه الترمذي . وبحديث ابن عباس الآتي في قصة امرأة ثابت بن قيس قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : بحثت عن رجال الحديثين معاً فوجدتهم ثقات . ولحديث رواه مالك عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها قالت للنبي () يارسول الله كل ما أعطاني عندي فقال النبي () لثابت : خذ منها فأخذ وجلست في أهلها قال ابن عبد البر لم يختلف على مالك في هذا الحديث وهو حديث مسند صحيح ووجه دلالته أنه لم يذكر فيه طلاقاً ولا زاد على الفرقة ، ويدل على ذلك من النظر أنه لا يجعله طلاقاً بائناً ولا رجعياً . أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة . وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة ولا يرد على هذا أعني الاكتفاء في العدة بحيضة قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء لأن الخلع عندهم فسخ لا طلاق فلا يندرج تحت عمومه سلمنا . فالآية في الطلاق الرجعي بدليل آخرها وهو قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن سلمنا . فالآية عامة وأدلتنا خاصة . وذهب الجمهور إلى أنه طلاق مستدلين بحديث ابن عباس عند البخاري ، وأبي داود بلفظ طلقها تطليقة قلنا ثبت من حديث المرأة نفسها عند الموطأ وأبي داود والنسائي بلفظ وخل سبيلها وعند أبي داود من حديث عائشة بلفظ وصاحب القصة أخص بها قال ابن القيم رحمه الله : لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة . وقال الخطابي في معالم السنن : أنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقوله تعالى الطلاق مرتان انتهى . ومخالفة الراوي لما روى دليل على علمه بناسخ لوجوب حمله على السلامة . قال الترمذي : قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي () وغيرهم أن عدة المختلعة عدة الطلاق . قلت : قد عرفت أن ابن القيم قال أنه لم يصح عن صحابي ، وعرفت الأدلة الدالة على أن العدة بحيضة ، ولاحجة في أحد غير الشارع . قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : وقد استدل الزيدية في أنه طلاق بثلاثة أحاديث ، وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد ، وأنها معارضة بما هو أرجح ، وأن أهل الصحاح لم يذكروها . واختلف العلماء أيضاً في شروط الخلع ، فالزيدية جعلوا منها النشوز وهو قول داود الظاهري والجمهور على أنه ليس بشرط وهو الحق ، لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها ولذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق . قال العلامة ابن الوزير : ثم تأملت فإذا الأمر المشترط فيه خوف أن لا يقيما حدود الله هو طيب المال للزوج لا الخلع لقوله تعالى : فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولم يقل في الخلع . يوضحه أنه لوضارها حرم عليه لقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن انتهى . ثم قال في السيل الجرار بعد ذكر أدلة الفريقين الدالة على أن الخلع طلاق أو فسخ ما نصه: فهذه الآحاديث تدل على أنه فسخ لا طلاق . قال : والذي ينبغي الجمع به هو أن عدة الخلع حيضة لا غير ، وليس الغير سواء كان بلفظ الطلاق أو بغيره مما يشعر بتخلية السبيل أو بتركها وشأنها من دون أن يجري منه لفظ قط . قد يكون الوارد في هذا الطلاق الكائن في الخلع مخصصاً لما ورد في عدة المطلقة فتكون عدة الطلاق ثلاثة قروء إلا إذا كان الطلاق مع الإفتداء فإنه حيضة واحدة ، ولا تحسب عليه طلقة إلا إذا جاء بلفظ الطلاق أو بما يدل عليه ، لا إذا لم يقع منه لفظ البتة بل تركها وشأنها فإن هذا لا يحسب عليه طلاقاً بهذا التقرير تجتمع الأدلة ويرتفع الأشكال على كل تقدير ، وأما كونه يمنع الرجعة فلما قدمنا أن الطلاق لا يتبع الطلاق انتهى .

وعدته حيضة لحديث الربيع بنت معوذ عند النسائي في قصة امرأة ثابت أن النبي () قال له : خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال : نعم فأمرها رسول الله () أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها ورجال إسناده كلهم ثقات . ولها حديث آخر عند الترمذي والنسائي وأبن ماجه أن النبي () أمرها أن تعتد بحيضة وفي إسناده محمد بن اسحق وقد صرح بالتحديث . وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس إختلعت من زوجها فأمرها النبي () أن تعتد بحيضة وأخرج الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح عن أبي الزبير وفيه فأخذها وخلى سبيلها قال الدارقطني : سمعه أبو الزبير من غير واحد فهذه الأحاديث كما تدل على أن العدة في الخلع حيضة ، تدل على أنه فسخ ، لأن عدة الطلاق ثلاث حيض ، وأيضاً تخلية السبيل هي الفسخ لا الطلاق ، وأما ما وقع في بعض روايات الحديث أنه طلقها تطليقة فقد أجيب عن ذلك بجوابات طويلة قد أودعها الماتن في شرح المنتقى فليرجع إليه . قال ابن القيم : واختلف الناس في عدة المختلعة فذهب اسحق وأحمد في أصح الروايتين عنه دليلاً أنها تعتد بحيضة واحدة وهو مذهب عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وقد حكى إجماع الصحابة ولا يعلم لهما مخالف وقد دلت عليه سنة رسول الله () الصحيحة دلالة صريحة وعذر من خالفها أنها لم تبلغه أو لم تصح عنده أوظن الإجماع على خلاف موجبها . فهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر . أما رجحانه أثراً فإن النبي () لم يأمر المختلعة قط أن تعتد بثلاث حيض بل قد روى أهل السنن عنه من حديث الربيع بنت معوذ وحديث امرأة ثابت بن قيس المتقدمة وهذه الأحاديث لها طرق يصدق بعضها بعضاً فيكفي في ذلك فتاوي رسول الله () . قال أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ هو إجماع من الصحابة انتهى حاصله

باب الإيلاء

هو أن يحلف الزوج من جميع نسائه أو بعضهن لا أقربهن وهو ظاهر .

فإن وقت بدون أربعة أشهر اعتزل حتى ينقضي ما وقت به لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي () آلى من نسائه شهراً ثم دخل بهن بعد ذلك .

وإن وقت بأكثر منها خير بعد مضيها بين أن يفىء أو يطلق لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية . وقد أخرج البخاري عن ابن عمر قال : إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق قال البخاري : ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثنى عشر رجلاً من أصحاب النبي () . وأخرج الدارقطني عن سليمان ابن يسار قال : أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي () كلهم يوقفون المولى . وأخرج أيضاً عن سهل بن أبي صالح عن أبيه قال : سألت اثنى عشر رجلاً من أصحاب النبي () عن رجل يولي قالوا : ليس عليه شئ حتى يمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق . قال في المسوى : إختلفوا فيما إذا انقضت أربعة أشهر وهو لم يفيء . قال الشافعي : لا يقع الطلاق بمضيها بل يوقف فإما أن يفيء ويكفر عن يمينه أو يطلق ، فإن طلق فيها وإلا طلق عليه السلطان . وقال أبو حنيفة : إذا مضت أربعة أشهر وقعت عليها طلقة بائنة . وقال سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن : يقع عليها طلقة رجعية انتهى .

قال الماتن : وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعداً . قالوا : فإن حلف على أنقص لم يكن مولياً واحتجوا بالآية وهي لا تدل على مطلوبهم لأنها لبيان المدة التي تضرب للمولى ليفئ بعدها أو يطلق ، وقد وقع منه () الإيلاء شهراً ودخل على نسائه بعده ، فلو كان الإيلاء دون أربعة أشهر جماعة من أهل العلم وهو الحق . وأما لزوم الحد إذا نكلت فقد أوضح ابن القيم في الهدي هذا البحث بما لا مزيد عليه فليراجع فإنه لا يستغني عنه . قال في المسوى : إيلاء العبد نحو إيلاء الحر وهو عليه واجب ، وإيلاء العبد شهران قلت : وعليه مالك ، أن مدة الإيلاء تنتصف برق الرجل . وقال أبو حنيفة : مدة الإيلاء تنتصف برق المرأة وقال الشافعي : الحر والعبد في مدة الإيلاء سواء انتهى

باب الظهار

وهو قول الزوج لامرأته أنت علي كظهر أمي ، أو ظاهرتك ، أو نحو ذلك ، فيجب عليه قبل أن يمسها أن يكفر بعتق رقبة ، فإن لم يجد فليطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يجد فليصم شهرين متتابعين وإنما جعلت كفارة هذه لأن من مقاصد الكفارة أن يكون بين عيني المكلف ما يكبحه عن الإقتحام في الفعل خشية أن يلزمه ذلك ، ولا يمكن ذلك إلا بكونها طاعة شاقة تغلب على النفس إما من جهة كونها بذل ما تشح به ، أو من جهة مقاساة جوع أو عطش مفرطين . والدليل على ما اشتمل عليه هذا الباب من التكفير على هذا الترتيب ما في القرآن الكريم والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم وقد بينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة سلمة بن صخر لما ظاهر من امرأته ثم وطئها فقال له رسول الله ()  : أعتق رقبة فقال : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها وضرب صفحة رقبته قال : فصم شهرين متتابعين قال : قلت يارسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال : فتصدق قال : والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا ما لنا عشاء . قال : اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم منها وسقا من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة ، وابن الجارود . وفي لفظ لأبي داود فقال رسول الله () كله أنت وأهلك وأخرج نحوه أهل السنن ، وصححه الترمذي من حديث ابن عباس ، وصححه أيضاً الحاكم . قال ابن حجر : رجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال . وقال ابن حزم : رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وللحديثين شواهد . وأخرج نحوه أبو داود ، وأحمد من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة . وأخرج أبن ماجه نحوه من حديث عائشة . وأخرجه الحاكم أيضاً ، وقد قام الإجماع على أن الكفارة تجب بعد العود لقوله تعالى ثم يعودون لما قالوا واختلف أهل العلم هل العلة في وجوبها العود أو الظهار . واختلفوا أيضاً هل المحرم الوطء فقط أم هو مع متقدماته . فذهب الجمهور إلى الثاني لقوله تعالى : من قبل أن يتماسا وذهب البعض إلى الأول قالوا : لأن المسيس كناية عن الجماع ، واختلفوا في العود ما هو ؟ فقال قتادة وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأصحابه : أنه إرادة المسيس لما حرم بالظهار ، لأنه إذا أراد فقد عاد من عزم الترك إلى عزم الفعل سواء فعل أم لا . وقال الشافعي : بل هو إمساكها بعد الظهار وقتاً يسع الطلاق ولم يطلق . إذ تشبيهها بالام يقتضي ابانتها ، وإمساكها نقيضه . وقال مالك وأحمد : بل هو العزم على الوطء فقط وأن لم يطأ . وقد وقع الخلاف أيضاً إذا وطيء المظاهر قبل التكفير فقيل : تجب عليه كفارتان وقيل : ثلاث وقيل : تسقط الكفارة ، وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة وهو الحق كما تفيده الأدلة المذكورة وأعلم أن الرقبة وإن كانت مطلقة في كفارة الظهار ، فقد ورد ما يدل على إعتبار كونها مؤمنة ، وليس ذلك الدال على إعتبار الإيمان هو ما وقع في القرآن في كفارة القتل ، لما تقرر في الأصول أن المختلفين سبباً لا يصح تقييد أحدهما بالآخر بل الدال على ذلك هو سؤاله () لمن قال عليه رقبة عن إيمانها ، وقوله لها أين الله ؟ ومن أنا ؟ ثم قال : أعتقها فإنها مؤمنة كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي ولم يستفصله () عن وجوب تلك الرقبة عليه هل هو عن كفارة ظهار ، أو قتل ، أو يمين ، أو غير ذلك ؟ وقد تقرر أن ترك الإستفصال ينزل منزلة العموم إذا كان في مقام الإحتمال .

ويجوز للإمام أن يعينه من صدقات المسلمين إذا كان فقيراً لا يقدر على الصوم وله أن يصرف منها لنفسه وعياله وإذا كان الظهار مؤقتاً فلا يرفعه إلا انقضاء الوقت

لتقريره () سلمة بن صخر لما قال له أنه ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ، وهو في مسند أحمد ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، وحسنة ، والحاكم ، وصححه ابن خزيمة ، وابن الجارود كما تقدم ، وظاهر القرآن أنه لا يوجب الكفارة إلا العود . فالظهار المؤقت إذا انقضى وقته لم يكن إرادة الوطء عوداً فلا تجب فيه كفارة ، وأما إذا كان الموجب للكفارة قول المنكر والزور فهي واجبة في مطلق ومؤقت لأنه قد وقع القول بمجرد إيقاع الظهار .

وإذا وطيء قبل انقضاء الوقت أو قبل التفكير كف حتى يكفر في المطلق أو ينقضي وقت المؤقت لحديث ابن عباس أن النبي () قال للمظاهر الذي وطيء امرأته : لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله أخرجه أهل السنن وصححه الترمذي والحاكم . وظهار العبد نحو ظهار الحر وصيام العبد في الظهار شهران كالحر بالإتفاق

باب اللعان

والأصل فيه أنه أيمان مؤكدة تبريء الزوج من حد القذف ، وتثبت اللوث عليها تحبس لأجله ويضيق عليها به ، فإن نكل ضرب الحد. وأيمان مؤكدة منها تبرئها فإن نكلت ضربت الحد . وبالجملة فلا أحسن فيما ليس فيه بينة وليس مما يهدر ولا يسمع من الإيمان المؤكدة

إذا رمى الرجل امرأته بالزنا حكم اللعان مذكور في الكتاب العزيز قال الله تعالى : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين واستفاض حديث عويمر العجلاني وهلال ابن أمية .

ولم تقر بذلك ولا رجع عن رميه لأن النبي () كان يحث المتلاعنين على ذلك . ففي الصحيحين وغيرهما أنه وعظ الزوج وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ثم وعظ المرأة وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فإذا أقرت المرأة كان عليها حد الزاني المحصن إذا لم يكن هناك شبهة ، وإذا أقر الرجل بالكذب كان عليه حد القذف .

لا عنها فيشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقد نطق بذلك الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة في ملاعنته () بين عويمر العجلاني وامرأته ، وبين هلال بن أمية وامرأته .

ويفرق الحاكم بينهما وتحرم عليه أبداً لحديث سهل بن سعد عند أبي داود قال : مضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني أن النبي () قال : المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً وأخرج نحوه عنه أبو داود وفي الصحيحين وغيرهما أن عويمراً طلق امرأته ثلاث تطليقات قبل أن يأمره () . قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين .

ويلحق الولد بأمه فقط ومن رماها به فهو قاذف لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قضى رسول الله () في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين أخرجه أحمد وفي إسناده محمد بن اسحق وبقية رجاله ثقات . ويؤيد هذا الحديث الأدلة الدالة على أن الولد للفراش ولا فراش هنا . والأدلة الدالة على وجوب حد القذف . والملاعنة داخلة في المحصنات لم يثبت عليها ما يخالف ذلك وهكذا من قذف ولدها فإنه كقذف أمه يجب الحد على القاذف

باب العدة

وكانت من المشهورات المسلمة في الجاهلية ، وكانت مما يكادون يتركونه ، وكان فيها مصالح كثيرة فأقرها الشارع .

هي للطلاق من الحامل بالوضع لقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن

ومن الحائض بثلاث حيض لقول تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء والقروء هي الحيض كما تقدم في قوله ()  : دع الصلاة أيام أقرائك والقرء وإن كان في الأصل مشتركاً بين الأطهار والحيض لكنه هنا قد دل الدليل على أن المراد أحد معنيي المشترك وهو الحيض لقوله ()  : تعتد بثلاث حيض وقوله : تجلس أيام اقرائها وقوله : وعدتها حيضتان وسيأتي .

ومن غيرهما أي غير الحامل والحائض وهي الصغيرة والكبيرة التي لا حيض فيها أو التي انقطع حيضها بعد وجوده فإنها تعتد بثلاثة أشهر لقوله تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن الآية . وقد وقع الخلاف في منقطعة الحيض لعارض فقيل أنها تتربص حتى يعود فتعتد بالحيض ، أو تيأس فتعتد بالأشهر ، والحق ما ذكرناه لأنه يصدق عليها عند الإنقطاع أنها من اللائي لم يحضن .

وللوفاة بأربعة أشهر وعشر لقوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا هذا في غير الحامل .

وإن كانت حاملاً فبالوضع لقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقد بين ذلك النبي () أكمل بيان . ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أم سلمة أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين فمكتث قريباً من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت إلى النبي () فقال انكحي وأخرج البخاري عن ابن مسعود في المتوفي عنها زوجها وهي حامل قال : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقد أخرج أحمد والدارقطني عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن للمطلقة ثلاثاً وللمتوفي عنها قال : هي للمطلقة ثلاثاً وللمتوفي عنها وأخرجه أبو يعلى ، والضياء في المختارة ، وابن مردويه ، وفي إسناده المثنى بن الصباح ، وثقه ابن معين وضعفه الجمهور ، وقد أخرج أبن ماجه عن الزبير بن العوام أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة فقالت له وهي حامل طيب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت فقال ما لها قد خدعتني خدعها الله ثم أتى النبي () فقال سبق الكتاب أجله أخطبها إلى نفسها ورجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به . وقد تمسك بعض الصحابة بالآيتين فجعل عليها أطول الأجلين فقال : إذا وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر لم تنقص عدتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشر ، وإذا انقضت الأربعة الأشهر وعشر ولم تضع لم تنقض العدة حتى تضع ، وبه قال جماعة من أهل العلم . والحق أن عدة الحامل بالوضع في الطلاق والوفاة للأدلة التي ذكرناها ، وهي نصوص في محل النزاع ومبينة للمراد . قال ابن القيم : وقد كان بين السلف نزاع في المتوفي عنها أنها تتربص أبعد الأجلين ثم حصل الإتفاق على إنقضائها بوضع الحمل . وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل كما دل عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة واتفاق الناس انتهى .

ولا عدة على غير مدخولة لقوله تعالى في غير الممسوسات فما لكم عليهن من عدة تعتدونها .

والأمة أي عدتها كالحرة لأن حديث عائشة أن النبي () قال : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان أخرجه الترمذي ، وأبو داود ، والبيهقي ، قال فيه أبو داود هو حديث مجهول ، وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم ، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث انتهى . وأخرج أبن ماجه ، والدارقطني ، ومالك في الموطأ ، والشافعي من حديث ابن عمر عن النبي () قال : طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان وفي إسناده عمرو ابن شبيب ، وعطية العوفي وهما ضعيفان ، وصحح الدارقطني أنه موقوف على ابن عمر ، وأخرج الدارقطني من حديث ابن مسعود ، وابن عباس الطلاق بالرجال والعدة بالنساء ، وقد أعل بالوقف . وأخرج أحمد عن علي نحو ذلك وإذا كان الصحيح الوقف فيما عدا حديث عائشة فلم يكن في الباب ما تقوم به الحجة لأن حديث عائشة ضعيف كما عرفت فوجب الرجوع إلى أدلة الكتاب والسنة المشتملة على تفصيل العدد وهي غير مختصة بالحرائر .

وعلى المعتدة للوفاة ترك التزين لحديث أم سلمة في الصحيحين أن النبي () قال : لا يحل لامرأة مسملة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلى على زوجها أربعة أشهر وعشراً وفي الباب عن أم حبيبة وزينب بنت جحش في الصحيحين وغيرهما وفيهما أيضاً من حديث أم سلمة أن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينها فأتوا رسول الله () فاستأذنوه في الكحل فقال : لاتكتحل كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر وفي الصحيحين من حديث أم عطية قالت : كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ، ولا نكتحل ، ولا نطيب ، ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار وفي الباب أحاديث . وقد روي ما يعارض هذه الأحاديث فأخرج أحمد ، وابن حبان وصححه من حديث أسماء بنت عميس قالت : دخل علي رسول الله () لليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب قال : لا تحدي بعد يومك هذا وهي كانت امرأته بالاتفاق وقد أجيب بأنه حديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ، وقد وقع الإجماع على خلافه ، وقيل أنه منسوخ وقد أعله البيهقي بالانقطاع ، وهذه الأحاديث المؤقتة في الأحداد بأربعة أشهر وعشر هي في غير الحامل ، وأما هي فعليها ذلك حتى تنقضي عدتها بالوضع ثم الاحداد إنما يكون للموت لا لغيره لأنه التظهر بما يدل على الحزن والكآبة لمفارقة الزوج بالموت لا لمطلق المفارقة بالطلاق وغيره لأنه لم يرد فيه شئ ولا فعلته النساء في أيام النبوة والخلفاء الراشدين فمن ادعى وجوبه على غير المميتة فنحن نطالبه بالدليل .

والمكث في البيت الذي كانت فيه عند موت زوجها أبو بلوغ خبره لحديث فريعة بنت مالك عند أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم قالت : خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم في طريق القدوم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي () فذكرت ذلك له فقلت : أن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة عن أهلي من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته ، وليس المسكن له فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي لكان أرفق بي في بعض شأني قال : تحولي . فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال أمكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت : فأعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً وفي بعض ألفاظه أنه أرسل إليها عثمان بعد ذلك فأخبرته فأخذ به . وقد أعل هذا الحديث بما لا يقدح في الإحتجاج به . وأخرج النسائي وأبو داود وعزاه المنذري إلى البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله تعالى لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً وقد ذهب إلى العمل بحديث فريعة جماعة من الصحابة فمن بعدهم وقد روي جواز الخروج للعذر عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم ، ولم يأت من أجاز ذلك بحجة تصلح لمعارضة حديث فريعة . وغاية ما هناك روايات عن بعض الصحابة وليست بحجة ، ولا سيما إذا عارضت الموفوع . وأخرج الشافعي ، وعبد الرزاق عن مجاهد مرسلاً أن رجالاً استشهدوا بأحد فقال نساؤهم : يارسول الله إنا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند احداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها وهذا مع إرساله لا تقوم به الحجة ، وأما أن لا تعتد بما مضى من الأيام قبل العلم وبعد الطلاق أو نحوه فلا وجه له ، لأن مشروعية العدة لم يشترطها الشارع بعلم المعتدة ، إنما ضرب للعدة مقادير كما في القرآن ، فإذا مضت تلك المقادير من يوم الطلاق أو الموت انقضت العدة ، ومن زعم أنه لا يحتسب بجميع العدة أو ببعضها قبل العلم فعليه الدليل لأنه يدعي أما فقد شرط أو وجود مانع وكلاهما خلاف الأصل . ثم الفرق بين بعض المعتدات دون بعض في اعتبار العلم وعدمه كما وقع في كتب الفروع لا مستند له إلا خيالات مختلة

تحريم وطء السابا حتى يضعن ما في بوطنهن

يجب استبراء الأمة المسبية والمشتراة ونحوهما بحيضة إن كانت حائضاً والحامل بوضع الحمل لما أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي () قال : في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ولما أخرجه مسلم وغيره أن النبي () هم أن يلعن الرجل الذي أراد وطء امرأة حامل من السبي لعنة تدخل معه قبره وأخرج الترمذي من حديث العرباض بن سارية أن رسول الله () حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن وأخرج ابن أبي شيبة من حديث علي قال : نهى رسول الله () أن توطأ حامل حتى تضع ولا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة وفي إسناده ضعف وانقطاع . وأخرج أحمد والطبراني قال: قال رسول الله ()  : لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره وفي إسناده بقية والحجاج بن أرطاة وهما مدلسان وهو يشمل المسبية وغيرها كالمشتراة والموهوبة وكذلك حديث رويفع بن ثابت عن النبي () قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره أخرجه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، وابن أبي شيبة ، والدارمي ، والطبراني ، والبيهقي ، والضياء المقدسي ، وابن حبان وصححه ، والبزار وحسنه . وهو كما يتناول الحامل المشتراة ونحوها كذلك يتناول من يجوز حملها من الغير كائناً من كان ، لأن العلة كونه يسقي بمائه ولد غيره . وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس أن النبي () نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم . وقال : لا تسق ماءك زرع غيرك وأصله في النسائي . وأخرج البخاري عن ابن عمر إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء ، ويدل على استيراء المشتراة التي هي حامل ، أو مجوز حملها الأدلة الواردة في المسبية لأن العلة واحدة وأما العذراء والصغيرة فليستا ممن تصدق عليه تلك العلة وإن كان حمل العذراء البالغة ممكناً مع بقاء البكارة ولكنه في غاية الندرة فلا اعتبار به . وأما ما أخرجه البخاري وغيره أن النبي () بعث علياً إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى علي منه سبية فأصبح وقد اغتسل ثم بلغ ذلك النبي () فلم ينكره بل قال في بعض الروايات لنصيب علي أفضل من وصيفة فيحمل على أنها كانت صغيرة أو بكراً جمعاً بين الأدلة أو أنه قد كان مضى لها من وقت الصبا ما تبين به أنها غير حامل .

ومنقطعة الحيض تستبرأ حتى يتبين عدم حملها لأنه لا يمكن العلم بعدم الحمل إلا بذلك إذا لا حيض بل المفروض أنه منقطع لعارض أو إنها ضهيأ . وأما من قد بلغت سن الأياس من الحيض فقد صار حملها مأيوساً كحيضها ولا إعتبار بالنادر .

ولا تستبرأ بكر ولا صغيرة ولا يلزم الاستبراء على البائع ونحوه لعدم الدليل على ذلك لا بنص ، ولا بقياس صحيح بل هو محض رأي

باب النفقة

تجب على الزوج للزوجة لا أعرف في ذلك خلافاً . وقد أوجبها القرآن الكريم قال الله تعالى : وارزقوهم فيها واكسوهم وقد قرر دلالة هذه الآية على المطلوب الموزعي في تفسيره . والحديث إذنه () لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف وهو في الصحيحين وغيرهما . ولقوله () لما سئل عن حق الزوجة على الزوج أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت وهو عند أهل السنن وغيرهم . قال في المسوى : تجب نفقة الزوجة على الزوج موسراً كان أو معسراً . قال تعالى : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله وقال تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقال تعالى : ذلك أدنى أن لا تعولوا قلت : قال الشافعي : أي لا يكثر من تعولون . وفيه دليل على أن على الرجل نفقة امرأته ، وقد أنكر على الشافعي بعض أهل العربية هذا التفسير ، فأجاب البغوي بأن الكسائي قال : يقال عال الرجل يعول إذا كثر عياله واللغة الجيدة أعال . وأجاب الزمخشري بأنه بيان حاصل المعنى وجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم ، ومن كثر عياله لزمه أن يعولهم وهذا مما اتفق عليه أهل العلم . وقال ابن القيم : في حديث هند المتقدم تضمنت هذه الفتوى أموراً أحدها أن نفقة الزوجة غير مقدرة بل المعروف لنفي تقديرها وإن لم يكن تقديرها معروفاً في زمن رسول الله () ولا الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم . الثاني أن نفقة الزوجة من جنس نفقة الوالد كلاهما بالمعروف . الثالث انفراد الأب بنفقة أولاده . الرابع أن الزوج والأب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه فللزوجة والأولاد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف . الخامس أن المرأة إذا قدرت على أخذ كفايتها من مال زوجها لم يكن لها إلى الفسخ سبيل . السادس أن ما لم يقدره الله تعالى ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف . السابع أن من منع الواجب عليه وكان سبب ثبوته ظاهراً فلمستحقه أن يأخذ بيده إذا قدر عليه كما أفتى به النبي () هذا انتهى حاصله .

أقول : هذا يختلف بإختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص ، فنفقة زمن الخصب المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب ، ونفقة أهل البوادي المعروف فيها ما هو الغالب عندهم ، وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن ، وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء على إختلاف طبقاتهم غير المعروف من نفقة الفقراء ، والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف غير المعروف من نفقة أهل الوضاعات . فليس المعروف المشار إليه في الحديث هو شئ متحد بل مختلف باختلاف الإعتبار وقد أوضحت المقام في كتابي دليل الطالب فليراجع .

وقال الماتن رحمه الله في الفتح الرباني في جواب سؤال في الفرض للزوجة ونحوها ما لفظه قد اختلفت المذاهب في تقديره النفقة بمقدار معين وعدم التقدير فذهب جماعة من أهل العلم وهم الجمهور إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية ، وقد اختلفت الرواية عن الفقهاء فقال : الشافعي على المسكين والمتكسب مد وعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف . وقال أبو حنيفة : على الموسر سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر وعلى المعسر أربعة دراهم إلى خمسة .قال بعض أصحابه هذا التقدير في وقت رخص الطعام وأما في غيره فيعتبر بالكفاية انتهى .

والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير لإختلاف الأزمنة والأمكنة ، والأحوال والأشخاص . فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون ادعى للطعام من بعض ، وكذلك الأمكنة فإن بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين وفي بعضها ثلاثاً وفي بعضها أربعاً ، وكذلك الأحوال فإنه حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من المقدار الذي تستدعيه حالة الخصب ، وكذلك الأشخاص فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه ، وبعضهم قد يأكل نصف صاع ، ويعضهم دون ذلك ، وهذا الإختلاف معلوم بالإستقراء التام ، ومع العلم بالإختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلماً وحيفاً . ثم أنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط بل كان () يحيل على الكفاية مقيداً لذلك بالمعروف كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأحمد بن حنبل وغيرهم أن هنداً قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف فهذا الحديث الصحيح فيه الإحالة على الكفاية مع التقييد بالمعروف ، والمراد به الشئ الذي يعرف ، وهو خلاف الشئ الذي ينكر ، وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئاً معيناً ، ولا المتعارف بين أهل جهة معينة بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها المتعارف بينهم . مثلاً أهل صنعاء المتعارف بينهم الآن أنهم ينفقون على أنفسهم وأقاربهم الحنطة والشعير والذرة ويعتادون الإدام سمناً ولحماً ، فلا يحل أن يجعل طعام من تجب نفقته من طعام غير الثلاثة الأجناس المتقدمة كالعدس والفول ولا من الشعير والذرة فقط ، ولا بدون أدام ولا بادام غير المعتاد كالزيت والتلبينة ونحو ذلك ، فإن ذلك جميعه وأن كان يصدق عليه لفظ الكفاية لكنه لا يصدق عليه معنى المعروف ، والعمل بالمطلق وإهمال قيده لا يحل ، وأما أهل البوادي المتصلة بصنعاء والقريبة منها بمقدار بريد ودونه وفوقه ، فالمعروف عندهم هو الكفاية من أي طعام كان من غير سمن ولا لحم إلا في أندر الأحوال بل يكتفون تارة بالتلبينة ، وتارة بما يقوم مقامها فالمتوجه شرعاً على من وجبت عليه النفقة أن يدفع إلى من كان في مثل صنعاء ما هو المعروف لديهم مما قدمنا ، وإلى من كان في البوادي ما قدمنا مما هو المعروف لديهم ، ويعتبر في كل محل بعرف أهله ، ولا يحل العدول عنه إلا مع التراضي ، وكذلك الحاكم يجب عليه مراعاة المعروف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص مع ملاحظة حال الزوج في اليسار والإعسار لأن الله تعالى يقول : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وإذا تقرر لك أن الحق عدم جواز تقدير الطعام بمقدار معين ، فكذلك لا يجوز تقدير الإدام بمقدار معين ، بل المعتبر الكفاية بالمعروف . وقد حكى صاحب البحر أنه قد قدر في اليوم أوقيتان دهناً من الموسر ، ومن المعسر أوقية ، ومن المتوسط أوقية ونصف . وفي شرح الإرشاد أنه يعتبر في الإدام تقدير القاضي بإجتهاده عند التنازع فيقدر في المد من الادام ما يكفيه ، ويقدر على الموسر ضعف ذلك ، وعلى المتوسط بينهما . ويعتبر في اللحم عادة البلد للموسرين والمتوسطين كغيرهم . قال الرافعي : وقد تغلب الفاكهة في أوقاتها فتجب . ثم قال : وإنما يجب ما ذكر لزوجته إن لم تواكله حال كونها رشيدة ، فإن واكلته وهي رشيدة سقطت نفقتها ثم ذكر كلاماً طويلاً . وأقول : المرجع ما هو معروف عند أهل البلد في الادام جنساً ونوعاً وقدراً وكذلك في الفاكهة لا يحل الإخلال بشئ مما يتعارفون به أن قدر من تجب عليه النفقة على ذلك ، وكذلك ما يعتاد من التوسعة في الأعياد ونحوها ويدخل في ذلك مثل القهوة والسليط .

وبالجملة فقد أرشد الشارع إلى ماهو معروف من الكفاية وليس بعد هذا الكلام الجامع المفيد شئ من البيان ، وأما ما أجاب به عن الحديث بعض من لم يتمرن بعلم الأدلة ولم يتدرب بمسالك الإجتهاد من أنه لم يكن منه () على طريقة الحكم بل على طريقة الافتاء فهذه غفلة كبيرة وبعد عن الحقيقة ، لأنه () لا يفتي إلا بما هو حق وشرع . وقد تقرر أن السنة أقواله وأفعاله وتقريراته لا مجرد أحكامه فقط التي تكون بعد الخصومة وحضور المتخاصمين ، ولو كانت السنة ليست إلا الأحكام الكائنة على تلك الصفة لم يبق منها حجة على العباد إلا أقل من عشر معشارها لأن صدور الحكم منه () على تلك الصفة إنما وقع في قضايا محصورة كقضية الحضرمي والزبير وعبد بن زمعة والمتلاعنين فإن قلت : ما وجه ما يفعله كثير من القضاة في هذه الأزمنة من تقدير النفقة بقدح من الطعام متنوعاً . قلت : هو من تقدير الكفاية بالمعروف لأن القدح يكفي غالب الأشخاص شهراً لا سيما في مثل صنعاء فيكون للشخص في كل يوم نصف صاع يأتي المجموع في ثلاثين يوماً خمسة عشر صاعاً ، وهي قدح ينقص صاعاً فهذا فيه ملاحظة للمعروف باعتبار الغالب ، ولكن إذا انكشف أنه لا يكفي بأن يكون الشخص أكولاً فلا يحل العمل بذلك الغالب ، لأنه فيه إهمالاً لما أرشد إليه () وهذا ليس فيه كفاية .

فالحاصل أنه لا بد من ملاحظة أمرين أحدهما الكفاية والثاني كونها بالمعروف فإذا علم مقدار الكفاية كان المرجع في صفاتها إلى المعروف وهو الغالب في البلد ، وإذا لم يعلم حال الشخص في مقدار ما يكفيه ، أو وقع الإختلاف بينه وبين من يجب عليه انفاقه كان القول قول من يدعي ما هو المتعارف به . مثلاً : إذا قال من له النفقة لا يكفيه إلى قدحان ، وقال من عليه النفقة قدح كان القول قول من عليه النفقة بكونه مدعياً لما هو الغالب في العادة ، وإذا تبين حال من له النفقة وجب الرجوع إلى ذلك لما عرفناك من أنه لا يحل الوقوف على مقدار معين على طريق القطع والبت . ثم الظاهر من قوله () خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف أن ذلك غير متخص بمجرد الطعام والشراب ، بل يعم جميع ما يحتاج إليه فيدخل تحته الفضلات التي قد صارت بالإستمرار عليها مألوفة بحيث يحصل التضرر بمفارقتها ، أو التضجر ، أو التكدر ، ويختلف ذلك بالأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال ، ويدخل فيه الأدوية ونحوها وإليه يشير قوله تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف فإن هذا نص في نوع من أنواع النفقات أن الواجب على من عليه النفقة رزق من عليه انفاقه والرزق يشمل ما ذكرناه . قال في الإنتصار ومذهب الشافعي : لا تجب أجرة الحمام وثمن الأودية وأجرة الطبيب لأن ذلك يراد لحفظ البدن ، كما لا يجب على المستأجرة أجرة اصلاح ما انهدم من الدار . وقال في الغيث : الحجة أن الدواء لحفظ الروح فأشبه النفقة انتهى . قلت : هو الحق لدخوله تحت عموم قوله ما يكفيك وتحت قوله رزقهن فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ ما ، والثانية عامة لأنها مصدر مضاف وهي من صيغ العموم ، وإختصاصه ببعض المستحقين للنفقة لا يمنع من الإلحاق ، وبمجموع ما ذكرناه يتقرر لك أن الواجب على من عليه النفقة لمن له النفقة هو ما يكفيه بالمعروف ، وليس المراد تفويض أمر ذلك إلى من له النفقة ، وأنه يأخذ ذلك بنفسه حتى يرد ما أورده السائل من خشية السرف في بعض الأحوال بل المراد تسليم ما يكفي على وجه لا سرف فيه بعد تبين مقدار ما يكفي باخبار المخبرين أو تجريب كما سبق ، وهو معنى قوله () بالمعروف أي لا بغير المعروف وهو السرف والتقتير . نعم إذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة جاز لنا الإذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه إذا كان من أهل الرشد لا إذا كان من أهل السرف والتبذير فإنه لا يجوز لنا تمكينه من مال من عليه النفقة لأن الله تعالى يقول : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم بل ورد ما يدل على عدم جواز دفع أموال من لا رشد لهم إليهم كما في قوله تعالى : فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم فجعل الرشد شرطاً لدفع أموالهم فكيف يجوز دفع أموال غيرهم إليهم مع عدم الرشد ولكن يجب علينا إذا كان من عليه النفقة متمرداً ومن له النفقة ليس بذي رشد أن نجعل الأخذ إلى ولي من لا رشد له أو إلى رجل عدل وأما ما ورد في بعض التفاسير من أن المراد بالسفهاء في قوله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم تمكين المرأة من مال الرجل كما ذكره السائل فذلك إنما هو باعتبار أن غالب نوع النساء خال عن الرشد و إلا فلا شك أن عدم الرشد يوجد في غيرهن كالصبيان والمجانين ومن يلتحق بهم من البله والمعتوهين وكثير ممن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين . ولا نشك أيضاً أن في النساء من لها من الرشد والكمال ما لا يوجد إلا في إفراد الرجال ، ومنهن هند بنت عتبة المذكورة في الحديث فإنها كانت من سروات نساء قريش المشهورات بحسن العقل وكمال الفطنة كما يعرف ذلك من عرف أخبارها ومحاورتها رسول الله () عند مبايعته لها . فالحاصل أنه لا ملازمة بين القول بوجوب الكفاية في النفقة ، وبين حضور السرف بل الأمر كما قدمنا والله أعلم .

والمطلقة رجعياً لحديث فاطمة بنت قيس أنه قال لها () إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة أخرجه أحمد والنسائي ، وفي لفظ لأحمد فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى وفي إسناده مجالد بن سعيد وقد توبع وأعل بالوقف ولكن الرفع زيادة مقبولة إذا صح مخرجها أو حسن ، وقد أثبت لها القرآن الكريم السكنى قال الله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ويستفاد من النهي عن الإخراج وجوب النفقة مع السكنى ، ويؤيده قوله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ويدل على وجوب النفقة قوله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف وقوله تعالى في آخر الآية الأولى : لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً وهو الرجعة فكان ذلك في الرجعية . لابائنا فالبائنة لا نفقة لها ولا سكنى لحديث فاطمة بنت قيس عند مسلم وغيره ، عن النبي () في المطلقة ثلاثاً لا نفقة ولا سكنى وفي الصحيحين وغيرهما عنها أنها قالت طلقني زوجي ثلاثاً فلم يجعل لي رسول الله () لا نفقة ولا سكنى وقد صح حديثها فلا نزاع . وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أنه قال لها رسول الله ()  : لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً وقد أنكر عليها عمر وعائشة هذا الحديث ، وقال عمر : لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت وقد قالت فاطمة : حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى : فطلقوهن لعدتهن حتى قال : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فأي أمر يحدث بعد الثلاث ، وقد ذهب إلى عدم وجوب النفقة والسكنى للبائنة أحمد واسحق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والأمامية . وذهب الجمهور إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى لقوله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وقد تقدم ما يدل أنها في الرجعية . وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة إلى وجوب النفقة والسكني .

ولا في عدة الوفاة فلا نفقة ولا سكنى إلا أن تكونا حاملتين لعدم وجود دليل يدل على ذلك في غير الحامل ، ولا سيما بعد قوله () إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى ويؤيده أيضاً تعليل الآية المتقدمة بقوله تعالى : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً وهو الرجعة ، ولم يبق في عدة الوفاة ذلك الأمر ، ويفيده أيضاً مفهوم الشرط في قوله تعالى : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن وهي أيضاً تدل على وجوب النفقة للحامل سواء كانت في عدة الرجعي ، أو البائن ، أو الوفاة ، وكذلك يدل على ذلك قوله () لفاطمة بنت قيس : لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً وقد روى البيهقي عن جابر يرفعه في الحامل المتوفي عنها قال لا نفقة لها قال ابن حجر ورجاله ثقات لكنه قال المحفوظ وقفه . فلو صح رفعه لكان نصاً في محل النزاع . وينبغي أن يقيد عدم وجوب السكنى لمن في عدة الوفاة بما تقدم في وجوب اعتدادها في البيت الذي بلغها موت زوجها وهي فيه ، فإن ذلك يفيد أنها إذا كانت في بيت الزوج بقيت فيه حتى تنقضي العدة ويكون ذلك جمعاً بين الأدلة من باب تقييد المطلق أو تخصيص العام فلا إشكال . قال في المسوى : اختلف أهل العلم في السكنى للمعتدة عن الوفاة . فقال أبو حنيفة لا سكنى لها بل تعتد حيث شاءت . وقال مالك لها السكنى . وللشافعي قولان كالمذهبين ، ومنشأ ذلك تردده في تأويل حديث فريعة ، فرأي مرة أن اذنه لها في الخروج حكم . وقوله امكثي في بيتك أقول : يحتمل أن يكون إذنه لها من حيث أنها ذكرت أن زوجها لم يتركها في مسكن يملكه انتهى .

أقول : الحق أن المتوفي عنها زوجها لا تستحق في عدة الوفاة لا نفقة ولا سكنى سواء كانت حاملاً أو حائلاً لزوال سبب النفقة بالموت . واختصاص آية السكنى بالمطلقة رجعياً ، واختصاص آية إنفاق الحامل بالمطلقة كما تقدم . فإذا مات وهي في بيته اعتدت فيه لا لأن لها السكنى بل لوجوب الإعتداد عليها في البيت الذي مات وهي فيه . مع أن في حديث الفريعة أنها قالت للنبي () أن زوجها لم يتركها في منزل يملكه فأمرها أن تعتمد في ذلك المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه وهو غير مملوك له . وبهذا يتضح أن ذلك لا يستلزم وجوب السكنى من تركة الميت بل هو أمر تعبد الله به المرأة فإن كان المنزل ملكها فذاك وإن كان ملك غيرها وجب عليها تسليم الأجرة مع الطلب سواء كان ملكاً لورثة الزوج أو لغيرهم وعلى هذا يحمل قوله تعالى : غير إخراج وقوله ولا يخرجن وقوله لا تخرجوهن فتقرر بمجموع ما ذكر أن المتوفى عنها مطلقاً كالمطلقة بائناً إذا لم تكن المطلقة بائناً حاملاً في عدم وجوب النفقة والسكنى فإن كانت المطلقة بائناً حاملاً فلها النفقة ولا سكنى لها . وأما المطلقة الرجعية فلها النفقة والسكنى سواء كانت حاملاً أو حائلاً . وأما المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها فالنفقة ساطقة بلا ريب وكذلك السكنى والمتعة المذكورة لها في القرآن هي عوض عن المهر . والملاعنة لا نفقة لها ولا سكنى لأنها إن كانت المطلقة بائناً كانت مثلها في ذلك ، وإن كانت المتوفى عنها زوجها فكذلك ولا ريب أن فرقتها أشد من فرقة المطلقة بائناً لأن هذه يجوز نكاحها في حال من الأحوال بخلاف تلك .

وتجب على الوالد الموسر لولده المعسر والعكس لحديث هند بنت عتبة المتقدم . ويؤيده ما تقدم في الفطرة من وجوبها على الرجل ومن يمون . وأما العكس فلأن النفقة هي أقل ما يفيده قوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفاً وقوله : وبالوالدين إحساناً وقوله () أنت ومالك لأبيك أخرجه أحمد ، وأبو داود ، وابن خزيمة ، وابن الجارود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وحديث أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه فكلوا من أموالهم أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم . ويؤيد ذلك حديث من أبر يارسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أباك وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة . قال في المسوى : تجب على الإبن نفقة الأبوين إذا كان موسراً وهما معسران قال تعالى : وبالوالدين إحساناً وقال : وصاحبهما في الدنيا معروفاً ومن المعلوم أنه ليس من الإحسان ولا من المصاحبة بالمعروف أن يموتا جوعاً والولد في أرغد عيش . قلت : على هذا أهل العلم إلى أن الشافعي قال : إن كان واحد منهما قوياً سوياً يمكنه تحصيل قوته لا تجب نفقته وإن كان معسراً وأوجب سائر الفقهاء نفقتهم عند الإعسار ولم يشترطوا الزمانة . وفي إعلام الموقعين وسأله () من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال ثم أبوك متفق عليه . قال الإمام أحمد الطاعة للأب وللأم ثلاثة أرباع البر .

وعلى السيد لمن يملكه لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره أن النبي () قال للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وحديث فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر . قلت : وذلك أنه مشغول بخدمته عن الإكتساب فوجب أن يكون كفاية عليه ، وعليه أهل العلم .

ولا تجب على القريب لقريبه إلا من باب صلة الرحم لعدم ورود دليل بخص ذلك بل جاءت أحاديث صلة الرحم وهي عامة . والرحم المحتاج إلى نفقة أحق الأرحام بالصلة . وقد قال تعالى : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وعند أبي داود أن رجلاً سأل النبي () من أبر ؟ قال : أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذلك حق واجب ورحم موصولة . أقول : ومن جملة ما يدل على نفقة الأقارب قوله تعالى : وبالوالدين إحساناً وبذي القربى وقوله تعالى : وآت ذا القربى حقه فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى القرابة وإيتائه حقه . ولا ريب أن من كان يتقلب في النعم وقريبه قد أضر به الجوع أو العرى فهو غير محسن إليه ولا قائم بحقه . ومن جملة الأدلة القرآنية قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك فإن جمهور السلف فسروها بأن على الرجل الذي يرث أن ينفق على الموروث مثل ما ينفق المولود له على والدة الولد كما في أول الآية . ومن الأدلة على ذلك ما تقدم في رواية أبي داود وهو في الصحيحين أيضاً وأخرجه النسائي بنحوه وزاد ثم أدناك أدناك وفيه وابدأ بمن تعول وفي الصحيحين أيضاً بلفظ من أحق الناس بحسن صحابتي يارسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ثم أدناك أدناك وأخرجه الترمذي وقال ثم الأقرب فالأقرب وفي المسألة مذاهب مختلفة قد بسطها صاحب الهدي وغيره . وأما ماقيل من أن المراد بمثل هذه الأدلة صلة الرحم فقد أجيب عن ذلك بأن الله سبحانه سماه حقاً على أنه لو سلم لم يكن قادحاً في الإستدلال ، فإن من ترك قريبه بغير نفقة ولا كسوة مع حاجته إليهما لم يكن واصلاً لرحمه لا لغة ، ولا عرفاً ، ولا شرعاً . ومن أنكر هذا فليخبرنا ما هي الصلة التي تختص بها الرحم لأجل كونه رحماً ويمتاز بها عن الأجنبي فإنه لا يمكنه أن يعين مسقطاً للنفقة إلا وكان أولى بإسقاط ما عداها .

فالحاصل أن من وجب ما يكفيه وكان له زيادة يستغني عنها وجب عليه أن ينفقها على المحاويج من قرابته ويقدم الأقرب فالأقرب كما دلت عليه الأدلة السالفة وهذا هو معنى الغني أي الإستغناء عن فضلة تفضل على الكفاية لا ما ذكره الفقهاء من تلك التقديرات التي لا ترجع إلى دليل عقل ولا نقل .

ومن وجبت نفقته وجبت كسوته وسكناه لما يستفاد من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها

باب الرضاع

إنما يثبت حكمه بخمس رضعات لحديث عائشة عند مسلم وغيره أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخ بخمس رضعات فتوفي رسول الله () وهن فيما يقرأ من القرآن وللحديث طرق ثابتة في الصحيح، ولا يخالفه حديث عائشة أن النبي () قال : لا تحرم المصة ولا المصتان أخرجه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، وكذلك حديث أم الفضل عند مسلم وغيره أن النبي () قال : لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان والمصة والمصتان وفي لفظ لا تحرم إلا ملاجة ولا الاملاجتان وأخرج نحوه أحمد ، والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن الزبير . لأن غاية ما في هذه الأحاديث أن المصة والمصتين ، والرضعة والرضعتين ، والإملاجة ، والإملاجتين ، لا يحرمن . وهذا هو معنى الأحاديث منطوقاً وهو لا يخالف حديث الخمس الرضعات لانها تدل على أن ما دون الخمس لا يحرم . وأما معنى هذه الأحاديث مفهوماً ، وهو أنه يحرم ما زاد على الرضعة والرضعتين ، فمدفوع بحديث الخمس ، وهي مشتملة على زيادة فوجب قبولها والعمل بها ، ولا سيما عند القول من يقول : إن بناء الفعل على المنكر يفيد التخصيص . والرضعة هي أن يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه ثم يستمر على ذلك حتى يتركه بإختياره لغير عارض . وقد ذهب إلى اعتبار الخمس ابن مسعود ، وعائشة ، وعبد الله بن الزبير ، وعطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد ، واسحق ، وابن حزم ، وجماعة من أهل العلم . وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب . وذهب الجمهور إلى أن الرضاع الواصل إلى الجوف يتقضي التحريم وإن قل . قال في المسوى : ذهب الشافعي إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع بأقل من خمس رضعات متفرقات . وذهب أكثر الفقهاء منهم مالك ، وأبو حنيفة إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرم . وقال بعضهم : لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لقوله () لا تحرم المصة ولا المصتان ويحكي عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات وهو قول شاذ . والظاهر أن عائشة وحفصة إنما كانتا تذهبان إلى عشر رضعات تورعاً وتشفياً للخاطر لا من جهة حكم الشرع كما ذكرنا في لبن . الفحل . قال البغوي : قوله عائشة فتوفي رسول الله () وهن مما يقرأ في القرآن أرادت به قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله () حتى كان بعض من لم يبلغه النسخ يقرأ على الرسم الأول لأن النسخ لا يتصور بعد رسول الله () . ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة ، كالرجم في الزنا حكمه باق مع ارتفاع التلاوة في القرآن ، أو أن الحكم يثبت بأخبار الآحاد ويجب العمل به ، والقرآن لا يثبت بأخبار الآحاد فلم يجز كتبه بين الدفتين انتهى . وتمامه في كتابنا أفاد الشيوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ فليرجع إليه .

أقول : أعلم أن الأحاديث قد اختلفت في هذه المسألة اختلافاً كثيراً ، وكذلك اختلفت المذاهب ، ونحن نعرفك بما هو الحق الذي يجتمع فيه جميع الأدلة فنقول : أما ما ورد من الرضاع مطلقاً من دون تقييد بعدد ، فالأحاديث الواردة بذكر العدد تفيد تقييده كما هو شأن المطلق والمقيد : وقد أفاد حديث لا تحرم المصة والمصتان والأملاجة والأملاجتان وحديث لا تحرم الرضعة الواحدة إن الرضعة والرضعتين لا تحرمان فلو لم يرد إلا هذا لكانت الثلاث مقتضية للتحريم ولكنه ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت : عشر رضعات معلومات يحرمن ثم قالت : خمس رضعات معلومات يحرمن وصرحت بأن العشر منسوخة بالخمس . وصرحت أيضاً بأنه توفي رسول الله () وهن فيما يقرأ من القرآن وليس من شرط القرآن تواتر النقل على ما هو الحق ولو سلم ذلك ، فالقراءة الآحادية منزلة منزلة أخبار الآحاد ولكن ههنا إشكال وهو أن حديث لا تحرم المصة والمصتان دل بمفهوم العدد على أن الثلاث والأربع يثبت بهما التحريم ، وحديث الخمس دل بمفهومه على أنهما لا يحرمان . وأقول : قد تقرر في علم المعاني والبيان ، أن الإخبار بالفعل المضارع يفيد الحصر ، وصرح بذلك الزمخشري في الكشاف ، ولا سيما إذا بني الفعل على المنكر كما هو مقرر في مواطنه فيكون قد انضم إلى مفهوم العدد في الخمس مفهوم الحصر فلا يثبت التحريم بدونها . ويؤيد ذلك ما ورد في بعض ألفاظ حديث سهلة بنت سهيل أنه () قال : أرضعي سالماً خمس رضعات تحرمي عليه وهذا التركيب في قوة إن ترضعيه خمساً تحرمي عليه . فانضم إلى مفهومي العدد والحصر مفهوم الشرط ، وكما تصلح هذه الأدلة لتقييد مطلق القرآن تصلح أيضاً لتقييد حديث الرضاع ما أنبث اللحم وأنشر العظم وحديث الرضاعة من المجاعة على فرضه أن الرضعة ، والرضعتين تنبت اللحم ، فيكون المراد أن المقتضي للتحريم من الرضاع الذي ينبت اللحم ، والذي في زمن المجاعة هو ما كان على صفة مخصوصة ، وهي خمس رضعات ، هذا تقرير الإستدلال على وجه تجتمع فيه الأدلة . وأما الجواب عن الوجوه التي ذكروها في دفع ما ذكرناه من الأدلة فقد بسطه الماتن رحمه الله في وبل الغمام حاشية شفاء الأوام فمن شاء الإطلاع على ذلك فليراجعه .

مع تيقن وجود اللبن لأنه سبب ثبوت حكم الرضاع ، فلو لم يكن وجوده معلوماً وارتضاع الصبي منه معلوماً ، لم يكن لإ ثبات حكم الرضاع وجه مسوغ . قال في الحجة البالغة : يعتبر في الإرضاع شيئان : أحدهما القدر الذي يتحقق به هذا المعنى . فكان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات . والثاني أن يكون الرضاع في أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد ، وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنة بعد التشبح وقيام الهيكل كالشاب يأكل الخبز انتهى .

وكون الرضيع قبل الفطام لحديث أم سلمة عند الترمذي وصححه ، والحاكم وصححه أيضاً قال : قال رسول الله () لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام وأخرج سعيد بن منصور ، والدارقطني ، والبيهقي ، وابن عدي من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله ()  : لارضاع إلا ما كان في الحولين وقد صحح البيهقي وقفه ، ورجحه ابن عدي ، وابن كثير . وأخرج أبو داود الطيالسي من حديث جابر عن النبي () قال : لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد إحتلام وقد قال المنذري أنه لا يثبت . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت : لما دخل علي رسول الله () وعندي رجل فقال : من هذا قلت : أخي من الرضاعة قال : يا عائشة انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة .

ويحرم به ما يحرم بالنسب قد تقدم الإستدلال عليه فيمن يحرم نكاحه من كتاب النكاح من أم ، وأخت ، وغيرهما .

ويقبل قول المرضعة لما أخرجه البخاري وغيره من حديث عقبة بن الحرث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت : قد أرضعتكما قال : فذكرت ذلك للنبي () فأعرض عني : قال : فتنحيت فذكرت ذلك له فقال : وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما فنهاه وفي لفظ دعها عنك وهو في الصحيح . وفي لفظ آخر كيف وقد قيل ففارقها عقبة وقد ذهب إلى ذلك عثمان ، وابن عباس ، والزهري ، والحسن ، واسحق ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو عبيد . وروي عن مالك . وأما دفع الحجة بأنها شهدت على تقرير فعلها ، فهذه قاعدة فقهية لم يرد بها كتاب الله ولا سنة رسوله . وهذا الحديث أول حجة يبطلها . فكيف يكون الأمر بالعكس ، وحسبنا الله ونعم الوكيل

ويجوز إرضاع الكبير ولو كان ذا لحية لتجويز النظر لحديث زينب بنت أم سلمة قال : قالت أم سلمة لعائشة : أنه يدخل عليك هذا الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي فقالت عائشة : مالك في رسول الله () أسوة حسنة وقالت : إن امرأة أبي حذيفة قالت : يارسول الله إن سالماً يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه فقال رسول الله ()  : أرضعيه حتى يدخل عليك أخرجه مسلم وغيره ، وقد أخرج نحوه البخاري من حديث عائشة أيضاً ، وقد روى هذا الحديث من الصحابة أمهات المؤمنين ، وسهلة بنت سهيل ، وزينب بنت أم سلمة ، ورواه من التابعين جماعة كثيرة . ثم رواه عنهم الجمع الجم ، وقد ذهب إلى ذلك علي ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن أبي رباح ، والليث بن سعد ، وابن علية ، وداود الظاهري ، وابن حزم وهو الحق . وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك . قال ابن القيم : أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة ، ولم يأخذ به أكثر أهل العلم ، وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين لوجوه : أحدها : كثرتها وإنفراد حديث سالم . والثاني : أن جميع أزواج النبي () سوى عائشة في شق المنع . الثالث : أنه أحوط . الرابع : أن رضاع الكبير لا ينبت لحماً ولا ينشر عظماً فلا يحصل به البعضية التي هي سبب التحريم . الخامس : أنه يحتمل أن هذا كان مختصاً بسالم وحده ، ولهذا لم يجيء ذلك إلا في قصته . السادس : أن رسول الله () دخل على عائشة وعندها رجل قاعد فاشتد عليه وغضب فقال : إنه أخي من الرضاعة فقال : إنظرن من أخوانكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة متفق عليه واللفظ لمسلم . وفي قصة سالم مسلك وهو أن هذا كان موضع حاجة ، فإن سالماً كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه ، ولم يكن لنه منه ومن الدخول على أهله بد ، فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الإجتهاد . ولعل هذا المسلك أقوى المسالك ، وإليه كان شيخنا يجنح والله تعالى أعلم انتهى .

أقول : الحاصل أن الحديث المتقدم صحيح ، وقد رواه الجم الغفير عن الجم الغفير سلفاً عن خلف ، ولم يقدح فيه من رجال هذا الشأن أحد ، وغاية ما قاله من يخالفه إنه ربما كان منسوخاً ، ويجاب بأنه لو كان منسوخاً لوقع الاحتجاج على عائشة بذلك ، ولم ينقل أنه قال قائل به مع اشتهار الخلاف بين الصحابة . وأما الأحاديث الواردة بأنه لا رضاع إلا في الحولين وقبل الفطام ، فمع كونها فيها مقال لا معارضة بينها وبين رضاع سالم لأنها عامة ، وهذا خاص ، والخاص مقدم على العام ، ولكنه يختص بمن عرض له من الحاجة إلى إرضاع الكبير ماعرض لأبي حذيفة وزوجته سهلة ، فإن سالماً لما كان لهما كالابن وكان في البيت الذي هما فيه وفي الإحتجاب مشقة عليهما رخص () في الرضاع على تلك الصفة . فيكون رخصة لمن كان كذلك ، وهذا لا محيص عنه . قال في المسوى : يجب إحياء المولود بالإرضاع حولين كاملين إلا إذا إجتمع رأى الوالدين عن تشاور منهما على أن الفطام لا يضره فحينئذ يجوز الفطام قبل الحولين ، والمرضع يجوز أن تكون الوالدة أو الظئر المسترضعة فإن لم تتيسر المسترضعة أو لم يقدر الوالد على استئجارها تعينت الوالدة فإن أرضعت الوالدة فليس لها إلا النفقة والكسوة بالمعروف مما كان بسبب الزوجية ، وإن أرضعت الظئر فلها أجرها قال تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله قلت : الظاهر أن الوالدات تعم المطلقات وغيرها وقيل : تختص بالمطلقات لأن سياق الآية في قصة المطلقات .

أقول : وحينئذ يؤخذ حكم غير المطلقات بالأولى وقوله : على المولود له يدل على أن الوالدة ما دامت زوجة أو معتدة لا تستحق الأجر . وعليه أبو حنيفة وقوله : على الوارث مثل ذلك المراد منه وارث الأب وهو الصبي أي مؤن المرضعة من ماله إذا مات الأب . قوله : فإن أرادا فصالاً يعني قبل الحولين . قوله : أن تسترضعوا أي المراضع أولادكم ، أي تأخذوا مراضع لأولادكم . قوله : ما آتيتم أي ما أردتم ايتاءه كقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة إنتهى

باب الحضانة

الأولى بالطفل أمه ما لم تنكح لحديث عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حواء ، وثديي له سقاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال : أنت أحق به ما لم تنكحي أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، والحاكم وصححه . وقد وقع الإجماع على أن الأم أولى بالطفل من الأب . وحكى ابن المنذر الاجماع على أن حقها يبطل بالنكاح ، وقد روي عن عثمان أنه لا يبطل بالكناح ، وإليه ذهب الحسن البصري ، وابن حزم ، واحتجوا ببقاء ابن أم سلمة في كفالتها بعد أن تزوجت بالنبي () . ويجاب عن ذلك بأن مجرد البقاء مع المنازع لا يحتج به لاحتمال أنه لم يبق له قريب غيرها . واحتجوا أيضا بما سيأتي في حديث ابنة حمزة فإن النبي () قضى بأن الحق لخالتها ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وقد قال : الخالة بمنزلة الأم . ويجاب عن هذا بأنه لا يدفع النص الوارد في الأم، ويمكن أن يقال أن هذا يكون دليلاً على ما ذهبت إليه الحنفية من أن النكاح إذا كان لمن هو رحم للصغير فلا يبطل به الحق ، ويكون حديث ابنة حمزة مقيداً لقوله () ما لم تنكحي ثم الخالة أولى بعد الأم ممن عداها . لحديث البراء بن عازب في الصحيحين وغيرهما أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وجعفر وزيد فقال علي : أنا أحق بها هي ابنة عمي ، وقال جعفر : بنت عمي وخالتها تحتى . وقال زيد : ابنة أخي فقضى بها رسول الله () لخالتها وقال : الخالة بمنزلة الأم والمراد بقول زيد ابنة أخي أن حمزة قد كان النبي () آخى بينهما . ووجه الإستدلال بهذا الحديث أنه قد ثبت بالإجماع أن الأم أقدم الحواضن فمقتضى التشبيه أن تكون الخالة أقدم من غيرها من غير فرق بين الأب وغيره . وقد قيل أن الأب أقدم منها إجماعاً ، وليس ذلك بصحيح والخلاف معروف والحديث يحج من خالفه . قال في المسوى : إذا فارق الرجل امرأته وبينهما ولد صغير فالأم وأم الأم أولى بالحضانة من الأب لرواية مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم أنه فارقها فجاء عمر بن الخطاب قباء فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق فقال عمر : ابني وقالت المرأة : ابني فقال : أبو بكر خل بينها وبينه قال : فما راجعه عمر الكلام .

ثم الأب وإن لم يرد بذلك بدليل يخصه لكنه قد استفيد من مثل قوله () للأم أنت أحق به ما لم تنكحي فإن هذا يدل على ثبوت أصل الحق للأب بعد الأم ومن هو بمنزلتها وهي الخالة ، وكذلك إثبات التخيير بينه وبين الأم في الكفالة ، فإنه يفيد إثبات حق له في الجملة . وقال في المسوى : روى الشافعي بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله () خير غلاماً بين أبيه وأمه ثم طبق بين الحديث والأثر بأن المولود إذا كان دون سبع سنين فالأم أولى به وإذا بلغ سبع سنين وعقل عقل مثله خير بين الأبوين سواء كان ذكراً أوأنثى فأيهما اختاره يكون عنده . وأخذ هذا النوع من التطبيق من قضاء علي رضي الله تعالى عنه فإنه خير صبياً كان ابن سبع سنين ، أو ثمان سنين بين الأم والعم ، وقال لأخيه الصغير منه وهذا أيضاً لو قد بلغ هذا لخيرته . وقال أبو حنيفة : الأم أحق بالغلام حتى يأكل ويلبس وحده ، وبالجارية حتى تحيض ثم بعد ذلك الأب أحق بهما .

أقول : الحق أن الحضانة للأم ثم للخالة للدليل الذي قدمنا ولا حضانة للأب ولا لغيره من الرجال والنساء إلا بعد بلوغ الصبي سن التمييز ، فإن بلغ إليه ثبت تخييره بين الأم والأب ، وإذا عد ما كان أمره إلى أوليائه إن وجدوا ، وإلا كان إلى قرابته الذين ليسوا بأولياء ، ويقدم الأقرب فالأقرب ولكن ليس هذا الدليل اقتضى ذلك ، بل لأن حضانة الصبي وكفالة أمره لا بد منه ، والقرابة أولى به من الأجانب بلا ريب ، وبعض القرابة أولى من بعض فأحقهم به بعد عدم من وردت النصوص بثبوت حضانته هو الأولياء لكون ولاية النظر في مصالحه إليهم ومع عدمهم تكون حضانته إلى الاقرب فالأقرب هذا ما يقتضيه النظر الصحيح ومن رام الوقوف على جميع العلل التي علل بها المختلفون في التقديم والتأخير في باب الحضانة فعليه بالهدي لابن القيم ، ولكنه لم يترجح لدي إلا ما ذكرته ههنا وذكره الماتن . وقد يقال : إن حديث أنت أحق به ما لم تنكحي يفيد ثبوت أصل الحق في الحضانة للأب بعد الأم ومن هو بمنزلتها وهي الخالة فتكون أهل الحضانة الأم ثم الخالة ثم الأب .

ثم يعين الحاكم من القرابه من رأى فيه صلاحاً لأنه إذا عدمت الأم والخالة والأب فالصبي محتاج إلى من يحضنه بالضرورة . والقرابة أشفق به فيعين الحاكم من يقوم به منهم ممن يرى فيه صلاحاً للصبي . وقد أخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال : إن امرأة عمر بن الخطاب خاصمته إلى أبي بكر في ولد عليها فقال أبو بكر : هي أعطف وألطف وأرحم وأحنى ، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج . فهذه الأوصاف تفيد أن أبا بكر جعل العلة العطف واللطف والرحمة والحنو .

وبعد بلوغ سن الاستقلال يخير الصبي بين أبيه وأمه لحديث أبي هريرة عند أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي أن النبي () خير غلاماً بين أبيه وأمه وفي لفظ أن امرأة جاءت فقالت : يا رسول الله ، إن زوجي يريد أن يذهب بإبني وقد سقاني من بئر أبي عتبة وقد نفعني فقال رسول الله () : استهما عليه . قال زوجها : من يحاقني في ولدي فقال النبي () : هذا أبوك ، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به أخرجه أهل السنن ، وابن أبي شيبة ، وصححه الترمذي ، وابن حبان ، وابن القطان ، وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وأبن ماجه ، والدارقطني من حديث عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن جده أن جده أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن صغير له لم يبلغ قال : فأجلس النبي () الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره وقال : اللهم اهده فذهب إلى أبيه قال ابن القيم : الحضانة قضي فيها خمس قضايا : إحداها : قضى بابنة حمزة لخالتها وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وقال : الخالة بمنزلة الأم فتضمن هذا القضاء أن الخالة قائمة مقام الأم في الإستحقاق وإن تزوجها لا يسقط حضانتها إذا كانت جارية . القضية الثانية : أن رجلاً جاء بابن له صغير لم يبلغ فاختصم فيه هو وأمه ولم يسلم فأجلس رسول الله () الأب ههنا وأجلس الأم ههنا ثم خير الصبي وقال : اللهم اهده فذهب إلى أمه ذكره أحمد . القضية الثالثة : أن رافع بن سنان أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي () وقالت فطيم أو شبيهه وقال رافع ابنتي فقال رسول الله () : اقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية فأقعد الصبية بينهما ثم قال : ادعواها فمالت إلى أمها فقال النبي () : اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها ذكره أحمد . القضية الرابعة : جاءته امرأة فقالت إن زوجي يريد أن يذهب بابني الخ ذكره أبو داود . القضية الخامسة : جاءته () امرأة فقالت يا رسول الله : ان ابني هذا كان بطني له وعاء الخ ذكره أبو داود فعلي . هذه القضايا الخمس تدور الحضانة وبالله التوفيق .

فإن لم يوجد من له في ذلك حق بنص الشرع أكفله من كان له في كفالته مصلحة لكونه محتاجاً إلى ذلك فكانت المصلحة معتبرة في بدنه كما اعتبرت في ماله وقد دلت على ذلك الأدلة الواردة في أموال اليتامى من الكتاب والسنة