أفهام في الرضا والارادة عدل

وانما ضل هنا فريقان من الناس قوم من أهل الكلام المنتسبين الى السنة في مناظرة القدرية ظنوا أن محبة الحق ورضاه وغضبه وسخطه يرجع الى ارادته وقد علموا أنه مريد لجميع الكائنات خلافا للقدرية وقالوا هو أيضا محب لها مريد لها ثم أخذوا يحرفون الكلم عن مواضعه فقالوا لا يحب الفساد بمعنى لا يريد الفساد أي لا يريده للمؤمنين ولا يرضى لعباده الكفر أي لا يريده لعباده المؤمنين وهذا غلط عظيم فإن هذا عندهم بمنزلة أن يقال لا يحب الايمان ولا يرضى لعباده الايمان أي لا يريده للكافرين ولا يرضاه للكافرين وقد اتفق أهل الاسلام على أن ما أمر الله به فإنه بكون مستحبا يحبه ثم قد يكون مع ذلك واجبا وقد يكون مستحبا ليس بواجب سواء فعل أو لم يفعل والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع والفريق الثاني من غالطي المتصوفة شربوا من هذه العين فشهدوا أن الله رب الكائنات جميعها وعلموا أنه قدر على كل شيء وشاءه وظنوا أنهم لا يكونون راضين حتى يرضوا بكل ما يقدره ويقضيه من الكفر والفسوق والعصيان حتى قال بعضهم المحبة نار تحرق من القلب كل ما سوى مراد المحبوب قالوا والكون كله مراد المحبوب وضل هؤلاء ضلالا عظيما حيث لم يفرقوا بين الارادة الدينية والكونية والاذن الكوني والديني والأمر الكوني والديني والبعث الكوني والديني والارسال الكوني والديني كما بسطناه في غير هذا الموضع وهؤلاء يؤول الأمر بهم الى أن لا يفرقوا بين المأمور والمحظور وأولياء الله وأعداءه والأنبياء والمتقين ويجعلون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ويجعلون المتقين كالفجار ويجعلون المسلمين كالمجرمين ويعطلون الأمر والنهي والوعد والوعيد والشرائع وربما سموا هذا حقيقة ولعمري انه حقيقة كونية لكن هذه الحقية الكونية قد عرفها عباد الأصنام كما قال ولئن سألتهمم من خلق السموات والأرض ليقولن الله وقال تعالى قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون الآيات فالمشركون الذين يعبدون الأصنام كانوا مقرين بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه فمن كان هذا منتهى تحقيقه كان أقرب أن يكون كعباد الأصنام والمؤمن انما فارق الكفر بالايمان بالله وبرسله وبتصديقهم فيما أخبروا وطاعتهم فيما أمروا واتباع ما يرضاه الله ويحبه دون ما يقدره ويقضيه من الكفر والفسوق والعصيان ولكن يرضى بما أصابه من المصائب لا بما فعله من المعائب فهو من الذنوب يستغفر وعلى المصائب يصبر فهو كما قال تعالى فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك فيجمع بين طاعة الأمر والصبر على المصائب كما قال تعالى وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا وقال تعالى وان تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور وقال يوسف انه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين

مما روي في الرضا عن الفضيل والجنيد عدل

والمقصود هنا أن ما ذكره القشيري عن النصر آبادي من أحسن الكلام حيث قال من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه وكذلك قول الشيخ أبي سليمان اذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض وذلك أن العبد انما يمنعه من الرضا والقناعة طلب نفسه لفضلول شهواتها فاذا لم يحصل سخط فاذا سلا عن شهوات نفسه رضي بما قسم الله له من الرزق وكذلك ما ذكره عن الفضيل بن عياض أنه قال لبشر الحافي الرضا أفضل من الزهد في الدنيا لأن الراضي لا يتمنى فوق منزلته كلام حسن لكن أشك في سماع بشر الحافي من الفضيل وكذلك ما ذكره معلقا قال قال الشبلي بين يدي الجنيد لا حول ولا قوة الا بالله فقال الجنيد قولك ذا ضيق صدر وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء فإن هذا من أحسن الكلام وكان الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة ومن أحسنهم تعليما وتأديبا وتقويما وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة لا كلمة استرجاع وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعا لا صبرا فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله له اذ كانت حالا ينافي الرضا ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه

مما روي في الرضا عن موسى عليه السلام عدل

وفيما ذكره آثار ضعيفة مثل ما ذكره معلقا قال وقيل قال موسى الهي دلني على عمل اذا عملته رضيت عني فقال انك لا تطيق ذلك فخر موسى ساجدا متضرعا فأوحى الله اليه يا ابن عمران رضائي في رضاك عني فهذه الحكاية الاسرائيلية فيها نظر فإنه قد يقال لا يصلح أن يحكى مثلها عن موسى بن عمران ومعلوم أن هذه الاسرائيليات ليس لها اسناد ولا يقوم بها حجة في شيء من الدين الا اذا كانت منقولة لنا نقلا صحيحا مثل ما ثبت عن نبينا أنه حدثنا به عن بني اسرائيل ولكن منه ما يعلم كذبه مثل هذه فإن موسى من أعظم أولي العزم وأكابر المسلمين فكيف يقال أنه لا يطيق أن يعمل ما يرضى الله به عنه والله تعالى راض عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان أفلايرضى عن موسى بن عمران كليم الرحمن وقال تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ومعلوم أن موسى بن عمران عليه السلام من أفضل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم ان الله خص موسى بمزية فوق الرضا حيث قال وألقيت عليك محبة مني ولتصنع علي عيني ثم ان قوله له في الخطاب يا ابن عمران مخالف لما ذكره الله من خطابه في القرآن حيث قال يا موسى وذلك الخطاب فيه نوع غض منه كما يظهر ومثل ما ذكر أنه قيل كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبي موسى الأشعري

أما بعد فان الخير كله في الرضا فإن استطعت أن ترضى والا فاصبر فهذا الكلام كلام حسن وان لم يعلم اسناده واذا تبين أن فيما ذكره مستندا ومرسلا ومعلقا ما هو صحيح وغيره فهذه الكلمة لم يذكرها عن أبي سليمان الا مرسلة وبمثل ذلك لا تثبت عن أبي سليمان باتفاق الناس فإنه وان قال بعض الناس ان المرسل حجة فهذا لم يعلم أن المرسل هو مثل الضعيف وغير الضعيف فأما اذا عرف ذلك فلا يبقى حجة باتفاق العلماء كمن علم أنه تارة يحفظ الاسناد وتارة يغلط فيه مما قال أبو سليمان في الرضا والكتب المسندة في أخبار هؤلاء المشائخ وكلامهم مثل كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم وطبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن صفوة الصفوة لابن الجوزي وأمثال ذلك لم يذكروا فيها هذه الكلمة عن الشيخ أبي سليمان ألا ترى الذي رواه عنه مسندا حيث قال قال لأحمد بن أبي الحواري يا أحمد لقد أوتيت من الرضا نصيبا لو ألقاني في النار لكنه بذلك راضيا فهذا الكلام مأثور عن أبي سليمان بالاسناد ولهذا أسنده عنه القشيري من طريق شيخه أبي عبد الرحمن بخلاف تلك الكلمة فإنها لم تسند عنه فلا أصل لها عن الشيخ أبي سليمان ثم ان القشيري قرن هذه الكلمة الثانية عن أبي سليمان بكلمة أحسن منها فإنه قبل أن يرويها قال وسئل أبو عثمان الحيري النيسابوري عن قول النبي أسألك الرضا بعد القضاء فقال لأن الرضا بعد القضاء هو الرضا فهذا الذي قاله الشيخ أبو عثمان كلام حسن سديد ثم أسند بعد هذا عن الشيخ أبي سليمان أنه قال أرجو أن أكون قد عرفت طرفا من الرضا لو أنه أدخلني النار لكنت بذلك راضيا ما قاله أبو سليمان عزم على الرضا فتبين بذلك أن ما قاله أبو سليمان ليس هو رضا وانما هو عزم على الرضا وانما الرضا ما يكون بعد القضاء وان كان هذا عزما فالعزم قد يدوم وقد ينفسخ وما أكثر انفساخ العزائم خصوصا عزائم الصوفية ولهذا قيل لبعضهم بماذا عرفت ربك قال بفسخ العزائم ونقض الهمم وقد قال تعالى لمن هو أفضل من هؤلاء المشائخ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وفي الترمذي أن بعض الصحابة قالوا للنبي لو علمنا أي العمل أحب الى الله لعملناه فأنزل الله تعالى هذه الآية وقد قال تعالى ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا الى أجل قريب الآية فهؤلاء الذين كانوا قد عزموا على الجهاد وأحبوه لما ابتلوا به كرهوه وفروا منه وأين ألم الجهاد من ألم النار وعذاب الله الذي لا طاقة لأحد به ومثل هذا ما يذكرونه عن سمنون المحب أنه كان يقول وليس لي في سواك حظ فكيفما شئت فاختبرني فأخذه العسر من ساعته أي حسر بوله فكان يدور على المكاتب ويفرق المحب أنه كان يقول وليس لي في سواك حظفكيفما شئت فاختبرني فأخذة العسر من ساعته أي حصر بوله فكان يدور على المكاتب ويفرق الجوز على الصبيان ويقول ادعوا لعمكم الكذاب امتحان سمنون وحكى أبو نعيم الأصبهاني عن أبي بكر الواسطي أنه قال سمنون يا رب قد رضيت بكل ما تقضيه علي فاحتبس بوله أربعة عشر يوما فكان يتلوى كما تتلوى الحية يتلوى يمينا وشمالا فلما أطلق بوله قال رب قد تبت اليك قال أبو نعيم فهذا الرضا الذي ادعى سمنون ظهر غلطه فيه بأدنى بلوى مع أن سمنونا هذا كان يضرب به المثل وله في المحبة مقام مشهور حتى روي عن ابراهيم بن فاتك أنه قال رأيت سمنونا يتكلم على الناس في المسجد الحرام فجاء طائر صغير فلم يزل يدنو منه حتى جلس على يده ثم لم يزل يضرب بمنقاره الأرض حتى سقط منه دم ومات الطائر وقال رأيته يوما يتكلم في المحبة فاصطفقت قناديل المسجد وكسر بعضها بعضا

قول رويم والفضيل والأعرابي عدل

وقد ذكر القشيري في باب الرضا عن رويم المقري رفيق سمنون حكاية تناسب هذا حيث قال قال رويم ان الراضي لو جعل جهنم عن يمينه ما سأل الله أن يحولها عن يساره فهذا يشبه قول سمنون فكيف ماشئت فامتحني واذا لم يطق الصبر على عسر البول أفيطيق أن تكون النار عن يمينة والفضيل بن عياض كان أعلى طبقة من هؤلاء وابتلي بعسر البول فغلبه الألم حتى قال بحبي لك الا فرجب عني ففرج عنه ورويم وان كان من رفقاء الجنيد فليس هو عندهم من هذه الطبقة بل الصوفية يقولون انه رجع الى الدنيا وترك التصوف حتى روي عن جعفر الخلدي صاحب الجنيد أنه قال من أراد أن يستكتم سرا فليفعل كما فعل رويم كتم حب الدنيا أربعين سنة فقيل وكيف يتصور ذلك قال ولي اسماعيل بن اسحق القاضي قضاء بغداد وكان بينهما مودة أكيدة فجذبه اليه وجعله وكيلا على بابه فترك لبس التصوف ولبس الخز والقصب والديبقي وأكل الطيبات وبنى الدور واذا هو كان يكتم حب الدنيا ما لم يجدها فلما وجدها أظهر ما كان يكتم من حبها هذا مع أنه رحمه الله كان له من العبادات ماهو معروف وكان على مذهب داود وهذه الكلمات التي تصدر عن صاحب حال لم يفكر في لوازم أقواله وعواقبها لا تجعل طريقة ولا تتخذ سبيلا ولكن قد يستدل بها على ما لصالحبها من الرضا والمحبة ونحو ذلك وما معه من التقصير في معرفة حقوق الطريق وما يقدر عليه من التقوى والصبر وما لا يقدر عليه من التقوى والصبر والرسل صلوات الله عليهم أعلم بطريق سبيل الله وأهدى وأنصح فمن خرج عن سنتهم وسبيلهم كان منقوصا مخطئا محروما وان لم يكن عاصيا أو فاسقا أو كافرا ويشبه هذا الأعرابي الذي دخل عليه النبي وهو مريض كالفرخ فقال هل كنت تدعو الله بشيء قال كنت أقول اللهم ماكنت معذبني به في الآخرة فاجعله في الدنيا فقال سبحان الله لا تستطيعه ولا تطيقه هلا قلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فهذا أيضا حمله خوفه من عذاب النار ومحبته لسلامة عاقبته على أن يطلب تعجيل ذلك في الدنيا وكان مخطئا في ذلك غالطا والخطأ والغلط مع حسن القصد وسلامته وصلاح الرجل وفضله ودينه وزهده وورعه وكراماته كثير جدا فليس من شرط ولي الله أن يكون معصوما من الخطأ والغلط بل ولا من الذنوب وأفضل أولياء الله بعد الرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد ثبت عن النبي أنه قال له لما عبر الرؤيا أصبت بعضا وأخطأت بعضا

أبو سليمان لما قال هذه الكلمة لو ألقاني في النار لكنت بذلك رضيا أن يكون بعض الناس حكاه بما فهمه من المعني أنه قال الرضا أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذه من النار وتلك الكلمة التي قالها أبو سليمان مع أنها لا تدل على رضاه لذلك ولكن تدل على عزمه بالرضا بذلك فنحن نعلم أن هذا العزم لا يستمر بل ينفسخ وأن هذه الكلمة كان تركها أحسن من قولها وأنها مستدركة كما استدركت دعوى سمنون ورويم وغير ذلك فإن بين هذه الكلمة وتلك فرقا عظيما فإن تلك الكلمة مضمونها إن من سأل الله الجنة واستعاذ من النار لا يكون راضيا وفرق بين من يقول أنا اذا فعل كذا كنت راضيا وبين من يقول لا يكون راضيا الا من يطلب خيرا ولا يهرب من شر وبهذا وغيره يعلم أن الشيخ أبا سليمان كان أجل من أن يقول مثل هذا الكلام فإن الشيخ أبا سليمان من أجلاء المشائخ وساداتهم ومن اتبعهم للشريعة حتى أنه قال انه ليمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها الا بشاهدين الكتاب والسنة فمن لا يقبل نكت قلبه الا بشاهدين يقول مثل هذا الكلام وقال الشيخ أبو سليمان أيضا ليس لمن ألهم شيئا من الخير أن يفعله حتى يسمع فيه بأثر فأذا سمع فيه بأثر كان نورا على نور بل صاحبه أحمد بن أبي الحواري كان من اتبع المشائخ للسنة فكيف أبو سليمان وتمام تزكية أبي سليمان من هذا الكلام تظهر بالكلام في المقام الثاني وهو قول القائل كائنا من كان الرضا أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذه من النار ظن بعض الناس أن الجنة التنعم بالمخلوق ونقدم قبل ذلك مقدمة يتبين بها أصل ما وقع في مثل هذه الكلمات من الاشتباه والاضطراب وذلك أن قوما كثيرا من الناس من المتفقهة والمتصوفة والمتكلمة وغيرهم ظنوا أن الجنة التنعم بالمخلوق من أكل وشرب ونكاح ولباس وسماع أصوات طيبة وشم روائح طيبة ولم يدخلوا في مسمى الجنة نعيما غير ذلك ثم صاروا ضربين بعض المذاهب في رؤية الرب ضرب أنكروا أن يكون المؤمنون يرون ربهم كما ذهب الى ذلك الجهمية من المعتزلة وغيرهم ومنهم من أقر بالرؤية اما الرؤية التي أخبر بها النبي كما هو مذهب أهل السنة والجماعة واما برؤية فسروها بزيادة كشف أو علم أو جعلها بحاسة سادسة ونحو ذلك من الأقوال التي ذهب اليها ضرار بن عمرو وطوائف من أهل الكلام المنتسبين الى نصر أهل السنة في مسألة الرؤية وان كان ما يثبتونه من جنس ما تنفيه المعتزلة والضرارية والنزاع بينهم لفظي ونزاعهم مع أهل السنة معنوي ولهذا كان بشر وأمثاله يفسرون الرؤية بنحو من تفسير هؤلاء والمقصور هنا أن مثبتة الرؤية منهم من أنكر أن يكون المؤمن ينعم بنفس رؤيته ربه قالوا لأنه لا مناسبة بين المحدث والقديم كما ذكر ذلك الأستاذ أبو المعالي الجويني في الرسالة النظامية وكما ذكره أبو الوفاء بن عقيل في بعض كتبه ونقلوا عن ابن عقيل أنه سمع رجلا يقول أسالك لذة النظر الى وجهك فقال يا هذا هب أن له وجها أله وجه يتلذذ بالنظر الية وذكر أبو المعالي أن الله يخلق لهم نعيما ببعض المخلوقات مقارنا للرؤية فأما النعيم بنفس الرؤية فانكره وجعل هذا من أسرار التوحيد مذهب سلف الأمة في رؤية الرب وأكثر مثبتي الرؤية يثبتون تنعم المؤمنين برؤية ربهم وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها ومشائخ الطريق كما في الحديث الذي في النسائي وغيره عن النبي اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني اذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني اذا كانت الوفاة خيرا لي اللهم اني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر الى وجهك وأسألك الشوق الى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين وفي صحيح مسلم وغيره عن صهيب عن النبي قال اذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنةان لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون اليه فما أعطاهم شيئا أحب اليهم من النظر اليه وكلما كان الشيء أحب كانت اللذة بنيله أعظم وهذا متفق عليه بين السلف والأئمة ومشائخ الطريق كما روي عن الحسن البصري أنه قال لو علم العابدون بأنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت نفوسهم في الدنيا شوقا اليه وكلامهم في ذلك كثير ثم هؤلاء الذين وافقوا السلف والأئمة والمشائخ على التنعم بالنظر الى الله تعالى تنازعوا في مسألة المحبة التي هي أصل ذلك فذهب طوائف من والفقهاء الى أن الله لا يحب نفسه وانما المحبة طاعته وعبادته وقالوا هو أيضا لا يحب عباده المؤمنين وانما محبته ارادته للاحسان اليهم وولايتهم ودخل في هذا القول من انتسب الى نصر السنة من أهل الكلام حتى وقع في طوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأبي المعالي الجويني وأمثال هؤلاء من أنكر صفة المحبة ولذة النظر الى الله وهذا في الحقيقة شعبة من التجهم والاعتزال فإن أول من أنكر المحبة في الاسلام الجعد بن درهم أستاذ الجهم بن صفوان فضحى به خالد بن عبد الله القسري وقال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فانه زعم أن الله لم يتخذ ابراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ثم نزل فذبحه ما دل عليه الكتاب والسنة في ذلك والذي دل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها ومشائخ الطريق أن الله يحب ويحب ولهذا وافقهم على ذلك من تصوف من أهل الكلام كأبي القاسم القشيري وأبي حامد الغزالي وأمثالهما ونصر ذلك أبو حامد في الاحياء وغيره وكذلك أبو القاسم ذكر ذلك في الرسالة على طريق الصوفية كما في كتاب أبي طالب المسمى ب قوت القلوب وأبو حامد مع كونه تابع في ذلك الصوفية استند في ذلك لما وجده من كتب الفلاسفة من اثبات نحو ذلك حيث قالوا يعشق ويعشق وقد بسط الكلام على هذه المسألة العظيمة في القواعد الكبار بما ليس هذا موضعه وقد قال تعالى يحبهم ويحبونه وقال تعالى والذين آمنوا أشد حبا لله وقال أحب اليكم من الله ورسوله وفي الصحيحين عن النبي أنه قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان من كان لله ورسوله أحب اليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه الا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد اذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار والمقصود هنا أن هؤلاء المتجهمة من المعتزلة ومن وافقهم الذين ينكرون حقيقة المحبة يلزمهم أن ينكروا التلذذ بنظر اليه ولهذا ليس في الحقيقة عندهم الا التنعم بالأكل والشرب ونحو ذلك وهذا القول باطل بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ومشائخها فهذا أحد الحزبين الغالطين أفهام بعض المتصوفة والمتفقرة والمتبتلة والضرب الثاني طوائف من المتصوفة والمتفقرة والمتبتلة وافقوا هؤلاء على أن الجنة ليست ا لا هذه الأمور التي يتنعم بها المخلوق ولكن وافقوا السلف والأئمة على اثبات رؤية الله والتنعم بالنظر اليه وأصابوا في ذلك وجعلوا يطلبون هذا النعيم وتسمو اليه همتهم ويخافون فوته وصار أحدهم يقول ما عبدتك شوقا الى جنتك أوخوفا من نارك ولكن لأنظر اليك واجلالا لك وأمثال هذه الكلمات مقصودهم بذلك هو أعلى من الأكل والشرب والتمتع بالمخلوق لكن غلطوا في اخراج ذلك من الجنة وقد يغلطون أيضا في ظنهم أنهم يعبدون الله بلا حظ ولا ارادة وأن كل ما يطلب منه فهو حظ النفس وتوهموا أن البشر يعمل بلا ارادة ولا مطلوب ولا محبوب وهو سوء معرفة بحقيقة الايمان والدين والآخرة

وسبب ذلك أن همة أحدهم المتعلقة بمطلوبه ومحبوبة ومعبوده تفنية عن نفسه حتى لا يشعر بنفسه وإرادتها فيظن أنه يفعل لغير مراده والذي طلب وعلق به همته غاية مراده ومطلوبه ومحبوبه وهذا كحال كثير من الصالحين والصادقين وأرباب الأحوال والمقامات يكون لأحدهم وجد صحيح وذوق سليم لكن ليس له عبارة تبين كلامه فيقع في كلامه غلط وسوء أدب مع صحة مقصوده وان كان من الناس من يقع منه في مراده واعتقاده فهؤلاء الذين قالوا مثل هذا الكلام اذا عنوا به طلب رؤية الله تعالى أصابوا في ذلك لكن أخطأوا من جهة أنهم جعلوا ذلك خارجا عن الجنة فأسقطوا حرمة اسم الجنة ولزم من ذلك أمور منكرة نظير ما ذكر عن الشبلي رحمه الله أنه سمع قارئا يقرأ منكم من يريد الدنيا ومنكم من ير يد الآخرة فصرخ وقال أين مريد الله فيحمد منه كونه أراد الله ولكن غلط في ظنه أن الذين أرادوا الأخرة ما أرادوا الله وهذه الآية في أصحاب النبي الذين ما أرادوا الله وهذه الآية فيأصحاب النبي الذين كانوا معه بأحد وهم أفضل الخلق فإن لم يريدوا الله أفيريد الله من هو دونهم كالشبلي وأمثاله ومثل ذلك ما أعرفه عن بعض المشائخ أنه سأل مرة عن قوله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقلتون ويقتلون قال فاذا كانت الأنفس والأموال في ثمن الجنة فالرؤية بم تنال فأجابه مجيب بما يشبه هذا السؤال والواجب أن يعلم أن كل ما أعده الله للأولياء من نعيم بالنظر اليه وما سوى ذلك هو في الجنة كما أن كل ما وعد به أعداءه هو في النار وقد قال تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الحديث الصحيح عن النبي يقول الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتهم عليه واذا علم أن جميع ذلك داخل في الجنة فالناس في الجنة على درجات متفاوتة كما قال انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاوكل مطلوب للعبد بعبادة أو دعاء أو غير ذلك من مطالب الآخرة هو في الجنة طلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله وجميع أولياءه السابقين المقربين وأصحاب اليمين كما في السنن أن النبي سأل بعض أصحابه كيف تقول في دعائك قال أقول اللهم اني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما اني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال حولهما ندندن فقد أخبر أنه هو ومعاذ وهو أفضل الأئمة الراتبين بالمدينة في حياة النبي انما يدندنان حول الجنة أفيكون قول أحد فوق قول رسول الله ومعاذ ومن يصلي خلفهما من المهاجرين والأنصار ولو طلب هذا العبد ما طلب كان في الجنة أهل الجنة نوعان وأهل الجنة نوعان سابقون مقربون وأبرار أصحاب يمين قال تعالى كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ان الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون قال ابن عباس تمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشربها المقربون صرفا وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي الا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسلية حلت عليه شفاعتي يوم القيامة فقد أخبر أن الوسيلة التي لا تصلح الا لعبد واحد من عباد الله ورجا أن يكون هو ذ لك العبد هي درجة في الجنة فهل بقي بعد الوسيلة شيء أعلىمنها يكون خارجا عن الجنة يصلح للمخلوقين

وثبت في الصحيح أيضا في حديث الملائكة الذين يلتمسون الناس في مجالس الذكر قال فيقولون للرب تبارك وتعالى وجدناهم يسبحونك ويحمدونك ويكبرونك قال فيقول وما يطلبون قالوا يطلبون الجنة قال فيقول وهل رأوها قال فيقولون لا قال فيقول فكيف لو رأوها قالوا يستعيذون من النار قال فيقول وهل رأوها قال فيقولون لا قال فيقول فكيف لو رأوها قالوا لو رأوها لكانوا أشد منها استعاذة قال فيقول أشهدكم اني أعطيتهم ما يطلبون وأعذتهم مما يستعيذون أو كما قال قال فيقولون فيهم فلان الخطاء جاء لحاجة فجلس معهم قال فيقول هم القوم لا يشقى بهم جليسهم فهؤلاء الذين هم من أفضل أولياء الله كان مطلوبهم الجنة ومهربهم من النار والنبي لما بايع الأنصار ليلة العقبة وكان الذين بايعوه من أفضل السابقين الأولين الذين هم أفضل من هؤلاء المشائخ كلهم قالوا للنبي اشترط لربك ولنفسك ولأصحابك قال أشترط لنفسي أن تنصروني مما تنصرون منه أنفسكم وأهليكم وأشترط لأصحابي أن تواسوهم قالوا فاذا فعلنا ذلك فما لنا قال لكم الجنة قالوا مد يدك فوالله لا نقيلك ولا نستقيلك وقد قالوا له في أثناء البيعة ان بيننا وبين القوم حبالا وعهودا وانا ناقضوها

فهؤلاء الذين بايعوه من أعظم خلق الله محبة لله ورسوله وبذلا لنفوسهم وأموالهم في رضا الله ورسوله على وجه لا يلحقهم فيه أحد من هؤلاء المتأخرين قد كان غاية ما طلبوه بذلك الجنة فلو كان هناك مطلوب أعلى من ذلك لطلبوه ولكن علموا أن في الجنة كل محبوب ومطلوب بل وفي الجنة ما لا تشعر به النفوس لتطلبه فإن الطلب والحب والارادة فرع عن الشعور والاحساس والتصور فما لا يتصوره الانسان ولا يسحه ولا يشعر به يمتنع أن يطلبه ويحبه ويريده فالجنة فيها هذا وهذا كما قال تعالى لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد وقال وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ففيها ما يشتهون وفيها مزيد على ذلك وهو ما لم يبلغه علمهم ليشتهوه كما قال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهذا باب واسع غلط من قال الرضا أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذه من النار فاذا عرفت هذه المقدمة فقول القائل الرضا أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذه من النار ان أراد بذلك أن لا تسأل الله ما هو داخل في مسمى الجنة الشرعية فلا تسأله النطر اليه ولا غير ذلك مما هو مطلوب جميع الأنبياء والأولياء وأنك لا تستعيذ به من احتجابه عنك ولا من تعذيبك في النار فهذا الكلام مع كونه مخالفا لجميع الأنبياء والمرسلين وسائر المؤمنين فهو متناقض في نفسه فاسد في صريح العقول وذلك أن الرضا الذي لا يسأل انما لا يسأله لرضاه عن الله ورضاه عنه انما هو بعد معرفته به ومحبته له واذا لم يبق معه رضا عن الله ولا محبة لله فكأنه قال يرضى أن لا يرضى وهذا جمع بين النقيضين ولا ريب أنه كلام من لم يتصور ما يقول ولا عقله يوضح ذلك أن الراضي انما يحمله على احتمال المكاره والآلام ما يجده من لذة الرضا وحلاوته فاذا فقد تلك الحلاوة واللذة امتنع أن يتحمل ألما ومرارة فكيف يتصور أن يكون راضيا وليس معه من حلاوة الرضا ما يحمل به مرارة المكاره وإنما هذا من جنس كلام السكران والفاني الذي وجد في نفسه حلاوة الرضا فظن أن هذا يبقى معه على أي حال كان وهذا غلط عظيم منه كغلط سمنون كما تقدم وان أراد بذلك أن لا يسأل التمتع بالمخلوق بل يسأل ما هو أعلى من ذلك فقد غلط من وجهين من جهة أنه لم يجعل ذلك المطلوب من الجنة وهو أعلى نعيم الجنة ومن جهة أنه أيضا أثبت أنه طالب مع كونه راضيا فاذا كان الرضا لا ينافي هذا الطلب فلا ينافي طلبا آخر اذا كان محتاجا الى مطلوبه ومعلوم أن تمتعه بالنظر لا يتم الا بسلامته من النار وبتنعمه من الجنة بما هو دون النظر وما لا يتم المطلوب الا به فهو مطلوب فيكون طلبه للنظر طلبا للوازمه التي منها النجاة من النار فيكون رضاه لا ينافي طلب حصول المنفعة ودفع المضرة عنه ولا طلب حصول الجنة ودفع النار ولا غيرهما مما هو من لوازم النظر فتبين تناقض قوله وأيضا فاذا لم يسأل الله الجنة ولم يستعذ به من النار فاما أن يطلب من الله ما هو دون ذلك مما يحتاج اليه من طلب منفعة ودفع مضرة واما أن لا يطلبه فان طلب ما هو دون ذلك واستعاذ مما هو دون ذلك فطلبه للجنة أولى واستعاذته من النار أولى وان كان الرضا أن لا يطلب شيئا قط ولو كان مضطرا اليه ولا يستعيذ من شيء قط وان كان مضرا فلا يخلوا اما أن يكون ملتفتا بقلبه الى الله في أن يفعل به ذلك واما أن يكون معرضا عن ذلك فإن التفت بقلبه الى الله فهو طالب مستعيذ بحاله ولا فرق بين الطلب بالحال والقال وهو بهما أكمل وأتم فلا يعدل عنه وان كان معرضا عن جميع ذلك فمن المعلوم أنه لا يحيى ويبقى الا بما يقيم حياته ويدفع مضاره بذلك والذي به يحيى من المنافع ودفع المضار اما أن يحبه ويطلبه ويريده من أحد أو لا يحبه ولا يطلبه ولا يريده فإن أحبه وطلبه وأراده من غير الله كان مشركا مذموما فضلا عن أن يكون محمودا وان قال لا أحبه وأطلبه وأريده لا من الله ولا من خلقه قيل هذا ممتنع في الحي فإن الحي ممتنع عليه أن لا يحب ما به يبقى وهذا أمر معلوم بالحس ومن كان بهذه المثابة امتنع أن يوصف بالرضا فإن الراضي موصوف بحب وارادة خاصة اذ الرضا مستلزم لذلك فكيف يسلب عنه ذلك كله فهذا وأمثاله مما يبين فساد هذا الكلام وأما في سبيل الله وطريقه ودينه فمن وجوه أحدهما أن يقال الراضي لا بد أن يفعل ما يرضاه الله والا فكيف يكون راضيا عن الله من لا يفعل ما يرضاه الله وكيف يسوغ رضا ما يكرهه الله ويسخطه ويذمه وينهي عنه وبيان هذا أن الرضا المحمود اما أن يكون الله يحبه ويرضاه واما أن لا يحبه ويرضاه فإن لم يكن يحبه ويرضاه لم يكن هذا الرضا مأمورا به لا أمر ايجاب ولا أمر استحباب فإن من الرضا ما هو كفر كرضا الكفار بالشرك وقتل الأنبياء وتكذيبهم ورضاهم بما يسخطه الله ويكرهه قال تعالى ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم فمن اتبع ما أسخط الله برضاه وعمله فقط أسخط الله وقال النبي ان الخطيئة اذا عملت في الأرض كان من غاب عنها ورضيها كمن حضرها ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكرها وقال سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برىء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع هلك وقال تعالى يحلفون لكم لترضوا عنهم فن ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين فرضنا عن القوم الفاسقين ليس مما يحبه الله ويرضاه وهو لا يرضى عنهم وقال تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدينا في الآخرة الا قليل فهذا رضا قد ذمة الله وقال تعال ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها فهذا أيضا رضا مذموم وسوى هذا وهذا كثير فمن رضي بكفره وكفر غيره وفسقه وفسق غيره ومعاصيه ومعاصي غيره فليس هو متبعا لرضا الله ولا هو مؤمن بالله بل هو مسخط لربه وربه غضبان عليه لا عن له ذام له متوعد له بالعقاب وطريق الله التي يأمر بها المشائخ المهتدون انما هي الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته فمن أمر أو استحب أو مدح الرضا الذي يكرهه الله ويذمه وينهي عنه ويعاقب أصحابه فهو عدو لله لأولى لله وهو يصد عن سبيل الله وطريقه ليس بسالك لطريقه وسبيله واذا كان الرضا الموجوده في بني آدم منه ما يحبه الله ومنه ما يكرهه ويسخطه ومنه ما هومباح لا من هذا ولا من هذا كسائر أعمال القلوب من الحب والبغض وغير ذلك لكها تنقسم الى محبوب لله ومكروه لله مباح فاذا كان الأمر كذلك فالراضي الذي لا يسأل الله الجنة ولا يستعيذه من النار يقال له سؤال الله الجنة واستعاذته من النار اما أن تكون واجبة واما أن تكون مستحبة واما أن تكون مباحة واما أن تكون مكروهة ولا يقول مسلم انها محرمة ولا مكروهة وليست أيضا مباحة مستوية الطريفين ولو قيل انها كذلك ففعل المباح المستوي الطرفين لا ينافي الرضا اذ ليس من شرط الراضي أن لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يفعل أمثال هذه الأمور فاذا كان ما يفعله من هذه الأمور لا ينافي رضاه أينافي رضاه دعاء وسؤال هو مباح واذا كان السؤال والدعاء كذلك واجبا أو مستحبا فمعلوم أن الله يرضى بفعل الواجبات والمستحبات فكيف يكون الراضي الذي من أولياء الله لا يفعل ما يرضاه ويحبه بل يفعل ما يسخطه ويكرهه وهذه صفة أعداء الله لا أولياء الله احتجاج القدرية بأن الرضا بقضاء الله مأمور به ورد أهل السنة على ذلك والقشيري قد ذكره في أوائل باب الرضا فقال اعلم أن الواجب على العبد أن يرضى بقضاء الله الذي أمر بالرضا به اذ ليس كل ما هو بقضائه يجوز للعبد أو يجب على العبد الرضا به كالمعاصي وفنون محن المسلمين وهذا الذي قاله قاله قبله وبعده ومعه غير واحد من العلماء كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأمثالهما لما احتج عليهم القدرية بأن الرضا بقضاء الله مأمور به فلو كانت المعاصي بقضاء الله لكنا مأمورين بالرضا بها والرضا بما نهى الله عنه لا يجوز فأجابهم أهل السنة عن ذلك بثلاثة أجوبة أحدها وهو جواب هؤلاء وجماهير الأئمة أن هذا العموم ليس بصحيح فلسنا مأمورين أن نرضى بكل ما قضى وقدر ولم يجىء في الكتاب والسنة أمر بذلك ولكن علينا أن نرضى بما أمرنا أن نرضى به كطاعة الله ورسوله وهذا هو الذي ذكره أبو القاسم والجواب الثاني أنهم قالوا انا نرضى بالقضاء الذي هو صفة الله أو فعله لا بالمقضي الذي هو مفعوله وفي هذا الجواب ضعف قد بيناه في غير هذا الموضع الثالث أنهم قالوا هذه المعاصي لها وجهان وجه الى العبد من حيث هي فعله وصنعه وكسبه ووجه الى الرب من حيث هو خلقها وقضاها وقدرها فيرضى من الوجه الذي يضاف به الى الله ولا يرضى من الوجه الذي يضاف به الى العبد اذ كونها شرا وقبيحةومحرما وسببا للعذاب والذم ونحو ذلك انما هو من جهة كونها مضافة الى العبد وهذا مقام فيه من كشف الحقائق والأسرار ما قد ذكرنا منه ما قد ذكرناه في غير هذا الموضع ولا يحتمله هذا المكان فإن هذا متعلق بمسائل الصفات والقدر وهي من أعظم مطالب الدين وأشرف علوم الأولين والآخرين وأدقها على عقول أكثر العالمين والمقصود هنا أن مشائخ الصوفية والعلماء وغيرهم قد بينوا أن من الرضا ما يكون جائزا ومنه ما لا يكون جائزا فضلا عن كونه مستحبا أو من صفات المقربين وأن أبا القاسم ذكر في الرسالة أيضا فن قيل هذا الذي ذكرتموه أمر بين واضح فمن أين غلط من قال الرضا أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذه من النار وغلط من يستحسن مثل هذا الكلام كائنا من كان قيل غلطوا في ذلك لأنهم رأوا أن الراضي بأمر لا يطلب غير ذلك الأمر فالعبد اذا كان في حال من الأحوال فمن رضاه أن لا يطلب غير تلك الحال ثم انهم رأوا أن أقصى المطالب الجنة وأقصى المكاره النار فقالوا ينبغي أن لا يطلب شيئا ولو أنه الجنة ولا يكره ما يناله ولو أنه النار وهذا وجه غلطهم ودخل عليهم الضلال من وجهين أحدهما ظنهم أن الرضا بكل ما يكون أمر يحبه الله ويرضاه وأن هذا من أعظم طرق أولياء الله فجعلوا الرضا بكل حادث وكائن أو بكل حال يكون فيها للعبد طريقا الى الله فضلوا ضلالا مبينا والطريق الى الله انما هي أن ترضيه بأن تفعل ما يحبه ويرضاه ليس أن ترضى بكل ما يحدث ويكون فإنه هو لم يأمرك بذلك ولا رضيه لك ولا أحبه بل هو سبحانه يكره ويسخط ويبغض على أعيان أفعال موجودة لا يحصيها الا هو وولاية الله موافقته بأن تحب ما يحب وتبغض ما يبغض وتكره ما يكره وتسخط ما يسخط وتوالي من يوالي وتعادي من يعادي فاذا كنت تحب وترضى ما يكرهه ويسخطه كنت عدوه لا وليه وكان كل ذم نال من رضي ما أسخط الله قد نالك فتدبر هذا فإنه ينبه على أصل عظيم ضل فيه من طوائف النساك والصوفية والعباد والعامةمن لا يحصيهم الا الله الوجه الثاني أنهم لا يفرقون بين الدعاء الذي أمروا به أمر ايحاب وأمر استحباب وبين الدعاء الذي نهوا عنه أو لم يؤمروا به ولم ينهوا عنه فإن دعاء العبد لربه ومسألته اياه ثلاثة أنواع أنواع دعاء العبد لربه نوع أمر العبد به اما أمر ايجاب واما أمر استحباب مثل قوله اهدنا الصراط المستقيم ومثل دعائه في آخر الصلاة كالدعاء الذي كان النبي يأمر به أصحابه فقال اذا قعد أحدكم في الصلاة فليستعذ بالله من أربع من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال فهذا دعاء أمرهم النبي أن يدعوا به في آخر صلاتهم وقد اتفقت الأمة على أنه مشروع يحبه الله ورسوله ويرضاه وتنازعوا في وجوبه فأوجبه طاووس وطائفة هذا مستحب والأدعية التي كان النبي يدعو بها لا تخرج عن أن تكون واجبة أو مستحبة وكل واحد من الواجب والمستحب يحبه الله ويرضاه ومن فعله رضي الله عنه وأرضاه فهل يكون من الرضا ترك ما يحبه ويرضاه و نوع من الدعاء ينهى عنه كالاعتداء مثل أن يسأل الرجل ما لا يصلح من خصائص الأنبياء وليس هو بنبي وربما هو من خصائص الرب سبحانه وتعالى مثل أن يسأل لنفسه الوسيلة التي لا تصلح الا لعبد من عباده أو يسأل الله تعالى أن يجعله بكل شيء عليما أو على كل شيء قدير وأن يرفغ عنه كل حجاب يمنعه من مطالعة الغيوب وأمثال ذلك أو مثل من يدعوه ظانا أنه محتاج الى عباده وأنهم يبلغون ضره ونفعه فيطلب منه ذلك الفعل ويذكر أنه اذا لم يفعله حصل له من الخلق ضير وهذا ونحوه جهل بالله واعتداء في الدعاء وان وقع في ذلك طائفة من الشيوخ ومثل أن يقولوا اللهم اغفر لي ان شئت فيظن أن الله قد يفعل الشيء مكرها وقد يفعل مختارا كالملوك فيقول اغفر لي ان شئت وقد نهى النبي عن ذلك وقال لايقل أحدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له ومثل أن يقصد السجع في الدعاء ويتشهق ويتشدق وأمثال ذلك فهذه الأدعية ونحوها منهي عنها ومن الدعاء ما هو مباح كطلب الفضول التي لا معصية فيها آراء في الرضا والمقصود أن الرضا الذي هو من طريق الله لا يتضمن ترك واجب ولا ترك مستحق فالدعاء الذي هو واجب أو مستحب لا يكون تركه من الرضا كما أن ترك سائر الواجبات لا يكون من الرضا المشروع ولا فعل المحرمات من المشروع فقد تبين غلط هؤلاء من جهة ظنهم أن الرضا مشروع بكل مقدور ومن جهة أنهم لم يميزوا بين الدعاء المشروع ايجابا واستحبابا والدعاء غير المشروع وقد علم بالاضطرار من دين الاسلام أن طلب الجنة من الله والاستعاذة به من النار هو من أعظم الأدعية المشروعة لجميع المرسلين والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأن ذلك لا يخرج عن كونه واجبا أو مستحبا وطريق أولياء الله التي يسلكونها لا تخرج عن فعل واجبات ومستحبات اذ ما سوى ذلك محرم أو مكروه أو مباح لا منفعة فيه في الدين ثم انه لما أوقع هؤلاء في هذا الغلط أنهم وجدوا كثيرا من الناس لا يسألون الله جلب المنافع ودفع المضار حتى طلب الجنة والاستعاذة من النار من جهة كون ذلك عبادة وطاعة وخيرا بل من جهة كون النفس تطلب ذلك فرأوا أن من الطريق ترك ما تختاره النفس وتريده وأن لايكون لأحدهم ارادة أصلا بل يكون مطلوبه الجريان تحت القدر كائنا من كان وهذا هو الذي أدخل كثيرا منهم في الرهبانية والخروج عن الشريعة حتى تركوا من الأكل والشرب واللباس والنكاح ما يحتاجون اليه وما لا تتم مصلحة دينهم الا به فإنهم رأوا العامة تعد هذه الأمور بحكم الطبع والهوى والعاده ومعلوم أن الأفعال التي على هذا الوجه لا تكون عبادة ولا طاعة ولا قربة فرأى أولئك الطريق الى الله ترك هذه العبادات والأفعال الطبعيات فلازموا من الجوع والسهر والخلوة والصمت وغير ذلك مما فيه ترك الحظوظ واحتمال المشاق ما أوقعهم في ترك واجبات ومستحبات وفعل مكروهات ومحرمات وكلا الأمرين غير محمود ولا مأمور به ولا طريق الى الله طريق المفرطين الذين فعلوا هذه الأفعال المحتاج اليها على غير وجه العبادة والتقرب الى الله وطريق المعتدين الذين تركوا هذه الأفعال بل المشروع أن تفعل بنية التقرب الى الله وأن يشكر الله قال الله تعالى كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وقال تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله فأمر بالأكل والشرب فمن أكل ولم يشكر كان مذموما ومن لم يأكل ولم يشكر كان مذموما وفي الصحيح عن النبي أنه قال ان الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها وقال النبي لسعد انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا ازددت بها درجة ورفعة حتى اللقمة تضعها في في امرأتك وفي الصحيح أيضا أنه قال نفقة المؤمن على أهله يحتسبها صدقة فكذلك الأدعية هنا من الناس من يسأل الله جلب المنفعة له ودفع المضرة عنه طبعا وعادة لا شرعا وعبادة فليس من المشروع أن ادع الدعاء مطلقا لتقصير هذا وتفريطه بل أفعله أنا شرعا وعبادة ثم اعلم أن الذي يفعله شرعا وعبادة انما يسعى في مصلحة نفسه وطلب حظوظه المحمودة فهو يطلب مصلحة دنياه وآخرته بخلاف الذي يفعله طبعا فإنه انما يطلب مصلحة دنياه فقط كما قال تعال فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب وحينئذ فطالب الجنة والمستعيذ من النار انما يطلب حسنة الآخرة فهو محمود ومما يبين الأمر في ذلك أن يرد قول هؤلاء بأن العبد لا يفعل مأمورا ولا يترك محظورا فلا يصلي ولا يصوم ولا يتصدق ولا يحج ولا يجاهد ولا يفعل شيئا من القربات فإن ذلك انما فائدته حصول الثواب ودفع العقاب الذي هو النار فلا يفعل مأمورا ولا يترك محظورا ويقول أنا راض بكل ما يفعله بي وان كفرت وفسقت وعصيت بل يقول أنا أكفر وأفسق وأعصي حتى يعاقبني وأرضى بعقابه فأنال درجة الرضا بقضائه وهذا قول من هو من أجهل الخلق وأحمقهم وأضلهم وأكفرهم أما جهلة وحمقه فلأن الرضا بذلك ممتنع متعذر لأن ذلك يستلزم الجمع بين النقيضين وأما كفره فلأنه مستلزم لتعطيل دين الله الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه ولا ريب أن ملاحظة القضاء والقدر أوقعت كثيرا من أهل الارادة من المتصوفة في أن تركوا من المأمور وفعلوا من المحظور ما صاروا به اما ناقصين محرومين واما عاصين فاسقين واما كافرين وقد رأيت من ذلك ألوانا ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وهؤلاء المعتزلة ونحوهم من القدرية طرفا نقيض هؤلاء يلاحظون القدر ويعرضون عن الأمر وأولئك يلاحظون الأمر ويعرضون عن القدر والطائفتان تظن أن ملاحظة الأمر والقدر متعذر كما أن طائفة تجعل ذلك مخالفا للحكمة والعدل وهذه الأصناف الثلاثة هي القدرية المجوسية والقدرية المشركية والقدرية الابليسية وقد بسطنا الكلام عليهم في غير هذا الموضع وأصل ما يبتلى به السالكون أهل الارادة العامة في هذا الزمان هي القدرية المشركية فيشهدون القدر ويعرضون عن الأمر كما قال فيهم بعض العلماء أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به وانما المشروع العكس وهو أن يكون عند الطاعة يستعين الله عليها قبل الفعل ويشكره عليها بعد الفعل ويجتهد أن لا يعصي فاذا أذنب وعصى بادر الى التوبة والاستغفار كما في حديث سيد الاستغفار أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي وكا في الحديث الصحيح الالهي يا عبادي انما هي أعمالكم أحصيها لكما ثم أوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ومن هذا الباب دخل قوم من أهل الادارة في ترك الدعاء وآخرون جعلوا التوكل والمحبة من مقامات العامة وأمثال هذه الأغاليط التي تكلمنا عليها في غير هذا الموضع وبينا الفرق بين الصواب والخطأ في ذلك ولهذا يوجد في كلام هؤلاء المشايخ الوصية باتباع العلم والشريعة حتى قال سهل بن عبد الله التستري كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل وقال الجنيد بن محمد علمنا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصح أن يتكلم في علمنا والله أعلم

الفصل الثامن الهم والعزم عدل

سؤال ما تقوم السادة العلماء في من عزم على فعل محرم كالزنا والسرقة وشرب الخمر عزما جازما فعجز عن فعله اما بموت أو غيره هل يأثم بمجرد العزم أم لا وان قلتم يأثم فما جواب من يحتج على عدم الاثم بقوله اذا هم عبدي بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه وبقوله ان الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم واحتج به من وجهين أحدهما أنه أخبر بالعفو عن حديث النفس والعزم داخل في العموم والعزم والهم واحد قاله ابن سيده

الثاني أنه جعل التجاوز ممتدا الى أن يوجد كلام أو عمل وما قبل ذلك داخل في حد التجاوز ويزعم أن لا دلالة في قول النبي اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار لأن الموجب لدخول المقتول في النار مواجهته أخيه لأنه عمل لا مجرد قصد وأن لا دلالة في قوله صلىالله عليه وسلم في الذي قال لو أن لي مالا لفعلت وفعلت انهما في الاثم سواء وفي الأجر سواء لأنه تكلم والنبي قال ما لم تعمل به أو تتكلم وهذا قد تكلم وقد وقع في هذه المسألة كلام كثير واحتيج الى بيانها مطولا مكشوفا مستوفى الاجابة فأجاب شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه الحمد لله هذه المسأله ونحوها تحتاج قبل الكلام في حكمها الى حسن التصور لها فإن اضراب الناس في هذه المسائل وقع عامته من أمرين سببا الاضطراب أحدهما عدم تحقيق أحوال القلوب وصفاتها التي هي مورد الكلام

والثاني عدم اعطاء الأدلة الشرعية حقها ولهذا كثر اضطرات كثير من الناس في هذا الباب حتى يجد الناظر في كلامهم أنهم يدعون اجماعات متناقضة في الظاهر تفاوت الأفعال والصفات فينبغي أن يعلم أن كل واحد من صفات الحي التي هي العلم والقدرة والارادة ونحوها له من المراتب ما بين أوله وآخره ما لا يضبطه العباد كالشك ثم الظن ثم العلم ثم اليقين ومراتبه وكذلك الهم والارادة والعزم وغير ذلك ولهذا كان الصواب عند جماهير أهل السنة وهو ظاهر مذهب أحمد وهو أصح الروايتين عنه وقول أكثير أصحابه ان العلم والعقل ونحوهما يقبل الزيادة والنقصان بل وكذلك الصفات التي تقوم بغير الحي كالألوان والطعوم والأرواح الارادة الجازمة وحكمها فنقول أولا الارادة الجازمة هي التي يجب وقوع الفعل معها اذا كانت القدرة حاصلة فإنه متى وجدت الارادة الجازمة مع القدرة التامة وجب وجود الفعل لكمال وجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم ومتى وجدت الارادة والقدرة التامة ولم يقع الفعل لم تكن الارادة جازمة وهو ارادات الخلق لما يقدرون عليه من الأفعال ولم يفعلوه وان كانت هذه الارادات متفاوتة في القوة والضعف تفاوتا كثيرا لكن حيث لم يقع الفعل المراد مع وجود القدرة التامة فليست الارادة جازمة جزما تاما وهذه المسألة انما كثر فيها النزاع لأنهم قدروا ارادة جازمة للفعل لا يقترن بها شيء من الفعل وهذا لا يكون وانما يكون ذلك في العزم على أن يفعل فقد يعزم على الفعل في المستقبل من لا يفعل منه شيئا في الحال والعزم على أن يفعل في المستقبل لا يكفي في وجود الفعل بل لا بد عند وجود من حدوث تمام الارادة المستلزمة للفعل وهذه هي الارادة الجازمة والارادة الجازمة اذا فعل معها الانسان ما يقدر عليه كان في الشرع بمنزلة الفاعل التام له ثواب الفاعل التام وعقاب الفاعل التام الذي فعل جميع الفعل المراد حتى يثاب ويعاقب على ما هو خارج عن محل قدرته مثل المشتركين والمتعاونين على أفعال البر ومنها ما يتولد عن فعل الانسان كالداعي الى هدى أو ضلالة والسان سنة حسنة وسنة سيئة كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليى وسلم أنه قال من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه من غير أن ينقص أوزارهم شيء وثبت عنه في الصححين أنه قال من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء