العبر في خبر من غبر/الجزء الثاني

  ► الجزء الأول الجزء الثاني: من سنة 319 إلى سنة 546 الجزء الثالث ◄  
بسم الله الرحمن الرحيم

سنة تسع عشرة وثلاثمائة

فيها استولى مرداويج الديلمي على همذان، وبلاء الجبل، إلى حلوان، وهزم عسكر الخليفة.

وفيها استوحش مؤنس من الوزير والمقتدر، وأخذ يتعنت على المقتدر، ويحتكم عليه في إبعاد خاصته وتقريب غيرهم، ثم خرج مغاضبا بأصحابه إلى الموصل، فاستولى الوزير على حواصله، وفرح المقتدر بالوزير، وكتب اسمه على السكة، وكان مؤنس في ثمانمائة، فحارب جيش الموصل، وكانوا ثلاثين ألفا، فهزمهم وملك الموصل، في سنة عشرين، ولم يحج أحد من بغداد، وأخذ الديلمي الدينور، ففتك بأهلها، ووصل إلى بغداد من انهزم، ورفعوا المصاحف على القصب، واستغاثوا وسبوا المقتدر، وغلقت الأسواق، وخافوا من هجوم القرامطة.

وفيها توفي أبو الجهم، أحمد بن الحسين بن أحمد بن طالب الدمشقي المشغرائي، خطيب مشغرا، وقع من الدابة فمات لوقته. روى عن هشام بن عمار وطائفة.

وفيها توفي الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي، محدث دمشق، في رجب. روى عن موسى بن عامر المري، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما.

وفيها قاضي الجماعة، أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي أبو الجعد، في رجب، وهو من أبناء التسعين.، وكان نبيلا رئيسا كبير الشأن، رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى والمزني. وصحب بقي بن مخلد مدة. أضر بآخره وضعف من الكبر.

وفيها أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذاب ببغداد. روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق ومسدد والكبار. قال ابن عدي: كان يضع الحديث.

وفيها الكعبي، شيخ المعتزلة، أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي.

وفيها القاضي أبو عبيد بن حربويه البغدادي، علي بن الحسن بن حربويه الفقيه الشافعي، قاضي مصر، وهو من أصحاب الوجوه. روى عن أحمد بن المقدام والزعفراني وطبقتهما. قال أبو سعيد بن يونس: كان شيئا عجيبا، ما رأينا مثله لا قبله ولا بعده، وكان يتفقه على مذهب أبي ثور، وصرف سنة إحدى عشرة، لأنه كتب إلى بغداد يستعفي، وامتنع من الحكم فأعفي، ثم توجه إلى بغداد.

وفيها محمد بن الفضل البلخي الزاهد أبو عبد الله نزيل سمرقند، وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير، يقال إنه مات في مجلسه أربعة أنفس.، صحب أحمد بن خضرويه البلخي، وهو آخر من روى عن قتيبة، وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ.

وفيها محدث الأندلس أبو عبد الله محمد بن فطيس ابن واصل الغافقي الإلبيري الفقيه الحافظ. روى عن محمد بن أحمد العنبي وأبان بن عيسى.، ورحل وسمع من أحمد بن أخي ابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم. وصنف وجمع، وسمع بأطرابلس المغرب من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ. قال ابن الفرضي: كان ضابطا نبيلا صدوقا، وكانت الرحلة إليه، حدثنا عنه غير واحد، وتوفي في شوال عن تسعين سنة.

والمؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس، الرئيس أبو الوفا النيسابوري.، لم يدرك الأخذ عن أبيه، وسمع من إسحاق الكوسج والحسن بن محمد الزعفراني وطبقتهما. وكان صدر نيسابور وكان أمير خراسان ابن طاهر، اقترض منه ألف ألف درهم. وقال أبو علي النيسابوري: خرجت لأبي الوفا، عشرة أجزاء، وما رأيت أحسن من أصوله، فأرسل إلي مائة دينار وأثوابا.

سنة عشرين وثلاثمائة

لما استفحل أمر مرداويج الديلمي، لاطفه الخليفة، وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع، وعقد له على أذربيجان وأرمينية وأران وقم ونهاوند وسجستان.

وفيها نهب الجند دار الوزير فهرب، وسخم الهاشميون وجوههم وصاحوا: الجوع الجوع! للغلاء، لأن القرمطي ومؤنسا منعوا الجلب، وتسلل الجند إلى مؤنس، وتملك الموصل، ثم تجهزوا قبل في جمع عظيم، فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم، فامتنع. ثم قالت الأمراء للمقتدر: أنفق في العساكر، فعزم على التوجه إلى واسط في الماء، ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز: فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله ولا تسلم بغداد بلا حرب، فلما أصبحوا، ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب، والقراء والمصاحف حوله، والوزير خلفه، فشق بغداد إلى الشماسية، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تل، ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلاء بن حمدان فقالا: تقدم، فأبى، فألحوا عليه، فتقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف، في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت وهارون بن غريب بلاء حسنا. وكان معظم جيش مؤنس الخادم البربر، فجاء علي بن يلبق فترجل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبل الأرض، فعطف جماعة من البربر إلى نحو المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة فسقط إلى الأرض، وقيل رماه بحربة وحز رأسه بالسيف، ورفع على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة، حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، وطمر وعفي أثره.، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وذلك لثلاث بقين من شوال. وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا بضعة عشر يوما. وكان مسرفا مبذرا ناقص الرأي محق الذخائر، حتى إنه أعطى بعض جواريه الدرة اليتيمة التي وزنها ثلاثة مثاقيل، ويقال: إنه ضيع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكان في داره عشرة آلاف خصي من الصقالبة، وأهلك نفسه بسوء تدبيره. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وخلف عدة أولاد، منهم: الراضي بالله محمد والمتقي لله إبراهيم والأمير إسحاق ووالد القادر بالله والمطيع لله. وذكر طبيبه ثابت بن سنان في تاريخه: أن المقتدر أتلف نيفا وسبعين ألف ألف دينار.

وأما مؤنس، فإنه ترك بالشماسية، فأحضر إليه رأس المقتدر، فندم وبكى وقال: قتلتموه، والله لنقتلن كلنا، فأظهروا أن قتله عن غير قصد، ثم بايعوا القاهر بالله الذي كان قد بايعوه في سنة سبع عشرة، فصادر آل المقتدر وعذب أمه وهي مريضة، ثم ماتت وهي معلقة بحبل، وبالغ في الظلم، فمقتته القلوب. وكان ابن مقلة قد نقل إلى الأهواز، فاستحضره واستوزره.

وفيها توفي الحافظ محدث الشام، أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف ابن موسى بن جوصا. سمع كثير بن عبيد وطبقته، وجمع وصنف، وتبحر في الحديث. قال أبو علي النيسابوري: كان ركنا من أركان الحديث. قال محمد بن إبراهيم الكرجي: جان بن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة. وقال غيره: كان ابن جوصا كثير الأموال، يركب البغلة، توفي في جمادى الأولى. قال الدارقطني: تفرد بأحاديث، ولم يكن بالقوي.

وفيها أحمد بن القاسم بن نصر، أبو بكر، أخو أبي الليث الفرائضي، ببغداد في ذي الحجة، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن لوين وإسحاق بن أبي إسرائيل وعدة.

وفيها المقتدر بالله، أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد، بن الموفق طلحة، بن المتوكل على الله بن المعتصم بالله العباسي. في أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت، وسمع أمير الأندلس، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فلقب نفسه: أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن. وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلاثمائة. ولا شك أن حرمته ودولته كانت أميز من دولة المقتدر ومن بعده.، وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد، وكان ربعة جميل الصورة أبيض مشربا حمرة، أسرع الشيب إلى عارضيه.، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة.، وكان جيد العقل والرأي، لكنه كان مؤثرا للعب والشهوات غير ناهض بأعباء الخلافة.، كانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار والولايات والحل والعقد. قال الوزير علي بن عيسى: ما هو إلا أن يترك هذا الرجل النبيذ خمسة أيام، وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه وكالمأمون.

وفيها أبو العباس عبد الله بن عتاب بن الزفتي، محدث دمشق، وله ست وتسعون سنة. روى عن هشام بن عمار وعيسى بن حماد زغبة، وخلق. قال أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتا.

وفيها الحافظ الثقة أبو القاسم بن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، ابن أخي أبي زرعة الرازي. روى عن يونس بن عبد الأعلى وأحمد بن منصور الرمادي وطبقتهما.

وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري، وقد سمع من علي بن خشرم لما رابط بفربر، وكان ثقة ورعا، توفي في شوال، وله تسع وثمانون سنة.

وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزري مولاهم البغدادي، وكان من خيار القضاة حلما وعقلا، وجلالة وذكاء وصيانة، ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين، وروى عن زيد بن أخرم، والحسن بن أبي الربيع، وجماعة حمل عنهم في صغره، ولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد بالله، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر بالله، قم قلده قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان له مجلس في غاية الحسن.، كان يقعد للإملاء، والبغوي عن يمينه، وابن صاعد عن يساره، وابن زياد النيسابوري بين يديه، وقد حفظ من جده حديثا، وهو ابن أربع سنين.، توفي في رمضان.

وفيها ميمون بن عمر الأفريقي المالكي أبو عمر الفقيه، قاضي القيروان وقاضي صقلية.، عاش مائة سنة أو أكثر، وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون وعن أبي مصعب الزهري. وزمن وانهرم.

وفيها أبو علي بن خيران الشافعي، الحسين بن صالح، شيخ الشافعية ببغداد بعد ابن سريج.، عرض عليه القضاة فامتنع.، وتفقه به جماعة.

وفيها أبو عمر الدمشقي الزاهد، من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم. وهذا القول مروي عنه: كما فرض الله على الأنبياء إظهار المعجزات فرض على الأولياء كتمان الكرامات لئلا يفتتنوا بها.

سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة

فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام، فتحيل حتى قبض على مؤنس الخادم ويلبق وابنه علي بن يلبق، ثم أمر بذبحهم، وطيف برؤوسهم ببغداد، ثم أمر بذبح يمن وابن زيرك، فاستقامت بغداد، وأطلقت أرزاق الجند، وعظمت هيبة القاهر في النفوس.، ثم أمر بتحريم القيان والخمر وقبض على المغنين ونفى المخانيث وكسر آلات الطرب، إلا أنه كان لا يكاد يصحو من السكر وسماع القينات.

وفيها توفي أبو حامد، ويقال أبو تراب الأعشمي، أحمد بن حمدون النيسابوري الحافظ.، وكان قد جمع حديث الأعمش كله وحفظه فلقب بذلك. سمع محمد بن رافع، وأبا سعيد الأشج وطبقتهما. وكان صاحب بسط ودعابة.

وفيها أحمد بن عبد الوارث بن جرير، أبو بكر الأسواني العسال، في جمادى الآخرة، وهو آخر من حدث عن محمد بن رمح.، وثقه ابن يونس.

وفيها أبو جعفر الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري المصري، شيخ الحنفية. سمع هارون بن سعيد الأيلي وطائفة من أصحاب ابن عيينة وابن وهب، وصنف التصانيف، وبرع في الفقه والحديث.، توفي في ذي القعدة، وله اثنان وثمانون سنة. قال ابن يونس: كان ثقة ثبتا لم يخلف مثله. وقال الشيخ أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، أخذ الفقه عن أبي جعفر بن أبي عمران وأبي حازم القاضي.

وفيها أبو علي أحمد بن محمد بن علي بن زين الدين الباشاني بهراة. ثقة روى عن علي بن بن خشرم وسفيان بن وكيع وطائفة.

وفيها الأمير تكين الخاصة، ولي دمشق ثم مصر وبها مات، ونقل إلى بيت المقدس.

وفيها أبو يزيد حاتم بن محبوب الشامي، بهراة.، حج وسمع محمد بن زنبور وسلمة بن شبيب.، وكان ثقة.

وفيها الحسن بن محمد البصري، أبو علي بن أبي هريرة، بأصبهان. روى عن إسماعيل بن يزيد القطان وأحمد بن الفرات، وهو من كبار شيوخ ابن منده.

وفيها أبو هاشم الجبائي، شيخ المعتزلة وابن شيخهم عبد السلام ابن محمد بن عبد الوهاب البصري، توفي في شعبان ببغداد.

وفيها ابن دريد، وهو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، بن عتاهية الأزدي البصري اللغوي العلامة، صاحب التصانيف.، أخذ عن الرياشي وأبي حاتم السجستاني وابن أخي الأصمعي.، وعاش ثمانيا وتسعين سنة. قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرئ عليه ديوان، إلا وهو يسابق في قراءته. وقال الدارقطني: تكلموا فيه.

وفيها مكحول البيروتي، واسمه أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ. سمع محمد بن هاشم البعلبكي وأبا عمير بن النحاس وطبقتهما بمصر والشام والجزيرة.

وفيها محمد بن هارون، أبو حامد الحضرمي، محدث بغداد في وقته، وله نيف وتسعون سنة. روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وأبي همام السكوني.

وفيها مؤنس الخادم، الملقب المظفر.، توفي عن نحو تسعين سنة. وكان أميرا معظما شجاعا منصورا، لم يبلغ من الخدام منزلته إلا كافور صاحب مصر.، وقد مرت أخبار مؤنس ومحاربته للمقتدر.

سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

فيها انفرد عن مرداويج الديلمي أحد قواده الأمير علي بن بويه، والتقى هو ومحمد بن ياقوت أمير فارس، فهزم محمدا واستولى على مملكة فارس، وهذا أول ظهور بني بويه.، وكان بويه من أوساط الناس يصيد السمك، فملك أولاده الدنيا.

وفيها قتل القاهر بالله الأمير أبا السرايا نصر بن حمدان والرئيس إسحاق بن إسماعيل النوبختي، وقتل قبلهما ابن أخيه أبا أحمد بن المكتفي بلا ذنب، وتفرعن وطغى، وأخذ أبو علي بن مقلة وهو مختف يراسل الخواص من المماليك ويجسرهم على القاهر ويوحشهم منه، فما برح حتى اجتمعوا على الفتك به، فركبوا إلى الدار، والقاهر سكران نائم، وقد طلعت الشمس، فهرب الوزير في إزار وسلامة الحاجب، فوثبوا على القاهر، فقام مرعوبا وهرب، فتبعوه إلى السطح، وبيده سيف، فقالوا: انزل، فأبى، فقالوا: نحن عبيدك، فلم تستوحش منا، فلم ينزل، ففوق واحد منهم سهما وقال: انزل وإلا قتلتك، فنزل فقبضوا عليه في جمادى الآخرة، وأخرجوا محمد بن المقتدر بالله ولقبوه الراضي بالله. وكُحل القاهر، ووزر ابن مقلة. قال الصولي: كان القاهر أهوج سفاكا للدماء، قبيح السيرة، كثير الاستحالة، مدمن الخمر، كان له حربة يحملها فلا يضعها حتى يقتل إنسانا، ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل.

وفيها هلك مرداويج الديلمي بأصبهان، وكان قد عظم سلطانه وتحدثوا أنه يريد قصد بغداد، وكان له ميل إلى المجوس، وأساء إلى أصحابه، فتواطأوا على قتله في الحمام، وبعث الراضي بالعهد إلى علي بن بويه، على البلاد التي استولى عليها، والتزم بحمل ثمانية آلاف ألف درهم في العالم.

وفيها اشتهر محمد بن علي الشلمغاني ببغداد، وشاع أنه يدعي الإلهية وأنه يحيي الموتى، وكثر أتباعه.، فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله، فسمع كلامه، وأنكر الإلهية، وقال: إن لم تنزل العقوبة بعد ثلاثة أيام وأكثره تسعة أيام، وإلا فدمي حلال. وكان هذا الشقي قد أظهر الرفض، ثم قال بالتناسخ والحلول، ومخرق على الجهال، وضل به طائفة. وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة، فلما طلب هرب إلى الموصل وغاب سنين ثم عاد، ودعى إلى إلهيته، فتبعه فيما قيل الذي كان وزر للمقتدر الحسين بن الوزير القاسم بن الوليد بن الوزير عبيد الله بن وهب وابنا بسطام وإبراهيم بن أبي عون، فلما قبض الآن عليه ابن مقلة، كبس بيته، فوجد فيه رقاعا وكتبا مما قيل عنه ويخاطبون في الرقاع مما لا يخاطب به البشر، فأحضر وأصر على الإنكار، فصفعه ابن عبدوس.، وأما ابن أبي عون فقال:، إلهي وسيدي ورازقي. فقال الراضي للشلمغاني: أنت زعمت أنك لا تدعي الربوبية، فما هذا؟ فقال: وما علي من قول ابن أبي عون، ثم أحضروا غير مرة، وجرت لهم فصول، وأحضرت الفقهاء والقضاة، ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه، فأحرق في ذي القعدة، وضربت رقبة ابن أبي عون ثم أحرق.، وهو فاضل مشهور صاحب تصانيف أدبية، وكان من رؤساء الكتاب، أعني ابن أبي عون. وشلمغان من أعمال واسط. وقتل الحسين بن القاسم الوزير، وكان في نفس الراضي منه.

وفيها جعل الراضي أبو بكر محمد بن ياقوت على الحجبة ورئاسة الجيش وبلغ هارون بن غريب الخال، وهو على الدينور، فكاتب أمراء بغداد وقال: أنا أحق برئاسة الجيوش، فواطأوه، فعسكر وسار حتى أطل على بغداد، فشخص لحربه محمد بن ياقوت، والتقيا فتقنطر بهارون فرسه وصرع، فبادر مملوك لمحمد بن ياقوت، فقتله وانهزم جمعه، ونهبوا وتمزقوا، ولم يحج أحد من بغداد في سنة سبع وعشرين، خوفا من القرامطة.

وفيها توفي أبو عمر أحمد بن خالد بن الجباب القرطبي حافظ الأندلس، وكان أبوه يبيع الجباب. روى عن بقي بن مخلد وطائفة وارتحل إلى اليمن فأخذ عن إسحاق الدبري وغيره، وعاش بضعا وسبعين سنة. وصنف التصانيف. قال القاضي عياض: كان إماما في وقته في مذهب مالك، وفي الحديث لا ينازع.

وفيها قاضي مصر، أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، حدث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر، ولم يكن معه كتاب، وهي أحد وعشرون مصنفا، وولي قضاء مصر شهرين ونصف.

وفيها القدوة العارف، خير النساج أبو الحسن البغدادي الزاهد، وكانت له حلقة يتكلم فيها، وعمر دهرا، فقيل إنه لقي سريا السقطي، وله أحوال وكرامات.

وفيها المهدي عبيد الله، والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية، افترى أنه من ولد جعفر الصادق، وكان بسلمية، فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب، وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب، وامتدت دولته بضعا وعشرين سنة. ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها، وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة. قال أبو الحسن القابسي صاحبي الملخص: الذي قتله عبيد الله وبنوه بعده، أربعة آلاف رجل في دار النحر في العذاب، ما بين عالم وعابد، ليردهم عن الترضي على الصحابة، فاختاروا الموت، وفي ذلك يقول بعضهم من قصيدة:

وأحل دار النحر في أغلاله... من كان ذا تقوى وذا صلوات

وفيها الديبلي، أبو جعفر محمد بن إبراهيم، محدث مكة، في شهر جمادى الأولى. روى عن محمد بن زنبور وطائفة.

والعقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو الحافظ، صاحب الجرح والتعديل.، عداده في أهل الحجاز. روى عن إسحاق الدبري وأبي إسماعيل الترمذي وخلق. توفي بمكة في ربيع الأول.

والكتاني الزاهد، أبو بكر محمد بن علي بن جعفر، شيخ الصوفية المجاور بمكة. أخذ عن أبي سعيد الخزار وغيره، وهو مشهور.

والروذباري الزاهد، أبو علي البغدادي، نزيل مصر وشيخها في زمانه، صحب الجنيد وجماعة، وكان إماما مفتيا، ورد عنه أنه قال: أستاذي في التصوف الجنيد وفي الحديث إبراهيم الحربي وفي الفقه ابن سريج وفي الأدب ثعلب.

سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

فيها تمكن الراضي بالله بحيث أنه قلد ولديه وهما صبيان إمرة المشرق والمغرب.

وفيها محنة ابن شنبود، كان يقرأ في المحراب بالشواذ، فطلبه الوزير ابن مقلة، وأحضر القاضي والقراء وفيهم ابن مجاهد فناظروه، فأغلظ للحاضرين في الخطاب، ونسبهم إلى الجهل.، فأمر الوزير بضربه لكي يرجع، فضرب سبع درر، وهو يدعو على الوزير، فتوبوه غصبا، وكتبوا عليه محضرا، وكان مما أنكر عليه قراءته: فامضوا إلى ذكر الله وذروا البيع، وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وهذا الأنموذج مما روي ولم يتواتر.

وفيها هاشت الجند وطلبوا أرزاقهم، وأغلظوا لمحمد بن ياقوت، وأخرجوا المحبوسين، ووقع القتال والجد ونهبت الأسواق، وبقي البلاء أياما، ثم أرضاهم ابن ياقوت، وبعد أيام قبض الراضي بالله، على ابن ياقوت وأخيه المظفر، وعظم شأن الوزير ابن مقلة، وتفرد بالأمور، ثم هاجت عليه الجند، فأرضاهم بالمال.

وفيها استولت بنو عبيد الرافضة على مدينة جنوه بالسيف.

وفيها فتنة البربهاري أبو محمد، شيخ الحنابلة.، فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه.، وحبس منهم جماعة، واختفى هو.

وفيها وثب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان أمير الموصل على عمه سعيد بن حمدان، فقتله لكونه أراد أن يأخذ منه الموصل، فسار لذلك ابن مقلة في الجيش، فلما قرب من الموصل، نزح عنها ناصر الدولة، ودخلها ابن مقلة، فجمع منها نحو أربعمائة ألف دينار، ثم أسرع إلى بغداد، لتشويش الحال، ثم هزم ناصر الدولة جيش الخليفة، ودخل الموصل.

وفيها أخذ القرمطي أبو طاهر، لعنه الله، الركب العراقي، وانهزم الأمير لؤلؤ، وبه ضربات، وقتل خلق من الوفد، وسبيت الحريم، وهلك محمد بن ياقوت في الحبس.

وفيها جمع محمد بن رائق أمير واسط، وحشد وتمكن وأضمر الخروج.

وفيها توفي الحافظ أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي. روى عن محمود بن آدم وطائفة.، وهو أحد الوضاعين الكذابين، مع كونه كان محدثا إماما في السنة والرد على المبتدعة.

وفيها أبو طالب الحافظ، أحمد بن نصر البغدادي. روى عن عباس الدوري وطبقته، ورحل إلى أصحاب عبد الرزاق.، وكان الدراقطني يقول: هو أستاذي.

وفيها نفطويه النحوي، أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفه العتكي الواسطي، صاحب التصانيف. روى عن شعيب بن أيوب الصريفني وطبقته، وعاش ثمانين سنة. وكان كثير العلم، واسع الرواية، صاحب فنون.

وفيها أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الحافظ الجوال الفقيه الإستراباذي. سمع علي بن حرب وعمر بن شبة وطبقتهما. قال الحاكم: كان من أئمة المسلمين، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: ولم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني، ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد. وقال أبو علي النيسابوري: ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم، كان يحفظ الموقوفات والمراسيل، كما نحفظ نحن المسانيد. قلت: عاش إحدى وثمانين سنة رحمه الله.

وفيها قاضي الكوفة، أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري الكوفي الفقيه. روى عن أبي كريب والأشج، وكان ثقة يحفظ عامة حديثه.

وفيها أبو عبيد المحاملي، القاسم بن إسماعيل، أخو القاضي الحسين. سمع أبا حفص الفلاس وطبقته.

وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي العطار، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي هشام الرفاعي وطبقته.

سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

فيها ثارت الغلمان الحجرية، وتحلفوا واتفقوا، ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة، واحرقوا داره، ثم سلم إلى الوزير عبد الرحمن بن عيسى، فضربه وأخذ خطه بألف دينار، وجرت له عجائب من الضرب والتعليق، ثم عزل عبد الرحمن، ووزر أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي. وكان ياقوت والد محمد والمظفر، بعسكر مكرم يحارب علي بن بويه لعصيانه، فتمت له أمور طويلة، ثم قتل وقد شاخ، وتغلب ابن رائق وابن بويه على الممالك، وقلت الأموال على الكرخي، فعزل بسليمان بن الحسن، فدعت الراضي بالله الضرورة، إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم، فقدم في جيشه إلى بغداد، وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين، واستولى ابن رائق على الأمور، وتحكم في الأموال، وضعف أمر الخلافة، وبقي الراضي معه صورة.

وفيها توفي أحمد بن بقي بن مخلد، أو عمر الأندلسي، قاضي الجماعة في أيام الناصر لدين الله، ولي عشرة أعوام، وروى الكتب عن أبيه.

وفيها أبو الحسن جحظة النديم، وهو أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى ابن خالد بن برمك البرمكي الأديب الأخباري، صاحب الغناء والألحان والنوادر.

وفيها ابن مجاهد، مقرئ العراق، أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد. روى عن سعدان بن نصر والزيادي وخلق. وقرأ على قنبل وأبي الزعراء وجماعة. وكان ثقة حجة بصيرا بالقراءات وعللها ورجالها عديم النظير. توفي في شعبان عن ثمانين سنة.

وفيها ابن المغلس الداودي وهو العلامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد ابن محمد بن المغلس البغدادي الفقيه، أحد علماء الظاهر، له مصنفات كثيرة، وخرج له عدة أصحاب، تفقه على محمد بن داود الظاهري.

وفيها ابن زياد النيسابوري، أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل الفقيه الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف والرحلة الواسعة. سمع محمد بن يحيى الذهلي، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما بمصر والشام والعراق وخراسان. قال الدارقطني: ما رأيت أحفظ منه. وقال الحاكم: كان إمام عصره من الشافعية بالعراق، ومن أحفظ الناس للفقيهات، واختلاف الصحابة. وقال يوسف القواس: سمعت أبا بكر بن زياد يقول: نعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوت بلدا، ويصلي الغداة بطهارة العشاء، ثم قال: أنا هو.

وفيها قاضي حمص، أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الكندي روى عن محمد بن عوف الحافظ، وعمران بن بكار وطائفة، وجمع التاريخ.

وفيها أبو الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل بن أبي بشر، المتكلم البصري، صاحب المصنفات، وله بضع وستون سنة. أخذ الحديث عن زكريا الساجي، وعلم الكلام الجدل والنظر، عن أبي علي الجبائي، ثم رد على المعتزلة. ذكر ابن حزم أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفا، وأنه توفي في هذا العام. وقال غيره: توفي سنة ثلاثين، وقيل بعد الثلاثين، وكان قانعا متعففا.

وفيها علي بن عبد الله بن مبشر، أبو الحسن الواسطي المحدث. سمع عبد الحميد بن بيان وأحمد بن سنان القطان وجماعة.

سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

فيها أشار محمد بن رائق على الراضي بالله، بأن ينحدر معه إلى واسط، ففعل. ولم يمكنه المخالفة، فدخلها يوم عاشر المحرم، وكانت الحجاب أربعمائة وثمانين نفسا، فقرر ستين، وأسقط عامتهم، وقلل أرزاق الحشم، فخرجوا عليه وعسكروا، فالتقاهم ابن رائق، فهزموا وضعفوا، وتمزقت الساجية والحجرية، فأشار حينئذ على الراضي، بالتقدم إلى الأهواز، وبها أبو عبد الله البريدي ناظرها، وكان شهما مهيبا حازما، فتسحب إليه خلق من المماليك والجند، فأكرمهم وأنفق فيهم الأموال، ومنع الخراج، ولم يبق بيد الراضي، غير بغداد والسواد، يحكم عليه ثم رجع إلى بغداد ووقعت الوحشة بين ابن رائق وأبي عبد الله البريدي الكاتب، وجاء القرمطي، فدخل الكوفة، فعاث ورجع، وأذن ابن رائق للراضي، أن يستوزر أبا الفتح الفضل بن الفرات، فطلبه من الشام، وولاه. والتقى أصحاب ابن رائق، وأصحاب ابن البريدي غير مرة، وينهزم أصحاب ابن رائق، وجرت لهم أمور طويلة، ثم إن البريدي، دخل إلى فارس، فأجاره علي بن بويه، وجهز معه أخاه أحمد، لفتح الأهواز، ودام أهل البصرة على عصيان ابن رائق لظلمه، فحلف إن ظفر بها يجعلها رمادا، فجدوا في مخالفته، وقلت الأموال على محمد بن رائق، فساق إلى دمشق، وزعم أن الخليفة ولاه إياه، ولم يجسر أحد أن يحج خوفا من القرمطي.

وفيها توفي وكيل أبي صخرة، أبو بكر بن عبد الله البغدادي النحاس، وقد قارب التسعين. روى عن عمرو بن علي الفلاس وجماعة.

وفيه أبو حامد الحافظ بن الشرقي، المؤرخ المصنف، أحمد بن محمد ابن الحسن، تلميذ مسلم. روى عن عبد الرحمن بن بشر وطبقته. قال إمام الأئمة ابن خزيمة: حياة أبي حامد، تحجز بين الناس، وبين الكذب على رسول الله . توفي في رمضان، عن خمس وثمانين سنة.

وفيها إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمير أبو إسحاق الهاشمي، في المحرم، وهو آخر من روى الموطأ، عن أبي مصعب.

وفيها أبو العباس الدغولي، محمد بن عبد الرحمن، الحافظ الفقيه. روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وطبقتهما، وكان من كبار الحفاظ.

وفيها علي بن عبدان، أبو حامد التميمي النيسابوري، الثقة الحجة. روى عن عبد الله بن هاشم، والذهلي وطائفة، ولم يرحل.

وفيها أبو مزاحم الخاقاني، موسى بن الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان البغدادي، المقرئ المحدث السني، أخذ عن أبي بكر المروزي، وعباس الدوري وطائفة. ومات في آخر السنة.

سنة ست وعشرين وثلاثمائة

فيها أقبل البريدي في مدد من ابن بويه، فانهزم من بين يديه بجكم، لأن الأمطار عطلت نشاب جنده وقسهم، وتقهقروا إلى واسط، وتمت فصول طويلة.

وأما ابن رائق، فانه وقع بينه وبين ابن مقلة، وأخذ ابن مقلة يراوغ ويكاتب، فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده، ثم بعد أيام، قطع محمد بن رائق لسانه، لكونه كاتب بجكم، فأقبل بجكم بجيوشه من واسط، وضعف عنه ابن رائق، فاختفى ببغداد ودخل بجكم، فأكرمه الراضي، ولقبه أمير الأمراء، وولاه الحضرة.

وفيها توفي أبو ذر، أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الباغندي. روى عن عمر بن شبة، وعلي بن إشكاب وطائفة.

وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو محمد الرشيدي المهري المصري الناسخ، عن سن عالية. روى عن أبي طاهر بن السرح، وسلمة بن شبيب.

وفيها محمد بن القاسم، أبو عبد الله المحاربي الكوفي. روى عن أبي كريب وجماعة. وفيه ضعف.

سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

فيها سار الراضي وبجكم، لمحاربة ناصر الدولة ابن حمدان، فتخلف الخليفة بتكريت، والتقى ابن حمدان وبجكم فهزمه بجكم وساق وراءه إلى نصيبين، وهرب ابن حمدان إلى آمد، ودخل الراضي بالله الموصل، فتسحب طائفة إلى بغداد مغاضبين، وظهر ابن رائق، فانضم إليه ألف نفس، ثم راسله الخليفة، وولاه حلب، فسار إليها، وأعدم عبد الصمد بن المكتفي بالله، لكونه راسل ابن رائق عند ظهوره، أن يبايعه.

وفيها ظاهر بجكم، ناصر الدولة ابن حمدان.

وفيها استوزر الراضي أبا عبد الله البريدي، وحج الركب، وأخذ القرمطي على الجمل، خمسة دنانير.

وفيها توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحافظ العلم أبو محمد الحافظ العلم الجامع التميمي الرازي بالري، وقد قارب التسعين. رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين، فسمع أبا سعيد الأشج، والحسن ابن عرفة وطبقتهما. قال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه، واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، ثم قال: وكان زاهدا يعد من الأبدال.

وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات الوزير ابن حنزابة الكاتب، وزر للمقتدر في آخر أيامه، ثم وزر للراضي بالله، رأى لنفسه التروح خوفا من فتنة ابن رائق، فأطعمه في تحصيل الأموال في الشام ليمده لها، فشخص إليها، فتوفي بالرملة كهلا.

وفيها محدث حلب الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنسريني برداغس روى عن أحمد بن شيبان الرملي، وأبي أمية الطرسوسي وطبقتهما. قال أبو أحمد الحاكم: رأيته حسن الحفظ.

وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري، مصنف مكارم الأخلاق ومساوئ الأخلاق وغير ذلك. سمع الحسن بن عرفة، وعمر بن شبة وطبقتهما، توفي بفلسطين، في ربيع الأول، وقد قارب التسعين.

وفيها محدث الأندلس، الحافظ محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد الأموي مولاهم القرطبي. أكثر عن أبيه، وبقي بن مخلد، ورحل بآخره، فسمع من مطين، والنسائي وطبقتهما فأكثر، توفي في آخر العام.

وفيها مبرمان النحوي، مصنف شرح سيبويه؛ وما أتمه، وهو أبو بكر محمد بن علي العسكري، أخذ عن المبرد، وتصدر بالأهواز، وكان مهيبا، يأخذ من الطلبة، ويلح ويطلب حمال طبلية، فيحمل إلى داره من غير عجز، وربما انبسط وبال على الحمال، ويتنقل بالتمر، ويحذف بنواه الناس.

سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

فيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدمستق لعنه الله وهزمه.

وفيها عزل البريدي من الوزارة بسليمان بن مخلد بإشارة بجكم.

وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام، فالتقاه الإخشيد محمد ابن طغج فانكسر ابن رائق ووصل إلى دمشق في سبعين فارسا، ثم التقى أبا نصر بن طغج فانهزم أبو نصر، وأسر كبار أمرائه، ثم قتل أبو نصر في المصاف.

وفيها توفي الوزير أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب أبو العباس الخصيبي، وقد وزر غير مرة بالعراق.

وفيها الوزير أبو علي محمد بن علي بن حسن بن مقلة الكاتب، صاحب الخط المنسوب، وقد وزر للخلفاء غير مرة، ثم قطعت يده ولسانه، وسجن حتى هلك، وله ستون سنة.

وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني ببغداد، وله ثلاث وتسعون سنة. وكان ثقة صالحا بكاء. روى عن أحمد بن المقدام العجلي، وجماعة.

وفيها محدث دمشق، أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي. سمع موسى بن عامر، ومحمد بن هاشم البعلبكي وطائفة. قال الخطيب: كان مليا بحديث الوليد بن مسلم.

وفيها أبو عمرو أحمد بن محمد بن عبد ربه الأموي مولاهم الأندلسي، الأديب الأخباري العلامة، مصنف العقد، وله اثنتان وثمانون سنة. وشعره في الذروة العليا. سمع من بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح.

وفيها العلامة أبو سعيد الاصطخري، الحسن بن أحمد بن يزيد، شيخ الشافعية بالعراق. روى عن سعدان بن نصر وطبقته، وصنف التصانيف، وعاش نيفا وثمانين سنة. وكان موصوفا بالزهد والقناعة، وله وجه في المذهب.

وفيها الحسين بن محمد، أبو عبد الله بن المطبقي، بغدادي ثقة. روى عن محمد بن منصور الطوسي وطائفة.

وفيها أبو محمد بن الشرقي، عبد الله بن محمد بن الحسن، أخو الحافظ أبي حامد، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع عبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن هاشم وخلقا. قال الحاكم: رأيته وكان أوحد وقته في معرفة الطب، لم يدع الشراب إلى أن مات فضعف بذلك.

وفيها قاضي القضاة ببغداد، أبو الحسين عمر ابن قاضي القضاة أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي، وكان بارعا في مذهب مالك، عارفا بالحديث، صنف مسندا متقنا، وسمع من جده ولم يتكهل، وكان من أذكياء الفقهاء.

وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت ابن شنبوذ المقرئ، أحمد أئمة الأداء، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي الصغير، وإسماعيل بن عبد الله النحاس وطائفة كثيرة. وعني بالقراءات أتم عناية، وروى الحديث عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ومحمد بن الحسين الحنيني، وتصدر ببغداد، وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مر، وكان مجتهدا فيما فعل، رحمه الله.

وفيها محدث الشام، أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس النميري مولاهم الدمشقي، في جمادى الأولى. روى عن موسى بن عامر، وأبي إسحاق الجوزجاني وخلق، وهو من بيت حديث.

وفيها أبو علي الثقفي، محمد بن عبد الوهاب النيسابوري الفقيه الواعظ، أحد الأئمة، وله أربع وثمانون سنة. سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي، وأحمد بن ملاعب وطبقتهما. وكان له جنازة لم يعهد مثلها، وهو من ذرية الحجاج. قال أبو الوليد الفقيه: دخلت على ابن سريج، فسألني: على من درست الفقه؟ قلت: على أبي علي الثقفي، قال: لعلك تعني الحجاجي الأزرق، قلت: نعم. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه. وقال أبو بكر الضبعي: ما عرفنا الجدل والنظر، حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق. وذكره السلمي في طبقات الصوفية.

وفيها أبو بكر الأنباري، أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بشار النحوي اللغوي العلامة، صاحب المصنفات، وله سبع وخمسون سنة. سمع في صغره من الكديمي، وإسماعيل القاضي، وأخذ عن أبيه، وثعلب وطائفة. قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر، يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن. وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر بحرا، حدثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا. قال: وحدثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها وقيل إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة.

وفيها الأستاذ أبو الحسن المزين، شيخ الصوفية، صحب الجنيد، وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة.

وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري الزاهد، أحد مشايخ العراق، صحبه الجنيد وغيره، وكان يقال: إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي.

سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

في ربيع الأول استخلف المتقي لله، فاستوزر أبا الحسين أحمد بن محمد بن ميمون، فقدم أبو عبد الله البريدي من البصرة وطلب الوزارة، فأجابه المتقي وولاه، ومشى إلى بابه ابن ميمون، وكانت وزارة ابن ميمون شهرا، فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم، فخافهم وهرب بعد أيام، ووزر بعده أبو إسحاق محمد أحمد لقراريطي ثم عزل الكرخي، بعد ثلاثة وخمسين يوما فلم ير أقرب من مدة هؤلاء، وهزلت الوزارة وضؤلت، لضعف الدولة، وصغر الدائرة. وأما بجكم، فنزل واسطا، وقرر مع الخليفة، أنه يحمل إليه في العام ثمانمائة ألف دينار، وعدل وتصدق، وكان ذا أموال عظيمة، ونفس عصيبة، خرج يتصيد، فأساء إلى أكراد هناك، فاستفرد به عبد أسود، فطعنه برمح فقتله في رجب، وفر معظم جنده إلى البريدي، وأخذ المتقي من داره ببغداد، ما يزيد على ألفي ألف دينار، وقلد المتقي إمرة الجيش كورتكين الديلمي، وجرت أمور، ثم استدعى المتقي محمد بن رائق، فسار من دمشق، واستناب بها أميرا، ووصل إلى بغداد، وخطب ابن البريدي له بواسط والبصرة، فالتقى ابن رائق وكورتكين على بغداد غير مرة، ثم خذل كورتكين واختفى، وأسرت أمراؤه، وضربت أعناقهم، وتمكن ابن رائق.

وفيها توفي البريهاري، أبو محمد الحسن بن علي، الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق، قالا وحالا وحلالا، وكان له صيت عظيم، وحرمة تامة، أخذ عن المروزي، وصحب سهل بن عبد الله التستري، وصنف التصانيف، وكان المخالفون، يغلظون قلب الدولة عليه، فقبض على جماعة من أصحابه واستتر هو في سنة إحدى وعشرين، ثم تغيرت الدولة، وزادت حرمة البربهاري، ثم سعت المبتدعة به، فنودي بأمر الراضي بالله في بغداد، لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى إلى أن مات في رجب رحمه الله.

وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي البغدادي، وله بضع وسبعون سنة. سمع عباسا الدوري وطبقته، وولي قضاء مصر ثلاث

مرات، آخرها في ربيع الأول من هذا العام، فتوفي بعد شهر، ضعفه غير واحد في الحديث، وله عدة تصانيف.

وفيها الحامض، وهو المحدث أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي. روى عن سعدان بن نصر وطائفة.

وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي القارئ المطوعي. روى عن أبي داود السنجي، ومحمود بن آدم وطائفة. قال الدارقطني: ثقة حافظ.

وفيها أبو الفضل البلعمي، الوزير محمد بن عبيد الله، أحد رجال الدهر عقلا ورأيا وبلاغة. روى عن الإمام محمد بن نصر المروزي وغيره، وصنف كتاب تلقيح البلاغة وكتاب المقالات.

وفيها توفي الراضي بالله، أبو إسحاق محمد، وقيل أحمد، بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل على الله العباس، ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، من جارية رومية اسمها ظلوم، كان قصيرا، أسمر نحيفا، في وجهه طول، واستخلف سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وهو آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش وإلى خلافة المقتفي، وآخر خليفة خطب يوم الجمعة، إلى خلافة الحاكم العباسي، فإنه خطب أيضا مرتين، وآخر خليفة جالس الندماء، ولكنه كان مقهورا مع أمرائه، مرض في ربيع الأول بمرض دموي ومات، وكان سمحا كريما، محبا للعلماء والأدباء. سمع الحديث من البغوي، وتوفي في نصف ربيع الآخر، وله إحدى وثلاثون سنة ونصف.

وفيها يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول، أبو بكر التنوخي الأنباري الأزرق الكاتب، في آخر السنة ببغداد، وله نيف وتسعون سنة. روى عن جده، والحسن بن عرفة وطائفة.

سنة ثلاثين وثلاثمائة

فيها الغلاء المفرط والوباء ببغداد، وبلغ الكر مائتين وعشرة دنانير، وأكلوا الجيف.

وفيها وصلت الروم، فأغارت على أعمال حلب، وبدعوا وسبوا عشرة آلاف نسمة.

وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد البريدي في الجيوش، فالتقاه المتقي وابن رائق فكسرهما، ودخلت طائفة من الديلم دار الخلافة، فقتلوا جماعة، وهرب المتقي وابنه وابن رائق إلى الموصل، واختفي وزيره أبو إسحاق القراريطي، ووجدوا في الحبس كورتكين. وكان قد عثر عليه ابن رائق فسجنه، فأهلكه البريدي ووقع النهب في بغداد، واشتد القحط، حتى بلغ الكر، ثلاثمائة وستة عشر دينارا، وهذا شيء لم يعهد بالعراق، وألح أبو الحسين البريدي في المصادرة، ونزح الناس وهجوا، ثم عم البلاء بزيادة دجلة، فبلغت عشرين ذراعا، وغرق الخلق، ثم خامر توزون، وذهب إلى الموصل.

وأما ناصر الدولة بن حمدان، فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خيمته، فوضع رجله في الركاب، فشب به الفرس، فوقع فصاح ابن حمدان: لا يفوتنكم، فقتلوه، ثم دفن وعفي قبره، وجاء ابن حمدان إلى المتقي فقلده مكان ابن رائق، ولقبه ناصر الدولة، ولقب أخاه عليا، سيف الدولة، وعاد وهما معه، فهرب البريدي من بغداد، وكان مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوما، ثم تهيأ البريدي، وعاد فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن، ودام القتال يومين، فكانت الهزيمة أولا على بني حمدان والأتراك، ثم كانت على البريدي، وقتل جماعة من أمراء الديلم، وأسر آخرون، ورد إلى واسط بأسوأ حال، وساق وراءه سيف الدولة، ففر إلى البصرة.

وفيها توفي في رجب بمصر، أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي، له مصنفات في المذهب، وهو صاحب وجه. روى عن أحمد بن منصور الرمادي.

وفيها أبو حامد، أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري. روى عن الذهلي، والحسن الزعفراني وطبقتهما، بخراسان والعراق ومصر.

وفيها أبو يعقوب النهرجوري، شيخ الصوفية، إسحاق بن محمد، صحب الجنيد وغيره، وجاور مدة، وكان من كبار العارفين.

وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السلمي بدمشق. روى عن هشام بن عمار.

وفيها المحاملي، القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي، في ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة. وأول سماعه في سنة أربع وأربعين، من أبي هشام الرفاعي، وأقدم شيخ له، أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب مالك. قال أبو بكر الداوودي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل.

وفيها قاضي دمشق، أبو يحيى زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى خت البلخي الشافعي، وهو صاحب وجه. روى عن أبي حاتم الرازي وطائفة، ومن غرائب وجوهه: إذا شرط في القراض، أن يعمل مع رب المال العامل جاز.

وفيها عبد الغافر بن سلامة، أبو هاشم الحمصي بالبصرة، وله بضع وتسعون سنة. روى عن كثير بن عبيد وطائفة.

وفيها عبد الله بن يونس القبري الأندلسي، صاحب بقي بن نخلد، وكان كثير الحديث مقبولا.

وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حمزة البغدادي الزيات. روى عن الحسن بن عرفة وجماعة، وهو من كبار شيوخ ابن جميع.

وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد، أبو الحسن البغدادي البزار. روى عن عباس الدوري وطبقته، وعاش ثمانيا وسبعين سنة.

وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي، أبو عبد الله الحافظ، وله ثمان وسبعون سنة أيضا، رحل إلى العراق سنة أربع وسبعين، وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن الجهم السمري وطبقتهما، وألف كتابا على سنن أبي داود، وكان بصيرا بمذهب مالك.

وفيها محمد بن عمر بن حفص الجزرجيري بأصبهان. سمع إسحاق بن الفيض ومسعود بن يزيد القطان وطبقتهما.

وفيها محمد بن يوسف بن بشر أبو عبد الله الهروي الحافظ، من أعيان الشافعية والرحالين في الحديث. سمع الربيع بن سليمان، والعباس ابن الوليد البيروتي وطبقتهما، وعاش مائة سنة.

وفيها الزاهد العابد، أبو صالح المسجد المشهور بظاهر باب شرقي، ويقال اسمه مفلح. وكان من الصوفية العارفين.

سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة

فيها قلل ناصر الدولة بن حمدان، رواتب المتقي، وأخذ ضياعه، وصادر العمال، فكرهه الناس، وزوج بنته بابن المتقي، على مائتي ألف دينار، وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدولة، فهرب. وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل، فنهب داره، وأقبل توزون، فدخل بغداد،، فولاه المتقي إمرة الأمراء، فلم يلبث أن وقعت بينهما الوحشة، فرجع توزون إلى واسط، ونزح خلق من بغداد من تتابع الفتن والخوف، إلى الشام ومصر، وبعث المتقي خلعا إلى أحمد بن بويه، فسر بها.

وفيها توفي أبو روق الهزاني، أحمد بن محمد بن بكر، بالبصرة وقيل بعدها وله بضع وتسعون سنة.

وفيها بكر بن أحمد بن حفص التنيسي الشعراني. روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته بمصر والشام.

وفيها حبشون بن موسى، أبو نصر الخلال، ببغداد في شعبان، ووله ست وتسعون سنة. روى عن الحسن بن عرفة وعلي بن إشكاب.

وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي. سمع من بقي بن مخلد مسنده، وبمصر من أبي يزيد القراطيسي، وباليمن من إسحاق الدبري، وبمكة وبغداد. وكان فقيها مفتيا صالحا، عاش ثلاثا وثمانين سنة. قال ابن الفرضي: لم يكن بالضابط جدا.

وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السدوسي ببغداد في ربيع الآخر. سمع من جده مسند العشرة، ومسند العباس وهو ابن سبع سنين، وسمع من الرمادي وأناس، وثقه الخطيب.

وفيها أبو بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني الصوفي، أستاذ أبي بكر الرقي، وكان من العابدين، وله بزة حسنة، ومعه مفتاح منقوش، يصلي ويضعه بين يديه، كأنه تاجر، وليس له بيت، بل ينطرح في المسجد، ويطوي أياما.

وفيها الزاهد أبو محمود عبد الله بن محمد بن منازل النيسابوري المجرد على الصحة والحقيقة، صحب حمدون القصار، وحدث بالمسند الصحيح عن أحمد بن سلمة النيسابوري، وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة.

وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدينوري الصائغ الزاهد، أحد المشايخ الكبار، بمصر في رجب، وما أحلى كلامه: من أيقن أنه كغيره، فما له أن يبخل بنفسه. وكان صاحب أحوال ومواعظ.

وفيها محمد بن مخلد العطار، أبو عبد الله الدوري الحافظ، ببغداد. سمع يعقوب الدورقي، وأحمد بن إسماعيل السهمي وخلائق، وكان ذا صدق وصلاح، وله تصانيف، توفي في جمادى الآخرة، وله سبع وتسعون سنة.

وفيها صاحب ما وراء النهر أبو الحسن الملك نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني، في المملكة بعد أبيه وثلاثين يوما بعد أبيه وولي بعده ابنه نوح.

وفيها هناد بن السري بن يحيى الكوفي الصغير. روى عن أبي سعيد الأشج وجماعة.

وفيها الجصاص، أبو يوسف يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدعاء روى عن أحمد بن إسماعيل السهمي، وعلي بن إشكاب وجماعة، وله أوهام وغلطات.

سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة

فيها كاتب المتقي بني حمدان، ليحكم توزون على بغداد، فقدم الحسين بن سعيد بن حمدان، في جيش كثف، فخرج المتقي وآله ووزيره، وساروا إلى تكريت، ظنا منهم أن سيف الدولة يوافيه بتكريت فيردون، ثم قدم سيف الدولة على المتقي، وأشار بأن يصعد إلى الموصل، فتألم المتقي وقال: ما على هذا عاهدتموني فقلل أصحابه وبقي في طائفة، وجاء توزون فاستعد للحرب ببغداد، فجمع ناصر الدولة جيشي الأعراب والأكراد، وسار إلى تكريت، ثم وقع القتال أياما، فانهزم الخليفة والحمدانية إلى الموصل، ثم عملوا مصافا آخر على حربه، فانهزم سيف الدولة، فتبعه توزون، فانهزم بنو حمدان والمتقي لله، إلى نصيبين، واستولى توزون على الموصل، وأخذ من أهلها مائة ألف دينار مصادرة، فراسل الخليفة توزون في الصلح، واعتذر بأنه ما خرج عن بغداد، إلا لما قيل إنك اتفقت أنت والبريدي علي، والآن فقد آثرت رضاي، فصالح ابني حمدان، وأنا أرجع إلى داري، فأجاب إلى الصلح، لأن أحمد بن بويه، وصل إلى واسط، يريد بغداد، فجاء شيء لم يكن في حساب الفريقين، وكاتب المتقي الإخشيد ليقدم، فجاء إليه من مصر، فاجتمع به بالرقة، وبان للمتقي من الحمدانية الملل والضجر، فراسل توزون، فقال له الإخشيد: يا أمير المؤمنين، أنا عبدك، وقد عرفت غدر الأتراك وفجورهم، فسر معي إلى الشام ومصر، فهي لك، وتأمن على نفسك، فلم يقبل. فقال: فأقم ها هنا وأمدك بالأموال والرجال، فأبى. فرد الإخشيد إلى الشام.

وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن بويه، ونسبه إلى الظلم. ولم يحج الركب، لموت القرمطي الطاغية، أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي، في رمضان بهجر، من جدري أهلكه، فلا رحم الله فيه مغرز إبرة، وقام بعده أبو القاسم الجنابي.

وفيها توفي أحمد بن عمرو بن جابر الحافظ، أبو بكر الطحان بالرملة. روى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته، وسمع بالشام والجزيرة والعراق.

وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكم، أبو المديني الأصبهاني رحل إلى الشام والعراق والري، وروى عن ابن دارة، ويحيى بن أبي طالب، وكان جيد المعرفة بالحديث والعربية.

والحافظ ابن عقدة، أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الشيعي، أحد أركان الحديث. سمع الحسن بن علي بن عفان، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما، ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد، لكنه كان آية من الآيات في الحفظ. حتى قال الدارقطني: أجمع أهل بغداد أنه لم ير بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه، وقد سمعته يقول: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف حديث، من حديث أهل البيت وبني هاشم. وروي عن ابن عقدة قال: أحفظ مائة ألف حديث بإسنادها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث. وقال أبو سعيد الماليني: تحول ابن عقدة مرة، فكانت كتبه ستمائة حمل جمل. قلت: ضعفوه، واتهمه بعضهم بالكذب، وقال أبو عمر بن حيويه: كان يملي مثالب الصحابة فتركته.

وفيها محمد بن بشير، أبو بكر الزبيري العكبري. روى عن بحر بن نصر الخولاني وجماعة، وعاش أربعا وثمانين سنة.

وفيها محمد بن الحسين، أبو بكر القطان النيسابوري، في شوال. روى عن عبد الرحمن بن بشير، وأحمد بن يوسف السلمي والكبار.

وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة، أبو علي الدمشقي المحدث. روى عن أبي أمية الطرسوسي وطبقته، وقع لنا جزء من حديثه.

وفيها الإمام ابن ولاد النحوي، وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري، مصنف كتاب الانتصار لسيبويه على المبرد. وكان شيخ الديار المصرية في العربية، مع أبي جعفر النحاس.

سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة

حلف توزون أيمانا صعبة للمتقي بالله فسار من الرقة واثقا بإيمانه في المحرم، فلما قرب من الأنبار، جاء توزون، وتلقاه وقبل الأرض، وأنزله في مخيم ضرب له، ثم قبض على الوزير أبي الحسين بن أبي علي بن مقلة، وكحل المتقي بالله، فصاح المسكين فصرخ النساء، فأمر توزون يضرب بالدبادب حول المخيم، وأدخل بغداد مسمولا مخلوعا، وبويع عبد الله بن المكتفي، ولقب بالمستكفي بالله فلم يحل الحول على توزون، واستولى أحمد بن بويه على واسط والبصرة والأهواز، فسار توزون لحربه، فدام القتال والمنازلة بينهما أشهرا، وابن بويه في استظهار، ومرض توزون بعلة الصرع، واشتد الغلاء على ابن بويه، فرد إلى الأهواز، ورد توزون إلى بغداد، وقد زاد به الصرع.

وفيها تملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها، وهرب متوليها يانس المؤنس إلى مصر، فجهز الإخشيذ جيشا، فالتقاهم سيف الدولة على الرستن فهزمهم وأسر منهم ألف نفس، وافتتح الرستن، ثم سار إلى دمشق فملكها. فسار الإخشيذ ونزل على طبرية، فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الإخشيذ، فرد سيف الدولة وجمع وحشد، فقصده الإخشيد، فالتقاه بقنسرين وهزمه، ودخل حلب وهرب سيف الدولة.

وأما بغداد، فكان بها قحط لم ير مثله، وهرب الخلق، فكان النساء يخرجن عشرين وعشرا، يمسك بعضهن ببعض، ويصحن: الجوع الجوع، ثم تسقط الواحدة بعد الواحدة ميتة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي شوال، مات أبو عبد الله البريدي، وقام أخوه أبو الحسين مقامه، فأساء إلى الترك والديلم، فهموا به، وقدموا به، عليهم أبا القاسم، ولد أبي عبد الله، فهرب عمدا أبو الحسين ماشيا، فأتى هجر، واستجار بالقرامطة، فبعثوا معه جيشا، فنازل البصرة مدة، ثم اصطلحوا، فمضى أبو الحسين إلى بغداد.

وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحان بالرملة، ورحل إلى الشام والجزيرة والعراق، وروى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته.

وفيها أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني الأصبهاني، رحل إلى الشام والعراق، والري. روى عن يحيى بن أبي طالب وأبو عمرو بن حكم وأبي حاتم وطبقتهما.

وفيها أبو علي اللؤلؤي، محمد بن أحمد بن عمرو البصري، راوية السنن عن أبي داود، لزم أبا داود مدة طويلة، يقرأ السنن للناس.

سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة

فيها دثرت بغداد، وتداعت لخراب من شدة القحط والفتن والجور، فإن توزون، أتابك الجيوش، هلك بعلة الصرع في المحرم، بهيت، ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة، وحلف العساكر لنفسه، وجاء فنزل بظاهر بغداد، وخرجت إلى عنده الأتراك والديلم، فبعث إليه المستكفي بالله بالخلع، ولم يكن معه مال، فشرع في مصادرة التجار والدواوين.

وفيها اصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره، وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية، وقصد معز الدولة أحمد بن بويه بغداد، فاختفى الخليفة وابن شيرزاد، وضعفا عنه، فتسللت الأتراك إلى الموصل، وأقامت الديلم ببغداد، ونزل معز الدولة بباب الشماسية، وقدم له الخليفة التقاديم والتحف، ثم دخل في جمادي الأولى، إلى خدمة الخليفة وبايعه، فلقبه يومئذ معز الدولة، ولقب إخوته عليا: عماد الدولة، والحسن: ركن الدولة، وضربت لهم السكة، وظهر ابن شيرازاد وأتى إلى خدمة معز الدولة، وخضع له، واستوتقت المملكة لمعز الدولة، فلما تمكن كحل المستكفي بالله وخلعه من الخلافة، لأن علم القهرمانة، كانت تأمر وتنهى، وعملت دعوة عظيمة، حضرها خرشيذ، مقدم الديلم، وعدة أمراء، فخاف معز الدولة من غائلتها، وأيضا فإن بعض الشيعة كان يثير الفتن، فآذاه الخليفة، وكان معز الدولة يتشيع، فلما كان في شهر جمادي الآخرة، دخل الأمراء إلى الخدمة، ودخل معز الدولة، فتقدم اثنان فطلبا من المستكفي رزقهما، فمد لها يده ليقبلاها، فجذباه إلى الأرض وسحباه، فوقعت الضجة، ونهبت دور الخلافة، وقبضوا على علم، وعلى خواص الخليفة، وساقوا الخليفة ماشيا إلى دار معز الدولة وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر وصار ثلاثة خلفاء مسمولين، وهو والذي قبله والقاهر، ثم أحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله فبايعه ولقبه المطيع لله، وله يومئذ أربع وثلاثون سنة. وقرر له معز الدولة كل يوم، مائة دينار للنفقة، وانحط دست الخلافة إلى هذه المنزلة، وإيش هي المائة دينار؟ وما هي إلا بقيمة عشرة دنانير في الرخاء، فإن في شعبان، أكلوا ببغداد الميتات والآدميين، ومات الناس على الطرق، وبيع العقار بالرغفان. واشترى المطيع كر دقيق بعشرة الآن ألف درهم، وجيش ناصر الدولة ابن حمدان، وجاء فنزل بسامرا، فالتقى هو ومعز الدولة، فانكسر معز الدولة، ودخل ناصر الدولة بغداد، وملك الجانب الشرقي، ونزل معز الدولة، ومعه المطيع تبعا له، ثم تخاذل عسكر ناصر الدولة، فانهزم. ودخل معز الدولة إلى الجانب الشرقي، ووقع النهب والحريق فيه، ووضعت الديلم السيف في الناس، وسبوا الحريم.

وفيها توفي قاضي القضاة، أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء مصر، ثم قضاء بغداد، في سنة ثلاثين، وكان قليل العلم إلى الغاية، إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول، فتعجب الناس من ولايته، لكنه ظهرت منه صرامة وعفة وكفاءة.

وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي الدمشقي، في جمادى الأولى، وله بضع وتسعون سنة. تفرد بالرواية عن جماعة، وحدث عن موسى بن عامر المري، ومحمد بن إسماعيل بن علية وطبقتهما.

وفيها الصنوبري الشاعر، أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن الضبي الحلبي، وشعره في الذروة العليا.

وفيها الحسين بن يحيى بن عياش، أبو عبد الله المتوثي القطان، في جمادي الآخرة ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة، وآخر من حدث عنه، هلال الحفار.

وفيها عثمان بن محمد، أبو الحسين الذهبي البغدادي بحلب. روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وطبقته.

وفيها علي بن إسحاق المادرائي أبو الحسن، محدث البصرة. روى عن علي بن حرب وطائفة.

وفيها الوزير العادل، أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب، وزر مرات للمقتدر، ثم للقاهر. وكان محدثا عالما دينا حيرا، كبير الشأن، عالي الإسناد. روى عن أحمد بن بديل، والحسن الزعفراني وطائفة، وعاش تسعين سنة. وكان في الوزراء، كعمر بن بن عبد العزيز في الخلفاء. قال أحمد بن كامل القاضي: سمعت الوزير علي بن عيسى يقول: كسبت سبعمائة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البر ستمائة ألف، وثمانين ألف دينار. آخر من روى عنه، ابنه عيسى في أماليه.

وفيها الإمام أبو القاسم الخرقي، عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي، صاحب المختصر في الفقه بدمشق، ودفن بباب الصغير.

وفيها الحافظ أبو علي القشيري، محمد سعيد الحراني، نزيل الرقة ومؤرخها. روى عن سليمان بن سيف الحراني وطبقته، وتوفي في هذا العام أو فيما بعده.

وفيها الإخشيذ، أبو بكر محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني، صاحب مصر والشام، ولي ديار مصر سنة إحدى وعشرين، ثم أضيف إليه دمشق وغيرها في سنة ثلاث وعشرين.

والإخشيذ بالتركي: ملك الملوك؛ وطغج عبد الرحمن، وهو من أولاد ملوك فرغانة، وكان جده جف، من الترك الذين حملوا إلى المعتصم، فأكرمه وقربه ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل، فاتصل طغج بابن طولون، وصار من كبار أمرائه، وكان الإخشيذ، شجاعا حازما يقظا شديد البطش، لا يكاد أحد يجر قوسه، توفي بدمشق في ذي الحجة، وله ست وستون سنة. ودفنوه ببيت المقدس. وكان له ثمانية آلاف مملوك.

وفيها القائم بأمر الله أبو القاسم نزار بن المهدي عبيد الله، الدعي الباطني، صاحب المغرب، وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها، فما قدر له، وجرت له أمور يطول شرحها، ومات بالمهدية في شوال، وهو تحت حصار مخلد بن كيداد البربري له، وكان مولده بسلمية في حدود الثمانين ومائتين، وقام بعده ابنه المنصور إسماعيل.

وفيها الشبلي أبو بكر الزاهد، صاحب الأحوال والتصوف، قرأ في أول أمره الفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك وصحب الجنيد، وكان أبوه من حجاب الدولة، ورد أنه سئل: إذا اشتبه على المرأة دم الحيض، بدم الاستحاضة، كيف تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر جوابا للعلماء.

سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة

فيها ملك سيف الدولة دمشق، بعد موت الاخشيذ فجاءته جيوش مصر، فدفعته إلى الرقة بعد حروب وأمور، واصطلح معز الدولة بن بويه وناصر الدولة بن حمدان.

وفيها توفي أبو العباس بن القاص أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي، وله مصنفات مشهورة تفقه على ابن سريج.

وفيها المطيري المحدث أبو بكر محمد بن جعفر الصيرفي ببغداد، وكان ثقة مأمونا. روى عن الحسن بن عرفة وطائفة.

وفيها الصولي أبو بكر محمد بن يحيى البغدادي الأديب الأخباري العلامة، صاحب التصانيف، أخذ الأدب عن المبرد وثعلب، وروى عن أبي دود السجستاني وطائفة، ونادم غير واحد من الخلفاء، وجده الأعلى هو صول، ملك جرجان.

وفيها الهيثم بن كليب، الحافظ أبو سعيد الشاشي، صاحب المسند، ومحدث ما وراء النهر. روى عن عيسى بن أحمد البلخي، وهو ثقة.

سنة ست وثلاثين وثلاثمائة

فيها سار المطيع ومعز الدولة إلى البصرة، لمحاربة أبي القاسم بن أبي عبد الله البريدي فتفرق جمعه وهرب إلى القرامطة، ودخل معز الدولة البصرة، وأقطع المطيع منها ضياعا.

وفيها ظفر المنصور العبيدي، بمخلد بن كيداد، وقتل قواده، ومزق جيشه.

وفيها توفي الحافظ أبو الحسين بن المنادي، وهو أحمد بن جعفر، بن الشيخ أبي جعفر محمد بن أبي داود عبيد الله البغدادي، وله ثمانون سنة. صنف وجمع، وسمع من جده، وخلق كثير.

وفيها حاجب بن أحمد بن يرحم أبو محمد الطوسي، وهو معمر ضعيف الحديث، زعم أنه ابن مائة وثمان سنين. وحدث عن محمد بن رافع والذهلي والكبار.

وفيها أبو العباس الأثرم، محمد بن أحمد ب أحمد بن حماد المقرئ البغدادي، وله ست وتسعون سنة. روى عن الحسن بن عرفة وعمر بن شبة والكبار. وتوفي بالبصرة.

والحكيمي محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ببغداد، في ذي الحجة. روى عن زكريا بن يحيى المروزي وطبقته.

والميداني أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل النيسابوري، في رجب فجأة، وكان عنده جزء من الذهلي، وهو الذي تفرد به سبط السلفي.

وفيها أبو طاهر المحمد أباذي محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري، أحد أئمة اللسان. روى عن أحمد بن يوسف السلمي وطائفة، وببغداد عن عباس الدوري وذويه، وكان إمام الأئمة ابن خزيمة إذا شك في لغة سأله.

سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة

فيها كان الغرق ببغداد، وبلغت الدجلة، أحدا وعشرين ذراعا، وهلك خلق تحت الهدم.

وفيها قوي معز الدولة، على صاحب الموصل ابن حمدان وقصده، ففر ابن حمدان إلى نصيبين، ثم صالحه على حمل ثمانية آلاف ألف في السنة.

وفيها خرجت الروم لعنهم الله، وهزموا سيف الدولة على مرعش وملكوا مرعش.

وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني، إبراهيم بن شيبان شيخ الصوفية ببلاد الجبل، صحب إبراهيم الخواص، وساح بالشام، ومن قوله: علم الفناء والبقاء، يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية، وما كان غير هذا، فهو من المغاليط والزندقة.

وفيها محمد بن علي بن عمر، أبو علي النيسابوري المذكر، أحد الضعفاء. سمع من أحمد بن الأزهر وأقرانه، ولو اقتصر عليهم لكان منه خير، ولكنه شره وحدث عن محمد بن رافع والكبار. فترك.

سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

فيها ولي قضاء القضاة، أبو السائب عتبة بن عبد الله، ولم يحج ركب العراق.

وفيها توفي المستكفي بالله أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله علي، بن المعتضد بالله بن الموفق أحمد العباسي، الذي استخلف وسمل في سنة أربع وثلاثين كما ذكر وحبس حتى مات بنفث الدم، وله ست وأربعون سنة. وكان أبيض جميلا، ربعة أكحل أقنى خفيف العارضين، وأمه أمة.

وفيها أحمد بن سليمان بن زبان، أبو بكر الكندي الدمشقي الضرير، ذكر أنه ولد سنة خمس وعشرين ومائتين، وأنه قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني، وأنه سمع من هشام بن عمار، وابن أبي الحواري. روى عنه تمام الرازي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، ثم تركا الرواية عنه، لما تبين أمره. قال الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي. كان غير ثقة. وقال عبد العزيز الكتاني: كان يعرف بابن زبان العابد، لزهده وورعه.

وفيها أبو جعفر النحاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي، وكان ينظر بابن الأنباري ونفطويه ببلده، له تصانيف كثيرة، وكان مقترا على نفسه في لباسه وطعامه، توفي في ذي الحجة.

وفيها إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي المقرئ، مقرئ أهل الشام في زمانه. قرأ على قنبل، وهارون الأخفش، وعثمان بن خرزاذ، وصنف كتابا في القراءات الثمان، وروى الحديث عن أبي أمية الطرسوسي وطائفة، وقيل توفي في السنة الآتية.

وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري القاضي، نزيل دمشق ونائب الحكم بها، وصاحب الجزء المشهور. روى عن الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر وطائفة من العراقيين والشاميين والمصريين، وثقة الخطيب، وتوفي في ربيع الآخر.

وفيها أبو علي الحضائري، الحسن بن حبيب الدمشقي الفقيه الشافعي. روى عن الربيع بن سليمان، وابن عبد الحكم، وحدث بكتاب الأم للشافعي. قال الكتاني: هو ثقة، أنبل حافظ لمذهب الشافعي، مات في ذي القعدة.

وفيها عماد الدولة، أبو الحسن علي بن بويه بن فناخسرو الديلمي، صاحب بلاد فارس، وهو أول من ملك من أخوته، وكان الملك معز الدولة أحمد أخوه، يتأدب معه، ويقدمه على نفسه، عاش بضعا وخمسين سنة. وكانت أيامه ست عشرة سنة. وملك فارس، بعد ابن أخيه عضد الدولة، ابن ركن الدولة.

وفيها علي بن محمد، البصري أبو الحسن الواعظ، هو بغدادي أقام بمصر مدة. روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح، وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما. وكان صاحب حديث، له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد، وكان مقدم زمانه في الوعظ، مات في ذي القعدة.

وفيها علي بن حمشاذ، أبو الحسن النيسابوري الحافظ، أحد الأئمة. سمع الفضل بن محمد الشعراني، وإبراهيم بن ديزيل وطبقتهما، ورحل وطوف وصنف، وله مسند كبير، في أربعمائة جزء، وأحكام في مائتين وستين جزءا، وتفسير في مائتي جزء، توفي فجأة في الحمام، وله ثمانون سنة. قال أحمد بن إسحاق الضبعي: صحبت علي بن حمشاذ في الحضر والسفر، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة.

وفيها محمد بن عبد الله بن دينار، أبو عبد الله النيسابوري، الفقيه الرجل الصالح. سمع السري رحمه الله بن خزيمة واقرانه. قال الحاكم: كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويصبر عل الفقر، ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه.

سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم، في ثلاثين ألفا، فافتتح حصونا، وسبى وغنم، فأخذت الروم عليه الدروب، فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا، ونجا هو في عدد قليل، ووصل من سلم بأسوأ حال.

وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه، وكان الأمير بجكم قد دفع لهم فيه خمسين ألف دينار فأبوا.

وفيها توفي الحافظ أبو محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري. روى عن محمد بن أيوب بن الضريس وطبقته. قال الحاكم: كان واحد عصره في الحفظ والوعظ، خرج صحيحا على وضع مسلم.

وفيها حفص بن عمر الأردبيلي، أبو القاسم الحافظ، محدث أذربيجان، وصاحب التصانيف. روى عن أبي حاتم الرازي، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما.

وفيها قاضي الإسكندرية، علي بن عبد الله بن أبي مطر المعافري الإسكندراني، الفقيه أبو الحسن المالكي، وله مائة سنة. روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد بن مسلم وغيره.

وفيها القاضي ابن الأشناني، أبو الحسين عمر بن الحسن ببغداد. روى عن محمد بن عيسى بن حبان المدائني وابن أبي الدنيا، وعدة، ضعفه الدارقطني.

وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد ابن بطة الأصبهاني الصفار. روى عن أسيد بن عاصم وابن أبي الدنيا وطبقتهما. وصنف في الزهد وغيره، وصحب العباد، وكان من أكثر الحفاظ حديثا. قال الحاكم: هو محدث عصره ومجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيفا وأربعين سنة توفي في ذي القعدة، وله ثمان وتسعون سنة. رحمه الله.

وفيها القاهر بالله أبو منصور محمد، بن المعتضد بالله أحمد، بن طلحة بن جعفر العباسي، سلمت عيناه، وخلع في سنة اثنتين وعشرين، وكانت خلافته، سنة وسبعة أشهر، وكان ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف، ظالما فاتكا، سيئ السيرة، وكان تارة بعد الكحل يحبس، وتارة يترك، فوقف يوما بجامع المنصور بين الصفوف، وعليه مبطنة بيضاء، وقال: تصدقوا علي، فأنا من قد عرفتم، فقام أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي، فأعطاه خمسمائة درهم، ثم منع لذلك من الخروج، فقيل إنه أراد أن يشنع بذلك على المستكفي بالله ولعله فعل ذلك يف أيام القحط، توفي في جمادى الأولى، وله ثلاث وخمسون سنة.

وفيها محدث بغداد، أبو جعفر محمد بن عمرو ابن البختري الرزاز، وله ثمان وثمانون سنة. روى عن سعدان بن نصر ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وطائفة.

وفيها أبو نصر الفارابي، صاحب الفلسفة، محمد بن محمد طرخان التركي، ذو المصنفات المشهورة في الموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله، وكان مفرط الذكاء، قدم دمشق ورتب له سيف الدولة كل يوم، أربعة دراهم إلى أن مات، وله نحو من ثمانين سنة.

سنة أربعين وثلاثمائة

سار الوزير أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي بالجيوش وقد استوزر عام أول، فالتقى القرامطة فهزمهم، واستباح عسكرهم، وعاد بالأسارى.

وفيها جمع سيف الدولة جيشا عظيما، ووغل في بلاد الروم، فغنم وسبى شيئا كثيرا، وعاد سالما، وأمن الوقت، وذلت القرامطة، وحج الركب.

وفيها توفي ابن الأعرابي المحدث الصوفي القدوة، أبو سعيد أحمد ابن محمد بن زياد بن بشر البصري، نزيل مكة، في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة. روى عن الحسن الزعفراني، وسعدان بن نصر، وخلق كثير، وجمع وصنف، ورحلوا إليه.

وفيها أبو إسحاق المروزي، إبراهيم بن أحمد، شيخ الشافعية وصاحب ابن سريج، وذو التصانيف، انتهت إليه رئاسة المذهب ببغداد وانتقل في آخر عمره إلى مصر، فمات يف رجب، ودفن عند ضريح الشافعي.

وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي الأديب، ثقة رحال مكثر، أقام على أبي حاتم مدة، وجاور لأجل أبي يحيى بن أبي مسرة.

وفيها أبو علي الحسين بن صفوان البردعي صاحب أبي بكر بن أبي الدنيا، ببغداد، في شعبان.

وفيها العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث البخاري الفقيه، شيخ الحنفية بما وراء النهر، ويعرف بعبد الله الأستاذ، وكان محدثا جوالا، رأسا في الفقه، صنف التصانيف، وعمر اثنتين وثمانين سنة. وروى عن عبد الصمد بن الفضل وعبد الله بن واصل وطبقتهما. قال أبو زرعة أحمد بن الحسين الحافظ: هو ضعيف. وقال الحاكم: هو صاحب عجائب، وأفراد عن الثقات.

وفيها أبو القاسم الزجاجي عبد الرحمن بن إسحاق النهاوندي النحوي، صاحب التصانيف، أخذ عن أبي إسحاق الزجاج، وابن دريد وعلي ابن سليمان الأخفش وقد انتفع بكتابة الجمل، خلق لا يحصون، فقيل إنه جاور مدة بمكة وصنفه فيها. وكان إذا فرغ الباب، طاف أسبوعا، ودعا بالمغفرة، اشتغل ببغداد، ثم بحلب وبدمشق، ومات بطبرية في رمضان.

وفيها قاسم بن أصبغ، الحافظ الإمام محدث الأندلس، أبو محمد القرطبي، مولى بني أمية ويقال له البياني -وبيانة محلة بقرطبة- انتهى إليه التقدم في الحديث، معرفة وعلوا. سمع بقي بن مخلد وأقرانه، ورحل سنة أربع وسبعين ومائتين، فسمع محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة، وأبا بكر بن أبي الدنيا، وأبا محمد بن قتيبة، ومحمد بن الجهم وطبقتهم ببغداد، وإبراهيم القصار بالكوفة. وصنف كتابا على وضع سنن أبي داود، لكونه فاته لقيه، وكان إماما في العربية، مشاورا في الأحكام، عاش ثلاثا وتسعين سنة. وتغير ذهنه يسيرا قبل موته بثلاثة أعوام، ومات في جمادى الأولى.

وفيها أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي، قدم بغداد، وحدث بها عن جده، وعن جد أبيه، وثقه أبو حازم العبدوي، ومات في رمضان.

وفيها أبو الحسن الكرخي، شيخ الحنفية بالعراق، واسمه عبيد الله بن حسين بن دلال. روى عن إسماعيل القاضي وغيره، وعاش ثمانين سنة. انتهت إليه رئاسة المذهب، وخرج له أصحاب أئمة، وكان قانعا متعففا عابدا صواما كبير القدر رحمه الله.

سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة

فيها اطلع الوزير المهلبي، على جماعة من التناسخية، فيهم رجل يزعم أن روح علي بن أبي طالب رضي الله عنه انتقلت إليه، وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها، وآخر يدعي أنه جبريل، فضربهم فتعزوا بالانتماء إلى أهل البيت، وكان ابن بويه شيعيا، فأمر بإطلاقهم.

وفيها أخذت الروم مدينة سروج فاستباحوها.

وفيها توفي أبو الطاهر المديني، أحمد بن محمد بن عمرو الحامي، محدث مصر، في ذي الحجة، روى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة.

وفيها أبو علي الصفار إسماعيل بن محمد البغدادي النحوي الأديب، صاحب المبرد. سمع الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر وطائفة، وتوفي في المحرم، وله أربع وتسعون سنة.

وفيها المنصور أبو الطاهر، إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني صاحب المغرب، حارب مخلد بن كيداد الإباضي، الذي كان قد قمع بني عبيد، واستولى على ممالكهم، فأسره المنصور، فسلخه بعد موته، وحشا جلده، وكان فصيحا مفوها، بطلا شجاعا، كان يرتجل الخطب، مات في شوال، وله تسع وثلاثون سنة. وكانت دولته سبعة أعوام.

وفيها محمد بن أيوب بن الصموت الرقي، نزيل مصر. روى عن هلال ابن العلاء وطائفة.

وفيها محمد بن حميد أبو الطيب الحوراني. روى عن عباد بن الوليد، وأحمد بن منصور الرمادي، ومات في عشر المائة.

وفيها محمد بن النضر، أبو الحسن بن الأخرم الربعي، قارئ أهل دمشق، قرأ على هارون الأخفش وغيره، وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق، لإتقانه ومعرفته.

سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

فيها رجع سيف الدولة من الروم مظفرا منصورا، قد أسر قسطنطين بن الدمستق، وكان بديع الحسن، فبقي عنده مكرما حتى مات

وفيها سار ابن محتاج صاحب خراسان إلى الري، وجرت بينه وبين ركن الدولة بن بويه حروب، ثم عاد إلى خراسان.

وفيها توفي العلامة أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الضبعي، شيخ الشافعية بنيسابور. سمع بخراسان والعراق والحجاز والجبال، فأكثر. وبرع في الحديث، وحدث عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وأفتى نيفا وخمسين سنة. وصنف الكتف الكبار في الفقه والحديث. قال محمد بن حمدون، صحبته عدة سنين، فما رأيته ترك قيام الليل. قال الحاكم، وكان الضبعي، يضرب بعقله المثل وبرأيه، وما رأيت في جميع مشايخنا، أحسن صلاة منه، وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه.

وفيها أحمد بن عبيد الله، أبو جعفر الأسدي الهمذاني الحافظ. روى عن ابن ديزيل، وإبراهيم الحربي.

وفيها إبراهيم بن المولد، وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد الرقي، الزاهد الواعظ شيخ الصوفية، أخذ عن الجنيد وجماعة، وحدث عن عبد الله ابن جابر المصيصي.

وفيها الحسن بن يعقوب، أبو الفضل البخاري العدل، بنيسابور. روى عن أبي حاتم الرازي وطبقته، ورحل وأكثر.

وفيها أبو محمد عبد الله بن عمر بن شوذب، أبو محمد الواسطي المقرئ، محدث واسط، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن شعيب الصريفيني، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وكان من أعيان القراء.

وفيها عبد الرحمن بن حمدان، أبو محمد الهمذاني الجلاب، أحد أئمة السنة بهمذان، رحل وطوف وعني بالأثر، وروى عن أبي حاتم الرازي، وهلال بن العلاء، وخلق كثير.

وفيها أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي القاضي، ولد بأنطاكية، سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقدم بغداد، فتفقه لأبي حنيفة، وسمع في حدود الثلاثمائة، وولي قضاء الأهواز، وكان من أذكياء العالم، راوية للأشعار. وعارفا بالكلام والنجوم، له ديوان شعر، ويقال إنه حفظ ستمائة بيت في يوم وليلة.

وفيها الإمام أبو العباس القاسم بن القاسم بن مهدي المروزي السياري، الزاهد المحدث، شيخ أهل مرو. ومن كلامه: الخطرة للأنبياء والوسوسة للأولياء، والفكرة للعوام، والعزم للفتيان. وكان أحمد بن سيار الحافظ، جد هذا الإمام.

وفيها أبو الحسين الأسواري، محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني وأسوار من قرى أصبهان سمع إبراهيم بن عبد الله القصار، وأبا حاتم ورحل وجمع.

وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري، شيخ الصوفية والمحدثين ببلده، طوف وكتب بهراة ومرو، والري، وجرجان، والعراق، والحجاز، ومصر والشام والجزيرة. وصنف الشيوخ والأبواب والزهديات، توفي في ربيع الأول. سمع من محمد بن أيوب بن الضريس وطبقته.

سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة

فيها وقعة الحدث، وهو مصاف عظيم، جري بين سيف الدولة والدمستق، وكان الدمستق لعنه الله، قد جمع خلائق من الترك والروس والبلغار والخزر، فهزمه الله بحوله وقوته، وقتل معظم بطارقته، وأسر صهره وعدة بطارقة، وقتل منهم خلق لا يحصون، واستباح المسلمون ذلك الجمع، واستغنى خلق.

وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدرة، أبو الحسن الأطرابلسي الحافظ. روى عن العباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عيسى المدائني وطبقتهما بالشام وثغورها، وبالعراق واليمن، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. وغير واحد يقول: إنه جاوز المائة، وثقه الخطيب.

وفيها الستوري أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس السامري. روى جزءا عن الحسن بن عرفة، يرويه محمد بن الروزبهان، شيخ أبي القاسم بن أبي العلاء المصيصي عنه، وثقه العتيقي.

وفيها شيخ الكوفة، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد عقبة الشيباني، عن نيف وتسعين سنة. روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي، وجماعة. قال ابن حماد الحافظ: كان شيخ المصر، والمنظور إليه، ومختار السلطان والقضاة، صاحب جماعة وفقه وتلاوة، توفي في رمضان.

سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

فيها أقبل أبو علي بن محتاج، صاحب خراسان، وحاصر الري، فوقع بها وباء عظيم، فمات عليها ابن محتاج.

وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي، المقرئ بحرف قالون، وله أربع وثمانون سنة.

فيها أحمد بن عيسى بن جمهور، أبو عيسى الخشاب ببغداد. روى أحاديث عن عمر بن شبة، وبعضها غرائب، رواها عن ابن رزقويه، وعمر مائة سنة.

وفيها أبو يعقوب الأوزاعي، إسحاق بن إبراهيم، ثقة عابد، صاحب حديث ومعرفة. سمع أبا زرعة الدمشقي، ومقدام بن داود الرعيني وطبقتهما، وكان مجاب الدعوة، كبير القدر، ببلد دمشق.

وفيها بكر بن محمد بن العلاء، العلامة أبو الفضل القشيري البصري المالكي، صاحب التصانيف في الأصول والفروع. روى عن أبي مسلم الكجي، ونزل مصر، وبها توفي في ربيع الأول.

وفيها أبو عمرو بن السماك، عثمان بن أحمد البغدادي الدقاق، مسند بغداد، في ربيع الأول، وشيعة خلائق نحو الخمسين ألفا. روى عن محمد ابن عبيد الله بن المنادي، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما، وكان صاحب حديث، كتب المصنفات الكبار بخطه.

وفيها أبو بكر بن الحداد المصري، شيخ الشافعية، محمد بن أحمد ابن محمد بن جعفر، صاحب التصانيف، ولد يوم وفاة المزني، وسمع من النسائي، وهو صاحب وجه في المذهب، وكان متبحرا في الفقه، متفننا في العلوم، معظما في النفوس. ولي قضاء الإقليم، وعاش ثمانين سنة. وكان يصوم صوم داود، ويختم في اليوم والليلة، وكان جدا كله.

وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلاف. روى عن الكديمي وطائفة. وحدث بحلب ومصر.

وفيها الإمام محمد بن محمد بن يوسف أبو النصر الطوسي الشافعي، مفتي خراسان، وكان أحد من عني أيضا بالحديث، ورحل فيه. روى عن عثمان بن سعيد الدارمي، وعلي بن عبد العزيز وطبقتهما. وصنف كتابا على وضع مسلم، وكان قد جزأ الليل: ثلثا للتصنيف وثلثا للتلاوة، وثلثا للنوم. قال الحاكم: كان إماما بارع الأدب، ما رأيت أحسن صلاة منه، كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويتصدق بما فضل من قوته.

وفيها أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني الحافظ، محدث نيسابور، صنف المسند الكبير، وصنف مستخرجا على الصحيحين. وروى عن أبي الحسن الهلالي، ويحيى الذهلي وطبقتهما، ومع براعته في الحديث والعلل والرجال، لم يرحل من نيسابور، عاش أربعا وتسعين سنة.

وفيها أبو زكريا العنبري يحيى بن محمد النيسابوري العدل، الحافظ الأديب المفسر. روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، ولم يرحل، وعاش ستا وسبعين سنة. قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أبو زكريا يحفظ ما يعجز عنه، وما أعلم أني رأيت مثله.

سنة خمس وأربعين وثلاثمائة

فيها غلبت الروم على طرسوس، وقتلوا وسبوا وأحرقوا قراها.

وفيها قصد روزبهان الديلمي العراق، فالتقاه معز الدولة ومعه الخليفة، فهزم جيشه، اسر روزبهان وقواده.

وفيها توفي العباداني، أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب. روى ببغداد عن الزعفراني، علي بن حرب، وعدة. وعاش سبعا وتسعين سنة وهو صدوق.

وفيها الإمام أبو بكر غلام السباك، وهو أحمد بن عثمان البغدادي، شيخ الإقراء بدمشق، قرأ على الحسن بن الحباب صاحب البزي، والحسن بن الصواف شيخ الإقراء صاحب الدوري.

وفيها أبو القاسم، إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر بن الجراب، وله ثلاث وثمانون سنة. روى عن موسى بن سهل الوشاء وطبقته، وسكن مصر.

وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزي الصيرفي الدخمسيني، محدث مرو. رحل وسمع أبا قلابة الرشي وطبقته، وكان فصيحا أديبا أخباريا نديما، وقيسل بل توفي سنة ثمان وأربعين.

وفيها أبو علي بن أبي هريرة، شيخ الشافعية، واسمه حسن بن حسين البغدادي، صاحب التصانيف، وصاحب ابن سريج، وهو صاحب وجه في المذهب.

وفيها عثمان بن محمد بن أحمد، أبو عمرو السمرقندي وله خمس وتسعون سنة. روى بمصر عن أحمد بن شبيب بن الرملي، وأبي أمية الطرسوسي وطائفة.

وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة، الحافظ العلامة الجامع، أبو الحسن القزويني القطان، الذي روى عن ابن ماجة سننه. رحل إلى العراق واليمن، وروى عن أبي حاتم الرازي وطبقته. وعاش إحدى وثمانين سنة قال الخليلي فضائله أكثر من أن تعد سرد الصوم، وكان يفطر ثلاثين سنة على الخبز والملح، وكان جماعة من شيوخ قزوين، يقولون: لم ير أبو الحسن مثل نفسه، في الفضل والزهد.

وفيها أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح البغدادي البزار، وله اثنتان وثمانون سنة. وكان يحفظ ويذاكر روى عن أبي قلابة الرقاشي وعدة.

وفيها أبو عمر الزاهد، غلام ثعلب، وصاحبه وهو محمد بن عبد الواحد البغدادي اللغوي، قيل إنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه، وكان ثقة، آية في الحفظ والذكاء، وقد روى عن موسى الوشاء، وأحمد بن عبيد الله النرسي وطائفة.

وفيها الوزير الماذرائي، أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب، وزر لخمارويه صاحب مصر، وعاش نحو التسعين، واحترقت سماعاته، وسلم له جزءان، سمعهما من العطاردي، وكان من صلحاء الكبراء، وأما معروفه، فإليه المنتهى، حتى قيل إنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة. وأنفق في حجة حجها، مائة ألف دينار، وبغ ارتفاع مغله بمصر، من أملاكه في العام، أربعمائة ألف دينار، قاله المسبحي.

وفيها مكرم بن أحمد، القاضي أبو بكر البغدادي البزار. سمع محمد ابن عيسى المدايني، والدير عاقولي وجماعة، وثقة الخطيب.

وفيها المسعودي المؤرخ، صاحب مروج الذهب في جمادى الآخرة. وهو علي بن الحسين بن علي.

سنة ست وأربعين وثلاثمائة

فيها قل المطر جدا، ونقص البحر نحوا من ثمانين ذراعا، وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعهد، وكان بالري فيما نقل ابن الجوزي في منتظمه زلازل عظيمة وخسف ببلد الطالقان في ذي الحجة، ولم يفلت من أهلها، إلا نحو من ثلاثين رجلا، وخسف بخمسين ومائة قرية من قرى الري. قال: وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف يوم، ثم خسف بها. قلت: إنما نقلت هذا ونحوه للفرجة لا للتصديق والحجة، فان مثل هذا الحادث الجليل لا يكفي فيه خبر الواحد الصادق، فكيف وإسناد ذلك معدوم منقطع.

وفيها توفي أحمد بن مهران، أبو الحسن السيرافي المحدث بمصر، في شعبان. روى عن الربيع بن سليمان المرادي والقاضي بكار وطائفة.

وفيها أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد، أبو جعفر الأصبهاني المسار، شيخ أبي نعيم، في رمضان. روى عن أحمد بن عصام وجماعة.

وفيها أحمد بن محمد بن عبدوس أبو الحسن العنزي الطرائفي، في رمضان بنيسابور. روى عن عثمان بن سعيد الدارمي وجماعة.

وفيها إبراهيم بن عثمان، أبو القاسم بن الوزان القيرواني، شيخ المغرب في النحو واللغة، يوم عاشوراء، حفظ كتاب سيبويه، والمصنف الغريب وكتاب العين وإصلاح المنطق، وأشياء كثيرة.

وفيها محدث اسفرايين، أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن إسحاق الاسفراييني. رحل مع خاله الحافظ أبي عوانة، فسمع أبا مسلم الكجي وطبقته، توفي في شعبان.

وفيعا محدث الأندلس، أبو عثمان سعيد بن فحلون، في رجب، وله أربع وتسعون سنة. روى عن بقي بن مخلد ومحمد بن وضاح، ولقي في الرحلة أبا عبد الرحمن النسائي، وهو آخر من روى عن يوسف المغامي، حمل عنه الواضحة لابن حبيب.

وفيها محدث أصبهان، عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، الرجل الصالح أبو محمد، في شوال، وله ثمان وتسعون سنة. تفرد بالرواية عن طائفة، منهم: محمد بن عاصم الثقفي وسموية وأحمد بن يوسف الضبي.

وفيها أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطستي الوكيل ببغداد، في شعبان، وله ثمانون سنة. روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأقرانه، وله جزء معروف.

وفيها الحافظ الكبير أبو يعلى، عبد المؤمن بن خلف النسفي، وله سبع وثمانون سنة. رحل وطوف ووصل إلى اليمن، ولقي أبا حاتم الرازي وطبقته، وكان مفتيا ظاهريا أثريا، أخذ عن أبي بكر بن داود الظاهري، وفيه زهد وتعبد.

وفيها أبو العباس المحبوبي، محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، محدث مرو وشيخها ورئيسها، في رمضان، وله سبع وتسعون سنة. روى جامع الترمذي عن مؤلفه، وروى عنسعيد بن مسعود، صاحب النضر بن شميل وأمثاله.

وفيها أبو بكر بن داسة البصري التمار، محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق، راوي السنن، عن أبي داود.

وفيها محدث ما وراء النهر، أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة البغدادي، نزيل سمرقند، في ذي الحجة، انتقى عليه أبو علي النيسابوري أربعين جزءا. روى عن ابن أبي الدنيا، وأحمد بن عبد الله النرسي والكبار، وكان كثير الأسفار للتجارة، ثقة ثبتا رضى.

وفيها محدث خراسان، ومسند العصر، أبو العباس الأصم، محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم، النيسابوري المعقلي المؤذن الوراق بنيسابور، في ربيع الآخر، وله مائة سنة إلا سنة. حدث له الصمم بعد الرحلة، ثم استحكم به، وكان يحدث من لفظه، حدث في الإسلام نيفا وسبعين سنة. وأذن سبعين سنة بمسجده، وكان حسن الصوت حسن الأخلاق كريما، ينسخ بالأجرة، وعمر دهرا، ورحل إليه خلق كثير. قال الحاكم: ما رأيت الرحالة في بلد، أكثر منهم إليه، رأيت جماعة من الأندلس، ومن أهل فارس على بابه. قلت: سمع من جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة، وابن وهب، وكانت رحلته مع والده، في سنة خمس وستين ومائتين، فغاب عن بلده خمس سنين، وسمع بأصبهان والعراق ومصر والشام والحجاز والجزيرة.

وفيها مسند الأندلس، أبو الحزم وهب بن مسرة التميمي الفقيه، وكان إماما في مذهب مالك، محققا له بصيرا بالحديث وعلله، مع زهد وورع. روى الكثير عن محمد بن وضاح وجماعة، ومات في شعبان، في عشر التسعين.

سنة سبع وأربعين وثلاثمائة

فيها فتكت الروم لعنهم الله، ببلاد الإسلام، وعظمت المصيبة وقتلوا خلائق، وأخذوا عدة حصون بنواحي آمد وميافارقين، ثم وصلوا إلى قنسرين، فالتقاهم سيف الدولة بن حمدان، فعجز عنهم، وقتلوا معظم رجاله وأسروا أهله، ونجا هو في عدد يسير.

وفيها سار معز الدولة واستولى على إقليم الجزيرة، وفر بين يديه صاحبها ناصر الدولة، فقدم على أخيه بحلب، ملتجئا إليه، وجرت أمور طويلة. ثم إن سيف الدولة، أرسل إلى معز الدولة يستعطفه، فعقد له على الموصل، وذلك لأن ناصر الدولة، نكث بمعز الدولة مرات، ومنعه الحمل والخراج.

وفيها توفي القاضي أبو الحسن بن حزلم، وهو أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي. روى عن بكار بن قتيبة بن بكار القاضي وطائفة. وناب في القضاء بلده، وهو آخر من كانت له حلقة بجامع دمشق يدرس فيها مذهب الأوزاعي.

وفيها المحدث أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ببغداد، في صفر، عن بضع وثمانين سنة. سمع أبا قلابة الرقاشي وطائفة.

وفيها أبو الحسن الشعراني، إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب النيسابوري، العابد الثقة. روى عن جد، ورحل وجمع وخرج لنفسه.

وفيها حمزة بن محمد بن العباس، أبو أحمد العقبي الدهقان ببغداد. روى عن العطاردي، ومحمد بن عيسى المدايني والكبار، وهو أكبر شيخ لعبد الله بن بشران.

وفيها أبو محمد بن عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي، ببغداد في صفر، وله تسع وثمانون سنة. روى عن يعقوب الفسوي تاريخه ومشيخته، وقدم بغداد في صباه، فسمع من عباس الدوري وطبقته، بعناية أبيه، ثم أقبل على العربية حتى برع فيها، وصنف التصانيف، ولم يضعفه أحد بحجة.

وفيها أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي الدمشقي الأديب المحدث. سمع بكار بن قتيبة وأبا زرعة وخلقا كثيرا، وبلغ خمسا وتسعين سنة.

وفيها الحافظ البارع أبو سعيد بن يونس، وهو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، صاحب تاريخ مصر، توفي في جمادى الآخرة، وله ست وستون سنة. وأقدم شيوخه أحمد بن حماد زغبة وأقرانه.

وفيها علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الكوكبي الكاتب، أبو الحسين، ببغداد، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار، وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي.

وفيها محمد بن أحمد بن الحسن، أبو عبد الله الكسائي المقرئ بأصبهان. روى عن عبد الله بن محمد بن النعمان وطبقته.

وفيها أبو الحسن، محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي الحافظ، والد الحافظ تمام. سمع بخراسان والعراق والشام، وسكن دمشق، وصنف وجمع. وأقدم شيوخه، محمد بن أيوب بن الضريس.

وفيها أبو علي محمد بن القاسم بن معروف التميمي الدمشقي الأخباري، قال الكتاني: حدث عن أبي بكر أحمد بن علي المروزي بأكثر كتبه، واتهم في ذلك، وقيل إن أكثرها إجازة، وكان صاحب دنيا، يحب المحدثين ويكرمهم، عاش أربعا وستين سنة.

سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة

فيها استنصرت الكلاب الروم على المسلمين، وظفروا بسرية فأسروها، وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان، ثم أغاروا على الرها وحران، فقتلوا وسبوا، وأخذو حصن الهارونية وخربوه، وكروا على ديار بكر.

وفي هذه المدة، عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرض الإسلام على الغزاة.

وفيها توفي النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن الفقه الحافظ، شيخ الحنابلة بالعراق، وصاحب التصانيف والسنن. سمع أبا داود السجستاني وطبقته، وكانت له حلقتان، حلقة للفتوى، وحلقة للإمام، وكان رأسا في الفقه، رأسا في الحديث. قال أبو إسحاق الطبري: كان النجاد يصوم الدهر، ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة، أكل تلك اللقم، وتصدق بالرغيف توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة رحمه الله تعالى.

وفيها الخلدي، أبو محمد بن جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخلدي الخواص الزاهد، شيخ الصوفية ومحدثهم. سمع الحارث بن أبي أسامة، وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما، وصحب الجنيد، وأبا الحسين النوري، وأبا العباس بن مسروق، وكان إليه المرجع في علم القوم، وتصانيفهم وحكاياتهم وحج ستا وخمسين حجة، وعاش خمسة وتسعين عاما، توفي في رمضان.

وفيها علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدث، أبو الحسن. حدث عن أبي عفان، وإبراهيم بن عبد الله القصار، وجماعة. وثقة الخطيب، ومات في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة.

وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي، القارئ بالألحان، حدث عن أحمد بن عبيد بن ناصح، وجماعة. وقيل إنه خلط قبل موته.

سنة تسع وأربعين وثلاثمائة

وفيها أوقع نجا، غلام سيف الدولة بالروم، فقتل وسبا وأسر، وفرح المسلمون.

وفيها تمت وقعة هائلة ببغداد، بين السنة والرافضة وقويت الرافضة ببني هاشم، وبمعز الدولة، وعطلت الصلوات في الجوامع، ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين، فسكنت الفتنة.

وفيها حشد سيف الدولة، ودخل الروم، فأغار وقتل وسبي، فزحفت إليه جيوش الروم فعجز عن لقائهم فكر في ثلاثمائة وذهبت خزانته، وقتل جماعة من أمرائه، والله المستعان.

وفيها كان إسلام الترك، قال ابن الجوزي: أسلم من الترك مائتا ألف خركاه.

وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي العطشي ببغداد، في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. روى عن العطاردي، وعباس الدوري، والكبار.

وفيها أبو الفوارس الصابوني، بن محمد بن حسين ابن السندي، الثقة المعمر،، مسند ديار مصر، في شوال، وله مائة وخمس سنين. روى عن يونس بن عبد الأعلى، والمزني والكبار. وآخر من روى عنه ابن نظيف.

وفيها العلامة أبو الوليد، حسان بن محمد القرشي الأموي النيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان، وصاحب ابن سريج، صنف التصانيف، وكان بصيرا بالحديث وعلله، خرج كتابا على صحيح مسلم، ورى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، وهو صاحب وجه في المذهب. وقال فيه الحاكم: هو إمام أهل الحديث بخراسان، أزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم، توفي في ربيع الأول، عن اثنتين وسبعين سنة.

وفيها أبو علي النيسابوري الحافظ الحسين بن علي بن يزيد النيسابوري، أحد الأعلام، في جمادى الأولى، نيسابور وله اثنتان وسبعون سنة. قال الحاكم: هو واحد عصره، في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف. سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته. وفي الرحلة، من النسائي، وأبي خليفة وطبقتهما، وكان في الحفظ، كان ابن عقدة يخضع لحفظه.

وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، أبو محمد العدل، وكان إسحاق، ابن عم أبي القاسم البغوي. سمع أحمد بن ملاعب، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما. قال الدارقطني: لين.

وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم شيخ القراء بالعراق، وهو عبد الواحد ابن عمر بن محمد البغدادي، صاحب التصانيف، وتلميذ ابن مجاهد. روى عن محمد بن جعفر القتات وطائفة. ومات في شوال، عن سبعين سنة.

وفيها أبو أحمد العسال القاضي، واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم، قاضي أصبهان. سمع محمد بن أسد المديني، وأبا بكر بن أبي عاصم وطبقتهما. ورحل وجمع وصنف، وكان من أئمة هذا الشأن. قال أبو نعيم الحافظ: كان من كبار الحفاظ. وقال ابن مندة: كتبت عن ألف شيخ، لم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسال. قلت: توفي في رمضان، وله نحو من ثمانين سنة، أو أكثر.

وفيها ابن علم الصفار، أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي، صاحب الجزء المشهور. قال الخطيب: جميع ما عنده جزء، ولم أسمع أحدا يقول فيه. إلا خيرا. قلت: سمع محمد بن إسحاق الصغاني وغيره، ومات في شعبان، ويقال إنه جاوز المائة.

سنة خمسين وثلاثمائة

فيها بنى معز الدولة ببغداد، دار السلطنة، في غاية الحسن والكبر، غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف دينار وقد درست آثارها في حدود الستمائة، وبقي مكانها دحلة، يأوي إليها الوحش، وبعض أساسها موجود، فإنه حفر لها في الأساسات نيفا وثلاثين ذراعا.

وفيها تمت أخلوقة قبيحة، وهي أن أبا العباس عبد الله بن أبي الشوارب ولي قضاء القضاة، وركب بالخلع الحرير المحترمة، من دار معز الدولة بالدبادب والبوقات، وفي خدمته الأمراء، وشرط على نفسه بمكتوب أن يحمل في العام مائتي ألف درهم، إلى خزانة الدولة، وتألم المطيع، وأبى أن لا يدخل عليه، وامتنع من تقليده، وضمن آخر الحسبة، وآخر الشرطة.

وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر. سمع أبا عيسى المروزي وأبا حاتم الرازي وطبقتهما. قال الحاكم: كان من المجتهدين في العبادة، ولو اقتصر على سماعه الصحيح، لكان أولى به، لكنه حدث عن جماعة، أشهد بالله، أنه لم يسمع منهم.

وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، القاضي أبو بكر البغدادي، تلميذ محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون، ولي قضاء الكوفة، وحدث عن محمد بن سعد العوفي وطائفة. وعاش تسعين سنة. توفي في المحرم. قال الدارقطني: ربما حدث من حفظه، بما ليس في كتابه، أهلكه العجب، وكان يختار لنفسه، ولا يقلد أحدا. وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله.

وفيها أبو سهل القطان، أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي، المحدث الأخباري الأديب، مسند وقته. روى عن العطاردي، ومحمد بن عبيد الله المنادي، وخلق. وفيه تشيع قليل، وكان يديم التهجد والتلاوة والتعبد، وكان كثير الدعابة. قال البرقاني: كرهوه لمزاح فيه، وهو صدوق، توفي في شعبان، وله إحدى وتسعون سنة.

وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة وكان يرتجل الخطب، ولا يتقدمه فيها أحد.

وفيها أبو علي الطبري، الحسن بن القاسم، شيخ الشافعية ببغداد، درس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة، وصنف التصانيف، كالمحرر، والإفصاح، والعدة، وهو صاحب وجه.

وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور أبي جعفر، في صفر، وله سبع وثمانون سنة. وهو ذو قُعدد في النسب في طبقة الواثق. روى عن العطاردي وابن أبي الدنيا.

وفيها توفي خليفة الأندلس وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس، الناصر لدين الله، أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأموي المرواني.، وكانت دولته خمسين سنة. وقام بعده ولده المستنصر بالله، وكان كبير القدر كثير المحاسن، أنشأ مدينة الزهراء، وهي عديمة النظير في الحسن، غرم عليها من الأموال ما لا يحصى، ولما بلغه ضعف أحوال الخلافة بالعراق ورأى أنه أمكن منهم وأولى تلقب بذلك.

وفيها القاضي أبو السائب، عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي، تزهد أولا وصحب الكبار، ولقي الجنيد، ثم كتب الفقه والحديث والتفسير، وتوصل، وولي قضاء أذربيجان، ثم قضاء همذان، ثم سكن بغداد، ونوه باسمه، إلى أن ولي قضاء القضاة، فكان أول من ولي قضاء القضاة من الشافعية.

وفيها فاتك المجنون، أبو شجاع الرومي، الإخشيذي، رفيق الأستاذ كافور، أجل أمراء الدولة، وكان كافور يخافه ويداريه، وقد مدحه المتنبي، فوصله فاتك بألف دينار.

وفيها مسند بخارى أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البغدادي الدهقان الفقيه المحدث، في رجب، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن أبي طالب، وابن أبي الدنيا والكبار، واستوطن بخارى، وصار شيخ تلك الناحية.

سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

فيها نازل الدمستق لعنه الله مدينة عين زربة، في مائة ألف وستين ألفا، فأخذها بالأمان، ثم نكث في آخر القصة، وقتل خلق لا يحصون، وأحرقها ومات أهلها في الطرقات جوعا وعطشا، إلا من نجا بأسوأ حال، وهدم حولها نحوا من خمسين حصنا، أخذ بعضها بالأمان رجع، فجاء سيف الدولة، فنزل على عين زربة، وأخذ يتلافى الأمر، ويلم شعثها، واعتقد أن الطاغية لا يعود، فدهمه الملعون، ونازل حلب بجيوشه، فلم يفوته سيف الدولة، ونجا في نفر يسير، وكانت داره بظاهر حلب، فدخلها الدمستق، ونزل بها، واحتوى على ما فيها من الخزائن، وحاصر أهل حلب إلى أن انهدمت ثلمة من السور، فدخلت الروم منها، فدفعهم المسلمون وبنوها في الليل، ونزلت أعوان الوالي إلى بيوت العوام فنهبوها، فوقع الصائح في الأسوار: الحقوا منازلكم، فنزلت الناس حتى خلت الأسوار، فبادرت الروم وتسلقوا، وملكوا البلد، وبذلوا السيف حتى كلوا وملوا، واستباحوا حلب، ولم ينجح إلا من عد القلة.

وأما بغداد، فرفعت المنافقون رؤوسها، وقامت الدولة الرافضية، وكتبوا على أبواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك ولعنة من أخرج العباس من الشورى ولعنة من نفى أبا ذر، فمحته أهل السنة في الليل، فأمر معز الدولة بإعادته: فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب: ألا لعنة الله على الظالمين لآل محمد ولعنة معاوية فقط.

وأسرت الروم من منبج الأمير أبا فراس بن سعيد بن حمدان الأمير وبقي في أسرهم سنوات.

وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري بمصر. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وطائفة.

وأبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت المكي. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وأبي يزيد القراطيسي وطائفة وعاش تسعين سنة.

وأحمد بن محمد، أبو الحسين النيسابوري، قاضي الحرمين، وشيخ الحنفية في عصره، ولي قضاء الحجاز مدة، ثم قدم نيسابور، وولي القضاء بها، تفقه على أبي الحسين الكرخي، وبرع في الفقه، وعاش سبعين سنة. وروى عن أبي خليفة الجمحي، وكان القاضي أبو بكر الأبهري، شيخ المالكية، يقول: ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من ابن أبي الحسين.

وفيها أبو إسحاق الهجيمي، إبراهيم بن علي البصري في آخر السنة، وقد قارب المائة. روى عن جعفر بن محمد بن شاكر والكديمي وطائفة.

وفيها المهلبي الوزير، في قول، وسيأتي في العام الآتي.

وفيها دعلج بن أحمد بن دعلج، أبو محمد السجزي المعدل، وله نيف وتسعون سنة. رحل وطوف وأكثر، وسمع من هشام السيرافي، وعلي البغوي وطبقتهما. قال الحاكم: أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي بمذهبه. وقال الدارقطني: لم أر في مشايخنا، أثبت من دعلج. وقال الحاكم: يقال لم يكن في الدنيا أيسر منه، اشترى بمكة دار العباسية، بثلاثين ألف دينار، وقيل كان الذهب في داره بالقفاف وكان كثير المعروف والصلات، توفي جمادى الآخرة.

وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن الورد البغدادي بمصر، راوي السرة عن ابن البرقي في رمضان.

وفيها أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ ببغداد، في شوال، وله ست وثمانون سنة. سمع الحارث بن أبي أسامة، إبراهيم بن الهيثم البلدي وطبقتهما. وصنف التصانيف. قال الدارقطني: كان يخطئ ويصر على الخطأ.

وفيها الحبيني أبو أحمد علي بن محمد المروزي. سمع سعيد بن مسعود المروزي وطبقته. وكان صاحب حديث قال الحاكم: كان يكتب مثل السكر.

وفيها أبو بكر النقاش، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، ثم البغدادي المقرئ، صاحب التصانيف في التفسير والقراءات. روى عن أبي مسلم الكجي وطائفة، وقرأ على أصحاب ابن ذكوان والبزي، ورحل ما بين مصر، إلى ما وراء النهر، وعاش خمسا وثمانين سنة. ومع جلالته في العلم ونبله، فهو ضعيف متروك الحديث.

وفيها أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي، مسند الكوفة في زمانه، أو في العام الآتي. روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وأحمد بن أبي غرزة، وجماعة.

وفيها يحيى بن منصور القاضي أبو محمد النيسابوري، ولي قضاء نيسابور، بضع عشرة سنة. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وأحمد بن سلمة وطبقتهما.

سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة

فيها يوم عاشوراء، ألزم معز الدولة، أهل بغداد بالنوح والمآتم، على الحسين بن علي رضي الله عنه، وأمر بغلق الأسواق، وعلقت عليها المسوح، ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الرافضة، منشرات الشعور، مضخمات الوجوه، يلطمن، ويفتن الناس، وهذا أول ما نيح عليه. اللهم ثبت علينا عقولنا.

وفيها عزل عن قضاء العراق ابن أبي الشوارب، الذي ضمن القضاء، وولي عمر بن أكثر على أن لا يأخذ جامكية.

وفيها قتل ملك الروم، وولى الملك الدمستق، واسمه نقفور.

وفيها يوم ثامن عشر ذي الحجة، عملت الرافضة عيد الغدير، غدير خم، ودقت الكوسات وصلوا بالصحراء صلاة العيد.

وفيها، أو في التي قبلها، الوزير المهلبي، أبو محمد الحسن بن محمد الأزدي، من ذرية المهلب بن أبي صفرة، وزير معز الدولة بن بويه، كان من رجال الدهر، حزما وعزما وسؤددا، وعقلا وشهامة ورأيا، توفي في شعبان، وقد نيف على الستين، وكان فاضلا شاعرا فصيحا حليما جوادا، صادر معز الدولة أولاده من بعده ثم استوزر أبا الفضل العباس بن الحسن الشرازي.

وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الحافظ، أحد أركان الحديث بالأندلس. سمع بعد سنة ثلاثمائة، من جماعة، وصنف التصانيف، وكان عجبا في معرفة الرجال والعلل، وقيل: كان يحفظ الشيء من مرة. وورد أن المستنصر بالله الحكم قال: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد.

وفيها أبو بكر الإسكافي، محمد بن محمد بن أحمد بن مالك، ببغداد، في ذي القعدة. روى عن موسى بن سهل الوشاء وجماعة، وله جزء مشهور.

وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس البغدادي الرقا أبو الحسن روى عن زوج أمه، أبي بكر بن أبي الدنيا، وهو ضعيف جدا.

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة

فيها نازل الدمستق المصيصة وحاصرها وغلت الأسعار بها، ثم ترحل عنها للغلاء الذي أصاب جيشه، ثم جاء إلى طرسوس، وأهدى تقادم إلى سيف الدولة.

وفيها تحارب معز الدولة، وأمير الموصل، ناصر الدولة، وانهزم أولا ناصر الدولة، ثم انتصر، وأخذ حواصل معز الدولة وثقله، أسر عدة من الأتراك.

وفيها توفي الحافظ البارع، أبو سعيد أحمد بن محمد بن الزاهد أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري، شهيدا بطرسوس، وله خمس وستون سنة. روى عن الحسن بن سفيان وطبقته، وصنف التفسير الكبير، والصحيح على رسم مسلم، وغيره ذلك.

وفيها أبو إسحاق بن حمزة الحافظ، وهو إبراهيم بن محمد بن حمزة ابن عمارة، بأصبهان، في رمضان، وهو في عشر الثمانين. قال أبو نعيم: لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله، جمع الشيوخ والمسند وقال أب عبد الله بن منده الحافظ لم أر أحفظ منه. وقال ابن عقدة: قل من رأيت مثله. قلت: روى عن مطين وأبي شعيب الحراني.

وفيها أبو عيسى بكار بن أحمد البغدادي، شيخ المقرئين في زمانه، قرأ على جماعة من أصحاب الدوري، وسمع من عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وتوفي في ربيع الأول، وقد قارب الثمانين.

وفيها جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدب. روى عن الكديمي وطبقته.

وفيها أبو علي بن السكن، الحافظ سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن المصري، صاحب التصانيف، وأحد الأئمة. سمع بالعراق والشام والجزيرة وخراسان وما وراء النهر، من أبي القاسم البغوي وطبقته، توفي في المحرم، وله تسع وخمسون سنة.

وفيها أبو الفوارس شجاع بن جعفر الوراق الواعظ ببغداد، وقد قارب المائة. روى عن العطاردي، وأبي جعفر بن المنادي وطائفة، وكان أسند من بقي.

وفيها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المديني الأصبهاني. سمع أسيد بن عاصم ومحمد بن إسماعيل الصائغ، وجماعة.

وفيها أبو محمد الفاكهي، عبد الله بن محمد بن العباس المكي، صاحب أبي يحيى بن أبي مسرة، وكان أسند من بقي بمكة.

وفيها أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي، المحدث المقرئ. روى عن أبي زرعة الدمشقي، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وتسعين سنة.

وفيها أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ، أحد الرحالة. سمع بالشام ومصر والعراق وأصبهان. وروى عن بكر بن سهل الدمياطي، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتاني: كان يتهم. قلت: عاش سبعا وثمانين سنة.

سنة أربع وخمسين وثلاثمائة

فيها بنى الدمستق نقفور مدينة الروم وسماها قيسارية وقيل قيصرية، وسكنا ليغير كل وقت، وجعل أباه بالقسطنطينية، فبعث إليه أهل طرسوس والمصيصة يخضعون له، ويسألونه أن يقبل منهم القطيعة كل سنة، وينفذ إليهم نائبا له عليهم فأجابهم، ثم علم ضعفهم، وشدة القحط عليهم، وأن أحدا لا ينجدهم، وأن كل يوم يخرج من طرسوس ثلاثمائة جنازة، فرجع عن الإجابة، وخاف إن تركهم حتى تستقيم أحوالهم، أن يمتنعوا عليه، فأحرق الكتاب على رأس الرسول، فأحترقت لحيته، وقال: إمض، ما عندي إلا السيف، ثم نازل المصيصة، فأخذها بالسيف واستباحها، ثم افتتح طرسوس بالأمان، وجعل جامعها اصطبلا لخيله، وحض البلد وشحنها بالرجال.

وفيها توفي أبو بكر بن الحداد، وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي، بديار مصر. روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وبكر بن سهل الدمياطي وطبقتهما.

وفيها المتنبي شاعر العصر، أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي، في رمضان، بين شيراز والعراق، وله إحدى وخمسون سنة. قتلته قطاع الطريق، وأخذوا المال الذي معه، وقد مدح عدة ملوك، وقيل إنه وصل إليه من ابن العميد، ثلاثون ألف دينار. ومن عضد الدولة صاحب شيراز مثلها، وليس في العالم أحد أشعر منه أبدا وأما مثله فقليل.

وفيها الحبر العلامة، أبو حاتم، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي البستي الحافظ، صاحب التصانيف. سمع أبا خليفة الجمحي وطبقته، بخراسان والشام والعراق ومصر والجزيرة، وكان من أوعية العلم، في الحديث والفقه واللغة والوعظ وغير ذلك، حتى الطب والنجوم والكلام، ولي قضاء سمرقند، ثم قضاء نسا وغاب دهرا عن وطنه، ثم رد إلى بست. وتوفي في شوال بها، وهو في عشر الثمانين.

وفيها أبو بكر بن مقسم المقرئ، محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطار، وله تسع وثمانون سنة. قرأ على إدريس الحداد، وسمع من أبي مسلم الكجي وطائفة، وتصدر للإقراء دهرا، وكان علامة في نحو الكوفيين. سمع من ثعلب أماليه وصنف عدة تصانيف وله قراءة معروفة منكرة، خالف فيها الإجماع. وقد وثقه الخطيب.

وفيها أبو بكر الشافعي، محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزاز المحدث، في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة. وهو صاحب الغيلانيات. وابن غيلان آخر من روى عنه تلك الأجزاء التي هي في السماء علوا. روى عن موسى بن سهل الوشاء ومحمد بن الجهم السمري، ومحمد بن شداد المسمعي وطبقتهم. قال الخطيب: ثقة، كان ثبتا حسن التصنيف، جمع أبوابا وشيوخا. قال: ولما منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة وكتبوا السب على أبواب المساجد كان يتعمد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع. رحمه الله.

سنة خمس وخمسين وثلاثمائة

فيها أخذ ركب مصر والشام، وهلك الناس، وتمزقوا في البراري، فلا قوة إلا بالله، أخذتهم بنو سليم.

وفيها توفي الجعابي الحافظ أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي البغدادي. سمع يوسف بن يعقوب القاضي، ومحمد بن الحسن بن سماعة وطبقتهما، وصنف الكتب وتوفي في رجب، وله اثنتان وسبعون سنة. وكان عديم المثل في حفظه. قال القاضي أبو عمر الهاشمي: سمعت ابن الجعابي يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذاكر بستمائة ألف حديث. قال الدارقطني: خلط: ثم ذكر أنه كان شيعيا، وقيل كان يترك الصلاة.، نسأل الله العفو.

وفيها أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي، قاضي الجماعة بقرطبة. سمع من عبيد الله بن يحيى الليثي، وكان ظاهري المذهب، فطنا مناظرا، ذكيا بليغا، مفوها شاعرا كثير التصانيف، قوالا بالحق، ناصحا للخلق، عزيز المثل، رحمه الله، عاش اثنتين وثمانين سنة.

وفيها محمد بن معمر بن ناصح، أبو مسلم الذهلي الأديب، بأصبهان. روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وأبي شعيب الحراني وطائفة.

سنة ست وخمسين وثلاثمائة

فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين، على العادة المارة، في هذه السنوات.

وفيها مات السلطان معز الدولة، أحمد بن بويه الديلمي، وكان في صباه يحتطب، وأبوه يصيد السمك، فما زال إلى أن ملك بغداد، نيفا وعشرين سنة. ومات بالإسهال، عن ثلاث وخمسين سنة. وكان من ملوك الجور والرفض، ولكنه كان حازما سائسا مهيبا وقيل إنه رجع في مرضه على الرفض، وندم على الظلم، وقيل إن سابور ذا الأكتاف أحد ملوك الفرس من أجداده، وكان أقطع، طارت يده في بعض الحروب، وتملك بعده ابنه عز الدولة بختيار.

وفيها توفي أبو محمد المعقلي، أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي، أحد الأئمة. قال الحاكم: كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة. سمع أحمد بن نجدة، وإبراهيم بن أبي طالب، ومطينا وطبقتهم، وكان فوق الوزراء، وكانوا يصدون عن رأيه.

والقالي أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي الأخباري، صاحب التصانيف، ونزيل الأندلس بقرطبة، في ربيع الآخر، وله ست وسبعون سنة. أخذ الآداب عن ابن دريد، وابن الأنباري، وسمع من أبي يعلى الموصلي، والبغوي وطبقتهما، وألف كتاب البارع في اللغة في خمسة آلاف ورقة، ولكن لم يتمه.

والرفاء، أبو علي حامد بن محمد الهروي الواعظ المحدث بهراة، في رمضان. روى عن عثمان الدارمي، والكديمي وطبقتهما. وكان ثقة، صاحب حديث.

والرافقي، أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر بن السري. روى عن هلال بن العلاء وجماعة. وتوفي بمصر. قال يحيى بن علي الطحان: تكلموا فيه.

وعبد الخالق بن أبي الحسن بن علي أبو محمد السقطي المعدل، ببغداد. روى عن محمد بن غالب تمتام، وجماعة.

وسنقة، أبو عمرو عثمان بن محمد البغدادي بن السقطي. سمع الكديمي، وإسماعيل القاضي، ومات في آخر السنة، وله سبع وثمانون سنة.

وصاحب الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين الأموي الأصبهاني، الكاتب الأخباري. روى عن مطين فمن بعده، وكان أديبا نسابة علامة شاعرا، كثير التصانيف، ومن العجائب أنه مرواني يتشيع، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وسبعين سنة.

وفيها سيف الدولة، على بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الجزري، صاحب الشام، بحلب، في صفر، وله بضع وخمسون سنة. وكان بطلا شجاعات كثير الجهاد، جيد الرأي، عارفا بالأدب والشعر جوادا ممدحا، مات بالفالج، وقيل بعسر البول، وكان قد جمع من الغبار الذي أصابه في الغزوات، ما جاء منه لبنة بقدر الكف، وأوصى أن يوضع خده إذا دفن عليهما، وتملك حلب بعده، ابنه سعد الدولة خمسا وعشرين سنة.

وفيها في جمادى الأولى، وقيل في العام الآتي، كافور أبو المسك الحبشي الأسود، الخادم الإخشيدي، صاحب الديار المصرية، اشتراه الإخشيد وتقدم عنده حتى صار من أكبر قواده لعقله ورأيه وشجاعته، ثم صار أتابك ولده من بعده، وكان صبيا، فبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور، والدست لكافور، فأحسن سياسته، إلى أن مات أنوجور، ومعناه بالعربي محمود، في سنة تسع وأربعين، عن ثلاثين سنة. وأقام كافور في الملك بعده أخاه عليا، إلى أن مات في أول سنة خمس وخمسين، وله إحدى وثلاثون سنة. فتسلطن كافور واستوزر أبا الفضل جعفر بن حنزابة، وعاش بضعا وستين سنة.

وفيها أبو الفتح عمر بن جعفر بن محمد بن سليم الختلي، الرجل الصالح، ببغداد، وله خمس وثمانون سنة. روى عن الكديمي وطبقته.

سنة سبع وخمسين وثلاثمائة

لم يحج الركب لفساد الوقت، وموت السلاطين في الشهور الماضية.

وفيها توفي أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي ثم المصري المحدث أبو العباس، في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة. سمع مقدام ابن داود الرعيني وطبقته.

وأحمد بن محمد بن رميح، أبو سعيد النخعي النسوي الحافظ، صاحب التصانيف، طوف الكثير، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته، والصحيح أنه ثقة، سكن اليمن مدة.

وفيها المتقي لله أبو إسحاق بن إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي المخلوع، وقد ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين، أنهم خلعوه، وسلموا عينيه، وبقي في السجن إلى هذا العام كالميت، ومات في شعبا ن، وله ستون سنة. وكانت خلافته أربع سنين، وكان أبيض مليحا مشرب حمرة، أشهل أشقر، كث اللحية، وكان فيه صلاح وكثر صلاة وصيام، ولم يكن يشرب، في خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية، التي كانت فخر بني العباس.

وحمزة بن محمد بن علي بن العباس، أبو القاسم الكناني المصري الحافظ، أحد أئمة هذا الشأن. روى عن النسائي وطبقته، وأكثر التطواف بعد الثلاثمائة، وجمع وصنف، وكان صالحا دينا، بصيرا بالحديث وعلله، مقدما فيه، وهو صاحب مجلس البطاقة، توفي في ذي الحجة، ولم يكن للمصريين في زمانه أحفظ منه.

وفيها القاضي أبو العباس، عبد الله بن الحسين بن الحسن بن الحسن بن أحمد بن النضر البصري المروزي، محدث مرو، في شعبان، وله سبع وتسعون سنة. رحل به أبوه، وسمع من الحارث بن أبي أسامة، وأبي إسماعيل الترمذي وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد بخراسان.

وعبد الرحمن بن العباس، أبو القاسم البغدادي، والد أبي طاهر المخلص. سمع الكديمي وإبراهيم الحربي، وجماعة. وثقة ابن أبي الفوارس. وكان أطروشا.

وفيها الحافظ عمر بن جعفر البصري، المحدث أبو حفص، خرج لخلق كثير، ولم يكن بالمتقن، وقد روى عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان وطبقتهما، وعاش سبعا وسبعين سنة.

وأبو إسحاق القراريطي الوزير، وهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكافي الكاتب، وزر لمحمد بن رائق، ثم وزر للمتقي لله مرتين، وصودر، وصار إلى الشام، وكتب لسيف الدولة، وكان ظلوما غشوما، عاش ستا وسبعين سنة.

وابن مخرم، وهو الرئيس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري، الفقيه المحتسب، تلميذ محمد بن جرير الطبري. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وعاش ثلاثا وتسعين سنة. وقال البرقاني: لا بأس به. توفي في ربيع الآخر.

وفيها أبو سليمان الحراني، محمد بن الحسين، ببغداد، في رمضان. روى عن أبي خليفة، وعبدان، وأبي يعلى، وكان ثقة صاحب حديث ومعرفة.

وأبو علي بن آدم الفزاري، محمد بن محمد بن عبد الحميد القاضي العدل، بدمشق في جمادى الآخرة. روى عن أحمد بن علي القاضي المروزي وطبقته.

سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة

فيها كان خروج الروم من الثغور، فأغاروا وقتلوا وسبوا ووصلوا إلى حمص، وعظم المصاب، وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي، فأخذوا ديار مصر وأقاموا الدعوة لبني عبيد الرافضة، مع أن دولة معز الدولة بالعراق هذه المدة، رافضية. والشعار الجاهلي، يقام يوم عاشوراء يوم الغدير.

وتوفي فيها ناصر الدولة، الحسين بن أبي الهيجاء، عبد الله ابن حمدان التغلبي، صاحب الموصل، وكان أخوه سيف الدولة يتأدب معه، لسنه ومنزلته عند الحلفاء، وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة، فلما توفي، حزن عليه ناصر الدولة، وتغيرت أحواله، وتسودن وضعف عقله، فبادر ولده أبو تغلب الغضفي، ومنعه من التصرف وقام بالمملكة، فلم يزل معتقلا، حتى توفي في ربيع الأول، عن نحو ستين سنة.

وفيها الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان، أبو محمد الحربي، أخو علي، وهو ثقة. روى عن إسماعيل القاضي والكبار، ومات في شوال.

وفيها أبو القاسم زيد بن علي أبي بلال العجلي الكوفي، شيخ الإقراء ببغداد، قرأ على أحمد بن فرج، وابن مجاهد، وجماعة، وحدث عن مطين وطائفة، توفي في جمادى الأولى.

ومحدث دمشق، محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان، أبو عبد الله القرشي الدمشقي. روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا، خياط السنة وطبقتهما. وكان ثقة مأمونا جوادا مفضلا، خرج له ابن مندة الحافظ، ثلاثين جزءا، وأملى مدة.

وفيها محدث الأندلس، محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، أبو بكر الأموي المرواني القرطبي، المعروف بابن الأحمر. روى عن عبيد الله بن يحيى وخلق، وفي الرحلة عن النسائي والفريابي، وأبي خليفة الجمحي، ودخل الهند للتجارة، فغرق له ما قيمته، ثلاثون ألف دينار، ورجع فقيرا، وكان ثقة. توفي في رجب.، وكان عنه السنن الكبير للنسائي.

سنة تسع وخمسين وثلاثمائة

في أولها، أخذ نقفور أنطاكية، بنوع أمان، فأسر الشباب وأطلق الشيوخ والعجائز، وكان قد طغى وتجبر، وقهر البلاد، وتمرد على الله، وتزوج بزوجة الملك الذي قبله كرها، وهم بإخصاء ولديها، لئلا يملكها، فعملت عليه الامرأة، وراسلت الدمستق، فجاء إليها في زي النساء، هو وطائفة، فباتوا عندها ليلة الميلاد، فبيتوا نقفور، وأجلسوا في المملكة ولدها الأكبر.

وفيها توفي أبو عبد الله، أحمد بن بندار إسحاق الشعار الفقيه، مسند أصبهان. روى عن إبراهيم بن سعدان، وابن أبي عاصم وطائفة، وكان ثقة ظاهري المذهب.

وأحمد بن السندي، أبو بكر البغدادي الحداد. روى عن الحسن بن علويه وغيره. قال أبو نعيم: كان يعد من الأبدال.

وأحمد بن يوسف بن خلاد، أبو بكر النصيبي العطار، ببغداد، في صفر وكان عريا من العلم، وسماعه صحيح. روى عن الحارث بن أبي أسامة وتمتام وطائفة.

وحبيب بن الحسن القزاز، أبو القاسم الرجل الصالح، وثقة جماعة، ولينة بعضهم. روى عن أبي مسلم الكجي وجماعة.

وأبو علي بن الصواف، محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي، المحدث الحجة. روى عن محمد بن إسماعيل الترمزي، وإسحاق الحربي وطبقتهما. قال الدارقطني: ما رأت عيناي مثله، ومثل آخر بمصر. قلت: قد مات في شعبان، وله تسع وثمانون سنة.

وأبو الحسن محمد بن علي بن حبيش البغدادي الناقد. روى عن أبي شعيب الحراني، ومطين.

سنة ستين وثلاثمائة

فيها لحق المطيع لله فالج، بطل نصفه وثقل لسانه.

وأقامت الشيعة عاشوراء باللطم والعويل، وعيد الغدير بالفرح والكوسات.

وفيها جعفر بن فلاح، الذي ولي إمرة دمشق للباطنية، وهو أول نائب وليها لبني عبيد، وكان قد سار إلى الشام،، فأخذ الرملة، ثم دمشق، بعد أن حاصر أهلها أياما، ثم قدم لحربه، الحسن بن أحمد القرمطي، الذي تغلب قبله على دمشق، وكان جعفر مريضا على نهر يزيد، فأسره القرمطي وقتله.

وفيها زيري بن مناد الحميري الصنهاجي، جد المعز بن باديس وصاحب تاهرت، وهو الذي بنى مدينة أشير وحصنها، قتل في مصاف بينه وبين أهل الأندلس في رمضان.

وفيها الطبراني، الحافظ العلم ومسند العصر، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، في ذي القعدة، بأصبهان، وله مائة سنة وعشرة أشهر. وكان ثقة صدوقا، واسع الحفظ، بصيرا بالعلل والرجال والأبواب، كثير التصانيف.، وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين ومائتين بطبرية، ورحل أولا إلى القدس، سنة أربع وسبعين.، ثم رحل إلى قيسارية سنة خمس وسبعين. سمع من أصحاب محمد بن يوسف الفريابي، ثم رحل إلى مصر وجبلة ومدائن الشام.، وحج ودخل اليمن، ورد إلى مصر، ثم رحل إلى العراق وأصبهان وفارس. روى عن أبي زرعة الدمشقي وإسحاق الدبري وطبقتهما.

وفيها الطوماري، أبو علي عيسى بن محمد البغدادي، في صفر، وله ثمان وتسعون سنة. وليس بالقوي، يروي عن الحارث بن أبي أسامة، وابن أبي الدنيا، والكديمي وطبقتهم.

وفيها أبو بكر بن جعفر بن الهيثم الأنباري البندار. روى عن أحمد بن الخليل البرجلاني ومحمد بن أحمد بن أبي العوام، وتفرد بالرواية عن جماعة، وتوفي يوم عاشوراء، وله ثلاث وتسعون سنة. وأصوله حسنة، بخط أبيه.

وفيها أبو عمرو بن مطر النيسابوري الزاهد الحافظ، شيخ السنة، محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدل. روى عن أبي عمرو أحمد بن المبارك المستملي ومحمد بن أيوب الرازي وطبقتهما. وكان متعففا قانعا باليسير، يحيي الليل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويجتهد في متابعة السنة. توفي في جمادى الآخرة، وله خمس وتسعون سنة.

ومحمد بن جعفر بن محمد بن كنانة، أبو بكر البغدادي المؤدب. روى عن الكديمي، وأبي مسلم الكجي. قال ابن أبي الفوارس: فيه تساهل، قلت: توفي عن أربع وتسعين سنة.

ومن غرائب الاتفاقات، موت هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة وهم في عشر المائة، وأسماؤهم وآباؤهم وأجدادهم شيء واحد.

وابن العميد، الوزير العلامة أبو الفضل محمد بن الحسين ابن محمد الكاتب، وزير ركن الدولة، الحسن بن بويه، صاحب الري، كان آية في الترسل والإنشاء، فيلسوفا، متهما برأي الحكماء، حتى كان ينظر بالجاحظ، وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد، وكان الصاحب إسماعيل بن عباد، تلميذه وخصيصه وصاحبه، ولذلك قالوا الصاحب، ثم صار لقبا.

وفيها الآجري، الإمام أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي المحدث، صاحب التصانيف. سمع أبا مسلم الكجي وأبا شعيب الحراني وطائفة.، وجاور بمكة، وبها توفي في المحرم. كان ثقة دينا صاحب سنة.

وفيها أبو طاهر بن ذكوان البعلبكي المؤدب، محمد بن سليمان، نزيل صيدا ومحدثها، قرأ القرآن على هارون الأخفش، وسمع أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وزكريا بن يحيى خياط السنة وطبقتهما. وعاش بضعا وتسعين سنة. روى عن السكن بن جميع وصالح بن أحمد الميانجي، وقرأ عليه عبد الباقي بن الحسين شيخ أبي الفتح بن فارس.

وأبو القاسم بن أبي يعلي الهاشمي الشريف، لما أخذت العبيديون دمشق، قام الشريف بدمشق، وقام معه أهل الغوطة والشباب، واستفحل أمره في ذي الحجة، سنة تسع وخمسين، وطرد عن دمشق متوليها، ولبس السواد، وأعاد الخطبة لبني العباس، فلم يلبث إلا أياما، حتى جاء عسكر المغاربة، وحاربوا أهل دمشق، وقتل بين الفريقين جماعة، ثم هرب الشريف في الليل، وصالح أهل البلد العسكر، ثم أسر الشريف عند تدمر، فشهره جعفر بن فلاح على جمل، في المحرم، سنة ستين، وبعث به إلى مصر فضل.

وقد توفي في عشر الستين وثلاثمائة خلق منهم:

أحمد بن القاسم بن كثير بن الريان، أبو الحسن المصري الملكي، نزيل البصرة. روى عن الكديمي، وإسحاق الدبري وطبقتهما. قال ابن ماكولا: فيه ضعف، وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن علي البصري: سمعت منه وليس بالمرضي.

وأحمد بن طاهر بن النجم، الحافظ أبو عبد الله الميانجي، محدث أذربيجان. قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: ما رأيت مثله، ولا رأى مثل نفسه. وقال الخليل: توفي بعد الخمسين. سمع أبا مسلم الكجي، وعبد الله بن أحمد.

وأبو الحسن بن سالم الزاهد، أحمد بن محمد بن سالم البصري، شيخ السالمية، وكان له أحوال ومجاهدات وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت، وهو آخر أصحاب سهل التستري وفاة، وقد خالف أصول السنة في مواضع، وبالغ في الإثبات في مواضع، وعمر دهرا، وبقي إلى سنة بضع وخمسين.

وأبو حامد أحمد بن محمد بن شارك الفقيه الشافعي، مفتي هراة ومحدثها، ومفسرها وأديبها، رحل الكثير وعني بالحديث، وروى عن محمد بن عبد الرحمن السامي، والحسن بن سفيان وطبقتهما. توفي سنة خمس وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين.

وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزايم، أبو إسحاق الكوفي، صاحب أبي عمرو أحمد بن أبي غرزة الغفاري.

وأبو علي النجاد الصغير، وهو الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي، تلميذ أبي محمد البربهاري، صنف في الأصول والفروع.

وفيها أبو محمد الرامهرمزي، الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الحافظ القاضي، صاحب المحدث الفاضل. روى عن مطين ومحمد بن حيان المازني وطبقتهما. قال أبو القاسم عبد الرحمن بن منده: عاش إلى قريب الستين وثلاثمائة.

والجابري، عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي، صاحب الجزء المشهور به، وشيخ أبي نعيم الحافظ. روى عن محمد بن أحمد بن أبي المثنى وغيره.

وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أحمد بن علك المروزي الجوهري المحدث، محدث مرو ومسندها. روى عن الفضل الشعراني، ومحمد بن أيوب بن الضريس.

وكشاجم، أحد فحول الشعراء، واسمه محمود بن حسين.

وأبو حفص العتكي الأنطاكي، عمر بن علي. روى عن ابن جوصا والحسن بن أحمد بن قيل وطبقتهما.

وأبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان الزاهد، أخو أبي عمرو بن حمدان، نزل خوارزم وحدث بها، عن محمد بن أيوب بن الضريس ومحمد ابن عمرو قشمرد وطبقتهما. أكثر عنه البرقاني.

ومحمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القماط. روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وغيره.

وفيها أبو جعفر الروذراوري، محمد بن عبد الله بن برزة، حدث بهمذان، سنة سبع وخمسين، عن تمتام وإسماعيل القاضي وإبراهيم بن ديزيل. قال صالح بن أحمد الحافظ: هو شيخ حضرته، ولم أحمد أمره. والحمد لله.

والنقوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني، آخر من روى في الدنيا عن إسحاق الدبري، وبقي إلى سنة سبع وستين وثلاثمائة، ورحل المحدثون إليه.

والنجيرمي، أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري، حدث في سنة خمس وستين عن أبي مسلم الكجي ومحمد بن حبان المازني وعدة.

سنة إحدى وستين وثلاثمائة

فيها أخذ ركب العراق، اعترضته بنو سليم وبنو هلال، وقتلوا خلقا، وبطل الحج، إلا طائفة نجت ومضت مع أمير الركب الشريف أبي أحمد الموسوي والد الشريف المرتضي.

وفيها مات الأسيوطي، أبو علي الحسن بن الخضر، في ربيع الأول. روى عن النسائي والمنجنيقي.

وفيها الخيام، خلف بن محمد بن إسماعيل، أبو صالح البخاري، محدث ما وراء النهر. روى عن صالح جزرة وطبقته. ولم يرحل. لينه أبو سعيد الإدريسي.، وعاش ستا وثمانين سنة.

وفيها الدراج، أبو عمر وعثمان بن عمر بن خفيف البغدادي المقرئ. روى عن ابن المجدر وطائفة. قال البرقاني: كان بدلا من الأبدال.

وفيها محمد بن الحارث بن أسد المحاسبي القيرواني، أبو عبد الله الحافظ، نزيل قرطبة، صنف كتاب الاختلاف والافتراق في مذهب مالك، وكتاب الفتيا، وكتاب تاريخ الأندلس، وكتاب تاريخ إفريقية، وكتاب النسب.

سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

فيها أخذت الروم نصيبين واستباحوها، وتوصل من نجا إلى بغداد، وقام معهم المطوعة، واستنفروا الناس، ومنعوا من الخطبة، وحاولوا الهجوم على المطيع، وصاحوا عليه بأنه عاجز مضيع لأمر المسلمين، فسار العسكر من جهة الملك م، عز الدولة بختيار، فالتقوا الروم، فنصروا عليهم، وأسروا جماعة من البطارقة، ففرح المسلمون.

وفي رمضان، قتل ببغداد رجل من أعوان الوالي، فبعث الوزير الشرازي -قبحه الله- من طرح النار، من النحاسين إلى السماكين فاحترق ببغداد حريق لم يسمع بمثله، واحترق فيه جماعة كثيرة في البيوت، فأحصي ذلك، فكان ثلاثمائة وسبعة عشر دكانا، وثلاثمائة وعشرين دارا، وثلاثة وثلاثين مسجدا فاستغاث رجل: أيها الوزير: أريتنا قدرتك، ونرجو من الله أن يرينا قدرته فيك. ثم إن الملك عز الدولة، قبض عليه وسلمه إلى الشريف أبي الحسن. فبعث به إلى الكوفة، وسقي ذراريح، فهلك في آخر السنة.

وفي رمضان قدم المعز أبو تميم العبيدي مصر، ومعه توابيت آبائه، ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزية، التي بناها مولاه جوهر، لما افتتح الإقليم، وقويت شوكة الرفض شرقا وغربا، وخفيت السنن وأظهرت البدع، نسأل الله العافية.

وفيها توفي عالم البصرة، أبو حامد المروروذي، أحمد بن عامر الشافعي، صاحب التصانيف، وصاحب أبي إسحاق المروزي، وكان إماما لا يشق غباره، تفقه به أهل البصرة.

وأحمد بن محمد بن عمارة، أبو الحارث الليثي الدمشقي. روى عن زكريا، خياط السنة وطائفة. وعمر دهرا.

وأبو إسحاق المزكي، إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري. قال الحاكم: هو شيخ نيسابور في عصره، وكان من العباد المجتهدين الحجاجين، المنفقين على العلماء والفقراء. سمع ابن خزيمة، وأبا العباس السراج، وخلقا كثيرا. وأملى عدة سنين، وكان يحضر مجلسه، أبو العباس الأصم فمن دونه. قلت: كان مثريا متمولا، عاش سبعا وستين سنة. توفي بعد خروجه من بغداد، ونقل إلى نيسابور، فدفن بها.

وفيها إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكاييل، الأمير أبو العباس، الأديب الممدوح بمقصورة ابن دريد، وتلميذ ابن دريد، وكان أبوه إذاك متولي الأهواز للمقتدر، فسمعه من عبدان الجواليقي.

وفيها أبو بحر البربهاري، محمد بن الحسن بن كوثر، في جمادى الأولى، وله ست وتسعون سنة. وهو ضعيف. روى عن الكديمي، ومحمد بن الفرج الأزرق وطبقتهما. قال الدارقطني: اقتصروا من حديثه على ما انتخبته فحسب.

وفيها أبو جعفر البلخي الهندواني، الذي كان من براعته في الفقه، يقال له: أبو حنيفة الصغير، توفي ببخارى، وكان شيخ تلك الديار في زمانه، واسمه محمد بن عبد الله بن محمد، وقد روى الحديث عن محمد بن عويل البلخي وغيره.

وفيها ابن فضالة المحدث أبو عمر، محمد بن موسى بن فضالة الأموي مولاهم الدمشقي، في ربيع الآخر. روى عن الحسن بن الفرج الغزي، وابن قصي العذري. قال عبد العزيز الغزي، وابن قصي العذري. قال عبد العزيز الكتاني: تكلموا فيه.

وابن هانئ، حامل لواء الشعر بالأندلس، وهو أبو الحسن وأبو القاسم، محمد بن هانئ الأزدي الأندلسي الإشبيلي. وكان منغمسا في اللذات والمحرمات، متهما بدين الفلاسفة. ولقد هموا بقتله، فهرب إلى القيروان، ومدح المعز واتصل به، وقد تفضي به المبالغة في المدح إلى الكفر. وشرب ليلة عند ناس، فأصبح مخنوقا، وهو في عشر الخمسين. وله ديوان كبير.

سنة ثلاث وستين وثلاثمائة

فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج، وثقل لسانه، فدعه الحاجب سبكتكين وهو صاحب السلطان عز الدولة إلى خلع نفسه، وتسليم الخلافة لولده الطائع لله، ففعل ذلك في ذي القعدة، وأثبت خلعه على قاضي القضاة، أبي الحسن بن أم شيبان.

وفيها أقيمت الدعوة بالحرمين للمعز العبيدي، وقطعت خطبة بني العباس، ولم يحج ركب العراق، لأنهم وصلوا إلى سميراء، فرأوا هلال ذي الحجة، وعلموا أن لا ماء في الطريق، فعدلوا إلى مدينة النبي ، وعرفوا بها، ثم قدموا الكوفة، في أول المحرم.

وفيها مات ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابي الحراني، الطبيب المؤرخ، صاحب التصانيف.

وجمح بن القاسم، أبو العباس المؤذن بدمشق. روى عن عبد الرحمن بن الرواس وطائفة.

وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي، صاحب الخلال، وشيخ الحنابلة، وعالمهم المشهور، وصاحب التصانيف. روى عن موسى بن هارون وأبي خليفة الجمحي وجماعة وتوفي في شوال، وله ثمان وسبعون سنة. وكان صاحب زهد وعبادة وقنوع رحمه الله.

وفيها أبو بكر النابلسي، محمد بن أحمد بن سهل الرملي الشهيد، سلخه صاحب مصر، المعز لدين الله وكان قد قال: لو كان معي عشرة أسهم، لرميت الروم سهما، ورميت بني عبيد تسعة، فبلغت القائد جوهر، فلما قرره، اعترف وأغلظ لهم، فقتلوه. وكان عابدا صالحا زاهدا، قوالا بالحق.

وفيها أبو الحسن الأبري، محمد بن الحسين السجستاني، مؤلف كتاب مناقب الشافعي. وآبر من عمل سجستان. روى عن ابن خزيمة وطبقته ورحل إلى الشام وخراسان والجزيرة.

وفيها محدث الشام الحافظ أبو العباس، محمد بن موسى بن الحسين ابن السمسار الدمشقي. روى عن محمد بن خريم، وابن جوصاء وطبقتهما. قال الكتاني: كان حافظا نبيلا، كتب القناطير، وحدث باليسير. قلت: ارتحل إلى مصر وإلى بغداد.

والمظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني، أبو القاسم. توفي بدمشق في هذا العام أو بعده، رحل به أبوه، وسمع من جعفر الفريابي والنسائي وطبقته.

والنعمان بن محمد بن منصور القيرواني، القاضي أبو حنيفة الشيعي ظاهرا الزنديق باطنا، قاضي قضاة الدولة العبيدية، صنف كتاب ابتداء الدعوة وكتابا في فقه الشيعة، وكتبا كثيرة تدل على انسلاخه من الدين، يبدل فيها معاني القرآن ويحرفها، مات بمصر في رجب، وولي بعده ابنه.

سنة أربع وستين وثلاثمائة

فيها أو بعدها، ظهرت العيارون واللصوص ببغداد، واستفحل شرهم، حتى ركبوا الخيل، وتلقبوا بالقواد، وأخذوا الضريبة من الأسواق. والدروب، وعم البلاء.

وفيها قطعت خطبة الطائع له ببغداد خمسين يوما، فلم تخطب لأحد، لأجل شغب وقع بينه وبين عضد الدولة، عند قدومه العراق، فإن عضد الدولة، قدم من شيراز، فأعجبه مملكة العراق، فاستمال الأمراء، فشغبوا على ابن عمه عز الدولة، فخاف وأغلق بابه، ثم كتب العضد على لسان الطائع لله، باستقرار السلطنة لعضد الدولة، وخلع على الوزير محمد بن بقية، ثم اضطربت الأمور عليه، وكتب أبوه ركن الدولة إليه يزجره، ويقول: أنت خرجت في نصرة ابن أخي، أو في أخذ مملكته منه؟ فرجع إلى إقليم فارس، وتزوج الطائع بابنة عز الدولة وكان القحط ببغداد شديدا، والتمر ثلاثة أرطال بدرهم.

وفيها توفي أبو بكر بن السني، الحافظ أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الدينوري، صاحب كتاب عمل يوم وليلة. رحل وكتب الكثير، وروى عن النسائي، وأبي خليفة وطبقتهما. وكان يكتب، فوضع القلم، ورفع يديه يدعو الله فمات في آخر يوم من السنة.

وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الوراق الأبزاري، في رجب، وله ست وتسعون سنة. طوف الكثير، وعني بالحديث، وروى عن مسدد بن قطن، والحسن بن سفيان، وإنما رحل على كبر.

وفيها سبكتكين حاجب معز الدولة، كان الطائع قد خلع عليه خلعة الملوك، وطوقه وسوره، ولقبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، وسقط من الفرس، فانكسرت رجله، وتوفي في المحرم، وخلف ألف دينار، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين جواهر، وثلاثة ألاف فرس، إلى نحو ذلك من الحواصل.

وفيها أبو هاشم، عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السلمي الدمشقي المؤدب، قرأ القرآن على أبي عبيدة ولد ابن ذكوان، وروى عن محمد بن المعفى الصيداوي، وأبي شيبة داود بن إبراهيم وطبقتهما. ورحل وتعب وجمع، وكان ثقة.

وفيها علي بن أحمد بن علي المصيصي. روى عن أحمد بن خليد الحلبي، وغيره.

وفيها المطيع لله، أبو القاسم الفضل بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي، ولد في أول سنة إحدى وثلاثمائة، وبويع بالخلافة في سنة أربع وثلاثين بعد المستكفي بالله. قال ابن شاهين: وخلع نفسه غير مكره، فيما صح عندي، في ذي القعدة سنة ثلاث وستين، ونزل عن الأمر لولده الطائع لله عبد الكريم، توفي في المحرم، وله أربع وستون سنة.

وفيها محمد بن بدر الأمير أبو بكر الحمامي الطولون، أمير بعض بلاد فارس. قال أبو نعيم: ثقة وقال ابن الفرات: كان له مذهب في الرفض. قلت: روى عن بكر بن سهل الدمياطي والنسائي.

وفيها أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي السليطي النيسابوري روى عن محمد بن إبراهيم البوشجني، وإبراهيم بن علي الذهلي وجماعة. وعاش اثنتين وتسعين سنة خمس وستين وثلاثمائة.

سنة خمس وستين وثلاثمائة

فيها طلب السلطان ركن الدولة، الحسن بن بويه، ولده عضد الدولة، فسار إليه، وقسم الملك على أولاده، فأعطي لمؤيد الدولة الري وأصبهان، ولفخر الدولة، همذان والدينور، وأقر عضد الدولة على فارس وكرمان وأرجان.

وفيها توفي أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم، أبو بكر الختلي، المحدث المقرئ المفسر، وله سبع وثمانون سنة. وكان ثقة ثبتا صالحا. روى عن أبي مسلم الكجي وطبقته.

والذارع أبو بكر أحمد بن نصر البغدادي، أحد الضعفاء والمتروكين. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة، حدث في هذه السنة، ومات فيها أو بعدها.

وإسماعيل بن نجيد، الإمام أبو عمرو السلمي النيسابوري، شيخ الصوفية بخراسان، في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة. أنفق أمواله على الزهاد والعلماء، وصحب الجنيد، وأبا عثمان الحيري، وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي، وأبا مسلم الكجي وطبقتهما. وكان صاحب أحوال ومناقب. قال أبو عبد الرحمن السلمي سبطه: سمعت جدي يقول: كل حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جل فإن ضرره على صاحبه، أكبر من نفعه.

وأبو علي الماسرجسي الحافظ، أحد أركان الحديث بنيسابور، الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين، توفي في رجب، وله ثمان وستون سنة. وروى عن جده، وابن خزيمة وطبقتهما. ورحل إلى العراق ومصر والشام. قال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، صنف المسند الكبير، مهذبا معللا في ألف وثلاثمائة جزء، وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد، وكان يحفظه مثل الماء، وصنف كتابا على البخاري، وآخر على مسلم، ودفن علم كثير بموته.

وفيها عبد الله بن أحمد بن إسحاق، أبو محمد الأصبهاني، والد أبي نعيم الحافظ، وله أربع وثمانون سنة. رحل وعني بالحديث، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته. وكانت رحلته في سنة ثلاثمائة.

وفيها ابن عدي، الحافظ الكبير، أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد ويعرف بابن القطان الجرجاني، مصنف الكامل في الجرح، وله ثمان وثمانون سنة. كتب الكثير سنة تسعين ومائتين، ورحل في سنة سبع وتسعين، وسمع أبا خليفة، وعبد الرحمن بن الرواس، وبهلول بن إسحاق وطبقتهم. قال ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه. وقال حمزة السهمي: كان حافظا متقنا، لم يكن في زمانه مثله، توفي في جمادى الآخرة.

وفيها أبو أحمد بن الناصح، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع ابن المفسرالدمشقي الفقيه الشافعي، في رجب بمصر. روى عن عبد الرحمن بن الرواس، وأبي بكر بن علي المروزي وطائفة.

وفيها القاضي ابن سليم، وهو أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر بن السليم الأندلسي، مولى بني أمية، كان رأسا في الفقه، رأسا في الزهد والعبادة. سمع أحمد بن خالد، وأبا سعيد بن الأعرابي، لقيه بمكة، توفي في رمضان سنة سبع وستين.

وفيها الشاشي القفال الكبير، أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الفقيه الشافعي، صاحب المصنفات، رحل إلى العراق والشام وخراسان. قال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في الحديث. سمع ابن جرير الطبري وابن خزيمة وطبقتهما: قلت: هو صاحب وجه في المذهب. قال الحليمي: كان شيخنا القفال، أعلم من لقيته من علماء عصره.

وفيها المعز لدين الله، أبو تميم سعد بن المنصور إسماعيل بن القائم ابن المهدي العبيدي، صاحب المغرب، الذي ملك الديار المصرية، ولي الأمر بعد أبيه، سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، ولما افتتح له مولاه جوهر سجلماسة وفاس، وسبتة، وإلى البحر المحيط، جهزه بالجيوش والأموال، فأخذ الديار المصرية، وبنى مدينة القاهرة المعزية، وكان مظهرا للتشيع، معظما لحرمات الإسلام، حليما كريما، وقورا حازما سريا، يرجع إلى عدل وإنصاف في الجملة، توفي في ربيع الآخر، وله ست وأربعون سنة.

سنة ست وستين وثلاثمائة

فيها كان الحرب بين عضد الدولة، وابن عمه الدولة بختيار، أسر فيها غلام لعز الدولة، فكاد يموت من جزعه لفراقه، وامتنع من الأكل، وأخذ في البكاء، وبقي ضحكة بين الناس، وبعث يتذلل بكل ممكن لعضد الدولة، وبعث له جاريتين بمائة ألف، فرده عليه.

وفيها حجت جميلة بنت الملك ناصر الدولة ابن حمدان، وصار حجها يضرب به المثل، فإنها أغنت المجاورين، وقيل كان معها أربعمائة كجاوية، لا يدرى في أيها هي، لكونهن كلهن في الحسن والرتبة نسبة، ونثرت على الكعبة لما دخلتها، عشرة آلاف دينار.

وفيها مات ملك القرامطة، الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي القرمطي، الذي استولى على أكثر الشام، وهزم جيش المعز، وقتل قائدهم جعفر بن فلاح، وذهب إلى مصر وحاصرها شهورا، قبل مجيء المعز، وكان يظهر طاعة الطايع لله، وله شعر وفضيلة، ولد بالحساء، ومات بالرملة.

وركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه، أخو معز الدولة أحمد، وعماد الدولة علي، الديلمي العجمي، صاحب أصبهان والري، وعراق العجم، وكان ملكا جليلا عاقلا، بقي في الملك خمسا وأربعين سنة. وزر له ابن العميد، ومات بالقولنج في المحرم، وقد نيف على الثمانين.

والمستنصر بالله، أبو مروان الحكم، صاحب الأندلس، وابن صاحبها الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني ولي ست عشرة سنة. وعاش ثلاثا وستين سنة. وكان حسن السيرة، محبا للعلم، مشغوفا بجمع الكتب والنظر فيها، بحيث إنه جمع منها ما لم يجمعه أحد قبله ولا جمعه أحد بعده، حتى ضاقت خزائنه عنها، وسمع من قاسم بن أصبغ وطائفة. وكان بصيرا بالأدب والشعر، وأيام الناس، وأنساب العرب، متسع الدائرة، كثير المحفوظ، ثقة فيما ينقله، توفي في صفر بالفالج.

وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد النيسابوري المعدل سمع من مسدد بن قطن، وابن شيرويه، وفي الرحلة من الهيثم بن خلف، وهذه الطبقة. حدث بمسند إسحاق بن راهويه، وعاش ثلاثا وثمانين سنة.

وأبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري السراج المقرئ، الرجل الصالح. رحل وكتب عن مطين، وأبي شعيب الحراني وطبقتهما. قال الحاكم: قل من رأيت أكثر اجتهادا وعبادة منه، وكان يقرئ القر آن، توفي يوم عاشوراء.

وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله زكريا بن حيويه النيسابوري، ثم المصري القاضي. سمع بكر بن سهل الدمياطي، والنسائي وطائفة. توفي في رجب، وهو في عشر التسعين أو جاوزها.

سنة سبع وستين وثلاثمائة

لما مات ركن الدولة، قصد ولده عضد الدولة العراق، ووازر القرامطة، وهرب منه عز الدولة بختيار صاحب بغداد، وتفرقت عنه الديلم، وخرج الطائع لله يتلقى عضد الدولة، وعملت القباب، ودخل الباب، ثم خرج لحرب عز الدولة فالتقوا، فظفر بعز الدولة أسيرا، ثم قتله.

وفيها هلك صاحب هجر، أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي القرمطي.

وفيها توفي أبو القاسم النصراباذي، إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري الزاهد الواعظ، شيخ الصوفية، والمحدثين. سمع ابن خزيمة بخراسان، وابن صاعد ببغداد، وابن جوصاء بالشام، وأحمد العسال بمصر، وكان يرجع إلى فنون من الفقه والحديث والتاريخ وسلوك الصوفية، ثم حج وجاور سنتين، ومات بمكة، في ذي الحجة.

وفيها توفي عز الدولة الملك أبو منصور بختيار الملك معز الدولة، أحمد بن بويه الديلمي، وكان شديد القوى، قيل إنه كان يمسك بقرني الثور فيصرعه، التقى هو وابن عمه عضد الدولة في شوال، فقتل في المعركة، وحمل رأسه إلى بين يدي عضد الدولة، فبكى ورق له، وعاش ستا وثلاثين سنة.

والغضنفر عدة الدولة، أبو تغلب بن الملك ناصر الدولة بن حمدان، ولي الموصل بعد أبيه مدة، ثم قصده عضد الدولة، فعجز وهرب إلى الشام، واستولى عضد الدولة على مملكته، ومر الغضنفر بظاهر دمشق، وقد غلب عليها قسام العيار، ثم كتب إلى العزيز العبيدي، أن يوليه نيابة الشام، ثم نزل إلى الرملة في سنة سبع، فالتقاه مفرج الطائي، فأسره وقتل كهلا.

والذهلي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء بغداد، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء الديار المصرية، فاستناب على دمشق، وحدث عن بشر بن موسى، وأبي مسلم الكجي وطبقتهما. وكان مالكي المذهب، فصيحا مفوها، شاعرا أخباريا، حاضر الجواب، غزير الحفظ، توفي وقد قارب التسعين.

وابن السلم، قاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر الأندلسي، وله خمس وستون سنة كان رأسا في الزهد والعبادة وسمع أحمد بن خالد وأبا سعيد بن الأعرابي منه بمكة توفي في رمضان، وقد ذكر سهوا سنة خمس.

وابن قريعة، القاضي البغدادي، أبو بكر محمد بن عبد الرحمن، أخذ عن أبي بكر بن الأنباري وغيره، وكان ظريفا مزاحا، صاحب نوادر وسرعة جواب، وكان نديما للوزير المهلبي، ولي قضاء بعض الأعمال، وقد نيف على الستين.

وابن القوطية، أبو بكر محمد بن عمر القرطبي النحوي، كان رأسا في اللغة والنحو، حافظا للأخبار وأيام الناس، فقيها محدثا متقنا، كثير التصانيف، صاحب عبادة ونسك، كان أبو علي القالي يبالغ في تعظيمه. توفي في ربيع الأول، وقد روى عن سعيد بن جابر، وظاهر بن عبد العزيز وطبقتهما.

وابن بقية، الوزير نصر الدولة أبو الطاهر، محمد بن محمد بن بقية بن علي، أحد الرؤساء والأجواد، تنقلت به الأحوال، ووزر لعز الدولة بختيار، وقد كان أبوه فلاحا بأوانا، ثم عزل وسمل، ولما تملك عضد الدولة، قتله وصلبه في شوال، ورثاه محمد بن عمر الأنباري بكلمته السايرة البديعة: "علو في الحياة وفي الممات". وعاش سبعا وخمسين سنة.

ويحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى الليثي القرطبي، أبو عيسى الفقيه المالكي، راوي الموطأ عاليا.

سنة ثمان وستين وثلاثمائة

تمن عضد الدولة، وضربت له ثلاثة أوقات في النهار، وهذه رتبة لم تعمل لمعز الدولة، ولا لابنه.

وفيها توفي القطيعي، أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي، مسند العراق، وكان يسكن بقطيعة الدقيق. روى عن عبد الله بن الإمام أحمد، المسند، وسمع من الكديمي، وإبراهيم الحربي، والكبار. توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة. وكان شيخا صالحا.

والسيرافي، أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان، صاحب العربية، كان أبوه مجوسيا فأسلم، وسمي عبد الله، تصدر أبو سعيد لإقراء القراءات والنحو واللغة والعروض والفقه والحساب، وكان رأسا في النحو، بصيرا بمذهب أبي حنيفة، قرأ القرآن على ابن مجاهد، وأخذ اللغة عن ابن دريد، والنحو عن ابن السراج، وكان ورعا يأكل من النسخ، وكان ينسخ الكراس بعشرة دراهم، لبراعة خطه، ذكر عنه الاعتزال، ولم يظهر منه، ومات في رجب، عن أربع وثمانين سنة.

وفيها أبو القاسم الآبندوني، عبد الله بن إبراهيم الجرجاني الحافظ، سكن بغداد، وحدث عن أبي خليفة، والحسن بن سفيان وطبقتهما. قال الحاكم: كان أحد أركان الحديث. وقال البرقاني. كان محدثا زاهدا متقللا من الدنيا، لم يكن يحدث غزو أحد، لسوء أدب الطلبة، وحديثهم وقت السماع، عاش خمسا وتسعين سنة.

والرخجي، القاضي أبو الحسين عيسى بن حامد البغدادي الفقيه، أحد تلامذة ابن جرير. روى عن محمد بن جعفر القتات وطبقته، ومات في ذي الحجة عن سن عالية.

والجلودي الزاهد، أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه النيسابوري، راوية صحيح مسلم، عن أبي سفيان الفقيه. سمع من جماعة، ولم يرحل. قال الحاكم: هو من كبار عباد الصوفية، وكان ينسخ بالأجرة، ويعرف مذهب سفيان وينتحله، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وثمانين سنة. قرأ على ابن مجاهد.

والحجاجي، أبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب النيسابوري، الحافظ الثقة المقرئ العبد الصالح الصدوق. في ذي الحجة عن ثلاث وثمانين سنة قرأ على ابن مجاهد، وسمع م عمر بن أبي غيلان، وابن خزيمة، وهذه الطبقة، بمصر والشام والعراق وخراسان، وصنف العلل والشيوخ والأبواب. قال الحاكم: صحبته نيفا وعشرين سنة. فما أعلم أن الملك كتب عليه خطيئة، وسمعت أبا علي الحافظ يقول: ما في أصحابنا، أفهم ولا أثبت منه، وأنا ألقبه بعفان لثبته رحمه الله تعالى.

وهفتكين التركي الشرابي، خرج عن بغداد، خوفا من عضد الدولة، ونزل الشام، فتملك دمشق بإعانة أهلها، في سن أربع وستين، ورد الدعوة العباسية، ثم سار إلى صيدا، وحارب المصريين، فقدم لحربه القائد جوهر، وحاصره بدمشق، سبعة أشهر، ثم ترحل عنه، فساق وراء جوهر، فالتقوا بعسقلان، فهزم جوهرا، وتحصن جوهر بعسقلان، فحاصره هفتكين بها خمسة عشر شهرا، ثم أمنه، فنزل وذهب إلى مصر، فصادف العزيز صاحب مصر، قد جاء في نجدته، فرد معه، فكانوا سبعين ألفا، فالتقاهم هفتكين، فأخذوه أسيرا، في أول سنة ثمان هذه، ثم من عليه العزيز، وأعطاه إمرة، فخاف منه ابن كلس الوزير وقتله، وسقاه سما، وكان يضرب بشجاعته المثل.

سنة تسع وستين وثلاثمائة

فيها ورد رسول العزيز صاحب مصر والشام، إلى عضد الدولة، ثم ورد رسول آخر، فأجابه بما مضمونه، صدق الطوية وحسن النية.

وفيها توفي أحمد بن عطاء الروذباري، أبو عبد الله الزاهد، شيخ الصوفية نزيل صور. روى عن أبي القاسم البغوي وطبقته. قال القشيري: كان شيخ الشام في وقته، وضعفه بعضهم، فإنه روى عن إسماعيل الصفار، مناكير تفرد بها.

وابن شاقلا، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البغدادي البزار، شيخ الحنابلة، وتلميذ أبي بكر عبد العزيز، توفي كهلا في رجب، وكان صاحب حلقة للفتيا والأشغال بجامع المنصور.

والجعل، واسمه ال حسين بن علي البصري الحنفي العلامة، صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة. وكان رأس المعتزلة، قاله أبو إسحاق في طبقات الفقهاء.

وابن ماسي المحدث، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن ماسي البزار ببغداد، في رجب، وله خمس وتسعون سنة. قال البرقاني وغيره: ثقة ثبت. روى عن أبي مسلم الكجي وطائفة.

وأبو الشيخ، الحافظ أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني، صاحب التصانيف، في سلخ المحرم، وله خمس وتسعون سنة. وأول سماعه في سنة أربع وثمانين ومائتين، من إبراهيم بن سعدان؛ وابن أبي عاصم؛ وطبقتهما. ورحل في حدود الثلاثمائة، وروى عن أبي خليفة وأمثاله، بالموصل وحران والحجاز والعراق. قال أبو بكر بن مردويه: ثقة مأمون، صنف التفسير، والكتب الكثيرة في الأحكام، وغير ذلك. وقال الخطيب: كان حافظا ثبتا متقنا. وقال غيره: كان صالحا عابدا قانتا لله تعالى، ثقة كبير القدر.

والصعلوكي، الإمام أبو سهل محمد بن سليمان العجلي الحنفي النيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان. قال فيه الحاكم: أبو سهل الصعلوكي، الشافعي اللغوي المفسر النحوي المتكلم المفتي الصوفي، حبر زمانه، وبقية أقرانه، ولد سنة تسعين ومائتين، واختلف إلى ابن خزيمة، ثم إلى أبي علي الثقفي، وناظر، وبرع وسمع من أبي العباس السراج وطبقته. وقال الصاحب ابن عباد: ما رأى أبو سهل مثل نفسه، ولا رأينا مثله. قلت: وهو صاحب وجه في المذهب، ومن غرائبه وجوه وجوب النية لإزالة النجاسة، وأن من نوى غسل الجنابة والجمعة معا لا يجزئه لواحد منهما، توفي في ذي القعدة.

وابن أم شيبان، قاضي القضاة، أبو الحسن محمد بن صالح بن علي الهاشمي العباسي العيسوي الكوفي. روى عن عبد الله بن زيدان البجلي، وجماعة. وقدم بغداد مع أبيه، فقرأ على ابن مجاهد، وتزوج بابنة قاضي القضاة، أبي عمر محمد بن يوسف قال طلحة الشاهد: وهو رجل عظيم القدر، واسع العلم، كثير الطلب، حسن التصنيف، متوسط في مذهب مالك، متفنن. قال ابن أبي الفوارس: نهاية في الصدق، نبيل فاضل، ما رأينا في معناه مثله توفي فجأة في جمادى الأولى، وله بضع وسبعون سنة.

والنقاش المحدث، لا المقرئ، أبو بكر محمد بن علي بن الحسن المصري الحافظ، نزيل تنيس، وله سبع وثمانون سنة. روى عن شيخ النسائي محمد بن جعفر الإمام، ورحل، فسمع من النسائي، وأبي يعلي، وعبدان وخلائق. رحل إليه الدراقطني وغيره.

وأبو عمرو، محمد بن محمد بن صابر البخاري، المؤذن، صاحب صالح جزرة، الحافظ ومسند أهل بخارى.

والباقرحي، صاحب المشيخة، أبو علي مخلد بن جعفر الفارسي الدقاق ببغداد، في ذي الحجة. روى عن يوسف بن يعقوب القاضي وطبقته. ولم يكن يعرف شيئا من الحديث، فأدخلوا عليه وأفسدوه.

سنة سبعين وثلاثمائة

فيها رجع عضد الدولة من همذان، فلما وصل بغداد، بعث إلى الطائع لله ليتلقاه فما وسعه التخلف، ولم تجر عادة بذلك أبدا، وأمر قبل دخوله، أن من تكلم أو دعا له قتل، فما نطق مخلوق، فأعجبه ذلك. وكان عظيم الهيبة، شديد العقوبة على الذنب الصغير.

وفيها توفي أبو بكر الرازي، أحمد بن علي الفقيه، شيخ الحنفية ببغداد، وصاحب أبي الحسن الكرخي في ذي الحجة، وله خمس وستون سنة. انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان مشهورا بالزهد والدين، عرض عليه قضاء القضاة، فامتنع. وله عدة تصانيف. روى فيها عن الأصم وغيره.

واليشكري، أحمد بن منصور الدينوري الأخباري، مؤدب الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر. روى عن ابن دريد وطائفة، وله أجزاء منسوبة إليه، رواها الأمير حسن.

وبشر بن أحمد بن بشر، أبو سهل الإسفراييني الدهقان، المحدث الجوال. روى ع إبراهيم بن علي الذهلي، وقرأ على الحسن بن سفيان مسنده، ورحل إلى بغداد والموصل، وأملى زمانا، وتوفي في شوال، عن نيف وتسعين سنة.

والسبيعي، الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح الحلبي. روى عن عبد الله بن ناجية وطبقته. ومات في آخر السنة، وكان شرس الأخلاق، وقيل توفي في العام الآتي.

والحسن بن رشيق العسكري، أبو محمد المصري الحافظ، في جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة. قال يحيى بن الطحان: روى عن النسائي، وأحمد بن حماد زغبة، وخلق لا أستطيع ذكرهم، ما رأيت عالما أكثر حديثا منه.

وابن خالويه، الأستاذ أبو عبيد الله الحسين بن أحمد الهمذاني النحوي اللغوي، صاحب التصانيف، وشيخ أهل حلب، أخذ عن ابن مجاهد، وأبي بكر بن الأنباري، وأبي عمر الزاهد.

والقباب، وهو الذي يعمل المحابر، أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد ابن فورك بن عطاء الأصبهاني المقرئ، وله بضع وتسعون سنة. قرأ على ابن شنبوذ. وروى عن محمد بن إبراهيم الجيراني وعبد الله بن محمد بن النعمان والكبار. وصار شيخ ناحيته، توفي في ذي القعدة.

والأزهري، العلامة أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي اللغوي النحوي الشافعي، صاحب تهذيب اللغة وغيره من المصنفات الكبار، الجليلة المقدار، بهراة، في ربيع الآخر، وله ثمان وثمانون سنة. روى عن البغوي ونفطويه، وأبي بكر بن السراج، وترك الأخذ عن ابن دريد تورعا لأنه رآه سكران، وقد بقي الأزهري في أسر القرامطة مدة طويلة.

وغندر، الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر البغدادي الوراق، رحال جوال، توفي بأطراف خراسان غريبا. سمع بالشام والعراق ومصر والجزيرة. وروى عن الحسن بن شبيب المعمري، ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما. قال الحاكم: دخل إلى أرض الترك، وكتب من الحديث، ما لم يتقدمه فيه أحد كثرة.

وممن توفي بعد الستين وثلاثمائة:

الرفا الشاعر، أبو الحسن السري بن أحمد الكندي الموصلي، صاحب الديوان المشهور، مدح سيف الدولة، والوزير المهلبي والكبار.

وفاروق بن عبد الكبير، أبو حفص الخطابي البصري، محدث البصرة ومسندها. روى عن الكجي، وهشام بن علي السيرافي، ومحمد بن يحيى القزاز، وكان حيا في سنة إحدى وستين.

وابن مجاهد، المتكلم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب ابن مجاهد الطائي، صاحب الأشعري، وذو التصانيف الكثيرة في الأصول، قدم من البصرة، فسكن بغداد، وعنه أخذ القاضي أبو بكر ابن الباقلاني، وكان دينا صينا خيرا.

والنقوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني، أخر من روى في الدنيا عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، رحل المحدثون إليه، في سنة سبع وستين وثلثمائة.

والنجيرمي، أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري، حدث في سنة خمس وستين، عن أبي مسلم والكجي، ومحمد بن حيان المازني.

سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة

فيها توفي الإسماعيلي، الإمام الحبر الجامع، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه الشافعي، ذو التصانيف الكبار، في الحديث وفي الفقه، بجرجان، في غرة رجب، وله أربع وتسعون سنة. أول سماعه في سنة تسع وثمانين، ورحل في سنة أربع وتسعين ومائتين، إلى الحسن بن سفيان، ثم خرج إلى العراق، سنة ست وتسعين، وسمع من يوسف بن يعقوب القاضي، إبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما. وكان ثقة حجة كثير العلم.

والمطوعي، أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المقرئ، نزيل إصطخر، أسند من في الدنيا في القراءات، قرأ القراءات على أصحاب الدوري، وخلف، وابن ذكوان والبزي، وحدث عن أبي خليفة، والحسن بن المثنى، ضعفه ابن مردويه. وقال أبو نعيم، ليس به بأس في روايته. قلت: عاش مائة سنة وسنتين، قال الخزاعي: كان أبو سعيد، واعظا محدثا.

والزيدي، عبد الله بن إبراهيم بن جعفر، أبو الحسين البغدادي البزار، في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن الحسن بن علوية القطان، والفريابي وطائفة.

وابن التبان، شيخ المالكية بالمغرب، أبو محمد عبد الله بن إسحاق القيرواني. قال القاضي عياض: ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار، وكان عابدا، بعيدا من التصنع والرياء، فصيحا.

وأبو زيد المروزي الإمام، الشافعي، محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد، حدث بالعراق ودمشق ومكة. وروى الصحيح عن الفربري، ومات بمرو، في رجب، وله سبعون سنة. قال الحاكم: كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظرا، وأزهدهم في الدنيا. قال أبو إسحاق الشيرازي: هو صاحب أبي إسحاق المروزي، أخذ عنه أبو بكر القفال المروزي، وفقهاء مرو.

ومحمد بن خفيف الزاهد، أبو عبد الله الشيرازي، شيخ إقليم فارس، وصاحب الأحوال والمقامات. روى عن حماد بن مدرك وجماعة. قال السلمي: هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان لم يبق للقوم أقدم منه سنا، ولا أتم حالا، متمسك بالكتاب والسنة، فقيه على مذهب الشافعي، كان من أولاد الأمراء فتزهد، توفي في ثالث رمضان، عن خمس وتسعين سنة. وقيل عاش مائة سنة وأربع سنين.

سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة

فيها أدير المارستان العضدي، الذي أنشأه السلطان عضد الدولة ببغداد، وأنفق عليه أموالا لا تحصى.

وفي شوال، مات عضد الدولة فناخسرو بن الملك ركن الدولة الحسن ابن بويه، ولي سلطنة بلاد فارس، بعد عمه عماد الدولة علي، ثم حارب ابن عمه عز الدولة، واستولى على العراق أيضا وعلى الجزيرة، ودانت له الأمم، وهو من خوطب شاهنشاه في الإسلام، وكان أديبا مشاركا في فنون من العلم، وله صنف أبو علي الإيضاح والتكملة. وقصده الشعراء من البلاد، كالمتنبي، وأبي الحسن السلامي، ومات بعلة الصرع، في شوال ببغداد، وله ثمان وأربعون سنة. دفنوه بمشهد علي رضي الله عنه، وكان شيعيا غاليا، وهو الذي أظهر قبر علي بزعمه، وبنى عليه المشهد، وكان شهما مطاعا سجاعا حازما ذكيا، متيقظا مهيبا، سفاكا للدماء، له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، وليس في بني بويه مثله، وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام، فإذا هو ثلاثمائة ألف ألف، وعشرون ألف ألف درهم، وجدد مكوسا ومظالم، ولما نزل به الموت، كان يقول: ما أعنى عني ماليه هلك عني سلطانيه.

والنصروي، أبو منصور العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه بضاد معجمة مسند هراة. روى عن أحمد بن نجدة ومحمد بن عبد الرحمن السامي وطائفة، وثقة الخطيب، ومات في شعبان.

والغزي، أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف، الذي يروي الموطأ عن الحسن بن الفرج الغزي، صاحب يحيى بن بكير، ورخه أبو القاسم بن منده.

وابن بخيت العدل، أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدقاق ببغداد، في ذي القعدة. روى عن خلف العكبري، والفريابي.

وابن خميرويه العدل، أبو الفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه بن سيار الهروي، محدث هراة. روى عن علي الحيكاني، وأحمد بن نجدة وجماعة.

سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة

في المحرم، أظهرت وفاة عضد الدولة، وكانت أخفيت، حتى أحضروا ولده صمصام الدولة فجلس للعزاء، ولطموا عليه أياما في الأسواق، وجاء الطائع إلى صمصام الدولة فعزاه، ثم ولاه الملك، وعقد له لواءين، ولقبه شمس الدولة، وبعد أيام، جاء الخبر بموت مؤيد الدولة أخو عضد الدولة بجرجان، وولي مملكته، أخوه فخر الدولة، الذي وزر له إسماعيل بن عباد.

وفيها كان القحط العظيم ببغداد، وبلغ حساب الغرارة أربعمائة.

وفيها توفي أبو بكر الشذائي، أحمد بن نصر البصري المقرئ، أحد القراء الكبار، تلا على عمر بن محمد الكاغدي، وابن شنبوذ، وجماعة وتصدر وأقرأ.

وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني العدل، المعروف بالقصار، نزيل نيسابور. روى عن عبد الله بن شيرويه والسراج، وغيره. وكان ممن جاوز المائة.

وبلكين بن زيري بن مناد، الأمير أبو الفتوح الصنهاجي، نائب المعز العبيدي على المغرب، وكان حسن السيرة، جيد السياسة، بقي على القيروان، اثنتي عشرة سنة. وكانت له أربعمائة سرية، يقال إنه ولد له في فرد يوم، بضعة عشر ولدا ذكرا.

وأبو علي، الحسين بن محمد بن حبش الدينوري المقرئ، صاحب موسى ابن جرير الرقي.

وأبو عثمان المغربي، سعيد بن سالم الصوفي العارف، نزيل نيسابور. قال السلمي: لم ير مثله في علو الحال، وصون الوقت.

وأبو محمد بن السقا، الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي. روى عن أبي خليفة، وعبدان وطبقتهما. وما حدث إلا من حفظه، توفي في جمادى الآخرة، وكان من كبراء أهل واسط، وأولي الحشمة، رحل به أبوه.

وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي، أخو محمد، وكانا توأمين. روى عن يوسف القاضي، وعاش نيفا وتسعين سنة. فاحتيج إليه، وكان جاهلا. قال البرقاني: أعطيته الكتاب ليحدثنا من لفظة، فلم يدر ما يقول. فقلت له: سبحان الله، حدثكم يوسف القاضي. فقال: سبحان الله، حدثكم يوسف القاضي. قال الجوهري: سمعت منه في سنة ثلاث. قلت: لم يؤرخه الخطيب ولا غيره.

والفضل بن جعفر، أبو القاسم التميمي، المؤذن الرجل الصالح بدمشق، وهو راوي نسخة أبي مسهر، عن عبد الرحمن بن القاسم الرواس، وكان ثقة.

ومحمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة، أبو بكر الكرخي النحوي بهمذان، أحد المتروكين، ذكر أنه بلغ مائة سنة واثنتي عشرة سنة وروى عن أسيد بن عاصم، وإبراهيم بن ديزيل، وإسحاق بن إبراهيم الدبري.

ومحمد بن محمد بن يوسف بن مكي، أبو أحمد الجرجاني. روى عن البغوي وطبقته. وحدث بصحيح البخاري عن البغوي، وتنقل في النواحي. قال أبو نعيم: ضعفوه، سمعت منه الصحيح.

سنة أربع وسبعين وثلاثمائة

فيها توفي إسحاق بن سعد بن الحافظ الحسن بن سفيان، أبو يعقوب النسوي. روى عن جده، وفي الرحلة عن محمد بن المجدر وطبقتهما.

وعبد الرحمن بن محمد بن حيكا العلامة أبو سعيد الحنفي الحاكم بنيسابور، في شعبان، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن أبي يعلى الموصلي، والبغداديين، وولي قضاء ترمذ.

وابن نباتة، خطيب الخطباء، أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباته الفارقي، مصنف الخطب المشهورة، ولي خطابة حلب لسيف الدولة فيما قيل، ومات في الكهولة.

وعلي بن النعمان بن محمد، قاضي القضاة بالديار المصرية، ولي بعد أبيه، وكان شيعيا غاليا، وشاعرا مجودا.

وأبو الفتح الأزدي، الحافظ محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي، نزيل بغداد، صنف في علوم الحديث، وفي الضعفاء، وحدث عن أبي يعلى، ومحمد بن جرير الطبري وطبقتهما. ضعفه البرقاني.

والربعي، أبو بكر محمد بن سليمان الدمشقي البندار. روى عن أحمد ابن عامر، ومحمد بن الفيض الغساني وطبقتهما. توفي في ذي الحجة.

سنة خمس وسبعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو زرعة، أحمد بن الحسين الرازي الصغير الحافظ، رحل وطوف، وجمع وصنف، وسمع من أبي حامد بن بلال، والقاضي المحاملي وطبقتهما. قال الخطيب: كان حافظا متقنا، جمع الأبواب والتراجم.

والبحيري، أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري. سمع ابن خزيمة ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما. واستملى عليه الحاكم.

وحسينك، الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد التميمي النيسابوري. روى عن ابن خزيمة، والسراج، وعمر بن أبي غيلان، وعبد الله بن زيدان، والكبار. وكان رئيسا محتشما حجة، توفي في ربيع الآخر. قال الحاكم: صحبته حضرا وسفرا، نحو ثلاثين سنة. فما رأيته ترك قيام الليل، وكان يقرأ كل ليلة سبعا، وأخرج مرة عن نفسه عشرة إلى الغزو.

والعسكري، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق. روى عن محمد بن يحيى المروزي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما.

وأبو مسلم بن مهران، الحافظ العابد العارف، عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن مهران البغدادي. روى عن البغوي، وأبي عروبة وطبقتهما. ورحل إلى خراسان والشام والجزيرة، ثم دخل بخارى وأقام بتلك الديار، نحوا من ثلاثين سنة. وصنف المسند، ثم نزهد وانقبض عن الناس، وجاور بمكة، وكان يجتهد أن لا يظهر للمحدثين ولا لغيرهم. قال ابن أبي الفوارس: صنف أشياء كثيرة، وكان ثقة زاهدا، ما رأينا مثله.

والخرقي، أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي. روى عن أحمد ابن الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدوري، وجماعة. وكان ثقة.

والداركي أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الشافعي، نزيل نيسابور، ثم بغداد. انتهى إليه معرفة المذهب، قال أبو حامد الاسفراييني: ما رأيت أفقه منه. وقال ابن أبي الفوارس: كان يتهم بالاعتزال. قلت: وهو صاحب وجه في المذهب، تفقه على أبي إسحاق المروزي، وحدث عن جده لأمه الحسن بن محمد الداركي ودارك من قرى أصبهان توفي في شوال وهو في عشر الثمانين.

وأبو حفص بن الزيات، عمر بن محمد بن علي البغدادي، قال ابن أبي الفوارس: كان ثقة متقنا، جمع أبوابا وشيوخا. وقال البرقاني: ثقة مصدق. قلت: روى عن إبراهيم بن شريك والفريابي وطبقتهما. ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة.

والأبهري، القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التميمي، شيخ المالكية العراقيين، وصاحب التصانيف، توفي في شوال، وهو في عشر السبعين، وسمع الكثير بالشام والعراق والجزيرة، وروى عن الباغندي، وعبد الله ابن زيدان البجلي وطبقتهما، وسئل أن يلي قضاء القضاة، فامتنع.

والميانجي، القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي، المحدث، نزيل دمشق، ناب في القضاء مدة، عن قاضي قضاة بني عبيد، أبي الحسن علي بن النعمان، وحدث عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان وطبقتهما. ورحل إلى الشام والجزيرة وخراسان والعراق، وتوفي في شعبان، وقد قارب التسعين.

سنة ست وسبعين وثلاثمائة

شرعت دولة بني بويه تضعف، فمال العسكر عن صمصام الدولة، إلى أخيه شرف الدولة، فذل الصمصام، وسافر إلي أخيه، راضيا بما يعامله به، فدخل وقبل الأرض مرات، فقال له شرف الدولة: كيف أنت، أوحشتنا. ثم اعتقله، فوقع بين الديلم وكانوا تسعة عشر ألفا وبين الترك وكانوا ثلاثة آلاف فالتقوا، فاننهزمت الديلم، وقتل منهم نحو ثلاثة آلاف، وحفت الترك بشرف الدولة، وقدموا به بغداد، فأتاه الطائع يهنئه ثم خفي خبر صمصام الدولة ثم أمسك وأكحل، فلم تطل للشرف مدة.

وفيها توفي أبو إسحاق المستملي، إبراهيم بن أحمد البلخي الحافظ. سمع الكثير، وخرج لنفسه معجما، وحدث بصحيح البخاري مرات عن الفربري، وكان ثقة صاحب حديث.

وأبو سعيد السمسار، الحسن بن جعفر بن الوضاح البغدادي الحربي الخرقي، حدث عن محمد بن يحيى المروزي، وأبي شعيب الحراني وطبقتهما. قال العتيقي: فيه تساهل.

وأبو الحسن الجراحي، علي بن الحسن البغدادي، القاضي المحدث. روى عن حامد بن شعيب والباغندي. قال البرقاني: اتهم في روايته عن حامد.

وأبو الحسن البكائي، علي بن عبد الرحمن الكوفي شيخ الكوفي روى عن مطين، وأبي حصين الوادعي وطائفة. وعاش أكثر من تسعين سنة.

وابن سبنك، أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي البغدادي القاضي. روى عن محمد بن حبان، والباغندي، وجماعة. وعاش خمسا وثمانين سنة.

وقسام الحارثي، من أهل تلفيتا بجبل سنير، كان ترابا ثم تنقلت الأحوال به، وصار مقدم الأحداث والشباب بدمشق، وكثرت أعوانه حتى غلب على دمشق حتى لم يبق للنائب معه أمر، فسار جيش من مصر، لقصده ولمحاربته، فضعف أمر قسام، واختفى، ثم استأمن فقيدوه، وبعث إلى مصر في هذا العام، فعفي عنه وخمل أمره.

وأبو عمر بن حمدان الجيري وهو، محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري النحوي، مسند خراسان، توفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع بنيسابور ولسا والموصل وجرجان وبغداد والبصرة. وروى عن الحسن بن سفيان، وزكريا الساجي، وعبدان، وخلائق. وكان مقرئا عارفا بالعربية، له بصر بالحديث، وقدم في العبادة، كان المسجد فراشه ثلاثين سنة. ثم لما ضعف وعمي، حولوه.

وأبو بكر الرازي، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان الصوفي الواعظ، والد المحدث أبي مسعود، أحمد بن محمد البجلي الرازي. روى عن يوسف بن الحسين الرازي، وابن عقدة وطائفة، وهو صاحب مناكير وغرايب، ولا سيما في حكايات الصوفية.

سنة سبع وسبعين وثلاثمائة

رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة، فمن ذلك، أنه رد على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر، جميع أملاكه، وكان مغلها في العام، ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم، وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف.

وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري. روى عن النسائي مجلسين، وهو آخر من روى عنه.

وإسحاق بن المقتدر بالله، توفي في ذي القعدة، عن ستين سنة. وصلى عليه ولده القادر بالله، الذي ولي الخلافة بعد الطائع.

وأمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، حفظت القرآن والفقه والنحو والفرائض والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.

وأبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي، صاحب التصانيف، ببغداد في ربيع الأول، وله تسع وثمانون سنة. وكان مت؟ هما بالاعتزال، وقد فضله بعضهم على المبرد، وكان عديم المثل.

وابن لولو الوراق، أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي الشيعي. روى عن علي بن إبراهيم بن شريك، وحمزة الكاتب، والفريابي وطبقتهم. توفي في المحرم، وله ست وتسعون سنة. وكان ثقة، يحدث بالأجرة.

وأبو الحسن الأنطاكي، علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي، قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي بالروايات، ودخل الأندلس، ونشر بها العلم. قال ابن الفرضي: أدخل الأندلس علما جما. وكان رأسا في القراءات، لا يتقدمه فيها أحد، مات بقرطبة، في ربيع الأول، وله ثمان وسبعون سنة.

ومن طبقته: أبو طاهر الأنطاكي، محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقق، قال أبو عمرو الداني، هو أجل أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي، وأضبطهم. روى عنه القراءة، جماعة من نظرائه، كابن غلبون، توفي قبل الثمانين بيسير.

والغطريفي، أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الغطريف الجرجاني الرباطي الحافظ، توفي في رجب عن سن عالية روى عن أبي خليفة، وعبد الله بن ناجية، وابن خزيمة وطبقتهم. وكان صواما متقنا، صنف المسند الصحيح، وغيره ذلك.

ومحمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، نزيل الكوفة. روى عن عبد الله بن ناجية، وحامد بن شعيب.

سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة

فيها أمر الملك شرف الدولة، برصد الكواكب، كما فعل المأمون، وبنى لها هيكلا بدار السلطنة.

وفيها توفي بشر بن محمد بن ياسين القاضي، أبو القاسم الباهلي النيسابوري، توفي في رمضان، وقد جلس وأملى عن السراج، وابن خزيمة.

وتبوك بن الحسن بن الوليد، أبو بكر الكلابي المعدل، أخو عبد الوهاب. روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقته.

والخليل بن أحمد بن محمد، أبو سعيد السجزي، القاضي الفقيه الحنفي الواعظ، قاضي سمرقند، وبها مات، عن تسع وثمانين سنة. روى عن السراج، وأبي القاسم البغوي، وخلق.

وأبو نصر السراج، عبد الله بن علي الطوسي الزاهد، شيخ الصوفية، وصاحب كتاب اللمع في التصوف. روى عن جعفر الخلدي، وأبي بكر محمد بن داود الدقي توفي في رجب.

وابن الباجي، الحافظ المحقق، أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي. سمع محمد بن عمر بن لبابة، وأسلم بن عبد العزيز وطبقتهما.

ومات في رمضان، وله سبع وثمانون سنة. قال ابن الفرضي: لم ألق أحدا فضله عليه في الضبط، رحلت إليه مرتين.

وأبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن مسرور البلخي الحافظ، نزيل مصر، توفي في ذي الحجة. روى عن الحسين بن محمد المطبقي، وأحمد بن سليمان بن زبان الكندي وطبقتهما.

وأبو بكر المفيد، محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، بجرجرايا وكان يفهم ويحفظ ويذاكر، وهو بين الضعف. روى عن أبي شعيب الحراني، وأقرانه، وعاش أربعا وتسعين سنة.

وأبو بكر الوراق، محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملي، اعتنى به أبوه، وأسمعه من الحسن بن الطيب البلخي وعمر بن أبي غيلان وطبقتهما وعاش خمسا وثمانين سنة وكان صاحب حديث.

ومحمد بن بشر، أبو سعيد البصري ثم النيسابوري الكرابيسي، المحدث، رحل وروى عن أبي لبيد السامي، وابن خزيمة، والبغوي، وكان ثقة صالحا.

ومحمد بن العباس بن محمد، أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي الضبي الهروي، أحد الرؤساء الأجواد، وكانت أعشار غلاته، تبلغ ألف حمل، وقيل: كان يقوم بخمسة آلاف بيت ويمونهم، وعرضت عليه ولايات جليلة فامتنع، وكان ملك هراة من تحت أوامره، سموه قميص، فمات شهيدا في صفر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى ابن صاعد، وأقرانه رحمه الله تعالى.

وأبو بكر، محمد بن عبد الله بن الشخير الصيرفي، ببغداد. روى عن عبد الله بن إسحاق المدايني، والباغندي، توفي في رجب، وله بضع وثمانون سنة.

وأبو أحمد، الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي الحافظ، أحد أئمة الحديث، وصاحب التصانيف. روى عن ابن خزيمة، والباغندي، ومحمد بن المجدر، وعبد الله بن زيدان البجلي، ومحمد ابن الفيض الغساني وطبقتهم. وأكثر الترحال، وكتب ما لا يوصف، قال الحاكم ابن البيع: أبو أحمد الحافظ، إمام عصره في الصنعة، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة. صنف على الصحيحين، وعلى الترمذي، وألف كتاب الكنى: وكتاب العلل، وكتاب الشروط والمخرج على كتاب المزني. وولي قضاء الشاش، ثم قضاء طوس، ثم قدم نيسابور، ولزم مسجده، وأقبل على العبادة والتصنيف، وكف بصره قبل موته بسنتين رحمه الله تعالى.

وأبو القاسم بن الجلاب، الفقيه المالكي، صاحب القاضي أبي بكر الأبهري ألف كتاب التفريع وهو مشهور، وكتاب مسائل الخلاف وفي اسمه أقوال.

سنة تسع وسبعين وثلاثمائة

فيها وفي التي تليها، استفحل البلاء، وعظم الخطب ببغداد، بأمر العيارين، وصاروا حزبين، ووقعت بينهم حروب، واتصل القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة وقتل طائفة، ونهبت أموال الناس، وتواترت العملات، وأحرق بعضهم دروب بعض، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري. سمع محمد بن شاذل، والسراج، وجماعة. وهو صدوق، توفي في شعبان.

وشرف الدولة سلطان بغداد، ابن السلطان عضد الدولة الديلمي، كان فيه خير وقلة ظلم، مرض بالاستقساء، ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وعشرون سنة. وتملك بغداد سنتين وثمانية أشهر، وولي بعده أخوه أبو نصر.

ومحمد بن أحمد بن العباس، أبو جعفر الجوهري البغدادي، نقاش الفضة، كان من كبار المتكلمين، وهو عالم الأشعر ية في وقته، وعنه أخذ أبو علي بن شاذان علم الكلام، توفي في المحرم، وله سبع وثمانون سنة. روى عن محمد بن مسلم الباغندي وجماعة.

وأبو بكر الزبيدي، محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج الأندلسي، شيخ العربية بالأندلس، وصاحب التصانيف، ولي قضاء إشبيلية وأدب المؤيد بالله، ولد المستنصر، أخذ عن أبي علي القالي وغيره، ومات في جمادى الآخرة، عن ثلاث وستين سنة.

وأبو سليمان بن زبر، المحدث الحافظ، محمد بن القاضي عبد الله ابن أحمد بن ربيعة الربعي الدمشقي الثقة، في جمادة الأولى. روى عن أبي القاسم البغوي وجماهر الزملكاني ومحمد بن الربيع الجيزي، وخلق. وصنف التصانيف.

ومحمد بن المظفر، الحافظ أبو الحسن البغدادي، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في جمادى الأولى، وكان من أعيان الحفاظ. سمع من أحمد بن الحسن الصوفي، وعبد الله بن زيدان، ومحمد بن خزيم، وعلي ابن أحمد علان وطبقتهم، بالعراق والجزيرة والشام ومصر، وكان يقول: عندي عن الباغندي مائة ألف حديث.

ومحمد بن النضر، أبو الحسين الموصلي النحاس، الذي روى ببغداد، معجم أبي يعلى عنه. قال البرقاني: واه، لم يكن ثقة.

سنة ثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو نصر أحمد بن الحسين بن مروان الضبي المرواني النيسابوري، في شعبان. روى عن السراج، وابن خزيمة.

وأبو العباس الصندوقي، أحمد بن محمد بن أحمد النيسبوري. روى عن محمد بن شاذان، وابن خزيمة، وشاخ، وتفرد بالرواية عن بضعة عشر شيخا.

وسهل بن أحمد الديباجي. روى عن أبي خليفة وغيره، لكنه رافضي يكذب.

وطلحة بن محمد بن جعفر، أبو القاسم الشاهد المعدل المقرئ، تلميذ ابن مجاهد. روى عن عمر بن أبي غيلان وطبقته، لكنه معتزلي.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج الأموي مولاهم القرطبي الحافظ، محدث الأندلس، رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي، وخيثمة، وقاسم بن أصبغ وطبقتهم، وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس، صنف له عدة كتب، فولاه القضاء، توفي في رجب، وله ست وستون سنة. قال الحميدي: فمن تصانيفه: فقه الحسن البصري في سبع مجلدات، وفقه الزهري في أجزاء عديدة.

ويعقوب بن يوسف بن كلس، الوزير الكامل، أبو الفرج، وزير صاحب مصر العزيز بالله، وكان يهوديا بغداديا، عجبا في الدهاء والفطنة والمكر، وكان يتوكل للتجار بالرملة، فانكسر وهرب إلى مصر، فأسلم بها، واتصل بالأستاذ كافور، ثم دخل المغرب، ونفق على المعز، وتقدم، ولم يزل في ارتقاء إلى أن مات، وله اثنتان وستون سنة. وكان عظيم الهيبة، وافر الحشمة، عالي الهمة. وكان معلومه على مخدومه في السنة، مائة ألف دينار، وقيل: إنه خلف أربعة آلاف مملوك، بيض وسود، ويقال إنه حسن إسلامه.

سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة

تم فيها أمور هائلة، وكان أبو نصر الذي ولي مملكة بغداد، شابا جريئا، وكان الطائع لله ضعيفا، ولاه السلطنة ولقبه بهاء الدولة، فلما كان في شعبان، وأمر الخليفة الطائع، بحبس أبي الحسين بن المعلم، وكان من خواص بهاء الدولة أبي نصر، فعظم على بهاء الدولة ذلك، ثم دخل على الطائع للخدمة، فلما قرب، قبل الأرض وجلس على كرسي، وتقدم أصحابه، فشحطوا الطائع بحمائل سيفه من السرير، ولفوه في كيس، وأخذ إلى دار السلطنة، فاختبطت بغداد، وظن الأجناد، أن القبض على بهاء الدولة من جهة الطائع، فوقعوا في النهب، ثم إن بهاء الدولة، أمر بالنداء بخلافة القادر بالله، وأكره الطائع على خلع نفسه، وعمل ما في دار الخلافة، حتى الرخام والأبواب، ثم أبيحت للرعاع، فقلعوا الشبابيك، وأقبل القادر بالله، أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله، وله يومئذ أربع وأربعون سنة. وكان أبيض، كث اللحية، كثير التهجد والخير والبر، صاحب سنة وجماعة.

وفيها توفي أحمد بن الحسين بن مهران، الأستاذ أبو بكر الأصبهاني ثم النيسابوري المقرئ، العبد الصالح، مصنف كتاب الغاية في القراءات. قرأ بدمشق، على أبي النضر الأخرم، وببغداد على النقاش، وأبي الحسين بن ثوبان وطائفة. وسمع من السراج، وابن خزيمة وطبقتهما. قال الحاكم، كان إمام عصره في القراءات، وأعبد ن رأينا من القراء، وكان مجاب الدعوة، توفي في شوال، وله ست وثمانون سنة. وله كتاب الشامل في القراءات، كبير.

وجوهر القائد، أبو الحسن الرومي، مولى المعز بالله وأتابك جيشه، وظهيره ومؤيد دولته، وموطئ الممالك له، وكان عاقلا سائسا، حسن السيرة في الرعية، على دين مواليه، ولم يزل عالي الرتبة، نافذ الكلمة، إلى أن مات.

وسعد الدولة، أبو العباس شريف بن سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي، صاحب حلب، توفي في رمضان، وقد نيف على الأربعين، وولي بعده ابنه سعد، فلما مات ابنه، انقرض ملك سيف الدولة، من ذريته.

وعبد الله بن أحمد بن حمويه بن يوسف بن أعين، أبو محمد السرخسي، المحدث الثقة. روى عن الفربري، صحيح البخاري، وروى عن عيسى بن عمير السمرقندي كتاب الدارمي، وروى عن إبراهيم ابن خزيم مسند عبد بن حميد وتفسيره، توفي ذي الحجة، وله ثمان وثمانون سنة.

والجوهري، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله المصري، الفقيه المالكي، الذي صنف مسند الموطأ. توفي في رمضان.

وأبو عدي، عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري، المقرئ الحاذق، المعروف بابن الإمام، قرأ على أبي بكر بن سيف، صاحب أبي يعقوب الأزرق، وكان محققا ضابطا لقراءاة ورش، توفي في ربيع الأول، وقد حدث عن محمد بن زبان، وابن قديد.

وأبو محمد بن معروف، قاضي القضاة، عبيد الله بن أحمد بن معروف البغدادي، قال الخطيب: كان من أجواد الرجال وألبائهم مع تجربة وحنكة، وفطنة وعزيمة ماضية، وكان يجمع وسامة في منظره، وظرفا في ملبسه، وطلاقة في مجلسه، وبلاغة في خطابه، ونهضة بأعباء الأحكام، وهيبة في القلوب. وقال العتيقي: كان مجردا في الاعتزال. قلت: ولد سنة ست وثلاثمائة، وسمع من يحيى بن صاعد، وأبي حامد الحضرمي، وجماعة. وتوفي في صفر.

وأبو الفضل الزهري، عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد العوفي البغدادي. سمع إبراهيم بن سريك الأسدي، وجعفر الفريابي، وعبد الله بن إسحاق المدائني وطائفة. ومات في أحد الربيعين، وله إحدى وتسعون سنة. قال عبد العزيز الأزجي: هو شيخ ثقة، مجاب الدعاء.

وأبو بكر بن المقرئ، محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني الحافظ، صاحب الرحلة الواسعة، توفي في شوال، عن ست وتسعين سنة. أول سماعه بعد الثلاثمائة، فأدرك محمد بن نصر المديني، ومحمد بن علي الفرقدي، صاحبي إسماعيل بن عمرو البجلي، ثم رحل، ولقي أبا يعلى، وعبدان وطبقتهما. قال أبو نعيم الحافظ: محدث كبير ثقة، صاحب مسانيد. سمع ما لا يحصى كثرة.

وقاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي، صاحب التصانيف، وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك. سمع قاسم بن أصبغ، وجماعة. وولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمائة، وإلى أن مات. وكان المنصور بن أبي عامر، يعظمه ويجلسه معه.

وابن دوست العلاف، أبو بكر محمد بن يوسف، ببغداد. روى عن البغوي، وجماعة.

سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة

كان أبو الحسن بن المعلم الكوكبي قد استولى على أمور السلطان بهاء الدولة كلها، فمنع الرافضة من عمل المأتم يوم عاشوراء الذي كان يعمل من نحو ثلاثين سنة. وأسقط طائفة من كبار الشهود الذين وُلوا بالشفاعات.

وفيها شغب الجند وعسكروا، وبعثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلم، وصمموا على ذلك، إلى أن قال له رسولهم: أيها الملك، اختر بقاءه أبو بقاءك، فقبض حينئذ عليه وعلى أصحابه، فما زالوا به، حتى قتله رحمه الله. وكان القحط شديدا في هذه الأعصر ببغداد.

وفيها توفي أبو أحمد العسكري، الحسن بن عبد الله بن سعيد، الأديب العلامة الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن عبدان الأهوازي، وأبي القاسم البغوي وطبقتهما. توفي في ذي الحجة.

وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد النسائي، الفقيه الشافعي، الذي روى عن الحسن بن سفيان مسنده، وعن عبد الله بن شيرويه مسند إسحاق. قال الحاكم: كان شيخ العدالة والعلم بنسا، وبه ختمت الرواية عن الحسن بن سفيان، عاش بضعا وتسعين سنة.

وأبو سعيد الرازي عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرازي الصوفي، الراوي عن محمد بن أيوب بن الضريس، خرج في آخر عمره إلى بخارى، فتوفي بها، وله أربع وتسعون سنة. قاله الحاكم، وقال: لم يزل كالريحانة عند مشايخ التصوف ببلدنا. قلت: ولم يذكر فيه جرحا، ولا ابن عساكر.

وأبو عمر بن حيويه، المحدث الحجة، محمد بن العباس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزاز، في ربيع الآخر، وله سبع وثمانون سنة. روى عن الباغندي، وعبد الله بن إسحاق المدايني وطبقتهما. قال الخطيب: ثقو: كتب طول عمره، وروى المصنفات الكبار.

ومحمد بن محمد بن سمعان، أبو منصور النيسابوري المذكر، نزيل هراة، وشيخ أبي عمر المليحي. روى عن السراج، ومحمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني.

سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

فيها تزوج القادر بالله، بابنة السلطان بهاء الدولة.

وفيها أنشأ الوزير أبو نصر سابور، دارا بالكرخ، ووقفها على العلماء، ونقل إليها الكتب، وسماها: دار العلم.

وفيها توفي أبو بكر بن شاذان، والد أبي علي، وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزار، المحدث المتقن، وكان يتجر في البزر إلى مصر وغيرها، توفي في شوال، عن ست وثمانين سنة. روى عن البغوي وطبقته.

وإسحاق بن حمشاد الزاهد الواعظ، شيخ الكرامية ورأسهم بنيسابور. قال الحاكم: كان من العباد المجتهدين، يقال: أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف، ولم أر بنيسابور جمعا مثل جنازته.

وجعفر بن عبد الله بن فناكي، أبو القاسم الرازي، الراوي عن محمد بن هارون الروياني مسنده.

وأبو محمد بن حزم القلعي الأندلسي الزاهد، أحد الأعلام واسمه عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم، رحل إلى الشام والعراق، وسمع أبا القاسم بن أبي العقب وإبراهيم بن علي الهجيمي وطبقتهما. قال ابن الفرضي: كان جليلا زاهدا شجاعا مجاهدا، ولاه المستنصر بالله القضاء، فاستعفاه فأعفاه، وكان فقيها صلبا ورعا، وكانوا يشبهونه بسفيان الثوري في زمانه، سمعت عليه علماء كثير، وعاش ثلاثا وستين سنة.

وعلي بن حسان، أبو الحسن الجدلي الدممي. ودمما قرية دون الفرات. روى عن مطين، وبه ختم حديثه.

سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

فيها اشتد البلاء بالعيارين ببغداد، قووا على الدولة، وكان رأسهم عزيز البابصري، التف عليه خلق من المؤذين، وطالبوا بضرائب الأمتعة وجبوا الأموال، فنهض السلطان، وتفرغ لهم، فهربوا في الظاهر. ولم يحج أحد، إلا الركب المصري فقط.

وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي المشرك الحراني الأديب، صاحب الترسل، وكاتب الإنشاء للملك عز الدولة بختيار، ألح عليه عز الدولة أن يسلم فامتنع، وكان يصوم رمضان، ويحفظ القرآن، وله النظم والنثر والترسل الفحل، وما ملك عضد الدولة، هم بقتله، لأجل المكاتبات الفجة، التي كان يرسلها عز الدولة بإنشائه، إلى عضد الدولة، توفي في شوال، عن سبعين سنة.

وصالح الهمذاني بن أحمد، الحافظ أبو الفضل التميمي الأحنفي ابن السمسار، ويعرف أيضا بابن الكوملاذ محدث همذان. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وطبقته، وهو الذي لما أملى الحديث، باع طاحونا له، بسبعمائة دينار، ونثرها على المحدثين. قال شيرويه: كان ركنا من أركان الحديث، دينا ورعا، لا يخاف في الله لومة لائم وله عدة مصنفات توفي في شعبان، والدعاء عند قبره مستجاب، ولد سنة ثلاث وثلاثمائة.

والرماني، شيخ العربية، أبو الحسن علي بن عيسى النحوي، ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة. له قريب من مائة مصنف، أخذ عن ابن دريد، وأبي بكر بن السراج، وكان متقنا في علوم كثيرة، من القرآن والفقه والنحو، والكلام على مذهب المعتزلة، والتفسير واللغة.

وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني العدل، مسند أصبهان في عصره. روى عن إسحاق بن إبراهيم بن جميل، ويحيى بن صاعد وطبقتهما.

ومحدث الكوفة، أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي الحافظ، أدرك أصحاب أبي كريب، وأبي سعيد الأشج، وجمع وألف.

وأبو الحسن محمد بن أبي العباس، أحمد بن الفرات البغدادي، ابن الحافظ. سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته، وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال الخطيب: بلغني أنه كان عنده، عن علي بن محمد المصري وحده، ألف جزء، وأنه كتب مائة تفسير، ومائة تاريخ، وهو حجة ثقة.

وأبو الحسن الماسرجسي، شيخ الشافعية، محمد بن علي بن سهل النيسابوري، سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجس. روى عن أبي حامد الشرقي وطبقته، ورحل بعد الثلاثين، وكتب الكثير بالحجاز والعراق ومصر. قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه، صحب أبا إسحاق المروزي مدة، وصار ببغداد معيدا لأبي علي بن أبي هريرة وعاش ستا وسبعين سنة. قلت: وعليه تفقه القاضي أبو الطيب الطبري، وهو صاحب وجه في المذهب.

وأبو عبد الله المرزباني، محمد بن عمران البغدادي، الكاتب الأخباري، العلامة المعتزلي، مات في شوال، وله ثمان وثمانون سنة. صنف أخبار المعتزلة وغير ذلك،، حدث عن البغوي وابن دريد.

والتنوخي، القاضي أبو علي الحسن بن علي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف، ولد بالبصرة، وسمع بها من أبي العباس الأثرم وطائفة، وببغداد من الصولي، وعاش سبعا وخمسين سنة.

سنة خمس وثمانين وثلثمائة

فيها توفي أبو بكر بن المهندس، أحمد بن محمد بن إسماعيل، محدث ديار مصر، وكان ثقة تقيا. روى عن البغوي، ومحمد بن محمد الباهلي وطبقتهما.

والصاحب أبو القاسم، إسماعيل بن عباد بن العباس، وزير مؤيد الدولة ابن بويه بن ركن الدولة، وفخر الدولة. صحب الوزير أبا الفضل بن العميد، وأخذ ونبلا، وسخاء وحشمة، وأفضالا وعدلا، توفي بالري، ونقل ودفن بأصبهان.

وأبو الحسن الأذني القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدث، نزيل مصر. روى الكثير عن ابن قيل، وأبي عروبة، ومحمد بن الفيض المشقي، وعلي الغضائري، توفي في ربيع الأول.

والدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي، الحافظ المشهور، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. ذكره الحاكم فقال: صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماما في القراء والنحاة، صادفته فوق ما وصف لي. وله مصنفات يطول ذكرها. وقال الخطيب: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل، وأسماء الرجال، مع الصدق وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم، سوى علم الحديث. منها: القراءات. وقد صنف فيها مصنفة ومنها، المعرفة بمذاهب الفقهاء. وبلغني أنه درس فقه الشافعي، على أبي سعيد الإصطخري. ومنها، المعرفة بالأدب والشعر، فقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة. وقال أبو ذر الهروي: قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟ وقال البرقاني: كان الدارقطني، يملي علي العلل من حفظه. وقال القاضي أبو الطيب الطبري: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث.

وأبو حفص ابن شاهين، عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي، الواعظ المفسر الحافظ، صاحب التصانيف، وأحد أوعية العلم، توفي بعد الدارقطني بشهر، وكان أكبر من الدارقطني بتسع سنين، فسمع من الباغندي. ومحمد بن المجدر والكبار، ورحل إلى الشام والبصرة وفارس. قال أبو الحسين بن المهتدي بالله: قال لنا ابن شاهين: صنفت ثلاثمائة وثلاثين مصنفا، منها: التفسير الكبير، ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء والتاريخ مائة وخمسون جزءا. قال ابن أبي الفوارس، ابن شاهين ثقة مأمون، جمع وصنف ما لم يصنفه أحد. وقال محمد بن عمر الداودي: كان ثقة لحانا، وكان لا يعرف الفقه، ويقول: أنا محمدي المذهب.

وأبو بكر الكسائي محمد بن إبراهيم النيسابوري الأديب، الذي روى صحيح مسلم، عن إبراهيم بن سفيان الفقيه، توفي ليلة عيد الفطر، ضعفه الحاكم لتسميعه الكتاب بقوله: من غير أصل.

وأبو الحسن بن سكرة، محمد بن عبد الله الهاشمي، العباسي، الأديب البغدادي، الشاعر المفلق، ولا سيما في المجون والمزاح، وكان هو وابن الحجاج يشبهان في وقتهما، بجرير والفرزدق. ويقال إن ديوان ابن سكرة يزيد على خمسين ألف بيت.

وأبو بكر الأودني شيخ الشافعية ببخارى وما وراء النهر، محمد بن عبد الله بن محمد بن نصير. وأودن: بضم الهمزة وقيل بفتحها، ومن قرى بخارى. وكان علامة زاهدا، ورعا خاشعا، بكاء متواضعا، ومن غرايب وجوهه في المذهب: أن الربا حرام في كل شيء، فلا يجوز بيع شيء بجنسه متفاضلا. روى عن الهيثم بن كليب الشاشي وطائفة، ومات في ربيع الآخر، وقد دخل في سن الشيخوخة، والمستغفري من تلامذته.

وأبو الفتح القواس، يوسف بن عمر بن مسرور البغدادي الزاهد، المجاب الدعوة، في ربيع الآخرة، وله خمس وثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. قال البرقاني: كان من الأبدال.

سنة ست وثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو حامد النعيمي، أحمد بن عبد الله بن نعيم السرخسي، نزيل هراة، في ربيع الأول. روى الصحيح عن الفربري، وسمع من الدغولي وجماعة.

وأبو أحمد السامري، عبد الله بن الحسين بن حسنون البغدادي المقرئ، شيخ الإقراء بالديار المصرية، في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة. قرأ القرآن في الصغر، فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني، وأبي عمران الرقي، وابن شنبوذ، وابن مجاهد. وحدث عن أبي العلاء محمد بن أحمد الوكيعي، فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقبه وقال: لا أسلم على من يكذب في الحديث، وفي العنوان أن السامري، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي، وهذا الوهم من صاحب العنوان، لأن محمد بن يحيى، توفي قبل مولد السامري بخمس عشرة سنة. أو هو محمد بن السامري، ويدل عليه قول محمد بن الصوري: قد ذكر أبو أحمد، أنه قرأ على الكسائي الصغير، فكتب في ذلك إلى بغداد، يسأل عن وفاة الكسائي، فكان الأمر من ذلك بعيدا. قلت: ثم إن أبا أحمد أمسك عن هذا القول، وروى عن ابن مجاهد عن الكسائي. قلت: وثقه أبو عمر الداني وأقره الحافظ محمد بن الجزري كما قاله في النشر.

وعبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو أحمد الأصبهاني. روى مسند أحمد بن منيع، عن جده، ومات في شعبان.

والحربي: أبو الحسن علي بن عمر الحميري البغدادي، ويعرف أيضا بالسكرى وبالصيرفي والكيال. روى عن أحمد بن الحسن الصوفي، وعباد بن علي السريني، والباغندي وطبقتهم، ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع سنة ثلاث وثلاثمائة، باعتناء أخيه، وتوفي في شوال.

وأبو عبد الله الختن الشافعي، محمد بن الحسن الإستراباذي، ختن أبي بكر الإسماعيلي، وهو صاحب وجه في المذهب، وله مصنفات، عاش خمسا وسبعين سنة. وكان أديبا بارعا مفسرا مناظرا. روى عن أبي نعيم عبد الملك ابن عدي الجرجاني، توفي يوم عرفة.

وأبو طالب، صاحب القوت، محمد بن علي بن عطية الحارثي العجمي، ثم المكي، نشأ بمكة، وتزهد وسلك، ولقي الصوفية، وصنف ووعظ، وكان صاحب رياضة ومجاهدة، وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم، البصري، شيخ السالمية. روى عن علي بن أحمد المصيصي، وغيره.

والعزيز بالله، أبو منصور نزار بن المعز بالله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي العبيدي الباطني، صاحب مصر والمغرب والشام، ولي الأمر بعد أبيه، وعاش اثنتين وأربعين سنة. وكان شجاعا جوادا حليما، قريبا من الناس، لا يحب سفك الدماء، له أدب وشعر، وكان مغرى بالصيد، وقام بعده ابنه الحاكم.

سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو القاسم بن الثلاج، عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد، في ربيع الأول، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطائفة، واتهم بالوضع.

وأبو القاسم، عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزار، ويعرف بابن أبي غالب. روى عن محمد بن محمد الباهلي، وعلي ابن أحمد بن علان وطائفة. وكان من كبراء المصريين ومتموليهم.

وابن بطة، الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري، الفقيه الحنبلي العبد الصالح، في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة. وكان صاحب حديث، ولكنه ضعيف، من قبل حفظه. روى عن البغوي وأبي ذر بن الباغندي وخلق. وصنف كتابا كبيرا في السنة. قال العتيقي: كان مستجاب الدعوة.

وابن مردك، أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البردعي البزاز، ببغداد، حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. ووثقه الخطيب، توفي في المحرم، وكان عبدا صالحا.

وفخر الدولة علي بن أبي زكريا الحسن بن بويه الديلمي سلطان الري وبلاد الجبل، وزر له الصاحب إسماعيل بن عباد، وكان ملكا شجاعا مطاعا، جماعا للأموال، واسع الممالك، عاش ستا وأربعين سنة. وكانت أيامه أربع عشرة سنة. لقبه الطائع: ملك الأمة، وكان أجل من بقي من ملوك بني بويه، كان يقول: قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم، خمس عشرة سنة. خلف من الذهب عينا وأواني وحلية، قريبا من أربعة آلاف ألف دينار، ومن الذخائر والمتعة على هذا النحو، ولما مات، ضمت الخزائن، واشتروا له ثوبا كفنوه فيه، من قيم الجامع.

وأبو ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي البغدادي، نزيل بخارى. روى عن يحيى بن صاعد وطائفة، ومات في صفر. روى عنه عبد الواحد الزبيري، الذي عاش بعده، مائة وثمان سنين، وهذا معدوم النظير.

وأبو الحسين بن سمعون، الإمام القدوة الناطق بالحكمة، محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي الواعظ، صاحب الأحوال والمقامات. روى عن أبي بكر بن داود، وجماعة، وأملى عدة مجالس، ولد سنة ثلاثمائة، ومات في نصف ذي القعدة، ولم يخلف ببغداد بعده مثله.

وأبو الطيب السلمي، محمد بن الحسين الكوفي. سمع عبد الله بن زيدان البجلي، وجماعة، وكان ثقة.

وأبو الفضل الشيباني، محمد بن عبد الله الكوفي، حدث ببغداد عن محمد بن جرير الطبري، والكبار لكنه كان يضع الحديث للرافضة، فترك.

وأبو طاهر، محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري. روى الكثير عن جده، وأبي العباس السراج، وخلق. واختلط قبل موته بثلاثة أعوام، فتجنبوعه.

ومحمد بن المسيب، الأمير أبو الذواد العقيلي، من أجلاء أمراء العرب، تملك الموصل، وغلب عليها، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وصاهر بني بويه، وتملك بعده أخوه حسام الدولة مقلد بن المسيب.

وأبو القاسم السراج، موسى بن عيسى البغدادي، وقد نيف على التسعين. روى عن الباغندي وجماعة، وثقه عبيد الله الأزهري.

ونوح بن الملك منصور بن الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد بن الملك إسماعيل الساماني، أبو القاسم، سلطان بخارى وسمرقند، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. وولي بعده ابنه المنصور، ثم بعد عامين، توثب عليه أخوه، عبد الملك بن نوح، الذي هزمه السلطان محمود بن سبكتين، وانقرضت الدولة السامانية.

سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو بكر، أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي الحافظ، وكان من كبار المحدثين، سأله حمزة السهمي، عن الجرح ولتعديل، وعمر دهرا. روى عن الباغندي والبغوي والكبار. وأول سماعه، سنة أربع وثلاثمائة، توفي في صفر بالأهواز، وكان يقال له الباز الأبيض.

وأبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيرفي الحافظ. روى عن إسماعيل الصفار وطبقته. وكان عجبا في حفظ الحديث وسرده. روى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدمه، وتوفي في ربيع الآخر، عن إحدى وستين سنة. وكان ثقة، غمزه بعضهم.

وأبو سليمان الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الفقيه الأديب، صاحب معالم السنن وغريب الحديث والغنية عن الكلام وشرح الأسماء الحسنى وغير ذلك. رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي وإسماعيل الصفار والأصم وطبقتهم، وسكن بنيسابور مدة، توفي ببست في ربيع الآخر، وكان علامة محققا.

وأبو الفضل الفامي، عبيد الله بن محمد النيسابوري. روى عن أبي العباس السراج وغيره.

وأبو العلاء بن ماهان، عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم المصري، راوي صحيح مسلم عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر، سوى ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب يرويها عن الجلودي.

وأبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري المقرئ المجود القيم بقراءة ورش، توفي يوم عاشوراء، قرأ على أصحاب إسماعيل النحاس.

وأبو الفرج الشنبوذي، محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ، غلام ابن شنبوذ، قرأ عليه القراءات وعلى ابن مجاهد وجماعة. واعتنى بهذا الشأن، وتصدر للإقراء، وكان عارفا بالتفسير، وكان يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن. تكلم فيه الدارقطني.

وأبو بكر الإشتيخني محمد بن أحمد بن مت، الراوي صحيح البخاري عن الفربري.، توفي في رجب، بما وراء النهر.

وأبو علي الحاتمي، محمد بن الحسن بن مظفر البغدادي اللغوي الكاتب، أخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد، وكان بصيرا بالآداب.

وأبو بكر الجوزقي، محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الحافظ المعدل، شيخ نيسابور ومحدثها، مصنف الصحيح. روى عن السراج، وأبي حامد بن الشرقي وطبقتهما. ورحل إلى أبي العباس الدغولي، وإلى ابن الأعرابي، وإلى وإسماعيل الصفار. قال الحاكم: انتقيت له فوائد في عشرين جزءا، ثم ظهر بعدها سماعه من السراج. قلت: اعتنى به خاله أبو إسحاق المزكي، توفي في شوال، عن اثنتين وثمانين سنة.

وأبو بكر الأدفوي، محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسر النحوي، وأدفو بقرب أسوان، وكان خشابا، أخذ عن أبي جعفر النحاس فأكثر، وأتقن ورش، على أبي غانم المظفر بن أحمد، وألف التفسير في مائة وعشرين مجلدا، وكان شيخ الديار المصرية وعالمها، وكانت له حلقة كبيرة للعلم، توفي في ربيع الأول.

سنة تسع وثمانين وثلاثمائة

تمادت الرافضة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء باللطم والعويل وبنصب القباب والزينة، وشعار الأعياد يوم الغدير. فعمدت جاهلية السنة وأحدثوا في مقابلة يوم عيد الغدير يوم الغار، وجعلوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير، وهو السادس والعشرون من ذي الحجة، وزعموا أن النبي وأبا بكر اختفيا حينئذ في الغار. وهذا جهل وغلط، فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في شهر صفر وفي أول ربيع الأول. وجعلوا بإزاء عاشوراء وبعده بثمانية أيام يوم مصرع مصعب بن الزبير، وزاروا قبره يومئذ بمسكن وبكوا عليه، ونظروه بالحسين، لكونه صبر وقاتل حتى قتل، ولأن أباه ابن عمة النبي وحواريه وفارس الإسلام، كما أن أبا الحسين ابن عم النبي وفارس الإسلام. فنعوذ بالله من الهوى والفتن. ودامت السنة على هذا الشعار القبيح مدة عشر سنين.

وفيها توفي أبو محمد المخلدي، الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن مخلد النيسابوري المحدث، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات، في رجب. روى عن السراج، وزنجويه اللباد وطبقتهما.

وأبو علي، زاهر بن أحمد السرخسي، الفقيه الشافعي، أحد الأئمة، في ربيع الآخر، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي لبيد السامي والبغوي وطبقتهما. قال الحاكم: شيخ عصره بخراسان، وكان قد قرأ على ابن مجاهد وتفقه على أبي إسحاق المروزي وتأدب على ابن الأنباري. قلت: وأخذ علم الكلام عن الأشعري، وعمر دهرا.

وأبو محمد بن عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، شيخ المغرب، وإليه انتهت رئاسة المذهب. قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار، ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب، وملأ البلاد في تواليفه، حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره، وكان يسمى مالكا الصغير. قال الحبال: توفي للنصف في شعبان.

وأبو الطيب بن غلبون، عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي المقري الشافعي، صاحب الكتب في القراءات، قرأ على جماعة كثيرة، وروى الحديث، وكان ثقة محققا. بعيد الصيت، توفي بمصر، في جمادى الأولى، وله ثمانون سنة. أخذ عنه خلق.

وأبو القاسم بن حبابة المحدث، عبيد الله بن محمد بن إسحاق البغدادي المتوثي البذار، رواي الجعديات عن البغوي، في ربيع الآخر.

وأبو الهيثم الكشميهني محمد بن مكي المروزي، راوية البخاري، عن الفربري، توفي عرفة، وكان ثقة.

وقاضي القضاة لصاحب مصر أبو عبد الله محمد بن النعمان بن محمد بن منصور الشيعي في الظاهر، الباطني فيما أحسب، ولد قاضي القوم، وأخو قاضيهم. قال ابن زولاق: لم نشاهد بمصر لقاض من الرئاسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك من قاض بالعراق، ووافق ذلك، استحقاقا لما فيه من العلم والصيانة، والهيبة وإقامة الحق، وقد ارتفعت رتبته، حتى إن العزيز، أجلسه معه يوم الأضحى على المنبر، وزادت عظمته في دولة الحاكم، ثم تعلل وتنقرس، ومات في صفر، وله تسع وأربعون سنة. وولي القضاء بعده، ابن أخيه، الحسين بن علي، الذي ضربت عنقه في سنة أربع وتسعين.

سنة تسعين وثلاثمائة

فيها عظم أمر الشطار، وأتوا بيوت الناس نهارا جهارا، وواصلوا العملات، وقتلوا وبدعوا، وأشرف الناس بهم على أمر عظيم، وقويت شوكتهم، وصار فيهم علويون وعباسيون، حتى جاء عميد الجيوش وولاه بهاء الدولة تدبير العراق، فغرق وقتل وقل المفسد.

وفيها توفيت أمة السلام، بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية وكانت دينة فاضلة. روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني وغيره.

وحنش بن محمد بن صمصامة القائد، أبو الفتح الكناني، ولي إمرة دمشق ثلاث مرات لصاحب مصر وكان جبارا ظلوما غشوما سفاكا للدماء، وكثر ابتهال أهل دمشق إلى دمشق في هلاكه، حتى هلك بالجذام في هذه السنة.

وأبو حفص الكتاني بن إبراهيم البغدادي المقرئ صاحب ابن مجاهد، قرأ عليه، وسمع منه، كتابه في القراءات، وحدث عن البغوي وطائفة، توفي في رجب، وله تسعون سنة. وكان ثقة.

وابن أخي ميمي الدقاق، أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي. روى عن البغوي وجماعة، وله أجزاء مشهورة، توفي في رجب.

وأبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسني الزيدي الكوفي، رئيس العلوي بالعراق، ولد سنة عشرة وثلاثمائة، وروى عن هناد بن السري الصغير، صادرة عضد الدولة، وحبسه وأخذ أمواله، ثم أخرجه شرف الدولة لما تملك، وعظم شأنه في دولته، فيقال إنه كان من أكثر العلويين مالا، وقد أخذ منه عضد الدولة، ألف ألف دينار.

وأبو زرعة الكشي، محمد بن يوسف الجرجاني الحافظ. وكش قرية قريبة من جرجان. سمع إبراهيم بن عدي، وأبي العباس الدغولي وطبقتهما، بنيسابور وبغداد وهمذان والحجاز، وصنف وحمع الأبواب والمشايخ، جاور بمكة سنوات، وبها توفي.

والمعافى بن زكريا، القاضي أبو الفرج النهرواني الجريري، ويعرف أيضا بابن طرار تفقه على مذهب محمد بن جرير الطبري، وسمع من البغوي وطبقته فأكثر، وجمع فأوعى، وبرع في عدة علوم. قال الخطيب: كان من أعلم الناس في وقته، بالفقه والنحو واللغة وأصناف الآداب، وولي القضاء بباب الطاق، وبلغنا عن الفقيه أبي محمد البافي، أنه كان يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج، لوجب أن يدفع إليه. قال البرقاني: كان المعافى أعلم الناس، توفي المعافى بالنهروان، في ذي الحجة، وله خمس وثمانون سنة. وكان قانعا باليسير متعففا.

سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي، أوب الحسن، نزيل مصر، ثقة. يروي عن المحاملي، ومحمد بن مخلد، وجماعة. وكان صاحب حديث، رحل إلى دمشق والرقة.

وأحمد بن يوسف الخشاب أبو بكر الثقفي، المؤذن بأصبهان. روى عن الحسن بن دلويه، وجماعة كثيرة.

وجعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات، أبو الفضل بن جنزابة البغدادي، وزير الديار المصرية، ابن وزير المقتدر أبي الفتح، حدث عن محمد بن هارون الحضرمي، والحسن بن محمد الداركي وخلق. وكان صاحب حديث، ولد سنة ثمان وثلاثمائة، ومات في ربيع الأول. قال السلفي: كان ابن حنزابة من الحفاظ الثقات، يملي في حال وزارته، لا يختار على العلم وصحبة أهله شيئا، وقال غيره: كان له عبادة وتهد، وصداقات عظيمة إلى الغاية، توفي بمصر، ونقل فدفن في دار اشتراها من الأشراف بالمدينة، من أقرب شيء إلى قبر رسول الله .

وابن الحجاج الأديب، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج البغدادي الشيعي المحتسب، الشاعر المشهور، وديوانه في عدة مجلدات في عصره، أخذ عن القاضي بشر بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد الدولة، فاشتغل بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد الدولة، فاشتغل عليه فقهاء بغداد. قال أبو عبد الله الصيمري: ما رأيت فقيها أنظر منه، ومن أبي حامد الإسفراييني الشافعي.

وأبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي، الكاتب المنشئ، ولد سنة اثنتين وثلاثمائة، ومات في أول ربيع الأول. قال ابن أبي الفوارس: كان بشيء من مذهب الفلاسفة. قلت: روى عن البغوي وطبقته، وله أمال سمعت منها.

وحسام الدولة، مقلد بن رافع العقيلي، صاحب الموصل، تملكها بعد أخيه أبي الذواد، في إحدى عشرة سنة. مدة الأخوين، وقد بعث القادر بالله إلى مقلد، خلع السلطنة، واستخدم هو ثلاثة آلاف من الترك والديلم، ودانت له عرب خفاجة، وله شعر، وهو رافضي، قتله غلام له، ورثاء الشريف الرضي، وتملك بعده ابنه، معتمد الدولة قرواش، خمسين سنة.

والمؤمل بن أحمد أبو القاسم الشيباني البزاز، بغدادي، ثقة، نزل مصر، وحدث عن البغوي، وابن صاعد، وجماعة، وعمر دهرا.

سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة

فيها زاد أمر الشطار، وأخذوا الناس ببغداد، مهارا جهارا، وقتلوا وبدعوا، وواصلوا أخذ العملات، وكثروا، وصار فيهم هاشميون، فسير بهاء الدولة -وكان غائبا- عميد الجيوش إلى العراق ليسوسها، فقطع وغرق، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهبهم، وقامت الهيبة.

وفيها توفي الحاجبي، أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني السمرقندي. سمع الصحيح من الفربري، ومات في هذه السنة، وقيل في التي قبلها.

والضراب، أبو محمد الحسن بن إسماعيل المصري المحدث، راوي المجالسة عن الدينوري، توفي في ربيع الآخر، وله تسع وسبعون سنة.

والأصيلي الفقيه، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي، أخذ عن وهب بن أبي مسرة، وكتب بمصر عن أبي الطاهر الذهلي وطبقته، وبمكة عن الآجري، وببغداد عن أبي علي بن الصواف، وكان عالما بالحديث، رأسا في الفقه. قال الدارقطني: لم أر مثله. وقال غيره: كان نظير أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وكان على طريقته وهديه وكان علي السوري بقرطبة.

وعبد الرحمن بن أبي شريح، أبو محمد الأنصاري، محدث هراة. روى عن البغوي والكبار، ورحل إليه الطلبة، وآخر من روى حديثه عاليا، أبو المنجا بن اللتي، توفي في صفر.

وأبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي، صاحب التصانيف، وكان أبوه مملوكا روميا، توفي في صفر، في عشر السبعين. قرأ على المتنبي ديوانه، ولازم أبا علي الفارسي.

والوليد بن بكر الغمري الأندلسي السرقسطي الحافظ، رحل بعد الستين وثلاثمائة، وروى عن الحسن بن رشيق، وعلي بن الخصيب وخلق. قال ابن الفرضي: كان إماما في الفقه والحديث، عالما باللغة والعربية، لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ. وقال غيره: له شعر فائق، توفي بالدينور.

سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو جعفر، أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري -أبهر أصبهان- سمع جزء لوين، من محمد بن إبراهيم الحزوري، سنة خمس وثلاثمائة، وكان دينا فاضلا.

وأبو إسحاق الطبري، إبراهيم بن أحمد المقرئ الفقيه المالكي المعدل، أحد الرؤساء والعلماء ببغداد، قرأ القرآن على ابن ثوبان، وأبي عيسى بكار وطبقتهما. وحدث عن إسماعيل الصفار وطبقته. وكانت داره، مجمع أهل القرآن والحديث، وإفضاله زائد على أهل العلم، وهو ثقة.

والجوهري، صاحب الصحاح، أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي اللغوي، أحد أئمة اللسان، وكان في جودة الخط كابن مقلة ومهلهل، وأكثر الترحال، ثم سكن نيسابور. قال القفطي: إنه مات مترديا من سطح داره بنيسابور في هذا العام، قال: وقيل مات في حدود الأربعمائة، وقيل، إنه تسودن، وعمل له شبه جناحين وقال: أريد أن أطير، وطفر، فأهلك نفسه، رحمه الله تعالى.

والطائع لله، أبو بكر عبد الكريم بن المطيع لله الفضل بن المقتدر بالله بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي، كانت دولته أربعا وعشرين سنة. وكان مربوعا أبيض أشقر كبير الأنف شديد القوى، في خلقه حدة خلع من الخلافة في شعبان، سنة إحدى وثمانين، وبالقادر بالله، ولم يؤذره، بل بقى مكرما محترما في دار عند القادر بالله، إلى أن مات، ليلة عيد الفطر، وله ثلاث وسبعون سنة. وصلى عليه القادر بالله، وشيعه الأكابر، ورثاه الشريف الرضي.

والمنصور الحاجب أبو عامر، محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني المعافري الأندلسي، مدبر دولة المؤيد بالله، هشام بن المستنصر بالله، الحكم بن الناصر عبد الرحمن الأموي، لأن المؤيد، بايعوه بعد أبيه، وله تسع سنين، وبقي صورة، وأبو عامر هو الكل، وكان حازما بطلا شجاعا غزاء عادلا سائسا، افتتح فتوحات كثيرة وأثر آثارا حميدة، وكان لا يمكن المؤيد من الركوب، ولا من الاجتماع بأحد، إلا بجواريه.

والمخلص أبو طاهر، محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي ابن الذهبي، مسند وقته. سمع أبا القاسم البغوي وطبقته. وكان ثقة. توفي في رمضان، وله ثمان وثمانون سنة.

سنة أربع وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السلمي الأصبهاني المقرئ روى عن عبد الله بن محمد الزهري، ابن أخي رستة وجماعة، وكتب الكثير، توفي في ذي القعدة.

وأبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت البغدادي، نزل مصر، وحدث عن البغوي، وأبي بكر بن أبي داود. قال الخطيب: كان شيء الحال في الرواية، توفي بمصر.

ومحمد بن عبد الملك بن ضيفون، أبو عبد الله اللخمي القرطي الحداد. سمع عبد الله بن يونس القبري، وقاسم أصبغ، وبمكة من أبي سعيد ابن الأعرابي. قال ابن الفرضي: لم يكن ضابطا، اضطر في أشياء.

ويحيى بن إسماعيل الحربي المزكى، أبو زكريا، بنيسابور، في ذي الحجة، وكان رئيسا أدبيا أخباريا متقنا. سمع من مكي بن عبدان وجماعة.

سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي العلامة أبو الحسين أحمد بن فارس الرازي اللغوي، صاحب المجمل، نزيل همذان. روى عن أبي الحسن القطان وطائفة، ومات بالري.

والتاهرتي، أبو الفضل أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن التميمي البزاز، العبد الصالح. سمع بالأندلس من قاسم بن، أصبخ وطبقته. وهو من كبار شيوخ ابن عبد البر.

والخفاف، أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد النيسابوري، مسند خراسان، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة. وهو آخر من حدث عن أبي العباس السراج.

والإخميمي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن العباس المصري. روى عن محمد بن ريان بن حبيب، وعلي بن أحمد بن علان وطائفة.

وأبو نصر الملاحمي، محمد بن أحمد بن محمد البخاري، رواي كتاب القراءة خلف الإمام وكتاب رفع اليدين تأليف البخاري، رواهما عن محمود بن إسحاق، وكان ثقة، يحفظ ويفهم، عاش ثلاثا وثمانين سنة.

وعبد الوارث بن سفيان، أبو القاسم القرطبي الحافظ، ويعرف بالحبيب، أكثر عن القاسم بن أصبغ، وكان من أوثق الناس فيه، توفي لخمس بقين من ذي الحجة، حمل عنه أبو عمر بن عبد البر الكثير.

وأبو عبد الله بن مندة، الحافظ العلم، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني الجوال، صاحب التصانيف، طوف الدنيا، وجمع وكتب ما لا ينحصر، وسمع من ألف وسبعمائة شيخ، وأول سماعه ببلده، في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، ومات في سلخ ذي القعدة، وبقي في الرحلة بضعا وثلاثين سنة. قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ: ما رأيت مثله. وقال عبد الرحمن ابن منده: كتب أبي عن أبي سعيد الأعرابي ألف جزء، وعن خيثمة ألف جزء. وعن الأصم ألف جزء، وعن الهيثم الشاشي ألف جزء. وقال شيخ الإسلام الأنصاري أبو عبد الله بن مندة: سيد أهل زمانه.

سنة ست وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو عمر الباجي، أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي، الحافظ العلم، في المحرم، وله ثلاث وستون سنة. وكان يحفظ عدة مصنفات، وكان إماما في الأصول والفروع.

وأبو الحسن بن الجندي، أحمد بن محمد بن عمران البغدادي، وله سنة ست وثلاثمائة، وروى عن البغوي، وابن صاعد، وهو ضعيف شيعي.

وأبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية بجرجان، وابن شيخهم إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه. وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون وتصانيف، توفي ليلة الجمعة، وهو يقرأ في صلاة المغرب {إياك نعبد وإياك نستعين} ففاضت نفسه، وله ثلاث وستون سنة.

وأبو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد محدث دمشق، ويعرف بأخي تبوك، ولد سنة ست وثلاثمائة وروى عن محمد بن حريم، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتاني: كان ثقة نبيلا مأمونا، توفي في ربيع الأول.

وأبو الحسن الحلبي، علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي نزيل مصر. روى عن علي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد ب إبراهيم بن نيروز وطبقتهما. ورحل إلى العراق ومصر، وعاش مائة سنة.

والبختري، صاحب الأربعين المروية، أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر النيسابوري المزكي الحافظ. روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته. قال الحاكم: كان من حفاظ الحديث المبرزين في المذاكرة. توفي في شعبان، وله ثلاث وستون سنة.

أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل وابن المأمون العباسي، ثقة مشهور، يروي عن أبي بكر بن زياد النيسابوري وطائفة. وهو جد جد أبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون.

وابن زنبور، أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الوراق، ببغداد في صفر. روى عن البغوي، وابن صاعد وطبقتهما، وابن أبي داود. قال الخطيب: ضعيف جدا.

سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

فيها كان خروج أبي ركوة، وهو أموي من ذرية هشام بن عبد الملك، كان يحمل الركوة في السفر، ويتزهد، وقد لقي المشائخ، وكتب الحديث، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أمية، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أمية، ويأخذ البيعة على من يستجيب له، ثم جلس مؤدبا، واجتمع عنده أولاد العرب، فاستولى على عقولهم وأسر إليهم أنه الإمام، ولقب نفسه الثائر بأمر الله، وكان يخبرهم بالمغيبات، ويمخرق عليهم، ثم إنه حارب متولي تلك الناحية من المغرب وظفر به، وقوي بم حواه من العسكر، ونزل ببرقة، فأخذ من يهودي بها مائتي ألف دينار، وجمع له أهلها، مائتي ألف دينار، وضرب السكة باسمه، ولعن الحاكم، فجهز الحاكم لحربه ستة عشر ألفا، فظفروا به، وأتوا به إلى الحاكم فقتله، ثم قتل الجيش الذين ظفروا به.

وفيها أصاب ركب العراق عطش شديد، واعتقلهم ابن الجراح على ما طلبه، وضاق القوم، وخافوا فوات الحج، فردوا ودخلوا بغداد يوم عرفة.

وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلس المالكي، مفتي قرطبة، وقاضي بطليوس، وأخو حامد الزاهد.

وأبو الحسن بن القصار، علي بن عمر البغدادي، الفقيه المالكي صاحب كتاب مسائل الخلاف. قال أبو إسحاق الشيرازي: لا أعرف لهم كتابا في الخلاف أحسن منه. وقال أبو ذر الهروي: هو أفقه من رأيت من المالكية. ومن طبقته: أبو الحسن بن القصار علي بن محمد بن عمر الرازي، الفقيه الشافعي. قال الخليل: هو أفضل من لقيناه بالري، كان مفتيها قريبا من ستين سنة. أكثر من عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. وكان له في كل علم حظ، وعاش قريبا من مائة سنة.

وابن واصل، الأمير أبو العباس أحمد كان يخدم بالكرخ، وهم يسخرون منه، ويقول بعضهم: إن ملكت فاستخدمني، فتنقلت به الأحوال، وخرج وحارب، وملك سيراف والبصرة، ثم قصد الأهواز، وكثر جيشه، والتقى السلطان بهاء الدولة وهزمه، ثم أخذ البطائح، وأخذ خزائن متوليها مهذب الدولة، فسار لحربه فخر الملك، أبو غالب، فعجز ابن واصل عنه، واستجار بحسان الخفاجي، ثم قصد بدر بن حسنويه، فقتل بواسط، في صفر من هذه السنة.

سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة

فيها كانت فتنة هائلة ببغداد، قصد رجل شيخ الشيعة ابن المعلم، وهو الشيخ المفيد، وأسمعه ما يكره. فثار تلامذته، وقاموا واستنفروا الرافضة، وأتوا دار قاضي القضاة أبي محمد بن الأكفاني والشيخ أبي حامد بن الإسفراييني فسبوهما، وحميت الفتنة. ثم إن السنة أخذوا مصحفا، قيل إنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف كثير، فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فأحضر بمحضر منهم، فقام ليلة النصف رافضي وشتم من أحرق المصحف، فأخذ وقتل. فثارت الشيعة ووقع القتال بينهم وبين السنة، واختفى أبو حامد، واستظهرت الروافض، وصاحوا: الحاكم يا منصور، فغضب القادر بالله، وبعث خيلا لمعاونة السنة، فانهزمت الرافضة، وأحرقت بعض دورهم وذلوا، وأمر عميد الجيوش بإخراج ابن المعلم من بغداد، فأخرج، وحبس جماعة، ومنع القُصاص مدة.

وفيها زلزلت الدينور، فهلك تحت الردم، أزيد من عشرة آلاف. وزلزلت سيراف والسيف، وغرق عدة مراكب، ووقع برد عظيم، وزن أكبر ما وجد منه فكانت مائة وستة دراهم.

وفيها هدم الحاكم العبيدي كنيسة قمامة بالقدس، لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم، ثم هدم الكنائس التي في مملكته، ونادى: من أسلم، وإلا فليخرج من مملكتي، أو يلتزم بما آمر. ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم، وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة مثل المكمدة، وزنها ستة أرطال، في عنق اليهودي، إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، فقيل: كانت الخشبة على تمثال رأس عجل. وبقي هذا سنوات، ثم رخص لهم في الردة، لكونهم مكرهين، وقال: ننزه مساجدنا عمن لا نية في الإسلام.

وفيها توفي البديع، أبو الفضل أحمد بن الحسن الهمذاني، الأديب العلامة، بديع الزمان، صاحب المقامات المشهورة وصاحب الرسائل، وكان فصيحا مفوها، وشاعرا مفلقا. توفي بهراة، في جمادى الآخرة.

وابن لآل، الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. قال شيرويه: كان ثقة، أوحد زمانه، مفتي همذان، له مصنفات في علوم الحديث، غير انه كان مشهورا بالفقه، له كتاب السنن ومعجم الصحابة. عاش تسعين سنة. والدعاء عند قبره مستجاب. قلت: سمع الكثير، وأكثر الترحال، وروى عن محمد بن حمدويه المروزي، وأبي سعيد بن الأعرابي وطبقتهما.

وأبو نصر الكلاباذي، الحافظ أحمد بن محمد بن الحسين. وكلاباذ محلة ببخارى. صنف رجال صحيح البخاري، وغير ذلك. وعاش خمسا وسبعين سنة. قال جعفر المستغفري: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم. قلت: روى عن الهيثم بن كليب الشاشي، وعبد الله الحسن بن هارون البغدادي، ولي قضاء مدينة المنصور وقضاء الكوفة، وأملى الكثير عن المحاملي وابن عقدة وطبقتهما. قال الدارقطني: هو في غاية الفضل والدين، عالم بالأقضية، عالم بصناعة المحاضر والترسل، موفق في أحواله كلها، رحمه الله.

والبافي، أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الفقيه الشافعي، ببغداد في المحرم، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وهو من أصحاب الوجوه.

والببغاء، الشاعر المشهور، أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي النصيبي، مدح سيف الدولة ابن حمدان والكبار، ولقبوه الببغاء لفصاحته، وقيل للثغة في لسانه.

وأبو القاسم بن الصيدني، عبد الله بن أحمد بن علي. روى مجلسين عن ابن صاعد، وهو آخر الثقات في أصحابه، وروى عن جماعة، توفي في رجب، ببغداد.

سنة تسع وتسعين وثلاثمائة

فيها رجع الركب العراقي، خوفا من ابن الجراح الطائي، فدخلوا بغداد قبل العيد، وأما ركب البصرة، فأخذه بنو زغب الهلاليون، قال ابن الجوزي في منتظمه: يأخذون للركب ما قيمته ألف ألف دينار.

وفيها توفي أحمد بن أبي عمران، أبو الفضل الهروي الزاهد القدوة نزيل مكة. روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، وخيثمة الأطرابلسي وطائفة، وصحب محمد بن داود الرقي. روى عنه خلق كثير من الحجاج.

وأبو العباس البصير، أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الأعمى الحافظ. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم واستملى عليه، وسمع بنيسابور، من أبي حامد بن بلال وطائفة. وكان من أركان الحديث، وقد ولد أعمى.

والنامي، الشاعر البليغ، أبو العباس أحمد بن محمد، كان تلو المتنبي في الرتبة عند سيف الدولة، وكان مقدما في اللغة، وله مع المتنبي معارضات ووقائع، وطال عمره، وصار شيخ الأدب بالشام. روى عن علي ابن سليمان الأخفش، والصولي، وعاش تسعين سنة.

وأبو الرقعمق الشاعر، صاحب المجون والنوادر، أبو حامد أحمد بن محمد النطاكي، دخل مصر، ومدح المعز وأولاده، والوزير ابن كلس.

وخلف بن أحمد بن محمد بن الليث البخاري، صاحب بخارى وابن صاحبها، كان عالما جليلا، مفضلا على العلماء وطبقته. ومات شهيدا في الحبس ببلاد الهند.

وأبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي، ثم المصري، شيخ الديار المصرية في القراءات، ومصنف التذكرة، رحل إلى البصرة، وقرأ بها على صاحب أبي العباس الأشناني. وبمصر على أبيه، وأبي عدي عبد العزيز، وغيره واحد.

وأبو مسلم الكاتب، محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر، في ذي القعدة، كان آخر من روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وروى كتاب السبعة لابن مجاهد عنه، وسمع بالجزيرة والشام والقيروان، وكان سماعه صحيحا من البغوي في جزء واحد، وما عداه مفسود.

وابن أبي زمنين، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المري الأندلس الألبيري، نزيل قرطبة، وشيخها ومفتيها، وصاحب التصانيف الكثيرة في الفقه والحديث والزهد. سمع من سعيد بن فحلون، ومحمد بن معاوية القرشي وطائفة، وكان راسخا في العلم مفننا في الآداب، مقتفيا لآثار السلف، صاحب عبادة وإنابة وتقوى، عاش خمسا وسبعين سنة. وتوفي في ربيع الآخر. ومن كتبه اختصار المدونة، ليس لأحد مثله.

سنة أربعمائة

فيها أقبل الحاكم -قاتله الله- على التأله والدين، وأمر بإنشاء دار العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدثين، وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل الكثير من الخير.

وفيها توفي ابن خرشيذ قوله، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون سنة. دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وسمع من ابن زياد النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه الله.

وأبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلف أطراف الصحيحين. روى عن عبد الله بن محمد بن السقا، وأبي بكر المقرئ وطبقتهما، وكان عارفا بهذا الشأن، ومات كهلا، فلم ينتشر حديثه، توفي في رجب.

وأبو نعيم الإسفراييني، عبد الملك بن الحسن، راوي المسند الصحيح، عن خال أبيه، أبي عوانة الحافظ، وكان صالحا ثقة، ولد في ربيع الأول، سنة عشر وثلاثمائة، واعتنى به أبو عوانة، وأسمعه كتابه، وعمر، وازدحم عليه الطلبة، وأحضروه إلى نيسابور.

سنة إحدى وأربعمائة

فيها أقام صاحب الموصل، الدعوة ببلده للحاكم، أحد خلفاء الباطنية، لأن ر سل الحاكم، تكررت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلد فأفسدوه، ثم سار قرواش إلى الكوفة، فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن، وأمر خطيب الأنبار بذلك، فهرب وأبدى قرواش بن مقلد صفحة الخلاف، وعاش وأفسد، فقلق القادر بالله، وأرسل إلى الملك بهاء الدولة، مع ابن الباقلاني المتكلم، فقال: قد كاتبنا أبا علي إلى عميد الجيوش في ذلك، ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار، وإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا. ثم إن قرواش بن مقلد، خاف الغلبة، فأرسل يعتذر، وأعاد الخطبة العباسية ولم يحج ركب العراق، لفساد الوقت.

وفيها توفي عميد الجيوش، أبو علي الحسين بن أبي جعفر، وله إحدى وخمسون سنة. كان أبوه من حجاب عضد الدولة، فخدم أبو علي بهاء الدولة، وترقرقت حاله، فولاه بهاء الدولة نائبا عنه بالعراق، فأحسن سياستها، وحمدت أيامه، وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر، فأبطل عاشوراء الرافضة، وأباد الحرامية والشطار، وقد جاء في عدله وهيبته حكايات.

وأبو عمر بن المكوى، أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي، انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس في زمانه، مع الورع والصيانة، دعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع، وصنف كتاب الاستيعاب في مذهب مالك، في عشر مجلدات، توفي فجأة عن سبع وسبعين سنة.

وأبو عمر بن الجسور، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي. روى عن قاسم بن أصبغ وخلق، ومات في ذي القعدة، وهو أكبر شيخ لابن حزم.

وأبو عبيد الهروي، أحمد بن محمد المؤدب، صاحب الغريبين، أخذ عن الأزهري وغيره، توفي في رجب.

وأبو بكر الحنائي، عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي الأديب، نزيل دمشق. روى عن يعقوب الجصاص وجماعة، وكان ثقة.

وعبد العزيز بن محمد بن النعمان بن محمد بن منصور، قاضي القضاة للعبيدين، وابن قاضيهم، وحفيد قاضيهم. قتله الحاكم، وقتل معه قائد القواد حسين، ابن القائد جوهر، وبعث من حمل إليه برأس قاضي طرابلس، أبي الحسين علي بن عبد الواحد البري، لكونه سلم عزاز. إلى متولي حلب.

وأبو الفتح البستي، علي بن محمد الكاتب، شاعر وقته وأديب ناحيته.

وأبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري، محمد بن الحسين بن داود، شيخ الأشراف سمع أبا حامد بن الشرقي، ومحمد بن إسماعيل المروزي، صاحب علي بن حجر وطبقتهما. وكان سيدا نبيلا صالحا. قال الحاكم: عقدت له مجلس الإملاء، وانتقيت له ألف حديث، وكان يعد في مجلسه ألف محبرة، توفي فجأة في جمادى الآخرة، رحمه الله.

وأبو علي الخالدي الذهلي، منور بن عبد الله الهروي. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة، قال أبو سعد الإدريسي: كذاب روى عنه أبو قادم الغنودي وعبد الرحمن بن عبيد وكان ابن ميمون والحديث والصحيح أنه مات سرا.

سنة اثنتين وأربعمائة

فيها أذن فخر الملك أبو غالب، الذي ولي العراق بعد عميد الجيوش، بعمل المأتم يوم عاشوراء.

وفيها كتب محضر ببغداد، في قدح النسب الذي تدعيه خلفاء مصر، والقدح في عقائدهم، وأنهم زنادقة، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي إخوان الكافرين، شهادة يتقرب بها إلى الله، شهدوا جميعا أن الناجم بمصر، وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار. إلى أن قال: فانه لما صار -يعني المهدي- إلى المغرب، وتسمى بعبيد الله، وتلقب بالمهدي، وهو مع من تقدمه من سلفه الأنجاس، أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد علي رضي الله عنه، ولا يعلمون أن أحدا من الطالبيين، توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار شائعا بالحرمين، وأن هذا الناجم بمصر وسلفه، كفار وفساق، لمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية، وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة، وكتب خلق في المحضر، منهم: الشريف المرتضي، وأخوه الشريف الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والإمام أبو حامد الإسفراييني، والإمام أبو الحسين القدوري، وخلق.

وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار، لكن بسكينة.

وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم، أبو عمر الأندلس، والد العلامة أبي محمد، كان كاتبا منشئا لغويا، وتبحر في علم البيان.

وأبو الحسين السوسنجردي، أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي، المعدل. روى عن ابن البختري وجماعة، وكان ثقة صاحب سنة.

وقاضي الجماعة، أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله أربع وخمسون سنة. سمع من أحمد ب عون الله وطبقته. وكان من جهابذة المحدثين وحفاظهم، جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس، وكان يملي من حفظه، وقيل: إن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسمية، ولي القضاء والخطابة، سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وعزل بعد تسعة أشهر، وله كتاب أسباب النزول في مائة جزء وكتاب فضائل الصحابة والتابعين في مائتي جزء وخمسين جزءا، وقد ولي الوزارة أيضا.

وعثمان الباقلاني، أبو عمرو البغدادي الزاهد، وكان عابدا أهل بغداد في زمانه، رحمه الله.

وأبو الحسن السامري الرفاء علي بن أحمد صالح، ثقة. روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي.

وأبو الحسن الداراني، علي بن دادو القطان المقرئ، حدث عن خيثمة، وقرأ علي ابن النضر الأخرم، وولي إمامة جامع دمشق. قال رشا بن نظيف: لم ألق مثله حذقا وإتقانا في رواية ابن عامر، وهو الذي طلع كبراء دمشق، وطلبوه لإمامة الجامع، فوثب أهل داريا بالسلاح ومانعوهم، وقالوا لا ندع لكم إمامنا، حتى يقدم أبو محمد بن أبي نصر، فقالوا: أما ترضون أن يسمع الناس في البلاد، أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام؟ فقالوا: رضينا، فقدمت له بغلة القاضي، فأبى وركب حماره، وسكن في المنارة الشرقية، وكان لا يأخذ على الصلاة ولا اراء أجرا، ويقتات من أرض له رحمه الله تعالى.

وأبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي المقرئ الضرير، أحد أعلام القرآن، أقرأ بمصر عن عبد الباقي ابن السقا، والسامري وجماعة، وصنف المنشأ في القراءات. وعاش ثمانيا وستين سنة.

وابن جميع، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغساني الصيداوي، صاحب المعجم المروي. رحل وكتب الكثير بالشام والعراق ومصر وفارس. روى عن أبي روق الهزاني والمحاملي وطبقتهما، ومات في رجب، وله سبع وتسعون سنة. وسرد الصوم، وله ثماني عشرة سنة، إلى أن مات. وثقه الخطيب.

وابن النجار، أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي النحوي المقرئ، آخر من حدث في الدنيا عن محمد بن الحسين الأشناني، وابن دريد قال العتيقي هو ثقة، توفي بالكوفة في جمادى الأولى. وقال الأزهري: كان مولده في سنة ثلاث وثلاثمائة في المحرم.

وابن اللبان الفرضي، العلامة أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن البصري. روى سنن أبي داود عن ابن داسة، وسمعها منه القاضي أبو الطيب الطبري. قال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض. وصنف فيها كتبا، ومات في ربيع الأول.

وأبو عبد الله الجعفي، محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي، المعروف بالهرواني، أحد الأئمة الأعلام في مذهب أبي حنيفة. روى عن محمد بن القاسم المحاربي وجماعة. قال الخطيب: قال من عاصره بالكوفة: لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه، إلى وقته، أحد أفقه منه. وقال لي العتيقي: ما رأيت مثله بالكوفة. قلت: ولد سنة خمس وثلاثمائة، وقد قرأ عليه غلام الهراس.

وأبو علي منتجب الدولة، لولو السمراوي، ولي نيابة دمشق للحاكم، وعزل بعد ستة أشهر، ولما هموا بالقبض عليه من دار العقيقي وكان نازلا بها، عبأ أصحابه، ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة، وقتل جماعة، ثم طلع لولو من سطح واختفى، فنودي عليه في البلد: من جاء به، فله ألف دينار، فدل عليه رجل وحبس، فجاء أمر الحاكم بقتله، فقتل.

وابن وجه الجنة أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزاز، شيخ ابن حزم. روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة، وكان عدلا صالحا.

سنة ثلاث وأربعمائة

فيها أُخذ الركب العراقي وتسمى نوبة واقصة. نزل فليتة الخفاجي قبحه الله في ستمائة بواقصة، فغور المياه، وطرح الحنظل في الآبار، فلما جاء الركب إلى العقبة، حبسهم ومنعهم العبور، إلا بخمسين ألف دينار، فخافوا وضعفوا وعطشوا، فهجم الملعون عليهم، فلم يكن عندهم منعة، وسلموا أنفسهم، فاحتوى على الجمال بالأحمال وأستاقها، وهلك الركب إلا القليل، فقيل إنه هلك خمسة عشر ألف إنسان، فأمر فخر الملك الوزير علي بن مزيد، فصار فأدركهم بناحية البصرة، فظفر بهم، وقتل طائفة كبيرة، وأسر والد فليتة والأشتر وأربعة عشر رجلا. ووجدوا أموال الناس قد تمزقت، فانتزع ما أمكنه، فعطشوا الأسرى على جانب دجلة، يرون الماء ولا يسقون، حتى هلكوا.

وفيها توفي أبو القاسم إسماعيل بن الحسن الصرصري البغدادي، سمع أبا عبد الله المحاملي وابن عقدة. قال البرقاني: ثقة صدوق.

وفيها ولي على أبو حامد الإسفراييني وبهاء الدولة السلطان أبو نصر بن السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة بن بزيه الديلمي، صاحب العراق وفارس، توفي بأرجان، في جمادى الأولى، وله اثنتان وأربعون سنة. وكانت أيامه بضعا وعشرين سنة. ومات بعلة الصرع، وولي بعده ابنه سلطان الدولة، فبقي في الملك اثني عشر عاما.

والحسن بن حامد، أبو عبد الله البغدادي، شيخ الحنابلة قال القاضي أبو يعلي: كان ابن حامد، مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه، وله المصنفات العظيمة، منها الكتاب الجامع، نحو أربعمائة جزء، في اختلاف العلماء، وكان معظما مقدما عند الدولة والعامة. وقال غيره: روى عن النجاد وغيره، وتفقه على أبي بكر عبد العزيز، وكان قانعا، يأكل من النسخ، ويكثر الحج، فلما كان في هذا العام، حج وعدم فيمن عدم، إذ أخذ الركب.

والقاضي أبو عبد الله الحليمي، الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري، الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف، أخذ عن أبي علي القفال، والشاشي، وسمع من محمد بن أحمد بن خنب، وجماعة. وهو صاحب وجه في المذهب، توفي في ربيع الأول، وله مخمس وستون سنة. وكان إماما متقنا.

وأبو علي الروذباري، الحسين بن محمد الطوسي، راوي السنن عن ابن داسة، توفي في ربيع الأول، أكثر عنه البيهقي ولي الحاكم وجده حسن.

وأبو الوليد بن الفرضي، عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي الحافظ، مؤلف تاريخ الأندلس. قال ابن عبد البر: كان فقيها عالما في جميع فنون العلم، في الحديث والرجال، قتلته البربر في داره. وقال أبو مروان بن حيان: وممن قتل يوم فتح قرطبة: الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي، وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية وحفظ الحديث، والافتنان في العلوم، والأدب البارع، ولي قضاء بلنسية، وكان حسن البلاغة والخط. قلت: عاش اثنتين وخمسين سنة.

وأبو الحسن القابسي، علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه، شيخ المالكية، أخذ عن ابن مسرور الدباغ، وفي الرحلة عن حمزة الكناني وطائفة، وصنف تصانيف فائقة في الأصول والفروع، وكان مع تقدمه في العلوم، صالحا تقيا ورعا، حافظا للحديث وعلله، منقطع القرين، وكان ضريرا.

وابن الباقلاني، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكي الأصولي المتكلم، صاحب المصنفات، وأوحد وقته في فنه. روى عن أبي بكر القطيعي، وأخذ علم النظر عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري، وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة. قال الخطيب: كان ورده في الليل عشرين ترويحة، في الحضر والسفر، فإذا فرغ منها، كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه. توفي في ذي القعدة ببغداد.

وأبو بكر الخوارزمي، محمد بن موسى، شيخ الحنفية، ومن انتهت إليه رئاسة المذهب في الآفاق، أخذ عن أبي بكر أحمد بن علي الرازي، وسمع من أبي بكر الشافعي. قال البرقاني: يقول سمعته يقول: ديننا دين العجائز، ولسنا من الكلام في شيء. وقال القاضي الصيمري: ما شاهد الناس مثل شيخنا أبي بكر الخوارزمي، من حسن الفتوى وحسن التدريس، دعي إلى القضاء مرارا فامتنع، وتوفي في جمادى الأولى.

وأبو رماد الرمادي، شاعر الأندلس، يوسف بن هارون القرطبي الأديب، أخذ عن أبي علي القالي وغيره، وكان فقيرا معدما، ومنهم من يلقبه بأبي حنيش.

سنة أربع وأربعمائة

فيها توفي أبو الفضل السليماني الحافظ، وهو أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري، محدث تلك الديار، طوف وسمع الكثير، وحدث عن علي بن إسحاق المادرائي والأصم وطبقتهما، وجمع وصنف، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة.

وأبو الطيب الصعلوكي، سهل بن الإمام أبي سهل محمد بن سليمان العجلي النيسابوري الشافعي، مفتي خراسان. روى عن الأصم وجماعة. قال الحاكم: هو أنظر من رأينا، تخرج به جماعة.

وأبو الفرج النهرواني، مقرئ بغداد، عبد الملك بن بكران، أخذ القراءات عن زيد بن أبي بلال، وعبد الواحد بن أبي هاشم وطائفة، وسمع من أبي بكر النجاد وجماعة، وصنف في القراءات، وتصدر مدة يحيى بن عبد الرحمن بن واقد القاضي القرطبي الأرج فيسر المعسر.

سنة خمس وأربعمائة

فيها منع الحاكم بمصر، النساء من الخروج من بيوتهن أبدا، ومن دخول الحمامات، وأبطل صنعة الخفاف لهن، وقتل عدة نسوة خالفهن أمره، وغرق جماعة عجائز.

وفيها توفي أبو الحسن العبقسي، أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكي العطار، مسند الحجاز في وقته، وله ثلاث وتسعون سنة. تفرد بالسماع من محمد بن إبراهيم الديبلي وغيره.

وأبو علي بن حكمان، الحسن بن الحسين الهمذاني، الفقيه الشافعي نزيل بغداد. روى عن عبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وجعفر الخلدي وطبقتهما، وعني بالحديث والفقه، ضعفه الأزهري وأبو الحسن.

والمجبر أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصلت البغدادي روى، عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن الأنباري، وجماعة كثيرة، ضعفه البرقاني وغيره، وتوفي في رجب، وله إحدى وتسعون سنة.

وبكر بن شاذان، أبو القاسم البغدادي الواعظ الزاهد. قرأ على زيد ابن أبي بلال الكوفي، وجماعة. وحدث عن ابن قانع وجماعة. قال الخطيب: كان عبدا صالحا ثقة. توفي في شوال. قلت: قرأ عليه جماعة.

وأبو محمد بن الأكفاني، قاضي القضاة، عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي، حدث عن المحاملي وابن عقدة وخلق. قال أبو إسحاق إبراهيم ابن أحمد الطبري: من قال إن أحدا أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار فقد كذب، غير أبي محمد بن الأكفاني. قلت: ولي القضاء بالعراق، سنة ست وتسعين، وعاش تسعا وثمانين سنة.

والإدريسي الحافظ، أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الاستراباذي، نزيل سمرقند ومحدثها ومؤرخها. سمع الأصم فمن بعد، وألف الأبواب والشيوخ.

وأبو نصر بن نباتة عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة، أحد شعراء العصر ببغداد، ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، ومدح الملوك والوزراء، وله ديوان كبير. قال رئيس الرؤساء: ما شاهد ابن نباتة الشاعر، أشعر منه، وكان يعاب بكبر فيه.

وأبو القاسم عبد الواحد بن الحسين شيخ الشافعية بالبصرة وهو صاحب وجه في المذهب وعليه تفقه أقضى القضاة الماوردي ولا أعلم متى توفي.

وأبو بكر بن أبي الحديد، محدث دمشق، محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد السلمي الدمشقي المعدل. روى عن أبي الدحداح أحمد بن محمد، وأبي بكر الخرائطي وطائفة. وكان ثقة نبيلا جليل القدر، عاش ستا وتسعين سنة.

والحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهمان النيسابوري، الحافظ الكبير، ويعرف أيضا بابن البيع، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، واعتنى به أبوه، فسمع في صغره، ثم هو بنفسه، وكتب عن نحو ألفي شيخ، وحدث عن الأصم، وعثمان بن السمك وطبقتهما، وقرأ القراءات على جماعة، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان، لا بل في الدنيا، وكان فيه تشيع وحط على معاوية. وهو ثقة حجة. توفي في صفر.

وابن كج، القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الدينوري، صاحب الإمام أبي الحسن بن القطان. صنف التصانيف، وكان بعض الفقهاء يفضله على أبي حامد الإسفراييني، وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعي، وكان أيضا محتشما جوادا ممدحا، وهو صاحب وجه. وقد قال له هه: يا أستاذ، الاسم لأبي حامد والعلم لك، قال: ذاك رفعته بغداد، وحطتني الدينور، قتل ليلة السابع والعشرين من رمضان، رحمه الله تعالى.

سنة ست وأربعمائة

فيها توفي الشيخ أبو حامد الإسفراييني، أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد، الفقيه، شيخ العراق، وإمام الشافعية، ومن انتهت إليه رئاسة المذهب. قدم بغداد صبيا، وتفقه على ابن المرزبان، وأبي القاسم الداركي، وصنف التصانيف، وطبق الأرض بالأصحاب، وتعليقته في نحو خمسين مجلدا، وكان يحضر درسه سبعمائة فقيه. توفي في شوال، وله اثنتان وستون سنة. وقد حدث عن أبي أحمد بن عدي وجماعة.

والملك باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري الصنهاجي المغربي، متولي إفريقية، نصير الدولة، واي للحاكم، وعاش بضعا وثلاثين سنة. وكان ملكا حازما شديد البأس، إذا هز رمحا كسره، ومات فجأة، وقام بعده، ولده المعز.

وأبو علي الدقاق، الحسن بن علي النيسابوري، الزاهد العارف شيخ الصوفية، توفي في ذي الحجة. وقد روى عن أبي عمرو بن حمدان وغيره.

وأبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري المفسر، صنف في علوم القرآن والآداب، وله كتاب عقلاء المجانين. سمع من الأصم وجماعة. وتوفي في ذي الحجة.

وأبو يعلى المهلبي، حمزة بن عبد العزيز بن محمد النيسابوري الطبيب. روى عن محمد بن أحمد بن ددويه، صاحب البخاري، وأبي حامد ابن بلال، وجماعة. وتفرد بالسماع من غير واحد، توفي يوم النحر عن سن عالية.

وأبو أحمد الفرضي عبيد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم المقرئ، شيخ بغداد. قرأ على أحمد بن بويان، وسمع من يوسف بن البهلول الأزرق، والمحاملي. قال الخطيب: كان ثقة دينا ورعا. وقال العتيقي: ما رأينا في معناه مثله. وقال الأزهري: إمام من الأئمة. قلت: عاش اثنتين وثمانين سنة.

وأبو الهيثم عتبة بن خيثمة بن محمد بن حاتم التميمي النيسابوري، شيخ الحنفية بخراسان، كان عديم النظير في الفقه والفتوى. نفقه على أبي الحسين قاضي الحرمين، وأبي العباس التبان، وسمع لما حج من أبي بكر الشافعي، وجماعة. وولي قضاء نيسابور تسع سنين روى عنه ابن خلف.

وابن فورك، الإمام المتكلم، أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني المتكلم، صاحب التصانيف في الأصول والعلم. روى مسند الطيالسي عن أبي محمد بن فارس، وتصدر للإفادة بنيسابور، وكان ذا زهد وعبادة، وتوسع في الأدب والكلام والوعظ والنحو.

والشريف الرضي، نقيب العلويين، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي، الشاعر المفلق، الذي يقال إنه أشعر قريش، ولد تسع وخمسين وثلاثمائة، وابتدأ بنظم الشعر، وله تسع سنين، وكان مفرط الذكاء، له ديوان في أربعة مجلدات.، وقيل إنه أحضر في مجلس أبي سعيد السيرافي. فسأله ما علامة النصب في عمر، فقال: بغض علي، فعجبوا من حدة ذهنه، ومات أبوه في سنة أربعمائة أو بعدها، وقد نيف على التسعين. وأما أخوه الشريف المرتضي فتأخر.

سنة سبع وأربعمائة

فيها سقطت القبة العظيمة التي على صخرة بيت المقدس.

وفيها هاجت فتنة مهولة بواسط بين الشيعة والسنة. ونهبت دور الشيعة وأحرقت، وهربوا وقصدوا علي بن مزيد، واستنصروا به.

وفيها توفي أبو بكر الشيرازي، أحمد بن عبد الرحمن الحافظ، مصنف كتاب الألقاب. كان أحد من عني بهذا الشأن، وأكثر الترحال في البلدان، ووصل إلى بلاد الترك، وسمع من الطبراني وطبقته. قال عبد الرحمن ابن مندة: مات في شوال.

وعبد الملك بن أبي عثمان، أبو سعيد النيسابوري، الواعظ القدوة، المعروف بالخركوشي، صنف كتاب الزهد وكتاب دلائل النبوة وغير ذلك. قال الحاكم: لم أر أجمع منه علما وتواضعا، وإرشادا إلى الله، زاده الله توفيقا، وأسعدنا بأيامه. روى عن حامد الرفا وطبقته، وتوفي في جمادى الأولى.

ومحمد بن أحمد بن شاكر القطان، أبو عبد الله البصري، مؤلف فضائل الشافعي في المحرم. روى عن عبد الله بن جعفر بن الورد وطائفة.

وأبو الحسين المحاملي، محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي البغدادي، الفقيه الشافعي الفرضي شيخ سليم الرازي. روى عن إسماعيل الصفار وطائفة.

والوزير فخر الملك أبو غالب بن الصيرفي، الذي صنف الفخري في الجبر والمقابلة باسمه، وكان جوادا ممدحا كبير القدر، كامل السؤدد، قتله مخدومه سلطان الدولة صاحب العراق ظلما، وله ثلاث وخمسون سنة. وقد كانت بغداد انغمرت بعدله وحسن سياسته، وكان أبوه صيرفيا بواسط.

سنة ثمان وأربعمائة

فيها وقعت فتنة عظيمة بين السنة والشيعة وتفاقمت. وقتل طائفة من الفريقين، وعجز صاحب الشرطة عنهم وقاتلوه، فأطلق النيران في سوق نهر الدجاج.

وفيها استتاب القادر بالله -وكان صاحب سنة- طائفة من المعتزلة والرافضة، وأخذ خطوطهم بالتوبة، وبعث إلى السلطان محمود بن سبكتكين يأمره ببث السنة بخراسان، ففعل ذلك وبالغ وقتل جماعة، ونفى خلقا كثيرا من المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والجهمية والمشبهة، وأمر بلعنهم على المنبر.

وفيها قتل الدرزي وقطع، لكونه ادعى ربوبية الحاكم.

وفيها توفي ابن ثرثال، أبو الحسن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التميمي البغدادي، في ذي القعدة بمصر، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن المحاملي، ومحمد بن مخلد. وله جزء واحد، رواه عنه الصوري والحبال.

وابن البيع، أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي المؤدب، صاحب المحاملي. وثقه الخطيب، ومات في رجب.

واليزدي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني، محدث أصبهان. روى عن محمد بن الحسين القطان، والأصم وطبقتهما. وتوفي في رجب.

وأبو الفضل الخزاعي، محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني المقرئ، مصنف كتاب الواضح. وكان كثير التطواف في طلب القراءات، أخذ عن الحسن بن سعيد المطوعي وطبقته. وكان غير صادق ولا ثقة.

وأبو عمر البسطامي، محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم، الفقيه الشافعي، قاضي نيسابور، وشيخ الشافعية بها، رحل وسمع الكثير، ودرس المذهب، وأملى عن الطبراني وطبقته، توفي في ذي القعدة.

سنة تسع وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسين بن المتيم، أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد البغدادي الواعظ، في جمادى الآخرة. له جزء شهور. روى عن المحاملي وجماعة.

وابن الصلت الأهوازي، أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت، ولد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وسمع من المحاملي وابن عقدة، وجماعة. وهو ثقة.

وعبد الله بن يوسف بن مامويه، الشيخ أبو محمد، المعروف بالأصبهاني، وإنما هو أردستاني، نزل نيسابور، وكان من كبار الصوفية، وثقات المحدثين الرحالة. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، ومحمد بن الحسين القطان، وجماعة. توفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة.

وعبد الغني بن سعيد بن علي، الحافظ الكبير النسابة، أبو محمد الأزدي المصري، صاحب التصانيف، في سابع صفر، وله سبع وسبعون سنة. روى عن عثمان بن محمد السمرقندي، وإسماعيل بن الجراب وطبقتهما. ورحل إل الشام، فسمع من الميانجي وطبقته. وكان الدراقطني يفخم أمره، ويرفع ذكره، ويقول: كأنه شعلة نار. وقال منصور الطوسي: خرجنا نودع الدارقطني بمصر فبكينا، فقال: تبكون وعندكم عبد الغني وفيه الخلف. وقال البرقاني: ما رأيت بعد الدارقطني أحفظ من عبد الغني.

والقاسم بن أبي المنذر الخطيب، أبو طلحة القزويني. راوي سنن ابن ماجة، عن أبي الحسن القطان، عنه. توفي في هذا العام، أو في الذي بعده.

سنة عشرة وأربعمائة

فيها افتتح ابن سبكتكين الهند، وقهر عباد البُد، وأسلم نحو من عشرين ألفا، وقتل من الكفار نحو خمسين ألفا، وهدم مدينة الأصنام. وبلغ الخمس من الرقيق فقط ثلاثة وخمسين ألفا، واستولى على عدة قلاع وحصون، ومما حصل من الورق، عشرون ألف ألف درهم، إلى أمثال ذلك. وكان جيشه ثلاثين ألف فارس، سوى الرجالة والمطوعة.

وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه، أبو بكر الحافظ الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ والتصنيف، لست بقين من رمضان، وقد قارب التسعين. سمع بأصبهان والعراق. وروى عن أبي سهل ابن زياد القطان وطبقته.

وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، أبو القاسم الشيباني الدمشقي المؤدب، في رجب. روى عن خيثمة وطبقته، واتهموه في لقي أبي إسحاق ابن أبي ثابت، ويذكر عنه الاعتزال.

وابن بالويه المزكي، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه النيسابوري، آخر من روى عن محمد بن الحسين القطان. وكان ثقة نبيلا وجيها، توفي فجأة في شعبان، وكان يملي في داره.

وابن بابك الشاعر المشهور، واسمه عبد الصمد بن منصور بن بابك ديوانه في ثلاث مجلدات. وقد قال له الصاحب إسماعيل بن عباد: أنت ابن بابك؟ فقال له: ابن بابك. فأعجبه قوله كثيرا.

وأبو عمر بن مهدي، عبد الواحد بن محمد بن عبد الله الفارسي ثم البغدادي البزاز، آخر أصحاب المحاملي، وابن مخلد، وابن عقدة. قال الخطيب: ثقة. توفي في رجب، وله اثنتان وتسعون سنة.

والقاضي أبو منصور محمد بن محمد بن عبد الله الأزدي الهروي، شيخ الشافعية بهراة، ومسند البلد، رحل وسمع ببغداد من أحمد بنى عثمان الأدمي، وبالكوفة من ابن دحيم وطائفة، توفي فجأة في المحرم.

وأبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، الفقيه الشافعي، عالم نيسابور ومسندها. ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وسمع سنة خمس وعشرين، من أبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطان، وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وخلق. وأملى ودرس، وكان قانعا متعففا، له مصنف في علم الشروط، توفي في شعبان، وقد روى عنه الحاكم مع تقدمه.

وهبة الله بن سلامة، أبو القاسم البغدادي المفسر، مؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ. وهو جد رزق الله التميمي لأمه، كان من أحفظ الأئمة للتفسير، وكان ضريرا، له حلقة بجامع المنصور.

سنة إحدى عشرة وأربعمائة

فيها كان الغلاء المفرط بالعراق، حتى أكلوا الكلاب والحمر.

وفيها أبو نصر النرسي، أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي، الصدوق العبد الصالح. روى عن ابن البختري، وعلي بن إدريس الستوري.

والحاكم بأمر الله، أبو علي منصور بن عبد العزيز بن نزار بن المعز العبيدي، صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب.، فقد في شوال، وله ست وثلاثون سنة. جهزت أخته ست الملك عليه من قتله، وكان شيطانا مريدا خبيث النفس متلون الاعتقاد، سمحا جوادا، سفاكا للدماء، قتل خلقا كثيرا من كبراء دولته صبرا، وأمر بشتم الصحابة وكتبه على أبواب المساجد، وأمر بقتل الكلاب، حتى لم يبق بمملكته منها إلا القليل، وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي لا فلوس له، وأتى بمن باع ذلك سرا فقتلهم، ونهى عن بيع الرطب، ثم جمع منه شيئا عظيما فأحرقه، وأباد أكثر الكروم، وشدد في الخمر، وألزم أهل الذمة بحمل الصلبان والقرامي في أعناقهم كما تقدم، وأمرهم بلبس العمائم السود وهدم الكنائس، ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة منه، وأمر بالسلام فقط. وبعث إليه باديس عامله على المغرب، ينكر عليه، فأخذ في استمالته، وحمل في كمه الدفاتر، ولزم التفقه، وأمر الفقهاء ببث مذهب مالك، واتخذ له مالكيين يفقهانه، ثم ذبحهما صبرا، ثم نفى المنجمين من بلاده، وحرم على النساء الخروج، فما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر، حتى قتل. ثم تزهد وتأله ولبس الصوف، وبقي يركب حمارا، ويمر وحده في الأسواق، ويقيم الحسبة بنفسه. ويقال إنه أراد أن يدعي الإلهية كفرعون، وشرع في ذلك، فخوفه خواص دولته من زوال دولته فانتهى. وكان المسلمون والذمة في ويل وبلاء شديد معه، حتى إنه أوحش أخته بمراسلات قبيحة، وأنها تزني بطليب بن دواس القائد، وكان خائفا من الحاكم، فاتفقت معه على قتل الحاكم. وسيرته طويلة عجيبة.

وأقامت أخته بعده ولده الظاهر علي بن منصور، وقتلت ابن دواس وسائر من اطلع على سرها. وأعدمت جيفة الحاكم، ولم يجدوا إلا جبته الصوف بالدماء وضربات السكاكين وحماره معرقبا.

والقاضي أبو القاسم الحسن بن الحسين بن المنذر البغدادي، قاضي ميافارقين، ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة. وكان صدوقا، علامة بالفرائض. روى عن ابن البختري، وإسماعيل الصفار، وجماعة.

وأبو القاسم الخزاعي، علي بن أحمد بن محمد البلخي راوي مسند الهيثم بن كليب الشاشي عنه، وقد روى عنه جماعة كثيرة، وحدث ببلخ وبخارى وسمرقند، ومات في صفر، ببخارى، عن بضع وثمانين سنة.

سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

توفي أبو سعد الماليني، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي الحافظ. قال الخطيب: كان ثقة متقنا صالحا. وقال غيره: سمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر، وحدث عن أبي أحمد بن عدي وإسماعيل بن محمد وطبقتهما. وكتب الكتب الطوال، وأكثر التطواف، إلى أن مات. توفي بمصر في سابع عشر شوال.

والحسين بن عمر بن برهان الغزال، أبو عبد الله بن أبي الجراح المرزباني المروزي، راوي جامع الترمذي عن المحبوبي، سكن هراة، وروى بها الكتاب، قال أبو سعد السمعاني: وهو ثقة صالح، توفي -إن شاء الله- سنة اثنتي عشرة.

غنجار الحافظ، صاحب تاريخ بخارى، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل، أبو عبد الله البخاري. روى عن خلف الخيام وطبقته.

وابن رزقويه الحافظ، أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن رزق البغدادي البزار. روى عن ابن البختري، ومحمد بن يحيى الطائي وطبقتهما. قال الخطيب: كان كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد مديما للتلاوة، أملى بجامع المدينة مدة سنين وكف بصره بآخره، ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. وقال الأزهري: أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه بمال، فرده تورعا.

وأبو الفتح بن أبي الفوارس محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي الحافظ المصنف، في ذي القعدة، وله أربع وسبعون سنة. سمع من جعفر الخلدي وطبقته، قال الخطيب: كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة، مشهورا بالصلاح، والانتخاب على المشايخ، وكان يملي في جامع الرصافة.

وأبو عبد الرحمن السلمي، محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري الصوفي الحافظ، شيخ الصوفية. صحب جده: أبا عمرو بن نجيد، وسمع الأصم وطبقته، وصنف التفسير والتاريخ وغير ذلك، وبلغت تصانيفه مائة. قال محمد بن يوسف النيسابوري القطان: كان يضع للصوفية. وقال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك، مجردا صاحب حديث، وله بنيسابور دويرة للصوفية، توفي في شعبان.

وصريع الدلاء، قتيل الغواشي واسمه محمد بن عبد الواحد البصري، الشاعر الماجن، صاحب المقصورة المشهورة: قلقل أحشائي تباريح الجوى وقد أجاد في قوله فيها:

من فاته العلم وأخطأه الغنى... فذاك والكلب على حد سوا

ومنير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخشاب، أبو العباس المصري المعدل، شيخ الخلعي. روى عن علي ابن عبد الله بن أبي مطر وجماعة. قال الحبال: كان ثقة لا يجوز عليه تدليس. توفي في ذي القعدة.

سنة ثلاث عشرة وأربعمائة

فيها تقدم بعض الباطنية من المصريين، فضرب الأسود بدبوس، فقتلوه في الحال. قال محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي: قام فضرب الحجر ثلاث ضربات، وقال: إلى متى يعبد هذا الحجر، ولا محمد ولا علي أفيمنعني محمد مما أفعله، فإني اليوم أهدم أكثر هذا البيت، فاتقاه أكثر الحاضرين، وكاد أن يفلت، وكان أحمر أشقر جسيما طويلا، وكان على باب المسجد، عشرة فوارس ينصرونه، فاحتسب رجل ورماه بخنجر، ثم تكاثروا عليه، فهلك وأحرق، وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته، واختبط الوفد، ومال الناس على ركب المصريين بالنهب، وتخشن وجه الحجر، وتساقط منه شظايا يسيرة، وتشقق، وظهر مكسره أسمر يضرب إلى الصفرة، محببا مثل حب الخشخاش معمر، فعجن بالمسك واللك الفتات، وحشيت الشقوق وطليت، فهو يبين لمن يتأمله.

وفيها توفي بشيراز، سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة الديلمي، صاحب العراق وفارس، ولي السلطنة، وهو صبي بعد أبيه، وأرسل إليه القادر بالله، خلع الملك إلى شيراز، وقد قدم إلى بغداد في وسط مملكته، ورجع، وكانت دولته ضعيفة متماسكة، وعاش اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر.

وصدقة بن محمد بن أحمد بن محمد، أبو القاسم بن الدلم القرشي الدمشقي، الثقة الأمين، محدث دمشق ومسندها. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، وأبي الطيب بن عبادل وطائفة، ومات في جمادى الآخرة.

وأبو المطرف القنازعي، الفقيه عبد الرحمن بن مروان القرطبي المالكي. ولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وسمع من أبي عيسى الليثي وطبقته، وقرأ القراءات على جماعة، منهم: علي بن محمد الأنطاكي. ورحل، فأكثر عن الحسن بن رشيق، وعن أبي محمد بن أبي زيد، ورجع، فأقبل على الزهد والانقباض، ونشر العلم والإقراء والعبادة والأوراد والمطالعة والتصنيف، فشرح الموطأ، وصنف كتابا في الشروط، وكان أقرأ من بقي بالأندلس.

وعبد العزيز بن جعفر بن خواستي، أبو القا سم الفارسي ثم البغدادي، المقرئ المحدث، مسند أهل الأندلس في زمانه، ولد سنة عشرين وثلاثمائة، وسمع من إسماعيل الصفار، وابن داسة وطبقتهما، وقرأ الروايات على أبي بكر النقاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وكان تاجرا، توفي في ربيع الأول، وقد أكثر عنه أبو عمرو الداني.

وعلي بن هلال، أبو الحسن بن البواب، صاحب الخط المنسوب، كتب على محمد بن أسد، وأخذ العربية عن ابن جني، وكان في شبيبة مزوقا دهانا في السقف، ثم صار يذهب الختم وغيرها، وبرع في ذلك، ثم عني بالكتابة، ففاق فيها الأوائل والأواخر، ووعظ وعبر الرؤيا، وقال النظم والنثر، ونادم فخر الملك أبا غالب الوزير، ولم يعرف الناس قدر خطه إلا بعد موته، لأنه كتب ورقة إلى كبير، يشفع فيها في مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين، وقد بسط القول فيها، فلما كان بعد موته بمدة، بيعت تلك الورقة بسبعة عشر دينارا. قال الخطيب: كان رجلا دينا، لا أعلمه روى شيئا. وقال ابن خيرون: كان من أهل السنة، رحمه الله تعالى وتوفي في جمادى الأول.

والجارودي، أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ، في شوال. روى عن حامد الرفا، والطبراني وابن نجيد وطبقتهما. وكان شيخ الإسلام، إذا روى نه قال، حدثنا إمام أهل المشرق أبو الفضل الجارودي. وقال أبو النصر الفامي: كان عديم النظير في العلم، خصوصا في علم الحفظ والتحديث، وفي التقلل من الدنيا، والاكتفاء بالقوت، وحيدا في الورع، رحمه الله.

والشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضا: بابن المعلم، عالم الشيعة وإمام الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة. قال ابن أبي طي في تاريخه -تاريخ الأمة- هو شيخ مشائخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة، مع الجلالة العظيمة، في الدولة البويهية. قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس. وقال غيره: كان عضد الدولة، ربما زار الشيخ المفيد. وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر، عاش ستا وسبعين سنة. وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة والخوارج، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان رحمه الله.

سنة أربع عشرة وأربعمائة

فيها سار السلطان مشرف الدولة أبو علي بن السلطان بهاء الدولة، إلى بغداد، وتلقاه القادر بالله.

وفيها جاء كتاب محمود بن سبكتكين ملك المشرق، بأنه أوغل في بلاد الهند، فأتى لقلعة عظيمة فأخذها بالأمان، وضرب عليهم الخراج.

وفيها توفي أبو القاسم، تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرازي ثم الدمشقي، الحافظ ابن الحافظ أبي الحسين، في ثالث المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن خيثمة، وأبي علي الحصائري وطبقتهما، قال الكناني: كان ثقة، لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين، وقال أبو علي الأهوازي: ما رأيت مثله في معناه. وقال أبو بكر الحداد، ما رأينا مثل تمام، في الحفظ والخير.

والغضائري، أبو عبد الله الحسين بين الحسن بن محمد بن جليس المخزومي البغدادي. روى عن الصولي والصفار وجماعة. قال الخيطب: كتبنا عنه، وكان ثقة فاضلا، مات في المحرم.

والحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أبي كامل الأطرابلسي العدل. روى عن خال أبيه خيثمة وطائفة، بدمشق ومصر.

وابن فتحويه، الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدينوري أبو عبد الله، بنسابور، في ربيع الأخر، وكان ثقة مصنفا. روى عن أبي بكر بن السني، عيسى بن حامد الرخجي وطبقتهما، وحصل له حشمة ومال.

وابن جهضم، أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمداني، شيخ الصوفية بالحرم، ومؤلف كتاب بهجة الأسرار في التصوف. روى عن أبي سلمة القطان، وأحمد بن عثمان الأدمي، وعلي بن أبي العقب وطبقتهم، وأكثر الناس عنه، وطال عمره. قال أبو الفضل ابن خيرون: قبل إنه كان يكذب، وقال غيره: اتهموه بوضع الحديث.

وابن ماشاذه، الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن ميلة الأصفهاني الفقيه الفرضي الزاهد، روى عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن حكيم، وأبي علي المصاحفي، وعبد الله بن جعفر بن فارس وطائفة، وأملى عدة مجالس، قال أبو نعيم، وبه ختم كتاب الحلية: وختم التحقيق في طريقة الصوفية، بأبي الحسن، لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة، وكان عارفا بالله، فقيها عاملا، له الحظ الجزيل من الأدب. وقال أبو نعيم أيضا: كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، كان ينكر على المشبهة من الصوفية وغيرهم، فساد مقالتهم في الحلو والإباحة والتشبيه.

وأبو عمر الهاشمي، القاسم بن جعفر بن عبد الواحد العباسي البصري القاضي، من ولد الأمير جعفر بن سليمان. ولد اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وسمع من اللؤلؤي سنن أبي داود، ومن أبي العباس الأثرم، وعلي ابن إسحاق المادرائي وطائفة. قال الخطيب: كان ثقة أمينا، ولي قضاء البصرة، ومات بها في ذي القعدة.

وأبو سعيد النقاش، محمد بن علي عمرو بن مهدي الأصبهاني الحنبلي الحافظ، صاحب التصانيف، في رمضان. روى عن ابن فارس، وإبراهيم الهجيمي، وأبي بكر الشافعي وطبقتهم، وكان ثقة صالحا.

وأبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفار، ببغداد في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن ابن عيش القطان، وابن البختري وطائفة. قال الخطيب: صدوق كتبنا عنه.

والمزكي أبو زكريا بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، شيخ العدالة ببلده، وكان صالحا زاهدا ورعا، صاحب حديث كأبيه أبي إسحاق المزكي. روى عن الأصم وأقرانه، ولقي ببغداد النجاد وطبقته. وأملى عدة مجالس. ومات في ذي الحجة.

سنة خمس عشرة وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسن المحاملي، شيخ الشافعية، أحمد بن محمد ابن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي، تفقه على والده أبي الحسين، وعلى الشيخ أبي حامد الإسفرييني، ورحل به أبوه فأسمعه بالكوفة، من ابن أبي السري البكائي، ومات في ربيع الآخر، عن سبع وأربعينن سنة. وكان عديم النظير في الذكاء والفطنة، صنف عدة كتب. قال الشيخ أبو حامد: هو اليوم أحفظ مني: وأحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى أبو العباس الإشبيلي المعدل بمصر، في صفر. سمع عثمان بن محمد السمرقندي، وأبا الفوارس بن الصابوني وطبقتهما بمصر والشام، انتقى عليه أبو نصر السجزي.

والقاضي عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن الهمذاني الاسد آبادي المعتزلي، صاحب التصانيف، عمر دهرا في غير السنة. وروى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان، والجلاب، وعبد الله بن جعفر بن فارس.

والعيسوي، أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العباسي البغدادي، قاضي مدينة المنصور، مات في رجب، وحدث عن أبي جعفر بن البختري وطائفة.

وأبو الحسين بن بشران، علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي المعدل. سمع ابن البختري وطبقته. قال الخطيب: كان صدوقا ثبتا تام المروءة ظاهر الديانة، ولد في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وتوفي في شعبان، كتبنا عنه.

وأبو الحسين القطان، محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان الأزرق البغدادي الثقة، ولد سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، توفي في رمضان. روى عن إسماعيل الصفار، ومحمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب وطبقتهما، وكان مكثرا.

ومحمد بن سفيان أبو عبد الله القيرواني، صاحب كتاب الهادي في القراءات. تفقه على أبي الحسن القابسي، ورحل فأخذ القراءات عن أبي الطيب بن غلبون وغيره. قال أبو عمرو الداني: كان ذا فهم وحفظ وعفاف.

سنة ست عشرة وأربعمائة

فيها انتشر العيارون ببغداد، وخرقوا الهيبة، وواصلوا العملات والقتل.

وفيها مات السلطان مشرف الدولة، ونهبت خزائنه، وتسلطن جلال الدولة أبو طاهر، ولد بهاء الدولة بن عضد الدولة، وهو يومئذ بالبصرة، فخلع على وزيره، علم الدين شرف الملك أبي سعيد بن ماكولا. ثم إن الجند عدلوا إلى الملك أبي كاليجار، ونوهوا باسمه، وكان ولي عهد أبيه، سلطان الدولة، فخطب لهذا ببغداد، واختبط الناس، وأخذت العيارون الناس نهارا جهارا، وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل، ويكبسون البين، ويأخذون صاحبه يعذبونه، إلى أن يقر لهم بذخائره، وأحرقوا دار الشريف المرتضي. ولم يخرج ركب من بغداد.

وفيها توفي الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب، أبو الخير، القاضي المصري، حدث عن أبيه، وعثمان بن السمرقندي وطائفة.

وأبو محمد بن النحاس، عبد الرحمن بن عمر المصري البزار، في عاشر صفر، وكان مسند الديار المصرية ومحدثها، عاش بضعا وتسعين سنة. وسمع بمكة من ابن الأعرابي، وبمصر من أبي الطاهر المديني، وعلي بن عبد الله بن أبي مطر وطبقتهما. وأول سماعه في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.

وأبو الحسن التهامي، علي بن محمد الشاعر، له ديوان مشهور، دخل مصر بكتب من حسان بن مفرج، فظفروا به وقتلوه سرا، في جمادى الأولى.

وأبو بكر القطان، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الطائي الدارني، المعروف أيضا: بابن الخلال. صالح ثقة. روى عن خيثمة وجماعة كثيرة.

وأبو عبد الله بن الحذاء القرطبي، محمد بن يحيى التميمي المالكي المحدث، عاش ثمانين سنة. وروى عن أبي عيسى الليثي، وأحمد بن ثابت وطبقتهما، وحج، فأخذ عن أبي القاسم عبد الرحمن الجوهري، وأبي بكر المهندس وطبقتهما. وتفقه على أبي محمد الأصيلي، وألف في تعبير الرؤيا كتاب البشرى في عشرة أسفار، وولي قضاء إشبيلية وغيرها.

ومشرف الدولة السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة ابن السلطان عضد الدولة الديلمي، ولي مملكة بغداد وكان يرجع إلى دين وتصوف وحياء، عاش ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكان مدة ملكه خمسة أعوام، وخطب بعده لجلال الدولة بن بويه، ثم نودي بعد أيام بشعار أبي كاليجار.

سنة سبع عشرة وأربعمائة

فيها قدمت الاسفهسلارية بغداد، فراسلوا العيارين بالكف عن الناس، فلم يفكروا فيهم، وخرجوا إلى خيمهم وسبوهم، وتحاربوا واستعرت الفتنة، ولبسوا السلاح، ودقت الدبادب، وحمي الطويس، ثم هجمت الجند على الكرخ فنهبوه، وأحرقوا الأسواق، ووقعت الرعاع والدعار في النهب، وأشرف الناس على التلف فقام المرتضي وطلع إلى الخليفة واجتمع به، فخلع عليه، ثم ضبطت محال بغداد، لكن شرعوا في المصادرات.

وفيها توفي قاضي العراق ابن أبي الشوارب، أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي. قال الخطيب: كان رئيسا نزها عفيفا. سمع من عبد الباقي بن قانع، ولم يحدث، وعاش ثمانيا وثمانين سنة. وقد ولي القضاء أربعة وعشرون نفسا، من أولاد محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب. منهم ثمانية ولوا قضاء القضاة، هذا آخرهم.

وفيها أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي البغدادي اللغوي الأديب، نزيل الأندلس. صنف الكتب، وروى عن القطيعي وطائفة. قال ابن بشكوال: كان يتهم بالكذب.

وأبو بكر القفال المروزي، عبد الله بن أحمد، شيخ الشافعية بخراسان، حذق في صنعته، حتى عمل قفلا ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة. أحس من نفسه ذكاء، وحبب إليه الفقه، فبرع فيه، وصار إلى ما صار، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه، عاش تسعين سنة، ومات في جمادى الأولى. قال ناصر العمري: لم يكن في زمانه أفقه منه، ولا يكون بعده مثله. كنا نقول: إنه ملك في صورة آدمي.

وأبو محمد عبد الله بن يحيى السكري البغدادي، صدوق مشهور روى عن إسماعيل الصفار وجماعة، توفي في صفر.

وأبو الحسن الحمامي، مقرئ العراق، علي بن أحمد بن عمر البغدادي. قرأ القراءات على النقاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وبكار، وزيد بن أبي بلال وطائفة، وبرع فيها. وسمع من عثمان بن السماك وطبقته. وانتهى إليه علو الإسناد في القرآن، وعاش تسعا وثمانين سنة. توفي في شعبان.

وأبو حازم العبدوي الجاولي، عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه الهذلي المسعودي النيسابوري الأعرج، يوم عيد الفطر. روى عن إسماعيل بن نجيد وطبقته. قال الخطيب: كان ثقة صادقا حافظا عارفا ويقال إنه كتب عن عشرة أنفس، عشرة آلاف جزء.

وأبو حفص عمر بن أحمد بن عمر بن عثمان العكبري البزاز. روى عن محمد بن يحيى الطائي وجماعة، وعاش سبعا وتسعين سنة. ووثقه الخطيب.

وأبو نصر بن الجندي، محمد بن أحمد بن هارون الغساني الدمشقي، إمام الجامع، ونائب الحكم، ومحدث البلد. روى عن خيثمة، وعلي بن أبي العقب. وجماعة. قال الكتاني: كان ثقة مأنونا، توفي في صفر.

سنة ثماني عشرة وأربعمائة

فيها اجتمعت الحاشية ببغداد، وصمموا على الخليفة، حتى عزل أبا كاليجار، وأعيدت الخطبة لجلال الدولة أبي طاهر.

وفيها ورد كتاب الملك محمود بن سبكتكين، بما فتحه من بلاد الهند، وكسره صنم سومنات، وأنهم فتنوا به، وكانوا يأتون إليه من كل فج عميق، يقربون له القرابين، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزانة الصنم بالأموال، وله ألف نفس يخدمونه، وثلاثمائة يحلقون رؤوس حجابه. وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون، فاستخار العبد الله في الانتداب له، ونهض في شعبان سنة ست عشرة وأربعمائة، في ثلاثين ألف فارس، سوى المطوعة، ووصلنا بلد الصنم، وملكنا البلد، وأوقدت النيران على الصنم، حتى تقطع، وقتلنا خمسين ألفا من أهل البلد.

وفيها قدم جلال الدولة ببغداد، وتلقاه الخليفة، ونزل بدار السلطنة. ولم يسر من بغداد ركب.

وفيها توفي أبو إسحاق الاسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأصولي المتكلم الشافعي، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف. روى عن دعلج وطبقته، وأملى مجالس، وكان شيخ خراسان في زمانه. توفي يوم عاشوراء، وقد نيف على الثمانين.

وأبو القاسم بن المغربي الوزير، واسمه حسين بن علي الشيعي، لما قتل الحاكم بمصر، أباه وعمه وأخوته، هرب هو وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه، فأكرم مورده، ثم وزر لصاحب ميافارقين: أحمد بن مروان الكردي. وله شعر رائق، وعدة تواليف، عاش ثمانيا وأربعين سنة. وكان من أدهى البشر وأذكاهم.

وأبو القاسم السراج، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري الفقيه. روى عن الأصم وجماعة، وكان من جلة العلماء توفي في صفر.

وعبد الوهاب بن الميداني، محدث دمشق، وهو أبو الحسين بن جعفر بن علي. روى عن أبي علي بن هارون، واتهم في روايته عنه. وروى عن أبي عبد الله بن جروان وخلق. قال الكتاني: ذكر أبو الحسين، أنه كتب بقنطار حبر، وكان فيه تساهل.

ومحمد بن زهير، أبو بكر النسائي، شيخ الشافعية بنسا، وخطيب البلد. روى عن الأصم وأبي سهل بن زياد القطان وطبقتهما.

ومحمد بن محمد بن أحمد الروزبهان، أبو الحسن البغدادي. روى عن علي الستوري، وابن السماك، وجماعة. وتوفي في رجب، قال الخطيب: صدوق.

ومعمر بن أحمد بن محمد بن زياد، أبو منصور الأصبهاني الزاهد، شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان روى عن الطبراني، وأبي الشيخ. ومات في رمضان.

ومكي بن محمد بن الغمر، أبو الحسن التميمي الدمشقي المؤدب، مستملي القاضي الميانجي، أكثر عنه وعن أحمد بن البراثي، وهذه الطبقة. ورحل إلى بغداد، فلقي القطيعي، وكان ثقة.

وأبو القاسم اللالكائي، هبة الله بن الحسن الطبري الحافظ، الفقيه الشافعي. تفقه على الشيخ أبي حامد، وسمع من المخلص وطبقته، وأكثر من جعفر بن فناكي. قال الخطيب: كان يحفظ ويغهم، صنف كتابا في السنة، وكتاب رجال الصحيحين، وكتابا في السنن. ثم خرج في آخر أيامه إلى الدينور، فمات بها في رمضان كهلا رحمه الله.

سنة تسع عشرة وأربعمائة

كان جلال الدولة السلطان ببغداد، فتخالفت عليه الأمراء وكرهوه، لتوفره على اللعب، وطالبوه، فأخرج لهم من المصاغ والفضيات، ما قيمته أكثر من مائة ألف درهم، فلم يرضهم، ونهبوا دار الوزير، وسقطت الهيبة، ودب النهب في الرعية، وحصروا الملك، فقال: مكنوني من الانحدار، فأجابوه، ثم وقعت صيحة، فوثب وبيده طبر، وصاح فيهم، فلانوا له، وقبلوا الأرض، وقالوا: اثبت، فأنت السلطان، ونادوا بشعاره، فأخرج لهم متاعا كثيرا، فبيع، فلم تف بمقصودهم، ولم يحج ركب من بغداد.

وفيها توفي ابن العالي، أبو الحسين أحمد بن محمد بن منصور البوشنجي خطيب بوشنج. روى عن محمد بن أحمد بن ديسم، وأبي أحمد بن عدي وطبقتهم. بهراة وجرجان ونيسابور. توفي في رمضان.

وعبد المحسن بن محمد الصوري، شاع محسن، يدرج القول، وله:

بالذي ألهم تعذ... يبي ثناياك العذابا

ما الذي قالته عي... ناك لقبي فأجابا

وعلي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز، أبو الحسن البغدادي، توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن السماك وطبقته وقرأ على أبي بكر بن مغنم، قال الخطيب: كان كثير السماع والشيوخ، وإلى الصدق ما هو.

والذكواني، أبو بكر محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني المعدل، المحدث الصدوق، عاش ستا وثمانين سنة. ورحل إلى البصرة والكوفة والأهواز والري والنواحي. وروى عن أبي محمد بن فارس، وأبي أحمد القاضي العسال، وفاروق الخطاب وطبقتهم، وله معجم، توفي في شعبان.

وأبو عبد الله بن الفخار، محمد عمر بن يوسف القرطبي الحافظ، شيخ المالكية، وعالم أهل الأندلس. روى عن أبي عيسى الليثي وطائفة، وكان زاهدا عابدا ورعا متألها، عارفا بمذاهب العلماء، واسع الدائرة، حافظا للمدونة عن ظهر قلب، والنوادر لابن أبي زيد، مجاب الدعوة. قال القاضي عياض: كان أحفظ الناس، وأحضرهم علما، وأسرعهم جوابا، وأوقفهم على اختلاف العلماء، وترجيح المذاهب، حافظا للأثر، مائلا إلى الحجة والنظر. قلت: عاش ستا وسبعين سنة.

وأبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز، ببغداد، في ربيع الأول، وله تسعون سنة. وهو آخر من حدث عن الصفار، وابن البختري، وعمر الأشناني. قال الخطيب: كان صدوقا، جميل الطريقة، له أنسة بالعلم والفقه، على مذهب أبي حنيفة.

سنة عشرين وأربعمائة

فيها وقع برد عظام إلى الغاية، في الواحدة أرطال بالبغدادي، حتى قيل: إن بردة وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع، وذلك بالنعمانية من العراق، وهبت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول العاتية من الزيتون والنخيل.

وفيها جمع القادر بالله كتابا فيه وعظ ووفاة النبي ، وقصة ما تم لعبد العزيز صاحب الحيرة مع بشر المريسي، والرد على من يقول بخلق القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسب الرافضة، وغير ذلك. وجمع له العلماء والأعيان ببغداد، فقرئ على الخلق ثم أرسل الخليفة إلى جامع براثا، وهو مأوى الرافضة، من أقام الخطبة على السنة، فخطب وقصر عما كانوا يفعلونه في ذكر علي رضي الله عنه، فرموه بالآجر من كل ناحية، فنزل وحماه جماعة، حتى أسرع بالصلاة، فتألم القادر بالله وغاظه ذلك، وطلب الشريف المرتضى شيخ الرافضة، وكاتب السلطان ووزيره ابن ماكولا، يستجيش على الشيعة ويتضور من ذلك، وإذا بلغ الأمير أطال الله بقاه إلى الجرأة على الدين، وعدم سياسة المملكة من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بهما توجبه الحمية، وقد بلغه ما جرى في الجمعة الماضية في مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرأ الله منه، فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيبا كان فيه يقول ما لا يخرج به عن الزندقة، فإنه كان يقول بعد الصلاة على النبي : وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة ومحيي الأموات البشري الآلهي مكلم أهل الكهف. فأنفذ الخطيب ابن تمام، فأقام الخطبة، فجاءه الآجر المطر، فكسر أنفه وخلع كتفه ودمى وجهه وأسيط بدمه، لولا أربعة من الأتراك حموه، وإلا كان هلك. والضرورة ماسة إلى الانتقام. ونزل ثلاثون بالمشاعل، على دار ذلك الخطيب، فنهبوا الدار، وعروا الحريم، فخاف أولو الأمر من فتنة تكثر، فلم يخطب أحد ببراثا، وكثرت العملات والكبسات، وفتحت الحوانيت جهارا، وعم البلاء إلى آخر السنة، حتى صلب جماعة.

وفيها قدم المصريون مع أنوشتكين البربري، فالتقاهم صالح بن مرداس على نهر الأردن، فقتل صالح وابنه، وحمل رأساهما إلى مصر، فقام نصر ولد صالح، وتملك حلب بعد أبيه.

وفيها توفي أبو بكر المنقى، أحمد بن طلحة البغدادي، في ذي الحجة، وكان ثقة، يروي عن النجاد، وعبد الصمد الطستي.

وأبو الحسن بن الباذا، أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي، في ذي الحجة. روى عن أبي سهل بن زياد، وابن قانع وطائفة. قال الخيب: كان ثقة من أهل القرآن والأدب، والفقه على مذهب مالك.

والأمير صالح بن مرداس أسد الدولة الكلابي، كان م أمراء العرب، فقصد حلب، وبها نائب الظاهر، صاحب مصر، فانتزعها منه، وتملكها ثلاثة أعوام، ثم حارب جيش الظاهر فقتل.

وعبد الجبار بن أحمد أبو القاسم الطرطوسي، شيخ الإقراء بالديار المصرية، وأستاذ مصنف العنوان قرأ على أبي أحمد السامري، وجماعة. وألف كتاب المجتبى في القراءات. توفي في ربيع الآخر.

وعبد الرحمن بن أبي نصر، عثمان بن القاسم بن معروف أبو محمد التميمي الدمشقي، رئيس البلد، ويعرف بالشيخ العفيف. روى عن إبراهيم بن أبي ثابت، وخيثمة وطبقتهما، وعاش ثلاثا وتسعين سنة. قال أبو الوليد الدربندي كان خيرا من ألف مثله، إسنادا وإتقانا وزهدا، مع تقدمه. وقال رشا بن نظيف: شاهدت سادات، فما رأيت مثل أبي محمد بن أبي نصر، كان قرة عين. وقال عبد العزيز الكتاني: توفي في جمادى الآخرة فلم أر أعظم من جنازته، حضرها جميع أهل البلد، حتى اليهود والنصارى، وكان عدلا مأمونا ثقة، لم ألق شيخا مثله، زهدا وورعا وعبادة ورياسة، رحمه الله.

وابن العجوز، الفقيه عبد الرحمن بن أحمد الكتامي المالكي. قال القاضي عياض: كان من كبار قومه، وإليه كانت الرحلة بالمغرب، وعليه دارت الفتوى، وفي عقبه أئمة نجباء، أخذ عن ابن أبي زيد، وأبي محمد الأصيلي وغيرهما.

وعلي بن عيسى الربعي، أبو الحسن البغدادي، شيخ النحو ببغداد، أخذ عن أبي سعيد السيرافي، وأبي علي الفارسي، وصنف شرح الإيضاح، لأبي علي، وشرح مختصر الجرمي ونيف على التسعين، وقيل: إن أبا علي قال: قولوا لعلي البغدادي، لو سرت من الشرق إلى الغرب، لم تجد أحدا أنحا منك، وكان قد لازمه بضع عشرة سنة.

وأبو نصر العكبري، محمد بن أحمد بن الحسين البقال، والد أبي منصور محمد بن محمد. روى عن أبي علي بن الصواف وجماعة، وهو ثقة.

وأبو بكر الرباطي، محمد بن عبد الله بن أحمد. روى عن أبي أحمد العسال، والجعابي وطائفة، وأملى مجالس، توفي في شعبان.

والمسبحي، الأمير المختار، عز الملك، محمد بن عبد الله ابن أحمد الحراني، الأديب العلامة، صاحب التواليف، وكان رافضيا جاهلا، له كتاب القضايا الصائبة في التنجيم، في ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة، وكتاب التلويح والتصريح في الشعر، ثلاث مجلدات وكتاب تاريخ مصر، وكتاب أنواع الجماع في أربع مجلدات. وعاش أربعا وخمسين سنة.

سنة إحدى وعشرين وأربعمائة

فيها أقيم مأتم عاشوراء، بالنوح والحداد، فثارت العامة، ووقع القتال بين الفريقين، حتى قتل جماعة، وأخربت عدة دكاكين.

وفيها قدم الملك جلال الدولة، إلى الأهواز، فنهبتها الأتراك، وبدعوا، وأحرقت عدة أماكن، وذهبت أموال لا توصف، فيقال: زاد الذي أخذ منها، على خمسة آلاف ألف دينار.

وفيها غزا مطلوب الكردي بلاد الخزر، فقتل وسبى وغنم، فثارت الخزر وكسروه، واستنقذوا الغنيمة، وقتلوا من العسكر والمطوعة فوق العشرة آلاف، وكانت الروم قد أقبلت في ثلاثمائة ألف، على قصد الشام، فأشرف على معسكرهم، سرية من العرب، نحو مائة فارس، وألف راجل، فظن ملكهم أنها كبسة، فتخفى ولبس خفا أسود وهرب، فوقعت الخبطة فيهم، واستحكمت الهزيمة، فطمع أولئك العرب فيهم، ووضعوا السيف، حتى قتلوا مقتلة عظيمة، وغنموا خزائن الملك، واستغنوا بها. وأما بغداد، فكاد يستولي عليها الخراب، لضعف الهيبة، وتتابع السنين الخداعة، فاجتمع الهاشميون في شوال، بجامع المنصور، ورفعوا المصاحف، واستنفروا الناس، فاجتمع إليهم الفقهاء، وخلق من الإمامية والرافضة، وضجوا بأن يعفوا من الترك، فعمدت الترك قبحهم الله ورفعوا صليبا على رمح، وترامى الفريقان بالنشاب والآجر، وقتل طائفة، ثم تحاجزوا، وكثرت العملات والكبسات من البرجمي ورجاله، وأخذ المخازن الكبار والدور، وتجدد دخول الأكراد اللصوص إلى بغداد، فأخذوا خيول الأتراك من الاصطبلات.

وفيها توفي الحيري، القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرشي النيسابوري الشافعي، في رمضان، وله ست وتسعون سنة. وكان رئيسا محتشما، إماما في الفقه، وانتهى إليه علو الإسناد، فروى عن أبي علي الميداني، والأصم وطبقتهما. وأخذ ببغداد عن أبي سهل القطان. وبمكة عن الفاكهي، وبالكوفة وجرجان. وتفقه على أبي الوليد الفقيه، وحذق في الأصول والكلام، وولي قضاء نيسابور. روى عنه الحاكم في تاريخه مع تقدمه وآخر من حدث عنه، الشيروي، وقد صم بآخرة، حتى بقي لا يسمع شيئا، ووافق شيخه الأصم، صنف في الأصول والحديث.

وأبو الحسن السلطي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري العدل النحوي، في جمادى الأولى. روى عن الأصم وغيره.

وابن دراج، أبو عمر أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد القسطلي، الأديب، شاعر الأندلس، الذي قال فيه ابن حزم: لو لم يكن لنا من فحول الشعراء، إلا أحمد بن دراج، لما تأخر عن شأو حبيب والمتنبي، وكان من كتاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر. وقال الثعالبي: كان بصقع الأندلس، كالمتنبي بصقع الشام.

قلت: له ديوان مشهور، وتوفي في جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة.

وإسماعيل بن ينال أبو إبراهيم المروزي المحبوبي. سمع جامع الترمذي من أستاذهم، محمد بن أحمد بن محبوب، وهو آخر من حدث عنه، توفي في صفر، عن سبع وثمانين سنة. قال أبو بكر السمعاني: كان ثقة عالما، أدركت نفرا من أصحابه.

والمعاذي، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري الأصم. سمع من أبي العباس الأصم مجلسين فقط، ومات في جمادى الأولى، ووقع لنا حديثه، من طريق شيخ الإسلام الأنصاري.

والجمال أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الأصبهاني. روى عن أبي محمد بن فارس وجماعة. ومات في ربيع الأول، له جزء معروف.

وأبو محمد البجاني -بجانة الأندلس- الحسين بن عبد الله ابن الحسين بن يعقوب المالكي، وله خمس وتسعون سنة. حمل عنه ابن عبد البر، وأبو العباس العذري والكبار. وكان أسند من بقي بالمغرب، في رواية الواضحة لعبد الملك بن حبيب، سمعها من سعيد بن فحلون، في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، عن يوسف المغامي، عن المؤلف.

وحمام بن أحمد القاضي أبو بكر القرطبي، قال ابن حزم: كان واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية، ضابطا لما قيده، أكثر عن أبي محمد الباجي، وأبي عبد الله بن مفرج، وولي قضاء يابرة، توفي في رجب، وله أربع وستون سنة.

وأبو سعيد الصيرفي، محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري، كان أبوه ينفق على الأصم، ويخدمه بماله، فاعتنى به الأصم، وسمعه الكثير، وسمع أيضا من جماعة، وكان ثقة، مات في ذي الحجة.

والسلطان محمود بن سبكتكين، سيف الدولة أبو القاسم ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور. كان أبو أمير الغزاة، الذين يغيرون من بلاد ما وراء النهر، على أطراف الهند، فأخذ عدة قلاع، وافتتح ناحية بست وكان كراميا وأما محمود، فافتتح غزنة، ثم بلاد ما وراء النهر، ثم استولى على سائر خراسان، وعظم ملكه، ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند كل عام، فافتتح منه بلادا واسعة، وكان على عزم وصدق في الجهاد. قال عبد الغافر الفارسي: كان صادق النية في إعلاء كلمة الله تعالى مظفرا في غزواته، ما خلت سنة من سني ملكه، عن غزوة أو سفرة، وكان ذكيا، بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء، وقبره بغزنة، يدعى عنده، قال وقد صنف في أيامه تواريخ، وحفظت حركاته وسكناته وأحواله، لحظة لحظة، رحمه الله، توفي في جمادى الأولى.

سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة

فيها تفاقم أمر العيارين، وتعثر أهل بغداد، وأقام التجار على المبيت في الأسواق، ثم نقبوا دار السلطنة، وأخذوا منها قماشا.

وفيها عزم الصوفي، الملقب المذكور على الغزو، وكتب له السلطان منشورا، وأعطي منجوقا، وقصد الجامع لقراءة المنشور، فمزقوا على رأسه المنجوق، وبين يديه الرجال بالسلاح، يترضون عن الشيخين، ويقولون: هذا يوم معاوي، فحصبهم أهل الكرخ، فثارت الفتنة واضطرمت، ونهبت العامة دار الشريف المرتضى، ودافع عنه جيرانه الأتراك، واحترقت له سرية، وبات الناس في ليلة صعبة، وتأهبوا للحرب، واجتمعت العامة وخلق من الترك، وقصدو الكرخ، فرموا الناس في أسواقه، وأشرف أهل الكرخ على التلف، فركب الوزير والجند، فوقعت آجرة، في صدر الوزير، وسقطت عمامته، وقتل جماعة من الشيعة، وزاد أمر النهب فيهم، وأحرق في هذه الثائرة، سوق العروس، وسوق الصفارين وسوق الأنماط، وسوق الزيت، ولم يجر من السلطان إنكار، لضعفه وعجزه وتبسطت العامة واثروا الفتن، فالنهار فتن ومحن، والليل عملات ونهب.

وأما الجند، فقامت على السلطان جلال الدولة، لاطراحه مصالحهم، وراموا قطع خطبته، فأرضاهم بالمال، فثاروا بعد أيام عليه، وآخر القصة، مات القادر بالله، واستخلف ابنه القائم بأمر الله، وله إحدى وثلاثون سنة. فبايعه الشر يف المرتضى، ثم الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر، وقامت الأتراك على القائم بأمر الله بالرسم الذي للبيعة، فقال: إن القادر لم يخلف مالا، وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء، ثم صالحهم على ثلاثة آلاف دينار ليس إلا، وعرض القائم خانا وبستانا للبيع، وصغر دست الخلافة إلى هذا الحد. وأما دست السلطنة بالعراق، فكان لجلال الدولة: بغداد وواسط والبطائح، وبعض السواد، وليس له من ذلك أيضا إلا الخطبة، فأما الأموال والأعمال، فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأتراك، مع ضعف ارتفاع الخراج، والوزارة خالية من كبس، والوقت هرج ومرج، والناس بلا رأس.

ومات القادر بالله، أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي، توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، وله سبع وثمانون سنة وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وكان أبيض كث اللحية طويلها، مخضب شيبه. قال الخطيب: كان من الديانة وإدامة التهجد وكثرة الصدقات، على صفة اشتهرت عنه، صنف كتابا في الأصول، فيه فضل الصحابة، وتكفير المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، فكان يقرأ كل جمعة، ويحضره الناس مدة.

وطلحة بن علي بن الصقر، أبو القاسم البغدادي الكتاني، ثقة صالح مشهور، عاش ستا ثمانين سنة. ومات في ذي القعدة. روى عن النجاد، وأجمد بن عثمان الأدمي، ودعلج وجماعة.

وأبو المطرف بن الحصار، قاضي الجماعة بالأندلس، عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن غرسية، مات في آخر الكهولة، وكان عالما بارعا ذكيا متفننا، فقيه النفس، حاضر الحجة، صاحب سنة رحمه الله توفي في شعبان.

والقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر، أبو محمد البغدادي المالكي، أحد الأعلام. سمع من عمر بن سنبك وجماعة، وتفقه على ابن القصار، وابن الجلاب، ورأى أبا بكر الأبهري، وانتهت إليه رئاسة المذهب. قال الخطيب: لم ألق في المالكية أفقه منه، ولي قضاء بادرايا ونحوها، وتحول في آخر أيامه إلى مصر، فمات بها في شعبان، وقد ساق القاضي ابن خلكان، نسب القاضي عبد الوهاب، إلى مالك بن طوق التغلبي، صاحب الرحبة. قال أبو إسحاق الشيرازي: سمعت كلامه في النظر، وكان فقيها متأدبا شاعرا، له كتب كثيرة، في كل فن. قلت: عاش ستين سنة.

وأبو الحسن الطرازي، علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي، ثم النيسابوري الأديب. روى عن الأصم، وأبي حامد بن حسنويه وجماعة، وبه ختم حديث الأصم، توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة.

وابن عبد كويه، أبو الحسن علب بن يحيى بن جعفر، إمام جامع أصبهان، في المحرم، حج وسمع بأصبهان والعراق والحجاز، وحدث عن أحمد بن بندار الشعار، وفاروق الخطابي وطبقتهما، وأملى عدة مجالس.

ومحمد بم مروان بن زهر، أبو بكر الإيادي الإشبيلي المالكي، أحد أركان المذهب، وكان واسع الرواية، عالي الإسناد، عاش ستا وثمانين سنة. وحدث عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي علي القالي وطائفة، وهو والد الطبيب عبد الملك، وجد الطبيب العلامة الرئيس، أبي العلا زهر.

ومحمد بن يوسف القطان، الحافظ أبو أحمد الأعرج النيسابوري، مات كهلا، ولم ينشر حديثه. روى عن أبي عبد الله الحاكم وطبقته ورحل إلى العراق والشام ومصر.

ومنصور بن الحسين، أبو نصر المفسر بنيسابور، مات قبل الطرازي، وحدث عن الأصم وغيره.

ويحيى بن عمار، الإمام أبو زكريا الشيباني السجستاني الواعظ، نزيل هراة. روى عن حامد الرفا وطبقته، وكان له القبول التام بتلك الديار، لفصاحته وحسن موعظته، وبراعته في التفسير والسنة، وخلف أموالا كثيرة، ومات في ذي القعدة، وله تسعون سنة.

سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

فيها ثارت الغلمان، بالسلطان جلال الدولة، وصمموا على عزله وطرده، فهرب في الليل مع جماعة من غلمانه، إلى عكبرا ونهبت داره من الغد، ونادوا بشعار الملك أبي كاليجار، واحتاج جلال الدولة، حتى باع ثيابه في الشوق، وامتنع أبو كاليجار، أن يجيئ إلا بشروط، ثم إن كمال الدولة أبا سنان الأمير، أتى جلال الدولة، وقبل الأرض وقال: خزائني بحكمك وأنا أتوسط بينك وبين الجند، وزوجه بابنته، وأعيدت خطبته.

وفيها كبس البرجمي خانا للتجار فقاتلوه، فقتل جماعة.

وفيها سار الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين، فدخل أصبهان بالسيف، ونهب وقتل عالما لا يحصون، وفعل ما لا يفعله الكفرة.

وفيها توفي الحرفي أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي المحدث. قال الخطيب: كان صدوقا، غير أن سماعه في بعض ما وراء عن النجتد، كان مضطربا، مات في شوال، وله سبع وثمانون سنة. د والنعيمي أبو الحسن علي بن أحمد البصري الحافظ. روى عن طائفة، ومات كهلا. قال الخطيب: كان حافظا عارفا متكلما شاعرا.

والكاغدي، أبو الفضل منصور بن نصر السمرقندي، مسند ما وراء النهر. روى عن الهيثم الشاشي، ومحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة، توفي بسمرقند، في ذي القعدة، وقد قارب المائة.

سنة أربع وعشرين وأربعمائة

فيها اشتد الخطب ببغداد، بأمر الحرامية، وأخذوا أموال الناس عيانا، وقتلوا صاحب الشرطة، وأخذوا لتاجر ما قيمته عشرة آلاف دينار، وبقي الناس لا يجسرون أن يقولوا فعل البرجمي، خوفا منه، بل يقولون عنه، القائد أبو علي، واشتهر عنه أنه لا يتعرض لامرأة، ولا يدع أحدا يأخذ شيئا عليها، فلما زاد وأسرف، انتدب له جماعة أمراء وتطلبوه، وجاءوا إلى الأجمة التي يأوي إليها، فبرز لهم وقال: من العجب خروجكم إلي وأنا كل ليلة عندكم، فإن شئتم فارجعوا، وأنا أجيء إليكم، وإن شئتم فادخلوا، فلم يتجاسروا عليه، ثم زادت العملات والكبسات، ووقع القتال في القلائين، واحترقت أماكن وأسواق ومساجد، واستفحل الشر، وثارت الجند بالسلطان جلال الدولة، وقبضوا عليه ليرسلوه إلى واسط والبصرة، وأنزلوه في مركب، وابتلت ثيابه وأهين، ثم رحموه، فأخرجوه وأركبوه فرسا ضعيفة وشتموه فانتصر له أبو الوفاء القائد في طائفة، وأخذوه من أيدي أولئك، وردوه إلى داره، ثم عبر في الليل إلى الكرخ، فدعا له أهلها، ونزل في دار الشريف المرتضى، فأصبح العسكر، وهموا به، فاختلفوا، وقال بعضهم: ما بقي من بني بويه إلا هذا، وابن أخيه أبو كاليجار، وقد سلم الأمر ومضى إلى بلاد فارس، ثم كتبوا له ورقة بالطاعة والاعتذار، ثم ركب معهم إلى دار السلطنة، وأما العملات، فازداد أمرها، وعظم البلاء فوثب الناس على أبي الحسين بن الغريق، وقالوا: إن خطبت للبرجمي، وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك، فأقيم في الشرطة أبو الغنائم، فركب وقتل جماعة.

وفيها توفي الفشيديزجي، قاضي بخارى، وشيخ الحنفية في عصره، أبو علي الحسن بن الخضر البخاري. روى عن محمد بن محمد بن جابر وجماعة، توفي في شعبان، وقد خرج له عدة أصحاب.

وحمزة بن محمد بن طاهر، الحافظ أبو طاهر الدقاق، أحد صحاب الدراقطني، وكان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه.

وابن دنين، الإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان الصدفي الطليطلي. روى عن أبي جعفر بن عون الله وطبقته، وأكثر عن أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وعن أبي بكر المهندس، وأبي الطيب بن غليون بمصر، وكان زاهدا عابدا خاشعا، مجاب الدعوة، منقطع القرين، عديم النظير، مقبلا على الأثر والسنة، أمارا بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم، مع الهيبة والعزة، وكان يعمل في كرمه بنفسه، رحمه الله.

وأبو بكر الأردستاني، محمد بن إبراهيم، الحافظ العبد الصالح. روى صحيح البخاري عن إسماعيل بن حاجب، وروى عن أبي حفص بن شاهين، وهذه الطبقة.

سنة خمس وعشرين وأربعمائة

فيها قتل البرجمي ويقال البرجمي، وهو مقدم العيارين اللصوص ببغداد، واشتغل الناس بالوباء المفرط ببغداد، فيقال مات بها سبعون ألفا منه.

وفيها توفي البرقاني، الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد اب غالب الخوارزمي الفقيه الشافعي، مولده بخوارزم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وسمع بها بعد الخمسين، من أبي العباس بن حمدان وجماعة، وببغداد من أبي علي بن الصواف وطبقته، وبهراة ونيسابور وجراجان ودمشق ومصر. قال الخطيب: كان ثبتا ورعا لم ير في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، كثير التصنيف، ذا حظ من علم العربية، صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان، وجمع حديث الثوري، وحديث شعبة وطائفة، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمة إليه. وقال أبو محمد الخلال: كان البرقاني نسيج وحده.

وأبو علي بن شاذان البزاز، الحسن بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي، ولد سنة وثلاثين وثلاثمائة، وسمعه أبوه من أبي عمرو بن السماك، وأبي سهل بن زياد، والعباداني وطبقتهم، فأكثر، وطال عمره، وصار مسند العراق. قال الخطيب: كان صدوقا صحيح السماع، يفهم الكلام على مذهب الأشعري، سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: أبو علي أوثق من برأ الله في الحديث، تفي في آخر يوم من السنة، ودفن من الغد، في أول سنة ست وعشرين.

وابن شبانة العدل، أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني. روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة، وكان صدوقا.

وأبو الحسن الجوبري عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي، كان أبوه محدثا، فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب وطائفة، توفي في صفر، وكان أميا لا يكتب.

وعبد الوهاب بن عبد الله بن عمر، بن فضالة وطبقته، وصنف كتبا كثيرة. قال الكتاني: مات في شوال.

وعمر بن إبراهيم، أبو الفضل الهروي الزاهد. روى عن أبي بكر الإسماعيلي، وبشر بن أحمد الإسفرييني وطبقتهما، وكان فقيها عالما، ذا صدق وورع وتبتل.

وأبو بكر بن مصعب التاجر، محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني. روى عن ابن فارس، وأحمد بن جعفر السمسار، وجماعة، توفي في ربيع الأول.

سنة ست وعشرين وأربعمائة

البلاء بحاله ببغداد، من جهة الحرامية بل أشد، ووكثر القتل، وعظم النهب، وخذل السلطان والأمراء، حتى لو حالوا دفع فساد لزاد، وتملك العيارون ببغداد في المعنى.

وفيها غزا مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فوصل كتابه، بأنه قتل من القوم خمسين ألفا، وسبى منهم سبعين ألفا، وبلغت الغنيمة ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم، ولكن رجع، وقد استولت الغز على بلاده، فحاربهم وجرت لهم أمور طويلة.

وفيها توفي ابن شهيد، الأديب أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين، أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد الأشجعي القرطبي الشاعر، حامل لواء البلاغة والشعر بالأندلس. قال ابن حزم: توفي في جمادى الأولى، وصلى عليه أبو الحزم جهور، ولم يخلف له نظيرا في الشعر والبلاغة، وكان سمحا جوادا، عاش بضعا وأربعين سنة.

وأبو محمد بن الشقاق عبد الله بن سعيد، كبير المالكية بقرطبة، ورأس القراء، توفي في رمضان، وله ثمانون سنة. أخذ عن أبي عمر بن المكوي وطائفة.

وأبو بكر المنيني، محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الأسود، خطيب منين. روى عن علي بن أبي العقب، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت وجماعة. قال الوليد الدربندي:، لم يكن بالشام من يكتني بأبي بكر غيره، وكان ثقة. وقال الكتاني: توفي في جمادى الأولى، وله أربع وثمانون سنة. وكان يحفظ القرآن بأحرف.

وأبو عمر الرزجاهي، محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الفقيه الأديب المحدث، تفقه على أبي سهل الصعلوكي، وأكثر عن ابن عدي وطبقته، ومات في ربيع الأول، وله خمس وثمانون سنة. ورزجاه من قرى بسطام، وقد تضم راؤها، وكان يقرئ العربية.

سنة سبع وعشرين وأربعمائة

فيها دخل العيارون -وهم مائة من الأكراد والأعراب- وأحرقوا دار صاحب الشرطة، أبي محمد بن النسوي، وفتحوا خانا، وأخذوا ما فيه. وأخذوا بالكارات، والناس لا ينطقون.

وفيها شغبت الجند على الملك جلال الدولة، وقالوا له اخرج عنا. فقال: أمهلوني ثلاثة أيام، وجرت فصول طويلة، ثم تركوه لضعفهم، وردوه إلى السلطنة.

وفيها توفي أبو إسحاق الثعلبي أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المفسر. روى عن أبي محمد المخلدي وطبقته من أصحاب السراج، وكان حافظا واعظا، رأسا في التفسير والعربية، متين الديانة، توفي في المحرم.

وأبو النعمان، تراب بن عمر بن عبيد المصري الكاتب. روى عن أبي أحمد بن الناصح وجماعة، توفي في ربيع الآخر بمصر، وله خمس وثمانون سنة.

وأبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني الحافظ، من ذرية هشام ابن العاص. سمع سنة أربع وخمسين، من محمد بن أحمد بن إسماعيل الصرام صاحب محمد بن الضريس، ورحل إلى العراق، سنة ثمان وستين، فأدرك ابن ماسي، وهو مكثر عن ابن عدي والإسماعيلي، وكان من أئمة الحديث، حفظا ومعرفة وإتقانا.

والفلكي، أبو الفضل علي بن الحسين الهمذاني الحافظ، رحل الكثير، وروى عن أبي الحسين بن بشران، وأبي بكر الحيري وطبقتهما، ومات شابا قبل أوان الرواية، ولو عاش لما تقدمه أحد في الحفظ والمعرفة، لفرط ذكائه وشدة اعتنائه، وقد صنف كتاب المنتهى في الكمال في معرفة الرجال في ألف جزء، لم يبيضه. وقال شيخ الإسلام الأنصاري: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي الفضل بن الفلكي، قلت: مات بنيسابور، وكان جده يلقب بالفلكي، براعته في الهيئة والحساب، وغير ذلك.

والظاهر لإعزاز دين الله، علي بن الحاكم منصور بن العزيز نزاز بن المعز العبيدي المصري، صاحب مصر والشام، بويع بعد أبيه، وشرعت دولتهم في انحطاط، منذ ولي، وتغلب حسان بن مفرج الطائي، على أكثر الشام، وأخذ صالح بن مرداس حلب، وقوي نائبهم على القيروان، وقد وزر للظاهر، الوزير نجيب الدولة، علي بن أحمد الجرجائي، وكان هذا أقطع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم، في سنة أربع وأربعمائة، فكان يكتب العلامة عنه، القاضي القضاعي. ولما توفي الظاهر، فبايعوا بعده لولده المستنصر، وهو صبي.

ومحمد بن المزكي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو عبد الله النيسابوري، مسند نيسابور في زمانه. روى عن أبيه، وحامد الرفا، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي بكر بن الهي ثم الأنباري وطبقتهم. سمع منه الشيروي.

سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

فيها أيضا شغب العسكر على المعتز جلال الدولة وآخر الأمر، قطعت خطبته من العراق، وأقيمت لأبي كاليجار، ثم تابوا، فخطبوا لهما معا، ثم مشى حال جلال الدولة، وشد منه القائم بأمر الله. وأما أمر العيارين، فكما تعهد في السنن الماضية بل أشد، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وفيها توفي أحمد بن محمد بن علي بن منجويه الحافظ، أبو بكر الأصبهاني اليزدي، نزيل نيسابور ومحدثها، صنف التصانيف الكثيرة، ورحل ووصل إلى بخارى، وحدث عن أبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر بن المقري وطبقتهما. روى عنه شيخ الإسلام وقال: هو أحفظ من رأيت من البشر. قلت: توفي في المحرم، وله إحدى وثمانون سنة. صنف على البخاري ومسلم والترمذي، وكان عديم المثل.

وأبو بكر بن النمط، أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقري، ثقة عابد. روى عن أبي بكر الشافعي، وفاروق وطبقتهما.

وأبو الحسين القدوري، أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي الفقيه، شيخ الحنفية بالعراق، انتهت إليه رئاسة المذهب وعظم جاهه وبعد صيته، توفي في رجب، وله ست وستون سنة. رحمه الله.

وفيها أبو علي بن سينا، الرئيس الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا صاحب التصانيف الكثيرة، في الفلسفة والطب، ومن له الذكاء الخارق، والذهن الثاقب، أصله بلخي، ومولده ببخارى، وكان أبوه من دعاء الإسماعيلية، فأشغله في الصغر، وحصل عدة علوم قبل أن يحتلم، وتنقل في مدائن خراسان والجبال وجرجان، ونال حشمة وجاها، وعاش ثلاثا وخمس ين سنة. قال ابن خلكان في ترجمة ابن سينا: اغتسل وتاب وتصدق بم معه على الفقراء، ورد المظالم وأعتق مماليكه، وجعل كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان، يوم الجمعة، في شهر رمضان.

وذو القرنين، أبو المطاع بن السحن بن عبد الله بن حمدان، وجيه الدولة بن الملك ناصر الدولة الموصلي، الأديب الشاعر الأمير، ولي إمرة دمشق، سنة إحدى وأربعمائة، وعزل بعد أشهر من جهة الحاكم، ثم وليها للظاهر، سنة اثنتي عشرة، وعزل، ثم وليها ثالثا، سنة خمس عشرة، فبقي إلى سنة تسع عشرة، وله شعر فائق، توفي في صفر.

وعبد الغفار بن محمد المؤدب، أبو طاهر البغدادي. روى عن أبي بكر الشافعي، وأبي علي بن الصواف، وعاش ثلاثا وثمانين سنة.

وعثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف، أبو عمرو البغدادي، صدوق. روى عن النجاد، وعبد الله بن إسحاق الخراساني توفي في صفر.

وأبو الحسن الحنائي، علي بن محمد بن إبراهيم الدمشقي، المقري المحدث الحافظ الزاهد. روى عن عبد الوهاب الكلابي وخلق، ورحل إلى مصر، وخرج لنفسه معجما كبيرا. قال الكتاني: توفي شيخنا وأستاذزنا أبو الحسن، في ربيع الأول، وكان من العباد، وكانت له جنازة عظيمة، ما رأيت مثلها، وعاش ثمانيا وخمسين سنة.

وأبو علي، محمد بن أحمد بن أبي موسى العاشمي البغدادي الحنبلي، صاحب التصانيف، ومن إليه انتهت رئاسة المذهب، أخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره، وحدث عن ابن المظفر، وكان رئيسا رفيع القدر، بعيد الصيت.

وابن باكويه، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازي الصوفي، أحد المشايخ الكبار، وصاحب محمد بن خفيف، رحل وعني بالحديث، وكتب بفارس والبصرة وجرجان وخراسان وبخارى ودمشق والكوفة وأصبهان فأكثر، وحدث عن أبي أحمد بن عدي والقطيعي وطبقتهما. قال أبو صالح المؤذن: نظرت في أجزائه فم أجد عليها آثار السماع، وأحسن ما سمعت عليه الحكايات.

ومهيار بن مرزويه الديلمي، أبو الحسن الكاتب الشاعر المشهور، كان مجوسيا، فأسلم على يد أستاذه في الأدب، الشر يف الرضي، فطلع رافضيا جلدا، وديوانه في ثلاثة مجلدات، وكان مقدما على شعراء العصر.

سنة تسع وعشرين وأربعمائة

فيها توفي أبو عمر الطلمنكي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى المعافري الأندلسي المقري المحدث الحافظ، عالم أهل قرطبة صاحب التصانيف، وله تسعون سنة. روى عن أبي عيسى الليثي، وأحمد بن عون الله، وحج، فأخذ بمصر عن أبي بكر الأرموي وأبي بكر المهندس، وخلق كثير. وكان خبيرا في علوم القر آن، تفسيره وقراءاته وإعرابه وأحكامه ومعانيه، وكان ثقة، صاحب سنة واتباع، ومعرفة بأصول الديانة. قال ابن بشكوال: كان سيفا مجردا على أهل الأهواء والبدع، قامعا لهم، غيورا على الشريعة، شديدا في ذات الله تعالى رحمه الله.

وأبو يعقوب القراب، إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي، ثم الهروي الحافظ، محدث هراة، وله سبع وسبعون سنة. روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وخلق كثير، وزاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس، وصنف تصانيف كثيرة، وكان زاهدا صالحا، مقلا من الدنيا.

ويونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد، ويعرف بابن الصفار، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي عيسى الليثي والكبار. وتفقه على أبي بكر ابن زرب، وولي القضاء مع الخطابة والوزارة، ونال رئاسة الدين والدنيا. وكان فقيها صالحا عدلا، حجة علامة في اللغة والعربية والشعر، فصيحا مفوها، كثير المحاسن، له مصنفات في الزهد وغيره، توفي في رجب.

سنة ثلاثين وأربعمائة

فيها قويت شوكة الغز، وتملك بنو سلجون خراسان، وأخذوا البلاد من السلطان مسعود.

وفيها لقب أبو منصور بن السلطان جلال الدولة، بالملك العزيز، وهو أول من لقب بهذا النوع من ألقاب ملوك زماننا.

وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ الصوفي الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف بن البنا، بأصبهان، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة. اعتنى به أبوه، وسمه في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وبعدها استجار له خيثمة الأطرابلسي والأصم وطبقتهما، وتفرد في الدنيا بعلو الإسناد، مع الحفظ والاستجاؤ من الحديث وفنونه. روى عن ابن فارس والعسال، وأحمد بن معبد السمسار، وأبي علي بن الصواف، وأبي بكر بن خلاد وطبقتهم، بالعراق والحجاز وخراسان، وصنف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار.

وأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحرث التميمي، أبو بكر الأصبهاني المقري النحوي، سكن نيسابور، وتصدر للحديث والإقراء العربية، وروى عن أبي الشيخ وجماعة، ورى السنن عن الدارقطني، توفي في ربيع الأول، وله إحدى وثمانون سنة.

والحيري، أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير المفسر. روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وطبقته، وصنف التصانيف في القراءات والتفسير والوعظ والحديث، وكان أحد الأئمة. قال الخطيب: قدم علينا حاجا، ونعم الشيخ كان علما وأمانة وصدقا وخلقا. ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان معه صحيح البخاري، فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس وقال عبد الغافر: كان من العلماء العاملين، نفاعا للخلق مباركا.

والدبوسي، القاضي العالامة أبو زيد عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي -ودبوسة: بليدة بين بخاري وسمرقند- كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، وكان شيخ تلك الديار، توفي ببخارى.

وابن بشران، المحدث أب القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله ابن بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي الواعظ، مسند وقته ببغداد، في ربيع الآخر، وله إحدى وتسعون سنة. سمع النجاد، وأبا سهل القطان، وحمزة الدهان وطبقتهم. قال الخطيب: كان ثقة ثبتا صالحا، وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحد، ويفوت الإحصاء، رحمه الله.

وأبو منصور الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الأديب الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا، عاش ثمانين سنة.

والحوفي، مؤلف الاعراب للقرآن في عشرة مجلدات وتلميذ الأدفوي، انتفع به أهل مصر، وتخرجوا به في النحو، واسمه أبو الحسن علي بن إبراهيم.

وأبو عمران الفاسي، موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري الغفجومي -وغفجوم بطن من زناتة قبيلة من البربر بالمغرب- شيخ المالكية بالقيروان، وتلميذ أبي الحسن القابسي. دخل الأندلس، وأخذ عن عبد الوارث بن سفيان وطائفة، وحج مرات، وأخذ علم الكلام ببغداد، عن ابن الباقلاني، وقرأ على الحمامي، وكان إماما في القراءات، بصيرا في الحديث، رأسا في الفقه، تخرج به خلق في المذهب، ومات في رمضان، وله اثنتان وستون سنة.

سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسن بشرى بن عبد الله الرومي الفاتني، ببغداد، يوم الفطر، وكان صالحا صدوقا. روى عن أبي بكر بن الهيثم الأنباري، وخلق.

وابن دوما، أبو علي الحسن بن الحسين النعالي، بغداد ضعيف، ألحق نفسه في طباق. روى عن أبي بكر الشافعي وطائفة.

وصاعد بن محمد بن أحمد القاضي أبو العلاء الأستوائي النيسابوري الحنفي، قاضي نيسابور، ورئيس الحنفية وعالمهم، توفي في آخر السنة روى عن إسماعيل بن نجيد وجماعة، وعاش سبعا وثمانين سنة.

وابن الطبيز، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز الحلبي السراج الرامي، نزيل دمشق، وله مائة سنة. روى عن محمد بن عيسى العلاف، وابن الجعابي، وجماعة. تفرد في الدنيا عنهم، وهو ثقة. توفي في جمادى الأولى، وفيه تشيع، آخر من روى عنه الفقيه نصر المقدسي.

وعثمان بن أحمد، أبو عمرو القسطاني القرطبي، نزيل إشبيلية، سمعه أبوه الموطأ من أبي عيسى الليثي، وسمع من أبي بكر بن السلم، وابن القوطية، وجماعة. وكان ثقة خيرا، توفي في صفر، وله ثمانون سنة.

وأبو العلاء الواسطي، محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن يعقوب، القاضي المقرئ المحدث، قرأ بالروايات على جماعة كثيرة، وجرد العناية لها، وأخذ بالدينور عن الحسين بن محمد بن حبش، وروى عن القطيعي ونحوه، حكى عنه الخطيب أشياء توجب ضعفه، ومات في جمادى الآخرة، وله اثنتان وثمانون سنة.

وأبو الحسن محمد بن عوف المزي الدمشقي، وكانت كنيته الأصلية أبا بكر، فلما منعت الدولة الباطنية، من التكني بأبي بكر، تكني بأبي الحسن. روى عن أبي علي الحسن بن منير والميانجي وطائفة. قال الكتاني: كان ثقة نبيلا مأمونا، توفي في ربيع الآخر.

ومحمد بن الفضل بن نظيف، أبو عبد الله المصري الفراء، مسند الديار المصرية. سمع أبا الفوارس الصابوني، والعباس بن محمد الرافقي وطبقتهما، وأم بمسجد عبد الله سبعين سنة. وكان شافعيا، عمر تسعين سنة وشهرين، توفي في ربيع الآخر.

والمسدد بن علي، أبو المعمر الأملوكي، خطيب حمص. سمع الميانجي وجماعة، ثم سكن دمشق، وأم بمسجد سوق الأحد، قال الكتاني: فيه تساهل.

والمفضل بن إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو معمر الشافعي، مفتي جرجان ورئيسها ومسندها، وكان من أذكياء زمانه. روى عن جده وطائفة كثيرة، توفي في ذي الحجة.

سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة

فيها استولت السلجوقية على جميع خراسان، وكر مسعود إلى غزنة وبدا منهم من القتل والنهب والمصادرة، ما يتجاوز الوصف، وأما البغاددة، فالهوى قائم بين الرافضة والسنة، وكل وقت تستعر الفتنة، ويقتل جماعة.

وفيها توفي المستغفري، الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز ابن محمد بن المستغفر بن الفتح النسفي، صاحب التصانيف الكثيرة. روى عن زاهر السرخسي وطبقته، وعاش ثمانيا سنة. وكان محدث ما وراء النهر في زمانه.

وعبد الباقي بن محمد، أبو القاسم الطحان، بغدادي ثقة، عاش ثمانيا وثمانين سنة. وروى عن الشافعي، وابن الصواف وغيرهما.

وأبو حسان المزكي، محمد بن أحمد بن جعفر، شيخ التزكية والحشمة بنيسابور، وكان فقيها ثقة صالحا خيرا، حدث عن محمد بن إسحاق الضبعي، وابن نجيد وطبقتهما.

ومحمد بن عمر بن بكير النجار، أبو بكر البغدادي المقري، عن ست وثمانين سنة. روى عن أبي بحر البربهاري، وأبن النصبي وطائفة.

سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة

فيها عسكر الملك أبو كاليجار، ودفع عسكر الغز عن همذان. وفيها بغداد على حالها من الضعف والرفض والنهب والفتن.

وفيها توفي أبو نصر الكسار، القاضي أحمد بن الحسين الدينوري. سمع النسائي من ابن السني وحدث به. في شوال من السنة.

وأبو الحسن بن فاذشاه، الرئيس أحمد بن محمد الحسين الأصبهاني الثاني الرئيس، راوي المعجم الكبير عن الطبراني، توفي في صفر، وقد رمي بالتشيع والاعتزال.

وأبو عثمان القرشي، سعيد بن العباس الهروي المزكي الرئيس، في المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن حامد الرفا، وأبي الفضل بن خميرويه وطائفة. وتفرد بالرواية عن جماعة.

وأبو سعيد النضروي، عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري، مسند وقته، وراوي مسند إسحاق بن راهويه عن السمذي. روى عن ابن نجيد، وأبي بكر القطيعي، وهذه الطبقة. توفي في صفر، وهو منسوب إلى جده، نضرويه.

وأبو القاسم الزيدي الحراني، علي بن أحمد بن علي العلوي الحسيني الحنبلي المقري، في شوال، بحران، وهو آخر من روى عن النقاش القراءات والتفسير، وهو ضعيف. قال عبد العزيز الكتاني وقد سئل عن شيء: ما يكفي علي بن أحمد الزيدي أن يكذب، حتى يكذب عليه. قلت: وكان رجلا صالحا ربانيا.

وأبو الحسن بن السمسار، علي بن موسى الدمشقي، حدث عن أبيه وأخويه: محمد وأحمد، وعلي بن أبي العقب، وأبي عبد الله بن مروان والكبار. وروى البخاري عن أبي زيد المروزي، وانتهى إليه علو الإسناد بالشام. قال الكتاني: كان فيه تساهل، ويذهب إلى التشيع، توفي في صفر، وقد كمل التسعين.

وابن عباد المعتمد على الله القاضي، وهو أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد بن قريش اللخمي الإشبيلي، الذي ملكه أهل إشبيلية عليهم، عندما قصدهم الظالم، يحيى بن علي الإدريسي، الملقب بالمستعلي، وله أخبار ومناقب وسيرة عادلة، توفي في جمادى الأولى، وتملك بعده، ولده المعتضد بن عباد، فامتدت أيامه.

والسلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، تملك بعد أبيه، خراسان والهند وغزنة، وجرت له حروب وخطوب، مع بني سلجوق، وظهروا على ممالكه، وضعف أمره، فقتله أمراؤه.

سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

فيها كانت الزلزلة العظمى بتبريز، فهدمت أسوارها، وأحصي من هلك تحت الهدم، فكانوا أكثر من أربعين ألفا، نسأل الله العفو.

وفيها توفي أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري الهروي، الحافظ الفقيه المالكي، نزيل مكة. روى عن أبي الفضل بن خميرويه، وأبي عمر بن حيويه وطبقتهما، وروى الصحيح عن ثلاثة من أصحاب الفربري، وجمع لنفسه معجما وعاش ثمانيا وسبعين سنة. وكان ثقة متقنا، دينا عابدا، ورعا حافظا، بصيرا بالفقه والأصول. أخذ علم الكلام عن ابن الباقلاني، وصنف مستخرجا على الصحيحين، وكان شيخ الحرم في عصره، ثم إنه تزوج بالسروات، وبقي يحج كل عام ويرجع.

وعبد الله بن غالب بن تمام، أبو محمد الهمداني الماكي، مفتي أهل سبتة وزاهدهم وعلمهم، دخل الأندلس، وأخذ عن أبي بكر الزبيدي، وأبي محمد الأصيلي، ورحل إلى القيروان، فأخذ عن أبي محمد بن أبي زيد، وبمصر عن أبي بكر المهندس، وكان علامة متيقظا ذكيا، مستبحرا من العلوم، فصيحا مفوها قليل النظير، توفي في صفر، عن سن عالية.

سنة خمس وثلاثين وأربعمائة

فيها استولى طغرلبك السلجوقي على الري، وخربها عسكره بالقتل والنهب، حتى لم يبق بها إلا نحو ثلاثة آلاف نفس، وجاءت رسل طغرلبلك إلى بغداد، فأرسل القاضي الماوردي إليه، يذم ما صنع في البلاد، ويأمره بالاحسان إلى الرعية، فتلقاه طغرلبك، واحترمه إجلالا لرسالة الخليفة.

واتفق موت جلال الدولة السلطان ببغداد بالخوانيق، وكان ابنه الملك العزيز بواسط.

وفيها وصلت عساكر السلجوقية إلى الموصل، فعاثوا وبدعوا، وأخذوا حرم قرواش، فاتفق قرواش ودبيس بن علي الأسدي على لقاء الغز، فهزموهم. وقتل من الغز مقتلة عظيمة.

وفيها خطب ببغداد، لأبي كاليجار، مع الملك العزيز، بعد موت جلال الدولة. وكان جلال الدولة، ملكا جليلا سليم الباطن، ضعيف السلطنة مصرا على اللهو والشراب، مهملا لأمر الرعية، عاش اثنتين وخمسين سنة. وكانت دولته سبع عشرة سنة. وخلف عشرين ولدا، بنين وبنات، ودفن بدار السلطان ببغداد، ثم نقل.

وفيها توفي أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور، أمير قرطبة ورئيسها وصاحبها، ساس البلد أحسن سياسة، وكان من رجال الدهر حزما وعزما، ودهاء ورأيا، ولم يتسم بالملك، وقال: أنا أدبر الناس، إلى أن يقوم لهم من يصلح. فجعل ارتفاع الأموال بأيدي الأكابر وديعة، وصير العوام جندا وأعطاهم أموالا مضاربة، وقرر عليهم السلاح والعدة. وكان يشهد الجنائز، ويعود المرضى، وهو بزي الصالحين، لم يتحول من داره إلى دار السلطنة، توفي في المحرم، عن إحدى وسبعين سنة. وولي بعده ابنه أبو الوليد.

وأبو القاسم الأزهري، عبيد الله بن أحمد بن عثمان البغدادي الصيرفي الحافظ، كتب الكثير، وعني بالحديث. وروى عن القطيعي وطبقته، توفي في صفر، عن ثمانين سنة.

وجلال الدولة، سلطان بغداد، أبو طاهر فيوزجرد بن الملك بهاء الدولة أبي نصر بن الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة بن بويه الديلمي، وولي بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور، فضعف وخاف، وكاتب ابن عمه، أبا كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة، فوعده بالجميل، وخطب للاثنين معا.

وأبو بكر الميماسي، محمد بن جعفر بن علي، الذي روى موطأ يحيى بن بكبر عن ابن وصيف، توفي في شوال، وهو من كبار شيوخ نصر المقدسي.

ومحمد بن عبد الواحد بن رزمة أبو الحسين البغدادي البزاز. روى عن أبي بكر خلاد وجماعة. قال الخطيب: صدوق كثير السماع، مات في جمادى الأولى.

وأبو القاسم المهلب، بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي، قاضي المرية، أخذ عن أبي محمد الأصيلي، وأبي الحسن القابسي وطائفة، وكان من أهل الذكاء المفرط، والاعتناء التام بالعلوم، وقد شرح صحيح البخاري، وتوفي في شوال في سن الشيخوخة.

سنة ست وثلاثين وأربعمائة

فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد، وضرب له الطبل في أوقات الصلوات الخمس، ولم يضرب لأحد قبله إلا ثلاث مرات.

وفيها توفي تمام بن غالب، أبو غالب بن التياني القرطبي، لغوي الأندلس بمرسية. له مصنف بديع في اللغة، وكان علامة ثقة في نقله، ولقد أرسل إليه صاحب مرسية، الأمير أبو الجيش مجاهد، ألف دينار، على أن يزيد في خطبة هذا الكتاب، أنه ألفه لأجله، فامتنع تورعا، وقال: ما صنفته إلا مطلقا.

وأبو عبد الله الصميري، الحسن بن علي الفقيه، أحد أئمة الحنفية ببغداد. روى عن أبي الفض الزهري وطبقته، وولي قضاء ربع الكرخ، وكان ثقة صاحب حديث، مات في شوال، وله خمس وثمانون سنة.

والشريف المرتضى، نقيب الطالبين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، أبو طالب علي بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي، وله إحدى وثمانون سنة. وكان إماما في التشيع والكلام والشعر والبلاغة، كثير التصانيف، متبحرا في فنون العلم، أخذ عن الشيخ المفيد، وروى الحديث عن سهل الديباجي الكذاب، وولي النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرضي.

ومحمد بن عبد العزيز، أبو عبد الرحمن النيلي، شيخ الشافعية بخراسان وله ثمانون سنة. كان صالحا ورعا، كبير القدر. روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة.؟ وله ديوان شعر.

وأبو الحسين البصري، محمد بن علي بن الطيب، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلامية، وكان من أذكياء زمانه، توفي ببغداد، في ربيع الآخر، وكان يقرئ الاعتزال ببغداد، وله حلقة كبيرة.

سنة سبع وثلاثين وأربعمائة

فيها توفي أبو نصر المنازي، وزير أحمد بن مروان، صاحب ميافارقين، وهو من منازجرد، واسمه أحمد بن يوسف، وكان فصيحا بليغا شاعرا، كثير المعارف.

ومكي بن أبي طالب، أبو محمد القيسي، شيخ الأندلس وعالمها ومقرئها وخطيبها. قرأ القراءات على ابن غلبون وابنه، وسمع من أبي محمد بن أبي زيد وطائفة. وكان من أهل التبحر في العلوم، كثير الت صانيف، عاش اثنتين وثمانين سنة. رحل عن بلده غير مرة، وحج وجاور، توسع في الرواية، وبعد صيته، وقصده الناس من النواحي لعلمه ودينه، وولي خطابة قرطبة لأبي الحزم جهور، وكان مشهورا بالصلاح، وإجابة الدعوة، توفي في ثاني المحرم.

سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة

فيها حاصر طغرلبك السلجوفي أصبهن، وضيق على أهلها، وعلى أميرها فراموز، ولد علاء الدولة، صم صالحه على مال يحمله، وأن يخطب له بأصبهان.

وفيها توفي أبو علي البغدادي، مصنف الروضة في القراءات العشر، الحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي.

وأبو محمد الجويني، عبد الله بن يوسف، شيخ الشافعية، والد إمام الحرمين، تفقه بنيسابور، على أبي الطيب الصعلوكي، وبمرو على أبي بكر القفال، وتصدر بنيسابور للفتوى والتدريس والتصنيف، وكان مجتهدا في العبادة، صاحب جد وصدق وهيبة ووقار. روى عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني وجماعة. وتوفي في ذي القعدة.

سنة تسع وثلاثين وأربعمائة

فيها توفي أبو محمد الخلال، الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي الحافظ، في جمادى الأولى، وله سبع وثمانون سنة. روى عن القطيعي وأبي سعيد الحرقي وطبقتهما. قال الخطيب: كان ثقة، له معرفة، خرج المسند على الصحيحين، وجمع أبوابا وتراجم كثيرة. قلت: آخر من روى عنه أبو سعد أحمد بن الطيوري.

وعلي بن منير بن أحمد الخلال، أبو الحسن المصري الشاهد، في ذي القعدة. روى عن أبي الطار الذهلي، وأبي أحمد بن الناصح.

والنذير الواعظ، وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي. روى عن إسماعيل بن حاجب الكشاني، وجماعة، ووعظ ببغداد، فازدحموا عليه، وشغفوا به، ورزق قبولا لم يرزقه أحد، وصار يظهر الزهد، ثم إنه تنعم وقبل الصلات، من الأقطار، واستجمع له جيش من المطوعة، فعسكر بظاهر بغداد، وضرب له الطبل، وسار بهم إلى الموصل، واستفحل أمره، فصار إلى أذربيجان، وضاهى أمير تلك الناحية، ثم خمد سوقه، وتراجع عامة أصحابه، ثم مات.

ومحمد بن عبد الله بن عابد، أبو عبد الله المعافري، حدث قرطبة. روى عن أبي عبد الله بن مفرج وطبقته، ورحل، فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وأبي بكر بن المهندس وطائفة. وكان ثقة عالما جيد المشاركة في الفضائ، توفي في جمادى الأولى، عن بضع وثمانين سنة. وهو آخر من حدث عن الأصيلي.

سنة أربعين وأربعمائة

فيها مات السلطان أبو كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة البويهي الديلمي، مات بطريق كرمان، فصدوه في يوم ثلاث مرات، وكان معه نحو أربعة آلاف من الترك والديلم، فنهبت خزائنه وحريمه وجواريه، وطلبوا شيراز، فلسطنوا ابنه الملك الرحيم أبا نصر، وكان مدة سلطنة أبي كاليجار أربع سنين، وكان مولده بالبصرة، سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، سامحه الله.

وفيها أقدم المعز بن باديس بالمغرب، الدعوة للقائم بالله العباسي، وخلع طاعة المستنصر العبيدي، فبعث المستنصر جيشا من العرب يحاربونه، فذلك أول أول دخول العربان إلى إفريقية، وهم بنو رياح، وبنو زغبة، وتمت لهم أمور يطول شرحها.

وفيها قدم خراسان خلائق من الترك الغز، فسار بهم الملك ينال، فدخل الروم، فقتل وسبى وغنم وسار حتى قارب القسطنطينية، وحصل لهم من السبي، فوق المائة ألف نفس، والتقى الروم وهزمهم غير مرة، وكسروه أيضا، ثم ثبت المسلمون، ونزل النصر، وقيل إنهم جروا الغنائم على عشرة آلاف عجلة، فلله الحمد.

وفيها توفي الحكيمي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الوراق، يوم الأضحى، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبي الطاهر الذهلي وغيره.

والحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد، الأمير أبو محمد العباسي. روى عن مؤدبه أحمد اليشكري، وكان رئيسا دينا حافظا لأخبار الخلفاء، توفي في شعبان، وله نيف وتسعون سنة.

وأبو القاسم عبيد الله بن أبي حفص، عمر بن شاهين. روى عن أبيه، وأبي بحر البربهاري، والقطيعي، وكان صدوقا عالي الإسناد، توفي في ربيع الأول.

وعلي بن ربيعة، أبو الحسن التميمي المصري البزاز، راوية الحسن ابن رشيق، توفي في صفر.

وأبو ذر، محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني الأصبهاني الواعظ. روى عن أبي الشيخ، ومات في ربيع الأول.

وأبو عبد الله الكارزيني، محمد بن الحسين الفارسي المقرئ، نزيل الحرم، ومسند القراء، توفي فيها أو بعدها، وقد قرأ القرءات على المطوعي، قرأ عليه جماعة كثيرة، وكان من أبناء التسعين، وما علمت فيه جرحا.

وابن ريذة مسند أصبهان، أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، راوية أبي القاسم الطبراني، توفي في رمضان، وله أربع وتسعون سنة. قال يحيى بن مندة: كان ثقة أمينا، كان أحد وجوه الناس، وافر العقل، كامل الفضل، مكرما لأهل العلم، حسن الخط، يعرف طرفا من النحو واللغة.

وابن غيلان، مسند العراق، أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمداني البغدادي البزاز. سمع من أبي بكر الشافعي، أحد عشر جزءا، وتعرف بالغيلانيات، لتفرده بهها. قال الخطيب: كان صدوقا صالحا دينا. قلت: مات في شوال وله أربع وتسعون سنة.

وأبو منصور السواق، محمد بن محمد بن عثمان البغدادي البندار، وثقه الخطيب، ومات في آخر العام، عن ثمانين سنة. روى عن القطيعي ومخلد بن جعفر.

سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

فيها أمرت الرافضة ببغداد أن لا يعملوا مأتم عاشوراء، فخالفوا، فثارت غوغاء السنة وحميت الفتنة، وجرى ما لا يعبر عنه، وقتل جماعة، وجرح خلق، فاهتم أهل الكرخ، وعملوا عليهم سورا منيعا، غرموا عليه أموالا عظيمة، وكذا فعل أهل نهر القلائين، وصار مع كل فرقة طائفة من الأتراك على نحلتهم تشد معهم، وتمت لهم فتنة هائلة يوم عيد الفطر.

وفيها توفي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي، أبو علي المعدل، أحد الأكابر بدمشق. روى عن يوسف الميانجي وجماعة.

والعتيقي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي التاجر السفار المحدث. روى عن علي بن محمد بن سعيد الرزاز، وإسحاق بن سعد النسوي وطبقتهما، وجمع وخرج على الصحيحين، وكان ثقة فهما، توفي في صفر.

وأحمد بن المظفر بن أحمد بن يزداد الواسطي العطار، أبو الحسن. را وي مسند مسدد، عن ابن السقا، توفي في شعبان.

وأبو القاسم الأفليلي -وأفليل قرية بالشام- ثم القرطبي، إبراهيم ابن محمد بن زكريا الزهري الوقاصي، توفي في ذي القعدة بقرطبة، وله تسع وثمانون سنة. روى عن أبي عيسى الليثي، وأبي بكر الزبيدي وطائفة، وولي الوزارة لبعض أمراء الأندلس. وكان رأسا في اللغة والشعر، أخباريا علامة.

وابن سختام، الفقيه أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نصرويه بن سختام بن هرثمة الغزني السمرقندي الحنفي المفتي، رحل إلى الحج، وحدث ببغداد ودمشق عن أبيه، ومحمد بن أحمد بن مت الإشتيخني، وجماعة، وحدث في هذا العام، وتوفي فيه أو بعده، في عشر الثمانين.

وابن حمصة، أبو الحسن علي بن عمر الحراني ثم المصري الصواف، عنده مجلس واحد عن حمزة الكتاني، يعرف بمجلس البطاقة، توفي في رجب.

وقراوش بن مقلد بن المسيب، الأمير أبو المنيع، معتمد الدولة العقيلي صاحب الموصل، وابن صاحبها، وكانت دولته خمسين سنة. وكان أديبا شاعرا ممدحا فارسا نهابا وهابا، على دين الأعراف وجاهليتهم، يقال إنه جمع بين أختين فلاموه، فقال: وأي شيء نستعمل من الشرع، حتى تتكلموا في هذا. وقال مرة: ما في رقبتي غير دم خمسة أو ستة من العرب، فأما الحضر، فلا يعبأ الله بهم؛ وثب على قرواش ابن أخيه بركة، وقبض عليه وسجنه في هذه السنة، وتملك. فمات في سنة ثلاث، فملك بعده أبو المعالي قريش ابن بدران، ابن مقلد بن المسيب فذبح قرواش بن مقلد صبرا، وقيل بن مات في سجنه.

وأبو الفضل السعدي، محمد بن أحمد بن عيسى البغدادي، الفقيه الشافعي، تلميذ أبي حامد الإسفراييني، وراوي معجم الصحابة، للبغوي عن ابن بطة، توفي في شعبان، وقد روى عن جماعة كثيرة بالعراق والشام ومصر.

وأبو عبد الله الصوري، محمد بن علي الحافظ، أحد أركان الحديث، توفي ببغداد، في جمادى الآخرة، وقد نيف على الستين. روى عن ابن جميع، والحافظ عبد الغ ني المصري، ولزمه مدة، وأكثر عن المصريين والشاميين، ثم رحل إلى بغداد، ولقي بها ابن مخلد، صاحب الصفار، وهذه الطبقة. قال الخطيب: كان من أحرص الناس على الحديث، وأكثرهم كتبا، وأحسنهم معرفة به، لم يقدم علينا أفهم منه، وكان دقيق الخط، يكتب ثمانين سطرا في ثمن الكاغد الخراساني، وكان يسرد الصوم. وقال أبو الوليد الباجي: هو أحفظ من رأيناه. وقال أبو الحسين بن الطيوري: ما رأيت أحفظ من الصوري. وكان بفرد عين، وكان متفننا، يعرف من كل علم، وقوله حجة، وعنه أخذ الخطيب علم الحديث. قلت: وله شعر فائق.

والسلطان مودود، صاحب غزنة ابن السلطان مسعود بن محمود ابن سبكتكين، وكانت دولته عشر سنين، ومات في رجب، وله تسع وعشرون سنة. وأقاموا بعده ولده وهو صبي صغير، ثم خلعوه.

سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة

فيها عين ابن النسوي لشرطة بغداد، فاتفقت الكلمة في السنة والشيعة، أنه متى ولي، نزحوا عن البلد، ووقع الصلح بهذا السبب بين الفريقين، وصار أهل الكرخ يترحمون على الصحابة، وصلوا في مساجد السنة، وخرجوا كلهم إلى زيارة المشاهد، وتحابوا وتوادوا، وهذا شيء لم يعهد من دهر.

وفيها توفي أبو الحسين التوزي، أحمد بن علي البغدادي المحتسب. روى عن علي بن للؤل وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث.

والملك العزيز، أبو منصور بن الملك جلال الدولة، بن بويه، توفي بظاهر ميافارقين، وكانت مدته سنتين، وكان أديبا فاضلا له شعر حسن.

وأبو الحسن بن القزويني، عل بن عمر الحربي، الزاهد القدوة، شيخ العراق. روى عن أبي عمر بن جيويه وطبقته. قال الخطيب: كان أحد الزهاد، ومن عباد الله الصالحين، يقرئ ويحدث، ولا يخرج إلا لصلاة، وعاش اثنتين وثمانين سنة. توفي في شعبان، وغلقت جميع بغداد يوم دفنه، ولم أر جمعا أعظم من ذلك الجمع، رحمه الله تعالى.

وأبو القاسم الثمانيني الموصلي الضرير النحوي، أحد أئمة العربية بالعراق، أخذ عن ابن جني، وتصدر للإفادة، وصنف شرحا للمع وكتاب في النحو وشرحا للتصريف الملوكي، واسمه: عمر بن ثابت.

ومحمد بن عبد الواحد بن زوج الحرة، أبو الحسن، أخو أبي يعلى، وأبي عبد الله، وكان أوسط الثلاثة. روى عن علي بن لؤلؤ وطائفة.

وأبو طاهر بن العلاف، محمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ. روى عن القطيعي، وجماعة. وكان نبيلا وقوا له حلقة للعلم بجامع المنصور.

سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة

فيها في صفر، زال الأنس بين السنة والشيعة، وعادوا إلى أشد ما كانوا عليه، وأحكم الرافضة سوق الكرخ، وكتبوا على الأبراج: محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر، فاضطرمت نار الفتنة، وأخذت ثياب الناس في الطرق، وغلقت الأسواق، واجتمع للسنة جمع لم ير مثله، وهجموا على دار الخلافة، فوعدوا بالخير، فثار أهل الكرخ، والتقى الجمعان، وقتل جماعة، ونهب باب التبن ونبشت عدة قبور للشيعة وأحرقوا، مثل العوني والناشي والجذوعي، وطرحوا النيران في الترب، وتم على الرافضة خزي عظيم، فعمدوا إلى خان الحنفية فأحرقوه، وقتلوا مدرسهم أبا سعد السرخسي، رحمه الله. وقال الوزير: إن وأخذنا الكل خرب البلد.

وفيها أخذ طغرلبك أصبهان، بعد حصار سنة. فجعلها دار ملكه، ونقل خزائنه من الري إليها.

وفيها هجمت الغز على الأهواز، وقتلوا ونهبوا، وعلموا كل قبيح.

وفيها كانت وقعة عظيمة، بين المعز بن باديس، وبين المصريين، قتل فيها من المغاربة نحو ثلاثين ألفا.

وفيها توفي أبو علي الشاموخي المقرئ، الحسن بن علي، بالبصرة، وله جزء مشهور. روى فيه عن أحمد بن محمد بن العباس، صاحب أبي خليفة.

وعلي بن شجاع الشيباني المصقلي، أبو الحسن الأصبهاني الصوفي، توفي في ربيع الأول. روى عن الدارقطني وطبقته، وأسمع ولديه كثيرا.

وأوب القاسم الفارسي، علي بن محمد بن علي، مسند الديار المصرية، أكثر عن أبي أحمد بن الناصح، والذهلي، وابن رشيق توفي في شوال.

ومحمد بن عبد السلام بن سعدان، أبو عبد الله الدمشقي. روى عن جمح ابن القاسم، وأبي عمر بن فضالة، وجماعة. توفي في يوم عرفة، وعنده ستة أجزاء.

وأبو الحسن بن صخر الأزدي، القاضي محمد بن علي بن محمد البصري، بزبيد، في جمادى الآخرة، عن سن عالية، أملى مجالس كثيرة، عن أحمد بن جعفر السقطي، ويوسف النجيرمي، وخلق.

سنة أربع وأربعين وأربعمائة

فيها هاجت الفتنة ببغداد، واستعرت نيرانها، وأحرقت عدة حوانيت، وكتب أهل الكرخ على أبواب مساجدهم: محمد وعلي خير البشر، وأذوا بحي على خير العمل، فاجتمع غوغاء السنة، وحملوا حملة حربية على الرافضة، فهرب النظارة، وازدحموا في درب ضيق، فهلك ست وثلاثون امرأة، وستة رجال، وصبيان، وطرحت النيران في الكرخ، وأخذوا في تحصين الأبواب والقتال، والتقوا في سادس ذي الحجة، فجمع الطقطقي طائفة من الأعوان، وكنس نهر طابق من الكرخ، وقتل رجلين، ونصب رأسيهما على مسجد القلايين.

وفيها جرت حروب هائلة بين الغز السلجوقية وبين صاحب غزنة على الملك، وقتل عدد كبير من الفريقين قتلة جاهلية.

وفيها جهز الملك الرحيم الديلمي عسكرا لحرب أخيه، واقتتلوا في السفن أياما.

وفيها عمل محضر كبير ببغداد، يتضمن القدح في نسب بني عبيد، الخارجين بالمغرب ومصر، وأن أصلهم من اليهود، وأنهم كاذبون في انتسابهم إلى جعفر بن محمد الصادق رحمه الله. فكتب فيه خلق من الأشراف والشيعة والسنة وأولي الخبرة.

وفيها انتشرت جيوش الغز وعاثوا ونهبوا ببلاد الجبل.

وفيها قدم عسكر الغز، فأغاروا على أطراف العراق، وقتلوا وسبوا وفتكوا.

وفيها بعث الملك الرحيم، وزيره والبساسيري فحاصر أخاه بالبصرة، وجرت لهما أمور طويلة، ثم هرب إلى طغرلبك، فأكرمه وزوجه بابنته.

وفيها توفي أبو غانم الكراعي، أحمد بن علي بن الحسين المروزي. روى عن أبي العباس عبد الملك بن الحسين النضري، صاحب الحرث بن أبي أسامة، وكان مسند خراسان في وقته، وآخر من روى عنه حفيده.

وأبو علي بن المذهب، راوية لأحمد، وهو الحسن ابن علي بن التميمي البغدادي الواعظ. قال الخطيب: كان سماعه للمسند من القطيعي صحيحا، إلا في أجزاء، فإنه ألحق اسمه فيها، وعاش تسعا وثمانين سنة. قلت: توفي في تاسع عشري ربيع الآخر. قال ابن نقطة: لو بين الخطيب في أي مسند هي، لأتى بالفائدة.

ورشأ بن نظيف بن ما شاء الله، أبو الحسن الدمشقي المقرئ المحدث، قرأ بدمشق ومصر وبغداد بالروايات. وروى عن أبي مسلم الكاتب. وعبد الوهاب الكلابي وطبقتهما. قال الكتاني: توفي في المحرم، وكان ثقة مأمونا، وانتهت إليه الرئاسة في قراءة ابن عامر.

وأبو القاسم الأزجي المحدث، عبد العزيز بن علي الخياط. روى عن ابن عبيد العسكري، وعلي بن لؤلؤ وطبقتهما فأكثر، توفي في شعبان، وله ثمان وثمانون سنة. وكان صاحب حديث وسنة.

وأبو نصر السجزي الحافظ، عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري، نزيل مصر. توفي بمكة في المحرم، وكان متقنا مكثرا بصيرا بالحديث والسنة، واسع الرحلة، رحل بعد الأربعمائة، فسمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر، وروى عن الحاكم، وأبي أحمد الفرضي وطبقتهما. قال الحافظ ابن طاهر: سألت الحبال عن الصوري والسجزي، أيهما أحفظ؟ فقال: السجري أحفظ من خمسين مثل الصوري، ثم ذكر حكاية في زهده.

وأبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد القرطبي بن الصيرفي، الحافظ المقرئ، أحد الأعلام، صاحب المصنفات الكثيرة المتقنة، توفي بدانية، في شوال، وله ثلاث وسبعون سنة. قال: ابتدأت بطلب العلم، سنة ست وثمانين وثلاثمائة، ورحلت إلى المشرق، سنة سبع وتسعين، فكتبت بالقيروان ومصر. قلت: سمع من أبي مسلم الكاتب، وبمكة من أحمد بن فراس، وبالمغرب من أبي الحسن القابسي، وقرأ القراءات على عبد العزيز بن جعفر الفارسي، وخلف ابن خاقان، وظاهر بن غلبون وجماعة. قال ابن بشكوال: كان أحد الأئمة في علم القرآن، رواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه، وله معرفة بالحديث وطرقه ورجاله، وكان جيد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء والتفنن، دينا ورعا سنيا. وقال غيره: كان مجاب الدعوة، مالكي المذهب.

وناصر بن الحسين، أبو الفتح القرضي العمري المروزي الشافعي، مفتي أهل مرو، تفقه على أبي بكر القفال، وأبي الطيب الصعلوكي، وروى عن أبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي، صاحب ابن الضريس، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وعليه تفقه البيهقي، وكان فقيرا متعففا متواضعا.

سنة خمس وأربعين وأربعمائة

فيها انجفل الناس ببغداد، ووصلت السلجوقية إلى حلوان، يريدون العراق.

وفيها توفي تاج الأئمة، مقرئ الديار المصرية، أبو العباس أحمد بن علي ابن هاشم المصري، قر أعلى عمر بن عراك، وأبي عدي، وجماعة. ثم رحل وقرأ على أبي الحسن الحمامي. توفي في شوال، في عشر السبعين.

وأبو إسحاق البرمكي، إبراهيم بن عمر البغدادي الحنبلي. روى عن القطيعي، وابن ماسي وطائفة. قال الخطيب: كان صدوقا دينا فقيها، على مذهب أحمد، وله حلقة للفتوى، توفي يوم التروية، وله أربع وثمانون سنة. قلت: تفقه على ابن بطة وابن حامد.

وأبو سعيد السمان، إسماعيل بن علي الرازي الحافظ. سمع بالعراق ومكة ومصر والشام، وروى عن المخلص وطبقته. قال الكتاني: كان من الحفاظ الكبار، زاهدا عابدا يذهب إلى الاعتزال.

قلت: كان متبحرا في العلوم، وهو القائل: من لم يكتب الحديث، لم يتغرغر بحلاوة الإسلام، وله تصانيف كثيرة، يقال إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ، وكان رأسا في القراءات والحديث والفقه، بصيرا بمذهبي أبي حنيفة والشافعي، لكنه من رؤوس المعتزلة، وكان يقال أنه ما رأى مثل نفسه.

وأبو طاهر محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم الكاتب، مسند أصبهان، وراوية أبي الشيخ، توفي في ربيع الآخر، وهو في عشر التسعين، وكان ثقة، صاحب رحلة إلى أبي الفضل الزهري وطبقته.

وأبو عبد الله العلوي، محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكوفي، مسند الكوفة، في ربيع الأول. روى عن البكائي وطائفة.

سنة ست وأربعين وأربعمائة

فيها كانت الحرب الهائلة بالمغرب، بين ابن باديس، والعرب الذين دخلوا القيروان، من جهة صاحب مصر وجاهر العرب القيروان واليهم المؤامرات وعم البلاء بالعرب وانتقل المتعز إلى الهندية.

وفيها ملك طغرلبك إقليم أذربيجان صلحا، ثم سار بجيوشه، فغزا الروم وسبى وغنم.

وفيه توفي أبو علي الأهوازي، الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ المحدث، مقرئ أهل الشام، وصاحب التصانيف، ولد سنة اثنتين وستين وثلالاثمائة، وعني بالقراءات، ولقي الكبار، كأبي الفرج الشنبوذي، وعلي بن الحسين الغضائري. وقرأ بالأهواز لقالون، في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وروى الحديث عن نصر المرجي، والمعافى الجريري وطبقتهما، وهو ضعيف، اتهم في لقاء بعض الشيوخ، توفي في ذي الحجة.

وأبو يعلى الخليلي، الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني الحافظ، أحد أئمة الحديث. روى عن علي بن أحمد بن صالح القزويني، وأبي حفص الكتاني وطبقتهما، وكان أحد من رحل وتعب وبرع في الحديث.

وأبو محمد بن اللبان التيمي، عبد الله بن محمد الأصبهاني. قال الخطيب: كان أحد أوعية العلم. سمع أبا بكر بن المقرئ، وأبا طاهر المخلص وطبقتهما، وكان ثقة، صحب ابن الباقلاني، ودرس عليه الأصول، وتفقه علي أبي حامد الإسفراييني، وقرأ القراءات، وله مصنفات كثيرة، سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، مات بأصبهان، في جمادى الآخرة.

ومحمد بن عبد الرحمن بن ع ثمان بن أبي نصر، أبو الحسين التميمي المعدل الرئيس، مسند دمشق وابن مسندها. سمع أبا بكر الميانجي، وأبا سليمان بن زبر، توفي في رجب.

سنة سبع وأربع ين وأربعمائة

فيها تملك طغرلبك العراق، باستدعاء الخليفة ومكاتبته، لأن أرسلان البساسيري، كان قد عظم ببغداد، ولم يبق للملك الرحيم، ولا للخليفة معه، إلا الاسم. ثم بلغ الخليفة أنه عازم على نهب دار الخلافة، فاستنجد عليه بطغرلبك، وكان البساسيري غائبا بواسط، فنهبت داره ببغداد، برأي رئيس الرؤساء، فأقبل طغرلبك على الملك الرحيم، وفرغت دولة بني بويه، وعاثت العز بسواد العراق، وعفروا الناس ونهبوهم، حتى أبيع الثور بعشرة دراهم.

وفيها توفي أبو عبد الله القادسي، الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب البغدادي البزاز. روى عن أبي بكر القطيعي وغيره، ضعفه الخطيب، وفيه أيضا رفض توفي في ذي القعدة.

وابن ماكولا، قاضي القضاة، أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجرباذقاني الشافعي، توفي في شوال، وله ثمانون سنة. قال الخطيب: لم ير قاض أعظم نزاهة منه.

وحكم بن محمد بن حكم، أبو العاص الجذامي القرطبي، مسند الأندلس، حج فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وإبراهيم بن علي التمار، وأبي بكر المهندس، وقرأ على عبد المنعم بن غلبون، وكان صالحا ثقة ورعا صليبا في السنة، مقلا زاهدا، توفي في ربيع الآخر، عن بضع وتسعين سنة.

وسليم بن أيوب، أبو الفتح الرازي الشافعي المفسر، صاحب التصانيف والتفسير، وتلميذ أبي حامد الإسفراييني. روى عن أحمد بن محمد البصير وطائفة كثيرة، وكان رأسا في العلم والعمل، غرق في بحر القلزم، في صفر، بعد قضاء حجة.

وعبد الوهاب بن الحسين بن برهان، أبو الفرج البغدادي الغزال. روى عن أبي عبد الله العسكري، وإسحاق بن سعد وخلق، وسكن صور، وبها مات في شوال، عن خمس وثمانين سنة.

وأبو أحمد الغندجاني، عبد الوهاب بن محمد بن موسى. روى تاريخ البخاري، عن أحمد بن عبدان الشيرازي.

وأبو القاسم التنوخي، علي بن أبي علي المحسن بن علي البغدادي. روى عن علي بنن محمد بن كيسان، والحسين بن محمد العسكري، وخلق كثير، وأول سماعه في سنة سبعين. قال الخطيب: صدوق متحفظ في الشهادة، ولي قضاء المدائن ونحوها. وقال ابن خيرون: قيل كان رأيه الترفض والاعزال، مات في ثاني المحرم.

وذخيرة الدين ولي العهد، محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد، توفي في ذي القعدة، وله ست عشرة سنة. وكان قد ختم القرآن، وحفظ الفقه والنحو والفرائض، وخلف سرية حاملا، فولدت ولدا سماه جده عبد الله، فهو المقتدي الذي ولي الخلافة بعد جده.

ومحمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني، ما عنده سوى نسخة أبي مسهر وما معها، توفي في ذي الحجة، وهو ثقة.

سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

فيها تزوج القائم بأمر الله بأخت طغرلبك، وتمكن القائم، وعظمت الخلافة بسلطنة طغرلبك.

وفيها كان القحط الشديد بديار مصر والوباء المفرط، وكانت العراق تموج بالفتن والخوف والنهب، من عسكر طغرلبك، ومن الأعراب، ومن البساسيري، وخطب بالكوفة وواسط والموصل للمستنصر المصري، وفرحت الرافضة بذلك، واستفحل أمر البساسيري، وجاءته الخلع والتقليد من مصر، له ولقريش صاحب الموصل، ولدبيس صاحب الفرات، وأقاموا شعار الرفض.

وفيها توفي عبد الله بن الوليد بن سعيد، أبو محمد الأنصاري الأندلسي الفقيه المالكي، حمل عن أبي محمد بن أبي زيد، وخلق، وعاش ثمانيا وثمانين سنة. وسكن مصر، وتوفي بالشام، في رمضان.

وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري راوي صحيح مسلم عن أبي عمرويه وغريب الخطابي عن المؤلف، كمل خمسا وتسعين سنة. ومات في خامس شوال، وكان عدلا جليل القدر.

وأبو الحسن الفالي، علي بن أحمد بن علي المؤدب، ثقة. روى عن أحمد ابن خربان، وأبي عمر الهاشمي.

وأبو الحسن الباقلاني، علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي. روى عن القطيعي وغيره. قال الخطيب: لا بأس به.

وابن مسرور أبو حفص، عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد روى عن ابن نجيد وبشر بن أحمد الإسفراييني، وأبي سهل الصعلوكي وطائفة. قال عبد الغافر: هو أبو حفص الفامي الماوردي الزاهد الفقيه، كان كثير العبادة والمجاهدة، كانوا يتبركون بدعائه، وعاش تسعين سنة. ومات في ذي القعدة.

وابن الطفال، أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري، ثم المصري المقرء البزاز التاجر، ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وروى عن ابن حيويه وأبي الطاهر الذهلي وابن رشيق.

وابن الترجمان، محمد بن الحسين بن علي الغزي، شيخ الصوفية بديار مصر. روى عن محمد بن أحمد الجندري، وعبد الواهب الكلابي وطائفة، ومات في جمادى الأول بمصر، وله خمس وتسعون سنة. وكان صدوقا.

وأبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي، رواي السنن عن الدارقطني، وروى أيضا عن أبي عمر بن حيويه وطائفة، توفي في جمادى الأولى، وكان ثقة حسن الأصول.

سنة تسع وأربعين وأربعمائة

فيها خلع القائم بأمر الله، على السلطان طغرلبك السلجوقي، سبع خلع، وطوقه وسوره وتوجه، وكتب له تقليدا بها وراء بابه وشافهه بملك المشرق والمغرب، فقدم للقائم تحفا، منها خمسون مملوكا بخيلهم وسرحهم، وخمسون ألف دينار.

وفيها عجز ثمال بن صالح بن مرداس عن حلب للقحط، وسلمها بالأمان للمصريين.

وفيها كان الوباء المفرط بما وراء النهر، حتى قيل إنه مات فيه ألف ألف إنسان وستمائة ألف.

وفيها توفي أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري اللغوي الشاعر، صاحب التصانيف المشهورة والزندقة المأثورة والذكاء المفرط والزهد الفلسفي، وله ست وثمانون سنة. جدر وهو ابن ثلاث سنين، فذهب بصره. ولعله مات على الإسلام وتاب من كفرياته وزال عنه الشك.

وأبو مسعود البجلي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي الحافظ، وله سبع وثمانون سنة. توفي في المحرم ببخارى، وكان كثير الترحال، طوف وجمع وصنف الأبواب، وروى عن أبي عمرو بن حمدان وحسينك التميمي وطبقتهما، وهو ثقة.

وأبو عثمان الصابوني، شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الواعظ المفسر المصنف، أحد الأعلام. روى عن زاهر السرخسي وطبقته، وتوفي في صفر، وله سبع وسبعون سنة. وأول ما جلس للوعظ وهو ابن عشر سنين، وكان شيخ خراسان في زمانه.

وابن بطال، مؤلف شرح البخاري، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي. روى عن أبي المطرف القنازعي ويونس بن عبد الله القاضي. توفي في صفر.

وأبو عبد الله الخبازي، محمد بن علي بن محمد النيسابوري المقرئ، عن سبع وسبعين سنة. روى عن أبيه القراءات، وتصدر وصنف فيها، وحدث عن أبي محمد المخلدي وطبقته، وكان كبير الشأن وافر الحرمة، مجاب الدعوة، آخر من روى عنه الفراوي.

وأبو الفتح الكراجكي -والكراجكي الخيمي- رأس الشيعة، وصاحب التصانيف، محمد بن علي. مات بصور، في ربيع الآخر، وكان نحويا لغويا منجما طبيبا متكلما متفننا، من كبار أصحاب الشريف المرتضى، وهو مؤلف كتاب تلقين أولاد المؤمنين.

سنة خمسين وأربعمائة

فيها سار طغرلبك ليأخذ الجزيرة، فنازل الموصل، وعمد أرسلان البساسيري، فكانت إبراهيم ينال يعده ويمنيه ويطعمه في الملك، فأصغى إليه وخالف على أخيه طغرلبك، وساق بفرقة من الجيش، وقصد الري، فانزعج طغرلبك، وساق وراءه ببعض الجيش، وترك بعض الجيش مع زوجته، ووزيره عميد الملك الكندري، وقامت الفتنة على ساق، وتم للبساسيري ما دبر من المكر، وقدم بغداد، فدخلها في ذي القعدة بالرايات المستنصرية، واستبشرت الرافضة، وشمخوا وأذنوا بحي على خير العمل، وقاتلت السنة دون القائم بأمر الله، ودامت الحرب في السفن أربعة أيام، وأقيمت الخطبة لصاحب مصر، ثم ضعف القائم، وخندق على داره، ثم تفرق جمعه، واستجار بقريش أمير العرب، فأجاره وأخرجه إلى مخيمه، وقبض البساسيري على الوزير رئيس الرؤساء، علي بن المسلمة، وشهره بطرطور على جمل، ثم صلبه، ونهبت دور الخلافة، وزالت الدولة العباسية، وحبس القائم بحديثه عانة، عند مهارش، وجمع البساسيري الأعيان كلهم، وبايعوه للمستنصر العبيدي قهرا، ثم أحسن إلى الناس ولم يتعصب لمذهب، وأفرد لوالدة الخليفة دارا وراتبا، وقيل إن المستنصر أمد البساسيري بأموال عظيمة، فوق الألف ألف دينار.

وفيها توفي الوني صاحب الفرائض، استشهد في فتنة البساسيري، وهو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الواحد البغدادي.

وأبو الطيب الطبري، طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي الشافعي، أحد الأعلام. روى عن أبي أحمد الغطريفي وجماعة، وتفقه بنيسابور على أبي الحسن الماسرجسي، وسكن بغداد، وعمر مائة وسنتين: قال الخطيب: كان عارفا بالأصول والفروع، محققا صحيح المذهب. قلت: سقنا أخباره في التاريخ الكبير، ومات في ربيع الأول، ولم يتغير له ذهن.

وأبو الفتح بن شيطا، مقرئ العراق ومصنف التذكار في القراءات العشر، عبد الواحد بن الحسين بن أحمد، أخذ عن الحمامي وطائفة، وحدث عن محمد بن إسماعيل الوراق وجماعة، توفي في صفر، وله ثمانون سنة.

وعلي بن بقا، أبو الحسن المصري الوراق الناسخ محدث ديار مصر. روى عن القاضي أبي الحسن الحلبي وطائفة، وكتب الكثير.

والماوردي أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، مصنف الحاوي والاقناع وأدب الدنيا والدين وغير ذلك، وكان إماما في الفقه والأصول والتفسير، بصيرا بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستا وثمانين سنة. تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وعلى أبي حامد ببغداد، وحدث عن الحسن الجيلي، صاحب أبي خليفة الجمحي وجماعة، وآخر من روى عنه أبو العز بن كادش.

وأبو القاسم الخفاف عمر بن الحسين البغدادي، صاحب المشيخة. روى عن ابن المظفر وطبقته.

وأبو منصور السمعاني، محمد بن عبد الجبار، القاضي المروزي الحنفي، والد العلامة، أبي المظفر السمعاني، مات بمرو، في شوال، وكان إماما ورعا نحويا لغويا علامة، له مصنفات.

ومنصور بن الحسين التاني، أبو الفتح الأصبهاني المحدث، صاحب ابن المقرئ، كان من أروى الناس عنه، توفي في ذي الحجة، وكان ثقة.

والملك الرحيم، أبو نصر بن الملك أبي كاليجار بن الملك سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن كن الدولة الحسن بن بويه الديلمي، آخر ملوك الديلم، مات محبوسا بقلعة الري، في اعتقال طغرلبك.

سنة إحدى وخمسين وأربعمائة

فيها رجع السلطان طغرلبك إلى بغداد، فهرب آل البساسيري وحشمه، وأهل الكرخ بأهاليهم، على كل صعب وذلول، فنهبتهم العربان، وكانت أيام البساسيري سنة كاملة، وعاد القائم بأمر الله إلى مقر عزه، وسار عسكره، فالتقاهم البساسيري في ذي الحجة، فقتل وطيف برأسه ببغداد.

وفيها انعقد الصلح بين صاحب غزنة، إبراهيم بن مسعود السبكتكيني، وبين جغريبك، أخي طغرلبك السلجوقي، بعد حروب طويلة، أضرست الفريقين، وفرح المسلمون بالاتفاق، فلم ينشب جغريبك أن توفي.

وفيها توفي ابن سميق، أبو عمر أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي، نزيل طليطلة، ومحدث وقته. روى عن أبي المطرف بن فطيس، وابن أبي زمنين وطبقتهما. وكان قوي المشاركة في عدة علوم، حتى في الطب، مع العبادة والجلالة، وعاش ثمانين سنة.

والأمير المظفر أبو الحارث أرسلان التركي البساسيري قال: وهي نسبة إلى مدينة فسا -ويقال بسا- وأهل فارس ينسبون إليها هكذا، وهي نسبة شاذة على غير الأصل، والأصل فسوي.

وأبو عثمان النجيرمي، سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري، محدث خراسان ومسندها. روى عن جده أبي الحسين، وأبي عمرو بن حمدان وطبقتهما، ورحل إلى مرو، وإسفرايين وبغداد وجرجان، توفي في ربيع الآخر.

وأبو المظفر عبد الله بن شبيب الضبي، مقرئ أصبهان وخطيبها وواعظها وشيخها وزاهدها، أخذ القراءات عن أبي الفضل الخزاعي، وسمع من أبي عبد الله بن مندة وغيره، توفي في صفر.

وأبو الحسن الزوزني، علي بن محمود بن ماخرة، شيخ الصوفية، ببغداد، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة. وكان كثير الأسفار. سمع بدمشق من عبد الوهاب الكلابي وجماعة.

والعشاري، أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي الصالح. روى عن الدارقطني وطبقته، وعاش خمسا وثمانين سنة. وكان جده طويلا، فلقبوه العشاري، وكان أبو طالب فقيها، تخرج على أبي حامد، وقبله على ابن بطة، وكان خيرا عالما زاهدا.

سنة اثنين وخمسين وأربعمائة

فيها حاصر محمود الكلابي حلب، فأخذها ثم ثم واقع المصريين بظاهر حلب. وتعرف بوقعة الفنيدق، فهزمهم واستولى على حلب، بعد أن نهبها المصريون.

وفيها حاصر عطية الكلابي الرحبة، وضيق عليهم فأخذها.

وفيها توفي الماهر، أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن فضال الحلبي الموازيني، الشاعر المفلق بالشام.

وعلي بن حميد، أبو الحسن الذهلي، إمام جامع همذان، وركن السنة والحديث بها. روى عن أبي بكر بن لال وطبقته، وقبره يزار ويتبرك به.

والقزوين، محمد بن أحمد بن علي المقرئ، شيخ الإقراء بمصر، أخذ عن طاهر بن غلبون، وسمع من أبي الطيب والد طاهر، وعبد الوهاب الكلابي وطائفة توفي في ربيع الآخر.

وابن عمروس، أبو الفضل محمد بن عبد الله البغدادي، الفقيه المالكي. قال الخطيب: انتهت إليه الفتوى ببغداد، وكان من القراء المجودين، حدث عن ابن شاهين، وجماعة، وعاش ثمانين سنة.

سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة

فيها توفي أبو العباس بن نفيس، شيخ القراء، أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المصري، في رجب، وقد نيف على التسعين، وهو أكبر شيخ لابن الفحام، قرأ على السامري، وأبي عدي عبد العزيز، وسمع من أبي القاسم الجوهري وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات، وقصد من الآفاق.

وصاحب ميافارقين وديار بكر، نصر الدولة أحمد بن مروان بن دوستك الكردي، وكان عاقلا حازما عادلا، لم تفته الصبح، مع انهماكه على اللذات، وكان له ثلاثمائة وستون سرية، يخلو كل ليلة بواحدة، وكانت دولته إحدى وخمسين سنة. وعاش سبعا وسبعين سنة. وقام بعده ولده نصر.

وأبو مسلم عبد الرحمن بن غزو النهاوندي العطار، حدث عن أحمد بن فراس العبقسي، وخلق. وكان ثقة صدوقا.

وأبو أحمد المعلم عبد الواحد بن أحمد الأصبهاني، راوي مسند أحمد بن منيع، عن عبد الله بن جميل، وروى عن جماعة، وتوفي في صفر.

وعلي بن رضوان، أبو الحسن المصري الفيلسوف، صاحب التصانيف، وكان رأسا في الطب وفي التنجيم، من أذكياء زمانه بديار مصر.

وأبو القاسم السميساطي واقف الخانكاه، علي بن محمد بن يحيى السمي الدمشقي. روى عن عبد الوهاب الكلابي وغيره، وكان بارعا في الهندسة والهيئة، صاحب حشمة وثروة واسعة، عاش ثمانين سنة.

وقريش بن بدران بن مقلد بن المسيب العقيلي، أبو المعالي، ولي الموصل عشرا، وذبح عمه قرواش بن مقلد صبرا، مات بالطاعون، عن إحدى وخمسين سنة. وقام بعده ابنه شرف الدولة مسلم، الذي استولى على ديار ربيعة ومضر وحلب، وحاصر دمشق، وكاد أن يملكها، وأخذ الحمل من بلاد الروم.

وأبو سعد الكنجروذي، محمد بن عبد الرحمن بن محمد النيسابوري، الفقيه النحوي الطبيب الفارس، قال عبد الغافر: له قدم: في الطب والفروسية وأدب السلاح، كان بارع وقته، لاستجماعه فنون العلم، حدث عن أبي عمرو بن حمدان وطبقته، وكان مسند خراسان في عصره، توفي في صفر.

سنة أربع وخمسين وأربعمائة

فيها بلغت دجلة إحدى وعشرين ذراعا، وغرقت بغداد.

وفيها التقى صاحب حلب معز الدولة، ثمال بن صالح الكلابي وملك الروم، على أرتاح، من أعمال حلب، وانتصر المسلمون، وغنموا وسبوا، حتى أبيعت السرية الحسناء بمائة درهم، وبعدها بيسير، توفي ثمال بحلب.

وفيها توفي أبو سعد بن أبي شمس النيسابوري، أحمد بن إبراهيم بن موسى، المقرئ المجود، الرئيس الكامل. توفي في شعبان وهو في عشر التسعين. روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة. وروى الغاية في القراءات عن ابن مهران المصنف.

وأبو محمد الجوهري، الحسن بن علي الشيرازي ثم البغدادي المقنعي، لأنه كان يتطليس ويلفها من تحت حنكه، انتهى إليه علو الرواية في الدنيا، وأملى مجالس كثيرة، وكان صاحب حديث. روى عن أبي بكر القطيعي، وأبي عبد الله العسكري، وعلي بن لؤلؤ وطبقتهم، وعاش نيفا وتسعين سنة. توفي في سابع ذي القعدة.

وأبو نصر زهير بن الحسين السرخسي الفقيه الشافعي، مفتي خراسان، أخذ ببغداد عن أبي حامد الإسفراييني، ولزمه وعلق عنه تعليقه مليحة. وروى عن زاهر السرخسي، والمخلص وجماعة. توفي بسرخس، وقيل توفي في سنة خمس وخمسين، فالله أعلم.

وعبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي، أبو الفضل الرازي، الإمام المقرئ الزاهد، أحد العلماء العاملين. قال أبو سعد السمعاني: كان مقرئا، كثير التصانيف، زاهدا خشن العيش، قانعا منفردا عن الناس، يسافر وحده، ويدخل البراري. سمع بمكة من ابن فراس، وبالري من جعفر بن فناكي، وبنيسابور من السلمي، وبنسا من محمد بن زهير النسوي، وبجرجان من أبي نصر الإسماعيلي، وبأصبهان من ابن مندة الحافظ، وببغداد والبصرة والكوفة وحران وفارس ودمشق ومصر، وكان من أفراد الدهر.

وأبو حفص الزهراوي، عمر بن عبيد الله الذهلي القرطبي، محدث الأندلس مع ابن عبد البر، توفي في صفر، عن ثلاث وتسعين سنة. روى عن عبد الوارث بن سفيان، وأبي محمد بن أسد والكبار. ولحقته في آخر عمره فاقة، فكان يستعصى، وتغير ذهنه.

والقضاعي، القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر المصري، الفقيه الشافعي، قضي الديار المصرية، ومصنف كتاب الشهاب. روى عن أبي مسلم الكاتب فمن بعده. وقال ابن ماكولا: كان متفننا في عدة علوم، لم أر بمصر من يجري مجراه. قال الحبال: توفي في ذي الحجة.

والمعز بن باديس بن منصور بن بلكين الحميري الصنهاجي، صاحب المغرب، وكان الحاكم العبيدي قد لقبه شرف الدولة، وأرسل له الخلعة والتقليد، في سنة سبع وأربعمائة، وله تسعة أعوام، وكان ملكا جليلا عالي الهمة، محبا للعلماء، جوادا ممدحا، أصيلا في الإمرة، حسن الديانة، حمل أهل مملكته على الاشتغال بمذهب مالك، وخلع طاعة العبيديين في أثناء أيامه، وخطب لخليفة العراق، فجهز المستنصر لحربه جيشا، وطال حربهم له، وخربوا حصون برقة وإفريقية، توفي في شعبان بالبرص، وله ست وخمسون سنة.

سنة خمس وخمسين وأربعمائة

فيها قدم السلطان طغرلبك بغداد، فعاث جيشه وفسقوا، ونزلوا في دور الناس، وهجم جماعة على حمامين، وأخذوا ما استحسنوا من النساء. ثم رجع إلى الري، بعد أن دخل بابنة القائم بأمر الله، فمات في رمضان، وله سبعون سنة. وعاش عقيما ما بشر بولد، فعهد بالسلطنة إلى ابن أخيه سليمان بن جغريبك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه سليمان بن جغريبك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه ألب أرسلان، فاستولى على ممالك عمه مع ما في يده.

وفيها أحمد بن محمود، أبو طاهر الثقفي الأصبهاني المؤدب. سمع كتاب العظمة من أبي الشيخ، وما ظهر سماعه منه إلا بعد موته، وكان صالحا ثقة سنيا، كثير الحديث، توفي في ربيع الأول، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أبي بن المقرئ، وجماعة.

وسبط بحرويه، أبو القاسم إبراهيم بن منصور السلمي الكراني الأصبهاني، صالح ثقة عفيف. روى مسند أبي يعلى عن ابن المقرئ، ومات في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة.

وأبو يعلى الصابوني، إسحاق بن عبد الرحمن النيسابوري، أخو شيخ الإسلام، أبي عثمان. روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وأبي محمد المخلدي وطبقتهما. وكان صوفيا مطبوعا، ينوب عن أخيه في الوعظ، توفي في ربيع الآخر، وقد جاوز الثمانين.

وطغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، السلطان الكبير، ركن الدين أبو طالب التركي الغزي السلجوقي، أول ملوك السلجوقية. وأصلهم من أعمال بخارى، وهم أهل عمود، أول ما ملك هذا الري، ثم نيسابور، ثم أخذ أخوه داود بلخ وغيرها، واقتسما الممالك، وملك طغرلبك العراق، وقمع الرافضة، وزال به شعارهم، وكان عادلا في الجملة، حليما كريما محافظا على الصلوات، يصوم الاثنين والخميس، ويعمر المساجد، توفي بالري، فحملوا تابوته، فدفنوه بمرو عند قبر أخيه، داود جغرايبك.

ومحمد بن حمدون السلمي، أبو بكر النيسابوري، آخر من روى عن أبي عمرو بن حمدان، توفي المحرم.

سنة ست وخمسين وأربعمائة

فيها قبض السلطان ألب أرسلان السلجوقي، على الوزير عميد الملك الكندري ثم قتله، وتفرد بوزارته نظام الملك الطوسي، فأبطل ما كان عمد طغرلبك ووزيره الكندري، من سب الأشعرية على المنابر، وانتصر للشافعية، وأكرم إمام الحرمين أبا المعالي وأبا القاسم القشيري. ونازل ألب أرسلان هراة، فأخذها من عمه ولم يؤذه، وأخذ صغانيان، وقتل ملكها. والتقى قتلمش قرابته، فقتل قتلمش في المصاف، فحزن عليه وندم، ثم تسلم الري، وسار إلى أذربيجان، وجمع الجيوش، وغزا الروم، فافتتح عدة حصون، وهابته الملوك، وعظم سلطانه وبعد صيته، وتوفر الدعاء له بكثرة ما افتتح من بلاد النصارى، ثم رجع إلى أصبهان، ومنها إلى كرمان. ثم زوج ابنه ملكشاه بابنة صاحب غزنة، فوقع الائتلاف، واتفقت الكلمة والله الحمد.

وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد بن عاصم النخشبي -ونخشب هي نسف- روى عن جعفر المستغفري، وابن غيلان وطبقتهما، بخراسان وأصبهان والعراق والشام، ومات كهلا، وكان من كبار الحفاظ.

وأبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي، صاحب التصانيف. قال الخطيب: كان مضطلعا بعلوم كثيرة، منها النحو واللغة والنسب وأيام العرب والمتقدمين، وله أنس شديد بعلم الحديث. وقال ابن ماكولا: سمع من ابن بطة، وذهب بموته علم العربية من بغداد. وكان أحد من يعرف الأنساب، لم أر مثله، وكان فقيها حنفيا، أخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصري، وتقدم فيه. وقال ابن الأثير: له اختيار في الفقه، وكان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس، ولا يقبل من أحد شيئا. مات في جمادى الآخرة، وقد جاوز الثمانين، وكان يميل إلى إرجاء المعتزلة، ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار.

وأبو شاكر، عبد الواحد بن محمد التجيبي القبري، نزيل بلنسة، أجاز له أبو محمد بن أبي زيد، وسمع من أبي محمد الأصيلي، وأبي حفص بن نابل وولي القضاء والخطبة ببلنسة، وعمر.

وأبو محمد بن حزم، العلامة علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب ابن صالح الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الأندلسي القرطبي الظاهري، صاحب المصنفات. مات مشردا عن بلده، من قبل الدولة، ببادية لبلة، بقرية له، ليومين بقيا من شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن أبي عمر بن الجسور ويحيى بن مسعود وخلق. وأول سماعه سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل، والعربية والآداب، والمنطق والشعر، مع الصدق والديانة والذمة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب، قال الغزالي: وجدت في أسماء الله كتابا لأبي محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال صاعد في تاريخه: أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو أربعمائة مجلد.

وابن النرسي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسون البغدادي، في صفر، عن تسع وثمانين سنة. روى في مشيخته عن محمد بن إسماعيل الوراق وطبقته.

وقتلمش بن أسرائيل بن سلجوق، الملك شهاب الدولة، وابن عم السلطان طغرلبك، كانت له قلاع وحصون بعراق العجم، فعصى على قرابته، السلطان ألب أرسلان وواقعه، فقتل في المعركة، وهو جد سلاطين الروم السلجوقية، وكان بطلا شجاعا.

والمطرز، صاحب المقدمة اللطيفة، محمد بن علي بن محمد بن صالح السلمي الدمشقي، أبو عبد الله النحوي المقرئ، في ربيع الأول. روى عن تمام وجماعة، وآخر من حدث عنه، النسيب ي فوائده.

وأبو سعيد الخشاب، محمد بن علي بن محمد النيسابوري المحدث، خادم أبي عبد الرحمن السلمي. روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف وطائفة.

وعميد الملك، الوزير أبو نصر محمد بن منصور الكندري. وزير السلطان طغرلبك، كان من رجال العالم، حزما ورأيا وشهامة وكرما، وكان قد حي مذاكيره لأمر، ثم قتله ألب أرسلان بمرو الروذ، في آخر العام، وحمل رأسه إلى نيسابور.

سنة سبع وخمسين وأربعمائة

فيها دخل السلطان ألب أرسلان إلى ما وراء النهر، فنازل مدينة جند، وجد سلحوق مدفون بها، فنزل صاحبها إلى خدمته، فأحسن إليه وأقره بها.

وفيها توفي العيار، سعيد بن أبي سعيد أحمد بن محمد بن نعيم أبو عثمان النيسابوري الصوفي. روى صحيح البخاري عن محمد بن شبويه، وروى عن أبي ظاهر بن خزيمة والمخلدي والكبار. وانتقى عليه البيهقي. توفي بغزنة في ربيع الأول، وله مائة سنة وزيادة، وقد رحلبنفسه في الحديث، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.

سنة ثمان وخمسين وأربعمائة

قال ابن الأثير: فيها ولدت بنت لها رأسان ورقبتان ووجهان على بدن واحد ببغداد بباب الأزج.

وفيها توفي البيهقي، الإمام العلم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف، توفي عاشر جمادى الأول بنيسابور، ونقل تابوته إلى بيهق. وعاش أربعا وسبعين سنة. لزم الحاكم مدة. وأكثر عن أبي الحسن العلوي، وهو أكبر شيوخه.، وسمع ببغداد من هلال الحفار، وبمكة والكوفة. وبلغت تصانيفه ألف جزء، ونفع الله بها المسلمين شرقا وغربا، لإمامة الرجل ودينه وفضله وإتقانه، فالله يرحمه.

وعبد الرزاق بن عمر بن سمه، أبو الطيب الأصبهاني التاجر. روى عن ابن المقرئ.

وأبو الحسن بن سيده، علي بن إسماعيل المرسي العلامة، صاحب المحكم في اللغة، وكان أعمى بن أعمى، رأسا في العربية، حجة في نقلها. قال أبو عمر الطلمنكي: أتوني بمرسية ليسمعوا مني غريب المصنف، فقلت انظروا من يقرأ لكم، فأتوني برجل أعمى، يعرف بابن سيده، فقرأه، فعجبت من حفظه.

والعبادي، القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد الهروي، شيخ الشافعية، وصاحب التصانيف، تفقه على القاضي أبو منصور الأزدي، وبنيسابور علي أبي عمر البسطامي، وكان إماما دقيق النظر، واسع العلم، له المبسوط وأدب القاضي والهادي. وتوفي في شوال، عن ثلاث وثمانين سنة.

وأبو يعلى بن الفراء، شيخ الحنابلة، القاضي الحبر محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي، صاحب التصانيف، وفقيه العصر، كان إماما لا يدرك الحربي، والمخلص وطبقتهما، وأملى عدة مجالس، وولي قضاء الحريم، وتوفي في تاسع عشر رمضان، تفقه على أبي عبد الله بن حامد وغيره، وجميع الطائفة معترفون بفضله، ومغترفون من بحره.

سنة تسع وخمسين وأربعمائة

في ذي القعدة، فرغت المدرسة النظامية، التي أنشأها الوزير نظام الملك ببغداد، وقرر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق، واجتمع الناس فلم يحضر لأنه لقيه صبي فقال: كيف تدرس في مكان مغضوب؟ فوسوسه، فاختفى، فلما آيسوا من حضوره، درس ابن الصباغ، مصنف الشامل، فلما وصل الخبر إلى الوزير، أقام القيامة على أبي سعيد، فلم يزل يرفق بأبي إسحاق، حتى درس بها، وعمد العميد إلى قبر أبي حنيفة فبنى عليه قبة عظيمة، أنفق عليها الأموال.

وفيها توفي ابن طوق، أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي، الراوي عن نصر المرجي، صاحب أبي يعلى، توفي بالموصل في رمضان، وله سبع وسبعون سنة.

وأبو بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي ثم النيسابوري. روى عن أبي الفضل بن خزيمة وطائفة، توفي في رمضان، وكان بزازا.

وأبو القاسم الحنائي، صاحب الأجزاء الحنائيات، الحسين بن محمد بن إبراهيم الدمشقي المعدل الصالح، وله ثمانون سنة. روى عن عبد الوهاب الكلابي، والحسن بن محمد بن درستويه وطائفة.

وأبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر المعتزلي، محمد بن علي بن محمد ابن مهر بزد، آخر أصحاب ابن المقرئ موتا، له تفسير في عشرين مجلدا، توفي في جمادى الآخرة، وله ثلاث وتسعون سنة.

سنة ستين وأربعمائة

فيها وقبلها كان الغلاء العظيم بمصر.

وفيها كانت الزلزلة التي هلك فيها بالرملة وحدها، على ما ورخ ابن الأثير، خمسة وعشرون ألفا وقال: انشقت صخرة بيت المقدس، وعادت بأذن الله، وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم، ورد.

وفيها توفي الباطرقاني، أبو بكر أحمد بن الفضل الأصبهاني المقرئ الأستاذ، توفي في صفر، عن ثمان وثمانين سنة. وله مصنفات في القراءات، وكان صاحب حديث وحفظ. روى عن أبي عبد الله بن مندة وطبقته.

وابن القطان، أبو عمر أحمد بن محمد بن عيسى القرطبي المالكي، رئيس المفتين بالأندلس، وله سبعون سنة. روى عن يونس بن عبد الله القاضي وجماعة.

وخديجة بنت محمد بن علي الشاهجانية الواعظة ببغداد، كتبت بخطها عن ابن سمعون، وتوفيت في المحرم، عن أربع وثمانين سنة.

وعائشة بنت الحسن الوركانية الأصبهانية. روت عن أبي عبد الله بن مندة.

وعبد الدائم بن الحسن الهلالي الحوراني ثم الدمشقي، آخر أصحاب عبد الوهاب الكلابي، عن ثمانين سنة.

سنة إحدى وستين وأربعمائة

في نصف شعبان، احترق جامع دمشق كله، من حرب وقع بين الدولة، فضربوا بالنار دارا مجاورة للجامع، فقضي الأمر، واشتد الخطب، وأتى الحريق على سائره، ودثرت محاسنه، وانقضت مدة ملاحته.

وفيها توفي الفوراني، أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران المروزي، شيخ الشافعية، وتلميذ القفال، وذو التصانيف الكثيرة، وعنه أخذ أبو سعد المتولي، صاحب التتمة، وكان صاحب النهاية، يحط على الفوراني بلا حجة.

وعبد الرحيم بن أحمد البخاري الحافظ، أبو زكريا، ذو الرحلة الواسعة. سمع ببخارى من الحليمي، وبخراسان من أبي يعلى المهلبي، وبدمشق من تمام، وبمصر من عبد الغني بن سعيد، وببغداد من أبي عمر بن مهدي، وعاش تسعا وسبعين سنة.

وأبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري. روى بمصر ودمشق عن أبي الحسن الحلبي، ومحمد بن أحمد الأخميمي وطبقتهما، توفي في جمادى الأولى بمصر، وله ست وسبعون سنة. وثقه الكتاني وغيره. ومقرئ مصر، أبو الحسين نصر بن عبد العزيز الفارسي الشيرازي، شيخ ابن الفحام، قرأ القراءات على السوسنجردي وابن الحمامي وجماعة. وروى الحديث.

سنة اثنتين وستين وأربعمائة

فيها أقبلت جيوش الروم، فنزلوا على منبج واستباحواها، وأسرعوا الكرة، لفرط القحط، أبيع فيهم رطل الخبز بدينار.

وفيها أقيمت الخطبة العباسية بالحجاز، وقطعت خطبة المصريين، لاشتغالهم بما هم من القحط والوباء الذي لم يسمع في الدهور بمثله، وكاد الخراب يستولي على وادي مصر، حتى إن صاحب مرآة الزمان نقل شيئا الله أعلم بصحته، أن امرأة خرجت وبيدها مد جوهر، فقالت من يأخذه بمد بر، فلم يلتفت إليها أحد، فألقته في الطريق وقالت هذا ما نفعني وقت الحاجة، فلا أريده، فلم يلتفت أحد إليه.

ولما جاءت البشارة بإقامة الدعوة بمكة، أرسل السلطان ألب أرسلان إلى صاحبها محمد بن أبي هاشم، ثلاثين ألف دينار وخلعا.

وفيها توفي القاضي حسين بن محمد بن أحمد، أبو علي المروزي، المروروذي، شيخ الشافعية في زمانه، وأحد أصحاب الوجوه، تفقه على أبي بكر القفال، وروى عن أبي نعيم الاسفراييني.، توفي في المحرم.

وأبو غالب بن بشران الواسطي، صاحب اللغة، محمد بن أحمد بن سهل المعدل الحنفي، ويعرف بابن الخالة، وله اثنتان وثمانون سنة. ولم يكن بالعراق أعلم منه باللغة. روى عن أحمد بن عبيد بن بيري وطبقته.

وأبو عبد الله محمد بن عتاب الجذامي مولاهم المالكي، مفتي قرطبة وعالمها ومحدثها وروعها، توفي في صفر، ومشى في جنازته المعتمد بن عباد، وله تسع وسبعون سنة. روى عن أبي المطرف القنازعي وخلق.

سنة ثلاث وستين وأربعمائة

فيها أقام صاحب حلب محمود بن صالح الكلابي الخطبة العباسية، وقال للحلبيين: هذه دولة عظيمة نخافها، وهم يستحلون دماءكم للتشيع، فأجابوا. ولبس الخطيب السواد، وأخذت رعاع الرافضة حصر الجامع، وقالوا: هذه حصر الإمام علي، فليأت أبو بكر بحصره. وجاءت محمودا الخلع من طراد الزينبي، ثم بعد قليل، جاء السلطان ألب أرسلان، وحاصر محمودا، فخرجت أمه بتقادم وتحف، فترحل عنهم.

وفيها كانت الملحمة الكبرى. قال ابن الأثير: خرج أرمانوس في مائتي ألف من الفرنج والروم والروس والكرج، فوصل إلى منازجرد، فبلغ السلطان كثرتهم، وهو بخوى وما عنده سوى خمسة عشر ألف فارس، فصمم على الملتقى، وقال إن استشهدت فابني ملكشاه ولي عهدي، فلما التقى الجمعان أرسل يطلب المهادنة، فقال طاغية الروم: لا هدنة إلا بالري، فاحتد ألب أرسلان، وجرى المصاف يوم الجمعة، والخطباء على المنابر، ونزل السلطان وعفر وجهه في التراب، وبكي وتضرع، ثم ركب وحمل، فصار المسلمون في وسط القوم، وصدقوا اللقاء، وقتلوا الروم كيف شاءوا، ونزل النصر، وانهزمت الروم، وامتلأت الأرض بالقتلى، وأسر أرمانوس، فأحضر إلى السلطان، فضربه ثلاثة مقارع بيده، وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت؟ فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد، قال: ما كنت تفعل لو أسرتني؟. قال: فما كنت تظن أن أفعل بك؟ قال: إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي في بلادك، وأبعدها العفو. قال: ما عزمت على غير هذه، ثم فدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وبكل أسير في مملكته، فخلع عليه، وأطلق له عدة من البطارقة، وهادنه خمسين سنة، وشيعه فرسخا، وأعطاه عشرة آلاف دينار برسم الطريق، فقال: أين جهة الخليفة، فعرفوه. فكشف رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة، وأما المنهزمون ففقدوه وملكوا عليهم ميخائيل، فلما وصل هذا إلى أطراف بلاده، ترهب وتزهد وجمع ما أمكنه، فكان مائتين وتسعين ألف دينار، فأرسله وحلف أنه لا يقدر على غيره، ثم إنه استولى على بلاد الأرمن.

قال: وفيها سار أتسز بن أوق الخوارزمي، أحد أمراء الملك ألب أرسلان، فدخل الشام وافتتح الرملة، أخذها من المصريين، ثم حاصر بيت المقدس، فأخذه منهم، ثم حاصر دمشق وعاث عسكره وأخربوا أعمال دمشق.

وفيها توفي أبو حامد الأزهري، أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الأزهر النيسابوري الشرطي الثقة. روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة. ومات في رجب، عن تسع وثمانين سنة. وآخر أصحابه وجيه.

وأبو بكر الخطيب، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب التواليف المنتشرة في الإسلام. قال: ولدت سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وسمعت في أول سنة ثلاث وأربعمائة. قال ابن ماكولا: لم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثل الخطيب. قلت: روى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما، ورحل إلى البصرة ونيسابور وأصبهان ودمشق والكوفة والري، توفي ببغداد في سابع ذي الحجة.

وابن زيدون، شاعر الأندلس، أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن غالب بن زيدون المخزومي القرطبي، توفي في رجب بإشبيلية، وكان عزيزا على المعتمد بن عباد، كأنه وزير له.

وأبو علي حسان بن سعيد بن سعيد المنيعي، ورئيس مرو الروذ، الذي عم خراسان ببره وأفضاله، وأنشأ الجامع المنيعي، وكان يكسو في العام نحو ألف نفس، وكان أعظم من وزير، رحمه الله. روى عن أبي طاهر بن محمش وجماعة.

وأبو عمر المليحي، عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم الهروي المحدث، رواي الصحيح عن النعيمي، في جمادى الآخرة، وله ست وتسعون سنة. سمع بنيسابور من المخلدي، وأبي الحسين الخفاف وجماعة، وكان ثقة صالحا، أكثر عنه محي السنة.

وكريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم، أم الكرام المروزية المجاورة بمكة.، روت الصحيح عن الكشميهني. وروت عن زاهر السرخسي.، وكانت تضبط كتابها وتقابل نسخها. ولها فهم ونباهة، وما تزوجت قط. وقيل إنها بلغت المائة. وسمع منها خلق.

وأبو الغنائم بن الدجاجي، محمد بن علي البغدادي. روى عن علي بن عمر الحربي وابن معروف وجماعة. توفي في شعبان، وله ثلاث وثمانون سنة.

وأبو علي محمد بن وشاح الزينبي. روى عن أبي حفص بن شاهين وجماعة. قال الخطيب: كان معتزليا. قلت: توفي في رجب.

وأبو عمر بن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الحافظ القرطبي، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف، توفي في سلخ ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة وخمسة أيام. روى عن سعيد بن نصر وعبد الله بن أسد وابن ضيفون وطبقتهم، وأجاز له من مصر أبو الفتح بن سيبخت، الذي يروي عن أبي القاسم البغوي. وليس لأهل المغرب أحفظ منه، مع الثقة والدين والنزاهة والتبحر في الفقه والعربية والأخبار.

سنة أربع وستين وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسن، جابر بن ياسين البغدادي الحنائي العطار. روى عن أبي حفص الكتاني، والمخلص.

والمعتضد بالله، أبو عمرو عباد بن القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، صاحب إشبيلية، ولي بعد أبيه، وكان شهما مهيبا صارما داهية مقداما، جرى على سنن أبيه مدة، لم يلقب بأمير المؤمنين، وقتل جماعة صبرا، وصادر آخرين، ودانت له الملوك.

وابن حيد، أبو منصور بكر بن محمد بن علي بن محمد بن حيد النيسابوري التاجر، ويلقب بالشيخ المؤتمن. روى عن أبي الحسين الخفاف وجماعة، وكان ثقة، حدث بخراسان والعراق، وتوفي في صفر.

سنة خمس وستين وأربعمائة

فيها قتل ألب أرسلان، وتسلطن ابنه ملكشاه، فجاء قاروت بك بجيشه من كرمان، ليستولي على ممالك ألب أرسلان أخيه، فالتقاه ابن أخيه ملكشاه بناحية همذان، فانهزم جيش قاروت بك، وأسر هو، فخنقه ابن أخيه ملكشاه.

وفيها افترق جيش مصر، واقتتلوا عند كوم الريش، وكانت ملحمة مشهورة، وقتل نحو الأربعين ألفا، ثم التقوا مرة ثانية، وكثر القتل في العبيد، وانتصر الأتراك، وضعف المستنصر، وأنفق خزائنه في رضاهم، وغلبت العبيد على الصعيد، ثم جرت لهم وقعات، وعاد الغلاء المفرط والوباء، ونهبت الجند دور العامة. قال ابن الأثير: اشتد الغلاء والوباء، حتى إن أهل البيت، كانوا يموتون في ليلة، وحتى حكى أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، فاستبعد ذلك، فقيل إنها باعت عروضا لها ألف دينار، بثلاثمائة دينار، واشترت بها حملة قمح وحمله الحمال على ظهره، فنهبت الحملة، فنهبت المرأة مع الناس، فحصل لها رغيف واحد.

وفيها توفي السلطان الكبير، عضد الدولة أبو شجاع، محمد ألب أرسلان، ابن الملك جغرايبك، وهو داود بن ميكائيل بن سلجوق بن نفاق بن سلجوق -ونفاق بالتركي: قوس حديد- ونفاق أول من دخل في دين الإسلام، وألب أرسلان، أول من قيل له السلطان على منابر بغداد، وكان في أواخر دولته من أعدل الناس، ومن أحسنهم سيرة، وأرغبهم في الجهاد، وفي نصر الإسلام، لم عبر بهم جيحون، في صفر، ومعه نحو مائتي ألف فارس، وقصد تكين بن طمغاخ، فأتى بمتولي قلعة، اسمه يوسف الخوارزمي، فأمر بأن يشبح بأربعة أوتاد، فقال: يا مخنث، مثلي يقتل هكذا؟ فغضب السلطان، فأخذ القوس والنشاب وقال: خلوه، ورماه فأخطأه -وكان قل أن يخطئ- فشد يوسف عليه، فنزل السلطان عن السرير، فعثر، فبرك عليه يوسف، وضربه بسكين معه، في خاصرته، فشد مملوك على يوسف قتله، ثم مات السلطان من ذلك الجرح، عن أربعين سنة وشهرين، وكان أهل سمرقند قد خافوه، وابتهلوا إلى الله، وقرأوا الختم ليكفيهم أمر ألب أرسلان، فكفوا.

وابن المأمون، أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي، في شوال، وله تسع وثمانون سنة. سمع جده أبا الفضل بن المأمون، والدارقطني وجماعة. قال أبو سعد بن السمعاني: كان ثقة نبيلا مهيبا، تعلوه سكينة ووقار، رحمه الله.

وأبو القاسم القشيري، عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الصوفي الزاهد، شيخ خراسان، وأستاذ الجماعة، ومصنف الرسالة توفي في ربيع الآخر، وله تسعون سنة. روى عن أبي الحسين الخفاف، وأبي نعيم الإسفراييني وطائفة. قال أبو سعد السمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه، في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة.

وصردر الشاعر، صاحب الديوان، أبو منصور علي بن الحسن بن علي ابن الفضل البغدادي الكاتب المنشئ، وقد روى عن أبي الحسين بن بشران وجماعة.

وأبو جعفر بن المسلمة، محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن السلمي البغدادي، ثقة نبيل، عالي الإسناد، كثير السماع، متين الديانة، توفي جمادى الأولى، عن إحدى وتسعين سنة. وهو آخر من روى عن أبي الفضل الزهري، وأبي محمد بن معروف.

وابن الغريق الخطيب، أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله ابن عبد الصمد بن محمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد، بن الواثق العباسي، سيد بني العباس في زمانه وشيخهم، مات في أول ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة. وهوآخر من حدث عن ابن شاهين والدارقطني، وكان ثقة نبيلا صالحا متبتلا، كان يقال له راهب بني هاشم لدينه وعبادته، وسرده الصوم.

وهناد بن إبراهيم، أبو المظفر النسفي، صاحب مناكير وعجائب. روى عن القاضي أبي عمر الهاشمي، وغنجار وطبقتهما.

وأبو القاسم الهذلي، يوسف بن علي بن جبارة المغربي، المقرئ المتكلم النحوي، صاحب كتاب الكامل في القراءات وكان كثير الترحال، حتى وصل إلى بلاد الترك، في طلب القراءات المشهورة والشاذة.

سنة ست وستين وأربعمائة

فيها كان الغرق الكثير ببغداد، فهلك خلق تحت الردم. وأقيمت الجمعة في الطيار على ظهر الماء، وكان الموج كالجبال، وبعض المحال غرقت بالكلية، وبقيت كأن لم تكن. وقيل إن ارتفاع الماء بلغ ثلاثين ذراعا.

وفيها توفي أبو سهل الحفصي، محمد بن أحمد بن عبيد الله المروزي، راوي الصحيح عن الكشميهني. كان رجلا عاميا مباركا. سمع منه نظام الملك، وأكرمه وأجزل صلته.

وأبو محمد الكتاني، عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي الصوفي الحافظ. روى عن تمام الرازي وطبقته ورحل سنة سبع عشرة وأربعمائة، إلى العراق والجزيرة، وكان يفهم ويذاكر. قال ابن ماكولا: مكثر متقن. قلت: توفي في جمادى الآخرة.

وأبو بكر العطار، محمد بن إبراهيم بن علي الحافظ الأصبهاني، مستملي الحافظ أبي نعيم. روى عن ابن مردويه والقاضي أبي عمر الهاشمي وطبقتهما، قال الدقاق: كان من الحفاظ يملي من حفظه، توفي في صفر.

وابن حيوس، الفقيه أبو المكارم، محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي الفرضي. روى عن خاله أبي نصر بن الجندي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، توفي في ربيع الآخر.

ويعقوب بن أحمد، أبو بكر الصيرفي النيسابوري العدل. روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف، توفي في ربيع الأول.

سنة سبع وستين وأربعمائة

قال ابن الأثير: قد مر في سنة خمس، تغلب الأتراك وبني حمدان على مصر، وعجز المستنصر عنهم، وما صار إليه من الشدة والفقر، وقتل ابن حمدان، فراسل المستنصر بدرا الجمالي، وهو بساحل الشام، فاستخدم جيشا، وسار في هذه السنة من عكا في البحر زمن الشتاء، وخاطر لأنه أراد أن يبغت مصر، وكان هذا الأمر بينه وبين المستنصر سرا، فسلم ودخل مصر، فولاه المستنصر الوزارة، ولقبه أمير الجيوش، فبعث طوائف من أصحابه، إلى قواد مصر الكبار، فبعث إلى كل أمير طائفة ليأتوه برأسه، ففعلوا. وأصبح وقد فرغ من أمر الديار المصرية، ونقل جميع حواصلهم إلى دار الخلافة، فعاد إليه جميع ما كان أخذ منه إلا القليل، ثم سار إلى دمياط، وقد عصى بها طائفة فقتلهم، ثم أخذ الإسكندرية عنوة، وقتل جماعة، ثم سار إلى الصعيد فهذبه، وقتل به اثني عشر ألفا، وأخذ النساء والمتاع، فتجمع لحربه عشرون ألف فارس، وأربعون ألف راجل، وعسكروا. فبيتهم نصف الليل فانهزموا، وقتل منهم خلائق، ثم عمل بعد ذلك معهم مصافا، فهزمهم. ثم أخذ يعمر البلاد، فأطلق للفلاحين الكلف، ثم عث الهدايا إلى صاحب مكة، فأعاد خطبة المستنصر، بعد أن كان خطب للقائم بأمر الله أربعة أعوام.

وفيها عمل السلطان ملكشاه الرصد، وأنفق عليه أموالا عظيمة.

وفيها توفي أبو عمر بن الحذاء، محدث الأندلس، أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي، مولى بني أمية، حضه أبوه على الطلب في صغره، وكتب عن عبد الله بن أسد، وعبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر، والكبار، في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وانتهى إليه علو الإسناد بقطره، توفي في ربيع الآخر، عن سبع وثمانين سنة.

والقائم بأمر الله، أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر العباسي، توفي في شعبان، وله ست وسبعون سنة. وبقي في الخلافة أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر، وأمه أرمنية، كان أبيض مليح الوجه مشربا حمرة، ورعا دينا كثير الصدقة، له وفضل من خير الخلائق، ولا سيما بعد عوده إلى الخلافة، في نوبة البساسيري، فإنه صار يكثر الصيام والتهجد، غسله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى، شيخ الحنابلة، وبويع حفيده المقتدي بأمر الله، عبد الله بن محمد بن القائم.

وأبو الحسن الداوودي، جمال الإسلام عبد الرحمن بن محمد بن المظفر البوشنجي، شيخ خراسان علما وفضلا وجلالة وسندا. روى الكثير عن أبي محمد بن حمويه، وهو آخر من حدث عنه، وتفقه على القفال المروزي، وأبي الطيب الصعلوكي، وأبي حامد الإسفراييني، توفي في شوال، وله أربع وتسعون سنة.

وأبو الحسن الباخرزي، الرئيس الأديب، علي بن الحسن بن أبي الطيب، مؤلف كتاب دمية القصر وكان رأسا في الكتابة والإنشاء والشعر، قتل بباخزر، في ذي القعدة مظلوما.

وأبو الحسن بن صصرى، علي بن الحسن بن أحمد بن محمد التغلبي البلدي ثم الدمشقي المعدل. روى عن تمام الرازي وجماعة. توفي في المحرم.

وأبو بكر الخياط، مقرئ العراق، محمد بن علي بن محمد بن موسى الحنبلي، الرجل الصالح. سمع من إسماعيل بن الحسن الصرصري، وأبي الحسن المجبر، وقرأ على أبي أحمد الفرضي، وأبي الحسن السوسنجردي وجماعة، توفي في جمادى الأولى.

ومحمود بن نصر بن صالح بن مرداس، الأمير عز الدولة الكلابي صاحب حلب، ملكها عشرة أعوام، وكان شجاعا فارسا جوادا ممدحا، يداري المصريين والعباسيين، لتوسط داره بينهما، وولي بعده ابنه نصر، فقتله بعض الأتراك بعد سنة.

سنة ثمان وستين وأربعمائة

فيها حاصر أتسز الخوارزمي دمشق، واشتد بها الغلاء، وعدمت الأقوات، ثم تسلم البلد بالأمان، وعوض انتصار المصمودي ببانياس ويافا، وأقيمت الخطبة العباسية، وأبطل شعار الشيعة من الأذان وغيره، واستولى أتسز على أكثر الشام، وعظم ملكه.

وفيها توفي أبو علي، غلام الهراس، مقرئ واسط، الحسن بن القاسم الواسطي، ويعرف أيضا بإمام الحرمين، كان أحد من عني بالقراءات، ورحل فيها إلى بلاد، وصنف فيها. قرأ على أبي الحسن السوسنجردي والحمامي وطبقتهما، ورحل القراء إليه من الآفاق، وفيه لين، توفي في جمادي الأولى، عن أربع وتسعين سنة.

وعبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة، أبو الفتح الرازي الواعظ الجوهري التاجر. روى عن علي بن محمد القصار وطائفة، وعاش تسعين سنة. وآخر من حدث عنه، إسماعيل الحمامي.

وأبو نصر التاجر، عبد الرحمن بن علي النيسابوري المزكي. روى عن يحيى بن إسماعيل الحربي النيسابوري وجماعة.

وأبو الحسن الواحدي المفسر، علي بن أحمد النيسابوري، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم. روى في كتبه عن ابن محمش، وأبي بكر الحيري وطائفة، وكان رأسا في اللغة والعربية، توفي في جمادى الآخرة، وكان من أنباء السبعين.

وابن عليك، أبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري. روى عن أبي نعيم الإسفراييني وجماعة. وقال ابن نقطة: حدث عن أبي الحسين الخفاف.، مات في رجب بتفليس.

وأبو بكر الصفار، محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس النيسابوري الشافعي، أحد الكبار المفتيين تفقه على أبي محمد الجويني، وجلس بعده في حلقته، وروى عن أبي نعيم الإسفراييني وطائفة.، توفي في ربيع الآخر.

وأبو القاسم المهرواني، يوسف بن محمد الهمذاني الصوفي العبد الصالح، الذي خرج له الخطيب خمسة أجزاء. روى عن أبي أحمد الفرضي، وأبي عمر بن مهدي، ومات في ذي الحجة.

ويوسف بن محمد بن يوسف، أبو القاسم الخطيب، محدث همذان وزاهدها. روى عن أبي بكر بن لال، وأبي أحمد الفرضي، وأبي عمر بن مهدي وطبقتهم. وجمع ورحل.، وعاش سبعا وثمانين سنة.

سنة تسع وستين وأربعمائة

فيها سار أتسز صاحب الشام، فقصد مصر وحاصرها، ولم يبق إلا أن يملكها، فاجتمع الخلق وتضرعوا إلى الله مما هم فيه، فترحل عنهم شبه المنهزم من غير سبب، وأتى القدس، فعصوا عليه، فقاتلهم. ثم دخل البلد عنوة، وعمل كل قبيح، وذبح القاضي والشهود، وقتل بها نحوا من ثلاثة آلاف نفس.

وفيها كانت فتنة أبي نصر بن القشيري ببغداد، قدم فوعظ بالنظامية وحاب في الوعظ الاعتقاد، ونصر الأشاعرة، وحط على الحنابلة، فهاجت أحداث السنة، وقصدوا النظامية، وحميت الفتنة، وقتل بها نحوا من ثلاثة آلاف نفس.

وفيها كانت فتنة أبي نصر بن القشيري ببغداد، قدم فوعظ بالنظامية، وحاب في الوعظ الاعتقاد، ونصر الأشاعرة، وحط على الحنابلة، فهاجت أحداث السنة، وقصدوا النظامية، وحميت الفتنة، وقتل جماعة، نعوذ بالله من الفتن.

وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السلمي، أحد رؤساء دمشق وعدولها. روى عن جده أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان، وجماعة. وسمع بمكة من ابن جهضم، توفي في ربيع الأول، في عشر التسعين.

وحاتم بن محمد بن الطرابلسي، أبو القاسم التميمي القرطبي، المحدث المتقن، مسند الأندلس، في ذي القعدة، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن عمر بن نابل، وأبي المطرف بن فطيس وطبقتهما. ورحل فأكثر عن أبي الحسن القابسي، وسمع بمكة من ابن فراس العبقسي، وكان فقيها مفتيا، قيل إنه دعي إلى قضاء قرطبة فأبى.

وحيان بن خلف بن حسين بن حيان، أبو مروان القرطبي الأديب، مؤرخ الأندلس ومسندها، توفي في ربيع الأول، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع من عمر بن نابل وغيره، وله كتاب المتين في تاريخ الأندلس، ستون مجلدا، وكتاب المقتبس في عشر مجلدات، وقد رئي في النوم، فسئل عن التاريخ الذي عمله فقال: لقد ندمت عليه، إلا أن الله تعالى أقالني وغفر لي بلطفه.

وحيدرة بن علي الأنطاكي، أبو المنجا المعبر حدث بدمشق عن عبد الرحمن بن أبي نصر وجماعة. قال ابن الأكفاني: كان يذكر أنه يحفظ في علم التعبير عشرة آلاف ورقة وزيادة.

وأبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ المصري الجوهري النحوي، صاحب التصانيف، دخل بغداد تاجرا في الجوهر، وأخذ عن علمائها، وخدم بمصر في ديوان الإنشاء، ثم تزهد بآخره، ثم سقط من السطح فمات.

وكركان الزاهد القدوة، أبو القاسم عبد الله بن علي الطوسي، شيخ الصوفية، وصاحب الدويرة والأصحاب. روى عن حمزة المهلبي وجماعة، ومات في ربيع الأول.

وأبو محمد الصريقيني، عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هزارمرد المحدث، خطيب صريفين، توفي في جمادى الآخرة، عن خمس وثمانين سنة. روى عن أبي القاسم بن حبابة، وأبي حفص الكتابي وطائفة، وكان ثقة.

سنة سبعين وأربعمائة

وفيها كانت فتنة هائلة ببغداد، بسبب الاعتقاد، ووقع النهب في البلد، واشتد الخطب، وركب العسكر، وقتلوا جماعة، حتى فتر الأمر.

وفيها توفي أبو صالح المؤذن، أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الحافظ، محدث خراسان في زمانه. روى عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، والحاكم، وخلق. ورحل إلى أصبهان وبغداد ودمشق، في حدود الثلاثين وأربعمائة، وله ألف حديث، عن ألف شيخ، وثقه الخطيب وغيره، ومات في رمضان، عن اثنتين وثمانين سنة. وله تصانيف ومسودات.

وأبو الحسين بن النقور، أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزاز، المحدث الصدوق. روى عن علي الحربي وأبي القاسم بن حبابة وطائفة، وكان يأخذ على نسخة طالوت دينارا، أفتاه بذلك الشيخ أبو إسحاق، لأن الطلبة كانوا يفوتونه الكسب لعياله. مات في رجب، عن تسعين سنة.

وأبو نصر بن طلاب الخطيب، الحسين بن أحمد بن محمد القرشي مولاهم الدمشقي، خطيب دمشق. روى عن ابن جميع معجمه وعن أبي بكر بن أبي الحديد. وكان صاحب مال وأملاك، وفيه عدالة وديانة. توفي في صفر، وله إحدى وتسعون سنة.

وعبد الله بن الخلال، أبو القاسم بن الحافظ أبي محمد الحسن بن محمد البغدادي، سمعه أبوه من أبي حفص الكتاني والمخلص، ومات في صفر، عن خمس وثمانين سنة. قال الخطيب: كان صدوقا.

وأبو جعفر بن أبي موسى الهاشيم، شيخ الحنابلة، عبد الخالق بن عيسى ابن أحمد، وكان ورعا زاهدا، علامة كثير الفنون، رأسا في الفقه، شديدا على المبتدعة، نافذ الكلمة. روى عن أبي القاسم بن بشران، وقد أخذ في فتنة ابن القشيري وحبس أياما، ومات في صفر، عن تسع وخمسين سنة.

وأبو القاسم عبد الرحمن بن مندة الأصبهاني الحافظ، صاحب التصانيف، ولد الحافظ الكبير الجوال، أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد العبدي، كان ذا سمت ووقار، وله أصحاب وأتباع، وفيه تستن مفرط، أوقع بعض العلماء في الكلام، في معتقده، وتوهموا فيه التجسيم، وهو برئ منه فيما علمت، ولكن لو قصر من شأنه لكان أولى به، أجاز له زاهر بن أحمد السرخسي، وروى الكثير عن أبيه وأبي جعفر الأبهري وطبقتهما وسمع بنيسابور من أصحاب الأصم، وبمكة من ابن جهضم، وبهمذان والدينور وشيراز وبغداد.، وعاش تسعا وثمانين سنة.

سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

فيها دخل تاج الدولة تتش، أخو السلطان ملكشاه إلى الشام، من جهة أخيه، وأخذ حلب ودمشق، وكان عسكره التركمان، وكان أقسيس -ويقال أتسز وأطسز الخوارزمي- قد جاءت المصريون لحربه، فاستنجد بتتش عندما أخذ حلب، فسار إليه، وفر المصريون، فخرج أقسيس إلى خدمة تتش، فأظهر الغضب لكونه ما تلقاه إلى بعيد، وقبض عليه وقتله في الحال، وأحسن سيرته في الشاميين، وكان الناس في جور وضر مع أتسز، نزل جنده في بيوت الناس، وصادر الناس وعذبهم في الشمس.

وفيها توفي أبو علي بن البنا، الفقيه، الحسن بن أحمد البغدادي الحنبلي، صاحب التواليف والتخاريج. روى عن هلال الحفار وطبقته، وقرأ القراءات على الحمامي، وتفقه ودرس وأفتى ووعظ، وكان ناصرا للسنة.

وأبو علي الوخشي، الحسن بن علي بن محمد البلخي الحافظ الكبير، رحل وطوف، وجمع وصنف، وعاش ستا وثمانين سنة. روى عن تمام الرازي، وأبي عمر بن مهدي وطبقتهما، بالشام والعراق ومصر وخراسان، وكان ثقة.

وأبو القاسم الزنجاني، سعد بن علي، الحافظ القدوة الزاهد، نزيل الحرم، جار بيت الله. روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفراء، وعبد الرحمن بن ياسر الجوبري، وخلق. سئل محمد بن طاهر المقدسي، عن أفضل من رأى؟ فقال: سعد الزنجاني، وشيخ الإسلام الأنصاري، فقيل: أيهما أفضل؟ فقال: الأنصاري كان متفننا، وأما الزنجاني، فكان أعرف بالحديث منه، وسئل إسماعيل التيمي عن سعد، فقال: إمام كبير، عارف بالسنة. وقال غيره: توفي في أول سنة إحدى وسبعين، أو في آخر سنة سبعين، عن تسعين سنة.

وعبد الباقي بن محمد بن غالب، أبو منصور الأزجي العطار، وكيل القائم والمقتدي، صدوق جليل. روى عن المخلص وغيره، توفي في ربيع الآخر.

وعبد العزيز بن علي، أبو القاسم الأنماطي، ابن بنت السكري. روى عن المخلص. قال عبد الوهاب: الأنماطي ثقة، ومات في رجب. قلت: آخر من روى عنه ابن الطلاية الزاهد.

وعبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، أبو بكر النحوي اللعلامة، صاحب التصانيف، منها المغني في شرح الإيضاح ثلاثون مجلدا، وكان شافعيا أشعريا. ومنهم من يقول: توفي سنة أربع وسبعين.

وأبو عاصم الفضيلي الفقيه، واسمه الفضيل بن يحى الهروي، شيخ أبي الوقت، في جمادى الأولى، وله ثمان وثمانون سنة.

وأبو الفضل القومساني، محمد بن عثمان بن زيرك، شيخ عصره بهمذان، فضلا وعلما وجلالة وزهادة وتفننا في العلوم، عن بضع وسبعين سنة. روى عن الحسين بن فتحويه الثقفي وعلي بن أحمد بن عبدان وجماعة.

ومحمد بن أبي عمران، أبو الخير بن موسى المروزي الصفار، آخر أصحاب الكشميهني، ومن به ختم سماع البخاري عاليا. ضعفه ابن طاهر.

سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة

فيها توفي أبو علي، الحسن بن عبد الرحمن بن محمد الشافعي المكي الحناط المعدل. روى عن أحمد بن فراس العبقسي، وعبيد الله بن أحمد السقطي، توفي في ذي القعدة.

ومحمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد، أبو عبد الله الفرسي ثم الهروي، راوي جزء أبي الجهم وغير ذلك، عن أبي محمد الشريحي، في شوال.

وأبو منصور العكبري، محمد بن أحمد الأخباري النديم، عن تسعين سنة. صدوق. روى عن محمد بن عبد الله الجعفي، وهلال الحفار وطائفة. توفي في شهر رمضان.

وهياج بن عبيد الزاهد القدوة، أبو محمد الحطيني، قال هبة الله الشيرازي: أما هياج الزاهد الفقيه، فما رأت عيناي مثله في الزهد والورع. وقال ابن طاهر: بلغ في زهده أنه يواصل ثلاثة أيام لكي يفطر على ماء زمزم، فإذا كان اليوم الثالث من أتاه بشيء أكله.، وكان قد نيف على الثمانين، وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجليه، ويدرس عدة دروس لأصحابه، وكان يزور النبي في كل من مكة، فيمشي حافيا ذاهبا وراجعا. روى عن أبي ذر الهروي وطائفة.

سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة

فيها توفي أبو القاسم، الفضل بن عبد الله بن المحب الواعظ النيسابوري آخر أصحاب أبي الحسين الخفاف موتا، وروى عن العلوي وغيره.

وأبو الفتيان بن حيوس، الأمير مصطفى الدولة، محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي، شاعر أهل الشام، له ديوان كبير. وقد روى عن خاله أبي نصر بن الجندي، توفي في شعبان بحلب، عن ثمانين سنة.

سنة أربع وسبعين وأربعمائة

فيها سار تتش السلجوقي غازيا في دمشق، فافتتح طرسوس.

وفيها توفي أبو الوليد الباجي، سليمان بن خلف التجيبي القرطبي بالمرية، في رجب، عن إحدى وسبعين سنة. روى عن يونس بن عبد الله بن مغيث، ومكي بن أبي طالب، وجاور ثلاثة أعوام، ولزم أباذر الهروي، وكان يمضي معه إلى السراة، ثم رحل إلى بغداد وإلى دمشق، وروى عن عبد الرحمن بن الطبيز وطبقته بدمشق، وابن غيلان وطبقته ببغداد، وتفقه على أبي الطيب الطبري وجماعة، وأخذ علم الكلام بالموصل، عن أبي جعفر السمناني، وسمع الكثير، وبرع في الحديث والفقه والأصول والنظر، ورد إلى وطنه، بعد ثلاث عشرة سنة. بعلم جم، مع الفقر والقناعة، وكان يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق، ثم فتحت عليه الدنيا، وأجزلت صلاته، وولي قضاء أماكن، وصنف التصانيف الكثيرة. قال أبو علي بن سكرة: ما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه.

وأبو القاسم بن البسري، علي بن أحمد البغدادي البندار. قال أبو سعد السمعاني: كان صالحا ثقة فهما عالما. سمع المخلص وجماعة، وأجاز له ابن بطة، ونصر المرجي، وكان متولضعا حسن الأخلاق، ذا هيئة ورواء، توفي في سادس رمضان.

وأبو بكر محمد بن المزكي المحدث، من كبار الطلبة، كتب عن خمسمائة نفس، وأكثر عن أبيه، وأبي عبد الرحمن السلمي والحاكم. وروى عنه الخطيب، مع تقدمه، توفي في رجب.

سنة خمس وسبعين وأربعمائة

فيها قدم الشريف أبو القاسم البكري الواعظ، من عند نظام الملك إلى بغداد فوعظ بالنظامية ونبز الحنابلة بالتجسيم فسبوه وتعرضوا له وكبس دور بني الفراء، وأخذ كتاب القاضي أبي يعلي في إبطال التأويل فكان يقرأ بين يديه، وهو على المنبر، فيشنع به ويبشع شأنه.

وفيها توفي محدث أصبهان ومسندها، عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة، أبو عمرو العبدي الأصبهاني، الثقة المكثر. سمع أباه وابن خرشيذ قوله، وجماعة. توفي في جمادى الآخرة.

ومحمد بن أحمد بن علي السمسار، أبو بكر الأصبهاني. روى عن إبراهيم بن خرشيذ قوله، وجماعة، ومات في شوال، وله مائة سنة. روى عنه خلق كثير.

والمطهر بن عبد الواحد، أبو الفضل البزاني الأصبهاني توفي فيها، أو في حدودها. روى ع ابن المرزبان الأبهري، جزء لوين، وعن ابن مندة، وابن خرشيذ قوله.

سنة ست وسبعين وأربعمائة

فيها عزم أهل حران، وقاضيهم ابن جلبة الحنبلي، على تسليم حران إلى جنق أمير التركمان، لكونه سنيا، وعصوا على مسلم بن قريش صاحب الموصل، لكونه رافضيا، ولكونه مشغولا بمحاصرة دمشق مع المصريين، كانوا يحاصرون بها، تاج الدولة تتش، وأسرع إلى حران ورماها بالمجانيق، وأخذها، وذبح القاضي وولديه رحمهم الله.

وفيها توفي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي الشافعي، جمال الدين، أحد الأعلام، وله ثلاث وثمانون سنة. تفقه بشيراز، وقدم بغداد، وله اثنتان وعشرون سنة. فاستوطنها ولزم القاضي أبا الطيب، إلى أن صار معيده في حلقته، وكان أنظر أهل زمانه، وأفصحهم وأورعهم، وأكثرهم تواضعا وبشرا، وانتهت إليه رئاسة المذهب في الدنيا. روى عن أبي علي بن شاذان والبرقاني، ورحل إليه الفقهاء من الأقطار، وتخرج به أئمة كبار، ولم يحج ولا وجب عليه، لأنه كان فقيرا متعففا قانعا باليسير، درس بالنظامية، وله شعر حسن، توفي في الحادي والعشرين من جمادى الآخرة.

وطاهر بن الحسين، أبو الوفا القواس الحنبلي الزاهد، ببغداد عن ست وثمانين سنة. روى عن هلال الحفار وجماعة، وكان إماما في الفقه والورع.

والإبراهيمي عبد الله بن عطاء الهروي الحافظ، وهو ضعيف، يروي عن أبي عمر المليحي وأقرانه.

وعبد الوهاب بن أحمد بن جلبة الفقيه، أبو الفتح البغدادي ثم الحراني الخزاز الحنبلي قاضي حران وصاحب القاضي أبي يعلى. وروى عن أبي بكر البرقاني وجماعة. قتله كما ذكرنا صاحب الموصل مسلم بن قريش كما ذكرنا.

والبكري، أبو بكر المغربي الواعظ، من دعاة الأشعرية. وفد على نظام الملك بخراسان، فنفق عليه، وكتب له سجلا أن يجلس بجوامع بغداد، فقدم وجلس ووعظ، ونال من الحنابلة سبا وتكفيرا، ونالوا منه ولم تطل مدته، ومات في هذا العام.

وأبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر اللخمي الأنباري الخطيب، في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة. سمع بالحجاز والشام ومصر، وأكبر شيخ له عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي.

ومقرئ الأندلس في زمانه، أبو عبد الله محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي المقرئ، مصنف كتاب الكافي وكتاب التذكير، وله أربع وثمانون سنة. وقد حج وسمع من أبي ذر الهروي وجماعة.

سنة سبع وسبعين وأربعمائة

فيها سار سليمان بن قتلمش السلجوقي، صاحب قونية وأقصرى، بجيوشه إلى الشام، فأخذ أنطاكية، وكانت بيد النصارى من مائة وعشرين سنة. وكان ملكها قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتب بها نائبا فأساء إلى أهلها وإلى الجند في إقامته بها، فلما دخل الروم اتفق ولده والنائب المذكور على تسليمها إلى صاحب قونية سليمان فكاتبوه فأسرع في البحر، ثم طلع وسار إليها في جبال وعرة، فأتاها بغتة ونصب السلالم ودخلها، وقتل جماعة، وعفا عن الرعية، وأخذ منها أموالا لا تحصى، ثم بعث إلى نسيبه السلطان ملكشاه يبشره بالفتح، وكان صاحب الموصل مسلم، يأخذ القطيعة من أنطاكية، فطلب العادة من سليمان، فقال إنما كان ذلك المال جزية، وأنا بحمد الله فمؤمن، فنهب مسلم بلاد أنطاكية، ثم تمت وقعة بين سليمان ومسلم في صفر من العام الآتي، قتل فيها مسلم.

وفيها توفي إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد ابن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو القاسم. صدر عالم نبيل وافر الحشمة، له يد في النظم والنثر. روى عن حمزة السهمي وجماعة، وعاش سبعين سنة. روى الكامل لابن عدي.

وبيبى بنت عبد الصمد بن علي، أم الفضل، وأم عربي الهرثمية الهروية، لها جزء مشهور بها، ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح، توفيت في هذه السنة أو في التي بعدها، وقد استكملت تسعين سنة.

وأبو سعد، عبد الله بن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، أكبر الأخوة، في ذي القعدة، وله أربع وستون سنة. روى عن القاضي أبي بكر الحيري وجماعة. وعاشت أمه فاطمة بنت أبي علي الدقاق بعده أربعة أعوام.

وعبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي كلام، آخر أصحاب عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي موتا، وهو من كبار شيوخ أبي الوقت.

وأبو نصر بن الصباغ، الفقيه عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي، أحد الأئمة، ومؤلف الشامل كان نظيرا للشيخ أبي إسحاق ومنهم من يقدمه على أبي اسحاق في نقل المذهب وكان ثبتا حجة دينا خيرا، ولي النظامية بعد أبي إسحاق، ثم كف بصره. وروى عن محمد بن الحسين القطان، وأبي علي بن شاذان، وكان مولده في سنة أربعمائة، توفي في جمادى الأولى، ببغداد، ودفن في داره.

وأبو علي الفارمذي، الفضل بن محمد الزاهد، شيخ خراسان: قال عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير، التي لم يسبق إليها، في عبارته وتهذيبه وحسن آدابه ومليح استعارته ورقة ألفاظه. دخل نيسابور، وصحب القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ. إلى أن قال: وحصل له عند نظام الملك قبول خارج عن الحد. روى عن أبي عبد الله بن باكويه وجماعة، وعاش سبعين سنة. توفي في ربيع الآخر.

ومحمد بن عمار، أبو بكر المهري، ذو الوزارتين، شاعر الأندلس، كان هو وابن زيدون القرطبي، كفرسي رهان، وكان ابن عمار قد اشتمل عليه المعتمد، وبلغ الغاية، إلى أن استوزره، ثم جعله نائبا على مرسية، فخرج عليه، ثم ظفر به المعتمد فقتله.

ومسعود بن ناصر السجزي، أبو سعيد الركاب الحافظ، رحل وصنف وحدث عن أبي حسان المزكي، وعلي بن بشرى الليثي وطبقتهما، ورحل إلى بغداد وأصبهان. قال الدقاق: لم أر أجود إتقانا ولا أحسن ضبطا منه، توفي بنيسابور، في جمادى الأولى.

سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

فيها أخذ الأذفنش لعنه الله، مدينة طليلطلة، من الأندلس، بعد حصار سبع سنين، فطغى وتمرد، وحملت إليه الضريبة، ملوك الأندلس، حتى المعتمد بن عباد، ثم استعان المعتمد على حربه، بالملثمين، وأدخلهم الأندلس.

وفيها قدم أمير الجيوش، فحاصر تتش بدمشق، فلم يقدر عليها، ورد.

وفيها ثارت الفتنة ببغداد بين الرافضة والناس، واقتتلوا وأحرقت أماكن.

وفيها توفي أبو العباس العذري، أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث الأندلسي الدلائي -ودلاية من عمل المرية- كان حافظا محدثا متقنا، مات في شعبان وله خمس وثمانون سنة ثمان وأربعمائة مع أبويه فجاوزوا ثمانية أعوام، وصحب هو أباذر، فتخرج به، وروى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة، ومن جلالته، أن إمامي الأندلس: ابن عبد البر، وابن حزم، رويا عنه. وله كتاب دلائل النبوة.

وأبو سعد المتولي، عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري، شيخ الشافعية، وتلميذ القاضي حسين، وهو صاحب التتمة تمم به الإبانة لشيخه أبي القاسم الفوراني، وقد درس أياما بالنظامية، بعد الشيخ أبي إسحاق، ثم صرف بابن الصباغ، ثم وليها بعد ابن الصباغ، ومات كهلا.

وأبو معشر الطبري، عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطان المقرئ، نزيل مكة، وصاحب كتاب التلخيص وغيره، قرأ بحران على أبي القاسم الزيدي، وبمكة على الكارزيني، وبمصر أيضا على جماعة. وروى عن أبي عبد الله ابن نظيف، وجلس للإقراء مدة بمكة.

وإمام الحرمين، أبو المعالي الجويني، عبد الملك بن أبي محمد بن عبد الله بن يوسف، الفقيه الشافعي ضياء الدين، أحد الأئمة الأعلام، عاش ستين سنة. وتفقه على والده، وجور بمكة في شبيبته أربعة أعوام، ومن ثم قيل له إمام الحرمين، وكان من أذكياء العالم، وأحد أوعية العلم، توفي في ربيع الآخر بنيسابور، وكان له نحو من أربعمائة تلميذ، رحمه الله.

وأبو علي بن الوليد الكرخي، وله اثنتان وثمانون سنة. أخذ عن أبي الحسين البصري وغيره، وبه انحرف ابن عقيل عن السنة قليلا، وكان ذا زهد وورع وقناعة وتعبد، وله عدة تصانيف، ولما افتقر، جعل ينقص داره، ويبيع خشبها، ويتقوت به، وكانت من حسان الدور ببغداد.

وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، محمد بن علي بن محمد الحنفي، تفقه بخراسان ثم ببغداد، على القدوري، وسمع من الصوري وجماعة، وعاش ثمانين سنة. وكان نظير القاضي أبي يوسف، في الجاه والحشمة والسؤدد، وبقي في القضاء دهرا، ودفن في القبة، إلى جانب الإمام أبي حنيفة رحمهما الله.

ومسلم، الملك شرف الدولة، أبو المكارم بن الملك أبي المعالي، قريش بن بدران بن مقلد العقيلي، صاحب الجزيرة وحلب، وكان رافضيا، اتسعت ممالكه، ودانت له العرب، وطمع في الاستيلاء على بغداد، عند موت طغرلبك، وكان شجاعا فاتكا مهيبا، داهية ماكرا، التقى هو والملك سليمان بن قتلمش السلجوقي صاحب الروم على باب أنطاكية، فقتل في المصاف.

سنة تسع وسبعين وأربعمائة

فيها التقي تتش وسليمان بن قتلمش، فقتل سليمان، وسارتتش، فنازل حلب، وخافه أخوه تتش فهرب.

وفيها وقعة الزلاقة، وذلك أن الإذقونش جمع الجيوش، فاجتمع المعتمد ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين والمطوعة، فأتوا الزلاقة من عمل بطليوس، فالتقى الجمعان، فوقعت الهزيمة على الملاعين، وكانت ملحمة عظيمة في أول جمعة من رمضان. وجرح المعتمد عدة جراحات سليمة، وطابت الأندلس للمسلمين، فعمل أميرهم ابن تاشفين على تملكها.

وفيها لما افتتح ملكشاه حلب والجزيرة، قدم بغداد، وهو أول قدومه إليها، ثم خرج وتصيد، وعمل منارة القرون، من كثرة وحش صاد، ثم رد إلى أصبهان، وزوج أخته زليخا، محمد بن مسلم بن قريش العقيلي، وأقطعه الرحبة، وحران، والرقة، وسروج.

وفيها أعيدت الخطبة العباسية بالحرمين وقطعت خطبة العبيديين.

وفيها توفي أبو سعد النيسابوري، شيخ الشيوخ ببغداد، أحمد بن محمد ابن دوست، وكان كثير الحرمة في الدولة، له رباط مشهور ومريدون، وكان نظام الملك يعظمه.

وإسماعيل بن زاهر النوقاني النيسابوري الشافعي، أبو القاسم الفقيه، وله اثنتان وثمانون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي، وعبد الله بن يوسف، وابن محمش وطائفة، ولقي ببغداد، أبا الحسين بن بشران وطبقته، وأملى وأفاد.

وطاهر بن محمد بن محمد، أبو عبد الرحمن الشحامي المستملي، والد زاهر. روى عن أبي بكر الحيري وطائفة، وكان فقيها صالحا، ومحدثا عارفا، له بصر تام بالشروط، توفي في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة.

وأبو علي التستري، علي بن أحمد بن علي البصري السقطي، راوي السنن، عن أبي عمر الهاشمي.

وأبو الحسن علي بن فضال المجاشعي القيرواني، صاحب المصنفات في العربية والتفسير، توفي في شهر ربيع الأول، وكان من أوعية العلم، تنقل بخراسان، وصحب نظام الملك.

وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام النيسابوري، الرجل الصالح. روى عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي وطبقتهما. توفي في شعبان.

ومسند العراق، أبو نصر الزينبي، محمد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي، آخر أصحاب المخلص، ومحمد بن عمر الوراق، توفي في جمادى الآخرة، وله اثنتان وتسعون سنة وأربعة أشهر، وكان ثقة خيرا.

سنة ثمانين وأربعمائة

فيها عرس المقتدي بالله على ابنة السلطان وكان وقتا مشهودا فأنفق فيه الخليفة أموالا كثيرة وخلع على سائر الأمراء ومد سماطا هائلا.

وفيها توفي مقرئ الأندلس عبد الله بن سهل الأنصاري المرسي أخذ القراءات عن أبي عمر الطلمنكي وأبي عبد الله محمد بن سفيان ومكي وجماعة.

وفاطمة بنت الشيخ أبي علي الحسن بن علي الدقاق الزاهدة زوجة القشيري وكانت كبيرة القدر عالية الإسناد من عوابد زمانها رحمها الله روت عن أبي نعيم الإسفراييني والعلوي والحاكم وطائفة وتوفيت في ذي القعدة عن تسعين سنة.

وفاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع أم الفضل البغدادية الكاتبة التي جودوا على خطها وكانت تنقل طريقة ابن البواب، حكت أنها كتبت ورقة للوزير الكندري فأعطاها ألف دينار وقد روت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي.

والسيد المرتضى ذو الشرفين أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني الحافظ قتله الخاقان بما وراء النهر مظلوما وله خمس وسبعون سنة روى عن أبي علي ابن شاذان وخلق وتخرج بالخطيب ولازمه وصنف التصانيف حدث بسمرقند وبأصبهان وبغداد وكان متمولا معظما وافر الحشمة، كان يفرق في العام نحو العشرة آلاف دينار ويقول: هذه زكاة مالي

سنة إحدى وثمانين وأربعمائة

فيها توفي أبو بكر الغورجي، أحمد بن عبد الصمد الهروي، راوي جامع الترمذي عن الجراحي في ذي الحجة.

وأبو إسحاق الطيان، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني القفال، صاحب إبراهيم بن خرشيذ قوله، في صفر.

وأبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام، عبد الله بن محمد بن علي بن مت الهروي الصوفي القدوة الحافظ، أحد الأعلام، في ذي الحجة، وله ثمانون سنة وأشهر. سمع من عبد الجبار الجراحي، وأبي منصور محمد بن محمد ابن الأزدي، وخلق كثير، وبنيسابور من أبي سعيد الصيرفي، وأحمد السليطي، صاحبي الأصم، وكان جذعا في أعين المبتدعة، وسيفا على الجهمية، وقد امتحن مرات، وصنف عدة مصنفات، وكان شيخ خراسان في زمانه غير مدافع! وعثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي، أبو عمر المزكي، بنيسابور، في صفر. روى عن أبي نعيم الإسفراييني والحاكم.

وابن ماجة الأبهري، أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن الأصبهاني - وأبهر أصبهان قرية، وأما أبهر زنجان فمدينة - عاش خمسا وتسعين سنة. وتفرد في الدنيا بجزء لوين، عن ابن المرزبان الأبهري.

سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة

فيها سار السلطان ملكشاه بجيوشه من أصبهان، وعبر النهر، فملك سمرقند بعد قتال وحصار، وسار نحو كاشغر، فدخل ملكها في الطاعة، فرجع إلى خراسان، ونكث أهل سمرقند، فكر راجعا إلى سمرقند، وجرت أمور طويلة.

وفيها توفي أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد، أبو نصر الحنفي، رئيس نيسابور وقاضيها وكبيرها. روى عن جده، والقاضي أبي بكر الحيري وطائفة. وكان يقال له شيخ الإسلام، وكان مبالغا في التعصب في المذهب، فأغرى بعضا ببعض، حتى لعنت الخطباء أكثر الطوائف في دولة طغرلبك، فلما مات طغرلبك، خمد هذا ولزم بيته مدة، ثم ولي القضاء.

وأبو إسحاق الحبال، الحافظ إبراهيم بن سعيد النعماني مولاهم المصري، عن تسعين سنة. سمع أحمد بن ثرثال، والحافظ عبد الغني، ومنير بن أحمد وطبقتهم. وكان يتجر في الكتب، وكانت بنو عبيد قد منعوه من التحديث في أواخر عمره، وكان ثقة حجة صالحا ورعا كبير القدر.

والحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن أبي الحديد، أبو عبد الله السلمي الدمشقي الخطيب، نائب الحكم بدمشق. روى عن عبد الرحمن بن الطبيز وطائفة، وعاش ستا وستين سنة.

والقاضي أبو منصور بن شكرويه، محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني، توفي في شعبان، وله تسع وثمانون سنة. وهو آخر من روى عن أبي علي البغدادي، وابن خرشيذ قوله، ورحل وأخذ بالبصرة، عن أبي عمر القاسمي بعض السنن أو كله، وفيه ضعف.

وأبو الخير، محمد بن أحمد بن عبد الله بن ورا الأصبهاني. روى عن عثمان البرجي وطبقته، وكان واعظا زاهدا، أم مدة بجامع أصبهان.

والطبسي، محمد بن أحمد بن أبي جعفر المحدث، مؤلف كتاب بستان العارفين روى عن الحاكم وطائفة، توفي في رمضان، وكان صوفيا عابدا ثقة صاحب حديث.

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة

فيها كانت فتنة هائلة، لم يسمع بمثلها بين السنة والرافضة، وقتل بينهم عدد كثير، وعجز والي البلد، واستظهرت السنة بكثرة من معهم من أعوان الخليفة، واستكانت الشيعة وذلوا، ولزموا التقية، وأجابوا إلى أن كتبوا على مساجد الكرخ: خير الناس بعد رسول الله ، أبو بكر فاشتد البلاء على غوغائهم، وخرجوا عن عقولهم، واشتدوا فنهبوا شارع ابن أبي عوف، ثم جرت أمور مزعجة، وعاد القتال، حتى بعث صدقة بن مزيد عسكرا تتبعوا المفسدين، إلى أن فتر الشر قليلا.

وفيها توفي خواهرزاده الحنفي، شيخ الطائفة بما وراء النهر، وهو أبو بكر بن محمد بن الحسين البخاري القديدي. روى عن منصور الكاغدي وطائفة، وبرع في المذهب، وفاق الأقران، وطريقته أبسسط الأصحاب وكان يحفظها، توفي في جمادى الأولى ببخارى.

وعاصم بن الحسن، أبو الحسين العاصمي الكرخي الشاعر المشهور. روى عن ابن المتيم، وأبي عمر بن مهدي، وكان شاعرا محسنا ظريفا، صاحب ملح ونوادر، مع الصلاح والعفة والصدق، مرض في أواخر عمره، فغسل ديوان شعره، ومات في جمادى الآخرة، عن ست وثمانين سنة.

وأبو نصر الترياقي، عبد العزيز بن محمد الهروي، راوي الترمذي، سوى آخر جزء منه، عن الجراحي، ثقة أديب، عاش أربعا وتسعين سنة. وترياق من قرى هراة.

والتفليسي، أبو بكر محمد بن إسماعيل بن بن محمد النيسابوري المولد، الصوفي المقرئ. روى عن حمزة المهلبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وطائفة، ومات في شوال.

ومحمد بن ثابت الخجندي، العلامة أبو بكر الشافعي الواعظ، نزيل أصبهان، ومدرس نظاميتها، وشيخ الشافعية بها ورئيسها، وكان إليه المنتهى في الوعظ، توفي في ذي القعدة.

وأبو نصر محمد بن سهل السراج الشاذياخي، آخر أصحاب أبي نعيم عبد الملك الإسفراييني. روى عن جماعة، وكان ظريفا نظيفا لطيفا، توفي في صفر، عن تسعين سنة.

وأبو الغنائم بن أبي عثمان محمد بن علي بن حسن الدقاق، بغدادي متميز صدوق. روى عن أبي عمر بن مهدي وجماعة.

وفخر الدولة بن جهير الوزير، أبو نصر محمد بن محمد بن جهير التغلبي، ولي نظر حلب ثم وزر لصاحب ميافارقين، ثم وزر للقائم بأمر الله مدة، ثم ولاه ملكشاه نيابة ديار بكر، توفي بالموصل، في ثامن صفر، وكان من رجال العالم ودهاة بني آدم.

سنة أربع وثمانين وأربعمائة

فيها استولى يوسف بن تاشفين أمير المسلمين على الأندلس، وقبض على المعتمد بن عباد، وأخذ كل شيء يملكه، وترك أولاده فقراء.

وفيها استولت الفرنج على جزيرة صقلية.

وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن عبد الرحمن الذكواني الأصبهاني، يوم عرفة، وله تسعون سنة. روى عن جده أبي بكر بن أبي علي، وعثمان البرجي وطبقتهما، وكان ثقة.

وأبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري الشاطبي، تلميذ أبي مر بن عبد البر وكان من أئمة هذا الشأن، مع الورع والتقى والاستبحار في العلم، توفي في شعبان، وله خمس وخمسون سنة. وكان أخوه عبد الله، زاهدا أهل الأندلس.

وعبد الملك بن علي بن شغبة، أبو القاسم الأنصاري البصري الحافظ الزاهد، استشهد بالبصرة، وكان يروي جملة من سنن أبي داود، عن أبي عمر الهاشمي أملى عدة مجالس، وكان من العبادة والخشوع بمحل.

وأبو نصر الكركانجي، محمد بن أحمد بن علي، شيخ المقرئين لمرو، ومسند الآفاق، في ذي الحجة، وله أربع وتسعون سنة. وكان إماما في علوم القرآن، كثير التصانيف، متين الديانة، انتهى إليه على الإسناد. قرأ ببغداد على أبي الحسن الحمامي، وبحران على الشريف الزيدي، وبمصر على إسماعيل بن عمر الحداد، وبدمشق والموصل وخراسان.

وفيها حدث أبو منصور المقومي، محمد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم القزويني، راوي سنن ابن ماجة، عن القاسم بن أبي المنذر، توفي فيها أو بعدها، عن بضع وثمانين سنة.

وفي رجب قاضي القضاة، أبو بكر الناصحي، محمد بن عبد الله بن الحسين النيسابوري. روى عن أبي بكر الحيري وجماعة. قال عبد الغافر: هو أفضل عصره في أصحاب أبي حنيفة، وأعرفهم بالمذهب، وأوجههم في المناظرة، مع حظ وافر من الأدب والطب ولم تحمد سيرته في القضاء.

والمعتصم محمد بن معن بن محمد بن أحمد بن صمادح، أبو يحيى التجيبي الأندلسي، صاحب المرية، توفي وجيش ابن تاشفين، محاصرون له.

سنة خمس وثمانين وأربعمائة

فيها وقعة جيان بالأندلس، أقبل الإذفونش في جموع عظيمة، فالتقاه المسلمون فانهزموا. ثم تراجع الناس وثبتوا ونزل النصر، فانزم الملاعين. وقتل منهم خلق عظيم، وكان ملحمة كبرى.

وفي عاشر رمضان قتل نظام الملك.

وفيها أخذت خفاجة ركب العراق، وكان الحريق العظيم ببغداد، فاحترق من الناس عدد كثير، واحترق عدة أسواق كبار، من الظهر إلى العصر.

وفيها توفي أبو الفضل، جعفر بن يحيى الحكاك، محدث مكة، وكان متقنا، حجة صالحا. روى عن أبي ذر الهروي وطائفة، وعاش سبعين سنة.

ونظام الملك، الوزير أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، قوام الدين، كان من جلة الوزراء، ذكره أبو سعد السمعاني فقال: كعبة المجد، ومنبع الجود، كان مجلسه عامرا بالقراء والفقهاء، أنشأ المدارس بالأمصار، ورغب في العلم، وأملى وحدث، وعاش ثمانيا وسبعين سنة. أتاه شاب صوفي الشكل من الباطنية، ليلة عاشر رمضان، فناوله قصة، ثم ضربه بسكين في صدره، قضى عليه، فيقال إن ملكشاه، دس عليه هذا، فالله أعلم.

وأبو عبد الله بن المرابط، قاضي المرية وعالمها محمد بن خلف بن سعيد الأندلسي. روى عن المهلب بن أبي صفرة وجماعة، وصنف شرحا للبخاري، وكان رأسا في مذهب مالك، ارتحل الناس إليه، وتوفي في شوال.

وأبو بكر الشاشي، محمد بن علي بن حامد الفقيه، شيخ الشافعية، وصاحب الطريقة المشهورة، والمصنفات المليحة، درس مدة بغزنة ثم بهراة ونيسابور، وحدث عن منصور الكاغدي، وتفقه ببلاده على أبي بكر السنجي، وعاش نيفا وتسعين سنة. توفي بهراة.

ومحمد بن عيسى بن فرج، أبو عبد الله التجيبي المغامي الطليطلي، مقرئ الأندلس، أخذ عن أبي عمرو الداني، ومكي بن أبي طالب وجماعة. أقرأ الناس مدة.

وأبو عبد الله البانياسي، مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي واحترق في الحريق الذكور في جمادى الآخرة، له سبع وثمانون سنة. وهو آخر من حدث عن أبي الحسن بن الصلت المجبر، وسمع من جماعة.

والسلطان ملكشاه، أبو الفتح جلال الدولة بن السلطان ألب أرسلان محمد ابن داود السلجوقي التركي، تملك بلاد ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وبلاد الروم، والجزيرة، والشام، والعراق، وخراسان، وغير ذلك. قال بعض المؤرخين: ملك من مدينة كاشغر الترك، إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية وبلاد الخزر، إلى بحر الهند عرضا، وكان حسن السيرة، محسنا إلى الرعية، وكانوا يلقبونه بالسلطان العادل، وكان ذا غرام بالعمائر وبالصيد، مات في شوال، بعد وزيره النظام بشهر، فقيل إنه سم في في خلال، ونقل في تابوت، فدفن بأصبهان، في مدرسة كبيرة له.

سنة ست وثمانين وأربعمائة

لما علم تتش بدمشق موت أخيه، أنفق الأموال، وتوجه ليأخذ السلطنة، فسار معه من حلب، قسيم الدولة، آقسنقر، ودخل في طاعته باغبسان صاحب أنطاكية وبوزان صاحب الرها وحران، ثم سار فأخذ الرحبة، في أول سنة ست، ثم نازل نصيبين، فأخذها عنوة، وقتل بها خلقا ثم سار إلى الموصل، فالتقاه إبراهيم بن قريش العقيلي، في ثلاثين ألفا، وتعرف بوقعة المضيع، فانهزموا وأسر إبراهيم، فقتله صبرا، وأقر أخاه عليا على الموصل، لأنه ابن عمة تتش، ثم أرسل إلى بغداد يطلب تقليدا، وساعده كوهرابين، ثم سار فتملك ميافارقين، وديار بكر، وقصد أذربيجان، فغلب على بعضها، فبادر السلطان بركياروق بن ملكشاه ليدفع عمه تتش، فلما تقارب العسكران، قال قسيم الدولة آقسنقر لبوزان: إنما أطعنا هذا الرجل لننظر ما يكون من أولاد السلطان، والآن فقد قام ابنه هذا، فينبغي أن نكون معه على تتش، فخامرا إليه، فضعف تتش، ورد إلى الشام.

ولم يحج ركب العراق، وحج ركب الشام، فنهبهم صاحب مكة محمد بن أبي هاشم، ونهبتهم العربان عشر مرات. وتوصل من سلم في حال عجيبة.

ودخل السلطان بركياروق بغداد.

وفيها توفي حمد بن أحمد بن الحسن، أبو الفضل الأصبهاني الحداد. روى ببغداد وأصبهان عن علي بن ماشاذه، وعلي بن عبد كويه وطائفة، وروى الحلية ببغداد، توفي في جمادى الأولى.

وسليمان بن إبراهيم الحافظ، أبو مسعود الأصبهاني. قال السمعاني: جمع وصنف وخرج على الصحيحين، وروى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبي بكر بن مردويه وخلق، ولقي ببغداد أبا بكر المنقي وطبقته، وقد تكلم فيه، توفي في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة وشهرين.

وأبو الفضل الدقاق، عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن ذكرى البغدادي الكاتب. روى عن أبي الحسين بن بشران وغيره، وكان صالحا ثقة.

والشيخ أبو الفرج الشيرازي الحنبلي، عبد الواحد بن علي الواعظ الفقيه القدوة. سمع بدمشق من أبي الحسن بن السمسار، وأبي عثمان الصابوني، وتفقه ببغداد زمانا، على القاضي أبي يعلى، ونشر بالشام مذهب أحمد، وتخرج به الأصحاب، وكان إماما عارفا بالفقه والأصول، صاحب حال وعبادة وتأله، وكان تتش صاحب الشام يعظمه، لأنه كاشفه مرة، توفي في ذي الحجة، وفي ذريته مدرسون وعلماء.

وأبو القاسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلاف البغدادي، الرجل الصالح. روى عن أبي الفتح بن أبي الفوارس، وأبي الفرج الغوري، وبه ختم حديثهما، وكان ثقة مأمونا خيرا.

وشيخ الإسلام الهكاري، أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف الأموي، من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب، وكان صالحا زاهدا ربانيا، ذا وقار وهيبة وأتباع ومريدين، رحل في الحديث، وسمع من أبي عبد الله بن نظيف الفراء، وأبي القاسم بن بشران وطائفة. قال ابن ناصر: توفي في أول السنة، وقال ابن عساكر: لم يكن موثقا في راويته. قلت: ولد سنة تسع وأربعمائة.

وأبو الحسن الأنباري، علي بن محمد بن محمد بن الأخضر الخطيب، في شوال، عن أربع وتسعين سنة. وكان آخر من حدث عن أبي أحمد الفرضي، وسمع أيضا من أبي عمر بن مهدي وطائفة، وتفقه لأبي حنيفة، وكان ثقة نبيلا، عالي الإسناد.

وأبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري، مسند خراسان، في ربيع الأول، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي والحاكم، وكان من كبار الصوفية.

وأبو الفتح نصر بن الحسن التنكتي الشاشي، نزيل سمرقند، وله ثمانون سنة. روى صحيح مسلم عن عبد الغافر، وسمع بمصر من الطفال وجماعة، ودخل الأندلس للتجارة، فحدث بها، وكان ثقة.

وهبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، أبو القاسم الحافظ محدث جوال. سمع بخراسان والعراق وفارس واليمن ومصر والشام، وحدث عن أحمد ابن عبد الباقي بن طوق، وأبي جعفر بن المسلمة وطبقتهما، ومات كهلا، وكان صوفيا صالحا متقشفا.

سنة سبع وثمانين وأربعمائة

في أولها علّم المقتدي بالله على تقليد السلطان بركياروق، وخطب له ببغداد، ولقب ركب الدين، ومات الخليفة من الغد فجأة، ورجع قسيم الدولة آقسنقر، ببعض جيش بركياروق، فالتقاه تتش بقرب حلب، فانهزم الحلبيون، وأسر آقسنقر، فذبحه تتش صبرا، وساق فحاصر حلب، فافتتحها. وأسر بوزان وكربوقا، فذبح بوزان وبعث برأسه إلى أهل حران، فسلموا له البلد، ثم سار فأخذ الجزيرة وخلاط، وأذربيجان جميعها، وكثرت جيوشه، واستفحل شأنه، فقصده بركياروق، فكبس عسكر تتش بركياروق فانهزم، ونهبت خزائنه وأثقاله.

وفيها توفي أبو بكر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري، مسند خراسان، أحمد بن علي بن عبد الله بن بن عمر بن خلف. روى عن الحاكم، وعبد الله بن يوسف وطائفة، قال عبد الغافر: هو شيخنا الأديب المحدث المتقن الصحيح السماع، ما رأينا شيخا أروع منه، ولا أشد إتقانا، توفي في ربيع الأول، وقد نيف على التسعين.

وآقسنقر، قسيم الدولة أبو الفتح مولى السلطان ملكشاه، وقيل هو لصيق به، وقيل اسم أبيه الترعان، لما افتتح ملكشاه حلب، استناب عليها آقسنقر في سنة ثمانين وأربعمائة، فأحسن السياسة وضبط الأمور، وتتبع المفسدين، حتى صار دخله من البلد كل يوم، ألفا وخمسمائة دينار. ذكرنا أنه أسر في المصاف ثم قتل في جمادى الأولى، ودفن بمشهد قريبا مدة، ثم نقله ولده الأتابك زنكي فدفنه بالمدرسة الزجاجية داخل حلب.

وأبو نصر، الحسن بن أسد الفارقي الأديب، صاحب النظم والنثر، وله الكتاب المعروف في الألغاز، توثب بميافارقين على الإمرة، ونزل بقصر الإمرة، وحكم أياما، ثم ضعف وهرب، ثم قبض عليه وشنق.

والمقتدي بالله، أبو القاسم عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله بن الأمير إسحاق بن المقتدر العباسي، بويع بالخلافة بعد جده، في ثالث عشر شعبان، سنة سبع وستين، وله تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر، ومات فجأة في ثامن عشر المحرم، عن تسع وثلاثين سنة. وبويع بعده ابنه المستظهر بالله أحمد، وقيل إن جاريته سمته، وكان دينا خيرا، أمر بنفي الحواظي والمغنيات من بغداد. وكانت الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة.

وأبو القاسم بن أبي العلاء المصيصي، علي بن محمد بن علي الفقيه الشافعي الدمشقي الفرضي، في جمادى الآخرة، وله سبع وثمانون سنة. روى عن أبي محمد بن أبي نصر ومحمد بن عبد الرحمن القطان والكبار، وأدرك ببغداد أبا الحسن الحمامي وببلد ابني الصياح وبمصر أبا عبد الله بن نظيف. وكان فقيها ثقة.

وابن ماكولا الحافظ الكبير، الأمير أبو نصر علي بن هبة الله بن علي ابن جعفر العجلي الجرباذقاني ثم البغدادي، النسابة، صاحب التصانيف، ولم يكن ببغداد بعد الخطيب أحفظ منه، ولد بعكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ووزر أبوه للقائم وولي عمه الحسين، قضاء القضاة. سمع من أبي طالب بن غيلان وطبقته، قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء، إلا وأحالني على الكتاب، وقال: حتى أكشفه، وما راجعت ابن ماكولا إلا وأجابني حفظا كأنه يقرأ من كتاب، وقال أبو سعد السمعاني: كان لبيبا عارفا، ونحوا مجودا، وشاعرا مبرزا. قلت: اختلف في وفاته على أقوال، قتله مماليكه بالأهواز وأخذوا ماله، في هذه السنة على بعض الأقوال.

وأبو عامر الأزدي القاضي محمود بن القاسم بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد المهلبي الهروي الفقيه الشافعي، راوي جامع الترمذي عن الجراحي قال أبو نصر الفامي: عديم النظير زهدا وصلاحا وعفة، ولد سنة أربعمائة، وتوفي في جمادى الآخرة، رحمه الله.

والمستنصر بالله، أبو تميم معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور بن العزيز بن المعز العبيدي الرافضي، صاحب مصر، وكانت أيامه ستين سنة وأربعة أشهر،، وقد خطب له ببغداد، في سنة إحدى وخمسين، ومات في ذي الحجة، عن ثمان وستين سنة. وبويع بعده ابنه المستعلي.

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

فيها قامت الدولة على أحمد خان، صاحب سمرقند، وشهدوا عليه بالزندقة والانحلال، فأفتى الأئمة بقتله، فخنقوه، وملكوا ابن عمه.

وفيها التقي تتش وابن أخيه بركياروق بنواحي الري، فانهزم عسكر تتش، وقاتل هو حتى قتل، واستوثق الأمر لبركياروق، وكان رصوان بن تتش، قد سار إلى بغداد لينزل بها، فلما قارب هيت، جاءه نعي أبيه، فرد ودخل حلب، ثم قدم عليه من الوقعة أخوه دقاق، فأرسله متولي قلعة دمشق الخادم ساوتكين، فسار سرا من أخيه، وتملك دمشق، ثم توصل طغتكين، وبعض جيش تتش، فأكرمهم دقاق، وتزوج طغتكين بأم دقاق.

وفيها قدم الغزالي دمشق متزهدا وصنف الإحياء وأسمعه بدمشق. وأقام بها سنتين، ثم حج ورد إلى وطنه.

وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي الحافظ، في رجب، عن اثنتين وثمانين سنة وشهر. روى عن أبي علي بن شاذان، والبرقاني وطبقتهما، وكتب ما لا يوصف، وكان ثقة ثبتا، صاحب حديث. قال أبو منصور بن خيرون، كتب عمي عن أبي علي بن شاذان ألف جزء، وقال السلفي: كان يحيى بن معين وقته: رحمه الله.

وأمير الجيوش بدر الأرمني، ولي إمرة دمشق، في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وانفصل بعد عام، ثم وليها والشام كله في سنة ثمان وخمسين، ثم صار إلى الديار المصرية، والمستنصر في غاية الضعف، فشد دولته، وتصرف في الممالك، وولي وزارة السيف والقلم، وامتدت أيامه، ولما أيس منه، ولي الأمر بعده الأفضل، توفي في ذي القعدة.

وتتش السلطان تاج الدولة، أبو سعيد بن السلطان ألب أرسلان بن داود بن مكائيل بن سلجوق التركي السلجوقي، كان شهما شجاعا مقداما فاتكأ، واسع الممالك، كاد أن يستولي على ممالك أخيه ملكشاه، قتل بنواحي الري، وتملك بعده ابناه، بحلب ودمشق.

ورزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث، الإمام أبو محمد التميمي البغدادي، الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة، قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي، وتقدم في الفقه والتفسير وألأصول والعربية واللغة، وحدث عن أبي الحسن بن المتيم وأبي عمر بن مهدي والكبار، توفي في نصف جمادى الأول، عن ثمان وثمانين سنة. قال أبو علي ابن سكرة: قرأت عليه ختمة لقالون، وكان كبير بغداد وجليلها، وكان يقول: كل الطوائف تدعيني.

وأبو يوسف القزويني، عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار، شيخ المعتزلة وصاحب التفسير الكبير، الذي هو أزيد من ثلاثمائة مجلد، درس الكلام على القاضي عبد الجبار بالري، وسمع منه ومن أبي عمر بن مهدي الفارسي، وتنقل في البلاد، ودخل مصر، وكان صاحب كتب كثيرة، وذكاء مفرط، وتبحر في المعارف، واطلاع كثير، إلا أنه كان داعية إلى الاعتزال، مات في ذي القعدة، وله خمس وتسعون سنة وأشهر.

وأبو الحسن الحصري المقرئ الشاعر، نزيل سبتة، علي بن عبد الغني الفهري، وكان مقرئا محققا، وشاعرا مفلقا، مدح ملوكا ووزراء.

والمعتمد على الله، أبو القاسم محمد بن المعتضد عباد بن القاضي محمد بن إسماعيل اللخمي الأندلسي، صاحب الأندلس، كان ملكا جليلا، وعالما ذكيا، وشاعرا محسنا، وبطلا شجاعا، وجوادا ممدحا، كان بابه محط الرحال، وكعبة الآمال، وشعره في الذروة العليا، ملك من الأندلس، من الرحال، وكعبة الآمال، وشعره في الذروة العليا، ملك من الأندلس، من المدائن والحصون والمعاقل، مائة وثلاثين مسورا، وبقي في المملكة نيفا وعشرين سنة. وقبض عليه أمير المسلمين ابن تاشفين، لما قهره وغلب على ممالكه، وسجنه بأغمات، حتى مات في شوال، بعد أربع سنين من زوال ملكه، وخلع من ملكه عن ثمانمائة سربة، ومائة وثلاثة وسبعين ولدا، وكان راتبه في اليوم، ثمانمائة رطل لحم.

ومحمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدباس، آخر من روى الترمذي عن الجراحي، توفي ببغشور، في ذي القعدة، وكان من الفقهاء.

وقاضي القضاة الشامي، أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشافعي، كان من أزهد القضاة وأورعهم، وأتقاهم لله، وأعرفهم بالمذهب ولد بحماة سنة أربعمائة، وسمع ببغداد من عثمان بن دوست وطائفة، وولي بعد أبي عبد الله الدامغاني، وكان من أصحاب القاضي أب الطيب الطبري، لم يأخذ على القضاء رزقا، ولا غير ملبسه، كان له كارك في الشهر بدينار ونصف، يتقنع به قال أبو علي بن سكرة: أما العلم، فكان يقال: لو رفع المذهب أمكنه أن يمليه من صدره. قلت: توفي في عاشر شعبان رحمه الله.

وأبو عبد الله الحميدي، محمد بن أبي نصر فتوح ابن عبد الله بن فتوح ابن حميد بن يصل الميورقي الأندلسي الحافظ العلامة مؤلف الجمع بين الصحيحين توفي في ذي الحجة، عن نحو سبعين سنة. وكان أحد أوعية العلم، صحب أبا محمد بن حزم مدة بالأندلس، وابن عبد البر، ورحل في حدود الخمسين، وسمع بالقيروان والحجاز ومصر والشام والعراق، وكتب عن خلق كثير، وكان ظاهري المذهب، دؤوبا على طلب العلم، كثير الاطلاع، ذكيا فطنا صينا ورعا أخباريا متفننا، كثير التصانيف، حجة ثقة رحمه الله.

ونجيب بن ميمون، أبو سهل الواسطي ثم الهروي. روى عن أبي علي الخالدي وجماعة، وعاش بضعا وتسعين سنة.

سنة تسع وثمانين وأربعمائة

فيها حاصر كربوقا الموصل تسعة أشهر، وأخذها وفارقها صاحبها إبراهيم، فسار إلى الأمير صدقة ملك العرب.

وفيها توفي أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني الكرجي ثم البغدادي، في ربيع الآخر، وله ثلاث وسبعون سنة. تفرد بسنن سعيد بن منصور، عن أبي علي بن شاذان، وكان صالحا زاهدا، منقبضا عن الناس، ثقة حجة، حسن السيرة.

وأبو منصور الشيحي، عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي، المحدث التاجر السفار. روى عن ابن غيلان والعتيقي وطبقتهما، ولد سنة إحدى وعشرين، وسمع بدمشق ومصر والرحبة، وكتب وحصل الأصول.

وعبد الملك بن سراج، أبو مروان الأموي مولاهم القرطبي، لغوي الأندلس بلا مدافعة، توفي في ذي الحجة، عن تسعين سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكي بن أبي طالب وطائفة، وكان من أوعية العلم.

وأبو عبد الله الثقفي، القاسم بن الفضل بن أحمد، رئيس أصبهان ومسندها، عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وابن محمش وطبقتهما، بأصبهان ونيسابور وبغداد والحجاز.

وأبو بكر بن الخاضبة، محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي الحافظ، مفيد بغداد. روى عن أبي بكر الخطيب، وابن المسلمة وطبقتهما، ورحل إلى الشام، وسمع من طائفة، وكان محببا إلى الناس كلهم، لدينه وتواضعه ومروءته، ومسارعته في قضاء حوائج الناس، مع الصق والورع والصيانة التامة وطيب القراءة. قال ابن طاهر: ما كان في الدنيا أحد أحسن قراءة للحديث منه. وقال أبو الحسن الفصيحي: ما رأيت في المحدثين أقوم باللغة من ابن الخاضبة، توفي في ربيع الأول، وشيعه خلائق.

وأبو عبد الله العميري، محمد بن علي بن محمد الهروي العبد الصالح، في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة. وأول سماعه، سنة سبع وأربعمائة، وقد رحل إلى نيسابور وبغداد، وروى عن أبي بكر الحيري وطبقته، وكان من أولياء الله تعالى، قال الدقاق: ليس له نظير بهراة. قال أبو النصر الفامي: توحد عن أقرانه بالعلم والزهد في الدنيا، وإتقان في الرواية، والتجرد من الدنيا.

وأبو المظفر السمعاني، منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي العلامة الحنفي، ثم الشافعي، برع على والده أبي منصور في المذهب، وسمع أبا غانم الكراعي وطائفة، ثم تحول شافعيا، وصنف التصانيف، وخرج له الأصحاب، توفي في ربيع الأول، عن ثلاث وستين سنة.

سنة تسعين وأربعمائة

فيها قتل أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، صاحب مرو وبلخ ونيسابور وترمذ، وكان جبارا عنيدا، قتله غلام له، وكان بركياروق، قد جهز الجيش مع أخيه سنجر لقتال عمه أرغون، فبلغهم قتله بالدامغان، فلقيهم بركياروق، وسار فتسلم نيسابور وغيرها بلا قتال، ثم تسلم بلخ وخطبوا له بسمر قند، ودانت له الممالك، واستخلف سنجر على خراسان، وكان حدثا، فرتب في خدمته من يسوس المملكة، واستعمل على خوارزم محمد بن أنشتكين، مولى الأمير ملكايل السلجوقي، ولقبه خوارزم شاه، وكان عادلا محبا للعلماء، وبعده ولي ابنه أتسز.

وفيها التقى الأخوان، دقاق ورضوان، ابنا تتش، بقنسرين، فانكسر دقاق، ونهب عسكره، ثم تصالحا على أن أن يقدم أخاه في الخطبة بدمشق.

وفيها أقام رضوان بحلب، دعوة العبيدين، وخطب للمستعلي برأي منجمه أسعد الباطني، ثم بعد شهر، أنكر عليه صاحب أنطاكية وغيره، فأعاد الخطبة العباسية.

وفيها خرجت الفرنج بجموعها ونازلت باغي سان بأنطاكية، ووصلوا إلى فامية وكفرطاب، واستباحوا تلك النواحي.

وفيها توفي أبو يعلى العبدي، أحمد بن محمد بن الحسن البصري الفقيه، ويعرف بابن الصواف، شيخ مالكية العراق، وله تسعون سنة. تفقه على القاضي علي بن هارون، وحدث عن البرقاني وطائفة، وكان علامة زاهدا مجدا في العبادة، عارفا بالحديث. قال بعضهم: كان إماما في عشرة أنواع من العلم، توفي في رمضان، بالبصرة.

وأبو نصر السمسار، عبد الرحمن بن محمد الأصبهاني، توفي في المحرم، وهو آخر من حدث عن محمد بن إبراهيم الجرجاني.

وأبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن محمد بن عبدوس، رئيس همذان ومحدثها. أجاز له أبو بكر بن لال، وسمع محمد بن أحمد بن حمدويه الطوسي والحسين بن فتحويه، مات في جمادى الآخرة، عن خمس وتسعين سنة. روى عنه أبو زرعة.

والفقيه نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي النابلسي، أبو الفتح الزاهد، شيخ الشافعية بالشام، وصاحب التصانيف، كان إماما علامة مفتيا محدثا حافظا زاهدا متبتلا ورعا كبير القدر عديم النظير. سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطبيز، وأبي الحسن بن السمسار وطائفة، وبغزة من محمد بن جعفر الميماسي، وبآمد وصور والقدس وآمل، وصنف. وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض له بنابلس، وهو بدمشق، فيخبز له كل ليلة قرصة في جانب الكانون. عاش أكثر من ثمانين سنة. وتوفي يوم عاشوراء.

ويحيى بن أحمد السيبي، أبو القاسم القصري المقرئ ببغداد، وله مائة وسنتان. قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي، وسمع أبا الحسن بن الصلت، وأبا الحسين بن بشران وجماعة، ختم عليه خلق، وكان خيرا ثقة، توفي في ربيع الآخر، وكان يمشي ويتصرف في مصالحه في هذا السن.

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

في جمادى الأولى، ملكت الفرنج أنطاكية بالسيف، ونجا صاحبها باغي سيان في ثلاثين فارسا، ثم ندم حتى غشي عليه من الغم، فأركبوه فلم يتماسك، فتركوه ونجوا، فعرفه أرمني حطاب، فقطع رأسه وحمله إلى ملك الفرنج، وعظم المصاب على المسلمين برواح أنطاكية وأهلها، ثم أخذت الفرنج المعرة وكفرطاب بالسيف، ثم تجمع عساكر الجزيرة والشام، فعملوا مع الفرنج مصافا فتخاذلوا وهزمتهم الفرنج.

وفيها توفي أبو العباس، أحمد بن عبد الغفار بن أشتة الأصبهان. روى عن علي بن ميلة، وأبي سعيد النقاش وطائفة، وعاش اثنتين وثمانين سنة.

وسهل بن بشر، أبو الفرج الإسفراييني، ثم الدمشقي الصوفي المحدث. سمع بدمشق من ابن سلوان وطائفة، وبمصر من الطفال وطبقته، ولد ببسطام، في سنة تسع وأربعمائة، ومات بدمشق في ربيع الأول.

وطراد بن محمد بن علي، النقيب الكامل، أبو الفوارس الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي، نقيب النقباء، ومسند العراق. روى عن هلال الحف؟ ار وابن رزقويه، وأبي نصر النرسي وجماعة، وأملى مجالس كثيرة، وازدحموا عليه، ورحلوا إليه، وكان أعلى الناس منزلة عند الخليفة، توفي في شوال، وله ثلاث وتسعون سنة.

وأبو الحسن الكرجي، مكي بن منصور بن محمد بن علان، الرئيس السلار، نائب الكرج ومعتمدها، توفي بأصبهان، في جمادي الأولى، عن بضع وتسعين سنة. رحل وسمع من الحيري، والصيرفي، وأبي الحسين بن بشران وجماعة. وكان محمود السيرة وافر الحرمة.

وهبة الله بن عبد الرزاق، أبو الحسن الأنصاري البغدادي، رئيس جليل خير، توفي في ربيع الآخر، عن تسع وثمانين سنة. روى عن هلال وجماعة، وهو آخر من حدث عن أبي الفضل عبد الواحد التميمي.

سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

فيها انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وأعمالها، وقويت شوكتهم، وأخذت الفرنج لعنهم الله بيت المقدس، بكرة يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان، بعد حصار شهر ونصف. قال ابن الأثير: قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى، ما يزيد على سبعين ألفا.

وفيها ابتداء دولة محمد بن السلطان ملكشاه، وكان أخوه بركياروق أقطعه كنجه، فكبر وطلع شهما شجاعا مهيبا، فتسارعت إليه العساكر، فسار إلى الري فتملكها، فسار إلى خدمته سعد الدولة كوهرايين، فاحترمه وولاه نيابة بغداد، فجاء وأقام بها الخطبة لمحمد. ولقبوه غياث الدنيا والدين.

وفيها توفي أبو الحسين، أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي اليوسفي، ثقة جليل القدر. روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، توفي في شعبان، وله إحدى وثمانون سنة.

وأبو القاسم الخليلي، أحمد بن محمد الدهقان، عن مائة سنة وسنة، وسنة، حدث ببلخ بمسند الهيثم بن كليب، عن أبي القاسم الخزاعي عنه، توفي في صفر.

وأبو تراب المراغي عبد الباقي بن يوسف، نزيل نيسابور. قال السمعاني: عديم النظير في فنه، بهي المنظر، سليم النفس، عامل بعلمه، نفاع للخلق، فقيه النفس، قوي الحفظ، تفقه ببغداد على أبي الطيب الطبري، وسمع أبا علي بن شاذان، توفي في ذي القعدة، وله إحدى وتسعون سنة.

والخلعي القاضي، أبو الحسن علي بن الحسن المصري، الفقيه الشافعي، وله ثمان وثمانون سنة. سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس، وأبا سعد الماليني وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر، قال ابن سكرة: فقيه له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوما واستعفى، وانزوى بالقرافة، توفي في ذي الحجة. قلت: وكان يوصف بدين وعبادة.

وأبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزاز، ببغداد، وتوفي يوم عرفة، عن اثنتين وثمانين سنة. روى عن أبي علي بن شاذان والحرفي.

ومكي بن عبد السلام، وأبو القاسم بن الرميلي المقدسي الحافظ، أحد من استشهد بالقدس، رحل وجمع وغني بهذا الشأن، وكان ثقة متحريا. روى عن محمد بن يحيى بن سلوان المازني، وأبي عثمان بن ورقا، وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهم. وعاش ستين سنة.

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

فيها قدم السلطان بركياروق بغداد، وفي خدمته صاحب الحلة، صدقة بن مزيد فأعيدت خطبته، ولم يؤاخذ كوهرايين، ثم سار بالعساكر، فالتقى هو وأخوه محمد، فانهزم جيش بركياروق، وسار في خمسين فارسا، فدخل خراسان، فالتقاه أخوه سنجر، فانهزم الجمعان، وذلك من أغرب الاتفاق، فسار بركياروق إلى جراجان، ثم دخل البرية، وطلب أصبهان، فسبقه أخوه محمد إليها.

وفيها لقي كمشتكين بن الدانشمند، صاحب ملطية، وسيواس الفرنج، بقرب ملطية، فكسرهم اسر ملكهم بيمند، ووصل في البحر سبعة قوامص، فأخذوا قلعة أنكورية، وقتلوا أهلها. قال ابن الأثير: فالتقاهم ابن الدانشمند، فلم يفلت أحد من الفرنج، سوى ثلاثة آلاف، هربوا في الليل، قال: وكانوا ثلاثمائة ألف.

وفيها توفي العباداني، أبو طاهر جعفر بن محمد القرشي البصري. روى عن أبي عمر الهاشمي أجزاء ومجالس، وكان شيخا صالحا أميا معمرا.

والنعالي، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمامي، رجل عامي من أولاد المحدثين، عمر دهرا، وانفرد بأشياء. روى عن أبي عمر بن مهدي وأبي سعد الماليني وطائفة. توفي في صفر.

وسليمان بن عبد الله بن الفتى، أبو عبد الله النهراوني النحوي اللغوي، صاحب التصانيف، من ذلك كتاب القانون في اللغة، عشر مجلدات، وكتاب في التفسير تخرج به أهل أصبهان، وروى عن أبي طالب بن غيلان وغيره، وهو والد الحسن، مدرس النظامية.

وعبد الله بن جابر بن ياسين، أبو محمد الحنائي الحنبلي، تفقه على القاضي أبي يعلى، وروى عن أبي علي بن شاذان، وكان ثقة نبيلا.

وعبد القاهر بن عبد السلام، أبو الفضل العباسي النقيب المكي المقرئ، أخذ القرءات عن أبي عبد الله الكاريني، وتصدر للإقراء ببغداد.

وأبو الفضل عبد الكريم بن المؤمل السلمي الكفرطابي، ثم الدمشقي البزاز. روى جزءا عن عبد الرحمن بن أبي نصر.

وعميد الدولة، أبو منصور محمود بن فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، الوزير، وزر للمقتدي بالله، سنة اثنتين وسبعين، ثم عزل بعد خمس سنين، بالوزير أبي شجاع، ثم وزر سنة أربع وثمانين، وإلى أن مات. وكان رئيسا كافيا شجاعا مهيبا فصيحا مفوها أحمق، صودر قبل موته، وحبس، ثم قتل سرا.

سنة أربع وتسعين وأربعمائة

فيها التقى الأخوان، بركياروق ومحمد، فانهزم محمد، وأسر وزيره مؤيد الملك وذبح، ووصل محمد إلى جرجان، فبعث له أخوه سنجر أموالا وكسوة، ثم تعاهدا، وأما بركياروق، فصار في مائة ألف، فأذن لعسكره في التفرق للغلاء، وبقي في عسكر قليل، فقصده أخواه، ففر إلى همذان، ونقصت بذلك حرمته، ثم فر إلى خوزستان، وهو في خمسة آلاف ضعفاء جياع، فدخل بغداد وتمرض، ومد جنده أيديهم إلى أموال الرعية، فوصل سنجر ومحمد إلى بغداد، فتقهقر بركياروق إلى واسط، وهو مريض، وأكثر من معه مجمعة، وفي هذا الوقت كثرت الباطنية بالعراق والجبل، وزعيمهم الحسن بن الصباح، فملكوا القلاع، وقطعوا السبل، وأهم الناس شأنهم، واستفحل أمرهم، لاشتغال أولاد ملكشاه بنفوسهم.

وفيها حاصر كندفري - الذي أخذ القدس - عكا، فأصابه سهم قتله، فسار أخوه بغدوين، إلى القدس، فاتفق دقاق بن تتش صاحب دمشق وجناح الدولة صاحب حمص، وكسروا الفرنج.

وفيها أخذت الفرنج حيفا وأرسوف بالأمان، وأخذت سروج بالسيف، ثم أخذوا قيسارية بالسبف.

وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي. روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر، وجماعة، ولكنه رافضي معتزلي.، وله كتب موقوفة بجامع دمشق.

وأبو الفرج الزاز، شيخ الشافعية بخراسان، عبد الرحمن بن أحمد السرخسي، ثم المروزي، تلميذ القاضي حسين، وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب.، وورعه إليه المنتهى.، عاش نيفا وستين سنة.

وعبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري، أبو سعيد. وكان صالحا عالما كثير الفضل. روى عن علي بن محمد الطرازي وجماعة، وسماعه حضور في الرابعة، من الطرازي. توفي في جمادى الآخرة.

وأبو الحسن المديني علي بن أحمد بن الأخرم النيسابوري المؤذن الزاهد، أملى مجالس عن أبي زكريا المزكي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر الحيري، وتوفي في المحرم.

وعزيري بن عبد الملك، أبو المعالي الجيلي القاضي شيذلة، شيخ الوعاظ بالعراق، مؤلف كتاب مصارع العشاق توفي في صفر.

ونصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر، أبو الخطاب البزاز، مسند بغداد. روى عن أبي محمد بن البيع، وابن رزقويه وطائفة، توفي في ربيع ألأول عن ست وتسعين سنة. وكان صحيح السماع. انفرد بالرواية عن جماعة.

سنة خمس وتسعين وأربعمائة

فيها تم مصاف ثالث، بين بركياروق وأخيه محمد، وكان سنجر قد رد إلى خراسان فالتقيا، ومع كل واحد أربعة آلاف، ولم يجر بينهما كبير قتال وتصالحا، ثم جرى بينهما مصاف رابع بعد شهرين، فانهزم محمد، ونهبت خزائنه، ولكن لم يقتل غير رجل واحد، وسار فدخل أصبهان، في سبعين فارسا، فحصنها، فنازله بركياروق، واشتد القحط إلى الغاية، وتعثر الناس، ثم خرج محمد في مائة وخمسين فارسا، فنجا وقاتل أهل البلد، حتى عجز بركياروق، وترحل عنهم إلى همذان.

وفيها نازلت الفرنج أطرابلس.

وفيها توفي المستعلي بالله، أبو القاسم أحمد بن المستنصر بالله، معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور العبيدي صاحب مصر، ولي الأمر بعد أبيه ثمان سنين، ومات في صفر، وله تسع وعشرون سنة. وفي أيامه انقطعت دولته من الشام، واستولى عليها الأتراك والفرنج ولم يكن له مع الأفضل حل ولا ربط، بل كان الأفضل أمير الجيوش، هو الكل، وفي أيامه هرب أخوه نزار، الذي تنسب إليه الدعوة النزارية بقلعة الألموت، فدخل الإسكندرية وبايعه أهلها، وساعده قاضيها ابن عمار، ومتوليها أفتكين، فنازلهم الأفضل، فبرز لحربه أفتكين وهزمه، ثم نازلهم ثانيا وظفر بهم، ورجع إلى القاهرة بأفتكين ونزار، فذبح أفتكين، وبنى على نزار حائطا فهلك.

وأبو العلاء صاعد بن سيار الكناني، قاضي القضاة بهراة. روى عن أبي سعيد الصيرفي والطرازي وطائفة.

وسعيد بن هبة الله أبو الحسن، شيخ الأطباء بالعراق، وكان صاحب تصانيف في الفلسفة والطب والمنطق، وله عدة أصحاب.

وعبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الوركي الفقيه. قال السمعاني: عمر مائة وثلاثين سنة. وكتب إملاء عن أبي ذر عمار بن محمد، صاحب يحيى بن محمد ابن صاعد، زرت قبره بوركة، على فرسخين من بخارى. قلت: ما كان في الدنيا له نظير في علو الإسناد، ولم يضعفه أحد.

وأبو عبد الله الكامخي، محمد بن أحمد بن محمد الساوي. روى عن أبي بكر الحيري، وهبة الله اللالكائي وطائفة. توفي فيها ظنا.

وأبو ياسر الخياط، محمد بن عبد العزيز البغدادي. رجل خير. روى عن أبي علي بن شاذان وجماعة. وتوفي في جمادى الآخرة.

سنة ست وتسعين وأربعمائة

فيها كان المصاف الخامس على باب خوي، بين الأخوين، فانهزم محمد إلى ناحية خلاط.

وفيها سار دقاق صاحب دمشق، فأخذ الرحبة، وتسلم حمص بعد موت صاحبها جناح الدولة المتوفي عام أول.

وفيها حصرت المصريون يافا وبها الفرنج، فالتقوهم. انكسرت الفرنج، وقتل منهم خلق وأسر خلق.

وفيها توفي ابن سوار، مقرئ العراق، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوار، مصنف المستنير في القراءات كان ثقة مجودا، أقرأ خلقا، وسمع الكثير، وحدث عن ابن غيلان وطبقته.

وأبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي، مولى المؤيد بالله الأموي، مقرئ الأندلس، وصاحب أبي عمرو الداني، وهو أنبل أصحابه وأعلمهم، أكثرهم تصانيف، توفي في رمضان، عن ثلاث وثمانين سنة.

وأبو الحسن بن الروش، علي بن عبد الرحمن الشاطبي المقرئ، قرأ القراءات على أبي عمرو الداني، وسمع من ابن عبد البر، توفي في شع بان.

وأبو الحسين بن البيار، يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي، قرأ على أبي عمرو الداني، ومكي. قال ابن بشكوال: لقي بمصر القاضي عبد الوهاب، وأخذ عنه كتابه التلقين وأقرأ الناس وعمر وأسن، وسمعت بعضهم ينسبه إلى الكذب، توفي في المحرم، وقد اختلط في آخر عمره، وعاش تسعين سنة.

وأبو العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي العلاء المعدل، وجماعة.

والفانيذي، أبو سعد الحسين بن الحسين البغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، توفي في شوال.

وأبو ياسر، محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي المحدث، كتب الكثير وتعب، وكان قارئ أهل بغداد، بعد ابن الخاضبة. روى عن أبي محمد الجوهري وخلق.

وأبو البركات محمد بن المنذر بن طيبان - لا طبيان - الكرخي المؤدب، كذبه ابن ناصر. وقد روى عن عبد الملك بن بشران، ومات في صفر.

سنة سبع وتسعين وأربعمائة

فيها اصطلح بنو ملكشاه، وكان يخطب بخراسان كلها لسنجر، ويسمى أخوه محمد في الخطبة، واستقر بركياروق على الري وطبرستان وفارس والجزيرة والحرمين، وخطب له بهذه البلاد، واستقر محمد على العراق وأذربيجان وأرمينية وأصبهان.

وفيها أخذت الفرنج جبيل صلحا، ونكثوا وأخذوا عكا بالسيف، وهرب متوليها زهر الدولة بنا الجيوشى في البحر، ونازلت الفرنج حران، فالتقاهم سقمان، ومعه عشرة آلاف، فانهزموا وتبعتهم الفرنج فرسخين، ثم نزل النصر، وكر المسلمون، فقتلوهم كيف شاءوا، وكان فتحا عظيما.

وفيها توفي أبو ياسر، أحمد بن بندار البقال، أخو ثابت. روى عن بشرى الفاتني وطائفة، ومات في رجب.

وأبو بكر الطريثيثي، أحمد بن علي بن حسين بن زكريا، ويعرف بابن زهيرا الصوفي البغدادي، من أعيان الصوفية ومشاهيرهم. روى عن أبي الفضل القطان. واللالكائي وطائفة، وهو ضعيف، عاش ستا وثمانين سنة.

وأبو علي الجاجرمي، إسماعيل بن علي النيسابوري الزاهد القدوة الواعظ، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن أبي عبد الله بن باكويه وعدة.

وأبو عبد الله بن البسري، الحسين بن علي بن أحمد بن محمد بن البندار البغدادي، توفي في جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة. قال السلفي: لم يرو لنا عن عبد الله بن يحى السكري سواه.

ودقاق، شمس الملوك، أبو نصر بن تاج الدولة تتش ابن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، صاحب دمشق، ولي دمشق بعد أبيه عشر سنين، ومرض مدة، ومات في رمضان، وقيل سموه في عنب، ودفن بخانكاة الطواويس وأقام أتابكه طغتكين في السلطنة ولدا طفلا لدقاق، وقيل بل أقدم طغتكين ألتاش أخاد قاق - وكان مسجونا ببعلبك - وسلطنة، فبقي ثلاثة أشهر، وتحيل من طغتكين، فذهب بجهله إلى بغدوين صاحب القدس، لكي ينصره، فلم يلو عليه، فتوجه إلى الشرق، وهلك.

وأبو ياسر الطباخ، طاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي، المواقيتي. روى عن عبد الملك بن بشران وغيره، وتوفي في رجب.

وأبو مسلم السمناني، عبد الرحمن بن عمر، شيخ بغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، ومات في المحرم.

وأبو الخطاب بن الجراح، علي بن عبد الرحمن بن هارون البغدادي، الشافعي المقرئ الكاتب الرئيس. روى عن عبد الملك بن بشران، وكان لغوي زمانه، له منظومة في القراءات، توفي في ذي الحجة، وقد قارب التسعين.

وأبو مكتوم، عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي ثم السروي الحجازي، ولد سنة خمس عشرة بسراة بني شبابة، وروى عن أبيه صحيح البخاري وعن أبي عبد الله الصنعاني، جملة من تواليف عبد الرزاق.

وأبو مطيع، محمد بن عبد الواحد المديني المصري الأصل الصحاف الناسخ والصحاف الناسخ عاش بضعا وتسعين سنة. وانتهى إليه علو الإسناد بأصبهان. روى عن أبي بكر بم مردويه، والنقاش وابن عقيل البارودي وطائفة.

وأبو عبد الله بن الطلاع، محمد بن فرح، مولى محمد بن يحيى بن الطلاع القرطبي المالكي، مفتي الأندلس ومسندها، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكي القيسي وخلق، وكان رأسا في العلم والعمل، قوالا بالحق. رحل الناس إليه من الأقطار، لسماع الموطأ والمدونة.

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

فيها توفي بركياروق، واستولى أخوه محمد بن ملكشاه على ممالكه.

وفيها التقى رضوان بن تتش والفرنج، فانكسر المسلمون وأصيبوا، وأخذت الفرنج حصن أرتاح.

وفيها قدم المصريون في خمسة آلاف، ونجدهم طغتكين بألفين، فالتقوا بقرب عسقلان، وثبت الجمعان، حتى قتل من المسلمين فوق الألف، ومن الفرنج مثلهم، ثم تحاجزوا وتوادعوا الحرب.

وفيها توفي الحافظ أبو علي البرداني، أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، عن اثنتين وسبعين سنة. في شوال. روى عن ابن غيلان، وأبي الحسن القزويني وطبقتهما. وكان بصيرا بالحديث، محققا حجة.

وأبو بكر، أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي علي وطائفة، وكان ثقة نبيلا، حدث قديما.

وبركياروق، السلطان ركن الدين أبو المظفر بن السلطان ملكشاه السلجوقي، تملك بعد أبيه، وجرت له حروب وفتن مع أخيه على السلطنة، وعاش ستا وعشرين سنة. وكانت دولته ثلاث عشرة سنة. وكان ملازما للشرب، مات ببروجرد، في ربيع الأول بالسل.

وثابت بن بندار، أبو المعالي البقال المقرئ ببغداد. روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، وهو ثقة فاضل، توفي في جمادى الآخرة.

وأبو عبد الله الطبري، الحسين بن علي الفقيه الشافعي، محدث مكة، في شعبان، واه ثمانون سنة. روى صحيح مسلم عن عبد الغافر بن محمد، وكان فقيها مفتيا تفقه على ناصر بن الحسين العمري، وجرت له فتن وخطوب مع هياج بن عبيد وأهل السنة، وكان عارفا بمذهب الأشعري.

وأبو علي الغساني، الحسين بن محمد الجياني الأندلسي الحافظ، أحد أركان الحديث بقرطبة. روى عن حكم الجذامي، وحاتم بن محمد، وابن عبد البر وطبقتهم وكان كامل الأدوات في الحديث علامة في اللغة والشعر والنسب، حسن التصنيف، توفي في شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة. وأصابته في الآخر زمانه.

وسقمان بن أرتق بن أكسب التركماني، صاحب ماردين، وجد ملوكها، كان أميرا جليلا فارسا موصوفا، حضر عدة حروب، توفي بالشام.

ومحمد بن أحمد بن محمد بن قيداس، أبو طاهر التوثي الحطاب. سمع أبا علي بن شاذان، والحرفي، وأجاز له أبو الحسين بن بشران، توفي في المحرم.

ومحمد بن عبد السلام، الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز، بغدادي جليل صالح. روى عن البرقاني، وابن شاذان، وتوفي في ربيع الآخر.

ونصر الله بن أحمد بن عثمان أبو علي الخشنامي، النيشابوري، ثقة صالح، عالي الإسناد. روى عن أبي عبد الرحمن السلمي والحيري وطائفة.

سنة تسع وتسعين وأربعمائة

فيها ظهر بنهاوند رجل ادعى النبوة، وكان ساحرا صاحب مخاريق.، فتبعه خلق، وكثرت عليهم الأموال، وكان لا يدخر شيئا.، فأخذ وقتل، ولله الحمد.

وفيها ظفر طغتكين بالفرنج مرتين، فأسر وقتل، وزينت دمشق.

وفيها أخذت الفرنج حصن فامية، وأما طرابلس، ففتحت الحصار، والمسلمون يخرجون منها، وينالون من الفرنج، فمرض ملكهم صنجيل ومات، وحمل فدفن بالقدس، وأقامت الفرنج غيره.

وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق الطوسي، أخو نظام الملك. سمع أبا حسان المزكي، وأبا جفص بن مسرور، وعاش خمسا وثمانين سنة.

وأبو منصور الخياط، محمد بن أحمد بن علي البغدادي الزاهد، أحد القراء ببغداد. روى عن عبد الملك بن بشران وجماعة، وكان عبدا صالحا قانتا لله، صاحب أوراد واجتهاد. قال ابن ناصر: كانت له كرامات، توفي في المحرم، وقال غيره: ولد سنة إحدى وأربعمائة. رحمه الله.

وأبو البركات بن الوكيل، محمد بن عبد الله بن يحيى الخياز الدباس الكرخي، قرأ بالروايات على أبي العلا الواسطي، والحسن بن الصقر وجماعة، وتفقه على أبي الطيب الطبري، وسمع من عبد الملك بن بشران، وكان يتهم بالاعتزال، ثم تاب وأناب، توفي في ربيع الأول عن ثلاث وتسعين سنة.

وأبو البقاء الحبال، المعمر بن محمد بن علي الكوفي الخزاز. روى عن جناح بن نذير المحاربي وجماعة، توفي في جمادى الآخرة بالكوفة.

سنة خمسمائة

فيها غزا السلطان محمد بن ملكشاه الباطنية، وأخذ قلعتهم بأصبهان، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش، وكان قد تمكها اثنتي عشرة سنة. وهي من بناء ملكشاه، بناها على رأس جبل، وغرم عليها ألفي ألف دينار.

وفيها غرق قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، صاحب قونية ووجد وقد انتفخ.

وفيها توفي أبو افتح الحداد، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني التاجر، وكان ورعا دينا كثير الصدقات، توفي في ذي القعدة، عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن أبي سعيد النقاش وخلق، وأجاز له من مر، وإسماعيل بن ينال المحبوبي.

وأبو المظفر الخوافي، أحمد بن محمد بن مظفر الشافعي، العلامة، عالم أهل طوس، ورفيق الغزالي ونظيره، وكان عجيبا في المناظرة، رشيق العبارة، برع عند إمام الحرمين ودرس في أيامه.

وجعفر بن أحمد بن حسين، أبو محمد البغدادي المقرئ السراج الأديب. روى عن أبي علي بن شاذان وجماعة، وكان ثقة بارعا أخباريا علامة، كثير الشعر، حسن التصانيف، توفي في صفر.

وأبو غالب الباقلاني، محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي الفامي، الرجل الصالح. روى عن ابن شاذان والبرقاني وطائفة، توفي في ربيع الآخر، عن ثمانين سنة.

وأبو الحسين بن الطيوري، المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن قاسم الصيرفي البغدادي المحدث. سمع أبا علي بن شاذان فمن بعده. قال ابن السمعاني: كان مكثرا صالحا أمينا صدوقا، صحيح الأصول صينا وقور كثير الكتابة وقال غيره: توفي في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة. وكان عنده ألف جزء بخط الدارقطني.

والمبارك بن فاخر أبو الكرم الدباس الأديب، من كبار أئمة اللغة والنحو ببغداد، وله مصنفات. روى عن القاضي أبي الطيب الطبري، وأخذ العربية عن عبد الواحد بن برهان، رماه ابن ناصر بالكذب في الرواية، توفي في ذي القعدة، عن سبعين سنة.

ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين، سلطان المغرب، أبو يعقوب اللمتوني البربري الملثم، توفي في ثالث المحرم، عن تسعين سنة. وكان أكبر ملوك الدنيا في عصره، ودولته بضع وثلاثون سنة. وكان بطلا شجاعا عادلا، عديم الرفاهية، قشب العيش على قاعدة البربر، اختط مراكش وأنشأها في سرح، وصيرها دار الإمارة، وكثرت جيوشه وبعد صيته وتملك الأندلس، ودانت له الأمم، وفي آخر أيامه، بعث رسولا إلى العراق، يطلب عهدا من المستظهر بالله، فبعث له بالخلع والتقليد واللواء، وأقيمت الخطبة العباسية بممالكه، وعهد بالأمر من بعده إلى ابنه علي، الذي خرج عليه ابن تومرت.

سنة إحدى وخمسمائة

فيها كانت وقعة كبيرة بالعراق بين سيف الدولة صدقة بن منصور ابن دبيس أمير العرب وبين السلطان محمد، فقتل صدقة في المصاف.

وفيها كان الحصار على صور وعلى طرابلس والشام في ضر مع الفرنج.

وفيها توفي تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو يحيى الحميري صاحب القيروان. ملك بعد أبيه وكان حسن السيرة محبا للعلماء، مقصدا للشعراء، كامل الشجاعة، وافر الهيبة. عاش تسعا وسبعين سنة. وامتدت أيامه، وكانت دولته ستا وخمسين سنة. وخلف أكثر من مائة ولد، وتملك بعده ابنه يحيى.

وأبو علي التككي الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي، في رمضان. روى عن أبي علي بن شاذان.

وصدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، الأمير سيف الدولة ابن بهاء الدولة الأسدي الناشري، ملك العرب وصاحب الحلة السيفية اختطها سنة خمس وتسعين وأربع مائة ووقع بينه وبين السلطان فالتقيا، فقتل صدقة يوم الجمعة سلخ حمادي الآخرة، وقتل معه ثلاثة آلاف فارس، وأسر ابنه دبيس، وصاحب جيشه سعيد بن حميد. وكان صدقة شيعيا، له محاسن ومكارم وحلم وجود. ملك العرب بعد أبيه اثنتين وعشرين سنة. ومات جده سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة.

والدوني أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الصوفي، الرجل الصالح، راوي السنن عن أبي نصر الكسار، وكان زاهدا عابدا، سفياني المذهب. توفي في رجب. والدون قرية على يوم من همذان.

وأبو سعد الأسدي، محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر بن أسد البغدادي المؤدب. روى عن أبي علي بن شاذان، ضعفه ابن ناصر.

وأبو الفرج القزويني محمد ابن العلامة أبي حاتم محمود بن حسن الأنصاري. فقيه صالح. استملى عليه السلفي مجلسا مشهورا. توفي في المحرم.

سنة اثنتين وخمسمائة

فيها حاصر جاولي الموصل، وبها زنكي بن جكرمش. فنجده السلطان قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش صاحب الروم. ففر جاولي ودخل قلج الموصل، وحلفوا له. ثم التقى جاولي وقلج أرسلان في ذي القعدة، فحمل قلج أرسلان بنفسه، وضرب يد حامل العلم بأبانها، ثم ضرب جاولي بالسيف فقطع الكزاغند، فحمل أصحاب جاولي على الروميين فهزموهم، وبقي قلج أرسلان في الوسط فهمز فرسه ودخل الخابور. فدخل به الفرس في ماء عميق غرقه وطفا بعد أيام فدفن. وساق جاولي فأخذ الموصل وظلم وغشم.

وفيها التقى طغتكين أتابك دمشق، وابن أخت بغدوين بطبرية، فأسره طغتكين وذبحه، وبعث بالأسرى إلى بغداد. ثم عقد بغدوين وطغتكين الهدنة أربع سنين.

وفيها أخذت الفرج حصن عرقة.

وفيها تزوج المستظهر بالله بأخت السلطان محمد.

وفيها ظهرت الإسماعيلية بالشام وملكوا شيزر بحيلة. فجاء عسكرها من الصيد فأصعدهم الذرية في الجبال واقتتلوا بالسكاكين. فخذلت الباطنية وأخذتهم السيوف فلم ينج منهم أحد، وكانوا مائة.

وفيها قتلت الباطنية بهمذان قاضي قضاة أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي.

وقتلت بأصبهان يوم عيد الفطر أبا العلاء صاعد بن محمد البخاري، وقيل النيسابوري، الحنفي المفتي، أحد الأئمة، عن خمس وخمسين سنة.

وقتلت بجامع آمل يوم الجمعة في المحرم فخر الإسلام القاضي أبا المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، شيخ الشافعية، وصاحب التصانيف وشافعي الوقت. أملى مجالس عن أبي غانم الكراعي، وأبي حفص بن مسرور وطبقتهما وعاش سبعا وثمانين سنة.

وعظم الخطب بهؤلاء الملاعين وخافهم كل أمير وعالم لهجومهم على الناس.

وفيها توفي أبو القاسم الربعي علي بن الحسين، الفقيه الشافعي المعتزلي ببغداد. روى عن أبي الحسن بن مخلد البزاز وابن بشران. توفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة.

ومحمد بن عبد الكريم بن خشيش، أبو سعد البغدادي، في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة ببغداد. روى عن ابن شاذان.

وأبو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة، يحيى بن علي بن محمد الشيباني صاحب التصانيف. أخذ اللغة عن أبي العلاء المعري. وسمع من سليم بن أيوب بصور. وكان شيخ بغداد في الأدب. توفي في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة.

سنة ثلاث وخمسمائة

في ذي الحجة أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سبع سنين، وكان المدد يأتيها من مصر في البحر. وفيها أخذوا بانياس وجبيل.

وفيها أخذ تنكر ابن صاحب أنطاكية طرسوس وحصن الأكراد.

وفيها توفي أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار ببغداد. روى عن الحرفي وابن شاذان. ضعفه شجاع الذهلي. وتوفي في صفر عن اثنتين وتسعين سنة.

وأبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الدهستاني الرؤاسي الحافظ. طوف خراسان والعراق والشام ومصر، وكتب ما لا يوصف، وروى عن أبي عثمان الصابوني وطبقته. توفي بسرخس.

وأبو سعد المطرز محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني في شوال، عن نيف وتسعين سنة.. سمع الحسين الحسين بن إبراهيم الجمال، وأبا علي غلام محسن، وابن عبد كويه. وهو أكبر شيخ للحافظ أبو موسى المديني. سمع منه حضورا.

سنة أربع وخمسمائة

فيها أخذت الفرنج بيروت بالسيف، ثم أخذوا صيدا بالأمان. وأخذ صاحب أنطاكية حصن الأثارب وحصن ذردنا. وعظم المصاب، وتوجه خلق من المطوعة يستصرخون الدولة ببغداد على الجهاد واستغاثوا، وكسروا منبر جامع السلطان، وكثر الضجيج. فشرع السلطان في أهبة الغزو.

وفيها توفي إسماعيل بن أبي الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري أبو عبد الله. روى عن أبي حسان المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي وطبقتهما. ورحل فأدرك أبا محمد الجوهري ببغداد، توفي في ذي القعدة عن إحدى وثمانين سنة.

وأبو يعلى حمزة بن محمد بن علي الزينبي البغدادي، أخو طراد الزينبي. توفي في رجب وله سبع وتسعون سنة. والعجب كيف لم يسمع من هلال الحفار. روى عن أبي العلاء محمد بن علي الواسطي وجماعة.

وإلكيا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبرستاني الهراسي الشافعي، عماد الدين شيخ الشافعية ببغداد. تفقه على إمام الحرمين. وكان فصيحا مليحا مهيبا نبيلا. قدم بغداد ودرس بالنظامية. وتخرج به الأصحاب. وعاش أربعا وخمسين سنة.

وأبو الحسين الخشاب يحيى بن علي بن الفرج المصر، شيخ الإقراء. قرأ بالروايات على ابن نفيس، وأبي الطاهر إسماعيل بن خلف، وأبي الحسين الشيرازي وتصدر لقراء.

سنة خمس وخمسمائة

فيها جاءت عساكر العراق والجزيرة لغزو الفرنج، فنازلوا الرها فلم يقدروا، ثم ساروا وقطعوا الفرات، ونازلوا تل باشر خمسة وأربعين يوما فلم يصنعوا شيئا، واتفق موت مقدمهم واختلافهم. فردوا، وطمعت الفرنج في المسلمين، وتجمعوا مع بغدوين فحاصروا صور مدة طويلة.

وفيها كانت ملحمة كبيرة بالأندلس بين ابن تاشفين والأدفونش. ونصر المسلمون وقتلوا وأسروا وغنموا ما لا يعبر عنه، وذلت الفرنج.

وفيها توفي أبو محمد بن الآبنوسي عبد الله بن علي البغدادي الوكيل المحدث أخو الفقيه أحمد بن علي. سمع من أبي القاسم التنوخي والجوهري. توفي في جمادى الأولى.

وأبو الحسن بن العلاف علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي الحاجب، مسند العراق، وآخر من حدث عن الحمامي. وكان يقول: ولدت في المحرم سنة ست وأربع مائة، وسمعت من أبي الحسين بن بشران. توفي في المحرم عن مائة إلا سنة. وكان أبوه واعظا مشهورا.

وأبو حامد الغزالي زين الدين حجة الإسلام محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي، أحد الأعلام. تلميذ لإمام الحرمين، ثم ولاه نظام الملك تدريس مدرسته ببغداد. وخرج له الأصحاب، وصنف التصانيف، مع التصون والذكاء المفرط والاستبحار من العلم. وفي الجملة ما رأى الرجل مثل نفسه. توفي في رابع عشر جمادى الآخرة بالطابران قصبة بلاد طوس، وله خمس وخمسون سنة. والغزالي هو الغزال؛ وكذا العطاري وهو العطار والخبازي على لغة أهل خراسان.

سنة ست وخمسمائة

وفيها توفي أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد الهمذاني العدل. روى عن أبي سعيد عبد الرحمن بن شبانة وجماعة، أو توفي في العام الآتي.

وفيها أبو القاسم إسماعيل بن الحسن السنجبستي الفرائضي توفي في صفر بسنجبست، وهي على مرحلة من نيسابور. روى عن أبي أبي بكر الحيري وأبي سعيد الصيرفي، وعاش خمسا وتسعين سنة.

والفضل بن محمد بن عبيد القشيري النيسابوري الصوفي العدل. روى عن أبي حسان المزكي، وعبد الرحمن النصروي وطائفة. وعاش خمسا وثمانين سنة. وهو أخو عبيد القشيري.

وأبو سعد المعمر بن علي بن أبي عمامة البغدادي الحنبلي الواعظ المفتي. كان يبكي الحاضرين ويضحكهم، وله قبول زائد وسرعة جواب وحدة خاطر وسعة دائرة. روى عن ابن غيلان، وأبي محمد الخلال. توفي في ربيع الأول.

سنة سبع وخمسمائة

في المحرم التقى عسكر دمشق والجزيرة وعسكر الفرنج بأرض طبرية، وكانت وقعة مشهورة. فقتلهم المسلمون قتلا ذريعا وأسروهم. وممن أسر ملكهم بغدوين صاحب القدس، لكن لم يعرف، فبذل شيئا للذي أسره فأطلقه. ثم أنجدتهم عساكر انطاكية وطرابلس، وردت المنهزمين فعقب لهم المسلمون، وانحاز الملاعين إلى جبل، ورابط الناس بإزائهم يرمونهم، فأقاموا كذلك ستة وعشرين يوما. ثم سار المسلمون للغلا فنهبوا بلاد الفرنج وضياعهم ما بين القدس إلى عكا. وردت عساكر الموصل، وتخلف مقدمهم مودود عند طغتكين بدمشق وأمر العساكر بالقدوم بالربيع فوثب على مودود باطني يوم جمعة فقتله، وقتلوا الباطني. ودفن مودود عند دقاق بخانكاه الطواويس ثم نقل إلى أصبهان.

وفيها توفي أبو بكر الحلواني أحمد بن علي بن بدران، ويعرف بخالوه. ثقة زاهد متعبد. ورى عن القاضي أبي الطيب الطبري وطائفة.

ورضوان صاحب حلب ابن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقي. ومنه أخذت الفرنج انطاكية. وملكوا بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس.

وشجاع بن فارس أبو غالب الذهلي السهروردي ثم البغدادي الحافظ، وله سبع وسبعون سنة. نسخ ما لا يدخل تحت الحصر من التفسير والحديث والفقه لنفسه وللناس، حتى إنه كتب شعر ابن الحجاج سبع مرات. روى عن ابن غيلان وعبد العزيز الأزجي، وخلق توفي في جمادى الأولى.

والشاشي المعروف بالمستظهري، فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين. شيخ الشافعية. ولد بميافارقين سنة تسع وعشرين، وتفقه على محمد بن ببيان الكازروني، ثم لزم ببغداد الشيخ أبا إسحاق، وابن الصباغ. وصنف وأفتى، وولي تدريس النظامية، وتوفي في شوال، ودفن عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.

ومحمد بن طاهر المقدسي الحافظ أبو الفضل، ذو الرحلة الواسعة والتصانيف والتعاليق. عاش ستين سنة. وسمع بالقدس أولا من ابن ورقاء، وببغداد من أبي محمد الصريفيني، وبنيسابور من الفضل بن المحب، وبهراة من بيبى، وبأصبهان وشيراز والري ودمشق ومصر من هذه الطبقة. وكان من أسرع الناس كتابة وأذكاهم وأعرفهم بالحديث. والله يرحمه ويسامحه. قال إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر. وقال السلفي: سمعت ابن طاهر يقول: كتبت البخاري ومسلم وسنن أبي داود وابن ماجه سبع مرات بالوراقة. توفي ببغداد في ربيع الأول.

وأبو المظفر الأبيوردي محمد بن أبي العباس الأموي المعاوي اللغوي الشاعر الأخباري النسابة، صاحب التصانيف والفصاحة والبلاغة. وكان رئيسا عالي الهمة، ذا بأو وتيه وصلف. توفي بأصبهان مسموما.

وابن اللبانة أبو بكر محمد بن عيسى اللخمي الأندلسي الأديب. من جلة الأدباء وفحول الشعراء. له تصانيف عديدة في الآداب. وكان من شعراء دولة المعتمد بن عباد.

والمؤتمن بن أحمد بن علي أبو نصر الربعي البغدادي الحافظ، ويعرف.

بالساجي. حافظ محقق، واسع الرحلة، كثير الكتابة، متين الورع والديانة. روى عن أبي الحسين بن النقور، وأبي بكر الخطيب وطبقتهما، بالشام والعراق وأصبهان وخراسان. وتفقه وكتب الشامل عن مؤلفه ابن الصباغ. توفي في صفر عن اثنتين وستين سنة. وكان قانعا متعففا.

سنة ثمان وخمسمائة

فيها هلك بغدوين صاحب القدس من جراحة أصابته يوم مصاف طبرية الذي مر.

وفيها مات أحمديل صاحب مراغة. وكان شجاعا جوادا. وعسكره خمسة آلاف. فتكت به الباطنية.

وفيها توفي أحمد بن محمد بن غلبون، أبو عبد الله الخولاني القرطبي ثم الإشبيلي، وله تسعون سنة. سمّعه أبوه معه من عثمان بن أحمد القيشاطي وطائفة. وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث وأبو عمر الطلنمكي وأبو ذر الهروي والكبار. وكان صالحا خيرا عالي الإسناد منفردا.

وألب أرسلان صاحب حلب وابن صاحبها رضوان ابن تتش، السلجوقي التركي. تملك وله ست عشرة سنة. فقتل أخويه بتدبير الباب لؤلؤ، وقتل جماعة من الباطنية. وكانوا قد كثروا في دولة أبيه. ثم قدم دمشق ونزل بقلعتها، ثم رجع وفي خدمته طغتكين. وكان سييء السيرة فاسقا. فصله البابا وأقام أخا له طفلا له ست سنين. ثم قتل البابا سنة عشرة.

وأبو الوحش سبيع بن المسلم الدمشقي المقرئ الضرير. ويعرف بابن قيراط. قرأ لابن عامر على الأهوازي ورشأ، وروى الحديث عنهما وعن عبد الوهاب بن برهان. وكان يقرئ من السحر إلى الظهر. توفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة.

والنسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي الخطيب الرئيس المحدث صاحب الأجزاء العشرين التي خرجها له الخطيب. توفي ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة. قرأ على الأهوازي، وروى عنه وعن سليم، ورشأ، وخلق. وكان ثقة نبيلا محتشما مهيبا سيدا شريفا، صاحب حديث وسنة.

ومسعود السلطان علاء الدولة، صاحب الهند وغزنة، ولد السلطان إبراهيم ابن السلطان مسعود ابن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين. مات في شوال، وتملك بعده ولده أرسلان شاه وهو ابن عمة السلطان ملك شاه.

سنة تسع وخمسمائة

فيها قدم عسكر السلطان محمد الشام وعليهم برسق للانتقام من طغتكين لا للجهاد. فنهبوا حماة وهي لطغتكين. فاستعان بالفرنج فأعانوه. ثم سار برسق فأخذ كفر طاب وهي للفرنج. وساروا إلى المعرة، فساق صاحب أنطاكية فكبس العسكر وكسرهم، ورجع من سلم مع برسق منهزمين نعوذ بالله من الخذلان. واستضرت الفرنج على أهل الشام.

وفيها توفي ابن مسلمة أبو عثمان إسماعيل بن محمد الأصبهاني الواعظ المحتسب صاحب تلك المجالس. قال ابن ناصر: وضع حديثا وكان يخلط. قلت: روى عن ابن ريذة وجماعة.

وأبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني الحافظ صاحب كتاب الفردوس وتاريخ همذان وغير ذلك. توفي في رجب عن أربع وسبعين سنة. وغيره أتقن منه. سمع الكثير من يوسف بن محمد المستملي وطبقته، ورحل فسمع ببغداد من أبي القاسم بن البسري، وكان صلبا في السنة.

وغيث بن علي أبو الفرج الصوري الأرمناري خطيب صور ومحدثها. روى عن أبي بكر الخطيب، ورحل إلى دمشق ومصر، وعاش ستا وستين سنة.

والشريف أبو يعلى بن الهبارية محمد بن محمد بن صالح الهاشمي الشاعر المشهور الهجاء.

وأبو البركات بن السقطي هبة الله بن المبارك البغدادي، أحد المحدثين الضعفاء. له معجم في مجلد. كذبه ابن ناصر.

ويحيى بن تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو طاهر الحميري صاحب إفريقية. نشر العدل وافتتح عدة قلاع لم يتهيأ لأبيه فتحها. وكان جوادا ممدحا عالما كثير المطالعة. توفي فجأة يوم الأضحى، وخلف ثلاثين ابنا، فملك بعده ابنه علي ستة أعوام ومات. فملكوا بعده ابنه الحسن بن علي وهو مراهق. فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، فخاف وفر من المهدية والتجأ إلى عبد المؤمن.

سنة عشر وخمسمائة

فيها حاصر علي بن باديس مدينة تونس، وضيق على صاحبها أحمد ابن خراسان فصالحه على ما أراد.

وفيها كبس طغتكين الفرنج بالبقاع. فقتل وأسر، وكانوا قد جاءوا يعيشون في البقاع، وعليهم بدران بن صنجيل صاحب طرابلس فردوا بأسوأ حال ولله الحمد.

وفيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي الحافظ. رحل وسمع ببغداد من أبي القاسم بن البسري وطبقته. وكان عالما فاضلا شاعرا.

وأبو بكر الشيروي عبد الغفار بن محمد بن حسين بن علي بن شيرويه النيسابوري التاجر، مسند خراسان، وآخر من حدث عن الحيري والصيرفي صاحبي الأصم. توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة. قال السمعاني: كان صالحا عابدا رحل إليه من البلاد.

وأبو القاسم الرزاز علي بن أحمد بن محمد بن بيان، مسند العراق، وآخر من حدث عن ابن مخلد وطلحة الكتاني والحرفي. توفي في شعبان عن سبع وتسعين سنة.

والغسال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي المقرئ الأديب شيخ الإقراء ببغداد. قرأ على أبي بكر محمد بن علي الخياط وجماعة، وبواسط على غلام الهراس. وحدث عن أبي محمد الخلال وجماعة. ومات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة.

وأبو الخطاب محمود بن أحمد الكلواذاني، ثم الأزجي شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف. كان إماما علامة، ورعا صالحا، وافر العقل، غزير العلم، حسن المحاضرة، جيد النظم تفقه على القاضي أبي يعلى، وحدث عن الجوهري، وتخرج به أئمة. توفي في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة.

والحنائي أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد الدمشقي، من بيت الحديث والعدالة. سمع أباه أبا القاسم، ومحمدا وأحمد ابني عبد الرحمن بن أبي نصر، وابن سعدان وطائفة: توفي في جمادى الآخرة ع سبع وسبعين سنة.

وأبي النرسي أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون الكوفي الحافظ. روى عن محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي وطبقته بالكوفة. وعن أبي إسحاق البرمكي وطبقته ببغداد. وناب في خطابة الكوفة. وكان يقول: ما بالكوفة من أهل السنة والحديث إلا أنا. وقال ابن ناصر: كان حافظا متقنا ما رأينا مثله. كان يتهجد ويقوم الليل. وكان أبو عامر العبدري يثني عليه ويقول: ختم به هذا الشأن. توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة. ولقب أبيا لجودة قراءته. وكان ينسخ ويتعفف.

وأبو بكر السمعاني محمد ابن العلامة أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي الحافظ، والد الحافظ أبي سعد. كان بارعا في الحديث ومعرفته والفقه ودقائقه، والأدب وفنونه، والتاريخ، والوعظ. روى عن محمد بن أبي عمران الصفار، ورحل فسمع ببغداد من ثابت بن بندار وطبقته، وبنيسابور من نصر الله الخشنامي وطبقته، وبأصبهان والكوفة والحجاز، وأملى الكثير وتقدم على أقرانه، وعاش ثلاثا وأربعين سنة.

سنة إحدى عشرة وخمسمائة

فيها غرفت سنجار وانهدم سورها، وهلك خلق، وجر السيل باب المدينة مسيرة مرحلة، فطمة السيل ثم انكشف بعد سنين. وسلم طفل في سرير تعلق بزيتونة ثم عاش وكبر.

وفيها ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لما بلغهم موت السلطان محمد.

فتوفي السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن طغربك بن ميكائيل بن سلجوق التركي، غياث الدين، أبو شجاع. كان فارسا شجاعا فحلا ذا بر ومعروف. استقل بالملك بعد موت أخيه بركياروق وقد تمت لهما حروب عديدة. وخفق محمد أربعة قد ولوا السلطنة: محمود ومسعود وطغريك وسليمان. ودفن في ذي الحجة بأصبهان في مدرسة عظيمة للحنفية. وقام بعده ابنه محمود ابن أربع عشرة سنة ففرق الأموال. وقد خلف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل وعاش ثمانيا وثلاثين سنة. سامحه الله.

وفيها توفي أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي، راوي سنن الدارقطني عن أبي بكر بن بشران، عنه. وكان رئيسا وافر الجلالة. توفي في شوال عن ست وسبعين سنة.

وأبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي - وبرج من قرى أصبهان - سمع أبا نعيم الحافظ، وأجاز له أبو علي بن شاذان، والحسين الجمال. توفي في ذي القعدة عن أربع وتسعين سنة. وكان صدوقا.

وأبو علي بن نبهان الكاتب محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي مسند العراق. روى عن ابن شاذان، وبشرى الفاتني، وابن دوما، وهو آخر أصحابهم. قال ابن ناصر: فيه تشيع، وسماعه صحيح. بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم، وذلك من أول سنة إحدى عشرة. قلت: توفي بعد ذلك بتسعة أشهر في شوال. وله سنة كاملة، وله شعر وأدب.

وأبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ ابن عبد الله محمد ابن إسحاق بن منده العبدي الأصبهاني، صاحب التاريخ. روى عن ابن ريذه، وأبي طاهر بن عبد الرحيم وطائفة. ثم رحل إلى نيسابور فسمع من البيهقي وطبقته، ودخل بغداد حاجا في الشيخوخة فأملى بها. قال السمعاني: جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، حافظ ثقة، فاضل، مكثر، صدوق كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد من التكلف، أوحد بيته في عصره. صنف تاريخ أصبهان. توفي في ذي الحجة وله أربع وسبعون سنة. وآخر أصحابه الطرسوسي.

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

في الثالث والعشرين من ربيع الآخر توفي الإمام المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير محمد بن القائم العباسي، وله اثنتان وأربعون سنة. وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشهر. وكان قوي الكتابة جيد الأدب والفضيلة، كريم الأخلاق، مسارعا في أعمال البر. توفي بالخوانيق، وغسله ابن عقيل شيخ الحنابلة، وصلى عليه ابنه المسترشد بالله الفضل. وخلف جماعة أولاد.

وتوفيت جدته أرجوان بعده بيسير. وهي سرية محمد الذخيرة.

وشمس الأئمة أبو الفضل بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري الزرنجري، الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر وعالم تلك الديار، ومن كان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة. ولد سنة سبع وعشرين وأربع مائة، وتفقه على شمس الأئمة محمد بن أبي سهل السرخسي، وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني. وسمع من أبيه ومن أبي مسعود البجلي وطائفة. وروى البخاري عن أبي سهل الأبيوردي عن ابن حاجب الكشاني. توفي في شعبان.

ونور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي أخو طراد. توفي في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. وكان شيخ الحنفية ورئيسهم بالعراق. روى عن ابن غيلان وطبقته. وحدث بالصحيح غير مرة عن كريمة المروزية. وكان صدرا نبيلا علامة.

وأبو القاسم الأنصاري العلامة سلمان بن ناصر النيسابوري الشافعي المتكلم تلميذ إمام الحرمين، وصاحب التصانيف. وكان صوفيا زاهدا من أصحاب القشيري. روى الحديث عن أبي الحسن عبد الغافر الفارسي وجماعة. توفي في جمادى الآخرة.

وعبيد بن محمد بن عبيد أبو العلاء القشيري التاجر مسند نيسابور. روى عن أبي حسان المزكي وعبد الرحمن النصروي وطائفة. ودخل المغرب للتجارة وحدث هناك. توفي في شعبان وله خمس وتسعون سنة.

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

فيها كانت وقعة هائلة بخراسان بين سنجر وبين ابن أخيه محمود بن محمد. فانكسر محمود، ثم وقع الاتفاق وتزوج بابنة سنجر.

وفيها اجتمع طغتكين صاحب دمشق وإيل غازي على حرب الفرنج. فبرز صاحب أنطاكية في عشرين ألفا فالتقوا بنواحي حلب، فانهزم الملعون واستبيح عسكره. ولله الحمد.

وفيها كانت الفتنة بين صاحب مصر الآمر وأتابكه الأفضل ابن أمير الجيوش. وتمت لهما خطوب، ودس على الأمير من سمه مرارا فلم يمكن.

وفيها ظهر قبر إبراهيم خليل الله عليه السلام وإسحاق ويعقوب، ورآهم جماعة لم تبل أجسادهم، وعندهم في تلك المغار قناديل من ذهب وفضة. قاله حمزة بن القلانسي في تاريخه.

وفيها توفي أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف ومؤلف كتاب الفنون الذي يزيد على أربع مائة مجلد. وكان إماما مبرزا كثير العلوم خارق الذكاء مكبا على الاشتغال والتصنيف، عديم النظير. روى عن أبي محمد الجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان. قال السلفي: ما رأيت مثله، وما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه وبلاغة كلامه وقوة حجته. توفي في جمادى الأولى وله ثلاث وثمانون سنة.

وقاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني علي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي، ولي القضاء بضعا وعشرين سنة. وكان ذا حزم ورأي وسؤدد وهيبة وافرة وديانة ظاهرة. روى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة. وتفقه على والده. توفي في المحرم عن أربع وستين سنة.

وأبو الفضل بن الموازيني محمد بن الحسن بن الحسين السلمي الدمشقي العابد أخو أبي الحسن. روى عن أبي عبد الله بن سلوان وجماعة.

وأبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التركي ثم البغدادي المحدث النحوي، أحد الفضلاء. روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق، وكان ينسخ بالأجرة. وفيه زهد وورع تام.

وخوروست أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني المجلد. روى عن أبي الحسين بن فاذشاه، وابن ريذة، توفي في جمادى الأولى.

ومحمد بن عبد الباقي، أبو عبد الله الدوري السمسار الصالح روى هن الجوهري وأبي طالب العشاري ومات في صفر عن تسع وسبعين سنة.

وأبو سعد المخرمي المبارك بن علي الحنبلي. من كبار أئمة المذهب. تفقه على الشريف أبي جعفر بن أبي موسى. وروى عن القاضي أبي يعلى وجماعة، وأقرأ الفقه.

سنة أربع عشرة وخمسمائة

فيها خرجت الكرج والخزر فالتقاهم المسلمون في ثلاثين ألفا عليهم دبيس بن صدقة وإيلغازي. فانكسر المسلمون وتبعهم الكفار يأسرون ويقتلون، فيقال قتل أكثرهم. ونجا دبيس وطغريل أخو السلطان محمود. ثم نازلت الكرج تفليس وأخذوها بالسيف بعد حصار سنة. ولا كشف عنها أحد وفيها كان المصاف بين السلطان محمود وأخيه مسعود صاحب أذربيجان والموصل وله يومئذ إحدى عشرة سنة. فالتفوا عند عقبة أسد آباذ. فانهزم مسعود وأسر وزيره الطغرائي فقتل.

وفي هذا الوقت كان ظهور ابن تومرت بالمغرب.

وفيها توفي أبو علي بن بليمة الحسن بن خلف القيرواني المقرئ مؤلف تلخيص العبارات من القراءات توفي في رجب بالأسكندرية. وهو في عشر التسعين. قرأ على جماعة منهم أبو العباس أحمد بن نفيس.

والطغرائي الوزير مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني، صاحب ديوان الإنشاء للسلطان محمد بن ملكشاه، واتصل بابنه مسعود، ثم أخذ الطغرائي أسيرا وذبح بين يدي الملك محمود في ربيع ألأول،، وقد نيف عل الستين. وكان من أفراد الدهر، وحامل لواء النظم والنثر. وهو صاحب لامية العجم.

وأبو علي بن سكرة، الحافظ الكبير حسين بن محمد بن فيره الصدفي السرقسطي الأندلسي. سمع من أبي العباس بن دلهاث وطائفة. وحج سنة إحدى وثمانين. فدخل على الحبال. وسمع ببغداد من مالك البانياسي وطبقته. وأخذ التعليقة الكبرى عن أبي بكر الشاشي المستظهري. وأخذ بدمشق عن الفقيه نصر المقدسي. ورد إلى بلاده بعلم جم. وبرع في الحديث وفنونه، وصنف التصانيف وقد أكره على القضاء فوليه، ثم اختفى حتى أعفي. واستشهد في مصاف قتندة في ربيع الأول وهو من أبناء الستين وأصيب المسلمون يومئذ.

وأبو نصر عبد الرحيم بن الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري. وكان إماما مناظرا مفسرا أديبا علامة متكلما، وهو الذي كان أصل الفتنة ببغداد بين الأشاعرة والحنابلة. ثم فتر أمره. وقد روى عن أبي حفص بن مسرور وطبقته. وآخر من روى عنه بسبطه أبو سعد بن الصفار. توفي في جمادى الآخرة وهو في عشر الثمانين، وأصابه فالج وهو في آخر عمره.

وأبو الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي المريي المقرئ، تلميذ عبد الله بن سهل. تصدر للإقراء مدة. وحدث، عن ابن عبد البر وجماعة. وفي روايته عن ابن عبد البر كلام. توفي في عشر التسعين.

وأبو الحسن بن الموازيني علي بن الحسن السلمي، أخو محمد. روى عن ابن سعدان، وابن عبد الرحمن بن أبي نصر وطائفة، وعاش أربعا وثمانين سنة.

ومحمود بن إسماعيل أبو منصور الأصبهاني الصيرفي الأشقر، راوي المعجم الكبير عن ابن فاذشاه، عن مؤلفه الطبراني، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في ذي القعدة. قال السلفي: كان صالحا.

سنة خمس عشرة وخمسمائة

فيها احترقت دار السلطنة ببغداد، وذهب ما قيمته ألف ألف دينار.

وفيها توفي أبو علي الحداد الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني المقرئ المجود مسند الوقت. توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة. وكان مع علو إسناده أوسع أهل وقته رواية. حمل الكثير عن أبي نعيم، وكان خيرا صالحا ثقة.

والأفضل أمير الجيوش شاهنشاه أبو القاسم ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني. كان في الحقيقة هو صاحب الدار المصرية. ولي بعد موت أبيه وامتدت أيامه. وكان شهما مهيبا بعيد الغور فحل الرأي. ولى وزارة السيف والقلم للمستعلي، ثم للآمر. وكانا معه صورة بلا معنى. وكان قد أذن للناس في إظهار عقائدهم، وأمات شعار دعوة الباطنية، فمقتوه لذلك. وكان مولده بعكا سنة ثمان وخمسين وأربع مائة. وخلف من الأموال ما يستحى من ذكره. وثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه. وحمل بآخر رمق، وقيل إن الآمر دسهم عليه بتدبير أبي عبد الله البطائحي الذي وزر بعده ولقب بالمأمون.

وأبو القاسم بن القطاع السعدي الصقلي صاحب اللغة. واسمه علي بن جعفر بن علي. ولد بصقلية، وأخذ بها عن ابن عبد البر اللغوي، وبرع في العربية، وصنف التصانيف، ومات بها وله اثنتان وثمانون سنة. وفي روايته للصحاح مقال.

وأبو علي بن المهدي محمد بن محمد بن عبد العزيز الخطيب. روى عن ابن غيلان والعتيقي وجماعة. وكان صدوقا نبيلا ظريفا. توفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة.

وهزار سب بن عوض، أبو الخير الهروي الحافظ. توفي في ربيع الأول. وكان عالما صاحب حديث وإفادة بليغه. وحرص على الطلب. سمع من طراد ومن بعده. ومات قبل أوان الرواية.

سنة ست عشرة وخمسمائة

فيها توفي إيل غازي بن أرتق بن أكسب نجم الدين التركماني صاحب ماردين. وليها بعد أخيه سقمان. وكان من أمراء تتش صاحب الشام. وكان إيلغازي قد استولى على حلب بعد موت أولاد تتش، واستولى على ميافارقين. وكان فارسا شجاعا كثير الغزو كثير العطاء. ولي بعده ماردين ابنه حسام الدين تمرتاش.

والباقرجي أبو علي الحسن بن محمد بن إسحاق. روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي، وخلق. توفي في رجب.

والبغوي محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء الشافعي المحدث المفسر صاحب التصانيف وعالم أهل خراسان. روى عن أبي عمر المليحي، وأبي الحسن الداودي وطبقتهما. وكان سيدا زاهدا قانعا يأكل الخبز وحده، فليم في ذلك فصار يأكله بالزيت. وكان أبه يصنع الفراء. توفي ركن الدين محيي السنة بمروالروذ في شوال، ودفن عند شيخه القاضي حسين.

وأبو محمد بن السمرقندي الحافظ عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، أخو إسماعيل. ولد بدمشق وسمع بها من أبي بكر الخطيب، وابن طلاب وجماعة، وببغداد من أبي الحسين بن النقور. ورحل إلى نيسابور وأصبهان، وعني بالحديث، وخرج لنفسه معجما في مجلد، وعاش اثنتين وسبعين سنة.

وأبو القاسم بن الفحام الصقلي عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف، مصنف التجريد في القراءات كان أسند من بقي بالديار المصرية من القراءات قرأ على ابن نفيس وطبقته، ونيف على التسعين. توفي في ذي القعدة.

وأبو طالب اليوسفي عبد القادر بن محمد بن عبد القادر البغدادي، في ذي الحجة، وهو في عشر التسعين. روى الكتب الكبار عن ابن المذهب والبرمكي. وكان ثقة عدلا رضيا عابدا.

وأبو طالب السميرمي علي بن أحمد الوزير. وزر ببغداد للسلطان محمود، فظلم وفسق وتجبر ومرق، حتى قتل على يد الباطنية.

وأبو محمد الحريري صاحب المقامات، القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الأديب، حامل لواء البلاغة، وفارس النظم والنثر. كان من رؤساء بلده. روى الحديث عن أبي تمام محمد بن الحسن وغيره، وعاش سبين سنة. توفي في رجب، وخلف ولدين: النجم عبد الله وضياء الإسلام عبيد الله قاضي البصرة.

والدقاق أبو عبد الله محمد بن عبد بن عبد الواحد الأصبهاني الحافظ الرحال عن ثمانين سنة. روى عن عبد الله بن شبيب الخطيب والباطرقاني وعبد الرحمن بن أحمد الرازي. وعني بهذا الفن، وكتب عمن دب ودرج وكان محدثا أثريا فقيرا متقللا. توفي في شوال.

سنة سبع عشرة وخمسمائة

في أولها التقى الخليفة المسترشد بالله ودبيس الأسدي. وكان دبيس قد طغى وتمرد ووعد عسكره بنهب بغداد. وجرد المسترشد يومئذ سيفه ووقف على تل، فانهزم جمع دبيس وقتل خلق منهم. وقتل من جيش الخليفة نحو العشر ين، وعاد مؤيدا منصورا. وذهب دبيس فعاث ونهب، وقتل بنواحي البصرة.

وفيها توفي ابن الطيوري أبو سعد أحمد بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد، في رجب، عن ثلاث وثمانين سنة. وكان صالحا. أكثر بإفادة أخيه المبارك. وروى عن ابن غيلان والخلال، وأجاز له الصوري وأبو علي الأهوازي.

وابن الخياط الشاعر المشهور أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي التغلبي، الكاتب الدمشقي. ويعرف بابن سني الدولة، الطابلسي. عاش سبعا وستين سنة. وكتب أولا لبعض الأمراء ثم مدح الملوك والكبار، وبلغ في النظم الذروة العليا. أخذ يجلب عن أبي الفتيان محمد بن حيوس، وعنه أخذ ابن القيسراني. قال السلفي: كان شاعر الشام في زمانه. قد اخترت من شعره مجلدة لطيفة فسمعتها منه. قال ابن القيسراني: وقع الوزير هبة الله بن بديع لابن الخياط مرة بألف دينار. توفي في رمضان بدمشق.

وحمزة بن العباس العلوي أبو محمد الأصبهاني الصوفي. روى عن أبي طاهر بن عبد الرحيم. توفي في جمادى الأولى.

وظريف بن محمد بن عبد العزيز أبو الحسن الحيري النيسابوري. روى عن أبي حفص بن مسرور وطائفة. وكان ثقة من أولاد المحدثين. توفي في ذي القعدة وله ثمان وثمانون سنة.

وأبو محمد الشنتريني عبد الله بن محمد بن سارة البكري، الشاعر المفلق اللغوي. له ديوان معروف.

وأبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني، الحافظ، مؤلف أطراف الصحيحين. كان عجبا في الإحسان إلى الرحالة وإفادتهم، مع الزهد والعبادة والفضيلة التامة. روى عن عبد الله بن منده. ولقي بنيسابور أبا المظفر موسى بن عمران وطبقته، وبهراة العميري، وببغداد النعالي. توفي في جمادى الأولى عن أربع وخمسين سنة.

وأبو الغنائم بن المهتدي بالله محمد بن أحمد بن محمد الهاشمي الخطيب. روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي وطائفة. توفي في ربيع الأول.

وأبو الحسن الزعفراني محمد بن مرزوق البغدادي الحافظ التاجر. أكثر من ابن المسلمة، وأبي بكر الخطيب. وسمع بدمشق ومصر وأصبهان. توفي في صفر عن خمس وسبعين سنة. وكان متقنا ضابطا بفهم ويذاكر.

وأبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري. روى عن ابن حمصة، وأبي الحسن الطفال، وعلي بن محمد الفارسي، وعدة. وكان أسند من بقي بمصر، مع الثقة والخير. توفي في ذي القعدة عن سن عالية.

سنة ثمان عشرة وخمسمائة

فيها كسر بلك بن بهرام بن أرتق صاحب حلب الفرنج. ثم نازل منبج فجاءه سهم فقتله. فحمله ابن عمه تمرتاش صاحب ماردين إلى ظاهر حلب، وتسلم حلب، وأقام بها ناسا، ورد إلى ماردين فراحت حلب منه.

وفيها أخذت الفرنج صور بالأمان. وبقيت في أيديهم إلى سنة تسعين وست مائة.

وفيها توفي داود ملك الكرج الذي أخذ تفليس من قريب. وكان عادلا في الرعية. يحضر يوم الجمعة ويسمع الخطبة ويحترم المسلمين.

والحسين بن الصباح، صاحب الألموت وزعيم الإسماعيلية. وكان داهية ماكرا زنديقا من شياطين الإنس.

وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي الشافعي الفقيه. قال السلفي: كان من أفقه الفقهاء بمصر، عليه تفقه أكثرهم. قلت: أخذ عن نصر المقدسي، وسمع من أبي بكر الخطيب وجماعة. وعاش ستا وسبعين سنة. توفي في هذه السنة أو في التي تليها.

وأبو طاهر الشيخ عبد الواحد بن محمد بن أحمد الأصبهاني الذهبي آخر أصحاب أبو نعيم توفي في ربيع الأول.

وأبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الغرناطي الحافظ. توفي في جمادى الآخرة بغرناطة عن سبع وسبعين سنة. روى عن الأندلسيين، ورحل سنة تسع وستين، وسمع الصحيحين بمكة. قال ابن بشكوال: كان حافظا للحديث وطرقه وعلله عارفا بأسماء رجاله ونقلته، ذاكرا لمتونه ومعانيه. قرأت بخط بعض أصحابي أنه كرر صحيح البخاري سبع مائة مرة. وكان أديبا لغويا دينا فاضلا. أخذ الناس عنه كثيرا.

سنة تسع عشرة وخمسمائة

فيها سار الخليفة لمحاربة دبيس، فخارت قوى دبيس وطلب العفو وذل. وكان معه طغرلبك بن السلطان محمد فمرض ثم سار هو ودبيس إلى خراسان فاستجارا بسنجر فأجارهما. ثم قبض على دبيس خدمة للخليفة.

وفيها توفي أبو الحسن بن الفراء الموصلي ثم المصري علي بن الحسين بن عمر راوي المجالسة عن عبد العزيز بن الضراب. وقد روى عن كريمة وطائفة، وانتخب عليه السلفي مائة جزء. مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة.

وابن عبدون الهذلي التونسي أبو الحسن علي بن عبد الجبار. لغوي المغرب.

وأبو عبد الله بن البطائحي المأمون وزير الديار المصرية للآمر. كان أبوه جاسوسا للمصريين، فمات وربي محمد هذا يتيما. فصار يحمل في السوق. فدخل مع الحمالين إلى دار أمير الجيوش فرآه شابا ظريفا فأعجبه. فاستخدمه مع الفراشين، ثم تقدم عنده، ثم آل أمره إلى أن ولي الأمر بعده. ثم إنه مالا أخا الآمر على قتل الآمر، فأحسن الآمر بذلك فأخذه وصلبه. وكانت أيامه ثلاث سنين.

وأبو البركات بن البخاري يعني المبخر البغدادي المعدل، هبة الله ابن محمد بن علي. توفي في رجب عن خمس وثمانين سنة. روى عن ابن غيلان وابن المذهب والتنوخي.

سنة عشرين وخمسمائة

يوم الأضحى خطب المسترشد بالله، فصعد المنبر ووقف ابنه ولي العهد الراشد بالله دونه، بيده سيف مشهور. وكان المكبرون خطباء الجوامع. ونزل فنحر بيده بدنة، وكان يوما مشهودا لا عهد للإسلام بمثله منذ دهر.

وفيها توفي أبو الفتوح الغزالي أحمد بن محمد الطوسي الواعظ. شيخ مشهور فصيح مفوه صاحب قبول تام لبلاغته وحسن إيراده وعذوبة لسانه. وهو أخو الشيخ أبي حام. وعظ مرة عند السلطان محمود فأعطاه ألف دينار، ولكنه كان رقيق الديانة متكلما في عقيدته. حضر يوسف الهمذاني في الزاهد عنه، فسئل عنه فقال: مدد كلامه شيطاني لا رباني، ذهب دينه والدنيا لا تبقى له. قلت: توفي بقزوين.

وآقسنقر البرسقي قسيم الدولة. ولي إمرة الموصل والرحبة للسلطان محمود، ثم ولي بغداد، ثم سار إلى الموصل، ثم كاتبه الحلبيون فتملك حلب ودفع عنها الفرنج. قتلته الإسماعيلية وكانوا عشرة، وثبوا عليه يوم جمعة بالجامع في ذي القعدة. وكان دينا عادلا عالي الهمة. قتل خلقا من الإسماعيلية.

وأبو بحر الأسدي سفيان بن العاص الأندلسي، محدث قرطبة. روى عن ابن عبد البر، وأبي العباس العذري، وأبي الوليد الباجي. وكان من جلة العلماء. عاش ثمانين سنة.

وصاعد بن سيار، أبو العلاء الإسحاقي الهروي الدهان. قرأ عليه ابن ناصر ببغداد جامع الترمذي عن أبي عامر الأزدي. قال السمعاني: كان حافظا متقنا، كتب الكثير. وجمع الأبواب وعرف الرجال.

وأبو محمد بن عتاب عبد الرحمن بن محمد بن عتاب القرطبي، مسند الأندلس. أكثر عن أبيه، وعن حاتم الطرابلسي، وأجاز له مكي بن أبي طالب والكبار. وكان عارفا بالقراءات واقفا على كثير من التفسير واللغة والعربية والفقه، مع الحلم والتواضع والزهد. وكانت الرحلة إليه. توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة.

وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي، قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها. روى عن أبي علي الغساني، وأبي مروان بن سراج وخلق. كان من أوعية العلم. له تصانيف مشهورة، عاش سبعين سنة.

وأبو عبد الله محمد بن بركان بن هلال الصعيدي المصري النحوي اللغوي، البحر الحبر، وله مائة سنة وثلاثة أشهر. توفي في ربيع الآخر. روى عن عبد العزيز بن الضراب والقضاعي، وسمع البخاري من كريمة بمكة.

وأبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري الأندلسي المالكي نزيل الإسكندرية، وأحد الأئمة الكبار. أخذ عن أبي الوليد الباجي، ورحل فأخذ السنن عن أبي علي التستري، وسمع ببغداد من رزق الله التميمي وطبقته، وتفقه على أبي بكرالشاشي. قال ابن بشكوال: كان إماما عالما زاهدا ورعا دينا متواضعا متقشفا متقلالا من الدنيا راضيا باليسير. قلت: عاش سبعين سنة. وتوفي في جمادى الأولى.

سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

فيها أقبل السلطان محمود بن محمد ملكشاه في جيشه محاربا للمسترشد بالله وتحول أهل بغداد كلهم إلى الجانب الغربي، ونزل محمود والعسكر بالجانب الشرقي، وتراموا بالنشاب، وترددت الرسل في الصلح، فلم يقبل الخليفة فهدمت دور الخلافة. فغضب الخليفة وخرج من المخيم، والوزير ابن صدقة بين يديه، فقدموا السفن في دفعة واحدة، وعبر عسكر الخليفة، وألبسوا الملاحين السلاح، وسبح العيارون، وصاح المسترشد: يال بني هاشم: فتحركت النفوس معه. هذا وعسكر السلطان مشغولون بالنهب، فلما رأوا الجد ذلوا وولوا الأدبار، ومل فيهم السيف اسر منهم خلق، وقتل جماعة أمراء. ودخل الخليفة إلى داره. وكان معه يومئذ قريب من الثلاثين ألف مقاتل بالعوام. ثم وقع الصلح.

وفيها ورد الخبر بأن سنجر صاحب خراسان قتل من الباطنية اثني عشر ألفا.

ومرض السلطان محمود وتعلل بعد الصلح. فرحل إلى همذان وولي بغداد الأمير عماد الدين زنكي بن آقسنقر. ثم صرف بعد أشهر، وفوض إليه الموصل. فسار إليها لموت متوليها مسعود بن آقسنقر البرسقي.

وفيها توفي أبو السعادات أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباسي المتوكلي. شريف صالح خير. روى عن الخطيب وابن المسلمة، وعاش ثمانين سنة. ختم التراويح ليلة وعشرين ورجع إلى منزله فسقط من السطح فمات.

وأبو الحسن الدينوري علي بن عبد الواحد. روى عن القرويني وأبي محمد الخلال وجماعة. وهو أقدم شيخ لابن الجوزي، توفي في جمادى الآخرة.

وأبو الحسن بن الفاعوس علي بن المبارك البغدادي! الحنبلي الزاهد الإسكاف. كان يقص يوم الجمعة، وللناس فيه عقيدة لصلاحه وتقشفه وإخلاصه. روى عن القاضي أبي يعلى وغيره.

وأبو العز القلانسي محمد بن الحسين بن بندار الواسطي، مقرئ العراق وصاحب التصانيف في القراءات. أخذ عن أبي علي غلام الهراس، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة. وفيه ضعف وكلام. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.

سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

في أولها تمللك حلب عماد الدين زنكي.

وفيها سار السلطان محمود إلى خدمة عمه سنجر فأطلق له دبيس بن صدقة وقال: إعزل زنكي عن الموصل والشام وول دبيسا، واسأل الخليفة أن يصفح عنه. فأخذه ورجع.

وفيها توفي طغتكين ابن أتابك، وأبو منصور ظهير الدين. وكان من أمراء تتش السلجوقي بدمشق. فزوجه بأم ولده دقاق. ثم إنه صار أتابك دقاق، ثم تملك دمشق. وكان شهما مهيبا مدبرا سائسا، له مواقف مشهورة مع الفرنج. توفي في صفر، ودفن بتربته قبلي المصلى. وملك بعده ابنه تاج الملوك بوري، فعدل ثم ظلم.

وأبو محمد الشنتريني ثم الإشبيلي الحافظ عبد الله بن أحمد. روى الصحيح عن ابن منظور عن أبي ذر، وسمع من حاتم بن محمد وجماعة. قال ابن بشكوال: كان حافظا للحديث وعلله، عارفا برجاله، وبالجرح والتعديل، ثقة، كتب الكثير، واختص بأبي علي الغساني، وله تصانيف في الرجال، توفي في صفر. قلت: عاش ثمانيا وسبعين سنة.

وابن صدقة الوزير أبو علي الحسن بن علي بن صدقة، جلال الدين وزير المسترشد. كان ذا حزم وعقل ودهاء ورأي وأدب وفضل، توفي في رجب.

سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

فيها ولي الوزارة علي بن طراد للمسترشد بالله وصممم الخليفة على أن لا يولي دبيسا شيئا، وأصلح زنكي نفسه بأن يحمل للسلطان في السنة مائة ألف دينار وخيلا وثيابا فأقره.

وفيها في رمضان هجم دبيس بنواحي بغداد ودخل الحلة، وبعث إلى المسترشد يقول: إن رضيت عني رددت أضعاف ما ذهب من الأموال. فقصه عسكر محمود، دخل البرية بعد أن أخذ من العراق نحو خمس مائة ألف دينار.

وفيها أخذ زنكي حماة من بوري بن طغتكين وأسر صاحبها سونج بن بوري. ثم نازل حمص فلم يقدر عليها. فأخذ مع سونج ورد إلى الموصل. فاشتري بوري بن طغتكين ولده سونج منه بخمسين ألف دينار، ثم لم يتم ذلك. فمقت الناس زنكي على غدره وعسفه.

وفيها قتل بدمشق نحو سنة آلاف ممن كان يرمى بعقيدة الإسماعيلية. وكان قد دخل الشام بهرام الأسدآباذي وأضل خلقا، ثم إن طغتكين ولاه بانياس فكانت سبة من سبات طغتكين. وأقام بهرام له داعيا بدمشق فكثر أتباعه بدمشق، وملك هو عدة حصون بالشام. منها القدموس. وكان بوادي التيم طوائف من الدرزية والنصيرية والمجوس قد استغواهم الضحاك فحاربهم بهرام فهزموه، وكان المزدغاني وزير دمشق يعينهم، ثم راسل الفرنج ليسلم إليهم دمشق فيما قيل ويعوضوه بصور، وقرر مع الباطنية بدمشق أن يغلقوا أبواب الجامع والناس في الصلاة. ووعد الفرنج أن يهجموا على البلد ساعتئذ. فقتله بوري وعلق رأسه، وبذل السيف في الباطنية الإسماعيلية بدمشق في نصف رمضان يوم الجمعة. فسلم بهرام بانياس للفرنج، وجاءت الفرنج فنازلت دمشق. وسار عبد الوهاب بن الحنبلي في طائفة يستصرخ أهل بغداد على الفرنج، فوعدوا بالإنجاد، ثم تناخى عسكر دمشق والعرب والتركمان فبيتوا الفرنج فقتلوا وأسروا ولله الحمد.

وفيها توفي جعفر بن عبد الواحد أبو الفضل الثقفي الأصبهاني الرئيس. روى عن ابن مندة وطائفة، وعاش تسعا وثمانين سنة.

والمزدغاني الوزير كمال الدين طاهر بن سعد، وزير تاج الملوك بوري بن طغتكين. مر أنه قتل وعلق رأسه على القلعة.

وأبو الحسن عبيد الله بن محمد بن الإمام أبي بكر البيهقي. سمع الكتب من جده، ومن أبي يعلى الصابوني وجماعة. وحدث ببغداد. وكان قليل الفصيلة. توفي في جمادى الأولى وله أربع وسبعون سنة.

ويوسف بن عبد العزيز أبو الحجاج الميورقي الفقيه العلامة نزيل الإسكندرية، وأحد الأئمة الكبار. تفقه ببغداد على ألكيا الهراسي، وأحكم ألأصول والفروع. وروى البخاري عن واحد عن أبي ذر، ومسلما عن أبي عبد الله الطبري. وله تعليقة في الخلاف. توفي في آخر السنة. قال السلفي: حدث بالترمذي وخلط في إسناده.

سنة أربع وعشرين وخمسمائة

فيها التقى زنكي الفرنج بنواحي حلب وثبت الجمعان ثباتا كليا، ثم ولت الفرنج، ووضع السيف فيهم، وأسر خلقا. وافتتح زنكي حصن الأثارب عنوة، وكان له في أيديهم سنوات فخربه، ونازل حصن حارم فمنها ذلت الفرنج مع ما جرى منذ أشهر من كسرتهم على دمشق.

وفيها وزر بدمشق الرئيس مفرج بن الصوفي.

وفيها أخذ السلطان محمود قلة الألموت.

وفيها ظهرت ببغداد عقارب طيارة قتلت جماعة من أطفال.

وفيها توفي أبو إسحاق الغزي إبراهيم بن عثمان شاعر العصر وحامل لواء القريض. وشعره كثير سائر متنقل في بلد الجبال وخراسان. وتوفي بناحية بلخ، وله ثلاث وثمانون سنة.

والإخشيذ إسماعيل بن الفضل الأصبهاني السراج التاجر. قرأ القرآن على جماعة، وروى الكثير عن ابن عبد الرحيم وأبي القاسم بن أبي بكر الذكواني وطائفة. وعمر ثمانيا وثمانين سنة.

والبارع وهو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي الدباس المقرئ الأديب الشاعر. وهو من ذرية القاسم بن عبد الله وزير المعتضد. توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة. قرأ القرآن على أبي بكر محمد بن علي الخياط وغيره، وروى عن أبي جعفر بن المسلمة، وله مصنفات وشعر فائق.

وابن الغزال أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل المصري المجاور.

شيخ صالح مقرئ. قد سمع السلفي في سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة من إسماعيل الحافظ عنه، وسمع القضاعي وكريمة. وعمر دهرا.

وفاطمة الجوزدانية أم إبراهيم بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الأصبهانية. سمعت من ابن ريذة معجمي الطبراني سنة خمس وثلاثين، وعاشت تسعا وتسعين سنة. توفيت في شعبان.

وأبو الأغر قراتكين بن ألأسعد الزجي. روى عن الجوهري. وكان عاميا. توفي في رجب ببغداد.

وأبو عامر العبدري محمد بن سعدون بن مرجا الميورقي، الحافظ الفقيه الظاهر نزيل بغداد. أدرك أبا عبد الله البانياسي والحميدي، وهذه الطبقة. قال ابن عساكر: كان فقيها على مذهب داود. وكان أحفظ شيخ لقيته. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: هو أنبل من لقيته. وقال ابن ناصر: كان فهما عاليا متعففا مع فقرة. وقال السلفي: كان من أعيان علماء الإسلام، متصرفا في فنون من العلوم. وقال ابن عساكر: بلغني أنه قال: أهل البدع يحتجون بقوله ليس كمثله شيء أي في الإلهية. فأما في الصورة فمثلنا. ثم يحتج بقوله لستن كأحد من النساء إن اتقيتن أي في الحرمة.

ومحمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، المدعي أنه علوي حسني وأنه المهدي. رحل إلى المشرق ولقي الغزالي وطائفة. وحصل فنا من العلم والأصول والكلام. وكان رجلا ورعا ساكنا ناسكا في الجملة، زاهدا متقشفا شجاعا جلدا عاقلا عميق الفكر بعيد الغور، فصيحا مهيبا، لذته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد. ولكن جره إقدامه وجرأته إلى حب الرئاسة والظهور وارتكاب المحظور ودعوى الكذب والزور من أنه حسني، وهو هرغي بربري، وأنه إمام معصوم، وهو بالإجماع مخصوم. فبدأ أولا بالإنكار بمكة، فآذوه، فقدم مصر وأنكر، فطردوه. فأقام بالثغر مدة فنفوه، وركب البحر فشرع ينكر على أهل المركب ويأمر وينهى ويلزمهم بالصلاة. وكان مهيبا وقورا بزيق الفقر. فنزل بالمهدية في غرفة، فكان لا يرى منكرا أو لهوا إلا غيرة بيده ولسانه. فاشتهر، وصار له زبون وشباب يقرأون عليه في الأصول. فطلبه أمير البلد يحيى بن باديس وجلس له. فلما رأى حسن سمته وسمع كلامه احترمه وسأله الدعاء. فتحول إلى بجاية وأنكر بها. فأخرجوه، فلقي بقرية ملالة عبد المؤمن ابن علي شابا مختطا مليحا. فربطه عليه وأفضى إليه بسره وأفاده جملة من العل: وصار معه نحو خمسة أنفس. فدخل مراكش وأنكر كعادته، فأشار مالك بن وهيب الفقيه على علي بن يوسف بن تاشفين بالقبض عليهم سدا للذريعة، وخوفا من الغائلة. وكانوا بمسجد داثر بظاهر مراكش. فأحضرهم وعقد لهم مجلسا حافلا، فواجهه ابن تومرت بالحق المحض ولم يحابه، ووبخه ببيع الخمر جهارا وبمشي الخنازير التي للفرنج بين أظهر المسلمين، وبنحو ذلك من الذنوب. وخاطبه بكيفية ووعظ. فذرفت عينا الملك وأطرق، فقويت التهمة عند ابن وهيب وأشباهه من العقلاء وفهموا مرام ابن تومرت. فقيل للملك: إن لم تسجنهم وتنفق عليهم كل يوم دينار وإلا أنفقت عليهم خزانتك. فهون الوزير أمرهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا. فصرفه الملك وطلب منه الدعاء واشتهر اسمه وتطالعت النفوس إليه. وسار إلى أغمات، وانقطع بجبل تينمل، وتسارع إليه أهل الجبل يتبركون به. فأخذ يستميل الشباب الأغتام والجهلة الشجعان، ويلقي إليهم ما في نفسه، وطالت المدة، وأصحابه يكثرون وهو يأخذهم بالديانة والتقوى ويحضهم على الجهاد وبذل النفوس في الحق. وورد أنه كان حاذقا في ضرب الرمل، قد وقع بجفر فيما قيل واتفق لعبد المؤمن أنه كان قد رأى أنه يأكل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطفت الصحفة منه فقال له المعبر هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين ثم يغلب على الأمر. وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها. وكان أهل المغرب على طريقة السلف ينافرون الكلام وأهله. ولما كثرت أصحابه أخذ يذكر المهدي ويشوق إليه، ويروي الأحاديث التي وردت فيه. فتلهفوا على لقائه. ثم روى ظمأهم وقال: أنا هو. وساق لهم نسبا ادعاه، وصرح بالعصمة. وكان عل طريقة مثلى لا ينكر معها العصمة. فبادروا إلى متابعته، وصنف لهم تصانيف مختصرات. وقوي أمره في سنة خمس عشرة وخمس مائة. فلما كان في سنة سبع عشرة جهز عسكرا من المصامدة أكثرهم من أهل تينمل والسوس وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين من المرابطين، فادعوهم إلى إزالة البدع والإقرار بالإمام المعصوم: فإن أجابوكم وإلا فقاتلوهم. وقدم عليهم عبد المؤمن. فالتقاهم الزبير ولد أمير المسلمين. فانهزمت المصامدة ونجا عبد المؤمن. ثم التقوهم مرة أخرى فنصرت المصامدة واستفحل أمرهم، وأخذوا في شن الإغارات على بلاد ابن تاشفين، وكثر الداخلون في دعوتهم، وانضم إليهم كل مفسد ومريب، واتسعت عليهم الدنيا، وابن تومرت في ذلك كله لون واحد من الزهد والتقلل والعبادة وإقامة السنن والشعائر، لولا ما أفسد القضية بالقول بنفي الصفات كالمعتزلة وبأنه المهدي وبتسرعه في الدماء. وكان ربما كاشف أصحابه ووعدهم بأمور فتوافق، فيفتنون به. وكان كهلا أسمر عظيم الهامة ربعة حديد النظر مهيبا طويل الصمت حسن الخشوع والسمت. وقبره مشهور معظم. ولم يملك شيئا من المدائن إنما مهد الأمور وقرر القواعد فبغته الموت. وكانت الفتوحات والممالك لعبد المؤمن. وقد طولت ترجمة هذين في تاريخي الكبير. والله أعلم.

والآمر بأحكام الله أبو علي منصور بن المستعلي بالله أحمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر بن الحاكم العبيدي الرافضي صاحب مصر. كان فاسقا مستهترا ظالما، امتدت دولته. ولما كبر وتمكن قتل وزيره الأفضل، وأقام في الوزارة البطائحي المأمون، ثم صادره وقتله. ولي الخلافة سنة خمس وتسعين وهو ابن خمس سنين. فانظر إلى هذه الخلافة الباطلة من وجوه: أحدها السن. الثاني: عدم النسب فإن جدهم دعي في بني فاطمة بلا خلاف. الثالث: أنهم خوارج على الإمام. الرابع خبث المعتقد الدائر بين الرفض والزندقة. الخامس: تظاهره بالفسق. وكانت أيامه ثلاثين سنة. خرج في ذي القعدة إلى الجيزة فكمن له قوم بالسلاح، فلما مر على الجسر نزلوا عليه بالسيوف. ولم يعقب. وبايعوا بعده ابن عمه الحافظ عبد المجيد ابن الأمير محمد بن المستنصر، فبقي إلى عام أربعمة وأربعين، وكان الآمر ربعة شديد الأدمة جاحظ العينين عاقلا ماكرا مليح الخط. ولقد ابتهج الناس بقتله لعسفه وظلمه وجوره وسفكه الدماء وإدمانه الفواحش.

وأبو محمد بن الأكفاني هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الحافظ، وله ثمانون سنة. سمع أباه، وأبا القاسم الحنائي، وأبا بكر الخطيب وطبقتهم. ولزم أبا محمد الكتاني مدة. وكان ثقة فهما شديد العناية بالحديث والتاريخ، كتب الكثير وكان من كبار العدول، توفي في سادس المحرم.

وأبو سعد المهراني هبة الله بن القاسم بن عطاء النيسابوري. روى عن عبد الغافر الفارسي وأبي عثمان الصابوني وطائفة. وعاش ثلاثا وتسعين سنة. وكان ثقة جليلا خيرا. وتوفي في جمادى الأولى.

سنة خمس وعشرين وخمسمائة

فيها توفي أبو مسعود بن المجلي أحمد بن علي البغدادي البزاز. شيخ مبارك عامي. روى عن القاضي أبي يعلى وابن المسلمة وطبقتهما.

وأبو المواهب بن ملوك الوراق، أحمد بن محمد بن عبد الملك البغدادي، عن خمس وثمانين سنة. وكان صالحا خيرا. روى عن القاضي أبي الطيب الطبري والجوهري.

وأبو نصر الطوسي أحمد بن محمد بن عبد القاهر الفقيه، نزيل الموصل. تفقه على الشيخ أبي إسحاق، وسمع من عبد الصمد بن المأمون وطائفة.

والشيخ حماد بن مسلم الدباس أبو عبد الله الرحبي، الزاهد القدوة، نشأ ببغداد، وكان له معمل للدبس. وكان أميا لا يكتب. له أصحاب وأتباع وأحوال وكرامات. دونوا كلامه في مجلدات. وكان شيخ العارفين في زمانه. وكان ابن عقيل يحط عليه ويؤذيه. وهو شيخ الشيخ عبد القادر. توفي في رمضان.

وأبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي، طبيب الأندلس، وصاحب التصانيف. أخذ عن أبيه. وحدث عن أبي علي الغساني وجماعة. ونال دنيا عريضة ورئاسة كبيرة. وله شعر رائق. نكب في الآخر من الدولة.

وعين القضاة الهمذاني أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي، الفقيه العلامة الأديب، وأحد من كان يضرب به المثل في الذكاء. دخل في التصوف ودقائقه وتعانى إشارات القوم حتى ارتبط عليه الخلق، ثم صلب بهمذان على تلك الألفاظ الكفرية. نسأل الله العفو.

وأبو عبد الله الرازي صاحب السداسيات والمشيخة، محمد بن أحمد بن إبراهيم الشاهد المعروف ابن الحطاب، مسند الديار المصرية، وأحد عدول الإسكندرية. توفي في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين سنة. سمعه أبوه الكثير من مشيخة مصر: ابن حمصة والطفال وأبي القاسم الفارسي وطبقتهم.

وأبو غالب الماوردي محمد بن الحسن بن علي البصري، في رمضان ببغداد، وله خمس وسبعون سنة. روى عن أبي علي التستري، وأبي الحسين بن النقور وطبقتهما. وكان ناسخا فاضلا صالحا. دخل إلى أصبهان والكوفة وكتب الكثير وخرج المشيخة.

والسلطان محمود ابن السطان محمد بن ملكشاه، مغيث الدين السلجوقي. ولي بعد أبيه سنة اثنتي عشرة، وخطب له ببغداد وغيرها، ولعمه سنجر معا. وكان له معرفة بالنحو والشعر والتاريخ. توفي بهمذان، وولي بعده طغريل سنتين، ثم مسعود. وكان قد حلفهم لابنه داود بن محمود فلم يتم له أمر.

وأبو القاسم بن الحصين هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين الشيباني البغدادي الكاتب الأزرق مسند العراق. ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين. وسمع من ابن غيلان وابن المذهب والحسن بن المقتدي، والتنوخي. وهو آخر من حدث عنهم. وكان دينا صحيح السماع، توفي في رابع عشر شوال.

ويحيى بن المسرف بن علي أبو جعفر المصري التمار. روى عن أبي العباس بن نفيس. وكان صالحا من أولاد المحدثين. توفي في رمضان.

سنة ست وعشرين وخمسمائة

فيها كانت الوقعة بناحية الدينور بين السلطان سنجر وبين ابني أخيه سلجوق ومسعود. قال ابن الجوزي: كان مع سنجر مائة وستون ألفا، ومع مسعود ثلاثون ألفا. وبلغت القتلى أربعين ألفا. وقتلوا قتلة جاهلية على الملك لا على الدين. وقتل قراجا أتابك سلجوق.

وجاء مسعود لما رأى القلبة إلى بين يدي سنجر فعفا عنه وأعاده إلى كنجة وقرر سلطنة بغداد لطغربل ورد إلى خراسان وفيها التقى المسترشد بالله زنكي ودبيسا وكانا في سبعة آلاف قدما ليأخذا سلطنة بغداد. وشهر المسترشد يومئذ السيف. وحمل بنفسه، وكان في ألفين. فانهزم وزنكي وقتل من عسكرهما خلق.

وفيها كانت وقعة على همذان بين طغريل السلطان وبين حاشية أخيه محمدو، ومعهم ابن أستاذهم داود صبي أمرد. فانهزموا.

وفيها توفي الملك الأكمل أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري. سجن بعد قتل أبيه مدة إلى أن قتل الآمر وأقيم الحافظ. فأخرجوا الأكمل وولي وزارة السيف والقلم. وكان شهما هيبا عالي الهمة كأبيه وجده. فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور، وأخذ أكثر ما في القصر، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية،، لأنه كان سنيا كأبيه، لكنه أظهر التمسك بالإمام المنتظر، وأبطل من الأذان " حي على خير العمل " وغير قواعد القوم. فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه. فركب للعب الكرة في المحرم، فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ بحربة، وأخرجوا الحافظ، ونزل إلى دار الأكمل، واستولى على خزائنه، واستوزر يانس مولاه. فهلك بعد عام.

وأبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله بن محمد السلمي العكبري، قي جمادى الأولى، عن تسعين سنة. وهو آخر من روى عن القاضي أبي الحسن الماوردي. وروى عن الجوهري والعشاري والقاضي أبي الطيب. وكان قد طلب الحديث بنفسه، وله فهم. قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلصا.

وبوري تاج الملوك صاحب دمشق وابن صاحبها طغتكين مملوك تاج الدولة تتش السلجوقي. وكانت دولته أربع سنين. قفز عليه الباطنية فجرح وتعلل أشهرا، ومات في رجب، وولي بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل. وكان شجاعا مجاهدا جوادا كريما. سد مسد أبيه، وعاش ستا وأربعين سنة.

وعبد الله بن أبي جعفر المرسي العلامة أبو محمد المالكي. انتهت إليه رئاسة المالكية. توفي في رمضان. وقد روى عن أبي حاتم بن محمد، وابن عبد البر، والكبار، وسمع بمكة صحيح مسلم من أبي عبد الله الطبري.

وعبد الكريم بم حمزة، أبو محمد السلمي الدمشقي الحداد، مسند الشام. روى عن أبي القاسم الحنائي، والخطيب، وأبو الحسين بن مكي. وكان ثقة. توفي في ذي القعدة.

والقاضي أبو الحسين بن الفراء محمد ابن القاضي أبي يعلى محمد ابن الحسين البغدادي الحنبلي، وله أربع وسبعون سنة. سمع أباه، وعبد الصمد ابن المأمون وطبقتهما. وكان مفتيا مناظرا عارفا بالمذهب ودقائقه، صلبا في السنة، كثير الحط على الأشاعرة. استشهد ليلة عاشوراء، وأخذ ماله ثم قتل قاتله. ألف طبقات الحنابلة.

سنة سبع وعشرين وخمسمائة

فيها قدمت التركمان فأغاروا على أعمال طرابلس، فالتقاهم فرنج طرابلس، فهزمتهم التركمان. ثم وقع الخلف بين ملوك الفرنج بالشام وتحاربوا.

وفيها واقع عسكر حلب الفرنج وقتلوا منهم نحو الألف.

وفيها سار المسترشد بالله في اثني عشر ألفا إلى الموصل، فحاصرها ثمانين يوما، وبها زنكي، ثم ترحل خوفا على بغداد من دبيس والسلطان مسعود.

وفيها أخذ شمس الملوك إسماعيل حصن بانياس من الفرنج بالسيف وقلعتها بالأمان.

وفيها توفي أبو غالب بن البناء أحمد بن أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي مسند العراق، وله اثنتان وثمانون سنة. مات في صفر. سمع الجوهري وأبا يعلى بن الفراء وطائفة. وله مشيخة مروية.

وأبو العباس بن الرطبي أحمد بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد الكرخي. برع في المذهب وغوامضه على الشيخين أبي إسحاق وابن الصباغ، حتى صار يضرب به المثل في الخلاف والمناظرة، ثم علم أولاد الخليفة.

وأسعد الميهني العلامة مجد الدين أبو الفتح شيخ الشافعية في عصره وعالمهم، وأبو سعيد صاحب التعليقة. تفقه بمر وغزنة، وشاع فضله وبعد صيته، وولي نظامية بغداد مرتين. وخرج له عدة تلامذة. وكان ذكاء. تفقه على أبي المظفر بن السمعاني والموفق الهروي. وكان يرجع إلى دين وخوف.

وأبو نصر اليونارتي الحسن بن محمد بن إبراهيم الحافظ. ويونارت قرية على باب أصبهان. سمع أبا بكر بن ماجه، وأبا بكر بن خلف الشيرازي وطبقتهما. ورحل إلى هراة وبلخ وبغداد. وعني بهذا الشأن. وكان جيد العرفة. توفي في شوال وقد جاوز الستين.

وابن الزاغواني أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر البغدادي شيخ القراءات، وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن ابن المسلمة والصريفيني، وقرأ القراءات، وبرع في المذهب والأصول والوعظ. وصنف التصانيف واشتهر اسمه، توفي في المحرم وشيعته أمم.

ومحمد بن أحم بن صاعد، أبو سعيد النيسابوري الصاعدي، وله ثلاث وثمانون سنة. وكان رئيس نيسابور وقاضيها وعالمها وصدرها. روى عن أبي الحسن عبد الغافر وابن مسرور.

وأبو بكر المزرفي محمد بن الحسين الفرضي الحنبلي ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة. قرأ القراءات على أصحاب الحمامي، وسمع أبا جعفر بن المسلمة وطائفة. مات ساجدا في أول يوم من السنة.

وأبو خازم بن الفراء الحنبلي محمد ابن القاضي أبي يعلى. ولد سنة سبع وخمسين، ومات أبوه وله سنة. فسمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة، وبرع في المذهب والأصول والخلاف، وفاق أهل زمانه بالزهد والديانة، صنف كتاب التبصرة في الخلاف ورؤوس المسائل وشرح مختصر الخرقي وغير ذلك.

سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

فيها جاء الحمل من صاحب الموصل زنكي ورضي عنه الخليفة.

وفيها قدم رسول السلطان سنجر فأكرم، وأرسل إليه المسترشد بالله خلفه عظيمة الحظر بمائة وعشرين ألف دينار ثم عرض المسترشد جيشه فبلغوا خمسة عشر ألفا في عدد وزينة لم ير مثلها. وجدد المسترشد قواعد الخلافة وأحي رميمها ونشر عظامها وهابته الملوك.

وفيها توفي الشيخ أبو الوفاء أحمد بن علي الشريازي الزاهد الكبير صاحب الرباط والأصحاب والمريدين ببغداد. وكان يحضر السماع.

وأبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني الأندلسي، صاحب الفلسفة. وكان ماهرا في علوم ألأوائل: الطبيعي والرياضي والإلهي، كثير التصانيف، بديع النظم. عاش ثمانيا وستين سنة. وكان رأسا في معرفة الهيئة والنجوم والموسيقى. تنقل في البلاد ومات غريبا.

وأبو علي الفارقي الحسن بن إبراهيم شيخ الشافعية. ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، وتفقه على محمد بن بيان الكازوني، ثم ارتحل إلى الشيخ أبي إسحاق وحفظ عليه المهذب وتفقه على ابن الصباغ، وحفظ عليه الشامل. وكان ورعا زاهدا، صاحب حق، مجودا لحفظ الكتابين يكرر عليهما. وقد سمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة، وولي قضاء واسط مدة. وبها توفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة. وعليه تفقه القاضي أبو سعد بن أبي عصرون.

وأبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي الشروطي. روى عن الخطيب وابن المسلمة، وتوفي في ذي الحجة.

سنة تسع وعشرين وخمسمائة

فيها بعث المسترشد إلى مسعود بالخلع والتاج، ثم نفذ إليه جاولي شحنة بغداد مستحثا له على الخروج من بغداد، وأمره إن ماطل أن يرمي مخيمه. ثم أحس المسترشد من مسعود الشر، فأخرج السرادق وبرزت الأمراء. وجاء الخبر بموت طغريل، فساق مسعود إلى همذان، فاختلف عليه الجيش، وجاء منهم جماعة إلى الخليفة فأخبروا بخبث نيته.

وفيها أخذ زنكي المعرة من الفرنج، وبقيت في أيديهم سبعا وثلاثين سنة.

ثم إن الأخبار تواترت بأن مسعودا قد حشد وجمع وعلى خيالته دبيس. فطلب المسترشد زنكي وهو محاصر دمشق ليقدم، فنفذ مسعود خمسة آلاف فكبسوا مقدمة المسترشد وأخذوا خيلهم وأمتعتهم. فروا إلى بغداد بأسوإ حال، ثم جبرهم الخليفة، وسار في سبعة آلاف. وكان مسعود بهمذان في بضعة عشر ألفا، فالتقوا في رمضان، فانهزم عسكر الخليفة وأحيط به وبخواصه، وأخذت خزائنه، وكان معه على البغال آلاف ألف دينار، ولم يقتل سوى خمسة أنفس، وحصل المسترشد في أسر مسعود، وأقام أهل بغداد يوم العيد عليه شبه المأتم، وهاشوا على شحنة مسعود. ثم أمر الأجناد والعامة فقتل مائة وخمسون نفسا. وأشرفت بغداد على النهب. ثم أمر الشحنة فنودي: سلطانكم جاثي بين يدي الخليفة، وعلى كتفه الغاشية. فسكنوا.

وأما مسعود فسار ومعه الخليفة معتقلا إلى مراغة، وبها داود بن محمود. فأرسل سنجر يهدد مسعودا ويخوفه وأمره أن يتلافى الأمر وأن يعيد المسترشد إلى دسته، ويمشي في ركابه. فسارع إلى ذلك. واتفق أن مسعودا ركب في جيشه ليلقى بظاهر مراغة. وجلس السلطان للعزاء، ووقع البكاء والنوح. وجاء الخبر إلى ولده الراشد فيايعوه ببغداد طول الليل، وأقام عليه البغداديون مأتما ما سمع بمثله قط. وكانت خلافة المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد القائم الهاشيم العباسي سبع عشرة سنة ونصف سنة. استحلف بعد أبيه وسن إذ ذاك سبع وعشرون سنة. واستشهد في سابع عشر ذي القعدة وله خمس وأربعون سنة. وقيل إن الباطنية جهزهم عليه مسعود. ولم يل الخلافة بعد المعتضد بالله أشهم منه. كان بطلا شجاعا مقداما شديد الهيبة، ذا رأي ويقظة وهمة عالية. وقد روى عن أبي القاسم بن بيان الرزاز.

وشمس الملوك أبو الفتح إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين. ولي دمشق بعد أبيه. وكان وافر الحرمة موصوفا بالشجاعة كثير الإغارة على الفرنج. أخذ منهم عدة حصون، وحاصر أخاه ببعلبك مدة، لكنه كان ظالما مصادرا جبارا مسودنا. فرتبت أمه زمرد خاتون من وثب عليه فيقلعة دمشق في ربيع الأول. وكانت دولته نحو ثلاث سنين، وترتب بعده في الملك أخوه محمود، وصار أتابكه معين الدين أنر الطغتكيني فبقي أربع سنين وقتله غلمانه.

والحسن ابن الحافظ لدين الله عبد المجيد العبيدي المصري، ولي عهد أبيه ووزيره. ولي ثلاثة أعوام، فظلم وغشم وفتك، حتى إنه قتل في ليلة أربعين أميرا. فخافه أبوه وجهز لحربه جماعة، فالتقاهم واختبطت مصر، ثم دس عليه أبوه من سقاه السم فهلك.

ودبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو الأغر ولد الأمير سيف الدولة الأسدي، صاحب الحلة. كان فارسا مقداما جوادا ممدحا أديبا كثير الحروب والفتن. خرج على المسترشد بالله غير مرة، ودخل خراسان والشام والجزيرة، واستولى على كثير من العراق. وكان مسعر حرب وجمرة بلاء. قتله السلطان مسعود بمراغة في ذي الحجة. وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد. فلله الحمد على قتله.

وظافر بن القاسم الحداد الجذامي الإسكندري الشاعر المحسن، صاحب الديوان.

وأبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي الحافظ الأديب صاحب تاريخ نيسابور ومصنف مجمع الغرائب ومصنف المفهم في شرح مسلم، وكان إماما في الحديث وفي اللغة والأدب والبلاغة. عاش ثمانيا وسبعين سنة. وأكثر الأسفار، وحدث عن جده لأمه أبي القاسم القشيري وطبقته. وأجاز له أبو محمد الجوهري وآخرون.

وقاضي الجماعة أبو عبد الله بن الحاج التجيبي القرطبي المالكي محمد بن أحمد بن خلف. روى عن أبي علي الغساني وطائفة. وكان من جلة العلماء وكبارهم، متبحر في العلوم والآداب. ولم يكن أحد في زمانه أطلب للعلم منه، مع الدين والخشوع. قتل ظلما بجامع قرطبة في صلاة الجمعة عن إحدى وسبعين سنة.

سنة ثلاثين وخمسمائة

فيها جاء أمير من جهة السلطان مسعود يطلب من الراشد بالله سبع مائة ألف دينار. فاستشار الأعيان فأشاروا عليه بالتجنيد. فرد على مسعود بقوة نفس. وأخذ يتهيأ. فانزعج أهل بغداد وعلقوا السلاح. ثم إن الراشد قبض على إقبال الخادم وأخذت حواصله، فتألم العسكر لذلك وشغبوا، ووقع النهب. ثم جاء زنكي وسأل في إقبال سؤالا تحته إلزام. فأطلق له. ثم قبض الراشد على أستاذ داره، ثم خرج بالعساكر، فجاء عسكر مسعود فنازلوا بغداد، وقاتلهم الناس وخامر جماعة أمراء إلى الراشد. ثم بعد أيام وصل رسول مسعود يطلب من الراشد الصلح فقرئت مكاتبته على الأمراء فأبوا إلا القتال. فأقبل مسعود في خمسة آلاف راكب، ودام الحصار، واضطرب عسكر الخليفة، والقصة فيها طول. ثم كاتب مسعود زنكي ووعده، ومناه وكتب إلى أمراء زنكي: إنكم إن قتلتم زنكي أعطيتم بلاده. وعرف زنكي فرحل هو والراشد ونزل بغداد. فدخلها مسعود فأظهر القول واجتمع إليه الأعيان والعلماء وحطوا على الراشد. وبالغ في ذلك علي بن طراد، وقيل بل أخرج مسعود خط الراشد يقول إني متى جندت انعزلت ثم نهض علي بن طراد بأعباء القضية واجتمع بالقضاة والمفتين وخوفهم وأرهبهم إن لم يخلعوا الراشد. وكتب محضرا فيه: إن أبا جعفر بن المسترشد بدا منه سوء فعال وسفك دماء، وفعل ما لا يجوز أن يكون معه إماما. وشهد بذلك جماعة. ثم حكم ابن الكرجي وهو قاض بخلعه في ذي القعدة. وأحضروا محمد بن المستظهر فبايعوه ولقبوه المقتفي لأمر الله. ثم أخذ مسعود جميع ما في دار الخلافة حتى لم يدع في دار الخلافة سوى أربعة أفراس. فقيل إنهم بايعوه على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر. وبايعه مسعود يوم عرفة.

وفيها كبس عسكر حلب بلاد الفرنج بالساحل فأسروا وسبوا وغنموا، وشرع أمر الفرنج يتضعضع.

وفيها توفي نصر البئار إبراهيم بن الفضل الأصبهاني الحافظ. روى عن أبي الحسين بن النقور وخلق. قال ابن السمعاني: رحل وسمع، وما أظن أحدا بعد ابن طاهر المقدسي رحل وطوف مثله، أو جمع الأبواب كجمعه إلا أن الإدبار لحقه في آخر الأمر. وكان يقف في سوق أصبهان ويروي من حفظه بسنده. وسمعت أنه يضع في الحال. وقال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: اشكر الله كيف ما لحقته. وأما ابن طاهر المقدسي فجرب عليه الكذب مرات.

وسلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز، زين القضاة أبو المكارم القرشي الدمشقي. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة، وناب في القضاء عن أبيه ووعظ وأفتى.

وعلي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني، أبو الحسن المالكي النحوي الزاهد شيخ دمشق ومحدثها. روى عن أبي القاسم السميساطي وأبي بكر الخطيب وعدة. قال السلفي: لم يكن في وقته مثله بدمشق. كان زاهدا عابدا ثقة. وقال ابن عساكر: كان متحرزا متيقظا منقطعا في بيته بدرب النقاشة أو بيته الذي في المنارة الشرقية بالجامع، مفتيا يقرئ الفرائض والنحو.

وأبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني المزكى، راوي مسند الروياني عن أبي الفضل الرازي توفي في ذي القعدة.

وأبو عبد الله محمد بن حمويه الجويني، الزاهد، شيخ الصوفية بخراسان. له مصنف في التصوف. وكان زاهدا قدوة عارفا بعيد الصيت. روى عن موسى بن عمران الأنصاري وجماعة، وعاش اثنتين وثمانين سنة. وهو جد بني حمويه.

وأبو بكر محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني مسند أصبهان في زمانه، وآخر من حدث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم الكاتب. كان صالحا صحيح السماع. توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وتسعين سنة. وآخر أصحابه عين الشمس.

وأبو عبد الله الفراوي، محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي النيسابوري فقيه الحرم. راوي صحيح مسلم عن الفارسي. روى عن الكبار ولقي ببغداد أبا نصر الزينبي، وتفرد بكتب كبار، وصار مسند خراسان. وكان شافعيا مفتيا مناظرا. صحب إمام الحرمين مدة، وعاش تسعين سنة. توفي في شوال.

سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

فيها دفع زنكي الراشد المخلوع عن الموصل، فسار نحو أذربيجان، وتسلل الناس عنه، وبقي حائرا. فنفذ مسعود ألفي فارس ليأخذوه، ففاتهم، وجاء إلى مراغة. فبكى عند قبر أبيه، وحثا على رأسه التراب. فرق له أهل مراغة، وقام معه داود بن السلطان ولد محمود. فالتقى داود ومسعود فقتل خلق من جيش مسعود. وصادر مسعود الرعية ببغداد وعسف.

وفيها سار عسكر دمشق، فالتقوا فرنج طرابلس فكسروهم ولله الحمد.

وفيها هزم الأتابك زنكي الفرنج بالشام، وأخذ منهم قلعة بعرين ثم سار إلى بعلبك فتملكها.

وفيها توفي إسماعيل بن أبي القاسم القارئ، أبو محمد النيسابوري روى عن أبي الحسن عبد الغافر، وأبي حفص بن مسرور. وكان صوفيا صالحا ممن خدم أبا القاسم القشيري. ومات في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة. وقد روى صحيح مسلم كله.

وتميم بن أبي سعيد أبو القاسم الجرجاني. روى عن أبي حفص بن مسرور، وأبي سعد الكنجروذي والكبار. وكان مسند هراة في زمانه. توفي ي هذه السنة أو في التي قبلها.

وطاهر بن سهل بن بشر أبو محمد الاسفراييني الدمشقي الصائغ، عن إحدى وثمانين سنة. سمع أباه وأبا بكر الخطيب، وأبا القاسم الحنائي وطائفة. وكان ضعيفا. قال ابن عساكر: حك اسم أخيه وكتب بدله اسمه.

وأبو جعفر الهمذاني محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الحافظ الصدوق. رحل وروى عن ابن النقور، وأبي صالح المؤذن، والفضل بن المحب وطبقتهم، بخراسان والعراق والحجاز والنواحي. قال ابن السمعاني: ما أعرف أن في عصره أحدا سمع أكثر منه. توفي في ذي القعدة.

وأبو القاسم بن الطبر هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي المقرئ. قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن موسى الخياط، وهو آخر أصحابه، وسمع من أبي إسحاق البرمكي وجماعة. وكان ثقة صالحا ممتعا بحواسه. توفي في جمادى الآخرة عن ست وتسعين سنة.

وأبو عبد الله يحيى ين الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي. روى عن أبي الحسين بن الآبنوسي، وعبد الصمد بن المأمون. وكان ذا علم وصلاح. توفي في ربيع الأول.

سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

فيها قويت شوكة الراشد بالله وكثرت جموعه فلم ينشب أن قتل.

وفيها توفي أبو نصر الغازي أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني الحافظ. قال ابن السمعاني: ثقة حافظ، ما رأيت في شيوخي أكثر رحلة منه. سمع أبا القاسم بن منده، وأبا الحسين بن النقور، والفضل بن المحب وطبقتهم. وكان جماعة من أصحابنا يفضلونه على إسماعيل التيمي الحافظ. توفي في رمضان. قلت: عاش ثلاثا وثمانين سنة.

وأحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ بقي ابن مخلد، أبو القاسم القرطبي المالكي. أحد الأئمة. روى عن أبيه، وابن الطلاع. وأجاز له أبو العباس بن دلهاث. توفي في سلخ العام عن سبع وثمانين سنة.

والفقيه أبو بكر الدينوري أحمد بن أبي الفتح محمد بن أحمد الحنبلي. من أئمة الحنابلة ببغداد. تفقه على أبي الخطاب. وروى عن رزق الله.

وإسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن الفقيه، أبو سعد النيسابوري الشافعي. روى عن أبيه، وأبي حامد الأزهري وطائفة. وتفقه على إمام الحرمين، وبرع في الفقه، ونال جاها ورئاسة عند سلطان كرمان. توفي ليلة الفطر وله نيف وثمانون سنة.

وسعيد بن أبي الرجاء محمد بن بكر، أبو الفج الأصبهاني الصيرفي الخلال السمسار. توفي في صفر عن سن عالية. فإنه سمع سنة ست وأربعين من أحمد ابن محمد بن النعمان القصاص. وروى مسند أحمد بن منيع ومسند العدني ومسند أبي يعلى وأشياء كثيرة، وكان صالحا ثقة.

وعبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن، أبو المظفر القشيري النيسابوري، آخر أولاد الشيخ وفاة. عاش سبعا وثمانين سنة. وحدث عن سعيد البحيري والبيهقي والكبار. وأدرك ببغداد أبا الحسين بن النقور وجماعة.

وأبو الحسن الجذامي علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهب الأندلسي، أحد الأئمة. أجاز له أبو عمر بن عبد البر، وأكثر عن أبي العباس ابن دلهاث العذري، وصنف تفسيرا وكتابا في الأصول. وعمر إحدى وتسعين سنة.

وعلي بن علي بن عبيد الله أبو منصور الأمين، والد عبد الوهاب بن سكينة. روى الجعديات عن الصريفيني. وكان خيرا زاهدا، يصوم صوم داود. وكان أمينا على أموال الأيتام ببغداد. عاش أربعا وثمانين سنة.

وفاطمة بنت علي بن المظفر بن زعبل، أم الخير البغدادية الأصل النيسابورية المقرئة. روت صحيح مسلم وغريب الخطابي عن أبي الحسن الفارسي. وعاشت سبعا وتسعين سنة. وكانت تلقن النساء. وقيل توفيت في العام المقبل.

وأبو الحسن الكرجي محمد بن عبد الملك الفقيه الشافعي، شيخ الكرج وعالمها ومفتيها. قال ابن السمعاني: إمام ورع فقيه مفت محدث أديب. أفنى عمره في طلب العلم ونشره. وروى عن مكي السلار وجماعة. قلت: له قصيدة مشهور في السنة. توفي في شعبان في عشر الثمانين.

والراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العباسي. خطب له بولاية العهد أكثر أيام والده، وبويع بعده. وكان شابا أبيض مليحا تام الشكل، شديد البطش، شجاع النفس، حسن السيرة، جوادا كريما شاعرا فصيحا، لم تطل دولته. خرج من بغداد إلى الجزيرة وأذربيجان، فخلعوه لذنوب ملفقة، فدخل مراغة وعسكر منها، وسار إلى أصبهان معه السلطان داود بن محمود، فحاصرها وتمرض هناك. فوثب عليه جماعة من الباطنية. قتلوه وقتلوا. وقيل قتلوه صائما يوم سادس وعشرين رمضان، وله ثلاثون سنة. وخلف نيفا وعشرين ابنا. وقد غزا أهل همذان وعبرها في أيام عزله، وظلم وعسف وقتل كغيره.

ونوشروان بن محمد بن خالد الوزير، أبو نصر القاشاني. وزر للمسترشد والسلطان محمود. وكان من عقلاء الرجال ودهاتهم، وفيه دين وحلم وجود مع تشيع قليل. توفي في رمضان وقد شاخ.

وأبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله ابن مغيث القرطبي العلامة، أحد الأئمة بالأندلس. كان رأسا في الفقه وفي الحديث، وفي الأنساب والأخبار، وفي علو الإسناد. روى عن أبي عمر بن الحذاء، وحاتم بن محمد، والكبار. وتوفي في جمادى الآخرة عن خمس وثمانين سنة.

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

قال أبو الفرج بن الجوزي: فيها كانت زلزلة عظيمة بجنزة أتت على مائة ألف وثلاثين ألفا أهلكتهم. فسمعت شيخنا ابن ناصر يقول: جاء الخبر إنه خسف بجنزة وصار مكان البلد ماء أسود. وأما ابن الأثير فذكر ذلك في سنة أربع الآتية وأن الذين هلكوا مائتا ألف وثلاثون ألفا.

وفيها اختلف السلطان سنجر وخوارزم شاه أتسز. فالتقيا، فانهزم خوارزم شاه وقتل ولده. وملك سنجر البلد. وأقام بها نائبا. فلما رجع جاء إليها خوارزم شاه فهرب النائب منه.

وفيها توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي. روى عن جماعة وانفرد بالإجازة عن أبي عمرو الداني.

وزاهر بن طاهر أبو القاسم الشحامي النيسابوري، المحدث المستملي الشروطي. مسند خراسان. روى عن أبي سعد الكنجروذي والبيهقي وطبقتهما. ورحل في الحديث أولا وآخرا. وخرج التخاريج، وأملى نحوا من ألف مجلس. ولكنه كان يخل بالصلوات، فتركه جماعة لذلك. توفي في ربيع الآخر.

وجمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم السلمي الدمشقي الشافعي مدرس الغزالية وألأمينية، ومفتي الشام في عصره. صنف في الفقه والتفسير، وتصدر للإشغال والرواية. فحدث عن أبي نصر بن طلاب، وعبد العزيز الكتاني وطائفة. وأول ما درس بمدرسة أمين الدولة سنة أربع عشرة وخمس مائة.

ومحمود بن بوري بن طغتكين، الملك شهاب الدين، صاحب دمشق. ولي بعد تل أخيه شمس الملوك إسماعيل. وكان أمه زمرد هي الكل. فلما تزوج بها الأتابك زنكي وسار إلى حلب قام بتدبير المملكة معين الدين أنر الطغتكيني، فوثب عليه جماعة من المماليك فقتلوه في شوال وأحضروا أخاه محمدا من مدينة بعلبك فملكوه.

وهبة الله بن سهل السيدي أبو محمد البسطامي ثم النيسابوري. فقيه صالح متعبد عالي الإسناد. روى عن أبي حفص بن مسرور، وأبي يعلى الصابوني والكبار. توفي في صفر.

سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

فيها حاصر دمشق زنكي.

وفيها توفي أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي الهروي العدل. روى عن أبي المليحي ومحلم الضبي. توفي في صفر.

ومحمد بن بوري بن طغتكين صاحب دمشق جمال الدين، كان ظالما سيء السيرة. ولي دمشق عشرة أشهر. ومات في شعبان. وأقيم بعده ابنه أبق، صبي مراهق.

ويحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي الزكي، أبو الفضل القرشي الدمشقي قاضي دمشق وأبو قضاتها سمع من عبد العزيز الكتاني وطائفة، ولزم الفقيه نصر المقدسي مدة. توفي في ربيع الأول.

ويحيى بن بطريق الطرسوسي ثم الدمشقي. روى عن أبي بكر الخطيب وأبي الحسين محمد بن مكي، توفي في رمضان.

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

فيها ألح زنكي على دمشق بالحصار، وخرب قرى المرج، وعاث بحوران، ثم التقاه عسكر دمشق وقتل جماعة، ثم ترحل إلى الشرق.

وفيها توفي إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ الكبير، قوام السنة أبو القاسم التيمي الطلحي الأصبهاني. روى عن أبي عمرو بن منده وطبقته، بأصبهان، وأبي نصر الزيني ببغداد، ومحمد بن سهل السراج بنيسابور. ذكره أبو موسى المديني فقال: أبو القاسم إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه. أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين، ثم فلج بعد مدة، وتوفي بكرة يوم عيد الأضحى سنة خمس. وكان مولده سنة سبع وخمسين وأربع مائة. وقال ابن السمعاني: هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر. وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، وأملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس. وقال أبو عامر العبدري: ما رأيت شابا ولا شيخا قط مثل إسماعيل التيمي، ذاكرته فرأيته حافظا للحديث عارفا بكل علم متفننا. وقال أبو موسى: صنف شيخنا إسماعيل التفسير في ثلاثين مجلدة كبار، وسماه الجامع. وله الإيضاح في التفسير أربع مجلدات. والموضح في التفسير ثلاث مجلدات. وله المعتمد في التفسير عشر مجلدات. وتفسير بالعجمي عدة مجلدات، رحمه الله.

ورزين بن معاوية أوب الحسن العبدري الأندلسي السرقطسي مصنف تجريد الصحاح. روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم بن أبي ذر، وكتاب مسلم عن الحسين الطبري. وجاور بمكة دهرا. وتوفي في المحرم.

وأبو منصور القزاز عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي، ويعرف بابن زريق. روى عن الخطيب وأبي جعفر بن المسلمة، والكبار. وكان صالحا كثير الرواية. توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة.

وعبد الوهاب بن شاه، أبو الفتوح الشاذياخي النيسابوري التاجر. سمع من القشيري رسالته ومن أبي سهل الحفصي صحيح البخاري، ومن طائفة. توفي في شوال.

وأبو الحسن بن توبة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي العكبري الشافعي المقرئ. روى عن أبي جعفر بن المسلمة وأبي بكر الخطيب وطائفة. توفي في صفر.

وتوفي أخوه عبد الجبار بعده بثلاثة أشهر. وروى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة. وكان الأصغر.

ومحمد بن عبد الباقي بن محمد، القاضي أبو بكر الأنصاري البغدادي الحنبلي. البزاز، مسند العراق، ويعرف بقاضي المارستان. حضر أبا إسحاق البرمكي، وسمع من علي بن عيسى الباقلاني، وأبي محمد الجوهري، وأبي الطيب الطبري وطائفة. وتفقه على القاضي أبي يعلى، وبرع في الحساب والهندسة، وشارك في علوم كثيرة، وانتهى إليه علو الإسناد في زمانه. توفي في رجب، وله ثلاث وتسعون سنة وخمسة أشهر. قال ابن السمعاني: ما رأيت أجمع للفنون منه، نظر في كل علم. وسمعته يقول: تبت من كل علم تعلمته إلا الحديث وعلمه.

ويوسف بن أيوب أبو يعقوب الهمذاني الزاهد شيخ الصوفية بمرو، وبقية مشايخ الطريق العاملين. تفقه على الشيخ أبي إسحاق فأحكم مذهب الشافعي، وبرع في المناظرة، ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه. وروى عن الخطيب وابن المسلمة والكبار. وسمع بأصبهان وبخارى وسمرقند. ووعظ وخوف، وانتفع به الخلق. وكان صاحب أحوال وكرامات توفي في ربيع الأول عن أربع وتسعين سنة.

سنة ست وثلاثين وخمسمائة

فيها كانت ملحمة عظيمة بين السلطان سنجر وبين الترك الكفرة بما وراء النهر أصيب فيها المسلمون، وأفلت سنجر في نفر يسير، بحيث أنه وصل بلخ في ستة أنفس، وأسرت زوجته وبنته. وقتل في جيشه مائة ألف أو أكثر. وقيل إنه أحصي من القتلى أحد عشر ألف صاحب عمامة، وأربعة آلاف امرأة. وكانت الترك في ثلاث مائة ألف فارس.

وأبو سعد الزوزني أحمد بن محمد الشيخ أبي الحسن علي بن محمود بن ماخوة الصوفي. روى عن القاضي أبي يعلى الفراء، وأبي جعفر بن المسلمة والكبار. توفي في شعبان عن سبع وثمانين سنة. قال ابن ناصر: كان متسمحا، فرأيته في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأنا في الجنة.

وأبو العباس بن العريف أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي الصوفي الزاهد. قال ابن بشكوال: كان مشاركا في أشياء من العلم، ذا عناية بالقراءات، وجمع الروايات والطرق وحملتها وكان متناهيا في الفضل والدين منقطعا إلى الخير. وكان العباد وأهل الزهد يقصدونه ويألفونه. قلت: لما كثر أتباعه توهم السلطان وخاف أن يخرج عليه. فطلبه، فأحضر إلى مراكش فتوفي في الطريق قبل أن يصل. وقيل: توفي بمراكش في صفر، وله ثمان وسبعون سنة. وكان من أهل المرية.

وإسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو القاسم بن السمرقندي الحافظ ولد بدمشق سنة أربع وخمسين، وسمع بها من الخطيب وعبد الدائم الهلالي، وابن طلاب، والكبار، وببغداد من الصريفيني فمن بعده. قال أبو العلاء الهمداني: ما أعدل به أحدا من شيوخ العراق. توفي في ذي القعدة.

وعبد الجبار بن محمد بن أحمد أبو محمد الخواري الشافعي المفتي، إمام جامع نيسابور. تفقه على إمام الحرمين وسمع البيهقي والقشيري وجماعة. توفي في شعبان عن إحدى وتسعين سنة.

وابن برجان، وهو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي الإفريقي ثم الإشبيلي، العارف شيخ الصوفية ومؤلف شرح الأسماء الحسنى توفي غريبا بمراكش. قال ابن الأبار: كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث والتحقق بعلم الكلام والتصوف، مع الزهد والاجتهاد في العبادة. وقبره بإزاء قبر ابن العريف.

وشرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي عبد الواحد ابن محمد الأنصاري الشيرازي، ثم الدمشقي. الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة بالشام بعد والده ورئيسهم. وهو واقف المدرسة الحنبلية بدمشق. توفي في صفر، وكان ذا حرمة وحشمة وقبول وجلالة ببلده.

وأبو عبد الله المازري محمد بن علي بن عمر المالكي المحدث، مصنف المعلم في شرح مسلم كان من كبار أئمة زمانه. توفي في ربيع الأول وله ثلاث وثمانون سنة. مازر بفتح الزاي وكسرها بليدة بجزيرة صقلية.

وهبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاوس، أبو محمد البغدادي، إمام جامع دمشق. ثقة مقرئ محقق. ختم عليه خلق. وله اعتناء بالحديث. روى عن أبي العباس بن قبيس، وأبي عبد الله ابن أبي الحديد، وببغداد من البانياسي وطائفة، وبأصبهان من ابن شكرويه وطائفة وهو آخر أصحاب ابن أبي لقمة.

ويحيى بن علي، أبو محمد بن الطراح المدبر. روى عن عبد الصمد بن المأمون وأقرانه. وكان صالحا ساكنا. توفي في رمضان.

سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

فيها توفي صاحب ملطية محمد بن الدانشمد، واستولى على مملكته مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية.

والحسين بن علي سبط الخياط البغدادي المقرئ أبو عبد الله. قال ابن السمعاني: شيخ صالح دين حسن الإقراء. يأكل من كد يده. سمع الصريفيني وابن المأمون والكبار.

وأبو الفتح بن البيضاوي، القاضي عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد، أخو قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لأمه. سمع أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وكان متحريا في أحكامه. توفي جمادى الأولى ببغداد.

وعلي بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين صاحب المغرب. كان يرجع إلى عدل ودين وتعبد وحسن طوية وشدة إيثار لأهل العلم وتعظيم لهم، وذم للكلام وأهله. ولما وصلت إليه كتب أبي حامد أمر بإحراقها وشدد في ذلك، ولكنه كان مستضعفا مع رؤوس أمرائه، فلذلك ظهرت مناكير وخمور في دولته. فتغافل وعكف على العبادة. وتوثب عليه ابن تومرت، ثم صاحبه عبد المؤمن. توفي في رجب عن إحدى وستين سنة. وتملك بعده ابنه تاشفين.

وعمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النسفي السمرقندي الحنفي الحافظ، ذو الفنون. يقال له مائة مصنف. روى عن إسماعي بن محمد النوحي فمن بعده، وله أوهام كثيرة.

وكوخان سلطان الترك والخطا الذي هزم المسلمين وفعل الأفاعيل في السنة الماضية، واستولى على سمرقند وغيرها. هلك في رجب ولم يمهله الله. وكان ذا عدل على كفره، تملك بعده بنته مديدة، وهلكت فولي بعدها أمها.

ومحمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز، القاضي المنتخب، أبو المعالي القرشي الدمشقي الشافعي قاضي دمشق، وابن قاضيها، القاضي الزكي. سمع أبا القاسم بن أبي العلاء وطائفة، وسمع بمصر من الخلعي، وتفقه على نصر المقدسي وغيره. توفي في ربيع الأول عن سبعين سنة.

ومفلح بن أحمد أبو الفتح الرومي. ثم البغدادي الوراق. سمع من أبي بكر الخطيب والصريفيني وجماعة. توفي في المحرم.

سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

فيها حاصر سنجر مدينة خوارزم. وكاد أن يأخذها خوارزم شاه أتسز وبذل الطاعة.

وفيها توفي أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي الصفار المقرئ. روى عن ابن المسلمة وعبد الصمد بن المأمون.

وأبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي الحافظ، مفيد بغداد. سمع الصريفيني وطبقته ومن بعده. قال أبو سعد: حافظ متقن كثير السماع واسع الرواية دائم المبشر سريع الدمعة، جمع وخرج، لعله ما بقي جزء عال أو نازل إلا قرأه وحصل به نسخة. ولم يتزوج قط. توفي في المحرم وله ست وسبعون سنة.

وعلي بن طراد بن محمد الوزير الكبير أبو القاسم الزينبي العباسي. وزر للمسترشد والمقتفي، وسمع من عمه أبي نصر الزينبي وأبي القاسم بن البسري. وكان صدرا نبيلا كامل السؤدد، بعيد الغور، دقيق النظر، ذا رأي ودهاء وإقدام. نهض بأعباء بيعة المقتفي وخلع الراشد في نهار واحد. وكان الناس يتعجبون من ذلك. ولما تغير عليه المقتفي وهم بالقبض عليه احتمى منه بدار السلطان مسعود، ثم خلص ولزم داره، واشتغل بالعبادة والخير، إلى أن مات في رمضان. وكان يضرب المثل بحسنه في صباه.

وأبو الفتوح الإسفراييني محمد بن الفضل بن محمد، ويعرف أيضا بابن المعتمد، الواعظ المتكلم. روى عن أبي الحسن بن الأخرم المديني. ووعظ ببغداد. وجعل شعاره إظهار مذهب الأشعري، وبالغ في ذلك حتى هاجت فتنة كبيرة بين الحنابلة والأشعرية. فأخرج من بغداد، فغاب مدة ثم قدم وأخذ يثير الفتنة ويبث اعتقاده. ويذم الحنابلة. فأخرج من بغداد وألزم بالإ قامة ببلده. فأدركه الموت ببسطام في ذي الحجة. وكان رأسا في الوعظ، أوحد في مذهب الأشعري. له تصانيف في الأصول والتصوف. قال ابن عساكر: أجرأ من رأيته لسانا وجنانا، أسرعهم جوابا، وأسلسهم خطابا، لازمت حضور مجلسه فما رأيت مثله واعظا ولا مذكرا. وقال أبو طالب بن الحديثي القاضي: كنت جالسا فمر أبو الفتوح وحوله جم غفير وفيهم من يصيح يقول: لا بحرف ولا بصوت بل عبارة. فرجمه العوام، وكان هناك كلب ميت فتراجموا به، وصار من ذاك فتنة كبيرة.

وأبو القاسم الزمخشري محمود بن عمر الخوارزمي النحوي اللغوي المفسر المعتزلي، صاحب الكشاف والمفصل. عاش إحدى وسبعين سنة. وسمع ببغداد من ابن البطر، وصنف عدة تصانيف. وسقطت رجله فكان يمشي في جاون خشب. وكان داعية إلى الاعتزال كثير الفضائل.

سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

فيها حج بالناس من العراق نظر الخادم بعد انقطاع الركب مدة فنهبوا في مكة.

وفيها أخذ زنكي الرها من الفرنج.

وفيها توفي أبو البدر الكرخي إبراهيم بن محمد بن منصور. تفرد بأمالي ابن سمعون عن خديجة الشاهجانية، وسمع أيضا من الخطيب وطائفة. توفي في ربيع الأول.

وتاشفين صاحب المغرب أمير المسلمين ولد علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي البربري الملثم. ولي بعد أبيه سنتين وأشهرا، فكانت دولته في ضعف وسفال وزوال مع وجود عبد المؤمن. فتحصن بمدينة وهران. فصعد ليلة في رمضان إلى مزار بظاهر وهران فبيته أصحاب عبد المؤمن. فلما أيقن الشاب بالهلكة ركض فرسه فتردى به إلى البحر فتحطم وتلف، ولم يبق لعبد المؤمن منازع وتوجه فأخذ تلمسان.

وأبو منصور بن الرزاز سعيد بن محمد بن عمر البغدادي شيخ الشافعية ومدرس النظامية. تفقه على الغزالي، وأسعد الميهني وإلكيا الهراسي، وأبي بكر الشاشي، وأبي سعد المتولي. وروى عن رزق الله التميمي. توفي في ذي الحجة عن سبع وسبعين سنة.

وأبو الحسن شريح بن محمد شريح الرعيني الإشبيلي خطيب إشبيلية ومقرئها ومسندها. روى عن أبيه وأبي عبد الله بن منظور، وأجاز له ابن حزم. وقرأ القراءات على أبيه، وبرع فيها. رحل الناس إليه من الأقطار للحديث والقراءات. ومات في شهر جمادى الأولى عن تسع وثمانين سنة.

وعلي بن هبة الله بن عبد السلام، أبو الحسن الكاتب البغدادي. سمع الكثير بنفسه، وكتب وجمع، وحد؟ ث عن الصريفيني وابن النقور. توفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة.

وأبو البركات عمر عمر بن إبراهيم بن محمد العلوي الزيدي الكوفي الحنفي النحوي. أجاز له محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وسمع من أبي بكر الخطيب، وخلق. وسكن الشام مدة، وله مصنفات في العربية. وكان يقول: أفتي برأي أبي حنيفة ظاهرا، وبمذهب زيد بن علي جدي تدينا. وقال أبي النرسي: كان جاروديا لا يرى الغسل من الجنابة. قلت: وقد اتهم بالرفض والقدر والتجهم.، توفي في شعبان وله سبع وتسعون سنة. وشيعه نحو ثلاثين ألفا. وكان مسند الكوفة.

وفاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادي أم البهاء الواعظة مسندة أصبهان. روت عن أبي الفضل الرازي وسبط بحرويه وأحمد بن محمود الثقفي. وسمعت صحيح البخاري من سعيد العيار. توفيت في رمضان ولها أربع وتسعون سنة.

وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري راوي السنن الكبير عن البيهقي، وراوي البخاري عن العيار. توفي جمادى الآخرة وله إحدى وتسعون سنة.

وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي المقرئ الدباس مصنف المفتاح والموضح في القراءات. أدرك أصحاب أبي الحسن الحمامي، وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة والخطيب والكبار. وتفرد بإجازة أبي محمد الجوهري. توفي في رجب وله خمس وثمانون سنة.

والمبارك بن علي أبو المكارم السمذي البغدادي. سمع الصريفيني وطائفة. ومات يوم عاشوراء.

سنة أربعين وخمسمائة

فيها توفي أبو سعد البغدادي الحافظ أحمد بن محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن الأصبهاني. ولد سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وسمع من عبد الرحمن وعبد الوهاب ابني منده وطبقتهما، وببغداد عن عاصم بن الحسن. قال أبو سعد السمعاني، حافظ دين خير يحفظ صحيح مسلم. وكان يملي من حفظه. قلت: حج مرات. ومات في ربيع الآخر بنهاوند، ونقل إلى أصبهان.

وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري. روى عن القشيري وأحمد بن منصور المغربي. توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة.

وأبو منصور بن الجواليقي موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر البغدادي النحوي اللغوي. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة. وأخذ الأدب عن أبي زكريا التبريزي. وصنف التصانيف، وانتهى إليه علم اللغة، وأم بالخليفة المقتفي وعلمه الأدب. وكان غزير العقل متواضعا مهيبا، عاش أربعا وسبعين سنة. وتوفي في المحرم، ووهم من قال توفي سنة إحدى وأربعين.

سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

فيها حاصر زنكي قلعة جعبر. فوثب عليه ثلاثة من غلمانه فقتلوه وتملك الموصل بعده ابنه غازي. وتملك حلب وغيرها ابنه الآخر نور الدين محمود.

وفيها أخذت الفرنج طرابلس المغرب بالسيف ثم عمروها.

وفيها توفي أبو البركات إسماعيل بن الشيخ أبي سعد أحمد بن محمد النيسابوي ثم البغدادي شيخ الشيوخ، وله ست وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة. وكان مهيبا جليل القدر وقورا متصوفا.

وحنبل بن علي أبو جعفر البخاري الصوفي رحل وسمع من شيخ الإسلام بهراة، وصحبه، وببغداد من أبي عبد الله النعالي، توفي بهراة في شوال.

وزنكي الأتابك عماد الدين صاحب الموصل وحلب، ويعرف أبوه بالحاجب قسيم الدولة أقسنقر التركي. ولي شحنكية بغداد في آخر دولة المستظهر بالله، ثم نقل إلى الموصل، وسلم إليه السلطان محمود ولده فرخشاه الملقب بالخفاجي ليربيه، ولهذا قيل له أتابك. وكان فارسا شجاعا ميمون النقيبة، شديد البأس، قوي المراس، عظيم الهيبة، فيه ظلم وزعارة. ملك الموصل وحلب وحماة وحمص وبعلبك والمعرة. قتله بعض غلمانه وهو نائه وهربوا إلى قلعة جعبر. ففتح لهم صاحبها علي بن مالك العقيلي. وكان سامحه الله حسن الصورة أسمر مليح العينين قد وخطه الشيب. وجاوز الستين. قتل في ربيع الآخر.

وأبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي البلنسي المحدث. رحل إلى المشرق، وسافر في التجارة إلى الصين. وكان فقيها عالما متقنا. سمع أبا عبد الله النعالي، وطراد بن محمد وطائفة، وسكن أصبهان مدة، ثم بغداد، وتفقه على الغزالي. توفي في المحرم.

وسبط الخياط الإمام أبو محمد عبد الله بن علي البغدادي المقرئ النحوي، شيخ المقرئين بالعراق، وصاحب التصانيف. ولد سنة أربع وستين وأربع مائة، وسمع من أبي الحسين بن النقور وطائفة. وقرأ القرآن على جده الزاهد أبي منصور، والشريف عبد القاهر وطائفة. وبرع في العربية على ابن فاخر. وأم بمسجد ابن جردة بضعا وخمسين سنة. وقرأ عليه خلق. وكان من أندى الناس صوت بالقرآن. توفي في ربيع الآخر. وكان الجمع في جنازته يفوق الإحصاء.

وأبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي أخو زاهر. توفي في جمادى الآخرة، عن ست وثمانين سنة. سمع القشيري، وأبا حامد الأزهري، ويعقوب الصيرفي وطبقتهم وطائفة بهراة، وببغداد، والحجاز. وأملى مدة. وكان خيرا متواضعا متعبدا لا كأخيه. وقد تفرد في عصره.

سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

فيها غزا نور الدين محمود بن زنكي فافتتح ثلاثة حصون للفرنج بأعمال حلب.

وفيها كان الغلاء المفرط بل وقبلها سنوات بإفريقية حتى أكلوا لحوم الآدميين.

وفيها توفي أبو الحسن بن الآبنوسي أحمد بن أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي الشافعي الوكيل. سمع أبا القاسم بن البسرى وطبقته. وتفقه وبرع، قرأ الكلام والاعتزال. ثم لطف الله به وتحول سنيا. توفي في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة.

والبطروجي أبو جعفر بن عبد الرحمن الأندلسي أحد الأئمة. روى عن أبي عبد الله الطلاعي وأبي على الغساني وطبقتهما. وكان إماما حافلا بصيرا بمذهب مالك. ودقائقه، إماما في الحديث ومعرفة رجاله وعلله. له مصنفات مشهورة. ولم يكن في وقته بالأندلس مثله. ولكنه كان قليل العربية، رث الهيئة، خاملا. توفي في المحرم.

وأبو بكر الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلال. روى عن أبي الحسين بن المهتدي بالله، والصريفيني. وكان خيرا صحيح السماع. توفي في صفر.

ودعوان بن علي أبو محمد، مقرئ بغداد بعد سبط الخياط. قرأ القراءات على ابن سوار، وعبد القاهر العباسي. وسمع من رزق الله وطائفة. توفي في ذي القعدة.

وعلي بن عبد السيد، أبو القاسم ابن العلامة أبي نصر بن الصباغ الشاهد. سمع من الصريفيني كتاب السبعة لابن مجاهد، وعدة أجزاء. وكان صالحا حسن الطريقة. توفي في جمادي الأولى.

وعمر بن ظفر، أبو حفص المغازلي، مفيد بغداد. سمع أبا القاسم بن البسري فمن بعده. وأقرأ القرآن مدة، وكتب الكثير. توفي في شعبان.

وأبو عبد الله الجلابي القاضي محمد بن علي بن محمد بن الطيب الواسطي المغازلي. سمع من محمد بن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي، والحسن بن أحمد الغندجاني وطائفة. وأجاز له أبو غالب بن بشران اللغوي وطبقته. وكان ينوب في الحكم بواسط.

وأبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي ثم اللاذقي ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري. سمع من أبي بكر الخطيب بصور وتفقه على الفقيه نصر المقدسي، وسمع ببغداد من رزق الله وعاصم، وبأصبهان من ابن شكرويه. ودرس بالغزالية. ووقف وقوفا، وأفتى واشتغل، وصار شيخ دمشق في وقته. توفي في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة. وآخر أصحابه ابن أبي لقمة.

وأبو السعادات بن الشجري هبة الله بن علي العلوي البغدادي النحوي، صاحب التصانيف. توفي في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة. وقد سمع في الكهولة من أبي الحسين بن الطيوري وغيره.

سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

في ربيع الأول نازلت الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف راجل. فخرج المسلمون من دمشق للمصاف فكانوا مائة وثلاثين ألف راجل، وعسكر البلد. فاستشهد نحو المائتين. ثم بروزا في اليوم الثاني فاستشهد جماعة، وقتل من الفرنج عدد كثير. فلما كان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرع إلى الله. وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع. وضج النساء والأطفال مكشفي الرؤوس، وصدقوا الافتقار إلى الله فأغاثهم، وركب قسيس الفرنج وفي عنقه صليب وفي يده صليب وقال: أنا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق. فاجتمعوا حوله، وحمل على البلد. فحمل عليه المسلمون فقتلوه وقتلوا حماره، وأحرقوا الصلبان. ووصلت النجدة فانهزمت الفرنج وأصيب منهم خلق. وسبب هزيمتهم أن مقدم الجيش معين الدين أنر أرسل يقول للفرنج الغرباء: إن صاحب الشرق قد حضر، فإن رحلتم وإلا سلمت دمشق إليه، وحينئذ تندمون. وأرسل إلى فرنج الشام يقول: بأي عقل تساعدون هؤلاء الغرباء علينا وأنتم تعلمون أنهم إن ملكوا أخذوا بلادكم، وأنا إن ملكت سلمت البلد إلى أولاد زنكي فلا يبقى لكم معه ملك. فأجابوه إلى التخلي عن ملك الألمان وبذل لهم حصن بانياس فاجتمعوا بملك الألمان وخوفوه من عساكر الشرق. فترحل في البحر من عكا وبلاده وراء القسطنطينية.

وفيها سارت بعض العساكر محاربين منابذين للسلطان مسعود، ومعهم محمد شاه ابن السلطان محمود، ونازلوا بغداد، وعاثوا ونهبوا وسبوا البنات. فعسكر المقتفي وقاتلت العامة، وبقي الحصار أياما. ثم برز الناس بالعدة التامة فتقهقر لهم العسكر فتبعوهم. فخرج كمين للعسكر فانهزمت العامة، وقتل منهم يومئذ نحو الخمس مائة. ثم تلافت الأمراء القضية ورموا نفوسهم تحت التاج، واعتذروا فلم يجابوا إلى ثاني يوم. وترحلوا. وأما السواد فخرب ودخل أهله في جوع وعرى يستعطفون.

وفيها كان شدة القحط بإفريقية. فانتهز رجار صاحب صقلية الفرصة وأقبل في مائتين وخمسين مركبا. فهرب منه صاحب المهدية فأخذها الملعون بلا ضربة ولا طعنة، وانتهبها ساعتين، وأمنهم. وصار للفرنج من أطرابلس المغرب إلى قريب تونس. وأما صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم الباديسي فإنه عزم على الالتجاء إلى عبد المؤمن. والحسن هو التاسع من ملوك بني زيري بالقيروان.

وفيها توفي أبو تمام أحمد بن أبي العز محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي العباسي البغدادي السفار نزيل خراسان. سمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره. وتوفي في ذي القعدة بنيسابور عن بضع وتسعين سنة.

وأبو إسحاق الغنوي إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقي، الصوفي الفقيه الشافعي. سمع رزق الله التميمي، وتفقه على الغزالي وغيره. وكان ذا سمت ووقار وعبادة، وهو راوي خطب ابن نباتة. توفي في ذي الحجة عن خمس وثمانين سنة.

وقاضي العراق أبو الحسن الزينبي علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العباسي الحنفي. سمع من أبيه وعمه طراد. وكان ذا عقل ووقار ورزانة وعلم وشهامة ورأي. أعرض عنه في الآخر المقتفي وجعل معه في القضاء ابن المرخم، ثم مرض ومات يوم الأضحى.

والمبارك بن كامل الخفاف أبو بكر الظفري، محدث بغداد ومفيدها. أخذ عمن دب ودرج، وأفنى عمره في هذا الشأن، فلم يمهر فيه. سمع أبا القاسم بن بيان وطبقته، وعاش ثلاثا وخمسين سنة. وكان فقيرا متعففا.

وأبو الدر ياقوت الرومي التاجر، عتيق ابن البخاري، حدث بدمشق ومصر وبغداد عن الصريفيني بمجالس المخلص وغير ذلك. وتوفي بدمشق في شعبان.

وأبو الحجاج الفندلاوي يوسف بن دوباس المغربي المالكي. كان فقيها عالما صالحا حلو المجالسة، شديد التعصب للأشعرية، صاحب تحرق على الحنابلة. قتل في سبيل الله في حصار الفرنج لدمشق مقبلا غير مدبر بالنيرب أول يوم جاءت الفرنج وقبره يزار بمقبرة باب الصغير.

سنة أربع وأربعين وخمسمائة

فيها كسر الملك نور الدين الفرنج. وكانت وقعة ميمونة قتل فيها ألف وخمس مائة من الفرنج منهم صاحب أنطاكية وأسر مثلهم. وسار فافتتح حصن فامية، وكان أهل حماة وحمص منه في ضر. ثم أسر جوسلين صاحب عين تاب وتل باشر وعزاز والبيرة وبهسنة والراوندان ومرعش. وأعطي نور الدين التركماني الذي أسره عشرة آلاف دينار واستولى على أكثر بلاده.

وفيها استوزر المقتفي عون الدين أبا المظفر بن هبيرة.

وفيها توفي القاضي أبو بكر الأرجاني أحمد بن الحسين ناصح الدين قاضي تستر وحامل لواء الشعر بالمشرق. وله ديوان مشهور. روى عن ابن ماجه الأبهري. وتوفي في ربيع الأول وقد شاخ. وأرجان مشدد بلد صغير في عمل الأهواز.

وأبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق الهروي الحنفي، العبد الصالح، راوي الصحيح والدارمي، وعبد، عن الداودي. عاش خمسا وثمانين سنة.

والأمير معين الدي أنر بن عبد الله الطغتكيني مقدم عسكر دمشق ومدبر الدولة. كان عاقلا سائسا مدبرا حسن الديانة ظاهر الشجاعة كثير الصدقات. وهو مدفون بقبته التي بين دار البطيخ والشامية. توفي في ربيع الآخر وله مدرسة بالبلد.

والحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي صاحب مصر. بويع مصرع ابن عمه الآمر. فاستولى عليه أحمد بن الأفضل أمير الجيوش وضيق عليه. وكان يعتريه القولنج، فعمل له شيرماه الديلمي طبلا مركبا من المعادن السبعة إذا ضربه ذو القولنج خرج منه ريح متتابعة واستراح. مات في جمادي الأولى. وكانت دولته عشرين سنة إلا خمسة أشهر. وقام بعده ابنه الظافر.

والقاضي عياض بن موسى بن عياض، العلامة أبو الفضل اليحصبي السبتي المالكي أحد الأعلام. ولد سنة ست وسبعين وأربع مائة وأجاز له أبو علي الغساني، وسمع من أبي علي بن سكراة، وأبي محمد بن عتاب وطبقتهما. ولي قضاء سبتة مدة، ثم قضاء غرناطة، وصنف التصانيف البديعة. توفي بمراكش في جمادي الآخرة.

وغازي السلطان سيف الدين صاحب الموصل، وابن احبها زنكي ابن آقسنقر. كان فيه دين وخير وشجاعة وإقدام. توفي في جمادي الآخرة، وقد نيف على الأربعين. وتملك بعده أخوه قطب الدين مودود.

سنة خمس وأربعين وخمسمائة

فيها أخذت العربان ركب العراق، وراح للخاتون أخت السلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار. وتمزق الناس، ومات خلق جوعا وعطشا.

وفيها نازل نور الدين دمشق وضايقها. ثم خرج إليه صاحبها مجير الدين أبق ووزيره ابن الصوفي فخلع عليهما. ورد إلى حلب ونفوس الناس قد أحبته لما رأوا من دينه.

وفيها توفي الرئيس أبو علي الحسن بن علي الشحامي النيسابوري. روى عن الفضل بن المحب وجماعة. توفي بمرو في شعبان.

وأبو بكر محمد بن عبد العزيز بن علي الدينوري ثم البغدادي البيع. سمع أبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن وجماعة. وتوفي في المحرم وله سبعون سنة.

والمبارك بن أحمد بن بركة الكندي البغدادي الخباز، شيخ فقير يخبز بيده ويبيعه. سمع أبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن وطائفة. توفي في شوال.

سنة ست وأربعين وخمسمائة

فيها توفي أبو النصر الفامي عبد الرحمن بن عبد الجبار الحافظ محدث هراة، وله أربع وسبعون سنة. كان خيرا متواضعا صالحا فاضلا. سمع شيخ الإسلام ونجيب بن ميمون وطبقتهما.

وعمر بن علي أبو سعد المحمودي البلخي. توفي في رمضان عن تسعين سنة. سمع أبا علي الوحشي، وهو آخر من حدث عنه.

والقاضي أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي المالكي الحافظ، أحد الأعلام وعالم أهل الأندلس ومسندهم. ولد سنة ثمان وستين وأربع مائة، ورحل مع أبيه سنة خمس وثمانين، ودخل الشام فسمع من الفقيه نصر المقدسي وأبي الفضل بن الفرات، وببغداد من أبي طلحة النعالي وطراد، وبمصر من الخلعي، وتفقه على الغزالي وأبي بكر الشاشي وأبي الوليد الطرطوشي. وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها، مع الذكاء المفرط. ولي قضاء أشبيلية مدة، وصرف فأقبل على نشر العلم وتصنيفه في التفسير والحديث والفقه والأصول. توفي بفاس في ربيع الآخر.

وتوشتكين الرضواني مولى ابن رضوان المراتبي. شيخ صالح متودد. روى عن علي بن البسري وعاصم، وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة.

وأبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن الشيخ أبي القاسم القشيري النيسابوري، خطيب نيسابور ومسندها. سمع من جده حضورا ومن جدته فاطمة بنت الدقاق، ويعقوب بن أحمد الصيرفي وطائفة. وروى الكتب الكبار كالبخاري ومسند أبي عوانة، ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة.

وأبو الوليد بن الدباغ يوسف بن عبد العزيز اللخمي الأندي ثم الدش المرسي الحافظ تلميذ أبي علي بن سكرة. كان إماما مفتيا رأسا في الحديث وطرقه ورجاله. وعاش خمسا وستين سنة.


العبر في خبر من غبر
الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الذيل الأول | الذيل الثاني