العقد الفريد (1953)/الجزء الأول/كتاب اللؤلؤة في السلطان/صلاح الرعية بصلاح الإمام


قولهم في الملك وجلسائه ووزرائه

للحكماء في الملك والوزراء

قالت الحكماء: لا ينفع الملك إلا بوزرائه وأعوانه ولا ينفع الوزراء والأعوان إلا بالمودّة والنصيحة، ولا تنفع المودة والنصيحة إلا مع الرأي والعفاف. ثم على الملوك بعد ألّا يتركوا محسنا ولا مسيئا مّا دون جزاء؛ فإنهم إذا تركوا ذلك، تهاون المحسن، واجترأ المسيء، وفسد الأمر، وبطل العمل.

للأحنف في فساد البطانة

وقال الأحنف بن قيس: من فسدت بطانته كان كمن غصّ بالماء، ومن غص بالماء فلا مساغ له، ومن خانه ثقاته فقد أتي من مأمنه.

وقال العباس بن الأحنف:

قلبي إلى ما ضرّني داعي
يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوّي إذا
كان عدوّي بين أضلاعي

وقال آخر:

كنت من كربتي أفرّ إليهم
فهم كربتي فأين الفرار

لعدي بن زيد

وأول من سبق إلى هذا المعنى عديّ بن زيد في قوله للنعمان بن المنذر:

لو بغير الماء حلقي شرق
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري1

وقال آخر:

إلى الماء يسعى من يغصّ بريقه
فقل أين يسعى من يغصّ بماء

لابن العاص في العدل

وقال عمرو بن العاص: لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل.

وقالوا: إنما السلطان بأصحابه كالبحر بأمواجه. قالوا: ليس شيء أضر بالسلطان من صاحب يحسن القول ولا يحسن الفعل ولا خير في القول إلا مع الفعل، ولا في المال إلا مع الجود، ولا في الصدق إلا مع الوفاء، ولا في الفقه إلا مع الورع، ولا في الصدقة إلا مع حسن النية، ولا في الحياة إلا مع الصحة.

قالوا: إن السلطان إذا كان صالحا ووزراؤه وزراء سوء امتنع خيره من الناس ولم يستطع أحد أن ينتفع منه بمنفعة. وشبهوا ذلك بالماء الصافي يكون فيه التمساح، فلا يستطيع أحد أن يدخله وإن كان محتاجا إليه.



  1. الاعتصار أن يرتشف الماء قليلا قليلا.