العقد الفريد (1953)/الجزء الأول/كتاب اللؤلؤة في السلطان/الإذن

الإذن المؤلف ابن عبد ربه

كتاب اللؤلؤة في السلطان


الإذن

بين زياد وحاجبه قال زياد لحاجبه عجلان: كيف تأذن للناس؟ قال: على البيوتات، ثم على الأسنان، ثم على الآداب. قال: فمن تؤخّر؟ قال: من لا يعبأ الله بهم. قال: ومن هم؟ قال: الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف وكسوة الصيف في الشتاء.

لسعيد بن عتبة
في بعده عن
الآذن
وكان سعيد بن عتبة بن حصين إذا حضر باب أحد من السلاطين جلس جانبا؛ فقيل له: إنك لتتباعد من الآذن جهدك؛ قال: لأن أدعى من بعيد خير من أن أقصى من قريب. ثم قال1:

وإنّ مسيري في البلاد ومنزلي
هو المنزل الأقصى إذا لم أقرّب
ولست وإن أدنيت يوما ببائع
خلاقي ولا ديني ابتغاء التّحبّب
وقد عدّه قوم تجارة رابح
ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي

لبعض الشعراء

وقال آخر:

رأيت أناسا يسرعون تبادرا
إذا فتح البواب بابك إصبعا
ونحن جلوس ساكنون رزانة
وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا2

بين معاوية وابن الأشعث في الدخول على الملوك

ووقف الأحنف بن قيس ومحمد بن الأشعث بباب معاوية، فأذن للأحنف، ثم أذن لابن الأشعث، فأسرع في مشيته حتى تقدم الأحنف ودخل قبله. فلما رآه معاوية غمّه ذلك وأحنقه، فالتفت إليه فقال: والله إني ما أذنت له قبلك وأنا أريد أن تدخل قبله، وإنا كما نلي أموركم نلي آدابكم، ولا يزيد متزيّد في خطوه إلا لنقص يجده من نفسه. وقال همام الرقاشي3:

أبلغ أبا مسمع عنّي مغلغلة
وفي العتاب حياة بين أقوام
قدّمت قبلي رجالا ما يكون لهم
في الحقّ أن يلجوا الأبواب قدّامى
لو عدّ قبر وقبر كنت أقربهم
قربى وأبعدهم من منزل الذّام
حتى جعلت إذا ما حاجة عرضت
بباب قصرك أدلوها بأقوام4

لمعاوية في آذنه

قيل لمعاوية: إن آذنك يقدم معارفه في الإذن على وجوه الناس. قال: وما عليه؟ إنّ المعرفة لتنفع في الكلب العقور والجمل الصّئول؛ فكيف في رجل حسيب ذي كرم ودين؟

للحكماء في الوصول إلى المراد

وقالت الحكماء: لا يواظب أحد على باب السلطان فيلقي عن نفسه الأنفة ويحتمل الأذى ويكظم الغيظ إلا وصل إلى حاجته.

OY الجزء الأول لة 6 جه به رجل فوح (۲) بینا رجل والحسن بن وقالوا : من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له . وقال الشاعر كم من في قصرت في الرزق خطوته ، أصبه بسهام الرزق قد لجا إن الأمور إذا انسدت مسالكها فالصبر يفتق منها كل ما ارتجا لا تيأس وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصیر أن ترى فرجا أخلت بذي الصبر أن يحظى بحاجته و مدمن القرع للأبواب أن يلجا و نظر رجل إلى روح بن حاتم واقفة في الشمس عند باب المنصور ؛ فقال له : لقد طال وقوفك في الشمس . فقال : ذلك ليطول جلوسی (۳) في الظل و نظر آخر إلى الحسن بن عبد الحميد زاحر الناس على باب محمد بن سلمان ، فقال : أمثلك ترضى بهذا ! فقال : أهي لهم نفسي لأكرمها بهم ولا يكرم الفن الذي لا يها وفي كتاب للهند : إن السلطان لا يقرب الناس لقرب آبائنهم ولا يبعدهم البعدهم ، ولكن ينظر ما عند كل رجل منهم ، فيقرب البعيد لنفعه ، و بعد القريب التمره . وشهوا ذلك بالجرذ الذي هو في البيت مجاور ، فمن أجل ضره في والبازي الذي هو وحشی ، فمن أجل نفعه اقي . استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم و في بيت فقال : أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم الخادمه : اخرج إلى هذا فعلمه الأستئذان وقل له يقول : السلام عليكم ، أأدخل ؟ وقال النبي صلى الله عليه و سلم : الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لك وإلا فارجع . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه . الأولى إذن ، والثانية مؤامرة ، والثالثة عزمة ، إما أن يأذنوا وإما أن يرجع . من كلام الهند . و۱ بین النبي صلى الله وهو عليه وسلم و مستأذن ۲۰ كرم الله وجه (1) ينسب هذا الشعر لبشار بن برد ، ولمحمد بن بشير ، على خلاف في ذلك . (1) كذا في نهاية الأرب وفي الأصل : ليطول وقوفي ، والذي اخترناه أجود.


  1. الشعر للبعيث بن حريث ( انظر الحماسة ) .
  2. الشعر للحصين بن المنذر (انظر البيان والتبيين).
  3. في نسبة هذه الأبيات خلاف كبير بين ابن قتيبة و الجاحظ وصاحب تاج العروس.
  4. أدلوها بأقوام: أستشفع بهم.