الكافي/كتاب التوحيد/باب في إبطال الرؤية


محمد بن أبي عبد الله، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق، قال: كتبت إلى أبي محمد أسأله، كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع : يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى، قال: وسألته: هل رأى رسول الله ﵆ ربه؟ فوقع : إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا فاستأذنته في ذلك، فأذن لي فدخل عليه، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسم الكلام لموسى، ولمحمد الرؤية، فقال أبو الحسن : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؟ أليس محمد؟ قال: بلى. قال: كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ثم يقول: «أنا رأيته بعيني، وأحطتُ به علماً، وهو على صورة البشر»؟! أما تستحون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر؟! قال أبو قرة: فإنه يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}. فقال أبو الحسن : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى. حيث قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال {لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ}، فآيات الله غير الله وقد قال الله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}، فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات؟ فقال أبو الحسن : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يُحاط به علما، ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء؟

أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف، عن محمد بن عبيد قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا ، أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة والخاصة وسألته أن يشرح لي ذلك، فكتب بخطه: اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن العرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيماناً أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيماناً، فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده، فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيماناً، لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول ولا تزول في المعاد، فهذا دليل على أن الله عز وجل لا يُرى بالعين إذ العين تؤدي إلى ما وصفناه.

وعنه، عن أحمد بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب: لا تجوز الرؤية، ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء [لم] ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان ذلك التشبيه لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر ، فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟ قال: الله تعالى. قال: رأيته؟ قال: بل لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يُعرف بالقياس ولا يُدرك بالحواس ولا يُشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله، لا إله إلا هو. قال: فخرج الرجل وهو يقول: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال: فقال: ويلك، ما كنت أعبد رباً لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك، لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان.

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم ابن حميد، عن أبي عبد الله قال: ذاكرت أبا عبد الله فيما يروون من الرؤية فقال: الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملأوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا ، قال: قال رسول الله ﵆: لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه قط جبرئيل فكُشف له، فأراه الله من نور عظمته ما أحب.

في قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله في قوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} قال: إحاطة الوهم ألا ترى إلى قوله: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} ليس يعني بصر العيون. {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} ليس يعني من البصر بعينه. {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} ليس يعني عمى العيون، إنما عنى إحاطة الوهم كما يُقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يُرى بالعين.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا ، قال: سألته عن الله هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى قال: أما تقرأ قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}؟ قلت: بلى. قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى، قال: ما هي؟ قلت: أبصار العيون. فقال: إن أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام.

محمد بن أبي عبد الله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}؟ فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟!

12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن هشام بن الحكم قال: الأشياء [كلها] لا تُدرك إلا بأمرين: بالحواس والقلب، والحواس إدراكها على ثلاثة معان؛ إدراكاً بالمداخلة، وإدراكاً بالمماسة، وإدراكاً بلا مداخلة ولا مماسة، فأما الإدراك الذي بالمداخلة فالأصوات والمشام والطعوم، وأما الإدراك بالمماسة فمعرفة الأشكال من التربيع والتثليث ومعرفة اللين والخشن والحر والبرد، وأما الإدراك بلا مماسة ولا مداخلة فالبصر فإنه يدرك الأشياء بلا مماسة ولا مداخلة في حيز غيره ولا في حيزه، وإدراك البصر له سبيل وسبب، فسبيله الهواء وسببه الضياء فإذا كان السبيل متصلاً بينه وبين المرئي والسبب قائم أدرك ما يلاقي من الألوان والأشخاص فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه رجع راجعاً، فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة فإذا لم يكن له سبيل رجع راجعاً يحكي ما وراءه، وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعاً فيحكي ما ورائه إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره، فأما القلب فإنما سلطانه على الهواء، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهمه، فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجوداً رجع راجعاً فحكى ما في الهواء، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجوداً في الهواء من أمر التوحيد جل الله وعز، فإنه إن فعل ذلك لم يتوهم إلا ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر تعالى الله أن يشبهه خلقه.