الكافي/كتاب التوحيد/باب تأويل الصمد
1
عدلعلي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني ﵇: جعلت فداك ما الصمد؟ قال: السيد المصمود إليه في القليل والكثير.
2
عدلعدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن يونس ابن عبد الرحمن، عن الحسن بن السرى، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر ﵇ عن شيء من التوحيد، فقال: إن الله تباركت أسماؤه التي يدعا بها وتعالى في علو كنهه واحد توحد بالتوحيد في توحده، ثم أجراه على خلقه فهو واحد، صمد، قدوس، يعبده كل شبء ويصمد إليه كل شيء ووسع كل شيء علماً.
فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد، لا ما ذهب إليه المشبهة أن تأويل الصمد المصمت الذي لا جوف له، لأن ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم والله جل ذكره متعال عن ذلك، هو أعظم وأجل من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته ولو كان تأويل الصمد في صفة الله عز وجل المصمت، لكان مخالفاً لقوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها، مثل الحجر والحديد وسائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فأما ما جاء في الأخبار ذلك، فالعالم ﵇، أعلم بما قال وهذا الذي قال ﵇ أن الصمد هو السيد المصمود إليه هو معنى صحيح موافق لقول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. والمصمود إليه: المقصود في اللغة. قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي من شعره:
وَبِاْلجَمْرَةِ اَلْقُصْوَى إِذَا صَمَدُوا لَهَا * يُؤمُّونَ قَذْفَاً رَأْسَهَا بِالْجَنَادِلِ
يعني قصدوا نحوها يرمونها بالجنادل: يعني الحصى الصغار التي تسمى بالجمار وقال بعض شعراء الجاهلية [شعراً]:
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ بَيْتاً ظَاهِراً * لِلهِ فِي أَكْنَافِ مَكَّة يُصْمَدُ
يعني يُقصد.
وقال ابن الزبرقان: ولا رهيبة إلا سيد صمد.
وقال شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر:
عَلَوْتَهُ بِحُسَامٍ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ * خُذْهَا حُذَيْفُ فَأَنْتَ اَلسَّيِدُ اَلصَّمَدُ
ومثل هذا كثير، والله عز وجل هو السيد الصمد الذي جميع الخلق من الجن والإنس إليه يُصمدون في الحوائج، وإليه يلجأون عند الشدائد، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء، ليدفع عنهم الشدائد.