الغرب والشرق
الغَرْبُ قد شدَّدَفي هَجْمَتِهْ
والشَّرْقُ لاهٍ بعدُ في غَفْلَتِهْ
وكُلَّمَا جَدَّ بأعْمَالِهِ
يَسْتَسْلِمُ الشَّرْقُ إلى رَاحَتِهْ
فيجمعُ الغربِيُّ وحْدَاتِهِ
والشرق مقسوم على وحدتِهْ
وذاكَ يبني العِلْمَ في بحثِهِ
وذا يضيعُ الوقتَ في نظرته
يستجمعُ الغَرْبُ قُوَاهُ لكي
يستعبد العالمَ في صَوْلَتِهْ
فطوَّقَ الأرضَ بقضبانِهِ
وقرَّبَ النائي بِسَيَّارَتِهْ
طبَّقَ سطحَ البحرِ أسطولُه
وامتلك القعْرَ بغوّاصتِه
وذلَّلَ الريحَ بطيّارةٍ
واستنزلَ الأعْصَمَ من قُنَّتِه
وغاص في العلم وأسرارهِ
فاستخرجَ المكنون من علته
ولم ْتَفِ الأرضُ بأطْمَاعِهِ
حتى غزا الأفلاكَ في فكرَتِهْ
مَصَالِحُ العالَمِ من نَهْبِهِ
وساكِنو الأقطار في سُخرتِهْ
أينَ يَفِرُّ الشَّرْقُ منْ بطشِه
وكيف ينجي النفسَ من رِبقتِهْ
لا الجوُّ يُنجيهِ وأنَّى لَهُ
وَهْوَ بطيءُ السيرِ في مِشيتِهْ
والشرقُ ويحَ الشرق من جهلِهِ
وَهَى به الإحساسُ من عِلَّتِهْ
يعلِّل النفسَ بأجدادهِ
وبالياتِ المجدِ من دولتِهْ
ويقرع المدفعُ أسماعَهُ
فيَطَّبيهِ العودُ في نغمتِهْ
وإن دهاهُ الغربُ في بأْسِهِ
فلِلقَضا التفريجُ مِنْ أزمتِهْ
يكلِّفُ الأقدارَ إسعادَهُ
يحلمُ بالآمالِ في رقْدتِهْ
كآكلِ الأفيونِ يسري به السْـ
ـسُمُّ ويستَرْسِلُ في لذَّتِهْ
أرهقه الغربُ بويلاتِهِ
واستنزفَ القيراطَ من ثروتِهْ
وكلُّ شرقيٍّ على وجهِها
يُحسُّ بالآلام في بُقعتِهْ
فالهندُ قد ضجَّتْ ملايينُها
مِنِ امتصاص الغرب معْ قسوتِهْ
والصينُ مَعْ تخدير أعصابِها
آلمها الممتصُّ في عضَّتِهْ
ومستقلُّ الشرق في عِزِّهِ
كمُستذَلِّ الشرق في ذلَّتِهْ
لا فرقَ فيه غيرُ عنوانِهِ
كلاهما يَشْقى بوضعيَّتِهْ
منقسمٌ حتى على نفسهِ
مُشتَّت الأوصال في أسرتِهْ
يجني به البعضُ على بعضِهِ
جهلاً ويخشى الأخُ من إخوتِهْ
مكَّنَ للعادين من نفسِهِ
بحَلِّه المجموعَ من حُزْمتِهْ
هذي بِلادُ العُرْبِ في ضَعفِها
لا يعطفُ الجارُ على جيرتِهْ
في كُلَّ شِبْرٍ دَوْلَةٌ تَاجُهَا
كصاحِبِ التمثيلِ في جَوقتِهْ
يلعب في تيجانها ضدها
كلاعبِ الشطرنج في رقعتِهْ
وهذه الدولاتُ مجموعُها
أحقرُ أن يعتدَّ في كثرتِهْ
لكنها لو جمعت لقمةٌ
قد تُتْعب الماضغ في مُضغتِهْ
يا قومُ إنَّ الدَّاءَ مُستأصِلٌ
فينا سيفنى الجسمُ من وطأتِهْ
فنحنُ كالمجذوم أعضاؤهُ
تفصِلها الأدواءُ من جثَّتِهْ
فقد قضى الله على مسقطٍ
وأسقطَ السيّدَ من ذروتِهْ
وهذه بغدادُ مغلولة
يقودها الغربُ إلى حُفرتِهْ
يخنقها الغربيُّ في كَفِّهَا
وباسْمِهَا يسترُ مِنْ سوأتِهْ
مسيطرٌ في كُلِّ أعمالِهَا
يندمجُ الكُلُّ بِشخصيَّتِهْ
يظلمُ باسمِ العدلِ سكَّانَها
يسومها الخسفَ بِوحشيّتِهْ
ما قيصر الطاغي على ظلمهِ
أقلُّ ظلماً منهُ في سُلطتِهْ
فقيصر يُسألُ عن ظُلْمِهِ
وذاكَ لايُسْألُ عن فِعلَتِهْ
إنْ كانَ خَيْراً فَهْوَ فَعَّالُهُ
أو كان شرَّاً فهو من طُغمتِهْ
طُغْمَتُهُ أجْهُلُ سُكَّانِهَا
يخلِبُها المنصبُ في شهوتِهْ
ومصدر العدلِ وقانونه
من فكرة البليوز أو حكمتِهْ
والويلُ للحرِّ الأبِيِّ الذي
يشعر بالواخِزِ من إبرتِهْ
قَدْ أبعَدَ الأحرارَ عن دارِهِمْ
وقرَّبَ الأنذالَ من حضرَتِهْ
ورأس العاطلَ من قومِهِ
في وافر العيشِ وفي بسطتهْ
ياقومُ في أحوالنا عِبرَةٌ
فليقم النائم من رقدته
فَمَنْ تَغدَّى بأخي ضحوةً
حتماً تعشَّى بي في ليلتِهْ
وكلنا ينشدُ في سِرِّهِ
ماقالَهُ الشاعرُ في حِكمتِهْ
«مَنْ حُلِقتْ لِحْيةُ جارٍ لَهُ
فلْيسكبِ الماءَ على لِحيتِهْ»
الوقت قد دار بدولابه
ونحن لا نعبأ في دورته
ندور لكن دوران الرحى
والناس مثل النور في سرعته
والغرب لا يسمع صوتاً لنا
إن لم يك المدفع في نبرته
لا يدفع الغرب سوى بأسه
أو قوة تسمو إلى قوَّته
أو لا فإن لم نجتمع عاجلاً
ونحصر العنصر في وحدته
ستأكل الهرَّةُ أولادها
ويحصل القطُّ على حصته
فحسبنا الإسلام من جامعٍ
ونحنُ من يعربَ في دوحته
لا تسأل الآخرَ عن مَذهبٍ
في دِينِهِ واسألْهُ عن أمَّتِهْ
يحمي كيان القوم إجْمَاعُهُمْ
أو لا فأرْسِلْهُمْ إلى رَحْمَتِهْ