الكامل في اللغة/الجزء الأول

<الكامل في اللغة

الكامل في اللغة والأدب المبرد كتاب يظهر موضوعه من عنوانه، فهو يبحث في علوم اللغة وآدابها. وهذا الكتاب هو أحد أصول علم الأدب واركانه، وهو بمثابة ديوان تخير فيه مصنفه نصوصا من أقوال العرب القدامى شعرا ونثرا، وشرح هذه النصوص واستخرج ما فيها من فوائد ونكت تخص اللغة والأدب العربي الجزء الأول باب وصف رسول الله للأنصار قال رسول الله للأنصار في كلام جرى: " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع ". الفزع في كلام العرب على وجهين: أحدهما ما تستعمله العامة تريد به الذعر، و الآخر الاستنجاد والاستصراخ، من ذلك قول سلامة بن جندل : كنا إذا ما أتانا صـارخٌ فـزعٌ كان الصراخ له قرع الظنابيب يقول: إذا أتانا مستغيثٌ كانت إغاثته الجد في نصرته،يقال: قرع لذلك الأمر ظنبوبه إذا جد فيه ولم يفتر، ويشتق من هذا المعنى أن يقع "فزع" في معنى "أغاث" كما قال الكلحبة اليربوعي: "قال أبو الحسن: الكلحبة لقبه، واسمه هبيرة، وهو من بني عرين بن يربوع، والنسب إليه عريني، وكثير من الناس يقول: عرني ولا يدري، وعرينة من اليمن: قال جرير يهجو عرين بن يربوع: عرين من عرينة لـيس مـنـا برئت إلى عرينة من عـرين فقلت لكأسٍ ألجميها فـإنـمـا حللت الكثيب من زرود لأفزعا يقول: لأغيث. وكأس: اسم جارية، وإنما أمرها بإلجام فرسه ليغيث. والظنبوب: مقدم الساق. حديث "ألا أخبركم بأحبكم إلي" وقال رسول الله : "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطأون أكنافاً،الذين يألفون و يؤلفون،ألا أخبركم بأبغضكم إلي و أبعدكم مني مجالس يوم القيامة" الثرثارون المتفيهقون". قوله " الموطأون أكنافاً " مثل، وحقيقته أن التوطئة هي التذليل و التمهيد، يقال: دابة وطيء، يا فتى، وهو الذي لا يحرك راكبه في مسيره، وفراش وطيء إذا كان وثيراً لا يؤذي جنب النائم عليه، فأراد القائل بقوله: "موطأ" الأكناف" أن ناحيته يتمكن فيها صاحبها غير مؤذى، ولا ناب به موضعه. قال أبو العباس: حدثني العباس بن الفرج الرياشي قال: حدثني الأصمعي قال: قيل لأعرابي وهو المنتجع بن نبهان ما السميدع فقال" السيد الموطأ الأكناف. وتأويل الأكناف الجوانب، يقال: في المثل: فلان في كنف فلان، كما فلان في ظل فلان، و في ذرى فلان، وفي ناحية فلان، وفي حيز فلان. وقوله صلى الله عليه و سلم: "الثرثارون" يعني الذين يكثرون الكلام تكلفاً و تجاوزاً، و خروجاً عن الحق. وأصل هذه اللفظة من العين الواسعة من عيون الماء، يقال: عينٌ ثرثارةٌ. و كان يقال لنهرٍ بعينه: الثرثار، وإنما سمي به لكثرة مائه، قال الأخطل: لعمري لقد لاقت سليمٌ و عامـرٌ على جانب الثرثار راغية البكر قوله: " راغية البكر " أراد أن بكر ثمود رغا فيهم فأهلكوا،فضربته العرب مثلاً، و أكثرت فيه،قال علقمة بن عبدة الفحل: رغا فوقهم سقب السماء فداحضٌ بشكته لم يستـلـب و سـلـيب قال أبو الحسن: الداحض: الساقط والداحض أيضاٌ: الزا لق. وكذلك إذا لم تضعف الثاء فقلت: عينٌ ثرةٌ، فإنما معناها غزيرة واسعة، قال عنترة: جادت عليها كل عين ثـرةٍ فتركن كل حديقةٍ كالدرهم قال أبو العباس: وليست الثرة عند النحويين البصريين من لفظة الثرثارة، ولكنها في معناها. وقوله " المتفيهقون" إنما هو بمنزلة قوله: "الثرثارون" توكيد له، ومتفيهق متفيعل، من قولهم: فهق الغدير يفهق إذا امتلأ ماءٌ فلم يكن فيه موضع مزيد، كما قال الأعشى: نفى الذم عن رهط المحلق جفنةٌ كجابية الشيخ العراقي تفهـق كذا ينشده أهل البصرة، و تأويله عندهم أن العراقي إذا تمكن من الماء ملأ جابيته لأنه حضري فلا يعرف مواقع الماء ولا محاله. قال أبو العباس: وسمعت أعرابية تنشد قال أبو الحسن: هي أم الهيثم الكلابية من ولد المحلق، وهي راوية أهل الكوفة: "كجابية السيح" تريد النهر الذي يجري على جانبية، فماؤها لا ينقطع، لأن النهر يمده.ومثل قول البصريين فيما ذكروا به "العراقي الشيخ " قول الشاعر قال أبو الحسن: هو ذو الرمة: لها ذنب ضاف وذفرى أسيلة وخد كمرآة الغريبة أسجـح يقول: إن الغريبة لا ناصح لها في وجهها، لبعدها عن أهلها، فمرآتها أبداً مجلوة، لفرط حاجتها إليها.

وتصديق ما فسرناه من قول رسول الله أنه يريد الصدق في المنطق والقصد،وترك ما لا يحتاج إليه، قوله لجرير بن عبد الله البجلي: " يا جرير، إذا قلت فأوجز،وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف". كلمة أبو بكر في مرضه لعبد الرحمن بن عوف قال أبو العباس: ومما يؤثر من حكيم الأخبار، وبارع الآداب، ما حدثنا به عن عبد الرحمن بن عوف وهو أنه قال: دخلت يوماً على أبي بكر الصديق رحمة الله عليه في علته التي مات فيها، فقلت له: أراك بارئاً يا خليفة رسول الله، فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد علي من وجعي. إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج، وستور الحرير، ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان، والذي نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا.يا هادي الطريق جرت، إنما هو والله الفجر، أو البحر. فقلت: خفض عليك يا خليفة رسول الله، فإن هذا يهيضك إلى ما بك، فوالله ما زلت صالحاً مصلحاً، لا تأس على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلاخيراً. قوله: "نضائد الديباج" واحدتها نضيدة، وهي الوسادة وما ينضد من المتاع، قال الراجز: وقربت خدامها الـوسـائدا حتى إذا ما علوا النضائدا سبحت ربي قائما ًو قاعداً وقد تسمي العرب جماعة ذلك النضد، والمعنى واحد، إنما هو ما نضد في البيت من متاع، قال النابغة: ورفعته إلى السجفين فالنضد ويقال: نضدت المتاع إذا ضممت بعضه إلى بعض،فهذا أصله، قال الله تبارك وتعالى:" لها طلعٌ نضيد" ق:10، وقال :" في سدر مخضود وطلح منضود" الواقعة: 28-29، ويقال: نضدت اللبن على الميت. وقوله:"على الصوف الأذربي" فهذا منسوب إلى اذربيجان، وكذلك تقول العرب، قال الشماخ: تذكرتها وهناً وقد حال دونهـا قرى أذربيجان المسالح والجال وقوله:" على حسك السعدان "، فالسعدان نبت كثير الحسك تأكله الإبل فتسمن عليه، ويغذوها غذاءً لايوجد في غيره، فمن أمثال العرب:" مرعى ولا كالسعدان " تفضيلاً له، قال النابغة: الواهب المائة الأبكار زينـهـا سعدان توضح في أو بارها اللبد ويروى في بعض الحديث" أنه يؤمر بالكافر يوم القيامة فيسحب على حسك السعدان"، والله أعلم بذلك. قال أبو الحسن: السعدان: نبت كثير الشوك- كما ذكر أبو العباس- ولا ساق له، إنما هو منفرش على وجه الأرض، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني عن ابن الأعرابي، قال : قيل لرجل من أهل البادية- وخرج عنها : أترجع إلى البادية ? فقال: أما ما دام السعدان مستلقياً فلا. يريد أنه لا يرجع إلى البادية أبداً، كما أن السعدان لا يزول عن الاستلقاء أبداً. وقال أبو علي البصير واسمه الفضل بن جعفر، وإن لم يكن بحجة، ولكنه أجاد فذكرنا شعره هذا لجودته لا للاحتجاج به يمدح عبيد الله بن يحيى بن خاقان وآله فقال: يا وزراء السلطـان أنتـم وآل خـاقـان كبعض مـا روينـا في سالفات الأزمان ماء ولا كـصــدى مرعى ولا كالسعدان وهذه الأمثال ثلاثة، منها قولهم: " مرعى ولا كالسعدان"،و" فتى ولا كمالك"،و"ماء ولا كصدى"، تضرب هذه الأمثال للشيء الذي فيه فضل وغيره أفضل منه، كقولهم:"ما من طامة إلا فوقها طامة"، أي ما من داهية إلا وفوقها داهية، ويقال : طما الماء وطم إذا إرتفع وزاد. ومالك الذي ذكروا هو مالك بن نويرة، أخو متمم بن نويرة. " وصداء يمد، وبعضهم يقول: صدى، فيضم أوله ويقصر، فأما أبو العباس محمد بن يزيد، فإنه قال: لم أسمع من أصحابنا إلا صدءاء يا فتى، وهو اسم لماء، معرفة، وهما همزتان بينهما ألف، والألف لا تكون إلا ساكنة، كأنك قلت: صدعاع يا هذا. وقوله: إنما هو والله الفجر أو البجر يقول: انتظرت حتى يضيء لك الفجر الطريق أبصرت قصدك. وإن خبطت الظلماء، وركبت العشواء هجما بك على المكروه، وضرب ذلك مثلاً لغمرات الدنيا، وتحييرها أهلها.

وقوله:" يهيضك " مأخوذ من قولهم: هيض العظم إذا جبر ثم أصابه شيء يعنته فآذاه فكسره ثانية، أو لم يكسره، وأكثر ما يستعمل في كسره ثانية، ويقال:عظم مهيض، وجناح مهيض في هذا المعنى: ثم يشتق لغير ذلك، وأصله ما ذكرت لك، فمن ذلك قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما كسر يزيد بن المهلب سجنه وهرب، فكتب إليه: لو علمت أنك تبقى ما فعلت، ولكنك مسموم، ولم أكن لأضع يدي في يد ابن عاتكه. فقال عمر: اللهم إنه قد هاضني فهضه. فهذا معناه. وقوله:" فكلكم ورم أنفه"، يقول: امتلأ من ذلك غضباً، وذكر أنفه دون السائر كما بقال: فلان شامخ بأنفه، يريد رافع، وهذا يكون من الغضب كما قال الشاعر: ولا يهاج إذا ما أنفه ورما أي لايكلم عند الغضب، ويقال للمائل برأسه كبرا: متشاوس، وثاني عطفه، وثاني جيده، إنما هذا كله من الكبرياء. قال الله عز وجل :" ثاني عطفه. ليضل عن سبيل الله" الحج 9 : وقال الشامخ: نبئت أن ربيعاً أن رعى إبلاً يهدي إلي خناه ثاني الجيد وقوله:" أراك بارئاً يا خليفة رسول الله" يكون من برئت من المرض وبرأت، كلاهما يقال: فمن قال برئت يقول: أبرأ يافتى لا غير، ومن قال: برأت قال في المضارع: أبرأ وأبرؤ، يا فتى، مثل فرغ ويفرغ. والآية تقرأ على وجهين:" سنفرغ لكم أية الثقلان"، الرحمن: 31، وسنفرغ: والمصدر فيهما "البرء" يا فتى عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر ومما روي لنا عنه رضي الله عنه حيث عهد عند موته وهو: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد رسول الله : عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر. إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل فذلك علمي به، ورأيي فيه، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب،"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" الشعراء: 227 . نصب "أي" بقوله: "ينقلبون"، ولا يكون نصبها ب" سيعلم" لأن حروف الاستفهام إذا كانت أسماء امتنعت مما قبلها كما يمتنع ما بعد الألف من أن يعمل فيه ما قبله،وذلك قولك:" علمت زيداً منطلقاً" فإن أدخلت الألف قلت: "علمت أزيد منطلق أم لا" فأي بمنزلة زيد الواقع بعد الألف، ألا ترى أن معناها: أذا أم ذا. وقال الله عز وجل:" لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا " الكهف:12 لأن معناها: أهذا أم هذا? وقال تعالى :" فلينظر أيها أزكى طعاماً " الكهف:19 على ما فسرت لك، وتقول: أعلم أيهم ضرب زيداً، وأعلم أيهم ضرب زيد، تنصب أيا ب" ضرب" لأن "زيداٌ" فاعل،فإنما هذا لما بعده، وكذلك ما أضيف إلى اسم من هذه الأسماء المستفهم بها، نحو: قد علمت غلام أيهم في الدار، وقد عرفت غلام من في الدار، وقد علمت غلام من ضربت، فتنصبه ب"ضربت" فعلى هذا مجرى الباب. أول خطبة خطبها عمر بن الخطاب ومما يؤثر من هذه الآداب و يقدم قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في أول خطبة خطبها حدثنا العتبي قال: لم أر أقل منها في اللفظ، ولا أكثر في المعنى حمد الله و أثنى عليه وأهله، وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم ثم قال: أيها الناس، إنه و الله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له،ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه.ثم نزل. وإنما حسن هذا القول مع ما يستحقه من قبل الاختيار، بما عضده به من الفعل المشاكل له: "قال أبو الحسن: قد روينا هذه الخطبة التي عزاها إلى عمر بن الخطاب عن أبي بكر رضي الله عنهما، وهو الصحيح. رسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري قال أبو العباس: ومن ذلك رسالته في القضاء إلى أبي موسى الأشعري وهي التي جمع فيها جمل الأحكام، واختصرها بأجود الكلام،و جعل الناس بعده يتخذونها إماماً،ولا يجد محق عنها معدلاٌ، ولا ظالم عن حدودها محيصاٌ، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. سلام عليك، أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، و سنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس بوجهك، و عدلك، و مجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، و لا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى، و اليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاٌ أحل حراماٌ، أو حرم حلالاٌ. لا يمنعنك قضاءٌ قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك، أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديمٌ، و مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنةٍ،ثم اعرف الأشباه و الأمثال،فقس الأمور عند ذلك، و اعمد إلى أقربها إلى الله، و أشبهها بالحق، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمدا ينتهي إليها فإن أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا استحللت عليه القضية، فإنه أنفى للشك، و أجلى للعمى، المسلمون عدولٌ بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد، و مجرباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر، و درأ بالبينات و الإيمان. وإياك و الغلق و الضجر، و التأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات، فإن الحق في مواطن الحق ليعظم الله به الأجر، ويحسن به الذخر، فمن صحت نيته، وأقبل على نفسه كفاه الله بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله، فما ظنك بثواب غير الله عز وجل في عاجل رزقه و خزائن رحمته، و السلام. قال أبو العباس: قوله" آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك"، يقول: سو بينهم، وتقديره: اجعل بعضهم أسوة بعضٍ، والتأسي من ذا أن يرى ذو البلاء من به مثل بلائه فيكون قد ساواه فيه، فيسكن ذلك من وجده، قالت الخنساء: فلولا كثرة الباكين حـولـي على إخوانهم لقتلت نفسـي وما يبكون مثل أخي ولكـن أعزي النفس عنه بالتأسـي يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شمـس تقول: أذكره في أول النهار للغارة، وفي آخره للضيفان. وتمثل مصعب بن الزبير يوم قتل بهذا البيت: وإن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التـآسـيا وقوله"حتى لا يطمع شريف في حيفك" يقول: في ميلك معه لشرفه. وقوله: " فيما تلجلج في صدرك" يقول: تردد،وأصل ذلك المضغة والأكلة يرددها الرجل في فيه فلا تزال تتردد إلى أن يسيغها أو يقذفها، والكلمة يرددها الرجل إلى أن يصلها بأخرى، يقال للعيي: لجلاج، وقد يكون من الآفة تعتري اللسان، قال زهير: تلجلج مضغة فـيهـا أنـيضٌ أصلت، فهي تحت الكشح داء وقوله:" أنيضٌ" أي لم تنضج. ومن أمثال العرب: الحق أبلج والباطل لجلج،أي يتردد فيه صاحبه فلا يصيب مخرجا. وقوله: " أو ظنيناٌ في ولاءٍ أو نسب، " فهو المتهم، وأصله "مظنون" وهي ظننت التي تتعدى إلى مفعول واحد، تقول: ظننت بزيد، وظننت زيداًٌ، أي اتهمت، ومن ذلك قول الشاعر، أحسبه عبد الرحمن بن حسان: فلا ويمين الله ما عن جنـاية هجرت، ولكن الظنين ظنين و في بعض المصاحف:"وما على الغيب بظنين" التوير 34 وإنما قال عمر رضي الله عنه ذلك لما جاء عن النبي :" ملعون ملعون من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه"، فلما كانت معه الإقامة على هذا لم يرى للشهادة موضعاً.وقوله:" ودرأ بالبينات و الأيمان" إنما هو دفع، من ذلك قول رسول الله :" إدرأوا الحدود بالشبهات"،وقال الله عز وجل:" قل فادرءواعن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين"آل عمران 168 وقال:"فادرء تم فيها" البقرة 72 وأما قوله: وإياك والغلق و الضجر"فإنه ضيق الصدر، وقلة الصبر، يقال في سوء الخلق:رجل غلق، وأصل ذلك من قولهم: غلق الرهن أي لم يوجد به تخلص و أغلقت الباب من هذا، قال زهير: وفارقتك برهنٍ لا فـكـاك لـه يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا

وقوله:" ومن تخلق للناس"، يقول: أظهر للناس في خلقه خلاف نيته. وقوله: " تخلق "يريد أظهر مثل تجمل يريد أظهر جمالاً وتصنع، وكذلك تجبر، إنما تأويله الإظهار، أي أظهر جبرية، وإن شئت جبروتاً،وإن شئت جبروتي " وإن شئت جبروة " . ومن كلام العرب على هذا الوزن: رهبوتى خير لك من رحموتى، أي" ترهب خير لك من أن ترحم". قال أبو العباس وأنشدونا عن أبي زيد: ياأيها المتحلي غير شـيمـتـه إن التخلق يأتي دونه الخـلـق ولا يؤاتيك في ما ناب من حدث إلا أخو ثقة فأنظر بمن تثـق قال: وأنشدتني أم الهيثم الكلابية: ومن يتخذ خيماُ سوى خيم نفسه يدعه ويغلبه على النفس خيمها وقال ذو الإصبع العدواني: كل إمرىء راجع يوماً لشيمته وإن تمتع أخلاقاًإلـى حـين وأما قوله:" ثواب"، فاشتاقه من ثاب يثوب إذا رجع، وتأويله ما يثوب إليك من مكافأة الله وفضله. كتاب عثمان إلى علي بن أبي طالب حين أحيط به وكتب عثمان بن عفان إلى علي رحمه الله حين أحيط به: أما بعد،فإنه قد جاوز الماء الزبى وبلغ الحزام الطبيين، وتجاوز الأمر بي قدره، وطمع في من لا يد فع عن نفسه: فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل وإلا فأدركني ولمـا أمـزق قوله:" قد جاوز الماء الزبى" فالزبية مصيدة الأسد، ولا تتخذ إلا في قلة أو رابية أو هضبة، قال الراجز: كاللذ تزبى زبية فاصطيدا وقال الطرماح: ياطييىء السهل والأجبال، موعدكم كمبتغى الصيد أعلى زبية الأسد وتقول العرب: "قد علا الماء الزبى"، و "قد بلغ السكين العظم " و" بلغ الحزام الطبيين" و" قد انقطع السلى في ا لبطن". فالسلى من المرأة والشاة ما يلتف فيه الولد في البطن، قال العجاج: فقد علا الماء الزبى فلا غير" أي: قد جل الأمر عن أن يغير و يصلح. وقوله" وبلغ الحزام الطبيين، فإن السباع و الخيل يقال لموضع الأخلاف منها: أطباء يا فتى، وأحدها طبي كما يقال في الظلف والخف: خلفٌ، هذا مكان هذا فإذا بلغ الحزام الطبيين فقد انتهى في المكروه، و مثل هذا من أمثالهم: " التقت حلقتا البطان": ويقولون:" التقت حلقتا البطان و الحقب" ويقال: حقب البعير إذا صار الحزام في الحقب، قال الشاعر: إذا ما حقب جال شددناه بتصدير وقال أوس بن حجر: وازدحمت حلقتا البطان بأق وام وطارت نفوسهم جزعا وتمثله بالبيت يشاكل قول القائل: فإن أك مقتولاً فكن أنت قاتـلـي فبعض منايا القوم أكرم من بعض عتاب عثمان علي بن أبي طالب ويروى عن قنبر مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: دخلت مع علي بن أبي طالب على عثمان بن عفان رضي الله عنهما، فأحبا الخلوة، فأومأ إلي علي بالتنحي، فتنحيت غير بعيدٍ فجعل عثمان يعاتب عليا وعلي مطرق، فأقبل عليه عثمان فقال: ما بالك لا تقول: فقال: إن قلت لم أقل إلا ما تكره، وليس لك عندي إلاما تحب. تأويل ذلك: إن قلت اعتددت عليك بمثل ما اعتددت به علي فلذعك عتابي، و عقدي ألا أفعل" وإن كنت عاتباً إلا ما تحب. خطبة علي بن أبي طالب حين بلغه قتل عامله حسان بن حسان وتحدث ابن عائشة في إسناد ذكره أن علياً رحمه الله انتهى إليه أن خيلاً لمعاوية وردت الأنبار، فقتلوا عاملاً له يقال له: حسان بن حسان، فخرج مغضباً يجر ثوبة حتى انتهى إلى النخيلة، واتبعه الناس، فرقي رباوة من الأرض، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه ثم قال:

أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله الذل، وسيما الخسف، وديث بالصغار. وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً، وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم، فو الذي نفسي بيده ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتخاذلتم وتواكلتم، وثقل عليكم قولي، واتخذتموه وراءكم ظهرياً، حتى شنت عليكم الغارات. هذا أخوغامد، قد وردت خيله الأنبار، وقتلوا حسان بن حسان، ورجالاً منهمكثيراً ونساءً والذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة، فتنتزع أحجالهما ورعثهما ثم إنصرفوا موفورين لم يكلم منهم أحد كلما. فلو أن امرأ مسلماً مات من دون هذا أسفاً ما كان عندي فيه ملوماً، بل كان عندي به جديراً. ياعجباً كل العجب " عجب يميت القلب، ويشغل الفهم، ويكثر الأحزان من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن حقكم، حتى أصبحتم غرضاً ترمون ولا ترمون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله عز وجل فيكم وترضون. إذا قلت لكم: اغزوهم في الشتاء قلتم: هذا أوان قر وصر، ةإن قلت لكم: إزوهم في الصيف قلتم: هذه حمارة القيظ، إنظرنا ينصرم الحر عنا. فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون، فإنتم من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال ولا طغام الأحلام، ويا عقول ربات الحجال، والله لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان، ولقد ملأتم جوفي غيظا، حتى قالت قريش: ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لارأي له في الحرب. لله درهم ومن ذا يكون أعلم بها مني، أو أشد لها مراساً فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ولقد نيفت اليوم على الستين. ولكن لا رأي لمن لا يطاع يقولها ثلاثاً فقام إليه رجل ومعه أخوه، فقال : ياأمير المؤمنين، أنا وأخي هذا كما قال الله عز وجل: رب إنى لا أملك إلا نفسي وأخى المائدة: 25 فمرنا بأمرك، فوالله لننتهين إليه، ولو حال بيننا وبينه جمر الغضا، وشوك القتاد. فدعا لهما بخير، ثم قال: وأين تقعان مما أريد ثم نزل. قال أبو العباس: قوله: " سيما الخسف"، قال: هكذا حدثوناه، وأظنه"سيم الخسف" يا هذا، من قول الله عز وجل: يسومونكم سوء العذاب " البقرة 49 ومعنى قوله: سيما الخسف تأويله علامة، هذا أصل ذا، قال الله عز وجل:" سيماهم في وجوههم من أثر السجود " الفتح: 29، وقال عز وجل:" يعرف المجرمون بسيمهم" الرحمن: 41 وقال أبو عبيدة في قوله عز وجل:" مسومين" آل عمران: 125 "قال: معلمين واشتقاقه من السيما التي ذكرنا. ومن قال:مسؤمين " آل عمران 125، فإنما أراد مرسلين: من الإبل السائمة: أي المرسلة في مراعيها، وإنما أخذ هذا من التفسير. قال المفسرون في قوله تعالى: "والخيل المسومة"، آل عمران: 14 القولين جميعاً، مع العلامة و الإرسال، وأما في قوله عز وجل:" حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك" هود: 82-83 فلم يقولوا فيه إلا قولاً واحداً، قالوا:" معلمة"، وكان عليها أمثال الخواتيم، ومن قال:" سيما" قصر. ويقال في هذا المعنى: سيمياء، ممدود،قال الشاعر: غلام رماه الله بالحسن يافعـاً له سيمياء لا تشق على البصر وقوله رحمه الله:" وقتلو حسان بن حسان"، من أخذ حساناً من الحسن صرفه لأن وزنه فعال فالنون منه في موضع الدال من حماد، ومن أخذه من الحس لم يصرفه لأنه حينئذ فعلان فلا ينصرف في المعرفة، وينصرف في النكرة، لأنه ليست له" فعلى " فهو بمنزلة سعدان وسرحان. وقوله:" ديث بالصغار"، تأويله: ذلل، يقال للبعير إذا ذللته الرياضة: بعير مديث، أي مذلل. وقوله:" في عقر دارهم"، أي في أصل دارهم، والعقر: الأصل، ومن ثم قيل: لفلان عقار، أي أصل مال، ويروى عنه قال: من باع داراً أو عقاراً فلم يردد ثمنه في مثله فذلك مال قمن ألا يبارك له فيه". وقوله: قمن يريد: خليق، ويقال أيضاً: قمين وقمن. قال أبو الحسن: من قال: قمن لم يثن ولم يجمع، ومن قال: قمن وقمين ثنى وجمع. ويقال للرجل إذا إتخذ ضيعة، أو داراً: تأثل فلان، أي إتخذ أصل مال. وقوله:" وتواكلتم": إنما هو مشتق من وكلت الأمر إليك ووكلته إلي أنت أي : لم يتوله واحد منا دون صاحبه، ولكن أحال به كل واحد منا على الأخر، ومن ذالك قول الحطيئة: فلأيا قصرت الطرف عنهم بجسرةٍ أمون إذا واكلتـهـا لا تـواكـل

وقوله:" واتخذتموه ورائكم ظهرياً"، أي رميتم به وراء ظهوركم، أي لم تلتفتوا إليه، يقال في المثل: " لا تجعل حاجتي منك بظهرٍ"، أي لا تطرحها غير ناظر إليها. وقوله:" حتى شنت عليكم الغارات"، يقول: صبت، يقال: شننت الماء على رأسه، أي صببته، وشننت الشراب في الإناء أي صببته، ومن كلام العرب: فلما لقي فلان فلانا شنه السيف، أي صبه عليه صبا. وقوله :" هذا أخو غامد، فهو رجل مشهور من أصحاب معاوية، من بني غامد بن نصر بن الأزد بن الغوث، وفي هذه القبيلة يقول القائل: ألا هل أتاها على نأيهـا بما فضحت قومها غامد تمنيتم مـائتـي فـارس فردكم فـارس واحـد فليت لنا بارتباط الخـيو ل ضأنا ًلها حالب قاعد وقوله:" فتنتزع أحجالهما"، يعنى الخلاخيل، واحدها حجل، ومن هذا قيل للدابة: محجل، ويقال للقيد: حجل، لأنه يقع في ذلك الموضع، قال جرير، يعير الفرزدق حين قيد فرسه، وأقسم ألايحلها حتى يحفظ القرآن، فلما هاجى جرير البعيث هجا الفرزدق جريراً معونةً للبعيث، وذبا عن عشيرته، فقال جرير: ولما اتقى القين العراقي باسـتـه فرغت إلى العبد المقيد في الحجل معنى فرغت عمدت، قال الله عز و جل:" سنفرغ لكم آية الثقلان" الرحمن 31 أي سنعمد . وقوله:" ورعثهما" الواحدة رعثة، و جمعها الجمع رعث و هي الشنوف. وقوله:" ثم انصرفوا موفورين" من الوفر، أي لم ينل أحد منهم بأن يرزأ في بدن و لا مال، يقال موفور، و فلان ذو وفر:أي ذو مال، ويكون موفوراً في بدنه إذا ذكر ما أصيب به غيره في بدنه، قال حاتم الطائي: وقد علم الأقوام لو أن حاتماً أراد المال أمسى له وفر ويروى:"كان له وفر". وقوله:" لم يكلم أحد منهم كلماً ". ويقول:لم يخدش أحد منهم خدشاً، وكل جرح صغر أو كبر فهو كلم، قال جرير: تواصلت الأقوام من تكرمها قريش برد الخـيل دامـية الـكـلـوم وقوله:" مات من دون هذا أسفاً"، يقول:تحسراً، فهذا موضع ذا و"قد" يكون الأسف الغضب، قال الله عز وجل"فلما ءاسفونا انتقمنا منهم" الزخرف55 والأسيف يكون الأجير ويكون الأسير فقد قيل في بيت الأعشى: أرى رجلا ًمنهم أسيفاً كأنمـا يضم إلى كشحيه كفاً مخضبا المشهور أنه من التأسف لقطع يده، وقيل: بل هو أسير قد كبلت يده،ويقال: قد جرحها الغل، والقول الأول هو المجتمع عليه، ويقال في معنى أسيف عسيف أيضاً. وقوله:"من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم"، يقول: من تعاونهم و تظاهرهم. وقوله:"و فشلكم عن حقكم"،يقال: فشل فلان عن كذا و"كذا" إذا هابه فنكل عنه وامتنع من المضي فيه. وقوله:"قلتم هذا أوان فر و صر"،فالصر شدة البرد قال الله " كمثل ريح فيها صر".آل عمران117 . وقوله: هذه حمارة القيظ"، فالقيظ الصيف، وحمارته : اشتداد حره واحتدامه، وحمارة مما لا يعوز أن يحتج عليه ببيت شعر، لأن"كل" ما كان فيه من الحروف التقاء ساكنين لا يقع في وزن إلا في ضرب "منه" يقال له المتقارب،"فإنه جوز فيه على بعد التقاء الساكنين "وهو قوله: فذاك القصاص و كان الـتـقـا ص فرضا و حتماً على المسلمينا ولو قال " وكان قصاص فرضاً وحتماً" كان أجود و أحسن، ولكن قد أجازوا هذا في هذه العروض، ولا نظير له في غيرها من الأعاريض . وقوله " ويا طغام الأحلام" فمجاز الطغام عند العرب من لا عقل له، ولا معرفة عنده،وكانوا يقولون: طغام أهل الشأم كما قال: فما فضل اللبيب على الطغام وقوله:" ويا عقول ربات الحجال" ينسبهم إلى ضعف النساء وهو السائر في كلام العرب. وقال الله تعالى يذكر البنات "أومن ينشؤا الحلية وهو في الخصام غير مبين". الزخرف18 0 باب وقال أبو العباس : من كلام العرب الاختصار المفهم، والإطناب المفخم وقد يقع الإيماء إلى الشيء فيغني عند ذوي الألباب عن كشفه، كما قيل: لمحة دالة. وقد يضطر الشاعر المفلق، والخطيب المصقع، والكاتب البليغ، فيقع في كلام أحدهم المعنى المستغلق، واللفظ المستكره، فإن انعطفت عليه جنبتا الكلام غطتا على عواره، وسترتا من شينه. وإن شاء قائل أن يقول: بل الكلام القبيح في الكلام الحسن أظهر، ومجاورته له أشهر، كان ذلك له، ولكن يغتفر السيىء للحسن، والبعيد للقريب. من ألفاظ العرب البينة القريبة المفهمة فمن ألفاظ العرب البينة القربية المفهمة، الحسنة الوصف، الجميلة الرصف قول الحطيئة: وذاك فتى إن تأته إن تأته في صنيعةٍ إلى مالـه لا تـأتـه بـشـفـيع وكذلك قول عنترة: يخبرك من شهد الوقيعة أنـنـي أغشى الوغى وأعف عند المغنم وكما قال زهير: على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبـذل مما وقع من الكلام كالإيماء ومما وقع كالإيماء قول الفرزدق: ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل فتأويل هذا أن بيت جرير في العرب كالبيت الواهن الضعيف، فقال : وقضى عليك به الكتاب المنزل: يريد به قول الله تبارك وتعالى" وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت". 41 ومن كلامه المستحسن قوله لجرير: فهل ضربة الرومي جاعلة لكم أبا عن كليب أو أباً مثل دارم ومن أقبح الضرورة، وأهجن الألفاظ، وأبعد المعاني قوله: وما مثله في الناس إلا مملكاً أبو أمه حي أبوه يقـاربـه مدح بهذا الشعر إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن المغيرة بن عبد الله عمر بن عمر بن مخزوم،وهو خال هشام بن عبد الملك، فقال: وما مثله في الناس إلا مملكاً يعني بالمملك هشاماً، أبو أم ذلك المملك أبو هذا الممدوح، ولو كان هذا الكلام على وجهه لكان قبيحاً، وكان يكون إذا وضع الكلام في موضعه أن يقول: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أم هذا المملك أبو هذا الممدوح، فدل على أنه خاله بهذا اللفظ البعيد، وهجنه بما أوقع فيه من التقديم والتأخير: حتى كأن هذا الشعر لم يجتمع في صدر رجل واحد مع قوله حيث يقول: تصرم مني ود بكر بن وائلٍ وما كاد مني ودهم يتصرم قوارص تأتيني ويحتقرونها وقد يملأ القطر ألإناء فيفعم وكأنه لم يقع ذلك الكلام لمن يقول: والشيبينهض في السواد كأنه ليل يصيح بجانبيه نـهـار فهذا أوضح معنى، وأعرب لفظٍ، وأقرب مأخذٍ. وليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل ما يستحق، ألا ترى كيف يفضل قول عمارة على قرب عهده: تبحثتم سخطي فغير بحـثـكـم نخيلة نفسٍ كان نصحاً ضميرها ولن يلبث التخشين نفساً كـريمة عريكتها أن يستمر مـريرهـا وما النفس إلا نطفة بـقـرارةٍ إذا لم تكدر كان صفواً غديرها فهذا كلام واضح، وقول عذبٌ، وكذلك قوله إيضاً: بني دارم إن يفن عمري فقد مضى حياتي لكم مني ثنـاءٌ مـخـلـد بدأتم فأحسنتم فأثـنـيت جـاهـداً وإن عدتم أثنيت، والعود أحـمـد ???????????????????????????????????????مما يفضل من أقوال الشعراء لتخلصه من التكلف ومما يفضل لتخلصه من التكلف، وسلامته من التزيد، وبعده من الاستعانة قول أبي حية النميري: رمتني وستر الله بيني و بينها عشية آرام الكنـاس رمـيم ألا رب يوم لو رمتني رميتها ولكن عهدي بالنضال قـديم يقول: رمتني بطرفها، وأصابتني بمحاسنها، ولو كنت شاباً لرميت كما رميت، وفتنت كما فتنت، ولكن قد تطاول عهدي بالشباب، فهذا كلام واضح. قا ل أبو الحسن: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب البيتين عن عبد الله بن شبيب وروى: ??عشية أحجار الكناس رميم وزاد فيه بيتا:ً رميم التي قالت لجارات بيتها ضمنت لكم ألا يزال يهـيم

الكناس و المكنس: الموضع الذي تأوي إليه الظباء، وجمع الكناس كنس وجمع المكنس مكانس. ورميم: اسم جارية، مأخوذ من العظام الرميم، وهي البالية، وكذلك الرمة، والرمة: القطعة البالية من الحبل، وكل ما اشتق من هذا فإليه يرجع." الاستعانة في الكلام قال أبو العباس: وأما ما ذكرناه من الاستعانة، فهو أن يدخل في الكلام ما لا حاجة بالمستمع إليه ليصحح به نظماً "او وزناً" إن كان في شعر، او ليتذكر به ما بعده إن كان في كلام منثور، كنحو ما تسمعه في كثير من كلام العامة قولهم: ألست تسمع أفهمت أين أنت وأشبه هذا، وربما تشاغل العيي بفتل إصبعه ومس لحيته، وغير ذلك من بدنه، وربما تنحنح. وقد قال الشاعر يعيب بعض الخطباء في شعر: مليءٌ ببهرٍ والتفاتٍ وسعـلةٍ ومسحةٍ عثنونٍ وفتل أصابعٍ وقال رجل من الخوارج يصف خطيباً منهم بالجبن، وأنه مجيدٌ لولا أن الرعب أذهله: نحنح زيدٌ وسـعـل لما رأى وقع الأسل ?ويلمه إذا ارتجل=ثم أطال واحتفل ومما يشاكل هذا المعنى ويجانس هذا المذهب ما كان من خالد بن عبد الله القسري، فإنه كان متقدماً في الخطابة ومتناهياً في البلاغة، فخرج عليه المغيرة بن سعيد بالكوفة في عشرين رجلاً، فعطعطوا به، فقال خالد: " اطعموني ماءً " وهو على المنبر، فغير بذلك، فكتب به هشام إليه في رسالة يوبخه فيها، سنذكرها في موضعها إن شاء الله. وغيره يحيى بن نوفل فقال: لأعلاجٍ ثـمـانـيةٍ وعـبـدٍ لئيم الأصل في عددٍ يسـير هتفت بكل صوتك: أطعموني شراباً، ثم بلت على السرير فهذا عارض. وقال آخر يعيره: بل المنابر من خوفٍ ومن وهـلٍ واستطعم الماء لما جد في الهرب وألحن الناس كل النس قـاطـبةٌ وكان يولع بالتشديق في الخطب لأعرابي من بني كلاب ومما يستحسن لفظه ويستغرب معناه، ويحمد اختصاره قول أعرابي من بني كلاب: فمن يك لم يغرض فإني ونلقتـي بحجرٍ إلى أهل الحمى غرضان تحن فتبدي ما بها من صـبـابة وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني يريد: لقضى علي، فأخرجه لفصاحة وعلمه بجوهر الكلام أحسن مخرج، قال الله عز وجل: " وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" المطففين 3 والمعنى إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، ألا ترى "أن" أول الآية " الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون" المطففين2: فهؤلاء أخذوا منهم ثم أعطوهم، وقال الله عز وجل: " واختار موسى قومه سبعين رجلاً " اللأعراف: 155 أي من قومه، وقال الشاعر: أمرتك الخير فافعل ما امرت به فقد تركت ذا مال و ذا نشـب أي أمرتك بالخير، ومن ذلك قول الفرزدق: ومنا الذي اختير الرجال سماحةً وجوداً إذا هب الرياح الزعازع أي من الرجال. فهذا الكلام الفصيح. وتقول العرب: أقمت ثلاثاً ما أذوقهن طعاماً ولا شراباً، أي ما أذوق فيهن، وقال الشاعر: ويوماً شهدناه سليماً وعـامـراً قليلاً سوى الطعن النهال نوافذه قال أبو الحسن: قوله:" لم يغرض"، أي لم يشتق، يقال: غرضت إلى لقائك، وحننت إلى لقائك، وعطشت إلى لقائك، وجعت إلى لقائك أي إشتقت، أخبرنا بذلك أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، وأنشدنا عنه: من ذا رسولٌ ناصحٌ فـمـبـلـغٌ عني علية غير قـول الـكـاذب أني غرضت إلى تناصف وجههـا غرض المحب إلى الحبيب الغائب التناصف: الحسن. وأما قوله:" لقضاني" فإنما يريد: لقضى علي الموت، كما قال الله عز وجل:" فلما قضينا عليه الموت"سبأ14، فالموت في النية، وهو معلوم بمنزلة ما نطقت به، فلهذا ناسب قوله عز وجل:"واختار موسى قومه"، الأعراف 155 وكذلك قوله:"كالوهم" فالشىء المكيل معلوم، فهو بمنزلة ما ذكر في اللفظ، ولا يجوز: مررت زيداً وأنت تريد: مررت بزيد، لأنه لا يعتدى إلا بحرف جر، وذلك أن فعل الفاعل في نفسه، وليس فيه د ليل على المفعول نفسه، وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين، فيتعدى إلى أحدهما بحرف جر، وإلى الآخر بنفسه، لأن قولك: اخترت الرجال زيداً، قد علم بذكرك "زيداً " أن حرف الجر محذوف من الأول. فأما قول الشاعر وهو جرير وإنشاد أهل الكوفة له، وهو قوله:

تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذاً حـرام ورواية بعضهم له:" أتمضون الديار" فليس بشىء لما ذكرت لك، و السماع الصحيح و القياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الشاذة . أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد قال: قرأت على عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: مررتم بالديار ولم تعوجوا " فهذا يدلك على أن الرواية مغيرةٌ. فأما قولهم: أقمت ثلاثاً ما أذوقهن طعاماً ولا شراباً، وقول الراجز: قد صبحت صبحها السلام بكبد خالطهـا سـنـام في ساعة يحبها الطعام يريد في ساعة يحب فيها الطعام، وكذلك الأول، معناه: ما أذوق فيهن، فليس هذا عندي من. باب قوله جل وعلا" واخيار موسى قومه" الأعراف: 155 إلا في الحذف فقط، وذلك أن ضمير الظرف تجعله العرب مفعولاً على السعه، كقولهم: يوم الجمعة سرته، ومكانكم قمته، وشهر رمضان صمته، فهذا يشبه في السعة في السعة بقوله: زيد ضربته وما أشبه، فهذا بينٌ. لأعرابي من بني سعد وقد نزل به أضياف قال أبو العباس: ومما يستحسن و يستجاد قول أعرابي من بني سعد بن زيد مناة تميم، وكان مملكاً، فنزل به أضياف، فقام إلى الرحى فطحن لهم، فمرت به زوجته في نسوة، فقالت لهن: أهذا بعلي فأعلم بذلك فقال، قال أبو الحسن: أخبرنا به عن أبي محلم له يعني السعدي: تقول وصكت صدرها بيمينهـا: أبعلي هذا بالرحى المتقاعـس فقلت لها لا تعجبي وتـبـينـي بلائي إذا التفت علي الفوارس ألست أرد القرن يركب ردعـه وفيه سنان ذو غرارين يابـس إذا هاب أقوام تجشمت هول ما يهاب حماياه الألد المـداعـس لعمر أبيك الخير إنـي لـخـادم لضيفي، وإني إن ركبت لفارس قوله:"المتقاعس" إنما هو الذي يخرج صدره ويدخل ظهره، ويقال:عزة قعساء، وإنما هذا مثل، أي لا تضع ظهرها إلى الأرض. وقوله:" بالرحى" من صلة الذي، والصلة تمام الوصول، فلو قدمها قبله لكان لحناً خطاً فاحشاً، وكان كمن جعل آخر الاسم قبل أوله، ولكنه جعل " المتقاعس" اسماً على وجهه، وجعل قوله:" بالرحى" تبييناً بمنزلة"لك" التي تقع بعد " سقياً"، وبمنزلة" بك" التي تقع بعد قولك:" مرحباً" فإن قدمتها فذلك جيد بالغ، تقول: بك مرحباً و أهلاً، وتقول: لك حمداً، ولزيد سقياً، فأما قول الله عز وجل:" وأنا على ذلكم من الشهدين" الأنبياء: 56 وكذلك" وقاسمهما إنى لكما لمن النصحين" الأعراف: 21 فيكون تفسيره على وجهين: أحدهما أن يكون: إنني ناصح لكما، وأنا شاهد على ذلكم، ثم جعل" من الشاهدين" و" لمن الناصحين" تفسيراً لشاهد وناصح، ويكون على ما فسرناه يراد به التبيين، فلا يدخل في الصلة، أو يكون على مذهب المازني. قال أبو العباس: وهو الذي أختار، على أن الألف واللام للتعريف لا على معنى الذي، ألا ترى أنك تقول: نعم الفائم زيد، ولا يجوز: نعم الذي قام زيد، وإنما هو بمنزلة قولك: نعم الرجل زيد، وهذا الذي شرحناه متصل في هذا الباب كله مطرد على القياس. وقوله: " ألست أرد القرن يركب ردعه" فإنما اشتقاقه من السهم يقال: ارتدع السهم إذا رجع متأخراً، ويقال: ركب البعير ردعه إذا سقط، فدخل عنقه في جوفه، والكلام مشتق بعضه من بعض، ومبين بعضه بعضاً، فيقال من هذا في المثل: ذهب فلان في حاجتي فارتدع عنها، أي رجع، وكذلك: فلان لا يرتدع عن قبيح، والأصل ما ذكرت أولاً. ومثل هذا قولهم: فلان على الدابة، وعلى الجبل، أي فوق كل واحد منهما ثم تقول: عليه دين تمثيلاً، وكذلك ركبه دين، وإنما يريد أن الدين علاه و قهره، وكذلك فلان على الكوفة إذا كان والياً عليها، وكذلك: علا فلان القوم، إذا علاهم بأمره وقهرهم، أو جعل هذا الموضوع. وقوله: " وفيه سنان ذو غرارين يابس" فالغرار هنا الحد، وللغرار مواضع. قال أبو العباس: وحدثني الرياشي في إسناد له قال: قال جبر بن حبيب وذكر الراعي: أخطأ الأعور قال: ولم يعلم الحاكي عنه أن الراعي كان أعور إلامن هذا الخبر في قوله: فصادف سهمه أحجار قف كسران العير منه والغرارا

وجبر بن حبيب هو المخطىء، لأن الغرار ههنا هو الحد، وذهب جبر إلى أنه المثال، وقد يكون المثال، وليس ذلك بمانعه من أن يحتمل معاني، يقال: بنوا بيوتهم على غرار واحد، أي على مثال واحد، كما قال عمرو بن أحمر" الباهلي": وضعن وكلهن على غـرار هجان اللون قد وسقت جنينا و يقال: لسوقنا درة وغرار، أي نفاق و كساد، فهذا معنى آخر، وإنما تأويل الغرار في هذا المعنى الأخير أنه شيء، ومن هذا: غار الطائر فرخه، لأنه إنما يعطيه شيئاً بعد شيء، وكذلك غارت الناقة في الحلب، ويقال من هذا: ما نمت إلا غرار، قال الشاعر: ما أذوق النوم إلا غـراراً مثل حسو الطير ماء الثماد فكشف في هذا البيت معنى الغرار وأوضحه. وقوله: " يهاب حمياه الألد المداعس" فأصل الحميا إنما هي صدمة الشيء، يقال: فلان حامي الحميا، ويقال صدمته حمياً الكأس، يراد بذلك سورتها. وقوله:" الألد" فأصله الشديد الخصومة، يقال: خصم ألد، أي لا ينثني عن خصمه. قال الله عز وجل:" وتنذر به قوماً لداً" مريم: 97 كما قال: "بل هم قوم خصمون"، الزخرف: 58، وقال مهلهل: إن تحت الأحجار حزماً وجوداً وخصيماً ألـد ذا مـعـلاق ويروي:" مغلاق" فمن روى ذلك فتأويله أنه يغلق الحجة الخصم،ومن قال،" ذا معلاق"، فإنما يريد أنه إذا علق خصماً لم يتخلص منه، وجعل السعدي الألد الذي لا ينثني عن الحرب تشبيهاً بذلك، و المداعس: المطاعن، يقال: دعسه بالرمح إذا طعنه، قال عمير بن الحباب السلمي: أنا عميرٌ وأبو المغلس وبالقناة مازني مدعس قال أبو الحسن: تأويل قول السعدي: "أبلعي هذا بالرحى المتقاعس" "بالرحى" تبيين ولم يوضحه، فإن تقدير ما كان من هذا الضرب أنه إذا قال: " أبعلي هذا بالرحى المتقاعس"، فإن المتقاعس يدل على أن تقاعساً وقع،فكأنه قال: وقع التقاعس بالرحى، ولم يرد أن يعمل " المتقاعس " في قوله:" بالرحى"، لأنه في صلة، والصلة من الموصول بمنزلة الدال من زيد أو الياء، فكما لا يجوز أن يتقدم حروف الاسم بعضها على بعض، لم يجز أن تتقدم الصلة على الموصول، فأما قول الله عز وجل: " وقاسمهما إنى لكما لمن النصحين"، الأعراف: 21، وكذلك:" وأنا على ذلكم من الشهدين" الأنبياء: 56، فإنه يكون على التبيين الذي قدمنا ذكره وهو قول البصريين أجمعين، إلا أن أبا عمر الجرمي أجاز أن يجعل"لكما"،و " على ذلكم" معلقين بشيئين محذوفين دل عليهما" من الناصحين"، و" من الشاهدين"، لأن "من" مبعضة، فكأنه قال والله أعلم: وقاسمهما إني ناصح لكما من الناصحين، وأنا شاهد على ذلكم من الشاهدين. وأما اختياره وذكره أنه قول المازني، وجعله الألف واللام للعهد مثلهما في الرجل وما أشبهه، فإن هذا القول غير مرضي عندي، لأنك إذا قلت: نعم القائم زيدٌ فجعلت الألف واللام كالألف واللام الداخلتين على ما يؤخذ من الفعل كالإنسان و الفرس وما أشبهه، فإنه إذا كان هكذا دخل في باب الأسماء الجامدة وهي التي لم تؤخذ من أمثلة الفعل، وامتنع من أن يعمل مؤخراً إلا على حيلة ووجهٍ بعيدٍ من التبيين الذي ذكرناه. وإذا كان التأخير لا يعمل بنفسه، فكيف يعمل إذا تقدم عليه الظرف وهذا مستحيل لا وجه له. وأما إنشاده: لا أذوق النوم إلا غراراً فإن هذه أبيات أربعة أنشدناها عن الزيادي، وذكر أنه كان يستحسنها وهي لأعرابي قال: ما لعيني كحلت بـالـسـهـاد ولجنبي نابـياً عـن وسـادي ما أذوق الـنـوم إلا غـراراً مثل حسو الطير ماء الثـمـاد أبتغي إصلاح سعدى بجهـدي وهي تسعى جهدها في فسادي فتتاركنا علـى غـير شـيءٍ ربما أفسد طول الـتـمـادي وأما إنشاده: وضعن وكلهن على غرارٍ فإن البيت لعمرو بن أحمر بن العمرد الباهلي لطيخم بن أبي الطمخاء الأسدي يمدح قوماً من الحيرة قال أبو العباس: ومن سهل الشعر وحسنه قول طخيم بن أبي الطخماء الأسدي يمدح قوماً من أهل الحيرة من بني امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم، ثم من رهط عدي بن زيد العبادي، قال: كأن لم يكن يومٌ بزورة صالحٌ وبالقصر ظل دائمٌ وصديق

ولم أراد البطحاء يمزج مـاءهـا شراب من البروقتـين عـتـيق معي كل فضفاض القميص كأنه إذا ما سرت فيه المدام فـنـيق بنو السمط و الحداء، كل سمـيدع له في العروق الصالحات عروق وإني وإن كانوا نصارى أحبـهـم ويرتاح قلبي نحـوهـم ويتـوق قال أبو العباس: أنشدني هذا الشعر أبو محلم، ثم أنشدنيه رجل نصراني يكنى أبا يحيى، شاعر من هؤلاء القوم الذين مدحوا به، وذكر أنه يذكر طخيماً، وهو يتردد إليهم ويظل عندهم. فال هذا النصراني وهو رجل من بني الحداء قال: أذكره وأنا صغير جداً، والسلطان يطلبه لقوله: له في العروق الصالحات عروق يقول: أتقول هذا لقومٍ من النصارى وكان هذا النصراني قد قارب مائة سنة فيما ذكر. وقوله:" معي كل فضفاض القميص" يريد أن قميصه ذو فضولٍ، وإنما يقصد إلى ما فيه من الخيلاء، كما قال زهير: يجرون الذيول وقد تمشت حمياً الكأس فيهم والغناء ويقال: إن تأويل قول رسول الله حلى الله عليه وسلم: " فضل الإزار في النار "إنما أراد معنى الخيلاء، وقال الشاعر: ولا ينسيني الحدثان عرضـي ولا أرخي من المرح الإزارا وقد روي عن النبي :أنه قال لأبي تميمة الهجيمي:" إياك و المخيلة" فقال: يا رسول الله، نحن قومً عربٌ، فما المخيلة فقال " سبل الإزار" والحديث يعرض لما يجري في الحديث قبله، وإن لم يكن من بابه، ولكن يذكر به. قال أبو العباس: روى لنا أن رجلاً من الصالحين كان عند إبراهيم بن هشام، فأنشد إبراهيم قول الشاعر: إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصية وإذا أجر إليكم سادراً رسني فقام ذلك الرجل فرمى بشق ردائه، وأقبل يسحبه حتى خرج من المجلس، ثم رجع على تلك الحال فجلس، فقال له إبراهيم بن هشام: ما بك فقال : إني كنت سمعت هذا الشعر فاستحسنته، فآليت ألا أسمعه إلا جررت ردائي كما ترى، كما سحب هذا الرجل رسنه.عأما الفنيق فإنه الفحل من الإبل، وإنما أراد خطراته بذنبه من الخيلاء، فشبه الرجل من هؤلاء إذا انتشى بالفحل، وهو إذا خطر ضرب بذنبه يمنة وشأمة،قال ذو الرمة: وقربن بالزرق الجمائل بعـدمـا تقوب عن غربان أوراكها الخطر قول مخيس بن أرطاة الأعرجي لرجل من بني حنيفة ومن حسن الشعر ومايقرب مأخذة قول مخيس بن أرطاة الأعرجى والأعرج الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، لرجل من بني حنيفة يقال له يحيى، وكان يصير إلى امرأة في قرية من قرى اليمامة يقال لها: بقعاء: قال أبو الحسن : أنشدته عن الرياشي : "نقعاء"، وسألت رجلاً من أهل اليمامة فصيحاً من بني حنيفة عن هذا، فقال : مانعرفة إلا "نقعاء" : عرضت نصيحة مني ليحيى فقال: غششتني والنصح مر وما بى أن أكون أعيب يحيى ويحيى طاهر الأثواب بـر ولكن قد أتانـي أن يحـيى يقال عليه في بقعـاء شـر فقلت له: تجنب كل شـىءٍ يعاب عليك، أن الحرحـر فهذا كلام ليس فية فضل عن معناه، وقوله :"إن الحرحر " انما تأويلة أن الحر على الأخلاق التى عهدت في الأحرار، ومثل ذلك: أنا أبو النجم وشعري شعري أي شعري كما بلغك، وكما كنت تعهد، وكذلك قولهم: الناس الناس، أي الناس كما كنت تعهدهم.قال أبو الحسن :ومنه قول الله عز وجل :" فغشيهم من اليم ما غشيهم" طه87 وقوله: فقلت له تجنب كل شىء يعـاب عــلـــيك كقول عمرو بن العاص لمعاوية حين وصف عبد الملك بن مران فقال : آخذ بثلاث، تاركٌ لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسرالأمرين عليه إذا خولف،تارك للمراء،تارك لمقاربة اللئيم،تارك لما يعتذر منه،كقوله : تجـنـب كـل شــىءٍ يعاب عليك أن الحر حر قول ابن ميادة لرياح بن عثمان المري ومما يستحسن إنشاده من الشعر لصحة معناه،وجزالة لفظه،وكثرة تردد ضربه من المعاني بين الناس،قول ابن ميادة لرياح بن عثمان بن حيان المري،من مرة غطفان،يقوله في فتنة محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن،وكان أشار عليه بأن يعتزل القوم فلم يفعل فقتل،فقال ابن ميادة :

أمرتك يا رياح بأمـر حـزمٍ فقلت :هشيمةٌ من أهل نجد نهيتك عن رجال من قـريش على محبوكة الأصلاب جرد ووجداً ما وجدت علـى رياحٍ وما أغنيت شيئا غير وجدي وقوله: " فقلت هشيمة من أهل نجد تأويله ضعفة،وأصل الهشيم النبت إذا ولى وجف وتكسر، فذرته الرياح يميناً وشمالاً قال الله عز وجل :" فأصبح هشيماً تذروه الريح" والنجد :أعالي الأرض وقوله: "على محبوكة الأصلاب جرد" فالمحبوك الذي فيه طرائق، واحدها حباكٌ، والجماعة حبك، وكذلك الطرائق التي عاى جناح الطائر ؛ من ذلك قول الله عز وجل:" والسماء ذات الحبك" قال أ بو الحسن: ابن ميادة اسمه الرماح، وأمه ميادة، وأبوه أبرد، وكان عاقاً بأمه، ولها يقول: اعرنزمي مياد للقوافي وأصل الاعرنزام التجمع و التقبض، يقول: استعدي لها وتهيئي. وأنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد له : ونواعم قد قلنـا يوم تـرحـلـي قول المجد وهن كـالـمـزاح ياليتنا مـن غـير أمـر فـادح طلعت??? علينا العيس بالرماح في أبيات له، يعني نفسه. قال أبو الحسن: وتمام الأبيات : بينا كذاك رأيتني متعـصـبـاً بالخز فوق جـلالة سـرداح فيهن صفراء المعاصم طفـلة بيضاء مثل غريضة التـفـاح ريشن حين أردن أن يرميننـي نبلاً بـلا ريشٍ ولا بـقـداح ونظرن من خلل الستور بأعين مرضى مخالطها السقم صحاح نبذ من أقوال الحكماء قال أبو العباس: ثم نذكر من كلام الحكماء وأمثالهم وآدابهم صدراً، ونعود إلى المقطعات إن شاء الله. يروى عن ابن عمر أنه كان يقول: إنا معشر قريش، كنا نعد الجود و الحلم السودد، ونعد العفاف وإصلاح المال المروءة. قال الأحنف بن قيس: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزح تذهب المروءة، ومن لزم شيئاً عرف به. وقيل لعبد الملك بن مروان: ما المروءة? فقال: موالاة الأكفاء، ومداجاة الأعداء. وتأويل المداجاة المداراة؛ أي لا تظهر لهم ما عندك من العداوة، وأصله من الدجى، وهو ما ألبسك الليل من ظلمته. وقيل لمعاوية: ما المروءة? فقال: احتمال الجريرة، وإصلاح أمر العشيرة. فقيل له: وما النبل? فقال: الحلم عند الغضب، والعفو عند القدرة. وكان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا، إنك قد اخترتني جاراً، واخترت داري داراً، فجناية يدك علي دونك، وإن جنت عليك يدٌ فاحتكم علي حكم الصبي على أهله. وذلك أن الصبي قد يطلب ما لا يوجد إلا بعيداً، ويطلب ما لا يكون البتة، قال الشاعر: ولا تحكما حكم الصبـي فـإنـه كثيرٌ على ظهر الطريق مجاهله وروي أن معاوية بن سفيان لما نصب يزيد لولاية العهد أقعده في قبةٍ حمراء، فجعل الناس يسلمون على معاوية، ثم يميلون إلى يزيد، حتى جاء رجلٌ فعل ذلك، ثم رجع إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، اعلم أنك لو لم تول هذا أمور المسلمين لأضعتها-والأحنف جالسٌ-فقال له معاوية: ما بالك لا تقول يا أبا بحر! فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت، فقال: جزاك الله عن الطاعة خيراً! وأمر له بألوفٍ، فلما خرج الأحنف لقيه الرجل بالباب، فقال: يا أبا بحر، إني لأعلم أن شر من خلق الله هذا وابنه، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع باستخراجها إلا بما سمعت، فقال الأحنف: يا هذا أمسك عليك، فإن ذا الوجهين خليقٌ ألا يكون عند الله وجيهاً. لرجلٍ يهجو بلال بن البعير المحاربي وقال رجلٌ يهجو بلال بن البعير المحاربي: يقـولـون أبـنـاء الـبـعـــير ومـــا لـــه سنـامٌ ولا فـي ذروة الـمـــجـــد غـــارب أرادتوذاكم من سفاهة رأيهالأهجوهالما هجتني محارب معاذ إلهي إنني بعشيرتي ونـفـسـي عـن هـذا الـمـقـام لــراغـــب لأبي الطمحان القيني يفخر بقومه وقال أبو الطمحان القيني: وإني من القوم الـذين هـم هـم إذا مات منهم سيدٌ قام صاحبـه نجوم سماءٍ كلما غار كـوكـب بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكـبـه أضاءت لهم أحسابهم ووجوههـم دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

وما زال منهم حيث كانوا مسودٌ تسير المنايا حيث سارت كتائب لإياس بن الوليد يمدح قومه وقال إياس بن الوليد يمدح قومه: إني وجدك من قومٍ إذا طلبـوا بعد النسيئة ديناً أحسنوا الطلبـا لا تحسبوا هجم أبياتي علانـيةً ولا استلاب سلاحي ذاهباً لعبا تبقى المعاير بعد القوم بـاقـيةً ويذهب المال فيما كان قد ذهبا لرجلٍ يهجو وقال آخر: ليسوا لعمرو غير تأشيب نسبةٍ ولكن عمراً غيبته المقابـر إذا عيروا قالوا مقادير قدرت وما العار إلا ما تجر المقادر لرجلٍ من بني نهشل بن دارم ينأى بنفسه وقال رجلٌ من بني نهشل بن دارم: إذا مولاك كان عليك عونـاً أتاك القوم بالعجب العجيب فلا تخنـع إلـيه ولا تـرده ورام برأسه عرض الجبوب فما لشآفةٍ من غـير ذنـبٍ إلا ولى صديقك من طبيب وقوله: ورام برأسه عرض الجبوب يريد الأرض-وهو اسم من أسمائها-أنشدني التوزي لرجلٍ من بني مرة يرثي ابنه: بني على عيني وقلبي مكانـه ثوى بين أحجارٍ ورهن جبوب وقوله: فما لشآفةٍ يقول: لبغض، يقال: شئفت الرحل أشأفه شآفةً وشأفاً، وقد يقال في هذا المعنى شنفته، قال الراجز: لما رأتني أم عمروٍ صدفت ومنعتني خيرها وشنفـت وقال آخر: ولم تداو غلة القلب الشنف لنبهان بن عكي في النسيب وقال نبهان بن عكي العبشمي: يقر بعيني أن أرى من مكـانـه ذرا عقدات الأبرق المـتـقـاود وأن أرد الماء الذي شربـت بـه سليمى، وقد مل السرى كل واجد وألصق أحشائي ببـرد تـرابـه وإن كان مخلوطاً بسم الأسـاود قوله: " ذرا عقدات" فالذروة من كل شيء أعلاه، فذروه السنام أعلاه، وذروة المجد أرفعه وأسناه، ويقال: فلان في ذروة قومه إذا كان في الموضع الرفيع منهم، وأما قول لبيد: مدمنٌ يجلو بأطـراف الـذرا دنس الأسؤق عن عضب أفل فإنما يقول: هذا رجل يعرقب الإبل لينحرها ثم يمسح ذرا أسنمتها بسيفه، ليجلو ما عليه من دم الأسؤق. وقوله:" عضب" أي قاطع، ومن ذلك رجل عضب اللسان، وجعله أفل لكثرة ما يقارع به الحروب، كما قال النابغة: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وقوله: " عقدات " فهو ما انعقد وصلب من الرمل، والواحدة عقدة، وأعقاد أيضاً وعقدات، قال ذو الرمة لهلال بن أحوز المازني يمدحه: رفعت مجد تميم يا هلال لـهـا رفع الطراف على العلياء بالعمد حتى نساء تمـيم وهـي نـازحة بقلة الحزن فالصمان فالعـقـد لو يستطعن إذا ضافتك مجحـفة وقينك الموت بالآباء و الـولـد وقوله:" الأبرق" فالأبرق حجارة يخلطها رمل وطين، يقال لتلك: برقة، وأبرق، وبرقاء، يا فتى كما يقال: الأمعز والمعزاء، وهي الأرض الكثيرة الحصباء، ومثل ذلك الأبطح والبطحاء، وهو ما انبطح من الأرض، فمن قال: أبرق فإنما أراد المكان، ومن قال : برقاء فإنما أراد البقعة وقوله:" المتقاود" يريد المنقاد المستقيم، ومن ذلك قولهم: قدته أي جررته على استقامة، وكذلك طريق منقاد، وفلان قائد الجيش، قال حاتم بن عبد الله الطائي يضرب هذا مثلاً: إن الكريم من تلفت حولـه وإن اللئيم دائم الطرف أقود وقوله : ولو كان مخلوطاً بسم الأساود يريد جمع أسود سالخ، وجمعه على أساود، لأنه يجري مجرى الأسماء، وما كان من باب "أفعل" اسما فجمعه على أفاعل، نحو أفكل وأفاكل، والأكبر والأكابر، وكذلك كل ما سميت به

رجلاً، تقول :أحمد وأحامد وأسلم وأسالم، فإن كان نعتاً فجمعه "فعل" نحو أحمر وحمر وأصفر وصفر، ولكن أسود إذا عنيت به الحية، وأدهم إذا عنيت به القيد، وأبطح إذا عنيت المكان المنبطح، والأبرق إذا عنيت المكان، مضارعة للأسماء، لأنها تدل على ذات الشيء، وإذا كانت في الأصل نعتاً محضاً، تقول في جمعها: الأباطح والأبارق والأداهم والأساود، فإن أردت نعتاً محضاً يتبع المنعوت، قلت: مررت بثياب سود، وبخيل دهم، وكل ما أشبه هذا فهذا مجراه، قال جرير: هو القين وابن القين لا قين مثله لفطح المساحي أو لجدل الأداهم وقال الأشهب بن رميلة : قال أبو الحسن : رميلة اسم أمة : أسود شرى لاقت أسود خفـية تساقت على حرد دماء الأساود قوله:" على حرد" يقول: على قصد، فأما الله عز وجل: " وغدوا على حردٍ قدرين" فإن فيه قولين: أحدهما ما ذكرنا من القصد، قال الشاعر : قد جاء سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المـغـلة وقالوا:" على حرد": أي على منع من حاردت السنة إذا منعت قطرها، وحاردت الناقة إذا منعت درها قال أبو الحسن: رواية أبي العباس :" يقر بعيني " يريد يقر عيني، ثم أتى بالباء توكيداً، وقال لنا: هكذا سمعته، ويقال: أقر الله عينه يقرها، وقرت عينه تقر، وقررت بالمكان أقر وقال الأصمعي: قرت عينه من القر وهو البرد، أي جمدت فلم تدمع، وهو بحذاء سخنت عينه وأجود مما روى عندي:" يقر بعيني "، وهو الأصل، والباء في موضعها غير مؤكدة وقال أبو العباس: الذي رويت:" وقد مل السرى كل واحد "، وهو المنفرد في السير المتوحد به، وروىغيره: " كل واجد"، أي عاشق وروي أيضاً :" كل واخد "، وهو من الوخد والوخدان، وهو السير الشديد والوخد المصدر، والوخدان الاسم للقتال الكلابي يفخر بنفسه وقومه وقال القتال الكلابي، واسمه عبيد بن مضرحي : أنا ابن أسماء أعمامي لها وأبـي إذا ترامى بنو الإموان بالـعـار لا أرضع الدهر إلا ثدي واضحةٍ لواضح الخد يحمي حوزة الجار من آل سفيان أو ورقاء يمنعهـا تحت العجاجة ضرب غير عوار يا ليتني والمنى ليست بـنـافـعةٍ لمالك أو لحصـن أو لـسـيار طوال أنضية الأعناق لم يجـدوا ريح الإماء إذا راحت بـأزفـار قوله إذا ترامى بنو الإموان بالعار فالإموان: جمع أمةٍ، وأصل أمةٍ"فعلة" متحركة العين، وليس شيء من الأسماء على حرفين إلا وقد سقط منه حرف يستدل عليه بجمعه، أو بتثنيته، او بفعل إن كان مشتقاً منه، لأن أقل الأصول ثلاثة أحرف، ولا يلحق التصغير ما كان أقل منها، فأمة قد علمنا أن الذاهب منها واو بقولهم: "إموان "، كما علمنا أن الذاهب من أب وأخ الواو بقولهم أبوان وأخوان، وعلمنا أن أمة "فعلةٌ " متحركة بقولهم في الجميع: آم، فوزن هذا أفعل، كما قالوا أكمة وآكم، ولا تكون فعلةٌ على أفعل، ثم قالوا إموان، كما قالوا في المذكر الذي هو منقوص مثله: إخوان، واستوى المذكر والمؤنث، لأن الهاء زائدة كما استويا في "فعل" الساكن العين، تقول: كلب وكلاب، وكعب كعاب، كما تقول في المؤنث: طلحة وطلاح، وجفنةٌ وجفان، وصفحة وصحاف. ونظير ذلك من غير المعتل ورل و ورلان، وبرق وبرقان وخرب وخربان، وهو ذكر الحبارى، والبرق الحمل، ومن أنشد: "أموان " فقد غلط، لأنه يحتج بقولهم، حمل حملان، وفلق وفلقان، وهذا إنما يحمل على ما كان معتلاً مثله، نحو أخٍ وإخوان، وقد روى أبو زيد: أخوان، فإلى هذا ذهبوا، والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الضعيفة. وقوله: " لا أرضع الدهر " فهذا على لغته، لأن قيساً تقول: رضع يرضع، وأهل الحجاز يقولون: رضع يرضع، وينشدون بيت عبد الله بن همام "السلولي" على وجهين، وهو: إذا نصبوا للقول قالوا فإحسنوا ولكن حسن القول خالفه الفعل وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها إفاويق حتى ما يدر لها ثعـل وبعضم يقول "يرضعونها". وقوله لاأرضع الدهر إلا ثدي واضحة يقول إنما ترضعني أمي، وليست غير كريمة، كما قال الأغشى : يا خير من يركب المطي ولا يشرب كأساً مـن بـخـلا

يقول: إنما تشرب بكفك، ولست ببخيل، ومثل هذا قول التميمي لنجدة ابن عامر الحنفي الخارجي: متى تلق الحريش حريش سعد وعبادا ًيقـود الـدارعـينـا تبـين أن أمـك لـم تـورك ولم ترضع أمير المؤمنـينـا وقوله:"واضحة "أي خالصة في نسبها، وليست بأمة، وهذا توكيد لبيته الأول، وقد أنشد بعضهم:" لواضح الجد" والمعنى قريب . وقوله:"يحمي حوزة الجار "أي مايحوزه، يقال: فلان مانع لحوزته، أي لما صار في حيزه، ويروى عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: للأزد أربع ليست لحي، بذل لما ملكت أيديهم، ومنع لحوزتهم، وحي عمارة لايحتاجون إلى،غيرهم، وشجعان لايجبنون وقوله: لمالكٍ، أو لحصنٍ، أو لسيار فهؤلاء بيت فزازة، وبيوتات العرب في الجاهلية ثلاثة، فبيت تميم بنو عبد الله بن دارم، ومركزه، بنو زرارة، وبيت قيس بنو فزارة ومركزه بنو بدرٍ، وبيت بكر بن وائل بنو شيبان ومركزه ذي الجدين . وقوله:" طوال أنضية الأعناق " فالنضي مركب النصل في النسخ، وضربه مثلاً، وإنما أراد طوال الأعناق، كما قال الأعشى : الواطئين على صدور نعالهم يمشون في الدفئي والأبراد يريد السودد والنعمة ولم يخصص الصدور، وإنما أراد النعال كلها، وقال الشاعر: يشبهون ملوكاً في تجلـتـهـم وطول أنضية الأعناق واللمـم إذا بدا المسك يندى في مفارقهم راحوا كأنهم مرضى من الكرم قال أبو الحسن: وغيره يروي: يشبهون قريشاً في تجلتهم وقوله:"بأزفار" فالزفر الحمل، ويضرب مثلاً للرجل، فيقال، إنه لزفر. أي حمال للأثقال، ويقال: أتى حمله فأزدفره، قال أبو قحامة أعشى بأهلة : أخو رغائب يعطيها ويسألـهـا يأبى الظلامة منه النوافل الزفر وإنما يريده بعينه، كقولك: لئن لقيت فلاناً ليلقينك منه الأسد. وقوله " النوفل "من قولهم: إنه لذو فضل ونوافل. لرجل من بني عبس وكان عروة بن الورد قد شتمه وقال رجل من بني عبسٍ يقوله لعروة بن الورد: لا تشتمني يا ابن وردٍ فـإنـنـي تعود على مالي الحقوق العوائد ومن يؤثر الحق النؤوب تكن بـه خصاصة جسم، وهو طيان ماجد وإني امرؤٌ عافي إنائي شـركةٌ وأنت امرؤ عافي إنائك واحـد أقسم جسمي في جسوم كـثـيرةٍ وأحسو قراح الماء والماء بارد قوله :" النؤوب " يريد الذي ينوبه، وكل واو قراح لغير علةٍ فأنت فيهمزها وتركها بالخيار، تقول في جمع دارٍ: أدؤر وإن شئت لم تهمز، وكذلك النؤوب، والقؤول لانضمام الواو، فأما الواو الثانية فإنها ساكنة قبلها ضمة، وهي مدة فلا يعتد بها، ولو التقت واوان في أول كلمةٍ وليست إحداهما مدة لم يكن بد من همز الأولى، تقول في تصغير واصل وواقدٍ: أويصل وأويقد، لا بد من ذلك، فأما وجوه فأما وجوهٌ فإن شئت همزت فقلت: أجوه وإن شئت لم تهمز، قال الله عز وجل " وإذا الرسل أقتت" المرسلات والأصل وقتت، ولو كان في غير القرآن لجاز إظهار الواو إن شئت. وقوله . عز وجل :" ما ورى عنهما" الاعراف الواو الثانية مدة فلا يعتد بها، ولو كان في غير القرآن لجاز الهمز لانضمام الواو. وقولي :" إذا انضممت لغير علة"، فالعلة أن تكون ضمتها إعرباٌ، نحو هذا غزوٌ يا فتى، وذلو كما ترى، مما لا يجوز همزه، لأن الضمة للإعراب فليست بلازمة، أو تنضم لالتقاء الساكنين، فذلك أيضاً غير لازم، فلا يجوز همزة : نحو اخشوا الرجل" لتبلون في أموالكم وأنفسكم " آل عمران " 186 "ولترون الجحيم" التكاثر6 ومن همز من هذا شيئاً فقد أخطأ. لرجل من بني تميم يهجو تعلة بن مسافر وقال رجل من بني تميم: ألبان إبل تعلة بن مـسـافـرٍ ما دام يملكها علـي حـرام وطعام عمران بن أوفى مثلها ما دام يسلك في البطون طعام إن الذين يسوغ في إعناقـهـم زادٌ يمن عـلـيهـم لـلـئام لعن الإله تعلة بن مـسـافـر لعناً يشن علـيه مـن قـدام وهذا كلام فصيح جداً وقوله:" يسوغ في أعناقهم" يريد حلوقهم لأن العنق يحيط بالحلق، ويشبه هذا الاتساع في الفصاحة لا في المعنى قول القطامي:

لم تر قوماً هم شر لإخوتهـم منا عشية يجري بالدم الوادي نقريهم لهذميات نقـد بـهـا ما كان خاط عليهم كل زراد لأن الخياطة تضم خرق القميص، والسرد يضم حلق الدرع، فضربه مثلاً فجعله خياطة، قال أبو الحسن: روى أبو العباس: وطعام عمران بن أوفى مثلها رد الهاء والألف على الألبان، وهذا لا نظر فيه، وروى أيضاً مثله لأن الألبان تجري مجرى اللبن، فحمله على المعنى. وقد يجوز أن تجعل الألبان جمعاً فتذكر لتذكير الجمع. وروي أيضاً ما دام يسلك في الحلوق طعام وروى الفراء في هذا الشعر: إن الذين يسوغ في أحلاقهم وإنما كان ينبغي أن يكون: :"في أحلقهم " كقولك: فلس وأفلس، وما أشبهه ولكنه شبه باب "فعلٍ" بباب "فعل"، كما قالو: زند وأزناد، وفرخ وافراخ، قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ماذا تقول لأفراخ بـذي مـرخ حمر الحواصل لا ماء ولا شجر ففعلوا هذا تشبيها ًبباب "فعل" كما شبهوا فعلاً بفعلٍ في الجمع، فقالوا: جبلٌ وأجبلٌ، وزمن وأزمن، كما قال: إني لأكني بأجبال عن أجبلها وباسم أودية حباً لـواديهـا فأتي به على الأصل، وتشبيهاً بغيره على ما أخبرتك، قال ذو الرمة: أمنزلتي مي سلام عـلـيكـمـا هل الأزمن الائي مضين رواجع! والباب "أزمان" كما قال رؤبة: أزمان لا أدري وإن سألت ما فرق بين جمعةٍ وسبت وروى أبو العباس البيت الأخير مقوى، وجعله نكرة، وهو قوله:" من قدام" كما تقول: جئتك من قبلٍ، ومن بعد، ومنعلٍ، وما أشبه، كما قرأ بعضهم:" لله الأمر من قبل ومن بعد" الروم4 كما تقول: أولاً وآخراً، ورواه الفراء:" من قدام" وجعله معرفة، وأجراه مجرىالغايات، نحو:" قبل وبعد" كما قال طرفة بن العبد: ثم تفري اللحم من تـعـدائهـا فهي من تحت مشيحات الحزم وكما قيل عتي بن مالك العقيلي، أنشده الفراء أيضاً: إذا أنا أومن عليك ولم يكن لقاؤك إلا من وراء وراء فهذا الضرب مما وقع على غير جهة التعريف، وجهة التعريف أن يكون معرفاً بنفسه، كزيد وعمرو، أو يكون معرفاً بالألف واللام أو بالإضافة، فهذه جهة التعريف، وهذا الضرب إنما هو معرف بالمعنى، فلذلك بني إذ خرج من الباب، ويروى :" لعناً يسن عليه" بالسين، ويسن ويشن واحد، أي يصب إلا أن بعضهم قال السن الصب على وجهه واحدة، وقالوا : يقال : شننت عليه الماء، وسننته، وسننت عليه الدرع لا غير، وقالوا: سننت عليه الغارة لا غير. للقاطمي يفتخر قال أبو العباس: وقال القاطمي: فمن تكن الحضارة أعجبتـه فأي رجال بـاديةٍ تـرانـا ! ومن ربط الجحاش فإن فينـا قناً سلبا وأفراساً حـسـانـا وكن إذا أغرن على قـبـيل فأعوزهن كوز حيث كـانـا أغرن من الضباب على حلال وضبة إنه من حان حـانـا وأحياناً على بـكـرٍ أخـينـا إذا ما لم نـجـد إلا أخـانـا وقوله: "الحضارة" يريد الأمصار، وتقول العرب: فلان بادٍ، وفلان حاضرٌ، وفي الحديث:" ولا يبيعن حاضرٌ لبادٍ" وتأويل ذلك أن البادي يقدم وقد عرف أسعار ما معه وما مقدار ربحه، فإذا جاءه الحاضر عرفه سنة البلد فأغلى على الناس. ومثل ذلك النهي عن تلقي الجلب، ومثله: دعوا عباد الله يصب بعضهم من عضٍ. حي حلال، إذا كانوا متجاورين مقيمين، وأنشد الأصمعي: أقوم يبغون العير تجـراً أحب إليك أم حي حلال باب نبذ من أقوال الحكماء قيل لمعاوية رحمة الله عليه: ما النبل? فقال: الحلم عند الغضب،والعفو عند القدرة.ويروى عن رسول الله :" ألا أخبركم بشراركم ? :من أكل وحده، ومنع رفده، وضرب عبده، ألا أخبركم بشر بين ذلكم? : من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنباً ألا أخبركم بشر من ذلكم من يبغض الناس ويبغضونه". ويروى عنه عليه السلام أنه قال :" المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدً على من سواهم، والمرء كثير بأخيه" قوله "تتكافأ دماؤهم"، من قولك: فلان كفء لفلان، أي عديله، وموضوع بحذائه، قال الله عز وجل: )ولم يكن له كفواً أحد( الإخلاص4 ويقال: فلان كفاء فلان، وكفيء فلان، وكفء فلان. ويروى أن الفرزق بلغه أن رجلاً من الحبطات بن عمرو بن تميم خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فقال الفرزدق: بنو دارم أكفاؤهم آل مسمعٍ وتنكح في أكفائها الحبطات فآل مسمع بيت بكر بن وائل في الإسلام، وهم ممن بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل،والحبطات هم بنو الحارث بن عمرو بن تميم فقوله:" أكفاؤهم" إنما هو جمع كفء يافتى، فقال رجل من الحبطات يجيبه: أما كان عباد كفيئاً لـدارم بلى ولأبيات بها الحجرات يعني بني هاشم من قول الله عز وجل :إن الذ ين ينادونك من وراء الحجرات وقال علي بن أبي طالب رحمه الله: من لانت كلمته، وجبت محبته وقال : قيمة كل امرىء ما يحسن وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يثبتن لك الود في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه وقال: كفى بالمرء غياً أن تكون فيه خلة من ثلاث :أن يعيب شيئاٌ ثم يأتي مثله،أو يبدو له من أخيه ما يخفى عليه من نفسه،أو يؤدي جليسه فيما لا يعنيه . وقال عبد الله بن العباس لبعض اليمانية:لكم من السماء نجمها، ومن الكعبة ركنها،ومن السيوف صميمها يعني سهيلا من النجوم، والركن اليماني، وصمصامة عمرو بن معديكرب .ويروى أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال يوماٌ : من أجود العرب فقيل له : حاتم،قال : فمن شاعرها قيل : امرؤ القيس بن حجر، قال : فمن فارسها قيل : عمرو بن معديكرب، قال،: فأي سيوفها أمضى، قيل: الصمصامة.وقال معاوية بن أبي سفيان رحمة الله للأحنف بن قيس و جارية بن قدامة ورجال من بني سعد معهما كلاماً أحفظهم، فردوا عليه جواباً مقذعاً، وبنت قرظة في بيتٍ يقرب منه، فسمعت ذلك، فلما خرجوا قالت: يا أمير المؤمنين، لقد سمعت من هؤلاء الأجلاف كلاماً تلقوك به فلم تنكر، فكدت أخرج إليهم فأسطو بهم. فقال لها معاوية: إن مضركاهل العرب، وتميماً كاهل مضر، وسعداً كاهل تميمٍ، وهؤلاء كاهل سعدٍ. وكان معاوية يقول: إني لا أحمل السيف على من لا سيف معه، وإن لم تكن إلا كلمة يشتفي بها مشتفٍ جعلتها تحت قدمي، ودبر أذني باب لرجل من بني سعد يرثي رجلاً قال أبو العباس: قال رجل - أحسبه من بني سعد - يرثي رجلاً: ومختضر المنافع أريحـي نبيلٍ في معـاوزةٍ طـوال عزيزٍعزةً في غير فحـشٍ ذليلٍ للذ ليل من الموالـي جعلت وسـاده إحـدى يديه وتحت جمائه خشبات ضال ورثت سلاحه، وورثت ذوداً وحزناً دائماً أخرى الليالي قوله:"أريحي" هو الذي يرتاح للمعروف،أي يخف له، ويقال: أخذت فلاناً أريحية،أي خفة و حركة لفعل المعروف.و المعاوز: الثياب التي يتبذل فيها الرجل،وهي دون الثياب التي يتجمل بها،واحدها معوز،قال الشماخ في نعت القوس: إذا سقط الأنداء صينت و أشعرت حبيراً ولم تدرج عليها المغـاوز وقوله:"في معاوزة ":فزاد الهاء .،فإنما يفعل ذلك لتحقيق التأنيث، لأن كل جمع مؤنث،كما تقول في جمع صيقلٍ صياقل،و صياقلة، وكذلك جوارب وجواربة،إلاأن أكثر الأعجمي يختص بالهاء، وهو في الغربي جيد، وفي العجمي أكثر استعمالاً نحو الموازجة، فإن كان الباب فيه إثبات الهاء وتركها جائز.، نحو المهالبة و الأحامرة، وقالوا: السبابحة لأنه قد اجتمع فيه النسب و العجمة.

وقوله تحت جمائه يعني شخصه، والضال: السدر البري وما كان من السدر على الأنهار فليس بضال، ولكن يقال له : عبري. قال ذو الرمة:" عبرياً وضالاً ". ورثت سلاحه وورثت ذودا يصف قرب نسبه منه، والذود: القطعة من الإبل، وأكثر ما يستعمل ذلك في الأناث، ويجوز في السائر، ومنه قولهم: الذود إلى إبل، ثم قال : وحزناً دائماً أخرى الليالي كما قال وغبط بميراثٍ ورثه من أحد أهله: يقول جزءٌ ولم يقل جللاًإني تزوجت ناعماً جذلاً إن كنت أزنتني بها كذباً جزء فـلاقـت مـثـلـهـا عـــجـــلا أغــبـــط أن أرزأ الـــكـــرام وأن أورث ذوداً شـصـائصـــاً نـــبـــلا قوله :"ولم يقل جللا" أي صغيراً، والجلل يكون للصغير، ويكون للكبير، من ذلك قوله: كل شيء ما خلا الله جلل أي صغير، وقال لبيدٌ في الكبير: وأرى أربد قد فـارقـنـي ومن الأرزاء رزءٌ ذو جلل وقوله:" شصائصاً "، يعني حقيرة دميمة. وزعم التوزي أن النبل من الأضداد، يكون للجليل والحقير، واححتج بهذا البيت الذي ذكرناه، قال : يريد ههنا الحقيرة. وقوله:" أزنتني"، أي قرفتني ونسبتني إليه، فلان يزن بكذا وكذا، أي يسمى به، ةينسب إليه، قال امرؤ القيس بن حجر: كذبت، لقد أصبي على المرء عرسه وأمنع عرسي أن يزن بها الخالـي وفي معنى قوله :"ورثت سلاحه" قول الشاعر: يفرح الوارث بـالـمـال إذا ورث المال ويبكي إن غضب ومثله قول الفزاري: ياحبذا التراث لولا الذلة لجميل بن معمر في النسيب وقال جميل بن معمرٍ: ما صاءب من نائلٍ قذفت بـه يدٌ، وممر العقـدتـين وثـيق له من خوافي النسر حم نظائرٌ ونصل كنصل الزاعبي فتـيق على نبعةٍ زوراء، أيما خطامها فمتنٌ، وأيما عدها فـعـتـيق بأوشك قتلاً منك يوم رميتنـي نوافذ لم تعلم لهـن خـروق كأن لم نحارب يا بثين لو أنهـا تكشف غماها وأنت صـديق قوله "ما صائب " يريد قاصداً، يقال: صاب يصوب إذا قصد، ومن ذلك قوله تعالى:"أو كصيب من السماء" البقرة19 وقد قالوا: النازل، والقصد أحكم كما قال بشر بن أبي خازم الأسدي: تؤمل أن أؤوب لها بغنم ولم تعلم بأن السهم صابا وقوله:" وممر العقدتين" يعني وتراً، والممر: الشديد الفتل. وقوله:" من خوافي النسر حم نظائر" يريد ريش السهم، والحم: السود، وذلك أخلصه وأجوده، وجعلها في مقادير، لأنه أقصد للسهم، وإذا كانت الريشات بطن الواحدة منها إلى ظهر الأخرى فهو الذي يختار وهو الذي يقال له اللؤام، وإنما أخذ من قولهم: ملتئم. وإن كان ظهر الواحدة إلى ظهر الأخرى، وبطنها إلى بطن الأخرى فذلك مكروه، يقال له اللغاب. وقوله :"كنصل الزاعبي"، شبه نصل السهم بنصل الرمح الزاعبي، وهو منسوب إلى رجل من الخزرج، يقال له زاغبٌ، كان يعمل الأسنة، هذا قول قوم. وأما الأصمعي فكان يقول:الزاغبي: الذي إذا هز فكأن كعوبه يجري بعضها في بعضٍ للينه وتثنيه، يقال مر يزعب بحمله إذا مر مراًسهلاً. وقوله:" فتيق" يعني حاداً رقيقاً، يقال: فتيق الشفرتين، وتأويله أنه يفتق ما عمد به له. و" فعيل" يقع اسماً للفاعل، ويقع للمفعول، فأما الفاعل فمثل رحيم وعليم وحكيم وشهيد، وأما ما كان للمفعول، فنحو جريح وقتيل وصريع. وقوله:"زوراء" يريد معوجة، وكلما كانت القوس أشد انعطافاٌ كان سهمها أمضى. وقوله: "على نبعة"، يعني قوساً وأكرم القسي ما كان من النبغ وقوله:" أيما" إنما يريد " أما"، واستثقل التضعيف، فأبدل الياء من إحدى الميمين،وينشد بيت ابن أبي ربيعة: رأت رجلا، أيما إذا الشمس عارضت فيضحى، وأيما بالعشي فيخـصـر وهذا يقع، وإنما بابه أن تكون قبل المضاعف كسرة فيما يكون على فعال، فيكرهون التضعيف و الكسر، فيبدلون من المضعف الأول الياء للكسرة وذلك قولهم: دينار وقيراطٌ وديوان ما أشبه ذلك، فإن زالت الكسرة وانفصل أحد الحرفين من الآخر رجع التضعيف فقلت: دنانير وقراريط ودواوين، وكذلك إن صغرت قلت قريريط ودنينير. وقوله:"وأيما عودها فعتيق "، يصف كرم هذه القوس وعتقها، ويحمد منها أن تترك ولحاؤها

عليها بعد القطع حتى تشرب ماءه، كما قال الشماخ : فمظعها حولين ماء لحائها وينظر منها أيها هو غامر مظعها: شربها وقوله:" بأوشك قتلا منك "، يقول: بأسرع، يقال: أمر وشيك أي سريع، ويقال: يوشك فلان أن يفعل كذا، أي يقارب ذلك، ويوشك يفعل، كذا يطرح " أن " كل جيد قال : يوشك من فر من مـنـيتـه في بعض غراته يوافقـهـا من لم يمت عبطة يمت هرماٌ للموت كأس فالمرء ذائقهـا قال أبو الحسن: هذه أبيات أربعة وهي لرجل من الخوارج قتله الحجاج: ما رغبة النفس في الحياة وإن عاشت قليلاٌ فالموت لاحقها وأيقنت أنها تـعـود كـمـا كان براها بالأمس خالقـهـا قوله:" عبطة"، أي شاباٌ، يقال : اعتبط الرجل، إذا مات شاباٌ من غير مرض، وأصل العبيط الطري من كل شيْ وقوله: نوافذ لم تعلم لهن خروق معنى طريف، وقد أخذه أبو حية منه فكشفه في أبيات مختارة، وهي: وإن دماٌ لو تعـلـمـين جـنـيتـه على الحي جاني مثله غير سـالـم أما إنه لو كـان غـيرك أرقـلـت إليه القنا بالراعـفـات الـلـهـاذم ولكن لعمر الله ما طل مـسـلـمـا كغر الثنايا واضحـات الـمـلاغـم إذا هن ساقطن الـحـد يث كـأنـه سقاط حصى المرجان من سلك ناظم رمين فأقصدن القلوب فلـم نـجـد دما مائراٌ إلا جوى فـي الـحـيازم قال أبو الحسن: وأول هذه الأبيات المختارة أنشدناه غيره: وخبرك الواشون أن لن أحبكم بلى وستور الله ذات المحارم أصد وما الصد الذي تعلمينه شفاءٌ لنا إلا اجتراع العلاقم قال أبو العباس: فهذا مأخوذ من ذلك. وقوله : ولكن لعمر الله ما طل مسلماً يقول: ما طل دمه، يقال: دمٌ مطلول، إذا مضى هدراً، كما قال الراجز: بغير عقلٍ ودمٍ مطلول وحدثني التوزي قال: قال يحيى بن يعمر لرجل نازعته امرأته عنده: آن طالبتك بثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها ! قوله:" ثمن شكرها" فإنما يعني الرضاع، والشبر: النكاح، والشكر: الفرج. وقوله:" أنشأت تطلها" أي تسعى في بطلان حقها. وقوله:"تضهلها" أي تعطيها الشيء بعد الشيء: يقال: بئر ضهول إذا كان ماؤها يخرج من جرابها شيئاً بعد شيء، وجرابها جوانبها، وإنما يغزر ماؤها إذا خرج من قرارتها فتعظم جمتها. وقوله :" واضحات الملاغم" يريد العوارض، قال الفرزدق: سقتها خروق في المسامع لم تكن علاطاً ولا مخبوطة في الملاغم يقول :علم أرباب الماء لمن هي فسقاها ما سمعوه من ذكر اصحابها لعزهم ومنعتهم، ولم تحتج أن تكون بها سمةٌ. والعلاط: وسمٌ في العنق، والخباط في الوجه باب من أقوال الحكماء قال أبو العباس قال بعض الحكماء: من أدب ولده صغيراً سر به كبيراً وكان يقال : من أدب ولده أرغم حاسده. وقال رجل لعبد الملك بن مروان إني أريد آن أسر إليك شيئاً، فقال عبد الملك لأصحابه: إذا شئتم، فنهضوا، فأراد الرجل الكلام، فقال له غبد الملك قف، لا تمدحني، فآنا أعلم بنفسي منك، ولا تكذبني، فإنه لا رأي لمكذوبٍ ? ولا تغتب عندي احداً.فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي في الانصراف? قال له: إذا شئت. وقال بعض الحكماء: ثلاث لا غربة معهن: مجانبة الريب، وحسن الأدب، وكف الأذى. وقال عمرو بن العاص لدهقان نهر تيرى: بم ينبل الرجل عندكم ? فقال : بترك الكذب، فإنه لا يشرف إلا من يوثق بقوله، وبقيامه بأمر أهله، فإنه لا ينبل من يحتاج أهله إلى غيره، وبمجانبة الريب، فإنه لا يعز من لا يؤمن ألا يصادف على سوأة، وبالقيام بحاجات الناس، فإنه من رجي الفرج لديه كثت غاشيته. وقال بزر جمهر: من كثر أدبه كثر شرفه، وإن كان قبل وضيعاً، وبعد صيته وإن كان حاملاً، وساداً وإن كلن غريباً، وكثرت الحاجة إليه وإن كان مقتراً. وكان يقال: عليكم بالأدب، فإنه صاحبٌ في السفر، ومؤنس في الوحدة، وجمال في المحفل، وسبب إلى طلب الحاجة. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من أفضل ما أعطيته العرب الأبيات. يقدمها الرجل أمام حاجته، فيستعطف بها الكريم، ويستنزل لها اللئيم.

وكان شعبة بن الحجاج، أو سماك بن حرب إذا كانت له إلى أمير حاجة استنزله بأبيات يقولها فيه. وقال بعض الملوك لبض وزرائه وأراد محنته: ما خير ما يرزقه العبد قال: عقل يعيش به . قال: فإن عدمه قال: فأدب يتحلى به قال: فإن عدمه قال: فمال يستره قال: فإن عدمه قال :فصاعقة تحرقه، فتريح منه العباد والبلاد. وقيل لرجل من ملوك العجم : متى يكون العلم شراٌ من عدمه قال : إذا كثر الأدب، ونقصت القريحه وقال أزدشير: من لم يكن عقله أغلب خلال الخير عليه، كان حتفه في أغلب خلال الخير عليه. وقال محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وذكر رجلاٌ من أهله: إني لأكره أن يكون لعلمه فضل على عقله، كما أكره أن يكون للسانه على علمه . وقال محمد بن علي بن الحسين : جميع التعايش والتناصف والتعاشر في ملء مكيال، ثلثاه فطنة، وثلث تغافل فلم يجعل لغير الفطنة نصيباٌ من الخير، ولا حظاٌ في الصلاح، لأن الإنسان لا يتغافل إلا عن شىء قد عرفه وفطن به . باب لرجل من بني عبد الله بن غطفان، وكان قد جاور في طيىء قال أبو العباس : قال رجل من بني الله بن غطفان وجاور في طيىء وهو خائف: جزى الله خيراٌ مـن عـشـيرة ومن صاحب تلقاهم كل مجمع هم خلطوني بالنفوس ودافعـوا ورائي بركن ذي مناكب مدفع وقالوا تعلم أن مالـك إيصـب نفدك، وإن تحبس نزرك ونشفع لرجل من بني سلامان يمدح طيئاٌ وقال رجل من بني سلامان بن سعد هذيم من قضاعة،وجاور في طيىء: كأن الجار في شمجى بن جرم له نعماء أو نسـب قـريب يحاط ذمـاره ويذب عـنـه ويحمي سرحه أنف غضوب ألفت مساكن الجبـلـين إنـي رأيت الغوث يألفها الغـريب لعبد بن العرندس الكلابي يصف قوما قال أبو العباس : وأنشدني عبد الوهاب بن جنبة الغنوي لعبيد بن العرندس الكلابي يصف قوماٌ نزل بهم : هينون لينـون أيسـار ذوو يسـرٍ سواس مكـرمة أبـنـاء أيسـار لاينطقون على العميان إن نطقـوا ولايمارون إن ماروا بـإكـثـار من تلق منهم تقل لاقيت سـيدهـم مثل النجوم التي يسري بها الساري قال أبو الحسن : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال : حدثت عن أبي الفضل العباس بن الفرج الرياشي قال : قصد رجل من الشعراء ثلاثة من غني، إخوة وكانوا مقلين، فامتدحهم،فجعلوا له عليهم في كل سنة ذوداٌ فكان يأتي فيأخذ الذود والشعر الذي امتدحهم به قوله: يادار بـين كـلـيات وأظـفــار والحمتين، سقـاك الـلـه مـن دار على تقادم ما قد مر مـن عـصـر مع الذي مر مـن ريح وأمـطـار عنا غنيت بذات الرمث من أجـلـى والعهد منك قديم منـذ أعـصـار وقـد نـرى بـك والأيام جـامـعة بيضاً عقائل من عـينٍ و أبـكـار فيهن عثمة لا يمللن عـشـرتـهـا ولا علمن لـهـا يومـاً بـأسـرار إذ يحسب الناس إن قد نلت نائلـهـا قدماً وأنت علـيهـا عـاتـب زار بل أيها الراكب المفني شـبـيبـتـه يبكي على ذات خلخـالٍ وأسـاور خبر ثناء بني عـمـرو فـإنـهـم أولو فضولٍ وأنـفـالٍ وأخـطـار هينون لـينـون أيسـار ذوو كـرم سواس مـكـرمةٍ أبـنـاء أيسـار فيهم ومنهم يعد المـجـد مـتـلـداً ولا يعـد نـثـا خـزي ولا عـار لا يظعنون على العمياء إن طغنـوا ولا يمارون إن مـاروا بـإكـثـار وإن تلينتـم لانـوا وإن شـهـمـوا كشفت أذمار حربٍ غير أغـمـار إن يسألون العرف يعطوه وإن جهدوا فالجهد يكشف منهم طيب أخـبـار من تلق منهم تقل لاقـيت سـيدهـم مثل النجوم التي يسري بها الساري للمكعبر الضبي يمدح بني مازن ويذم بني العنبر قال أبو العباس: وكان قوم نزلوا ببني العنبر بن عمرو بن تميم، والقوم من بني ضبة، فأغير عليهم، فاستغاثوا جيرانهم فلم يغيثوهم، وجعلوا يدافعونهم حتى خافوا فوتها، فاستغاثوا بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، فركبوا فردوها عليهم، فقال المكعبر الضبي في ذلك: أبلغ طريفاً حيث شطت بها النوى فليس لدهرالطـالـبـين فـنـاء كسالى إذا لا قيتهم غير منـطـق يلهى به المحروب وهو عـنـاء وإني لأرجوكم على بطء سعيكـم كما في بطون الحاملات رجـاء أخبر من لاقيت أن قـد وفـيتـم ولو شئت قال المخبرون أسـاؤوا فهلا سعيتم سعي أسـرة مـالـك وهل كفلائي في الوفـاء سـواء كأن دنابيراً على قـسـمـاتـهـم وإن كان قد شف الوجوه لـقـاء لهم أذرع بادٍ نواشر لـحـمـهـا وبعض الرجال في الحروب غثاء قوله:"حيث شطت بها النوى"، معنى شطت: تباعدت، ويقال: أشط فلان في الحكم إذا عدل عنه متباعداً، قال عز وجل :" ولا تشطط" ص: 22. وقال الأحوص: ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي ويلحينني في اللهو ألا أحـبـه وللهو داعٍ دائبٌ غير غـافـل والنوى: البعد، ويقال: شطت بهم نيةٌ قذف، أي رحلة بعيدة، قال الشاعر: وصحصحان قذف كالترس وليس بمأخوذ من " نأيت" في اللفظ، ولكنه مثله قي المعنى وقوله: فليس لدهر الطالبين فناء يقول: الطلب في إثر طلبته أبداً. ويروى أن رجلاً من قريش بعث إلى رجل منهم وكان أخذ له غلاماً: يل هذا، إن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب، فإما رددته، وإما عرضت اسمك على الله في كل يوم وليلة خمس مرات. قال أبو الحسن: الرجل الذي أخذ منه الغلام هو جعفر بن محمد بن علي أبن الحسين، والآخذ سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس. ومن أمثال العرب: "لا ينام إلا من اثأر" . ويقال لمن أدرك ثأراً نبيلاً: أصاب ثأراً منيماً، وأنشد: تقول لي ابنة البكري عمرو لعلك لست بالثأر المـنـيم وقوله: وإني لأرجوكم على بطء سعيكم كما في بطون الحاملات رجاء يقول: وهذا رجاءٌغير صادقٍ ولا موقوفٍ عليه، كما أن هذه الحوامل لا يعلم ما في بطونها وليس بميئوس منه، وإنما يتهكم بهم وهو يعلم أن سعيهم غير كائن، ألا تراه يقول: أخبر من لاقيت أن قد وفـيتـم ولو شئت قال المخبرون أساؤوا وقوله كأن دنانيراً على قسماتهم زعم أبو عبيدة أن القسمات مجاري الدموع، واحدتهاقسمة، وقال الأصمعي: القسمات أعالي الوجه، ولم يبينه بأكثر من هذا. وقول أبي عبيدة مشروح، ويقال من هذا : رجل قسيمٌ، ورجل مقسمٌ، ووجهٌ قسيمٌ ومقسمٌ، قال الشاعر: ويوماً توافينا بوجـهٍ مـقـسـم كأن ظبية تعطو إلى وراق السلم قوله "تعطو"، أي تتناول، يقال: عطا يعطو إذا تناول، وأعطيته أنا، أي ناولته، قال امرؤ القيس: وتعطو برخص غير شثنٍ كأنه أساريع ظبي أو مساويك إسحل والسلم: شجر بعينه كثير الشوك، فإذا أرادوا أن يحتطبوه شدوه، ثم قطعوه، فمن ذلك قول الحجاج: والله لأحزمنكم حزم السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. قال: وحدثني التوزي عن أبي زيد قال: سمعت العرب تنشد هذا البيت فتنصب" الظبية" وترفعها وتخفضها. قال أبو العباس: أما رفعها فعلى الضمير، وعلى هذا قوله تعالى"علم أن سيكون منكم مرضى" المزمل20 وهذا الباب قد شرحناه في الكتاب " المقتضب" في باب " إن وأن" بجميع علله، ومن نصب فعلى غير ضمير، وأعملها مخففة عملها مثقلة، لأنها تعمل لشبهها بالفعل، فإذا خففت عملت عمل الفعل المحذوف، كقولك: ام يك زيدٌ منطلقاً، فالفعل إذا حذف يعمل عمله تاماً، فيصير التقدير: كأن ظبية تعطو إلى وراق السلم هذه المرأة. وحذف الخبر لما تقدم من ذكره. ومن قال:" كأن ظبية " جعل "أن" زاءدة، وأعمل الكاف: أراد: كظبية، وزاد"أن" كما تزيدها في قولك: لما أن جاء زيدٌ كلمته، ووالله أن لو جئتني لأعطيك. وقوله: لهم أذرع بادٍ نواشر لحمها

فكل شيء كان على "فعال" من المؤنث فجمعه أفعل، وكذلك فعال، تقول: ذراع أذرع،كراع وأكرعٌ، لأنهما مؤنثتان، ومن أنث اللسان قال: ألسن، ومن ذكره قال ألسنة، وشمالٌ وأشملٌ، كما قال الشاعر: "يأتي لها من أيمن وأشمل" فأما المذكر فعلى أفعلةٍ في أدنى العدد وفعل في الكثير، يقال: حمارٌ وأحمرةٌ وحمر، وفراشٌ وأفرشة وفرش.والنواشر ما يظهر من العروق في ظهر الذراع مما يداني المعصم، وذلك الموضع يقال له أسلة الذراع، قال زهير: ودارٌ لها بالرقمتين كـأنـهـا مراجع وشمٍ في نواشر معصم وقوله : وبعض الرجال في الحروب غثاء فالغثاء: ما يبس من البقل حتى يصير حطاماً، وينتهي في اليبس فيسود،فيقال له: غثاء وهشيم ودندن وثن، على قدر اختلاف أجناسه، ويقال له: الدرين، قال الله عز وجل: " فجعله غثاء أحوى" الأعلى"5 وقال:"فأصبح هشيماً تذروه الريح" الكهف"45، وقال الشاعر يصف سحاباً: إذا ما هبطن الأرض قد مات عودها بكين بها حـتـى يعـيش هـشـيم وقال الراجز تكفي الفصيل أكلةٌ من ثن وقد يقال للشيء الذي لا خير فيه: هذا غثاء، أي قد صار كذلك الذي وصفناه، ويضرب هذا مثلاً للكلام الذي لا وجه له. لرجل تميمي في الرثاء وقال رجل أحسبه تميمياً: لو لم يفارقني عطية لـم أهـن ولم أعط أعدائي الذي كنت أمنع شجاعٌ إذا لاقى، ورامٍ إذا رمـى وهادٍ إذا ما أظلم الليل مصـدع سأبكيك حتى تنفد العين ماءهـا ويشفى مني الدمع ما أتـوجـع أحسن الإنشادين عندي:" لم أهن"، يأخذه من وهن يهن، لأنه إذا قال: "لم أهن" فهو من الهوان، ومن قال:" لم أهن" فإنما هو من الضعف، وهو أشبه بقوله: ولم أعط أعدائي الذي كنت أمنع والآخرغير بعيد، يقول: لم أهن على أعدائي، وإذا قال " لم أهن" فالأصل: "لم أهن "، ولكن الواو إذا كانت في موضع الفاء من الفعل، وكان ذلك الفعل على " يفعل"، قالوا محذوفة، وإنما تحذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، وتصير حروف المضارعة الباقية تابعة للياء، لئلا يختلف الباب، وهي التاء من قولك:" تفعل" إذا عنيت مخاطباً أو مؤنثاً غائباً، نحو: تعد، وهي تعد، والهمزة إذا عنيت نفسك، نحو: أنا أعد، والنون إذا أخبرت عن نفسك و معك غيرك، نحو: نحن نعد. فإن قال قائل: إنما هذا لن الفعل المتعدي تحذف منه الواو، فإن كان غير متعد ثبتت، فقد قال أقبح قول، لأن التعدي أو غير التعدي لا يحدث في أنفس الأفعال شيئاً، ولو كان كما يقول لأثبت الواو في" وهن يهن"، لأنك لا تقول: وهنت زيداً، وكذلك ورم يرم ووكف البيت يكف، وونم الذباب ينم، وهذا أكثر من أن يحصى. فإن لم تكن بعد الواو كسرة لم تحذف، نحو وحل يوحل، ووجل يوجل، ووجع الرجل يوجع وقد يجوز ييجع وياجع وييجع لما نذكره إذا جرى إذا جرى ذكر هذه المفتوحة إن شاء الله. فأما الحذف فلا يكون فيها. فإن قال قائل: فما بال يطأ ويسع حذفت منهما الواو، ومثلهما ثبتت فيه الواو،فإنما ذلك لأنه كان فعل يفعل مثل ولي يلي، وورم يرم، ففتحته الهمزة والعين، والأصل الكسر، فإنما حذفت الواو مما يلزم في الأصل، ألاترى أنك تقول: ولغ السبع يلغ، فهذا فعل يفعل والأصل يفعل، ولكن فتحته العين، لأن حروف الحلق تفتح ماكان على يفعل ويفعل، ولولا ذلك لم تقع فعل يفعل وحروف الحلق ستة: الهمزة، والهاء والعين، والغين، والحاء، والخاء، وهن، يفتحن إذا كن في موضع العين واللام، فأماالعين فنحو سأل يسأل وذهب، وأما اللام فمثل قرأ يقرأ، وصنع يصنع، وسائر هذا الباب على ماوصفت لك. وقوله: وهادٍ إذا ماأظلم الليل مصدع فتأويل"مصدع" أي ماض في الأمر، قال الله عز وجل: "فاصدع بما تؤمر"الحجر:94 ويقال : أحزم الناس من إذا وضح له الأمر صدع به وقال أعرابي يمدح سوار بن عبد الله القاضي، وسوارٌ أحد بني العنبر بن عمرو بن تميم : وأوقف عند الأمر ما لم يضـح لـه وأمضى إذا ما شك من كان ما ضيا فاستجمع في هذا المدح ركانة الحزم، وإمضاء العزم،ومثله قول النابغة الجعدي : أبى لي البلاء وإني امرؤٌ إذاما تبينت لـم أرتـب

ومن أمثال العرب السائرة الجيدة:" رو تحزم " فإذا استوضحت فاعزم"ومن أمثالهم:" قد أحزم لو أعزم"، وإنما يكون هذا بعد التوقف والتبين، فقد قال الشعبي: أصاب متأمل أو كاد، وأخطأ مستعجل أوكاد. ومثل قوله: "ويشفي مني الدمع ما أتوجع" قول الفرزدق: ألم تر أني يوم جو سـويقة بكيت فنادتني هنيدة: ما ليا فقلت لها: إن البكاء لراحةٌ به يشتفي من ظن ألا تلاقيا قال أبو الحسن : ويتلو هذ ين البيتين مما يستحسن: قعيدكما الله الٌذي أنتمـا لـه ألم تسمعا بالبيضتين المنـاديا حبيب دعا، والرمل بيني وبينه فأسمعني، سقياٌ لذلك،داعـيا يقال : قعيدك الله، وقعدك الله، ونشدك الله، أي سألتك بالله، كما قال متمم بن نويرة، وهو من بني يربوع: قعيدك ألاٌتسمعنـي مـلامة ولاتنكئي قرح الفؤاد فييجعا ويرى:"فقعدك ألآتسمعني"، والبيضتان: موضع معروف. قال أبو العباس: وقال أبو بكر بن عياش:نزلت بي مصيبة أوجعتني،فذكرت قول ذي الرمة: لعل انحذار الدمع يعقب راحةً من الوجد،أويشفي نجي البلابل فخلوت فبكيت فسلوت . لنضلة السلمي في يوم غول وقال نضلة السلمي في يوم غولٍ وكان حقيراًدميماً،وكان ذا نجدةٍ وبأسٍ: ألم تسل الفـوارس يوم غـولٍ بنضلة، وهو موتور مـشـيح رأوه فـازدروه وهـو حــر وينفع أهله الرجل الـقـبـيح فشد عليهم بالسـيف صـلـتـاً كما عض الشبا الفرس الجموح فأطلق غل صـاحـبـه وأردى قتيلاً منهـم ونـجـا جـريح ولم يخشوا مصالته عـلـيهـم وتحت الرغوة اللبن الصـريح قوله:" وهو موتور مشيح" فالمشيح الحامل الجاد، يقال: أشاح يشيح إذا حمل، وأنشدني التوزي قال: أنشدني أبو زيد وهو لأبي العيال الهذلي: مشيح فوق شيحان يشد كأنه كلـب قال: شيحان اسم فرسه. قال أبو الحسن ويروى:" شيحان" بفتح الشين، وحقه على رواية أبي زيد ألا ينصرف لأنه فعلان، فالألف والنون زائدتان، وهو معرفة، فضارع عطشان وما جرى مجراه، وإنما اضطر فصرفه. وعن أبي زيد أيضاً يرويه:"شيحان"، وهو الجاد، وهو صفة شائعة، وليس كالأول فالأول معرفة مشتق عن النعت. وقال ابن الإطنابة، واسمه عمرو: وإجشامي على المكروه نفسي وضربي هامة البطل المشيح ويقال في هذا المعنى: رجل شيح، كما يقال: ناقة نقض، إذا كانت هزيلاً، قال أبو ذؤيب: وشايحت قبل اليوم إنك شيح وقوله:" بالسيف صلتاً" يقول: منتضى، ورجل صلت الجبين إذا كان نقيه. وقوله:" كما عض الشبا" يريد حد اللجام، وشبا كل شيء حده. وقوله:" وأردى" أي أهلك، يقال: ردي يردى إذا هلك، والردى: الهلاك، قال الله عز وجل:" وما يغنى عنه ماله إذا تردى" الليل:11، قيل فيه قولان: أحدهما إذا تردى في النار، والآخرإذا مات، وهو" تفعل" من الردى. وقوله: ولم يخشوا مصالته عليهم فهي" مفعلة" من صال يصول، ويقال: صال البعير إذا عض. وقيل للمغيرة بن شعبة: إن بوابك يإذن لأصحابه قبل أصحابك، فقال:إن المعرفة لتنفع عند الكلب العقور، والجمال الصؤول، فكيف بالرجل الكريم وقوله: وتحت الرغوة اللبن الصريح يقول: إذا رأيت الرغوة وهو ما يرغو كالجلد في أعلى اللبن لم تدر ما تحتها، فربما صادفت اللبن الصريح إذا كشفتها. أي أنهم رأوني فازدروني لدمامتي، فلما كشفوا عني وجدوا غير ما رأوا. والصريح: المحض الخالص، من ذلك قولهم: عربي صريح أي خالص، ومولى صريح. ومن أمثال العرب:" إنه ليسر حسوا في ارتغاء" ومعنى ذلك أنه يوهمك أنه يأخذ بفيه تلك الجلدة عن اللبن ليصلحه لك، يحسو من تحتها، يضرب هذا المثل لمن يريك أنه يعينك، وإنما يجتر النفع إلى نفسه. لأعرابي من بني سعد خلاف الدمامة وقال أعرابي خبرت أنه من بني سعد وقد تمثل بهذا الشعر الخنوت، وهو توبة بن مضرس، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، في خلاف الدمامة: ولما التقى الصفان واختلف القنا نهالاً وأسباب المنايا نهالـهـا تبين لـي أن الـقـمـاءة ذلة وأن أشداء الرجال طوالـهـا

دعوا: يا لسعد وانتمينا اطيىء أسود الشرى إقدامها و نزالها قوله:" نهالاً" يريد أنها قد وردت الدم مرة ولم تثن، وذلك أن الناهل الذي يشرب أول شربة، فإذا شرب ثانية فهو عال، يقال: سقاه علاً بعد نهل، وعللاً بعد نهل و في المثل:" سمته سوم عالة" إذا عرضت عليه عرضاً يستحيي من أن يقبل معه، والعالة لا حاجة بها إلى الشرب، وإنما يعرض عليها تعزيزاً. قال:" وأسباب المنايا نهالها"، أي أول ما يقع منها يكون سبباً لما بعده، وأنشدني غير واحد: وأن أشداء الرجال طيالها وليس هذا بالجيد، وإنما قلب الواو ياء لوقوعها بين كسرة وألف كقولهم: ثياب، وحياض، وسياط، والواحد ثوب، وحوض، وسوط: وهذا جيد، لكون الواو في الواحد، فأما في مثل طوال، فإنما يجوز على التشبيه بهذا، وليس بجيد لتحرك الواو في الواحد. وأنشدني مسعود بن بشرالمازني: لهم أوجه بيض حسان وأذرع طيال ومن سيما الملوك نجار ومجاز هذا في النحو على ما وصفت لك. العرب تمدح بالطول والعرب تمدح بالطول، وتضع من القصر، فلا يذكره منهم إلامحتج عن نفسه،ولا يمدح به غيره، قال عنترة: بطل كأنٌ ثيابه في سـرحة يحذى نعال السبت ليس بتوأم يقول: لم يشارك في الرحم، وقال جرير: تعالوا ففاتونا ففي الحكـم مـقـنـع إلىالغر من أهل البطـاح الأكـارم فإني لأرضى عبد شمس وماقضـت وأرضى الطوال البيض من آل هاشم وقال حسان بن ثابت : وقد كنا نـقـول إذا رأينـا لذي جسم يعد وذي بـيان كأنك أيها المعطى بـيانـا وجسماً من بني عبد المدان ويقال إن عليٌ بن عبد الله العباس بن عبد المطلب كان إلى منكب عبد الله، وكان عبدالله إلى منكب العباس، وكان العباس إلى منكب عبد المطلب. وحدثني التوزيٌ قال : طاف عليٌ بن عبد الله بالبيت، وهناك عجوز قديمة،وعليٌ قد فرع الناس، كأنه راكب والناس مشاة، فقالت : من هذا الذي فرع الناس فقيل : عليٌ بن عبد الله بن العباس، فقالت : لا إله إلاالله، إن الناس ليرذلون عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض. وحدثني عليٌ بن القاسم بن عليٌ بن سليمان بن عليٌ بن عبد الله بن العباس قال : كان يقال : صار شبه عليٌ بن عبد الله في عظم الأجسام في العليين يعني عليٌ ابن أمير المؤمنين المهدي المنسوب إلى أمه ريطة،علي بن سليمان بن عليٌ . ويروى أن رسول الله صلى الله عليهم وسلم وهو الأسوة والقدوة كان فوق الربعة ولم يكن بالطويل المشذب، وكان إذا مشى مع الطوال طالهم ولم يختلف أهل الحكمة والنظر من العرب والعجم أن الكمال في الاعتدال، ولا يقال غير هذا عن حكيم وأبين ما فيه ما اختاره الله تعالى لنبيه محمد . وقد يقال : الكيس في القصر وقد قيل في خبر قصير وكيده ومكره ما سار به المثل، واستغنى عن الاعادة. لأعرابي يرد على مغنية عابته بالقصر وحدثني العباس بن الفرج الرياشي قال : حدثني أبو عثمان المازني قال : كان أعرابيٌ يختلف إلى مغنية لآل سليمان، فأشرفت إليه ذات مرة فأومأت إليه إيماء عائب له بالقصر، فأنشأ يقول: ياجعفرٌ يا جعفرٌ يا جعفر إن أك ربعةً فأنت أقصر أو أك ذا شيب فأنت أكبر غرك سربال عليك أحمر ومقنع من الحرير أصفر وتحت ذاك سوأةٌ لو تذكر قال أبو الحسن : أنشدني أبو العباس محمد بن الحسن الوراق الشعر الذي فيه قوله: ولما التقى الصفان واختلف القنا بتمامه، وهو شعر مختار لرجل من طيىء، ويدل على ذلك ماتسمعه في الشعر،وهو قوله: جمعنا لهم من حيٌ غوثٍ ومالـكٍ كتائب يردي المقرفين نكالـهـا لهم عجز بالحزن فالرمل فاللوى وقد جاوزت حيي جديس رعالها وتحت نحور الخيل حرشف رجلة تتاح لحبات القلوب نـبـالـهـا أبى لهم أن يعرفوا الضيم أنـهـم بنو ناتق كانت كثيراً عـيالـهـا فلما أتينا السفح من بطـن حـائل بحيث تناصى طلحها وسيالـهـا دعوا لنزاروانتمـينـا لـطـيىء كأسد الشرى إقدامها ونزالـهـا

فلما التقينا بين السيف فـيهـم لسائلةٍ عنا حفيٌ سـؤالـهـا ولما عصينا بالرماح تضلعـت صدور القنا منهم وعلت نهالها ولما تدانوا بالسيوف تقطعـت وسائل كانت قبل سلماً حبالها فولوا وأطراف الرماح عليهم قوادم مربوعاتها وطوالـهـا الكتائب: جمع كتيبة، سميت كتيبة لاجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض، يقال: تكتب القوم إذا تضاموا،ومنه أخذ الكتاب لانضمام حروفه، ولذلك قالوا، بعلة مكتوبة إذا شد حياؤها وضم. ويردي : يهلك، يقال : ردي الرجل إذا هلك، والردى : الهلاك، والإرداء: الإهلاك. والمقرفون: الذين دخلوا في الفساد والعيث، وهو في الأصل الهجنة يقال: فرس مقرفٌ إذا كان هجيناً، ثم يشيع في الفساد. والعجز؛ مؤخر العسكر ههنا، وهو مستعار. والحزن: ما خشن من الأرض وغلظ. واللوى: مستدق الرملة حيث ينقطع، يقال ألويتم فانزلوا: أي صرتم إلى آخر الرملة،وهواللوى.وجديس: قبيلة معروفة، فلذلك لم يصرفها. والرعال الجماعات المتفرقة، واحدها رعلةٌ. والحرشف: نبت يكثر في البادية، وإنما شبه النبل به في الكثرة، والرجلة: الرجالة. وتتاح: تقدر، يقال أتاح الله له كذا وكذا، أي قدر له، والنبال جمع نبلٍ. والناتق: الولود، فإذا أسرفت في ذلك وكثر ولدها جداً قيل منتاقٌ. والسفح: أصل الجبل من الوادي. وحائل: موضع. وتناصى: تقابل وتقرب حتى يعلق هذا بهذا، وهذا بهذا عند هبوب الريح، يقال : تناصى الرجلان نصاء وتناصياً إذا اقتتلا فأخذ كل واحدٍ منهما بناصية صاحبه، والطلح والسيال: ضربان من الشجر معروفان. وانتمى ونمى: انتسب. والشرى: موضع كثير السباع، وإنما يريد: كإقدام أسد الشرى وإقدامها، ثم حذف لعلم السامع. وعصينا: جعلنا الرماح كالعصي. والعلل: الشرب الثاني، والنهل: الأول يريد أنا أعدناها إلى الطعن مرة بعد أخرى. وقوادم: ذات إقدام، فجاء به على الأصل، كما قال: يخرجن من أجواز ليلٍ غاض أي مغضٍ، فجاء به على الأصل، وهو كثير. والمربوعات: المعتدلة التي لم تبلغ أن تكون رمحاً، وهو رفعٌ، كأنه قيل له: ما هي? فقال: هي مربوعاتها وطوالها، ولو خفض وجعله بدل البعض من الكل لكان حسناً، وكان يكون مقوى، ولكن هكذا أنشدناه مرفوعاً على التقدير الذي ذكرناه. باب صبرة بن شيمان عند معاوية قال أبو العباس: حدثت أن صبرة بن شيمان الحداني دخل على معاوية،والوفود عنده، فتكلموا فأكثروا، فقام صبرة فقال: يا أمير المؤمنين، إنا حي فعالٍ، ولسنا بحي مقالٍ، ونحن بأدنى فعالنا عند أحسن مقالهم. فقال: صدقت. كلمة يزيد بن أبي سفيان حين أرتج عليه وحدثت أن أبا بكر رضي الله عنه، ولى يزيد بن أبي سفيان ربعاً من أرباع الشام، فرقي المنبر فتكلم فأرتج عليه، فاستأنف فأرتج عليه، فقطع الخطبة، فقال: سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً، وبعد عي بياناً، وأنتم إلى أميرٍ فعالٍ أحوج منكم إلى أميرٍ قوالٍ. فبلغ كلامه عمرو بن العاص، فقال: هن مخرجاتي من الشام استحساناً لكلامه. جواب عامر بن قيس لعثمان بن عفان وقال عثمان بن عفان رحمه الله لعامر بن عبد قيسٍ العنبري ورآه ظاهر الأعرابية: يا أعرابي، أين ربك ? فقال بالمرصاد! جواب علي بن أبي طالب حين سئل : أين ربنا? وقال قائل لعلي بن أبي طالب رحمه الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض? فقال علي: أين، سؤال عن مكانٍ، وكان الله ولا مكان. للحسن البصري في المواعظ وحدثت أن راهبين دخلا البصرة من ناحية الشام، فنظرا إلى الحسن البصري، فقال أحدهما لصاحبه: مل بنا إلى هذا الذي كأن سمته سمت المسيح، فعدلا إليه، فألفياه مفترشاً بذقنه ظاهر كفه، وهو يقول: يا عجباً لقوم قد أمروا بالزاد، وأوذنوا بالرحيل، وأقام أولهم على آخرهم! فليت شعري ما الذي ينتظرون? ونظر الحسن إلى الناس في مصلى البصرة يضحكون ويلعبون في يوم عيد، فقال الحسن: إن الله جعل الصوم مضماراً لعباده ليستبقوا إلى طاعته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلف آخرون فخابو، ولعمري لو كشف الغطاء لشغل محسنٌ بإحسانه، ومسيءٌ بإساءته عن تجديد ثوب، أو ترطيل شعرٍ.

قوله:"ترطيل شعر" إنما تلبين الشعر بالدهن وما أشبهه، ويقال للرجل إذا كان فيه لينٌ وتوضيع: رجل رطلٌ، والذي يوزن به ويكال يقال له: رطلٌ، بكسر الراء. وكان الحسن يقول: اجعل الدنيا كالقنطرة تجوز عيها ولا تعمرها. قوله القنطرة يعني هذه المعقودة المعروفة عند الناس، والعرب تسمي كل أزج قنطرة قال طرفة بن العبد: كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفاً حتى تشاد بقرمـد قوله"حتى تشاد" يقول: تطلى، وكل شيء طليت به البناء من جص أو جيار، وهو الكلس، فهو المشيد، يقال: دار مشيدةٌ، وقصر مشيدٌ، قال الله عز وجل:" ولو كنتم في بروج مشيدةٍ" النساء78 وقال الشماخ: لا تحسبني وإن كنت امرأً غمراً كحية الماء بين الطين والشـيد وقال عدي بن زيد العبادي: شاده مرمراً وجللـه كـل ساً فللطير في ذراه وكور والمقرمد: المطلي أيضاً، فمن ثم قال:" حتى تشاد بقرمد" في معنى حتى تطلى، ومن ذلك قول النابغة: رابي المجسة بالعبير مقرمد وقال الحسن: تلقى أحدهم أبيض بضاً، يملخ في الباطل ملخاً، ينفض مذرويه، ويضرب أصدريه، يقول: هأنذا فاعرفوني. قد عرفناك، فمقتك الله، ومقتك الصالحون. قوله:" أبيض بضاً" فالبض الرقيق اللون، الذي يؤثر فيه كل شيء. وفي الحديث أن معاوية قدم على عمر بن الخطاب رحمهما الله من الشام وهو أبض الناس، فضرب عمر بيده على عضده، فأقلع عن مثل الشراب، أو مثل الشراك، فقال : هذا والله لتشاغلك بالحمامت، وذوو الحاجات تقطع أنفسهم حسراتٍ على بابك! وقال حميد بن ثورٍ الهلالي: منعمةٌ بيضاء لو دب مـحـولٌ على جلدها بضت مدارجه دما وقوله:" يملخ في الباطل ملخاً، يقول: يمر مراً سريعاً، يقال: بكرةٌ ملوخٌ إذا كانت سهلة المر. وقوله:"يضرب أصدريه وأزدريه"، فإنما يقال ذلك للفارغ، يقال: جاء فلان يضرب أصدريه وأزدريه، ولا يتكلم منه بواحدٍ، ويقال: فلانٌ ينفض مذرويه، وهما ناحيتاه، وإنما يوصف بالخيلاء، قال عنترة: أحولي تنفض استك مذرويها لتقتلني، فهأنـذا عـمـارا ولا واحد لهما، ولو أفردت لقلت في التثنية مذريان، لأن ذوات الواو إذا وقعت فيهن الواو رابعة رجعت إلى الياء، كما تقول في ملهى: ملهيان، وهو من لهوت، وفي مغزى: مغزيان، وهو من غزوت، وإنما فعلت ذلك لأن فعله ترجع فيه الواو إلى الياء إذا كانت رابعة فصاعداً، نحو غزوت، فإذا أدخلت فيه الألف قلت: أغزيت، وكذلك غازيت واستغزيت، وإنما وجب هذا لانقلابها في المضارع، نحو يغزي، ويستغزي، ويغازي، وإنما انقلبت لانكسار ما قبلها. فإن قال قائل: فما بال يترجى ويتغازى، يكونان بالياء، نحو: هما يتغازيان ويترجيلن? فإنما ذلك لأنهما في الأصل: رجى يرجي، وغازى يغازي، ثم لحقت التاء بعد ثبات الياء. والدليل على ذلك أن التاء إنما تلحقه على معناه، فقولك: مذروان لا واحد له لما أعلمتك، وثبات الواو دليلٌ على أن أحدهما لا يفرد من الآخر، فلذلك جاء على أصله. باب ليزيد بن الصقيل، وكان يسرق الإبل ثم تاب قال أبو العباس: قال يزيد بن الصقيل العقيلي-وكان يسرق الإبل، ثم تاب، وقتل في سبيل الله: ألا قل لأرباب المخائض: أهملوا فقد تاب مما تعـلـمـون يزيد وإن امرأً ينجو من النار بعد مـا تزود من أعمالهـا لـسـعـيد وفي هذا الشعر: إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت حميمك فاعلم أنها ستـعـود قوله"ألا قل لأرباب المخائض"، فإن الناقة إذا لقحت قيل لها خلفة، وللجميع مخاض، وهذا جمع على غير واحده، إنما هو بمنزلة امرأةٍ ونساء، ثم جمع الجمع فقال: مخائض، كقولك في رسالةٍ: رسائل، وكما تقول في قوم أقوام، فتجمع الاسم الذي هو للجمع، وكذلك أعراب وأعاريب، وأنعام وأناعيم. وقوله: "أهملوا": أي اسرحوا إبلكم، والهمل ما كان غير محظور، وهو السدى، ويروى في مثل قوله: إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت حميمك فاعلم أنها ستـعـود عن بعض الصالحين أنه كان يقول إذا مات له جار أو حميم: أولى لي! كدت والله أكون السواد المخترم. باب ????????لابن حبناء التميمي في مكارم الأخلاق وقال ابن حبناء التميمي: ??أعوذ بالله من حالٍ تزين لي=لوم العشيرة أو تدني من النار لا أقرب البيت أحبو من مؤخره ولا أكسر في ابن العم أظفاري إن يحجب الله أبصاراً أراقبـهـا فقد يرى الله حال المدلج الساري وقوله: لا أقرب البيت أحبو من مؤخره يقول: لا آتيه لريبةٍ. ومثل ذلك قوول الشاعر: ولست بصادرٍ من بيت جاري كفعل العير غمره الـورود يقول: لا أخرج خروج الخائف، لأنه إنما يقال: تغمر الشارب إذا لم يرو، ويقال للقدح الصغير: الغمر من هذا. وقوله: ولا أكسر في ابن العم أظفاري يقول: لا أغتابه، وهذا مثلٌ كما قال الحطيئة: ملوا قراه وهرته كلابهـم وجرحوه بأنياب وأضراس وقوله: فقد يرى الله حال المدلج الساري فالمدلج: الذي يسير من أول الليل، يقال: أدلجت، أي سرت من أول الليل، وأدلجت: أي سرت في السحر، قال زهير: بكرن بكوراً و ادلجن بسحرةٍ والسرى لا يكون إلا سير الليل، قال الله عز وجل:" فأسر بأهلك"الحجر56 من قولك أسريت، وهي اللغة القرشية، وغيرهم من العرب يقول سريت، وقد جاء هذه اللغة في القرآن، قال الله عز وجل:" واليل إذا يسر" الفجر4 فهذا من سرى، ولو كان من "أسرى" لكان "يسري"، كما قال لبيد: فبات وأسرى القوم آخر ليلهم وما كان وقافاً بغير معصر والمعصر الملجأ، والسري إنما هو من قولك سرى، كقولك: قضى فهو قاض، ومن أسرى يقال للفاعل: مسرٍ كما تقول: أعطى فهو معطٍ، كما قال الأخطل: نازعتهم طيب الراح الشمول وقـد صاح الدجاج وحانت وقعه الساري والدجاج ههنا: الديوك، يريد وقت السحر، لأنه يقال للديك: هذا دجاجة، فإن أردت الأنثى قلت، هذه، وكذلك هذا بقرة، وهذا بطة، وهذا حمامة إذا أردت الذكر، ولهذا باب يذكر فيه إن شاء الله . قال جرير : لما تذكرت بالديرين أرقـنـي صوت الدجاج وقرع باانواقيس وقوله:،" أرقني صوت الدجاج "، والأرق لايكون في آخر الليل وإنما يكون في جميعه. وكذلك النواقيس لا تقرع أيضاً إلا في السحر فإنما أراد : أرقني انتظاري هذا الوقت،لأنه وعد فيه وعداً فهو منتظر له . قال أبو الحسن : أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى الأبيات الرائية المتقدمة بتمامها على ما أذكره لك عن أبي عبد الله بن العرابيٌ،وهي لأحد ابني حبناء أحسبه صخراٌ وهما من بني تميم، وكان من الأزارقة قال : إني هزئت من أم الغمر إذ هزئت بشيب رأسي، وما بالشيب من عار ما شقوة المرء بالإقتـار يقـتـره ولا سعـادتـه يومـاٌ بـاكـثـار إن الشقي الذي في النار منـزلـه والفوز فوز الذي ينجو من النـار أعوذ باللـه مـن أمـر يزين لـي لوم العشيرة أو يدني من الـعـار وخير د نيا ينـسـي شـر آخـرة وسوف ينبئني الجبار أخـبـاري ثم يتفقان بعد الرواية، وكان ربما أنشدنا :" إني هزأت من آم الغمر". لأعرابي من بني الحارث بن كعب قال أبو العباس : وقال أعرابيٌ من بني الحارث بن كعب : رئمت لسلمى بو ضيم وإنني قديما لآ بي الضيم وابن أباة فقد وقفتني بين شك وشبـهة وما كنت وقافاٌ على الشبهات فيا بعل سلمى كم وكم بأذاتها عدمتك من بعل تطيل أذاتي بنفسي حبيب حال بابك دونـه تقطع نفسي دونه حسـرات ووالله لولا أن تساء لرعـتـه بما ليس بالمأمون من فتكاتي قوله:" رئمت لسلمى بوضيم " فإنما هذا مثل، وأصله أن الناقة إذا ألقت سقبها فخيف انقطاع لبنها أخذوا جلد حوار فحشوه تبناً، ولطخوه بشيء من سلاها، ثم حشوا أنفها بخرقة، فتجد لذلك كربا، ويقال للخرقة التي تجعل في أنفها: الغمامه، ثم تسل تلك الخرقة من أنفها فتجد روحاً، وترى ذلك البو تحتها، وهو جلد الحوار المحشو فترأمه، فإن درت عليه قيل: ناقة درور، وترأمه تشمه، ويقال في هذا المعنى :ناقة ظؤورٌ، فينتفع بلبنها، ويقال: ناقة رائم ورؤوم إذا كانت ترأم ولدها أو بوها، فإن رئمت ولم تدر عليه فتلك العلوق، ولا خير عندها

وأنشدونا عن أبي عمرو وكان يقرأ: )ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى( الروم: 10، على "فعلى": أنى جزوا عامراً سوءى بفعـلـهـم أم كيف يجزونني السوءى من الحسن أم كيف ينفع ما تعطي العلـوق بـه رئمان أنفٍ إذا ضـن بـالـلـبـن فقوله :" رئمت لسلمى بو ضيم ": أي أقمت لها على الضيم، ويقال : فلان رؤوم للضيم، إذا كان ذليلا راضياً بالخسف. لأحد الأعراب وقال أعرابي - أحسبه تميمياً -: وداهيةٍ بها القـوم مـفـلـق شديد بعوران الكلام أزومها أصخت لها حتى إذا ما وعيتها رميت بأخرى يستدير أميمها ترى القوم منها مطرقين كأنما تساقوا عقاراٌ لايبل سليمهـا فلم تلقني فهاً، ولم تلق حجتي ملجلجةً أبغي لهل من يقيمها قوله :" وداهية "يعني حجة داهي بها القوم مفلقٌ : يريد عجيبة،والفلق وجاء القوم بالفليق، وهذا مشهور كثير في الكلام، ومنه قول خلف الأحمر: موت الإمام فلقةٌ من الفلق وأنشدني منشد : إذا عرضت دويةٌ مدلهـمةٌ وغرد حاديها عملن بنا فلقا بفتح الفاء. وقوله:" شديد بعوران الكلام"، العوراء هي القبيحة، قال حاتم بن عبد الله الطائي: وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضر وذي أودٍ قومـتـه فـتـقـومـا وأزومها: إمساكها، يقال: أزم به إذا عض به فأمسكه بين ثنيتيه. وفي الحديث أن أبا بكر رحمه الله قال في يوم أحدٍ:فنظرت إلى حلقةٍ من درع قد نشبت في جبين رسول الله .، فانكببت لأنزعها فأقسم علي أبو عبيدة، فأزم بها أبو عبيدة بثنيتيه، فجذبها جذباً رفيقاً، فانتزعها، وسقطت،ثم نظرت إلى أخرى فأردتها فأقسم علي أبو عبيدة، ففعل فيها ما فعل في الأولى، وكان مشفقاً من تحريكها لئلا يؤذي بذلك رسول الله ، فكان أبو عبيدة أهتم. وقوله:" فأزم بها "، يقال : أزم يأزم،وأزم يأزم. وقوله:" أصخت لها ":يقول استمعت لها،قال العبدي: يصيخ للنبأة أسماعـه إصاخة الناشد للمنشد والإصاخة الا ستماع والناشد: الطالب، والمنشد: المعرف، يقال نشدت الضالة إذا طلبتها، وأنشدتها: إذا عرفتها والنبأة: الصوت، قال ذو الرمة : وقد توجس ركزاً مقفـرٌ نـدسٌ بنبأة الصوت ما في سمعه كذب وقوله:حتى إذا ما وعيتها يقول:جمعتها في سمعي، يقال : وعيت العلم،وأوعيت المتاع في الوعاء،قال الله عز وجل: )وجمع فأوعى( المعارج: 18، وقال الشاعر : الخير يبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد وقوله: رميت بأخرى يستدير أميمها يريد يستدير، من الدوار،ويقال في هذا المعنى:يستديم،ومنه سميت الدوامة، وفي الحديث:"كره البول في الماء الدائم": لأنه كالمستدير في موضعه.، قال جرير: عوى الشعراء بعضهم لبعضٍ علي فقد أصابهم انـتـقـام إذا أرسلت صاعقةً علـيهـم رأوا أخرى تحرق فاستداموا وقوله:"أميمها" يريد بها، ويقال: أميمٌ ومأموم، كقولك: قتيلٌ ومقتولٌ، ومجروح وجريح، ويقال،: للشجة التي قد وصلت إلى أم الدماغ وأم الدماغ جليدةٌ رقيقة تحيط بالدماغ فإذا وصل إلى تلك فالشجة آمة و مأمومة، قال الشاعر: يحج مأمومة في قعرها لجفٌ فاست الطبيب قذاها كالمغاريد المغاريد: صغار الكمأة. وقوله" في قعرها لجف" أي تقلع، يقال: تلجفت البئر، إذا انقلع طيها من أسفلها، ولجف القوم مكيالهم، إذا وسعوه من أسفله. وقوله:" تساقوا عقاراً "يريد: كأنهم سكارى لما نالهم من تلك الحجة والعقار: أسم من أسماء الخمر، وإنما سميت عقاراً لمعاقرتها الدن. وقوله:" ما يبل" يقال: بل أبل من مرضه، وكذلك استبل. والسليم الملسوع، وقيل له سليم على جهة التفاؤل، كما يقال للمهلكة مفازةٌ، وللغراب: الأعور على الطيرة منه لصحة بصره. وقوله: " فلم تلقني فهاً" يقول: ضعيفاً، يقال: فه فلان عن حجته إذا ضعف عنها، ويقال: رجل مفهةٌ إذاكان عاجزاً. وقوله " ملجلجة"، وهو أن يرددها في فيه، وقد مضى تفسيره. لأبي مخزوم النهشلي يفخر بقومه وقال رجل يكنى أبا مخزوم، من بني نهشل بن دارم: إنا بني نهشـل لا نـدعـي لأبٍ عنه، ولا هو بالأبنـاء يشـرينـا إن تبتدر غايةٌ يوماً لـمـكـرمةٍ تلق السوابق منا والمصـلـينـا وليس يهلـك مـنـا سـيدٌ أبـداً إلا افتلينا غلامـا ًسـيداً فـينـا إني لمن معشرٍ أفنـى أوائلـهـم قيل الكماة: ألا أين المحامونـا? لو كان في الألف منا واحدٌ فدعوا: من فارس? خالهم إياه يعنـونـا ولا تراهم وإن جلـت رزيتـهـم مع البكاة على من مات يبكونـا إنا لنرخص يوم الروع أنفسـنـا ولو نسام بها في الأمن إغلـينـا إذا الكماة تنـحـوا أن ينـالـهـم حد الظباة وصلنـاهـا بـأيدينـا فرضٌ على مكثرينا نيل بذلـهـم والجود والبذل في طبع المقلينـا إني ومن كأبي يحيى وعتـرتـه لا فخر إلا لنـا أم مـن يوازينـا قوله: "إنا بني نهشل " يعني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ومن قال:" إنا بنو نهشل"، فقد خبرك، وجعل" بنو" خبر "إن"، ومن قال: "بتي"، إنما جعل الخبر: إن تبتدر غاية يوماً لمكرمةٍ تلق السوابق منا و المصلينا ونصب"بني" على فعل مضمر للاختصاص، وهذا أمدح، ومثله: نحن بني ضبة أصحاب الجمل أراد نحن أصحاب الجمل، ثم أبان من يختص بهذا، فقال: أعني بني ضبة وقرأ عيسى بن عمر: "وامراته حمالة الحطب" أراد وامرأته"في جيدها حبل من مسد" المسد 5 ثم عرفها بحمالة الحطب، وقوله:" والمقيمين الصلاة " بعد قوله:" لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون" إنما هو على هذا، وهو أبلغ في التعريف، وسنشرحه على حقيقة الشرح في موضعه إنشاء الله: وأكثر العرب ينشد: إنا بني منقرٍ قوم ذوو حسب فينا سراة بني سعدٍ وناديها قرأ بعض القراء:" فتبارك الله أحسن الخالقين" المؤمنون 14 وقوله:" يشرينا " يريد يبيعنا، يقال: شراه يشريه إذا باعه، فهذه المعروفة، قال الله عز وجل:" وشروه بثمن بخس دراهم" يوسف 20 وقال ابن مفرغٍ الحميري: شريت برداً، ولولا ماتكنفني من الحوادث ما فارقته أبدا ويكون" شريت" في معنى أشتريت، وهو من الأضداد وأنشدني التوزي: اشروا لها خاتناً وابغوا لخنتتها مواسياً أربعأ فيهن تـذكـير وقوله: تلق السوابق منا والمصلينا فالمصلي الذي في إثر السابق، وإنما سمي مصلياً لأنه مع صلوي السابق، وهما عرقان في الردف، قال الشاعر: تركت الرمح يعمل في صلاه كأن سنانه خرطوم نـسـر وقوله: إلا افتلينا غلام سيداً فينا مأخوذ من قولهم:فلوت الفلو يا فتى، إذا أخذته عن أمه، قال الأعشى: ملمع لاعة الفؤاد إلى جـح ش فلاه عنها، فبئس الفالي وأخذ هذا المعنى من قول أبي الطمحان القيني: إذا مات منهم سيدٌ قام صاحبه وقوله: لو كان في الألف منا واحد فدعوا: من فارس? خالهم إياه يعنـونـا مأخوذ من قول طرفة : إذا القوم قالوا: من فتى? خلت أنني عينت، فلم أكسل ولـم أتـبـلـد ومن قول متمم بن نويرة: إذا القوم قالوا: من فتى لعظيمةٍ فما كلهم يدعى، ولكنه الفتـى وقوله؛ "حد الظباة"، فالظبة الحد بعينه، يقال: أصابته ظبة السيف، وظبة النصل، وجمعه ظبات وأراد بالظبة ههنا موضوع المضرب من السيف وأخذ هذا المعنى من قول كعب بن مالك: نصل السيوف إذا قصرنا بخطونا قدماً، ونلحقها إذا لم تـلـحـق وقوله: إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا أخذه من قول الهمداني وهو الأجدع أبو مسروق بن الأجدع الفقيه : لقد علمت نسوان هدمان أننـي لهن غداة الروع غير خـذول وأبذل في الهيجاء وجهي وإنني له في سوى الهيجاء غير بذول ومن القتال الكلابي حيث يقول : أنا ابن الأكرمين بني قشير وأخوالي الكرام بنو كلاب نعرض للطعان إذا التقينـا وجوهاً لا تعرض للسباب باب من كلام عمر بن عبد العزيز قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ثلاثٌ من كن فيه فقد كمل: من لم يخرجه غضبه عن طاعة الله، ولم يستنزله رضاه إلى معصية الله، وإذا قدر عفا وكف. من كلام الحسن البصيري قال الحسن: نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان عليه، وذنوب ابن آدم أكثر من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه. كلام عمر بن ذر حينما دخل على ابنه وهو يجود بنفسه وقال عمر بن ذر ودخل على ابنه وهو يجود بنفسه فقال : يا بني، إنه ما علينا من موتك غضاضة، ولا بنا إلى أحد سوى الله حاجةٌ فلما قضى وصلى عليه وواره وقف على قبره، فقال: يا ذر، إنه قد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك، لأنا لا ندري ما قلت ولا ما قيل لك، اللهم إني قد وهبت له ما قصر فيه مما افترضت عليه من حقي، فهب له ما قصر فيه من حقك، واجعل ثوابي عليه له، وزدني من فضلك، إني إليك من الراغبين. وسئل: ما بلغ من بره بك فقال: ما مشى معي بنهار قط إلا قدمني، ولا بليل إلا تقدمني، ولا رقي سطحاً وأنا تحته. جواب أبي دلامة حينما سأله المنصور عما أعده ليوم القيامة وماتت بنت عم للمنصور، فحضر جنازتها، وجلس لدفنها، وأقبل أبو دلامة الشاعر، فقال له المنصور: ويحك ما أعددت لهذا اليوم? فقال : يا أمير المؤمنين ابنة عمك هذه التي واريتها قبيل قال: فضحك المنصور حتى استغرب. الفرزدق في سجن مالك بن المنذر ودخل لبطة بن الفرزدق على أبيه وهو محبوس في سجن مالك بن المنذر ابن الجارود، ومالك عاملٌ على البصرة لخالد بن عبد الله القسري، فقال : يا أبت، هذا عمر بن يزيد الأسيدي، ضرب آنفاً ألف سوطٍ فمات فشد على حمار: فقال الفرزدق: كأنك والله يابني بمثل هذا الحديث قد تحدث به عن أبيك-والحسن إذ ذاك عند محبوس له-فقال: يا أبا فراس: ما عندك إن كان ذلك? فقال: والله يا أبا سعيد، الله أحب إلي من سمعي وبصري، ومن مالي وولدي، ومن أهلي وعشيرتي، أفتراه يخذلني! فقال الحسن: لا. الفرزدق حين قتل عمر بن يزيد الأسيدي وكان عمر بن يزيد الأسيدي شريفاً، حدثني التوزي عن أبي عبيدة قال: كان رجل أهل البصرة عمر بن يزيد الأسيدي، ورجل أهل الشام عمر بن هبيرة الفزازي، ورجل أهل الكوفة بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، فقيل ذلك لعمر بن عبد العزيز: فقال أجل، لولا خب في بلالٍ فقال، بلالٌ لما بلغه ذلك:" رمتني بدائها وانسلت". وقتله مالك بن المنذر تعصباً فيما تذكره المضرية. فلما دخل بمالك على هشام أقبل على أصحابه، فقال،أما رأيتم عمر بن يزيد: أما إني ما تمنيت أن تكون أمي ولدت رجلاً من العرب غير. ثم قال لمالك: قتلت والله خيراً منك حسباً، ونسباً، وريشاً، وعقباً! فقال: وكيف يا أمير المؤمنين! ألست ابن المنذر بن الجارود، وابن مالك بن مسمع! وكان جده أبا أمه وجعل عمر و السياط تأخذه ينادي: يا هشاماه! ففي ذلك يقول الفرزدق: ألم يك مقتل العبدي ظلمـاً أبا حفصٍ من الكبر العظام قتيل جماعةٍ في غير حـق يقطع وهو يدعو: يا هشام! لقاء الحسن البصري والفرزدق في جنازة والتقى الحسن والفرزدق في جنازة، فقال الفرزدق للحسن: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد? قال: وما يقولون? قال: يقولون?: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس! فقال الحسن: كلا، لست بخيرهم، ولست بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم? فقال:شهادة أن لا إله إلا الله مذ ستون سنة، و خمس نجائب لا يدركن- يعني الصلوات الخمس- فيزعم بعض التميمية أن الفرزدق رئي في النوم، فقيل له: ما صنع بك ربك? فقال: غفر لي. فقيل له: بأي شيء فقال: بالكلمة التي نازعني فيها الحسن. الفرزدق وأولاد بني تميم وحدثني العباس بن الفرج في إسنادٍ له ذكره قال: كان الفرزدق يخرج من منزله فيرى بني تميم والمصاحف في حجورهم، فيسر بذلك ويجذل به، ويقول: إيه فدى لكم أبي وأمي! كذا والله كان آباؤكم. قال أبو الحسن: إنما هو فداؤٌ لكم، لكنه قصر الممدود على هذه الرواية الفرزدق وأبو هريرة الدوسي

ونظر إليه أبو هريرة فقال له: مهما فعلت فقنطك الناس فلا تقنط من رحمة الله، ثم نظر إلى قدميه فقال: إني أرى لك قدمين لطيفتين، فابتغ لهما موقعاً صالحاً يوم القيامة. يقال: قنط يقنط،وقنط يقنط، وكلاهما فصيح، فاقرأ بأيهما شئت، وكذلك نقم ينقم، ونقم ينقم.

قول الفرزدق حينما تعلق بأستار الكعبة والفرزدق يقول في آخر عمره حين تعلق بأستار الكعبة، وعاهد الله ألا يكذب، ولا يشتم مسلماً: ألم ترني عاهدت ربي وإننـي لبين رتاجٍ قـائمـاً ومـقـام على حلفة لا أشتم الدهر مسلماً ولا خارجاً من في زور كلام وفي هذا الشعر: أطعتك يا إبليس تسعين حـجةٌ فلما انقضى عمري وتم تمامي رجعت إلى ربي وأيقنت أننـي ملاقٍ لأيام المنون حمـامـي قوله:" لبين رتاج"، فالرتاج غلق الباب، ويقال: باب مرتج، أي مغلقٌ، ويقال: أرتج على فلان، أي أغلق عليه الكلام، وقول العامة:" أرتج عليه"، ليس بشيء، إلا أن التوزي حدثني عن أبي عبيدة. قال يقال: أرتج عليه، ومعناه وقع في رجةٍ، أي في اختلاط، وهذا معنى بعيد جداً. وقوله:" ولا خارجاً" إنما وضع اسم الفاعل في موضع المصدر، أراد: لا أشتم الدهر مسلماً، ولا يخرج خروجاً من في زور كلام، لأنه على ذا أقسم، والمصدر يقع في موضع اسم الفاعل، يقال: ماءٌ غور، أي غائر، كما قال الله عز وجل:" إن أصبح ماؤكم غوراً"الملك30، ويقال: رجل عدلٌ، أي عادل، ويوم غم، أي غام، وهذا كثير جداً،فعلى هذا جاء المصدرعلى فاعل، كما جاء اسم الفاعل على المصدر، يقال: قم قائماً، فيوضع في موضع قولك: قم قياماً، وجاء من المصدر على لفظ "فاعل" حروفٌ، منها: فلج فالجا، وعوفي عافية، وأحرف سوى ذلك يسيرة. وجاءعلى "مفعول"، نحو رجل ليس له معقول، وخذ ميسوره، ودع معسوره، لدخول لمفعول على المصدر، يقال رجل رضاً، أي مرضي، وهذا درهم ضرب الأمير، أي مضروب، وهذه دراهم وزن سبعةٍ، أي موزونة، وكان عيسى بن عمر يقول: إنما قوله:" لا أشتم" حال، فأراد: عاهدت ربي في هذه الحال وأنا غير شاتمٍ ولا خارجٍ من في زوركلام، ولم يذكر الذي عاهد عليه. للفرزدق في أيام نسكه وقال الفرزدق في أيام نسكه: أخاف وراء القبر إن لم يعافنـي أشد من القبر إلتهاباً وأضـيقـا إذا قادنـي يوم الـقـيامة قـائدٌ عنيف، وسواق يسوق الفرزدقـا لقد خاب من أولادي آدم من مشى إلى النار مغلول القلادة أزرقـا إذا شربوا فيها الحميم رأيتـهـم يذوبون من حر الحميم تمـزقـا للفرزدق حين طلق النوار وحدثني بعض أصحابنا عن الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عن أبي مخزوم عن أبي شفقلٍ راوية الفرزدق، قال: قال لي الفرزدق يوماً: امض بنا إلى حلقة الحسن، فإني أريد أن أطلق النوار، فقلت: إني أخاف عليك أن تتبعها نفسك، ويشهد عليك الحسن وأصحابه، فقال: امض بنا فجئنا حتى وقفنا على الحسن، فقال: كيف أصبحت يا أبا سعيد? فقال: بخير، كيف أصبحت يا أبا فراس? قال: تعلمن أن النوار مني طالق ثلاثاً، فقال الحسن وأصحابه: قد سمعنا، قال: فانطلقنا، قال: فقال لي الفرزدق: يا هذا، إن في قلبي من النوار شيئاً، فقلت: قد حذرتك، فقال: ندمت ندامة الكسعي لمـا غدت مني مطلقةٌ نـوار وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار ولو أني ملكت يدي ونفسي لكان علي للقدر الخـيار قال الأصمعي: ما روى المعتمر هذا الشعر إلا من أجل هذا البيت. باب نبذة في الخمريات قال لقيط بن زراه: شربت الخمر حتى خلت أني أبو قابوس أبو عبد المـدان أمشي في بني عدس بن زيدٍ رخي البال منطلق اللسـان وحدثني أبو عثمان المازني قال:أسر رجل يوم الحسين بن علي رضي الله عنه فأتي به يزيد بن معاوية، فقال له:أليس أبوك القائل: أرجل جمتي وأجـر ذيلـي وتحمل شكتي أفقٌ كمـيت أمشي في سراة بني غطيفٍ إذا ما سامني ضيمٌ أبـيت

قال: بلى فأمر به فقتل، قال أبو العباس:ونمي إلي أن معاوية ولى كثير بن شهاب المذحجي خراسان فاختان مالاً كثيراً ثم هرب فاستتر عند هانىء بن عروة المرادي، فبلغ ذلك معاوية فنذر دم هانىء فخرج هانىء فكان في جوار معاوية ثم حضر مجلسه ومعاوية لا يعرفه، فلما نهض الناس ثبت مكانه، فسأله معاوية عن أمره فقال:أنا هانىء بن عروة فقال:إن هذا اليوم ليس بيومٍ يقول فيه أبوك أرجل جمتي الشعر له هانىء:أنا اليوم أعز مني ذلك اليوم، قال له: بم ذاك? قال:بالإسلام يا أمير المؤمنين، قال له: أين كثير بن شهاب? قال:عندي في عسكرك ياأمير المؤمنين، فقال له معاوية: انظر إلى ما اختانه فخذ منه بعضاً، و سوغه بعضاً . ?????????????????????????????????????????????? أقوال الشعراء في الخمر وقال أعرابي: ولقد شربت الراح حتى خلتنـي لما خرجت أجر فضل المـئزر أبا قابوس أو عمر و بن هند ماثلاً يجبى له ما دون دارة قـيصـر وقال آخر: شربنا من الداذي حتى كأنـنـا ملوك لهم بر العراقين والبحر فلما انجلت شمس النهار رأيتنا تولى الغنى عنا وعاودنا الفقر وقال آخر، وهو عبد الرحمن بن الحكم: وكأسٍ ترى بين الإناء وبينهـا قظى العين قد نازعت أم أبان ترى شاربيها حين يعترانـهـا يميلان أحـيانـاً ويعـتـدلان فما ظن ذا الواشي بأروع ماجدٍ وبداء خودٍ حـين يلـتـقـيان وقال آخر: دعتني أخاها أم عمروٍ ولم أكن أخاها، ولم أرضع لها بلبـان دعتني أخاها بعدما كان بيننـا من الأمر ما لا يفعل الأخوان وقال آخر: فبتنا فويق الحي لا نحن منهم ولا نحن بالأعداء مختلطـان وبات يقيناً ساقط الطل والندى من الليل بردى يمنةٍ عطران نعدي بذكر الله في ذات بيننى إذا كان قلبانـا بـنـا يردان قال أبو الحسن: وزادني فيه غير أبي العباس: ?ونصدر عن رأي العفاف و ربما=نقعنا غليل النفس بالرشفان وقال أبو العباس:"نعدي " أي نصرف الشر بذكر الله:يقال :فعد عما ترى، أي فانصرف عنه إلى غيره، ويقال:لا يعدونك هذا الحديث:أي لا يتجاوزونك إلى غيرك. قال أبو العباس: وقال رجل من قريش: من تقرع الكأس اللئيمة سـنـه فلا بد يوماً لأن يسىء ويجهلا ولم أر مطلوباً أخس غـنـيمة وأوضع للأشراف منها وأخملا وأجدر أن تلقى كريماً يذمـهـا ويشربها حتى يخـر مـجـدلا فوالله ما أدري:أخبل أصابـهـم أم العيش فيها لم يلاقوه أشكلا وقال الآخر : إذا صدمتني الكأس أبدت محاسنـي ولم يخش ندماني أذاتي ولا بخلـي ولست بفاحـشٍ عـلـيه وإن أسـا وما شكل من آذى نداماه من شكلي وقال آخر: كل هنيئاٌوما شربت مـريئاٌ ثم قم صاغراٌفغير كـريم لاأحب النيديم يومض بالعين إذا ماانتشى لعرس النـديم الإيماض: تفتح البرق ولمحه .يقال: أومضت المرأة إذا ابتسمت، وإنما ذلك تشبيه للمع ثناياها بتبسم البرق، فأراد أنه فتح عينه ثم غمضها بغمز. وقال حسان بن ثابت : كأن سبيئةٌ من بـيت رأس يكون مزاجها عسل وماء إذا ما الأشربات ذكرن يوماٌ فهن لطيب الراح الفـداء نوليها الملامة إن ألمـنـا إذا ما كان مغث أو لحـاء ونشربها فتتركنا ملـوكـاٌ وأسداٌ ما ينهنهها اللـقـاء المغث:المماغثة باليد . واللحاء: الملاحاة باللسان، يقول : يعتذر المسىءبأن يقول : كنت سكران، فيعذر. وقوله :" كأن سبيئةٌ"، يقال سبأتها: إذا اشتريتها سباءٌ، يعني الخمر، والسابيء:الخمار وقوله:" من بيت رأس "، يعني موضعاٌ: كما يقال حارث الجولان. باب نبذ من أقوال الحكماء قال أبو العباس : قال الأحنف بن قيس : ألا أدلكم على المحمدة بلا مرزئة? الخلق السجيح، والكف عن القبيح .ألاأخبركم بأدوإ الداء ? الخلق الدنيء، واللسان البذيء.

وقال الأحنف: ثلاث في ما أقولهن إلا ليعتبر معتبر: ما دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما، ولا أتيت باب أحد من هؤلاء ما لم أدع، يعني السلطان ولا حللت حبوتي إلى ما يقوم إليه الناس. تكسر الحاء وتضمها إذا أردت الاسم، وتفتحها إذا أردت المصدر، إنشدني عمارة بن عقيل لجرير: قتل الزبير، وأنت عاقد حبوةٍ قبحاٌ لحبوتك التي لم تحلـل ويقال في جمع حبوة: حبى وحبى، مقصوران. وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ماأحسن الحسنات في آثار السيئات وأقبح السيئات في آثار الحسنات، وأقبح من ذا وأحسن من ذاك السيئات في آثارالسيئات، والحسنات في آثار الحسنات.والعرب تلف الخبرين المختلفين، ثم ترمي بتفسير هما جملة، ثقة بأن السامع يرد إلى كل خبره. وقال الله عز وجل:" ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله" وقال رجل لسلم بن نوفل: ما أرخص السؤدد فيكم فقال سلم: أما نحن فلا نسود إلا من بذل لنا ماله، وأوطأنا عرضه، وامتهن في حاجتنا نفسه. فقال الرجل: إن السؤدد فيكم لغال. ولسلم يقول القائل: يسود أقوام ولـيسـوا بـسـادة بل السيد المعروف سلم بن نوفل وقال معاوية رحمه الله لعرابة بن أوس بن قيظي الأنصاري: بم سدت قومك? فقال :لست بسيدهم،ولكني رجل منهم، فعزم عليه فقال: أعطيت في نائبهم وحلمت عن سفيههم، وشددت على يدي حليمهم، فمن فعل منهم مثل فعلي فهو مثلي، ومن قصر عنه فأنا أفضل منه، ومن تجاوزه فهو أفضل مني . مدح الشماخ لعرابة بن أوس قال أبو العباس: وكان سبب ارتفاع عرابة أنه قدم من سفر، فجمعه الطريق والشماخ بن ضرار المري، فتحادثا، فقال عرابة: ماالذي أقدمك المدينة قال: قدمت لأمتار منها، فملأ له عرابة رواحله برا وتمراً، وأتحفه بغير ذلك،فقال الشماخ: رأيت عرابة الأوسي يسمـو إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمـجـد تلقاها عـرابة بـالـيمـين إذا بلغتني وحملت رحـلـي عرابة، فاشرقي بدم الوتين ومثل سراة قومك لم يجاروا إلى ربع الرهان ولا الثمين قوله:"تلقاها عرابة باليمين"، قال أصحاب المعاني: معناه بالقوة،وقالوا مثل ذلك في قول الله عز وجل :" والسموات مطويت بيمينه" وقد أحسن كل الاحسان في قوله: إذا بلغتني وحملت رحلي عرابة فاشرقي بدم الوتين يقول: لست أحتاج إلى أن أرحل إلىغيره. وقد عاب بعض الرواة قوله:" فاشرقي بدم الوتين"، وقال كان ينبغي أن ينظر لها مع استغنائه عنها، فقد قال رسول الله للأنصارية المأسورة بمكة وقد نجت على ناقة رسول الله فقالت: يا رسول الله، إني نذرت إن نجوت عليها أن أنحرها. فقال رسول الله : لبئس ما جزيتها" وقال: " لانذرفي معصية، ولا نذر للانسان في غير ملكه". ومما لم يعب في هذا المعنى قول عبد الله بن رواحة الأنصاري لما أمره رسول الله بعد زيد وجعفرٍ على جيش مؤتة: إذا بلغتني وحملت رحلـي مسيرة أربع بعد الحسـاء فشأنك فانعمي وخـلاك ذم ولا أرجع إلى أهلي ورائي الحساء : جمع حسي، وهو موضع رمل تحته صلابة، فإذا مطرت السماء على ذلك الرمل نزل الماء، فمنعته الصلابة أن يغيض، ومنع الرمل السمائم أن تنشفه، فإذا بحث ذلك الرمل أصيب الماء، يقال : حسي وأحساء وحساء، ممدودة. وقوله :" ولا أرجع إلى أهلي ورائي " مجزوم لأنه دعاء، فقوله :"لا" يعني الجازمة، ومعناه :اللهم لا أرجع،كما تقول : زيد لا تغفر له، فهذا الدعاء ينجزم بما ينجزم به الأمر والنهي، كما تقول : زيد ليقم، وزيد لا يبرح وقد اتبع ذو الرمة الشماخ في قوله: إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته فقام بفأس بين وصليك جازر الوصل: المفصل بما عليه من اللحم، يقال : قطع الله أوصاله، ويقال :وصل، وكسروجدل،في معنى واحد . باب لرجل من رجاز بني تميم في وقعة الجفرة قال أبو العباس: أنشدني الوزي لرجل من رجاز بني تميم في وقعة الجفرة: نحن ضربنا الأزد بالعراق والحي من ربيعة المراق

وابن سهيل قالـئد الـنـفـاق بلا مـعـونــاتٍ ولا أرزاق إلا بـقـايا كـرم الأعــراق لشدة الخـشـية و الإشـفـاق ومن المخازي والحديث الباقي جمع عرق، يقال: فلان كريم العرق ولئيم العرق، أي الأصل. أقوال في قلة النوم وقال آخر يصف ابنه: أعرف منه قلة النـعـاس وخفةٌ في رأسه من راسي كيف ترين عنده مراسي يخاطب أم ابنه. فقوله: " أعرف منه قلة النعاس"، أي الذكاء والحركة. وكان عبد الملك بن مروان يقول لمؤدب ولده: علمهم العوم، وهذبهم بقلة النوم. وكذا قال أبو كبيرٍ الهذلي: فأتت به حوش الجنلن مبطناً سهداً إذل ما نام ليل الهوجل وقال آخر: فجاءت به حوش الفؤاد مسهداً وأفضل أولاد الرجال المسهد وقال رسول الله :" إن عيني تنامان ولا ينام قلبي". لعروة بن الورد وقال عروة بن الورد العبسي، وهو عروة الصعاليك: لحا الله صعلوكاً إذا جن لـيلـه مصافي المشاش آلفاً كل مجزر ينام ثقيلاً ثم يصـبـح قـاعـداً يحت الحصى عن جنبه المتعفر يعين نساء الحي ما يستـعـنـه فيضحي طليحاً كالبعير المحسر ولكن صعلوكاً صفيحة وجهـه كضوء سراج القابس المتنـور مطلاً على أعدائه يزجـرونـه بساحتهم زجر المنيح المشهـر وإن بعدوا لا يأمنون اقتـرابـه تشوف أهل الغائب المتنـظـر فذلك إن يلق المنـية يلـقـهـا حميداً، وإن يستغن يوماً فأجدر قال أبو الحسن: كذا أنشده، "فذلك" لأنه لم يرو أول الشعر، والصواب كسر الكاف، لأنه يخاطب امرأة، ألا تراه قال: أقلي علي اللـوم يا ابـنة مـالـك ونامي، وإن لم تشتهي ذاك فاسهري قوله: يحث الحصى عن جنبه المتعفر يريد المتترب، والعفر والعفر : اسمان للتراب، من ذلك قولهم : عفرالله خده، ويقال للظبية : عفراء إذا كانت يضرب بياضها إلى حمرة، وكذلك الكثيب الأعفر. وقوله :" كالبعير المحسر" هو المعيي، :يقال: جمل حسير، وناقة حسير، قال الله عز وجل :"ينقلب إليك البصر خاسئاٌ وهوحسير" وقوله: وإن بعدوا لايأمنون اقترابه على التقديم والتأخير، أراد: لايأمنون اقترابه وإن بعدوا، وهذا حسن في الإعراب إذا كان الفعل الأول في المجازاة ماضياٌ، كما قال زهير: وإن أتاه خلـيل يوم مـسـألة يقول :لا غائب مالي ولا حرم فإن كان الفل الأول مجزوماٌ لم يجز رفع الثاني إلا ضرورة، فسيبويه يذهب إلى أنه على التقديم والتأخير، وهو عندي على إرادة الفاء،لعلة تلزمه في مذهبه، نذكرها في باب المجازاة إذا جرى في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، فمن ذلك قوله: يا أقرع بن حابـس يا أقـرع إنك إن يصرع أخوك تصرع أراد سيبويه: إنك تصرع إن يصرع أخوك. وهو عندي على قوله: إن يصرع أخوك فأنت تصرع يا فتى، ونستقصي هذا في بابه إن شاء الله تعالى. وقوله كيف ترين عنده مراسي يقول للمرأة: عززتك على شبهه. ويقال: أنجب الأولاد ولد الفارك. وذلك لأنها تبغض زوجها. فيسبقها بمائه. فيخرج الشبه إليه. فيخرج الولد مذكراً. وكان بعض الحكماء يقول: إذا أردت أن تطلب ولد المرأة فأغضبها، ثم قع عليها. فإنك تسبقها بالماء، وكذلك ولد الفزعة، كما قال، كما قال أبو كبير الهذلي: من حملن به وهن عـواقـدٌ حبك النطاق فشب غير مهبل حملت به في لـيلة مـزؤودةٍ كرهاً، وعقد نطاقها لم يحلل مزؤودة: ذات زؤدٍ، وهو الفزع، فمن نصب " مزؤودة " أراد المرأة. ومن خفض فإنه أراد الليلة، وجعل الليلة ذات فزع، لأنه يفزع فيها، قال الله عز وجل "بل مكر اليل و النهار" سبأ33 والمعنى: بل مكركم في الليل والنهار: وقال جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت، وما ليل المطي بنـائم وقال آخر: فنام ليلي وتجلى همي وهذا الرجز ضد ما قال الآخر في ولده، فإنه أقر بأن امراته غلبته على شبهه، وذلك قوله: نمت و عرق الخال لا ينام يقول: عزتني أمه على الشبه، فذهبت به إلى أخواله. وقال آخر:

لقد بعثت صاحباً من العـجـم بين ذوي الأحلام والبيض اللملم كان أبوه غائباً حتـى فـطـم يقول: لم يسق غيلاً، وقال رسول اله :"هممت أن أنهى أمتي عن الغيلة حتى علمت أن فارس و الروم تفعل ذلك بأولادها،فلا تضير أولادها " والغيلة: أن ترضع المرأة وهي حامل، أو ترضع وهي تغشى. ويزعم أهل الطب من العرب و العجم أن ذلك اللبن داءٌ. وقالت أم تأبط شراً: والله ما حملته تضعاً ووضعاً أيضأً ولا وضعته تيناً،ولا سقيته غيلاً، ولا أبته مئقاً. وقال الأصمعي: ولا أبته على مأقةٍ. قولها:" ما حملته تضعاً"، يقال إذا حملت المرأة عند مقتبل الحيض: حملته وضعاً وتضعاً، وإذا خرجت رجلاً المولود من قبل رأسه قيل: وضعته يتناً قال الشاعر: ?فجاءت به يتناً يجر مشيمة=تسابق رجلاه هناك الأناملا ويقال للرجل إذا قلب الشيء عن جهته: جاء به يتناً قال عيسى بن عمر: سألت ذا الرمة عن مسألة، فقال لي: أتعرف اليتن? قلت: نعم، قال: فمسألتك هذه يتن. قال: وكنت قد قلت الكلام. والغيل ما فسرناه. وأما قولها: ولا أبته مئقاً، تقول: لن أبته مغيظاً: وذلك أن الخرقاء تبيت ولدها جائعاً مغموماً، لحاجته إلى الرضاع، ثم تحركه في مهده حتى يغلبه الدوار فينومه: والكيسة تشبعه وتغنيه في مهده، فيسري ذلك الفرح في بدنه من الشبع كما سرى ذلك الغم والجوع في بدن الآخر. ومن أمثال العرب:" أنا تئق، وصاحبي مئق، فكيف نتفق? التئق: المملوء غيظاً وغضباً، والمئق: القليل الا حتمال، فلا يقع الاتفاق. باب من كلام ابن عباس قال أبو العباس: قال ابن العباس رضي الله عنهما: لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصطنعه إليه: ???من كلام عبد الله بن جعفر وأنشد عبد الله بن جعفر قول الشاعر: إن الصنيعة لا تكون صـنـيعة حتى تصيب بها طريق المصنع فقال: هذا رجل يريد أن يبخل الناس، أمطر المعروف مطراً، فإن صادف موضعاً فهو الذي قصدت له، وإلا كنت أحق به. قال أبو الحسن الأخفش: حدثنا المبرد في غير الكامل قال: قال الحسن والحسين رضوان الله عليهما لعبدالل بن جعفر: إنك قد أسرفت في بذل المال، قال : بأبي أنتما وأمي إن الله عودني أن يفضل علي، وعودته أن أفضل على عباده، فأخاف ان أقطع العادة فتقطع عني. ليزيد بن المهلب وقد مر بأعرابية عند خروجه من سجنه. ومر يزيد بن المهلب بأعرابية في خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز يريد البصرة، فقرته عنزاً فقلبها، وقال لإبنه ????????معاوية: ما معك من النفقة ? فقال: ثمانمائة دينار، قال : فادفعها إليها، قال أبنه: إنك تريد الرجال، ولا يكون الرجال إلا بالمال، وهذه يرضيها اليسير، وهي بعد لا تعرفك فقال له: إن كانت ترضى باليسير، فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني، فأنا أعرف نفسي ادفعها إليها. حديث للأصمعي عن ضرار بن القعقاع وزعم الأصمعي أن حرباٌ كانت بالبادية، ثم اتصلت بالبصرة فتفاقم الأمر فيها، ثم مشي بين الناس بالصلح، فاجتمعوا في الجامع،قال: فبعثت وأنا غلام إلى ضرار بن القعقاع من بني دارم، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت، فإذا به في شملة يخلط بزراٌ له حلوب، فخبرته بمجتمع القوم، فأمهل حتى أكلت العنز، ثم غسل الصحفة وصاح: ياجارية غدينا، قال: فأتته بزيت وتمر، قال: فدعاني فقذرته أن آكل معه، حتى إذا قضى من أكله حاجة، وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اسقيني الماء، فأتته بماء، فشربه، ومسح فضله على وجهه، ثم قال : الحمد لله، ماء الفرات، بتمر البصرة، بزيت الشام، متى نؤدي شكر هذه النعم ثم قال: يا جارية، علي بردائي، فأتته برداء عدني، فأرتدى به على تلك الشملة. قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحاً لزيه، فلما دخل المسجد صلى ركعتين، ثم مشى إلى القوم، فلم تبق حبوة إلا حلت إعظاماً له، ثم جلس، فتحمل جميع ما كان بين الأحياء في ماله وانصرف. ???????????????بين زياد بن عمرو العتكي و الأحنف بن قيس التميمي وحدثني أبو عثمان بكر بن محمد المازني عن أبي عبيدة قال: لما أتى زياد ابن عمرو المربد، في عقب قتل مسعود بن عمرو العتكي، جعل في الميمنة بكر بن وائل، وفي الميسرة عبد القيس وهم لكيز بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة وكان زياد بن عمرو العتكي في القلب، فبلغ ذلك الأحنف، فقال: هذا غلام حدثٌ، شأنه الشهرة، وليس يبالي أين قذف بنفسه ????????????!فندب أصحابه، فجاءه حارثة بن بدرٍ الغداني، وقد اجتمعت بنو تميم، فلما طلع قال: قوموا إلى سيدكم، ثم أجلسه فناظره، فجعلوا سعداً والرباب في القلب، ورئيسهم عبس بن طلقٍ الطعان، المعروف بأخي كهمس، وهو أحد بني صريم بن يربوع، فجعل في القلب بحذاء الأزد، وجعل حارثة بن بدرٍ في حنظلة بحذاء بكر بن وائل، وجعلت عمرو بن تميم بحذاء عبد القيس، فذاك يقول حارثة بن بدرٍ للأحنف: سيكفيك عبس ابن كهمـس مقارعة الأزد بالمـربـد وتكفيك عمرو على رسلها لكيز بن أفصى وما عددوا ??وتكفيك بكراً إذا أقبلت بضرب يشيب له الأمـرد فلما تواقفوا بعث إليهم الأحنف: يا معشر الأزد وربيعة من أهل البصرة، أنتم والله أحب إلينا من تميم الكوفة، وأنتم جيراننا في الدار، ويدنا على العدو، وأنتم بدأتمونا بالأمس، ووطئتم حريمنا، وحرقتم علينا فدفعنا عن أنفسنا ولا حاجة لنا في الشر ما أصابنا في الخير مسلكاً، فتيمموا بنا طريقة قاصدة. فوجه إليه زياد بن عمرو: تخير خلة من ثلاثٍ إن شئت فانزل أنت وقومك على حكمنا، وإن شئت فخل لنا عن البصرة وارحل أنت وقومك إلى حيث شئتم وإلا فدوا قتلانا، و اهدروا دماءكم، وليود مسعودٌ دية المعشرة. قال أبو العباس، وتاويل قوله : دية المشعرة" يريد أمر الملوك في الجاهلية، وكان الرجل إذا قتلوهو من أهل بيت المملكة ودي عشر ديات . فبعث إليه الأحنف:سنختار، فانصرفوا في يومكم . فهز القوم راياتهم وانصرفوا، فلما كان الغد بعث إليهم: إنكم خيرتمونا خلالاً ليس فيها خيارٌ أما النزول على حكمكم فميف يكون والكلم يقطر دماً? وأما ترك ديارنا فهو أخو القتل، قال الله عز وجل:" ولو كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من ديركم ما فعلوه إلا قليلٌ"النساء66، ولكن الثالثة إنما هي حملٌ على المال، فنحن نبطل دماءنا، وندي قتلاكم، وإنما مسعودٌ رجل من المسلمين، وقد أذهب الله أمر الجاهلية. فاجتمع القوم على أن يقفوا أمر مسعود، ويغمد السيف، ويؤدي سائر القتلى من الأزد وربيعة. فضمن ذلك الأحنف، ودفع إياس بن قتادة المجاشعي رهينة حتى يؤدى هذا المال، فرضي به القوم، ففخر بذلك الفرزدق فقال: ومنا الذي أعطـى يديه رهـينةً لغاري معد يوم ضرب الجماجم عشية سال المربدان كلاهـمـا عجاجة موتٍ بالسيف الصوارم هنالك لو تبغي كليباً وجدتـهـا أذل من القردان تحت المناسـم قال أبو الحسن وكان أبو العباس ربما رواه: لغار معد ويقال: إنما تميماً في الوقت مع باديتها وحلفائها من الأساورة والزط، والسبابجة وغيرهم كانوا زهاء سبعين ألفاً، ففي ذلك يقول جرير: سائل ذوي يمن ورهط محرقٍ والأزد إذ ندبوا لنا مسعـودا فأتاهم سبعون ألف مـدجـج متسربلين يلامعـا و حـديدا قال الأحنف بن قيس: فكثرت علي الديات، فلم أجدها في حاضرة تميم، فخرجت نحو يبرين، فسألت عن المقصودهناك، فأرشدت إلى قبةٍ، فإذا شيخٌ جالسٌ بفنائها، مؤترز بشملةٍ، محتب بحبل، فسلمت عليه، وانتسبت له فقال: ما فعل رسول الله  ? فقلت: توفي صلوات الله عليه! قال : فما فعل عمر بن الخطاب الذي كان يحفظ العرب و يحوطها? قلت له: مات رحمه الله تعالى ! قال فأي خيرٍ في حاضرتكم بعدها ! قال فذكرت له الديات التي لزمتنا للأزد وريعة. قال: فقال لي: أقم، فإذا راعٍ قد أراح ألف بعير، فقال: خذها، ثم أراح عليه آخر مثلها، فقال: خذها، فقلت: لا أحتاج إليها، قال: فانصرفت بالألف عنه، ووالله من هو إلى الساعة! ???قوله:" المناسب" واحدها منسم، وهو ظفر البعير في مقدم الخف، وهو من البغيرة كالسنبك من الفرس وقوله: عشية سال المربدان كلاهما

يريد المربد وما يليه مما جرى مجراه، ةالعرب تفعل هذا في الشيئين إذا جريا في باب واحد، قال الفرزدق: أخذنا بآفاق السماء عليكـم لنا قمراها والنجوم الطوالع يريد الشمس والقمر: لأنهما قد اجتمعا في قولك، " النيران"، وغلب الاسم المذكر، وإنما يؤثر في مثل هذا الخفة، وقالوا:" العمران" لأبي بكر وعمر، فإن قال قائل:إنما هو عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز، فلم يصب، لأن أهل الجمل نادوا بعلي بن أبي طالب رحمه الله عليه : أعطنا سنة العمرين. فإن قال قائل: فلم لم يقولوا: أبوي بكر، وأبو بكر أفضلهما فلأن عمر اسم مفرد، وإنما طلبوا الخفة. وأنشدني التوزي عن أبي عبيدة لجرير: وما لتغلب إن عدوا مساعيهـم نجم يضيء ولا شمس ولا قمر ما كان يرضى رسول الله فعلهم والعمران أبو بكر ولا عمـر هكذا أنشدنيه : وقال آخر : قدني من نصر الخبيبين قدي يريد عبد الله و مصعبا ابني الزبير و إنما أبو خبيب عبد الله، وقرأ بعض القراء:" سلمٌ على إل ياسين" الصافات : 130 فجمعهم على لفظ إلياس ومن ذا قول العرب: المسامعة، والمهالبة، والمناذرة، فجمعهم على اسم الأب. و المشعرة : اسم لقتلى الملوك خاصة، كانوا يكبرون أن يقولوا : قتل فلان، فيقولون أشعر فلان، من إشعار البدن . ويروى أن رجلاً قال: حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصاح به صائح: يا خليفة رسول الله . ثم قال: يا أمير المؤمنين. فقال رجل من خلفي: دعاه باسم رجل ميت، مات والله أمير المؤمنين. فالتفت فإذا رجل من بني لهب، وهم وهم من بني نصر بن الأزد،وهم أزجر قوم، قال كثير: سألت أخاً لهب ليزجـر زجـرةً وقد صار زجر العالمين إلى لهب قال: فلما وقفنا لرمي الجمار إذا حصاةٌ قد صكت صلعة عمر فأدمته، فقال قائل: أشعر والله أمير المؤمنين، والله لا يقف هذا الموقف أبداً. فالتقت فإذا بذلك اللهبي بعينه، فقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحول. باب لذي الرمة في الزجر قال أبو العباس: أنشدني رجل من أصحابنا من بني سعدٍ، قال: أنشدني أعرابي في قصيدة ذي الرمة: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلاً بجرعائك القطر بيتين لم تأت بهما الرواة، وهما: رأيت غراباً ساقطاً فـوق قـضـبةٍ من القضب لم ينبت لها ورقٌ نضر فقلت: غارباً لاغترلـبٍ، وقـضـبةٌ لقضب النوى، هذي العيفة و الزجر لجحدر العكلي وقال آخر قال أبو الحسن: هو جحدرٌ العكلي، وكان لصاً: وقدماً هاجني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجـاوبـان وقدما عن أبي الحسن تجاوبتا بلـحـن أعـجـمـي على عودين من غربٍ وبـان فكان البان أن بانت سلـيمـى وفي الغرب اغترابٌ غير دان مما قيل في المال وأنشدني أبو محلمٍ من ولد طلبة بن قيس بن عاصم: وكنت إذا خاصمت خصماً كببـتـه على الوجه حتى خاصمتني الدراهم فلما تنازعنا الخصـومة غـلـبـت علي، وقالوا: قم فـإنـك ظـالـم وقرأت عن أبي الفضل العباس بن الفرج الرياشي، عن أبي زيد الأنصاري: ولقد بغيت المال من مبغـاتـه والمال وجهٌ للفتى معـروض طلب الغنى عن صاحبي ليحبني إن الفقير إلى الغني بغـيض وقال آخر أنشدني التوزي عن أبي زيد: وصاحب نبهته لـينـهـضـا إذا الكرى في عينيه تمضمضا فقام عجلان ومـا تـأرضـا يمسح بالكفين وجهاً أبـيضـا قوله:"وما تأرضأ":أي لم يلزم الأرض. لشبيب بن البرصاء يفخر بكرمة وأنشدني التوزي عن أبي زيد الأنصاري قال أبو الحسن: هو شبيب بن البرصاء: لقد علمت أم الصبـيين أنـنـي إلى الضيف قوام السنات خروج إذا المرغث العوجاء بات يعزها على ضرعها ذو تومتين لهوج وإني لأغلي اللحم نـياً وإنـنـي لممن يهين اللحم وهو نـضـيج

قوله:"قوام السنات، يريد سريع الانتباه، والسنة: شدة النعاس، وليس بالنوم بعينه، قال الله عز وجل:" لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ" البقرة 255 :وقال ابن الرقاع العاملي: لولا الحياء وأن رأسي قد عسا فيه المشيب لزرت أم القاسم وكأنها بين النساء أعـارهـا عينيه أحور من جآذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينيه سنةٌ، وليس بنـائم ومعنى "رنقت" تهيأت، يقال: رنق النسر: إذا مد جناحيه ليطير، قال ذو الرمة: على حد قوسينا كما رنق النسر وقوله:" المرغث": يعني التي ترضع وترغث ولدها، ويقال لها رغوثٌ، قال طرفة: ليت لنا مكان الملك عمرو رغوثاً حول قبتنا تخـور وقوله:" يعزها"، أي يغلبها، وقال الله عز وجل: "وعزني في الخطاب" يقول: غلبني في المخاطبة، وأصله من قوله: كان أعز مني فيها. ومن أمثال العرب:" من عز بز": وتأويله: من غلب استلب. وقال زهيرٌ:" وعزته يداه وكاهله" يقول : كان ذلك أعز ما فيه، ويقال: لهج الفصيل فهو لهوج إذا لزم الضرع، ويقال: رجل ملهجٌ، إذا لهجت فصاله، فيتخذ خلالاً، فيشده على الضرع، أو على أنف الفصيل، فإذا جاء ليرضع أوجعها بالخلال فضرحته عنها برجلها، قال الشماخ يصف الحمار: رعى بارض الوسمي حتى كأنما يرى بسفا البهمى أخله ملهـج البارض: أول ما يبدو من النبت، والبهمى يشبه السنبل، يقول: فهو لما اعتاد هذا المرعى اللدان استخشن البهمى. وسفاها: شوكها. فيقول: كأنه مخلول عن البهمى، أي يراها كالأخلة. وقوله" ذو تومتين" فالتومة في الأصل الحبة، ولكنها في هذا الموضع التي تعلق في الأذن. وكالبيت الأخير قوله: وإني لأغلي لحمها وهـي حـيةٌ ويرخص عندي لحمها حين تذبح بذا فاند بيني وامدحيني فإنـنـي فتى تعتريه هزةٌ حـين يمـدح باب لعمر بن عبد العزيز حينما سئل : أي الجهاد أفضل? قيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: أي الجهاد أفضل? فقال: جهادك هواك. لرجل من الحكماء في مجاهدة النفس وقال رجل من الحكماء: أعص النساء وهواك واصنع ما شئت لمحمد بن علي بن الحسين في الزهد وقال محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب رضي الله عنهم: ما لك من عيشك إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك، وتقربك من يومك، فأية أكلة ليس معها غصص أو شربة ليس معها شرق فتأمل أمرك، فكأنك قد صرت الحبيب المفقود،والخيال المخترم.أهل الدنيا أهل سفر لا يحلون عقد رحالهم إلا في غيرها. قوله:" تزدلف بك إلى حمامك"، يقول: تقربك: ولذلك سميت المزدلفة وقوله عز وجل :"وزلفا من اليل" إنما هي ساعات يقرب بعضها من بعض، قال العجاج: ناج طواه لأين مما وجـفـا طي الليالي: زلفاٌ فزلـفـا سماوة الهلال حتى احقوقفا ناج : سريع، والأين : الإعياء .والوجيف: ضرب من السير.ونصب"طي الليالي" لأنه مصدر من قوله:" طواه الأين"، وليس بهذا الفعل، ولكن تقدير طواه الأين طياٌ مثل طي الليالي، كما تقول : زيد يشرب شرب الإبل، إنما التقديريشرب شرباٌ مثل الإبل،" فمثل"نعت، ولكن إذا حذفت المضاف استغنى بأن الظاهر يبينه، وقام أضيف إليه مقامه في الإعراب، من ذلك قول الله تبارك تعالى :" وسئل القرية" نصب لأنه كان :" واسأل أهل القرية". وتقول : بنو فلان يطؤهم الطريق، تريد أهل الطريق فحذفت"أهل" فرفعت "الطريق" لأنه في موضع،فعلى هذا فقس إن شاء الله .وقوله " سماوة الهلال"إنما هو أعلاه،ونصب "سماوة " :"بطي"، يريد طواه الأين كما طوت الليالي سماوة الهلال . والشاهد على إنه يريد أعلاه قول طفيل: سماوته أسمال برد محـبـرٍ وسائره من أتحمي مشرعب

ويروى :"معصب"، وإنما سماوته من قولك: سماء،. فاعلم فإذا وقع الإعراب على الهاء أظهرت ما تبنيه على التأنيث على أصله، فإن كان من الياء أظهرت الياء، وإن كان من الواو أظهرت فيه الواو، تقول شقاوة لأنها الشقوة وتقول هذه امرأة سقاية: إذا أردت البناء على غير تذكير، فإن بنيته على التذكير قلبت الياء والواو همزتين: لأن الإعراب عليهما يقع، فقلت : سقاء وغزاء يا فتى، فإن أنثت قلت: سقاءة وغزاءة، والأجود فيما كان له تذكير الهمز،وفيما لم يكن له تذكير الأظهار، وإنما السماء من الواو، لأن الأصل سما يسمو إذا ارتفع، وسماء كل شيء سقفه. وقوله:" حتى احقوقفا" يريد اعوج، وإنما هو افعوعل من الحقف. والحقف: النقا من الرمل يعوج ويدق، .قال الله عز وجل :" إذ أنذر قومه بالأحقاف"أي بموضع هو هكذا. لعلي بن أبي طالب في وصف الدنيا وقال رجل لعلي بن أبي طالب رحمة الله عليه وهو في خطبته: يا أمير المؤمنين، صف لنا الدنيا، فقال: ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من صح فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن. مقدم الربيع بن زياد الحارثي على عمر بن الخطاب قال الربيع بن زياد الحارثي: كنت عاملاً لأبي موسى الأشعري على البحرين، فكتب إليه عمر بن الخطاب رحمه الله يأمره بالقدوم عليه هو وعماله، وأن يستخلفوا جميعاً . قال: فلما قدمنا أتيت يرفأ فقلت: يا يرفأ، مسترشد وابن سبيل، أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله فإومأ إلي بالخشونة، فاتخذت خفين مطارقين، ولبست جبة صوف، ولثت عمامتي على رأسي . ودخلنا على عمر رحمه الله فصفنا بين يديه فصعد فينا وصوب، فلم تأخذ عينه أحداً غيري، فدعاني فقال: من أنت قلت الربيع بن زياد الحارثي، فقال: وما تتولى من أعمالنا قلت : البحرين قال: كم ترتزق قلت: ألفا، قال: كثير، فما تصنع به قلت: أتقوت منه شيئا، وأعود به على أقارب لي. فما فضل عنهم فعلى فقراء المسلمين، قال: فلا بأس، ارجع إلى موضعك، فرجعت إلى موضعي من الصف، فصعد فينا وصوب، فلم تقع عينه إلا علي، فدعاني، فقال: كم سناك، قلت: خمس وأربعون سنة، قال: الآن حين استحكمت ثم دعا بالطعام وأصحابي حديث عهدهم بلين العيش، وقد تجوعت له فأتي بخبز وأكسار بعير، فيجعل أصحابي يعافون ذلك، وجعلت آكل فأجيد، فجعلت أنظر إليه المؤمنين، إن الناس يحتاجون إلى صلاحك فلو عمدت إلى ألين من هذا فزجرني، ثم قالك كيف قلت فقلت: أقول: ياأمير المؤمنين أن تنظر إلى قوتك من الطحين، فيخبز لك قبل إرادتك إياه بيوم، ويطبخ لك اللحم كذلك، فتؤتى بالخبز لينا، واللحم غريضاً. فسكن من غربه وقال: أههنا غرت قلت: نعم، فقال: يا ربيع إنا لو نشاء ملأنا هذه الرحاب من صلائق، وسبائك، وصناب، ولكني رأيت الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم، فقال:" أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا" الأحقاف: 20، ثم أمر أبا موسى بإقراري، وأن يسدبدل بأصحابي. قوله:" فلثتها على رأسي " يقول: أدرت بعضها على بغض على غير استواء يقال: رجل ألوث إذا كان شديداً، وذلك من اللوث، ورجل ألوث إذا كان أهوج، وهو مأخوذ من اللوثة. وحدثني عبد الصمد بن المعذل قال: سئل الأصمعي عن المجنون، المسمى قيس بن معاذ، فثبته وقال: لم يكن مجنوناً، ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية الشاعر. وقيل للأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي: بم كنتم تعرفون السؤدد في الصبي منكم قال: إذا كان ملوث الإزرة، طويل الغرلة، سائل الغرة: كأن به لوثة، فلسنا نشك في سؤدده. وقله:" تؤتى باللحم غريضا" يقول: طريا، يقال: لحم غريض، وشواء غريض، يراد به الطراء الغساني: إذا ما فاتني لـحـم غـريض ضربت ذراع بكري فاشتويت وقوله:" صلائق" فمعناه ما عمل بالنار طبخاً وشيا، يقال: صلقت الجنب إذا شويته، وصلقت اللحم إذا طبخته على وجهه. وقوله:" سبئك " يريد ما يسنك من الدقيق فيؤخذ خالصه يريد الحوارى، وكانت العرب تسمي الرقاق السبائك، وأصله ما ذكرنا. والصناب: صباغ بتخذ من الخردل و الزبيب، ومن ذلك قيل للفرس صنلبي إذا كان في ذلك اللون وكان جرير اشترى جارية من رجل يقال له زيد من أهل اليمامة، ففركت جريراً، وجعلت تحن إلى زيد، فقال جرير:

تكلفـنـي مـعـيشة آل زيد ومن لي بالمرقق والصنـاب وقالت: لا تضم كـضـم زيد وما ضمي وليس معي شبابي فقال الفرزدق يجيبه: فإن تفركك علـجة آل زيد ويعوزك المرقق والصناب فقدماً كان عيش أبيك مـراً يعيش بما تعيش به الكلاب وأما قوله:" أكسر بعير" فإن الكسر والجدل والوصل: العظم ينفصل بما عليه من اللحم. و أما قوله:" نعى على قوم" فمعناه أنه عابهم بها ووبخهم : قال أبو عبيدة: اجتمع العكاظيون على أن فرسان العرب ثلاثة، ففارس تميم عتيبة بن الحارث بن شهاب أحد بني ثعلبة بن يربوع بن حنظلة، صياد الفوارس وسم الفرسان. و فارس قيس عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب . و فارس ربيعة بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، أحد بني شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، قال : ثم اختلفوا فيهم حتى نعوا عليهم سقطاتهم. وأما قوله: " أههنا غرت"، يقول: ذهبت، يقال غار الرجل إذا أتى الغور وناحيته مما انخفض من الأ رض، وأنجد إذا أتى نجداً وناحيه مما ارتفع في الأرض، ولا يقال " أغار " إنما يقال: غار وأنجد، وبيت الأعشى ينشد على هذا: نبي يرى ما لا ترون وذكـره لعمري غار في البلاد وأنجدا و قوله: "فسكن من غربه"، يقول: من حده، وكذلك يقال في كل شيء في السيف و السهم والرجل وغير ذلك. وقوله:" خفين مطارقين" تأويله: مطبقين يقال : طارقت نعلي إذا أطبقتها. ومن قال: "طرقت" أو "أطرقت" فقد أخطأ، ويقال لكل ما ضوعف: فقد طورق، قال ذو الرمة: طرق الخوافي واقع فوق ريعة ندى ليله في ريشة يترقـرق قوله: "ريعة" موضع ارتفاع: قال الله عز وجل: " أتبنون بكل ربع إية تعبثون" الشعراء: 128، وهو جمع ريعة، وقال الشماخ: تعن له بـمـذنـب كـل واد إذا ما الغيث أخضل كل ريع خطبة لعمر بن عبد العزيز قال أبو العباس: وحدثني العباس بن الفرج الرياشي عن الأصمعي قال : قال عدي بن الفضيل: خرجت إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إستحفره بئراً بالعذبة، فقال لي: وأين العذبة قلت: على ليلتين من البصرة، فتأسف ألا يكون بمثل هذا الموضع ماء فأحفرني، واشترط علي أن أول شارب ابن السبيل، قال فحضرته في جمعة، وهو يخطب، فسمعه وهو يقول: يا أيها الناس، إنكم ميتون، ثم إنكم مبعوثون، ثم إنكم محاسبون، فلعمري لئن كنتم صادقين لقد قصرتم، و لئن كنتم كاذبين لقد هلكتم. أيها الناس إنه من يقدر له رزق برأس جبل أو بحضيض أرض يأته، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب . قال: فأقمت عنده شهراً ما بي إلا استماع كلامه . قوله: "حضيض" يعني المستقر من الأرض إذا انحدر عن الجبل، ولا يقال حضيض إلا بحضرة جبل، يقال: حضيض الجبل، ويطرح الجبل فيستغنى عنه لأن هذا لا يكون إلا له،ومن ذلك قول امرىء القيس : نظرت إليه قائماً بالحضيض نبذ من أقوال الحكماء وقال علي بن أبي طالب رحمه الله: يا ابن آدم، لا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، فإنه إن يعلم أنه من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت خازناً لغيرك فيه. ويروى للنابغة: ولست بخابىْ ابداً طعاماً حذارغد،لكل غدٍ طعام ويروى ان رسول الله قال: "من كان آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، كان كمن حيزت له الدنيا بحذافيرها ". قوله :" في سربه"يقول: في مسلكه،يقال: فلان واسع السرب وخلي السرب، يريد المسالك والمذاهب، وإنما هو مثل مضروب للصدر والقلب،يقال: خل سربه،أي طريقه حتى يذهب حيث شاء، ويقال ذلك للإبل لانها تنسرب في الطرقات، ويقال: سرب علي الإبل، أي أرسلها شيئاً بعد شيىء فإذا قلت: سرب، بكسر السين، فإنما هو قطيع من ظباء، أبو بقر، أو شاء أو نساء، أو قطا. قال امرؤ القيس : فعن لنا سرب كأن نـعـاجـه عذارى دوار قي الملاء المذيل دوار: نسك ينسكون عنده في الجاهلية ودوار ما استدار من الرمل، ودوار سجن اليمامة. قال بعض اللصوص: كانت منازلنا التي كنا بها شتى، فألف بيننـا دوار وقال عمر بن أبي ربيعة:

فلم ترعيني مثل سـرب رأيتـه خرجنا علينا من زقاق ابن واقف وكان الحسن يقول: ليس العجب ممن عطب كيف عطب، إنما العجب ممن نجا كيف نجا . وكان الحجاج بن يوسف يقول على المنبر: أيها الناس، اقدعوا هذه الأنفس. فإنما أسأل شيء إذا أعطيت، وأمنع شيء إذا سئلت، فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وعطفها بزمامها عن معصية الله. فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه. قوله:" اقدعوا " يقال قدعته عن كذا: أي منعته عنه، ومنه قول الشماخ : إذا ما استافهن ضربن منـه مكان الرمح من أنف القدوع قوله:"استافهن" يعني حماراً يستاف أتنا، يقول :يرمحنه إذا اشتمهن، والسوف:الشم. وقوله: مكان الرمح من أنف القدوع يريد بالقدوع المقدوع، وهذا من الأضداد، يقال طريق ركوب إذا كان يركب، ورجل ركوب للدواب إذا كان يركبها، ويقال: ناقة رغوث إذا كانت ترضع، وحوار رغوث إذا كانت ترضع، ومثل هذا كثير، يقال: شاة حلوب إذا كانت تحلب، ورجل حلوب إذا كان يحلب الشاة، والقدوع ههنا: البعير الذي يقدع، وهو أن يريد الناقة الكريمة ولايكون كريماً، فيضرب أنفه بالرمح حتى يرجع، يقال: قدعته، وقدعت أنفه، ويروي أن رسول الله لما خطب خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ذكر لورقة بن نوفل فقال: محمد بن عبد الله يخطب خديجة بنت خويلد الفحل لا يقدع أنفه . وكان الحجاج يقول: إن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيه ربه،أو يستغفر من ذنبه،أو يفكر في معاده،لجدير أن تطول حسرته يوم القيامة. باب لعمارة بن عقيل يحض بني كعب وبني كلاب على بني نمير قال أبو الحسن: أنشدني عمارة بن عقيل لنفسه يحض بني كعب و بني كلاب، ابني ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن على بني نمير بن عامر بن صعصعة، وبينهم مطالبات وترات. وكانت بنو نمير أعداء عمارة. فكان يحض عليهم السلطان، ويغري بهم إخوتهم، و يحاربهم في عشيرته، فقال : رأينا كما يا ابني ربيعة خرتـمـا لعض الحروب. والعديد كـثـير وصدقتما قول الفرزدق فيكـمـا وكذبتما مـا كـان قـال جـرير أصابت نمير منكم فوق قـدرهـا فكـل نـمـيري بـذاك أمـير فإن تفخروا بما مضى من قديمكم فقد هدمـت مـدائن وقـصـور رمتها مجانيق العدو فقـوضـت مدائن منها كالـجـبـال وسـور وشيدها الأملاك: كسرى وهرمز وآل هرقل حـقـبة، ونـضـير فإن تعمروا المجد القديم فلـم يزل لكم في مضرات الحروب ضرير خبطتم ليوث الشأم حتى تنـاذرت حماكم و حتى لا يهـر عـقـور فكيف بأكناف الشريف تصيبـكـم ثعالب يبحثن الحـصـى وأبـور قال أبو العباس: قوله: فقد هدمت مدائن وقصور مثل، يريد ان مجدكم الذي بناه آباؤكم متى لم تعمروه بأفعالكم خرب وذهب . وهذا كما قال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب : لسنا وإن كرمـت أوائلـنـا يوماً على الأحساب نتكـل نبني كما كانـت أوائلـنـا تبني ن ونفعل مثل ما فعلوا وكما قال الآخر: ألهى بني جشم عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم يفاخرون بها مذ كان أولـهـم يا للرجال لفخر غير مسؤوم إن القديم إذا ما ضـاع آخـره كساعد فله الأيام محـطـوم و كما قال عامر بن الطفيل : إني وإن كنت ابن فارس عـامـر وفي السر منها و الصريح المهذب فما سودتني عـامـر عـن وراثة إبى الله أن أسـمـو بـأم ولا أب ولكنني أحمي حماهـا، وأتـقـي أذاها وأرمي من رماها بمقـنـب قال أبو الحسن: أنشدني هذه الأبيات محمد بن الحسن المعروف بابن الحرون ويكنى أبا عبد الله لعامر بن الطفيل العامري. قال أبو الحسن: قال الأصمعي: وكان عامر بن الطفيل يلقب محبراً لحسن شعره، وأولها:

تقول ابنة العمري ما لك بعدمـا أراك صحيحاً كالسليم المعـذب فقلت لها : همي الذي تعلمينـه من الثأر في حيي زبيد وأرحب إن اغز زبيداً أغز قوماً أعـزة مركبهم في الحي خير مركب وإن أغز حيي خثعم فدماؤهـم شفاء، وخير الثأر للمـتـأوب فما أدراك الأوتار مثل محقـق بأجرد طاو كالعسيب المشـذب وأسمر خطي وأبـيض بـاتـر وزغف دلاص كالغدير المثوب سلاح امرىء قد يعلم الناس أنه طلوب لثارات الجال مطلـب ثم أتى بإنشاد أبي العباس على وجهه، إلا أنه روى:"من رماها بمنكب" السليم: الملدوغ، وقيل له:" سليم" تفاؤلاً له بالسلامة، وزبيد وأرحب: حيان من اليمن. والثأر: ما يكون لك عند من أصاب حميمك، من الترة، ومن قال " ثار" فقد أخطأ. والمتأوب: الذي يأتيك لطلب ثأره عندك، يقال: آب يؤوب إذا رجع. و التأويب في غير هذا : السير في النهار بلا توقف. والأوتار والأحقاد واحدهما وتر وحقد. والأجرد: الفرس المتحسر الشعر،والأجرد الضامر أيضاً. والعسيب: السعفة. والمشذب. الطويل الذي أخذ ما عليه من العقد و السلاء والخوص، ومنه قيل للطويل المعرق: مشذب. وخطي: رمح منسوب إلى الخط، وهي جزيرة بالبحرين، يقال إنها تنبت عصا الرماح وقال الأصمعي: ليست بها رماح، ولكن سفينة كانت وقعت إليها، فيها رماح، وأرفئت بها في بعض السنين المتقدمة، فقيل لتلك الرماح: الخطية: ثم عم كل رمح هذا النسب إلى اليوم. والزغف: الدرع الرقيقة النسج، والمثوب: الذي تصفقه الرياح فيذهب و يجيء، وهو من ثاب يثوب إذا رجع. وإنما سمي الغدير غديراً لأن السيل غادره، أي تركه قال أبو العباس: وقوله: لكم في مضرات الحروب ضرير يقال: رجل ضرير إذا كان ذا مشقة على العدو، وقال مهلهل بن ربيعة التغلبي : قتيلٌ ما قتيل المرء عمرو وهمام بن مرة ذو ضرير وقوله:" خبطتم ليوث الشام " يريد ما كان من نصر بن شبث العقيلي، وهو عقيل بن كعب بن ربيعة. وقوله:" أبور" جمع وبر، وإذا إنضمت الواو من غير علة فهمزها جائز، وقد ذكرنا ذلك قبل . ???????لعمارة أيضاً في الحث على الأخذ بالثأر وقال عمارة أيضاً لهم، أنشدنيه : ألالـلـه در الـحـي كـعـب ذوي العدد المضاعف والخيول أما فيهم كريمٌ مـثـل نـصـر يورع عنهم سنن الـفـحـول تنوخـهـم نـمـير كـل يوم ٍ كفعل أخي العزازة بالـذلـيل وليسوا مثل عشرهـم ولـكـن يضيع القوم من قبل العـقـول فأين فوارس السلمات منـهـم وجعدة والحريش ذوو الفضول! وأين عبادة الخشنـاء عـنـهـم إذا ما ضاق مطلع السـبـيل! قوله: ألا لله در الحي كعب يريد كعب بن ربيعة بن عامر صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر. وقوله: أما فيهم كريم مثل نصرٍ يعني نصر بن شبث، أحد بني عقيل بن كعب بن ربيعة. وقوله: يورع عنهم سنن الفحول هو مثل ضربه، فجعلهم لإمساكهم عن الحرب بمنزلة النوق التي يقرعها الفحل. ويورع: يكف ويمنع ويدفع. والورع في الدين إنما هو الكف عن أخذ الحرام، وجاء في الحديث :"لا تنظروا إلى صومه، ولا إلى صلاته، ولكن انظروا إلى ورعه إذا أشفى"، ومعناه إذا أشرف على الدينار والدرهم. والسنن: القصد، ثم أبان ذلك بقوله: تنوخهم نميرٌ كل يوم يقال: سان الفحل الناقة فتنوخها، وذلك إذا ركبها من غير أن توطأ له، ولكن يعترضها اعتراضاً. وتقول العرب: إن ذلك أكرم النتاج، وذلك لأن الولد يخرج صليباً مذكراً، ويقال لذلك الحمل الذي يقع من التنوخ و الاعتراض: يعارة وعراضٌ، يقال: حملته عراضاً، وحملته يعارة يا فتى، قال الراعي: قلائص لا يلقحـن إلا يعـارةً عراضاً، ولا يشربن إلا غواليا وقال الطرماح: سوف تدنيك من لميس سبنـدا ةٌ أمارات بالبول ماء الكراض نضجته عشرين يوماً ونـيلـت حين نيلت يعارة في عراض

قوله:"سبنداة" فهي الجريئة الصدر، يقال للجريء الصدر: سبندى وسبنتى وأصل ذلك في النمر. وزعم الأصمعي أن الكراض حلق الرحم، قال: ولم أسمعه إلا في هذا الشعر. وقوله:" نضجته عشرين يوماٌ"، إنما هو أن تزيد بعد الحول من حيث حملت أياماٌ، نحو الذي عد، فلا يخرج الولد إلامحكماٌ، قال الحطيئة: لأدماء منها كالسفينة نضـجـت به الحول حتى زاد شهراٌ عديدها والعزازة: العز، والمصادر تقع على " فعالة " للمبالغة، يقال عز عزا وعزازة، كما يقال : الشراسة والصرامة، قال الله تعالى:" قال يقوم ليس بي سفاهة" وفي موضع آخر: " ليس بي ضللة" وقوله:" فأين فوارس ا لسلمات "، يريد بني سلمة الخير، وبني سلمة الشر ابني قشير بن كعب، وجمع لأنه يريد الحي أجمع، كما تقول: المهالبة والمسامعة، فتجمعهم على اسم الأب، على المهلب ومسمع، وكذلك المناذرة، وقد مرت الحجة في هذا . وجعدة بن كعب والحريش بن كعب وبنو عبادة، من عقيل بن كعب. وقال:" الخشناء" يريد القبيلة، وذكرها بالخشونة على الأعداء. سؤال معاوية بن أبي سفيان دغفل بن حنظلة عن قبائل العرب ويروى أن معاوية بن أبي سفيان رحمه الله قال لدغفل بن حنظلة النسابة: ما تقول في بني عامر بن صعصعة ? قال: أعناق ظباء، وأعجاز نساء. قال: فما تقول في تميم ?قال: حجر أخشن، إن صادمته آذاك، وإن تركته تركك. قال: فما تقول في اليمن?قال: سيد وأنوك. لعمارة بن عقيل حينما أمره أبو سعد التميمي أن يضع يده في يد أبي نصر الطائي قال أبو العباس : وأنشدني عمارة لنفسه وسبب هذا الشعر الذي نذكره أن رجلا من بني تميم، يكنى أبا سعد، كان منقطعاٌ إلى أبي نصر بن حميد الطائي،ثم أحد بني نبهان، وكان أبو نصر والياً على العرب، وكتب أبو سعد إلى عمارة يأمره أن يضع يده في يد أبي نصر، فقال عمارة: دعاني أبو سعدٍ وأهـدى نـصـيحةٌ إلي، ومما أن تغـر الـنـصـائح لأجزر لحمي كلب نبهان كـالـذي دعا القاسطي حتفه وهـو نـازح أو البرمجي حـين أهـداه حـينـه لنار علـيهـا مـوقـدان وذابـح ورأي أبي سعدٍ وإن كان حـازمـاً بصيراً وإن ضاقت عليه المسـارح أعار به ملعون نـبـهـان سـيفـه على قومه، والقول عافٍ وجـارح ونصر الفتى في الحرب أعداء قومه على قومه للمرء ذي الطعم فاضح قوله:" لأجزر لحمي كلب نبهان" أي لأكون جزرة له، والجزرة: البدنة تنحر، يقال أجزرت فلاناً، وتركت فلاناً جزراً، قال عنترة العبسي: إن تشتما عرضي فإن أباكما جزر السباع وكل نسرٍ قشعم وقوله: )....كالذي دعا القاسطي حتفه وهو نازح( فهذا الرجل من النمر بن قاسطٍ، خرج يبتغي قرطاً من بعدٍ، فنهشته حية فمات، وهو أحد القارظين. والقارظ الأول من عنزة، كان خرج مع ابن عم له في طلب القرظ، فقتله ابن عمه، لأنه كان يريد ابنته فمنعه منها، قال أبو خراش الهذلي: وحتى يؤوب القارظان كلاهما وينشر في القتلى كليب لوائل وقوله " كالذي دعا القاسطي حتفه" الهاء في حتفه ترجع على الذي وتقديره كالسبب الذي دعا القاسطي حتفه. وقوله:" أبو البرمجي " فهذا الرجل من البراجم، وهم بنو مالك بن حنظلة كان عمرو بن هند لما قتل بني دارم بأوراة، وكان سبب ذلك أن أخاه أسعد بن المنذر وكان مسترضعاً في بني دارمٍ، في حجر حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم- انصرف ذات يوم من صيده وبه نبيذٌ، كما يعبث الملوك، فرماه رجل من بني دارم بسهم فقتله. ففي ذلك يقول القائل، وهو عمرو بن ملقطٍ الطائي لعمرو بن هند: فاقـتــل زرارة لا أرى في القوم أوفى من زرارة فغزاهم عمرو بن هند، فقتلهم يوم القصيبة ويوم أوارة، ففي ذلك يقول الأعشى: وتكون في الشرف المو زي منقراً وبني زرارة أبنـاء قـومٍ قـتـلـوا يوم القصيبة و الأوراة

ثم أقسم عمرو بن هند ليحرقن منهم مائة، فبذلك سمي محرقاً، فأخذ تسعة وتسعين رجلاً فقذهم في النار، ثم أراد أن يبر قسمه بعجوز منهم لتكمل بها العدة، فلما أمر بها قالت العجوز: ألا فتى يفدي هذه العجوز بنفسه ! ثم قالت:" هيهات صارت الفتيان حمماً"! ومر وافد البراجموهو الذي ذكرنا - فاشتم رائحة اللحم، فظن أن الملك يتخذ طعاماً، فعرج إليه فأتي به إليه، فقال له: من أنت? فقال: ابيت اللعن ? أنا وافد البراجم، فقال:" إن الشقي وافد البراجم". ثم أمر به فقذف في النار، ففي ذلك يقول جرير يعير الفرزدق: أين الذين بنار عمرو حرقـوا أم أين أسعد فيكم المسترضع! وقال أيضاً: وأخزاكم عمرو كما قال قد خزيتم وأدرك عماراً شقي البـراجـم وقال الطرماح: ودارم قد قذفنا مـنـهـم مـائةً في جاحم النار إذ ينزون بالخدد ينزون بالمشتوى منها ويوقدهـا عمرو، ولولا شحوم القوم لم تقد ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام، يعني لطمع البرجمي في الأكل. قال يزيد بن عمرو بن الصعق أحد بني عمرو بن كلاب : ألا أبلغ لديك بني تميم بآية ما يحبون الطعاما وقال الأخر: إذا ما مات ميتٌ من تـمـيم فسرك أن يعيشك فجىء بزاد بخبر أو بتمـر أو بـلـحـم أو الشيء الملفف في البجاد تراه ينقب البطـحـاء حـولاً ليأكل رأس لقمان بـن عـاد وقوله :" للمرء ذي الطعم" يعني الراجع إلى عقل، يقال : ليس فلان بذي طعم، و فلان ليس بذي نزل، أي ليس بذي عقل ولا معرفة، وإنما يقال: هذا طعام ليس له نزل إذا لم يكن ذا ريع، ومن قال:" نزل " في هذا المعنى فقد أخطأ. لأعرابي يهجو قوماً من طيىء وقال أعرابي يهجو قوماً من طيىء: ولما أن رأيت بني جـوين جلوساً ليس بينهم جلـيس يئست من التي أقبلت أبغي لديهم إننـي رجـل يؤوس إذا ما قـلـت :أيهـم لأي تشابهت المناكب والرؤوس قوله:" جلوساً ليس بينهم جليس"، يقول : هؤلاء قوم لا ينتجع الناس معروفهم فليس فيهم غيرهم وهذا من أقبح الهجاء. ومن أمثال العرب:" سمنهم في أديمهم"، ومعناه في مأدومهم، وقيل: أديهم ومأدوم مثل قتيل و مقتول، وتقول الحكماء: من كثر خيره كثر زائره. وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه: يا بني، إذا غدا عليكم الرجل وراح مسلماً، فكفى بذلك تقاضياً. وقال آخر: أروح لتسليم عليك وأغتـدي وحسبك بالتسليم مني تقاضياً كفى بطلاب المرء ما لا يناله عناء، وباليأس المصرح ناهياً قال أبوالحسن: وربما قال أبو العباس: " مصرح" بكسر الراء ومن أحسن المدح قول زهير: قد جعل الطالبون الخير في هرم والسائلون إلى أبوابه طـرقـاً وقال رؤبة: إن الندى حيث ترى الضغاطا وقال آخر: يزدحم النـاس إلـى بـابـه والمشرب العذب كثير الزحام وقال أشجع في محمد بن منصور: على باب ابن منصور علامات من البـذل جماعات وحسب البا ب نبلاً كثرة الأهل وقوله: تشابهت المناكب و الرؤوس إنما ضربه مثلاً للأخلاق و الأفعال: أي ليس فيهم مفضل. ويقال إن الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، آذته عشيرته من بني سعد، فخرج عنهم، فجعل لا يجاور قوماً إلا آذوه فقال:" أينما أذهب ألق سعداً" أي أفر من الأذى إلى مثله. باب أقوال في المجالس و الجلساء قال أبو العباس: قال أبو إدريس الخولاني: المساجد مجالس الكرام. وقيل للأحنف بن قيس أحد بني مرة بن عبيد بن الحارث بن كعب بن سعدٍ: أي المجالس أطيب? فقال : ما سافر فيه البصر، واتدع فيه البدن. اتدع: افتعل من التوديع، والأصل" اوتدع" فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وهذا القول مذهب أهل الحجاز يقولون: ايتزن ياتزن، وهو رجل موتوزنٌ، والأجود أن تقلب ماكان أصله الواو والياء في باب "افتعل" تاءً وتدغمها في التاء من "افتعل" فتقول: اتدع يتدع، وهو متدعٌ، ومتزن ومتعد من الوعد، ومتئس من اليأس، تكون الياء كاواو، لأنها إن أظهرت انقلبت على حركة ما قبلها فصارت كاواو، وتكونان واوين عند الضمة، نحو موعدٍ وموتعدٍ، ومؤنسٍ ومؤتئسٍ، وياءين للكسرة، والواو قد تقلب إلى تاء ولا تاء بعدها، نحو تراث من ورث، وتجاه من الوجه وتكأةٍ. وإنما ذلك كراهية الضمة في الواو، وأقرب حروف الزوائد والبدل منها التاء فقلبت إليها، وقد تقلب للبدل في غير ضم، نحو:هذا أتقى من هذا، وضربته حتى أتكأته، فلما كانت بعدها تاء افتعل كان الوجه القلب ليقع الإدغام. وقد فسرنا هذا على غاية الاستقصاء في الكتاب "المقتضب". وقيل للمهلب بن أبي صفرة: ما خير المجالس فقال؛: ما بعد فيه مدى الطرف، وكثرت فيه فائدة الجليس. ويروى عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني، إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام ثم اجلس فإن أفاضوا في ذكر الله: فأجل سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غير فخلهم وانهض وقوله: " فارمهم بسهم الإسلام" يعني السلام. وقوله:" فأجل سهمك مع سهامهم "، يعني أدخل معهم في أمرهم، فضربه مثلاً، من دخول الرجل في قداح الميسر. وقال وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله لأمه: وإذا أتيت جماعةٌ في مجلسٍ فاختر مجالسهم ولما تقعـد ودع الغواة الجاهلين وجهلهم وإلى الذين يذكرونك فاعمد وقال ابن عباس رحمه الله: لجليسي علي ثلاثٌ: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأوسع له إذا جلس وأصغي إليه إذا حدث. وكان القعقاع بن شورٍ، أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل إذا جالسه جليسٌ فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيباً في ماله وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكراً له، حتى شهر بذلك. وفيه يقول القائل: وكنت جليس قعقاع بن شور ولا يشقى بقعقاع جـلـيس ضحوك السن إن أمروا بخير وعند السوء مطراقٌ عبوس وحدثني التوزي أن رجلاً جالس قوماً من بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، فأساؤوا عشرته، وسعوا به إلى معاوية، فقال: شقيت بكم وكنت لكم جليسـاً فلست جليس قعقاع بن شور ومن جهل أبو جهلٍ أخوكـم غزا بدراً بمجمـرةٍ وتـور نسبه إلى التوضيع، كقول عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف لحكيم بن حزام لما بلغه قول أبي جهل بن هشام: انتفخ والله سحره ونحره، سيعلم مصطر استه من انتفخ سحره اليوم! يزيد بن معاوية و الأنصار وقال رجل من بني مخزوم للأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري ليؤذيه: أتعرف الذي يقول: ذهبت قريشٌ بالمكارم كلها واللؤم تحت عمائم الأنصار فقال الأحوص: لا أدري، ولكني أعرف الذي يقول: الناس كنوه أبـا حـكـم والله كناه أبـا جـهـل أبقت رياسته لأسـرتـه لؤم الفروع ودقة الأصل وهذا الشعر لحسان بن ثابت، والبيت الذي أنشده المخزومي للأخطل. وكان يزيد بن معاوية عتب على قوم من الأنصار، فأمر كعب بن جعيل التغلبي بهجائهم، فقال له كعبٌ: أأهجو الأنصار! أرادي أنت إلى الكفر بعد الإسلام! ولكني أدلك على غلام من الحي نصراني: كأن لسانه لسان ثورٍ يعني الأخطل. قال: فلما قال هذا البيت دخل النعمان بن بشير بن سعدٍ الأنصاري على معاوية، فحسر عمامته عن رأسه، ثم قال: يا معاوية، أترى لؤماً! فقال: ما أرى إلا كرماً. فقال النعمان: معاوي إلا تعطنا الحق تعتـرف لحي الأزد مسدولاً عليها العمائم أيشتمنا عبـد الأ راقـم ضـلةً فماذا الذي تجدي عليك الأراقم! فما لي ثأر دون قطع لسـانـه فدونك من ترضيه عنه الدراهم نبذ من أقوال الحكماء وكان الأحنف بن قيس يقول: لا تزال العرب عرباً ما لبست العمائم، وتقلدت السيوف، ولم تعدد الحلم ذلاً، ولا التواهب فيما بينها ضعةٌ. وقالوا في تأويل قوله:" ما لبست العمائم"، يقول: ما حافظت على زيها. وقوله:" وتقلدت السيوف" يريد الامتناع من الضيم. وقوله:" ولم تعدد الحلم ذلاً"، يقول: ما عرفت موضع الحلم، وتأويل ذلك: أن الرجل إذا أغضى للسلطان أو أغضى عن الجواب وهو مأسور لم يقل: حلم، وإنما يقال حلم إذا ترك أن يقول الشيء لصاحبه منتصراً، ولا يخاف عاقبة يكرهها، فهذا الحلم المحض، فإذا لم يفعل ذلك، ورأى أن تركه الحلم ذل فهو خطأ وسفهٌ. وقوله:" ولم تر التواهب بينها ضعةٌ" نحو من هذا، وهو أن يهب الرجل من حقه ما لا يستكره عليه. وكان يقال: أحيوا المعروف بإماتته، وتأويل ذلك أن الرجل إذا اعتد بمعروفه كدره، وقيل: المنة تهدم الصنيعة. وكان يقال: كتمان المعروف من المنعم عليه كفرٌ، وذكره من المنعم تكديرله. وقال قيس بن عاصم: يا بني تميم، اصحبوا من يذكر إحسانكم إليه، وينسى أياديه إليكم. باب لبعض الشعراء يودح أسليم بن الأحنف قال أبو العباس: قال عبد الملك بن مروان لأسلم بن الأحنف الأسدي: ما أحسن ما مدحت به? فستعفاه، فأبى أن يعفيه وهو معه على سريره، فلما أبى إلا أن يخبره، قال قول القائل: ألا أيها الركب المخبون هل لـكـم بسيد أهل الشام تحبوا وترجـعـوا من النفر البيض الذين إذا اعتـزوا وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا إذا النفر السود اليمانون نمـنـمـوا له حوك بـرديه أجـادوا وأوسـع جلا المسك والحمام والبيض كالدمى وفرق المدارى رأسه فهو أنـزع فقال له عبد الملك: ما قال أخو الأوس أحسن مما قيل لك قال أبو الحسن: هو أبو قيس بن الأسلت قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوماً غير تهـجـاع لكثير في المدح وحدثت أن كثيراً كان يقول: لوددت أني كنت سبقت الأسود أو العبد الأسود إلى هذين البيتين يعني نصيباً في قوله: من النفر البيض الذين إذا انتجوا أقرت لنجواهم لؤي بن غالب يحيون بسامين طـوراً، وتـارةً يحيون عباسين شوس الحواجب والمختار من الشعر الأول قوله: من النفر البيض الذين إذا اعتزوا وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا يخبر بجلالتهم ومعرفتهم بأقدارهم، وثقتهم بأن مثلهم لا يرد، وقد قال: جرير للتيم خلاف هذا، وهو قوله: قوم إذا اختضر الملوك وفودهم نتفت شواربهم على الأبـواب نقد لشعر نصيب وحدثت أن جريراً كان يقول: وددت أن هذا البيت من شعر هذا العبد كان لي بكذا وكذا بيتاً من شعري يعني قول نصيب: بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القلـب وأما قول نصيب: أهيم بدعدٍ ما حييت وإن أمت أوكل بدعدٍ من يهيم بها بعدي فلم تجد الرواة ولا من يفهم جواهر الكلام له مذهباً، وقد ذكر عبد الملك لجلسائه ذلك فكل عابه، فقال عبد الملك : فلو كان إليكم كيف كنتم قائلين? فقال رجل منهم: كنت أقول: أهيم بدعدٍ ما حييت وإن أمـت فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي! فقال عبد الملك: ما قلت والله أسوأ مما قاله، فقيل له: فكيف كنت قائلاً في ذلك يا أمير المؤمنين? فقال كنت أقول: أهيم بدعدٍ ما حييت فـإن أمـت فلا صلحت دعدٌ لذي خلةٍ بعدي فقالوا: أنت والله أشعر الثلاثة يا أمير المؤمنين. ?الفرزدق ونصيب وما قالاه من الشعر عند سليمان بن عبد الملك وقد فضل نصيبٌ على الفرزدق في موقفه عند سليمان بن عبد الملك، وذلك أنهما حضرا، فقال سليمان للفرزدق: أنشدني وإنما أراد أن ينشده مدحاً له فأنشده: وركب كأن الريح تطلب عندهم لها ترةٌ من جذبها بالعصـائب سروا يخبطون الريح وهي تلفهم إلى شعب الأكوار ذات الحقائب إذا آنسوا ناراً يقولون لـيتـهـا وقد خصرت أيديهم نار غالـب

فأعرض عنه سليمان كالمغضب، فقال نصيب: يا أمير المؤمنين، ألا أنشدك في رويها ما لعله لا يتضع عنها! فقال: هات، فأنشده: أقول لركب صادرين لقيتهـم قفا ذات أوشال ومولاك قارب قفوا خبروني عن سليمان إنني لمعروفه من أهل ودان طلب فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهلـه ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب وهذا في باب المدح حسن ومتجاوزٌ ومبتدع لم يسبق إليه. على أن الشاعر وهو أخو همدان قد قال في عصره في غير المدح: يمرون بالدهنا خفافاً عـيابـهـم ويخرجن من دارين بجر الحقائب على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلاً زريق المال ندل الثعالـب وليس شعر نصيب هذا الذي ذكرناه في المدح بأجود من قول الفرزدق في الفخر، وإنما يفاضل بين الشيئين إذا تناسبا. وقد قال سليمان للفرزدق وهو يقول: وخير الشعر أشرفه رجالاً وشر الشعر ما قال العبيد ثم نرجع إلى تفسير الشعر. وقوله: يمرون بالدهنا خفافاً عيابهم يعني قوماً تجاراً، وقد قالو إنما ذكر لصوصاً، والأول أثبت، وذلك أن دارين سوقٌ من أسواق العرب.وقوله :" بجر الحقائب" يقول: عظام، ويقال للرجل إذا اندلقت سرته فنتأت متقدمة: رجل أبجر، ويقال لها: البجرة والبجرةَ. وفعلةٌ وفعَلةٌ تقعان في الشييء، يقال : قلفةٌ وقَلفةٌ، وصلعة وصَلعةٌ، ومثل هذا كثير. وقوله:" على حين ألهى الناس" إن شئت خفضت"حين" وإن شئت نصبت، أما الخفض فلأنه مخفوض فلأنه مخفوض، وهو اسم منصرف، وأما الفتح فلإضافتك إياه إلى شيء معرب، فبنيته على الفتح، لأن المضاف و المضاف إليه اسم واحد فبنيته من أجل ذلك، ولو كان الذي أضفته إليه معرباً لم يكن إلا محفوضاً، وما كان سوى ذلك فهو لحن، تقول" جئتك على حين زيد" و" جئتك في حين إمرة عبد الملك"، وكذا قول النابغة: على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت: ألما أصح و الشـيب وازع! إن شئت فتحت، وإن شئت خفضت، لأنه مضاف إلى فعل غير متمكن. وكذلك قولهم:"يومئذ"، تقول: عجبت من يوم عبد الله، لا يكون غيره، فإذا أضفته إلى "إذ"، فإن شئت فتحت على ما ذكرت لك في "حين"، وإن شئت خفضت، لما كان يستحقه اليوم من التمكن قبل الإضافة. تقرأ إن شئت :" من عذاب يومئذ" المعارج11، وإن شئت:" من عذاب يومئذ" المعراج11 على ما وصفت لك، ومن خفض بالإضافة قال: سير بزيدٍ يومئذ، فأعربته في موضع الرفع، كما فعلت به في الخفض، ومن قال." من خزي يومئذ " فبناه قال: سير بزيدٍ يومئذٍ، يكون على حالة واحدة لأنه مبني، كما تقول: دفع إلى زيد خمسة عشر درهماً، وكما قال عز وجل: " عليها تسعة عشر " المدثر30 وأما قوله: فندلاً زريق المال ندل الثعالب فزريق قبيلة. وقوله" ندلاً" مصدر، يقول، اندلي ندلاً يا زريق المال، والندل: أن تجذبه جذباً، يقال: ندل الرجلا الدلو ندلاً إذا كان يجذبها مملوءة من البئر، فنصب "ندلاً " بفعل مضمر وهو "أندلي " وهذا في الأمر، تقول: ضرباً زيداً، وشتما عبد الله، لأن الأمر لا يكون إلا بفعل، فكان الفعل فيه أقوى، فلذلك أضمرته، ودل المصدر على الفعل المضمر، ولو كان خبراً لم يجز فيه الإضمار، لأن الخبر يكون بالفعل وغيره، والأمر لا يكون إلا بالفعل، قال الله عز وجل :" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " محمد 4. فكان في موضع " اضربوا"، حتى :كان القائل قال: فاضربوا، ألا ترى أنه ذكر بعده محضاً في قوله: " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق" محمد4 ولو نون منون في غير القرآن لنصب " الرقاب" وكذلك كل موضع هو بالفعل أولى. وقوله: " ندل الثعالب" يريد سرعة الثعالب، يقال في المثل:" أكسب من ثعلب". وأما قول نصيب: ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب فإنما يريد أنهم يرجعون مملوءة حقائبهم من رفده، فقد أثنت عليه الحقائب من قبل أن يقولوا. وأما قول الأعشى: وإن عتاق العيس سوف تزوركم ثناء على أعجازهن معـلـق فإنما أراد المدح الذي يحيدين به، و الحادي من ورائها، كما الهادي أمامها. وأما قول أبي وجزة السعدي: راحت بستين وسقًا في حقيبتـهـا ما حملت حملها الأدنى ولا السددا

فإنما أراد ما يوجب ستين وسقا، لا أن الناقة حملت ستين وسقاً 

حديث أبي وجزة وأبي زيد الأسلمي وكان من حديث ذلك أن أبا وجزة السلمي، المعروف بالسعدي لنززله فيهم،ومحالفته إياهم، كان شخص إلى المدينه يريد آل الزبير، وشخص أبو زيد الأسلمي يريد إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو والي المدينة فاصطحبا، فقال أبو وجزة: هلم فلنشترك فيما نصيبه، فقال أبو زيد الأسلمي: كلا،أمدح الملوك، وأنت تمدح السوق فلما دخلا المدينة صار أبو زيد إلى إبراهيم بن هشام فأنشده : ياابن هشام يا أخا الكرام فقال إبراهيم: وإنما أنا أخوهم، وكأني لست منهم ثم أمر به فضرب بالسياط وامتدح أبو وجزة آل الزبير، فكتبوا إليه بستين وسقاٌ من تمر، وقالوا: هي لك عندنا في كل سنةٍ، فانصرفا، فقال أبو زيد: مدحت عروقاٌ للندى مصب الثـرى حديثاٌ فلم تهمم بأن تتـزعـزهـا نقائذ بؤس ذاقت الفقر والـغـنـى وحلبت الأيام والدهـر أضـرعـا سقاها ذوو الأرحام سجلاًعلى الظما وقد كربت أعناقها أن تقـطـعـا بفضل سجال لو سقوا من مشى بها على الأرض أرواهم جميعاٌ وأشبعا فضمت بأيديها على فضل مـائهـا من الري لما أوشكت أن تضلعـا وزهدها أن تفعل الخير في الغنـى مقاساتها من قبله الفقـر جـوعـا وقال أبو وجزة: راحت رواحاٌ قلوصي وهي حامدة آل الزبير ولم تعدل بهـم أحـدا راحت بستين وسقاٌ في حقيبتـهـا ما حملت حملها الأدنى ولا السددا ما إن رأريت قلوصاٌ قبلها حملت ستين وسقاٌ ولا جابت بـه بـلـدا ذاك القرى، لاقرى قوم رأيتـهـم يقرون ضيفهم الملوية الـجـددا أما قول أبي زيد لإبراهيم: "مدحت عروقاٌ للندى مصت الثرى....حديثاٌ..??????" فإنما عنى أن إبراهيم وأخاه محمداً إنما تطمعا بالعيش، ودخلا في النعمة، وخرجا من حد السوق إلى حد الملوك حديثاً، وذلك بهشام بن عبد الملك لأنهما كانا خاليه، وإنما ولاهما عن خمول. وقوله:" فلم تهمهم بأن تتزعزعا"، فإنما هذا مثل: يقال: فلان يهتزللندى، ويرتاح لفعل الخير كما قال متمم بن نويرة: تراه كنصل السيف يهتز لـلـنـدى إذا لم تجد عند امرىء السوء مطمعا وتأويل ذلك أنه يتحرك سرور لفعل الخير. لأبي رباط في ابنه قال أبو العباس: وأنشدني التوزي لأبي رباط، يقول لابنه: رأيت رباطـاً حـين تـم شـبـابـه وولى شبابي ليس في بـره عـتـب إذا كـان أولاد الـرجـال مــرارةً فأنت الحلال الحلو والبارد الـعـذب لنا جـانـبٌ مـنـه أنـيقٌ وجـانـبٌ شديد على الأعداء مركبـه صـعـب وتأخـذه عـنـد الـمـكـارم هـزةٌ كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب أعرابي عند عمر بن هبيرة قال : وحدثني علي بن عبد الله قال: حدثني العتبي قال : أشرف عمر بن هبيرة الفزاري من قصره يوماٌ فإذا هو بأعرابي يرقص جمله الآل، فقال لحاجبه: إن أرادني هذا فأوصله إلي، فلما دنا الأعرابي سأله فقال: قصدت الأمير. فأدخله إليه، فلما مثل بين يديه قال له عمر: ما خطبك فقال الأعرابي : أصلحك الله، قل مـا بـيدي فما أطيق العيال إذ كثـروا ألح دهر أنحى بكلـكـلـه فأرسلوني إليك وانتظـروا رجوك للدهر أن تكون لهـم غيث سحاب إن خانهم مطر قال : فأخذت عمر الأريحية، فجعل يهتز في مجلسه، ثم قال : أرسلوك إلي وانتظروا إذاً والله لا تجلس حتى ترجع إليهم غانماً، فأمر له بألف دينار ورده على بعيره. قال أبو العباس : وحدثني أبو إسحاق القاضي إسماعيل بن إسحاق أن الخبر لمعن بن زائدة، وصح ذلك عندي. وقوله:" نقائذ بؤس" واحدتها نقيذة. وتأويله أنهم أنقذوا من بؤسٍ، يقال للرجل و المرأة ذلك على لفظ واحد، تقول: هذا نقيذة بؤسٍ، تقع الهاء للمبالغة، لأن أصله كالمصادر، كقولك : زيد مكرمةٌ لأهله، وزيد كريمة قومه، أي يحل محل العقدة الكريمة، والخصلة الكريمة.

وفي الحديث أن رسول الله أكرم جرير بن عبد الله البجلي لما ورد عليه، فبسط له رداءه، وعممه بيده، وقال له: " إذا أتاكم كريمة قوم فأكرموه". هكذا روى فصحاء أصحاب الحديث. وقد قال رسول الله قبل وروده عليه:" يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن، عليه مسحة ملك". ????????????????????????????????????????????????????????????????????????????لصخر بن عمرو بن الشريد وقال صخر بن عمرو بن الشريد، يعني معاوية أخاه، وكان قتله هاشم ودريد ابنا حرملة المريان من غطفان، فقيل لصخر: اهجهم، فقال: ما بيني وبينهم أقذع من الهجاء، ولو لم أمسك عن هجاءهم إلا صوناً لنفسي عن الخنا لفعلت ثم قال: وعاذلة هبت بليل تـلـومـنـي ألا لا تلوميني كفى اللوم ما بيا تقول: ألا تهجو فوارس هاشـم وما لي إذا أهجوهم ثم ما لـيا أبى الشتم أني قد أصابوا كريمتي وأن ليس إهداء الخنا من شماليا وتقول العرب للرجل: رواية ونسابة، فتزيد الهاء للمبالغة، وكذلك علامة وقد تلزم الهاء في الاسم فتقع للمذكر و المؤنث على لفظ واحد، نحو ربعةٍ ويفعةٍ وصرورةٍ . وهذا كثير لا تنزع الهاء منه، فأما رواية و علامة ونسابة فحذف الهاء جائز فيه، ولا يبلغ في المبالغة ما تبلغه الهاء. وقوله: " وحلبت الأيام والدهر أضرعا" فإنه مثلٌ، يقال للرجل المجرب للأمور: فلان قد حلب الدهر أشطره أي قد قاسى الشدة والرخاء، وتصرف في الفقر والغنى، كما قال القائل: قد عشت في الناس أطواراً على طرقٍ شتى، وقاسيت فيها اللين والفظـعـا كلا بلوت،فلا النعماء تـبـطـرنـي ولا تخشعت مـن لأوائهـا جـزعـاً لا يملا الهول صدري قبل موقـعـه ولا أضـيق بـه ذرعـاً إذا وقـعـا ومعنى قوله:"أشطره" فإنما يريد خلوفه.، يقال:حلبتها شطراً بعد شطرٍ.،وأصل هذا من التنصف، لأن كل خلفٍ عديلٌ لصاحبه. وللشطر وجهان في كلام العرب.، فأحدهما النصف كما ذكرنا، من ذلك قولهم: شاطرتك مالي، والوجه الآخر القصد، يقال: خذ شطر زيدٍ، أي قصده، قال الله عز وجل:" فول وجهك شطر المسجد الحرام" البقرة 144 أي قصده،" وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره".البقرة 144 قال أبو العباس: وأنشدني التوزي عن أبي عبيدة قول الشاعر: إن العسير بها داءٌ مخامرهـا فشطرها نظر العينين محسور يريد ناحيتها وقصدها، والعسير: التي تعسر بذنبها إذا حملت، أي تشيله وترفعه، ومنه سمي الذنب عوسراً، أي تضرب بذنبها. ومعنى ذلك أنه ظهر من جهدها وسوء حالها ما أطيل معه النظر إليها حتى تحسر العينان. والحسير: المعيي، وفي القرآن:" ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسيرٌ"الملك 4 . وقوله: " سقاها ذوو الأرحام سجلاً على الظما " فالسجل في الأصل الدلو، وإنما ضربه مثلاً لما فاض عليها من ندى أقاربها، يقال للدلو- وهي مؤنثة: سجل وذنوب، وهما مذكران، والغرب مذكر وهو الدلو العظيمة، ويقال: فلان يساجل فلاناً، أي يخرج من الشرف مثل ما يخرج الآخر، وأصل المساجلة أن يستقي ساقيان، فيخرج كل واحدٍ منهما في سجله مثل ما يخرج الآخر،فأيهما نكل فقد غلب، فضربته العرب مثلا للمفاخرة والمساماة. وبين ذلك الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب في قوله: من يساجلني يساجل ماجداً يملأ الدلو إلى عقد الكرب ويقال: إن الفرزدق مر بالفضل وهو يستقي، وينشد هذا الشعر،فسرا الفرزدق ثيابه عنده، ثم قال: أنا أساجلك- ثقةً منه بنسبه- فقيل له: هذا الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب. فرد الفرزدق ثيابه عليه ثم قال: ما يساجلك إلا من عض بأير أبيه ????????. يقال: سرا ثوبه ونضا ثوبه في معنى واحد، إذا نزعه، ويقال: سرى عليه الهم إذا أتى ليلاً، وأنشد: " سرى همي وهم المرء يسري " وسرى همه إذا ذهب عنه. و المواضخة مثل المساجلة، قال العجاج: " تواضخ التقريب قلواً مخلجاً "

أي تخرج من العدو ما يخرج.، قال الله عز وجل على مخرج كلام العرب وأمثالهم " فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم "الذاريات 59 وأصل الذنوب الدلو كما ذكرت لك. وقال علقمة بن عبدة للحارث بن أبي شمر الغساني:" قال أبو الحسن : غير أبي العباس يقول شمرٌ، وبعضهم يقول شمرٌ " وكان أخوه أسيراً عنده، وهو شأس بن عبدة أسره في وقعة عين أباغ. " قال أبو الحسن: غيره يقول إباغ، بالكسر " في الواقعة التي كانت بينه وبين المنذر بن ماء السماء، في كلمةٍ له مدحه فيها: وفي كل حي قد خبطت بنعمةٍ فحق لشأسٍ من نداك ذنـوب فقال الملك: نعم وأذنبةٌ .وقوله: " وقد كربت أعناقها أن تقطعا " يقول: سقيت هذا السجل وقد دنت أعناقها من أن تقطع عطشاً، وكرب في معنى المقاربة، يقال:كاد يفعل ذلك، وجعل يفعل ذلك، وكرب يفعل ذلك، أي دنا من ذلك. ويقال: جاء زيد والخيل كاربته، أي قد دنت منه وقربت. فأما أخذ يفعل، و جعل يفعل، فمعناهما أنه قد صار يفعل، ولا تقع بعد واحدة منهما:"أن "إلا أن يضطر شاعرٌ، قال الله عز وجل:" إذا أخرج يده لم يكد يراها " النور 40 أي لم يقرب من رؤيتها، وإيضاحه: لم يرها ولم يكد، وكذلك :" يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار"، وكذلك:" كاد يزيغ قلوب فريقٍ منهم" التوبة 117 بغير" أن ". ومن أمثال العرب: كاد النعام يطير، وكاد العروس يكون أميراً، وكاد المنتعل يكون راكباً وقد اضطر الشاعر فأدخل " أن" بعد " كاد"، كما أدخلها هذا بعد " كرب" فقال: " وقد كربت أعناقها أن تقطعها " وقال رؤبة: " قد كاد من طول البلى أن يمصحا " فكاد بمنزلة كرب في الإعمال والمعنى، قال الشاعر: أغثني غياثاً يا سـلـيمـان إنـنـي سبقت إليك الموت، والموت كاربي خشية جورٍ من أمـيرٍ مـسـلـطٍ ورهطي، وما عاداك مثل الأقارب. وقوله:" لما أوشكت أن تضلعا ":يقول: لما قاربت ذلك، والوشيك القريب من الشيء والسريع إليه، يقال: يوشك فلان أن يفعل كذا وكذا، والماضي منه أوشك، ووقعت بأن وهو أجود، وبغير "أن" كما كان ذلك في "لعل"، تقول: لعل زيداً يقوم، فهذه الجيدة، قال الله عز وجل: )لعل الساعة تكون قريباً( الأحزاب 63 و)لعله يتذكر أو يخشى( طه44 و)لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً( الطلاق1 وقال تميم بن نويرة: لعلك يوماً أن تلـم مـلـمةٌ عليك من الآئي يدعنك أجدعا وعسى، الأجود فيها أن تستعمل بأن، كقولك: عسى زيد أن يقوم، كما قال الله عز وجل: "فعسى الله أن يأتى بالفتح " المائدة 52: وقال جل ثناؤه " عسى الله أن يتوب عليهم " التوبة 102 ويجوز طرح " أن " وليس بالوجه الجيد، قال هدبة: عسى الكر بالذي أمسيت فيه يكون وراءه فرجٌ قـريب وقال آخر: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادرٍ بمنهمرٍ جون الرباب سـكـوب وحروف المقاربة لها باب قد ذكرناها فيه على مقاييسها في الكتاب المقتضب بغاية الاستقصاء.وقوله:" أن تضلعا"،معناه أن تمتلئ، وأصله أن الطعام و الشراب يبلغان الأضلاع فيكظانها،كذلك قال الأصمعي في قولهم: أكل حتى تضلع. وأما قول أبي وجزة:" راحت بستين وسقاً" فالوسق خمسة أقفزةٍ بملجم البصرة، وفي الحديث عن النبي :" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " فما كان أقل من خمسة وعشرين قفيزاً بالقفيز الذي وصفنا، وهو نصف القفيز البغدادي في أرض الصدقة فلا صدقة فيه، وإنما أراد: أنه أخذ الكتاب بهذه الأوسق، فلذلك قال: ما إن رأيت قلوصاً قبلها حملت ستين وسقاً ولا جابت به بلـدا وأما قوله: يقرون ضيفهم الملوية الجددا

فإنما أراد السياط، وجمع جديدٍ جددٌ، وكذلك باب " فعيل" الذي هو اسم، أو مضارع للاسم، نحو قضيب وقضيب، ورغيفٍ ورغفٍ، وكذلك سرير وسررٌ وجديدٌ وجددٌ، لأنه يجري مجرى الأسماء، وجريرٌ وجررٌ، فما كان من المضاعف جاز فيه خاصةً أن تبدل من ضمته فتحة لأن التضعيف مستثقلٌ، والفتحة أخف من الضمة، فيجوز أن يمال إليها استخفافاً، فيقال: جددٌ وسررٌ، ولا يجوز هذا في مثل قضيب لأنه ليس بمضاعفٍ، وقد قرأ بعض القراء:" على سررٍ موضونةٍ " الواقعة 15، ويقال للسوط: الأصبحي، ينسب إلى ذي أصبح الحميري، وكان أول من اتخذ هذه السياط التي يعاقب بها السلطان، ويقال له: العرفاص والقطيع. وقال الشماخ: تكاد تطير من رأي القطيع وقال الصلتان العبدي: ?أرى أمةً شهرت سيفها=وقد زيد في سوطها الأصبحي وقال الراعي: أخذوا العريف فقطعوا حيزومه بالأصبحية قائما ًمـغـلـولا وقال الراجز: حتى تردى طرف العرفاص وقوله:" ولا جابت به بلدا"، يقول: ولا قطعت به، يقال: جبت البلاد، وقال الله عز وجل: " وثمود الذين جابوا الصخر بالواد" الفجر9. ويقال: رجل جواب جوالٌ. وأنشدني علي بن عبد الله، قال: أنشدني القحذمي: ما من أتت من دون مـولـده خمسون بالمغدور بالجـهـل فإذا مضت خمسون عن رجلٍ ترك الصبا ومشى على رسل وأمر مصعب بن الزبير رجلاً من بني أسد بن خزيمة بقتل مرة بن محكان السعدي، فقال مرة في ذلك: بني أسد إن تقتلوني تـحـاربـوا تميماً إذا الحرب العوان اشمعلت ولست وإن كانت إلـي حـبـيبةً بباكٍ على الدنيا إذا ما تـولـت قوله:" إذا الحرب العوان" فهي التي تكون بعد حربٍ قد كانت قبلها، وكذلك أصل العوان في المرأة إنما هي التي قد تزوجت، ثم عاودت فخرجت عن حد البكر، وقول الله عز وجل في كتابه العزيز:" لا فارضٌ ولا بكر" البقرة68 هو تمام الكلام، ثم استأنف فقال:"عوان بين ذلك" البقرة 68 والفارض ههنا: المسنة، والبكر الصغيرة، ويقال: لهاةٌ فارضٌ أي واسعة، وفرض القوس موضع معقد الوتر، وكل حز فرضٌ، والفرضة متطرقٌ إلى النهر، قال الراجز: لها زجاجٌ ولهاة فارض وقوله" اشمعلت، إنما هو ثارت فأسرعت، قال الشماخ: رب ابن عم لسيلمى مشـمـعـل أروع في السفر وفي الحي غزل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل وقوله: ولست وإن كانت إلي حبيبةٍ بباكٍ على الدنـيا........ إنما هو تفديم وتأخير، أراد: ولست بباكٍ على الدنيا وإن كانت إلي حبيبة. ولولا هذا التقدير لم يجز أن يضمر قبل الذكر، ومثله: إن تلق يوماً على علاته هرماً تلق السماحة منه والندى خلقا وكذلك قول حسان بن ثابت: قد ثكلت أمه من كنت واحدة أو كان منتسباً في برثن الأسد ويقول: من كنت واحده قد ثكلت أمه، وكذلك: شر يوميها وأخزاه لها ركبت هندٌ بحدجٍ جملا يقول: ركبت هند بحدج جملا في شر يوميها، وقال رجل من مزينة: خليلي بالبوباة عوجا فلا أرى بها منزلاً إلا جديب المقـيد نذق برد نجدٍ بعد ما لعبت بنا تهامة في حمامها المتوقـد قوله:" بالبوباة"، فهي المتسع من الأرض، وبعضهم يقول: هي الموماة بعينها، قلبت الميم باء لأنهما من ااشفة، ومثل ذلك كثير، يقولون: ما اسمك وبا اسمك? ويقولون: ضربة لازم ولازب، ويقولون: هذا ظأمي وظأبي، يعنون السلف، قال أبو الحسن: الجيد سلف، وما قال ليس بممتنع، ويقولون: زكبة سوءٍ وزكمة سوءٍ،أي ولد سوء ويقولون: عجم الذنب وعجب الذنب، ويقولون: رجل أخرم و أخرب، وهذا كثير. وقال عمر بن أبي ربيعة: عوجا نحيي الطلل المحولا والربع من أسماء والمنزلا بجانب البوباة لـم نـعـده تقادم العهد بـأن يؤهـلا وقوله:" إلا جديب المقيد"، يقال: بلد جدبٌ وجديبٌ، وخصب وخصيب، والأصل في النعت خصيبٌ ومخصبٌ، وجديبٌ ومجدب، والخصب والجدب إنما هما ما حل فيه، وقيل: خصيبٌ وأنت تريد مخصب، وجديبٌ وأنت تريد مجدبٌ، كقولك: عذاب أليم وأنت تريده مؤلم، قال ذو الرمة: ونرفع من صدور شمردلاتٍ يصك وجوهها وهج ألـيم

ويقال: رجل سميع، أي مسمعٌ، قال عمرو بن معد يكرب: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع وأما قوله:" المقيد" فهو موضع التقييد: وكل مصدر زيدت الميم في أوله إذا جاوزت الفعل من ذوات الثلاثة فهو على وزن المفعول، وكذلك إذا أردت اسم الزمان واسم المكان، تقول: أدخلت زيداً مدخلاً كريماً. وسرحته مسرحاً حسناً، واستخرجت الشيء مستخرجاً، قال جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عياً بهن ولا اجتلابا أي تسريحي، وقال عز وجل:" وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً " المؤمنون29 ويقال: قمت مقاماً، واقمت مقاماً وقال عز وجل:" إنها ساءت مستقراً ومقاماً " الفرقان66 أي موضع، وقال الشاعر: وما هي إلا في إزارة و علـقةٍ مغار ابن همام على حي خثعما يريد زمن إغارة ابن همام. وأما قوله:" نذق برد نجدٍ "، فذاك لأن نجداً مرتفعة وتهامة غورٌ منخفض، فنجدٌ باردة. ويروى عن الأصمعي أنه قال: هجم علي شهر رمضان وأنا بمكة، فخرجت إلى الطائف لأصوم بها هرباً من حر مكة فلقيني أعرابي فقلت له: أين تريد? فقال: أريد هذا البلد المبارك لأصوم هذا الشهر المبارك فيه. فقلت له: أما تخاف الحر? فقال من الحر أفر. وهذا الكلام نظير كلام الربيع بن خثيم، فإن رجلاً قال له - وقد صلى ليلةً حتى اصبح - أتعبت نفسك، فقال: راحتها أطلب: إن أفره العبيد أكيسهم. ونظير هذا الكلام قول روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب - ونظر إليه رجل واقفاً بباب المنصور في الشمس - فقال: قد طال وقوفك في الشمس! فقال روحٌ: ليطول وقوفي في الظل. ومثله من الشعر قوله: قال أبو الحسن: هو عروة بن الورد: تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ولم تدر أني للمقام أطـوف لعل الذي خوفتنا من ورائنـا سيدركه من بعدنا المتخلـف ويروى :" لسرنا". وقال آخر: سأطلب بعد الدار منكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا وهذا معنى كثير حسن جميل. وقال حبيب بن أوس الطاءي: أآلفة النجب كم افـتـراقٍ أجد فكان داعية اجتمـاع وليست فرحة الأوبـات إلا لموقوفٍ على ترح الوداع وقال رجل - واعتل في غربةٍ فتذكر أهله: لو أن سلمى أبصرت تخـددي ودقةً في عظم ساقـي ويدي وبعد أهلي وجـفـاء عـودي عضت من الوجد بأطراف اليد قوله:" أبصرت تخددي"، يريد ما حدث في جسمه من النحول، وأصل الخد ما شققته في الأرض، قال الشماخ: فقلت لهم خدوا له برماحكم بطامسة الأعلام خفاقة الآل ويقال للشيخ: قد تخدد، يراد قد تشنج جلده، وقال الله عز وجل:" قتل أصحب الأخدود" البروج: 4، وقيل في التفسير: هؤلاء قوم خدوا أخاديد في الأرض، وأشعلوا فيها نيراناً فحرقوا بها المؤمنين. وقوله: عضت من الوجد بأطراف اليد فإن الحزين، والمغيظ، والنادم والمتأسف يعض أطراف أصابعه جزعاً، قال الله عز وجل : " عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " آل عمران119. وفي مثل ما ذكرنا من تخدد لحم الشيخ، يقول القائل: يا من لشيخ قد تخـدد لـحـمـه أفنى ثـلاث عـمـائم ألـوانـا سوداء حالكةً وسحـق مـفـوفٍ وأجد لوناً بعـد ذاك هـجـانـا صحب الزمان على اختلاف فنونه فأراه منـه كـراهةً وهـوانـا قصر الليالي خطـوة فـتـدانـى وحنون قائم صلبه فـتـحـانـى والموت يأتي بعـد ذلـك كـلـه وكأنما يعـنـى بـذاك سـوانـا وقوله: أفنى ثلاث عمائم ألوانا يعني أن شعره كان أسود، ثم حدث فيه شيب مع السواد، فذلك قوله: مفوف، والتفويف: التنقيش، وإنما أخذ من الفوف، وهي النكتة البيضاء التي تحدث في أظفار الأحداث، وسميت بذلك لشبهها بشجرة يقال لها الفوفة وجمعها فوفٌ، والسحق: الخلق، يقال: عنده سحق ثوبٍ، وجرد ثوبٍ، وسمل ثوبٍ. وقوله: أجد أي أستجد لوناً، والهجان الأبيض، وهي العمامة الثالثة يعني حيث شمله الشيب. باب من أمثال العرب قال أبو العباس: من أمثال العرب: لم يذهب من مالك ما وعظك. يقول: إذا ذهب من مالك شيء، فحذرك أن يحل بك مثله، فتأديبه إياك عوضٌ من ذهابه.

ومن أمثالهم: رب عجلةٍ تهب ريثا. وتأويله أن الرجل يعمل العمل فلا يحكمه للاستعجال به، فيحتاج إلى أن يعود فينقضه ثم يستأنف، والريث الإبطاء، وراث عليه أمره إذا تأخر. ومن أمثال العرب: عش ولا تغتر. وأصل ذلك أن يمر صاحب الإبل بالأرض المكلئة فيقول: أدع أن أعشي إبلي منها حتى أرد على أخرى، ولا يدري ما الذي يرد عليه. وقريب منه قولهم:" أن ترد الماء بماء أكيس". وتأويله أن يمر الرجل بالماء فلا يحمل منه أتكالاً على ماءٍ آخر يصير إليه، فيقال له: أن تحمل معك ماء أحزم لك، فإن أصبت ماء آخر لم يضرك فإن لم تحمل فخفقت من الماء عطبت. ومن أمثالهم:" قد أحزم لو أعزم "، يقول: أعرف وجه الحزم فإن عزمت فأمضيت الرأي فأنا حازمٌ، وإن تركت الصواب وأنا أراه وضيعت العزم لم ينفعني حزمي، ومثله قول النابغة الجعدي: أبى لي البلاء وإني امرؤٌ إذا ما تبينت لم أرتـب وقال أعرابي يمدح سوار بن عبد الله: وأوقف عند الأمر ما لم يضـح لـه وأمضى إذا ما شك من كلام ماضيا فالذي يحمد إمضاء ما تبين رشده، فأما الإقدام على الغرر وركوب الأمر على الخطر فليس بمحمود عندي ذوي الألباب، وقد يتحسن بمثله الفتاك، كما قال: عليكم بداري فاهدموها فإنـهـا تراث كريم لا يخاف العواقـبـا إذا هم ألقى بين عينيه عـزمـه وأعرض عن ذكر العواقب جانبا ولم يستشر في رأيه غير نفسـه ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا فهذا شأن الفتاك، وقال الآخر: غلام إذا ما هم بالفتك لم يبل ألامت قليلاً أم كثيراً عواذله وقال آخر: وما العجز إلا أن تشاور عاجزاً وما الحزم إلا أن تهم فتفعـلا فأما قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من أكثر الفكرة في العواقب لم يشجع، فتأويله أنه من فكر في ظفر قرنه به، وعلوه عليه لم يقدم، وإنما كان الحزم عند علي رضي الله عنه أن يحظر أمر الدين ثم لا يفكر في الموت. وقد قيل له: أتقتل أهل الشام بالغداة، وتظهر بالعشي في إزار ورداءٍ? فقال: أبالموت أخوف? والله ما أبالي أسقطت على الموت، أم سقط الموت علي. وقال للحسن ابنه: لا تبدأ بدعاءٍ إلى مبارزةٍ، فإن دعيت إليها فأجب، فإن طالبها باغٍ، والباغي مصروع. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلتف في كسائه، وينام ناحية المسجد، فلما ورد المرزبان عليه جعلوا يسألون عنه. فيقال: مر ههنا آنفاً، فيصغر في القلب المرزبان إذ رآه كبعض السوق، حتى انتهى إليه، وهو نائم في ناحية المسجد، فقال المرزبان: هذا والله الملك الهنيء. يقول: لا يحتاج إلى أحراس ولا عددٍ، فلما جلس عمر امتلأ قلب العلج منه هيبة لما رأى عنده من الجد والاجتهاد، وألبس من هيبة التقوى. للكلبي وقد سأله خالد القسري عن السؤدد وقال الكلبي: قال لي خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرزٍ القسري: ما تعدون السؤدد? فقلت: أما في الجاهلية فالرياسة، وأما في الإسلام فالولاية، وخيرٌ من ذا وذاك التقوى، فقال لي: صدقت كان أبي يقول: لم يدرك الأول الشرف إلا بالفعل، ولا يدركه الآخر إلا بما أدرك به الأول، قال: فقلت: صدق أبوك، ساد الأحنف بحلمه، وساد مالك بن مسمع بمحبة العشيرة له،وساد قتيبة بدهائه، وساد المهلب بجميع هذه الخلال، فقال لي: صدقت، كان أبي يقول: خير الناس للناس خيرهم لنفسه، وذلك أنه إذا كان كذلك اتقى على نفسه من السرق لئلا يقطع، ومن القتل لئلا يقاد، ومن الزنى لئلا يحد، فسلم الناس منه باتقائه على نفسه. نبذ من أقوال الحكماء قال أبو العباس: وكان عبد الله بن يزيد أبو خالد من عقلاء الرجال، قال له عبد الملك يوماً: ما مالك? فقال: شيئان لا عيلة علي معهما، الرضا من الله، والغنى عن الناس. فلما نهض من بين يديه قيل له: هلا خبرته بمقدار مالك? فقال: لم يعد أن يكون قليلاً فيحرقني، أو كثيراً فيحسدني وقال رسول الله صلى الله عليه سلم:" من سره أن يكون أعز الناس فليتق الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده، ومن سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله".

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" من سره الغنى بلا مال، والعز بلا سلطان، والكثرة بلا عشيرة، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فإنه واجد ذلك كله". وخطب رسول الله ذات يوم فحمد الله بما هو أهله ثم أقبل على الناس، فقال:" أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، فإن العبد بين مخافتين: أجلٌ قد مضى لا يدري ما الله فاعل فيه، وأجلٌ باق لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة إلى الممات، فو الذي نفس محمد بيده، ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار". وقال رسول الله :" أمرني ربي بتسع، الإخلاص في السروالعلانية، والعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأصل من قطعني، وأعطي من حرمني، وأن يكون نطقي ذكراً، وصمتي فكراً، ونظري عبرة". حدثت أنه التقى حكيمان، فقال أحدهما للآخر : إني لأحبك في الله،فقال له الآخر : لو علمت مني ماأعلمه من نفسي لأبغضتني في الله . فقال له صاحبه: لو علمت من ما تعلمه من نفسك لكان لي فيما أعلمه من نفسي شغل. وكان مالك بن دينار يقول : جاهدوا أهوءاكم كما تجاهدون أعداءكم .وكان يقول: ما أشد فطام الكبير. وقيل لعمر بن عبد العزيز: أي الجهاد أفضل فقال: جهادك هواك. وكان الحسن يقول: حادثوا هذه القلوب، فإنها سريعة الدثور . واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة، وإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية. قوله:" حادثوا" مثل، ومعناه: اجلوا واشحذوا، تقول العرب: حادث فلان سيفه إذا جلاه وشحذه، وقال زيد الخيل: وقد علمت سلامة أن سيفي كريه كلما دعـيت نـزال أحادثه بصـقـل كـل يوم وأعجمه بهامات الرجـال قوله:" أعجمه بهامات الرجال": أي أعضه، يقال عجمه إذا عضه والدثور الدروس يقال: دثر الربع إذا مح ومعناه: تعهدوها بالفكر والذكر. وقوله:" فإنها طلعة"، يقول: كثيرة التشوف والتنزي إلى ما ليس لها . وأنشد الأصمعي: زلا تمليت من مال ولا عمـر إلا بما سر نفس الحاسد الطلعه قال: ويقال للجارية إذا كانت تبرز وجهها لتري حسنها ثم تخفيه لتوهم الحياء: خبأة طلعة. وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: أيها الناس إنما خلقتم للأبد: ولكنكم تنقلون من دار إلى دار. ويروي عن المسيح صلوات الله عليه وسلامه أنه كان يقول: إن احتجتم إلى الناس فكلوا قصداً وامشوا جانباً. ولما احتضر قيس بن عاصم قال لبنيه: يا بني، احفظوا عني ثلاثاً، فلا أحد أنصح لكم مني: إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم، فيحقر الناس كباركم، وتهنوا عليهم. وعليكم بحفظ المال فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل. باب لرجل من الأعراب يرثي رجلاً منهم قال أبو العباس: أنشدت لرجل من الأعراب يرثي رجلاً منهم: فلو كان شيخاً قد لبسنا شبـابـه ولكنه لم يعد أن طر شـاربـه وقاك الردى من ود أن ابن عمه يرى مقتراً أو أنه ذل جانـبـه لحسان يوصي امرأته وقال آخر لامرأته: فاما هلكت فلا تنكحـي ظلوم العشيرة حسادهـا يرى مجده ثلب أعراضها لديه، ويبغض من سادها لصخر بن حبناء يعاتب أخاه وقال آخر : قال أبو الحسن: هو ليزيد بن حبناء أو لصخر بن حبناء، يقول لأخيه: لحى الله أكبانا زناداً وشـرنـا وأيسرنا عن عرض والده ذبـا رأيته لما نلت مالاً ومـسـنـا زمان ترى في حد أنيابه شغبا جعلت لنا ذنباً لتـمـنـع نـائلاً فأمسك، ولا تجعل غناك لنا ذنباً قوله:" أكبانا زناداً"، الزناد التي تقدح بها النار، ويقال : أورى القادح إذا خرجت له النار، وأكبى إذا أخفق منها : هذا أصله يضرب للرجل الذي ينبعث الخير عن يديه، ويضرب الإكباء للذي يمتنع الخير على يديه، قال الأعشى: وزندك خير زناد الـمـلـو ك صادف منهن مرخ عفارا ولو بت تقدح فـي ظـلـمةٍ صفاة بنبـع لأوريت نـارا

و المرخ والعفار: شجر تسرع فيه النار، ومن أمثالهم:" في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار ": واستمجد: استكثر، يقال : أمجدته سبا وأمجدته ذما، إذا أكثرت من ذلك، ومن أمثالهم :" أرخ يديك واسترخ، إن الزناد من مرخ". ويقال : رجل ذو شغب إذا كان يشغب على خصمه، ضربه مثلاً للزمان الذي يهر على أربابه، أي يمسهم بالفقر والجدب . لعبد الله بن معاوية يعاتب صديقه وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب : رأيت فضيلاً كان شيئاً ملـفـفـاً فكشفه التمحيص حتى بـدا لـيا أأنت أخي ما لم تـكـن حـاجة فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا فلا زاد ما بيني وبينك بـعـدمـا بلوتك في الحاجات إلا تـمـاديا فلست براء عيب ذي الود كـلـه ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا فعين الرضا عن كل عيب كلـيلة ولكن عين السخط تبدي المساويا كلانا غني عـن أخـيه حـياتـه ونحن إذا متنا أشـد تـغـانـيا قوله :" كان شيئاً ملففاً" يقول : كان أمراً مغطى. والتمحيص: الاختبار، يقال أدخلت الذهب في النار فمحصته أي خرج عنه ما لم يكن منه، وخلص الذهب، قال الله عز وجل: وليمحص الله الذين أمنوا ويمحق الكفرين" آل عمران : 141 ويقال : محص فلان من ذنوبه. وقوله: " أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة" تقرير وليس باستفهام، ولكن معناه: أني قد بلوتك تظهر الإخاء فإذا بدت الحاجة لم أر من إخائك شيئاً وقال الله عز وجل :" ءأنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله" المائدة 116 إنما هو توبيخ وليس باستفهام. وهو رجل وعز العالم بأن عيسى لم يقله. وقد ذكرنا التقرير الواقع، بلفظ الاستفهام في موضعه من الكتاب " المقتضب " مستقصى، ونذكر منه جملة في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. لعلي بن أبي طالب في الشجاع وقال علي بن أبي طالب رحمه الله : ثلاثة لايعرفون إلا في ثلاث،لا يعرف الشجاع إلا في الحرب، ولا الحليم إلا عند الغضب، ولا الصديق إلا عند الحاجة . لعبد الله بن معاوية يمدح وقال عبد الله بن معاوية أيضاٌ: أنى يكون أخاٌ أو ذا مـحـافـظة من كنت في غيبه مستشعراٌ وجلا إذا تغيب لم تبـرح تـظـن بـه سوءاٌ وتسأل عما قال أو فـعـلا لعبد الله بن الزبير الأسدي يمدح عمرو بن عثمان بن عفان وقال آخر : سأشكر عمراٌ ما تراخت منـيتـي أيادي لـم تـمـنـن وإن جـلـت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت رأى خلتي من حيث يخفى مكانهـا فكانت قذى عينيه حتى تـجـلـت ما تمثل به علي بن أبي طالب من الشعر حينما رأى طلحة في القتلى وتمثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في طلحة بن عبيد الله رحمه الله : فتى كان يدنيه الغنى مـن صـديقـه إذا ما هو استغنى ويبعده الـفـقـر فتى لا يعـد الـمـال ربـا ولاتـرى به جفوة إن نـال مـالاً ولا كـبـر فتى كان يعطي السيف في الروع حقه إذا ثوب الداعي، وتشفى به الجـزر وهون وجدي أنني سـوف أغـتـدي على إثره يوماً وإن نفس الـعـمـر قال أبو الحسن: بعضهم يقول هو للأبيرد الرياحي، وبعد البيت الثالث: فلا يبعدنك الله، إما تـركـتـنـا حميداً وأودى بعدك المجد و الفخر كلمة علي بن أبي طالب في طلحة حينما رآه مقتولاً قال أبو العباس: وحدثني التوزي قال: حدثني محمد بن عباد بن حبيب بن المهلب -أحسبه عن ابيه- قال: لما انقضى يوم الجمل خرج علي بن أبي طالب رحه الله ذلك اليوم ومعه قنبرٌ، وبيده مشعلة من النار يتصفح القتلى حتى وقف على رجل - قال التوزي فقلت: أهو طلحة? قال نعم - فلما وقف عليه قال: أعزز علي أبا محمد أن اراك معفراً تحت نجوم السماء وفي بطون الأودية! شفيت نفسي وقتلت معشري إلى الله أشكو عجري وبجري! قوله معفراً أي ملصق الوجه بالتراب، ويقال للتراب: العفر والعفر يقال: ما مشى على عفر التراب مثل فلان.

وقوله:" إلى الله أشكو عجري وبجري"، يقول: ما أسر من أمري. قال الأصمعي: هو قول سائرٌ. في أمثال العرب:" لقي فلانٌ فلاناً فأبثه عجره وبجره". مما قيل في الشباب والهرم وقال النمر بن تولب : تدارك ما قبل الشباب وبـعـده حوادث أيام تمـر و أغـفـل يسرالفتى طول السلامة والبقـا فكيف يرى طول السلامة يفعل يرد الفتى اعـتـدال وصـحةٍ بنوء إذا رام القـيام ويحـمـل قصر " البقاء" ضرورة، وللشاعر إذا اضطر أن يقصر المدود، وليس له أن يمد المقصور، وذلك أن الممدود قبل آخره ألف زائدة، فإذا احتاج حذفها لأنها ألف زائدة، فإذا حذفها رد الشيء إلى أصله، ولو مد المقصور لكان زائداً في الشيء ما ليس منه، قال الشاعر وهو يزيد بن عمرو بن الصعق: فرغتم لتمرين السياط وأنتم يشن عليكم بالفنا كل مربع فقصر "الفناء" وهو ممدود. وقال الطرماح: وأخرج أمه لسواس سلمـى لمعفور الضرا ضرم الجنين قوله:" وأخرج"، يعني رماداً، والأخرج الذي في لونه سواد وبياض، يقال: نعامة خرجاء. وقوله:" لسواس سلمى"، فإن أجأ وسلمى جبلاً طيئ، وسواس سلمى:الموضع الذي بحضرة سلمى، يقال: هذا من سواس فلان ومن توس فلان: أي من طبعه. وأمه: يعني الشجرة التي هي أصله. وقوله "لمعفور الضرا": فالضراء: ما واراك من شجرة خاصةً، والخمر ما واراك من شيء. والمعفور: يعني ما سقط من النار من الزند. وقوله:" ضرم الجنين" يقول مشتعلٌ، والجنين: ما لم يظهر بعد، يقال للقبر جنن، والجنين: الذي في بطن أمه، والمجن: الترس لأنه يستر، والمجنون: المغطى العقل، وسمي الجن جناً لاختفائهم، وتسمى الدروع الجنن لأنها تستر من كان فيها. وقصر " الضراء" وهو ممدود، ومثل هذا كثير في الشعر جداً. وقوله:" ينوء إذا رام القيام"، يقول: ينهض في تثاقلٍ، قال الله عز وجل:" ما إن مفاتحه للدرأ بالعصبة"القصص76 والمعنى أن العصبة تنوء بالمفاتح، ولشرح هذا موضع آخر. وقال آخر: أنوء ثلاثاً بعدهن قيامي ويروى عن رسول اله أنه قال "كفى بالسلامة داءً". وقال حميد بن ثور الهلالي : أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ وحسبك داءً أن تصح وتسلمـا ولا يلبث العصـران يومٌ ولـيلةٌ إذا طلبا أن يدركا ما تـيمـمـا وقال أبو حية النميري: ألا حي من أجل الحبيب المغانيا لبسن البلى مما لبسن الليالـيا إذا ما تقاضى المرء يومٌ وليلةٌ تقاضاه شيءٌ لا يمل التقاضيا وقال بعض شعراء الجاهلية: كانت قناتي لا تلين لـغـامـر فألانها الإصباح و الإمـسـاء ودعوت ربي في السلامة جاهداً ليصحني، فإذا الـسـلامة داء وقال عنترة بن شداد: فما أوهى مراس الحرب ركني ولكن ما تقادم مـن زمـانـي ومن أمثال العرب إذا طال عمر الرجل أن يقولوا:" لقد أكل الدهر عليه وشرب"، إنما يريدون أنه أكل هو وشرب دهراً طويلاً، قال الجعدي: أكل الدهر عليهم وشرب والعرب تقول: نهارك صائم، وليلك قائم، أي أنت قائم في هذا وصائم في ذاك،كما قال الله عز وجل :" بل مكر الليل والنهار" سبأ 33 والمعنى والله أعلم، بل مكركم في الليل والنهار، وقال جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت، وما ليل المطي بنـائم للفرزدق يرثي ابني مسمع وقال الفرزدق: تبكي على المنتوف بكر بـن وائلٍ وتنهى عن ابني مسمع من بكاهما! غلامان شبا في الحروب وأدركـا كرام المساعي قبل وصل لحاهما وابنا مسمع كان قتلهما معاوية بن يزيد بن الملهب مع عدي بن أرطاة لما أتاه خبر قتل أبيه، وكان ابنا مسمع ممن خالف على يزيد بن الملهب. والمنتوف كان مولى لبني قيس بن ثعلبة بن عكابة. وابنا مسمع من بني قيس بن ثعلبة، وكان المنتوف كالخليفة ليزيد بن الملهب، وفي ذلك يقول جرير: والأزد قد جعلوا المنتوف قائدهم فقتلتهم جنود الله وانتـتـفـوا وتمام شعر الفرزدق: ولو قتلا من جذم بكر بن وائل لكان على الناعي شديداً بكاهما

ولو كان حياً مالكٌ وابن مالكٍ إذا أوقدا نارين يعلو سناهما السنا: ضوء النار، وهو مقصور، قال الله عز وجل: "يكاد سنا برقة يذهب بالأبصار" النور 43 والسناء من الشرف، ممدود، قال حسان بن ثابت: وإنك خير عثمان بن عمرٍو وأسناها إذا ذكر السنـاء والبكاء يمد ويقصر، فمن مد فإنما جعله كسائر الأصوات، ولايكون المصدر في معنى الصوت مضموم الأول إلا ممدوداً، لأنه يكون على "فعالٍ" وقلما يكون المصدر على "فعلٍ"، وقد جاء في حروف: نحو: الهدى والسرى وما أشبهه، وهو يسير، فأما الممدود فنحو: العواء، والدعاء. والرغاء، والثغاء، فكذلك البكاء، ونظيره من الصحيح الصراخ والنباح، ومن قصر فإنما جعل البكاء كالحزن، وقد قال حسان، فقصر ومد: بكت عيني وحق لها بكاها وما يغنى البكاء ولا العويل لجرير يرثي ابنه سوادة وقال جرير: قالوا نصيبك من أجرٍ فقلت لـهـم كيف العزاء وقد فارقت أشبـالـي هذا سوادة يجلو مقـلـتـي لـحـمٍ بازٍ يصرصر فوق المرقب العالي فارقته حين غض الدهر من بصري وحين صرت كعظم الرمة البالـي قوله:" يجلو مقلتي لحم "، شبه مقلتيه بمقلتي البازي، ويقال:" طائر لحم" من هذا. وقوله:" يصرصر" يعني يصوت، يقال:صرصر البازي والصقر، وما كان من سباع الطير، ويقال: صرصر العصفور: وأحسبه مستعاراً. لأن الأصل فيه أن يستعمل في الجوارح من الطير، قال جرير: بازٍ يصرصر بالسهبى قطاً جونا وقال آخر: كما صرصر العصفور في الرطب الثعد وأنشدني عمارة:" باز يصعصع" وهو أصح قال أبو الحسن:" يصعصع" وهو الصواب، ولكن هكذا وقع في كتابه. ويصرصر لايتعدى . قال أبو العباس: وقوله:" كعظم الرمة " فهي البالية الذاهبة، والرميم: مشتق من الرمة، وإنما هو فعيلٌ وفعلةٌ، وليس بجمع له واحد. ومما كفرت به الفقهاء الحجاج بن يوسف قوله: والناس يطوفون بقبر رسول الله ومنبره وإن شئت قلت:" يطيفون "، قال أبو زيد: تقول العرب: طفت وأطفت به، ودرت وأدرت به، ويقال: حدق وأحدق: قال الأخطل: المنعمون بنو حربٍ وقد حدقت بي المنية واستبطأت أنصاري إنما يطوفون بأعوادٍ ورمةٍ. ومن أمثال العرب:" لولا أن تضيع الفتيان الذمة، لخبرتها بما تجد الإبل في الرمة ".، يقول: لولا أن تدع الأحداث التمسك بالوفاء، والرعاية للحرمة لأعلمتها أن الإبل تتناول العظم البالي، وهو أقل الأشياء فتجد له لذة. ومثل بيت جرير الأخير قول أبي الشغب يرثي ابنه شغباً: قد كان شغبٌ لو ان الله عـمـره عزاً تزداد به في عزها مـضـر ليت الجبال تداعت قبل مصرعـه دكاً فلم يبق من أحجارها حجـر فارقت شغباً وقد قوست من كبـرٍ بئس الحليفان: طول الحزن والكبر قوله:" قوست " يقول: انحنيت كالقوس، قال امرؤ القيس: أراهن لايحببن من قـل مـالـه ولا من رأيت الشيب فيه، وقوسا لسليمان بن قتة يرثي الحسين بن علي وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: مررت على أبيات آل محـمـدٍ فلم أرها كعهدها يوم حـلـت فلا يبعد الله الـديار وأهـلـهـا وإن أصبحت من أهلها قد تخلت وكانوا رجاءً ثم صـاروا رزيةً فقد عظمت تلك الرزايا وجلت وإن قتيل الطف من آل هـاشـمٍ أذل رقاب المسلمـين فـذلـت وعند غني قطرةٌ مـن دمـائنـا سنجزيهم يوماً بها حيث حلـت إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرهـا و تقتلنا قيسٌ إذا النعـل زلـت وسليمان بن قتة رجل من بني تميم بن مرة بن كعب بن لؤي، وكان منقطعاً إلى بني هاشمٍ للفرزدق يرثي ابنيه وقال الفرزدق يرثي ابنيه: بفي الشامتين الترب أن كان مسني رزية شبلي مخدرٍ في الضراغم وما أحدٌ كـان الـمـنـايا وراءه ولو عاش أياماً طوالا بـسـالـم أرى كل حي ما تزال طـلـيعةً عليه المنايا من ثنايا المـخـارم

يذكرني ابني السماكـان مـوهـنـاً إذا ارتفعا فوق النجوم الـعـواتـم وقد رزىء الأقوام قبلـي بـنـيهـم وإخوانهم، فاقني حـياء الـكـرائم ومات أبي والمنـذران كـلاهـمـا وعمرو بن كلثوم شهـاب الأراقـم وقد كان مات الأقرعان وحـاجـب وعمرو أبو عمرو، وقيس بن عاصم وقد مات بسطام بن قيس بن خـالـدٍ ومات أبو غسان شيخ الـلـهـازم وقد مات خيراهم فلم يهـلـكـاهـم عشية بانا رهط كـعـب وحـاتـم فما ابناك إلا من بني الناس فاصبري فلن يرجع الموتى حنين الـمـآتـم قال:وأنشدني التوزي عن أبي زيد:" خنين المآتم " بالخاء معجمة قوله:" ما تزال طليعة " يريد طالعةً، والثنايا جمع ثنيةٍ، وهي الطريق في الجبل، من ذلك: أنا ابن جلا وطلاع الثـنـايا متى أضع العمامة تعرفوني والمخارم: جمع مخرمٍ، وهو منقطع أنف الجبل. وقوله:" فوق النجوم العواتم "، يعني المتأخرة، يقال: فلان يأتينا ولا يعتم: أي لايتأخر، وعتمة اسم للوقت، فلذلك سميت الصلاة بذلك الوقت، وكل صلاة مضافة إلى وقتها، تقول: صلاة الغداة، وصلاة الظهر، وصلاة العصر.وما قولك: الصلاة الأولى، فالأولى نعت لها إذا كانت أول ما صلي، وقيل أول ما أظهر. وقوله:" فاقني حياء الكرائم " يقول: فالزمي، وأصل القنية المال اللازم، يقال: اقتنى فلان مالاً إذا اتخذ أصل مالٍ، وقيل في قول الله عز وجل:" وأنه هو أغنى وأقنى"، النجم: 48 . أي جعل لهم أصل مال، وأنشد أبو عبيدة: لو كان للدهر عز يطمئن به لكن للدهر صخر مال قنيان والكرائم: جمع كريمة، والاسم من " فعيلة" والنعت يجمعان على " فعائل"، فالاسم نحو: صحيفة وصحائف، وسفينة وسفائن، والنعت نحو: عقيلة وعقائل، وكريمة وكرائم. و قوله:" ومات أبي " يريد التأسي بالأشراف. وأبوه غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، وكان أبوه شريفاً، وأجداده إلى حيث إنتهوا، ولكل واحد منهم قصة يطول الكتاب بذكرها. والمنذران: المنذر بن المنذر بن ماء السماء اللخمي، يريد الابن والأب، وعمرو بن كلثوم التغلبي، قاتل عمرو بن هند، وكان أحد أشراف العرب وفتاكهم وشعرائهم. والأراقم: قبيلة من بني تغلب ابنة وائل، من بني جشم بن بكر. وزعم أهل العلم أنهم إنما سموا الأراقم لأن عيونهم شبهت بعيون الحيات، والأراقم: واحدها أرقم، فكانوا معروفين بهذا. قال الفرزدق يرد على جرير في هجائه له وللأخطل: إن الأراقم لن ينال قديمها كلب عوى متهتم الأسنان وجعله شهاباً لهم لنوره وبهائه وضيائه، تقول العرب: إنما فلان نجم أهله وكذلك قالت الخنساء: كأنه علم في رأسه نار والأقرعان: الأقرع بن حابس، وابنه الأقرع من بني مجاشع بن دارم، وكان الأقرع في صدر الإسلام سيد خندف، وكان محله فيها محل عيينة بن حصن في قيس. وحاجب بن زرارة بن عدس سيد بني تميم في الجاهلية غير مدافع. و عمرو أبو عمرو بن عدس، وكان شريفاً، وكان ابنه عمرو شريفاً، قتل يوم جبلة، قتلته بنو عامر بن صعصعة، وقتلوا لقيط بن زرارة وكان الذي ولي قتله عمارة الوهاب العبسي، وينسب إلى بني عامر، لأن بني عبس كانوا فيهم مع قيس بن زهير، وعمارة هذا كان يقال له:" دالق"، وقتله شرحاف الضبي، ولذلك يقول الفرزدق: وهن بشرحاف تداركن دالـقـاً عمارة عبس بعدما جنح العصر وزعم أبو عبيدة أن فاطمة بنت الخرشب الأنمارية أريت في منامها قائلاً يقول: أعشرة هدرة أحب إليك أم ثلاثة كعشرة هدرة بالدال غير معجمة، قال أبو الحسن: هم السقاط من الناس فلم تقل شيئاً، فعادلها في الليلة الثانية فلم تقل شيئاً، ثم قصت ذلك على زوجها فقال: إن عاد لك الثالثة فقولي: ثلاثة كعشرة وزوجها زياد بن عبد الله بن ناشب العبسي، فلما عاد لها قالت: ثلاثة كعشرة، فولدتهم كلهم غاية، ولدت ربيع الحفاظ، وعمارة الوهاب، وأنس الفوارس، وهي إحدى المنجبات من العرب. وأسرو حاجباً . فذلك حيث يقول جرير يعير الفرزدق ويعلمه فخر قيس عليه: تحضض يا ابن القين قيساً ليجعلوا لقومك يوماً مثـل يوم الأراقـم كأنك لم تشهد لقـيطـاً وحـاجـبـاً وعمرو بن عمرو إذ دعوا: يال دارم ولم تشهد الجونين والشعب ذا الصفـا وشدات قيس يوم دير الجـمـاجـم الجونان: معاوية و حسان ابنا الجون الكنديان، أسرا في ذلك اليوم، فقتل حسان، وفودي معاوية بسبب يطول ذكره. والشعب: شعب جبلة. وقوله: وشدات قيس يوم دير الجماجم هذا في الإسلام، يعني وقعة الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي بدير الجماجم. وقوله: وقد مات بسطام بن قيس بن خالد يعني الشيباني، وهو فارس بكر بن وائل وابن سيدها، وقتل بالحسن وهو جبل قتله عاصم بن خليفة الضبي، وكان عاصم بن خليفة أسلم في أيام عثمان رحمه الله، فكان يقف ببابه فيستأذن عليه، فيقول عاصم بن خليفة الضبي: قاتل بسطام بن قيس بالباب قال أبو الحسن: الوجه عندي في " بسطام" ألا ينصرف لأنه أعجمي وكان سبب قتله إياه أن بسطاماً أغار على بني ضبة، وكان معه حاز يحزو له قال أبو الحسن: "حاز" بالزاي أي زاجر فقال له بسطام: إني سمعت قائلاً يقول: الدلو تأتي الغرب المزله فقال الحازي: فهلا قلت: ثم تعود بادناً مبتله قال: ما قلت فاكتسح إبلهم، فتنادوا واتبعوه، ونظرت أم عاصم إليه، وهو يقع حديدة له أي يحدها، والميقعة: المطرقة فقالت له: ما تصنع بهذه وكان عاصم مضعوفاً فقال لها: أقتل بها بسطام بن قيس، فنهرته، وقالت: است أمك أضيق من ذلك فنظر إلى فرس لعمه موثقةٍ إلى شجرة فاعروراها أي ركبها عرياً ثم أقبل بها كالريح، فنظر بسطام إلى الخيل قد لحقته، فجعل يطعن الإبل في أعجازها، فصاحت به بنو ضبة: يا بسطام، ما هذا السفه دعها، إما لنا وإما لك، وانحط عليه عاصم، فطعنه فرمى به على الألاءة وهي شجرة ليست بعظيمة، وكان بسطام نصرانياً، وكان مقتله بعد مبعث النبي فأراد أخوه الرجوع إلى القوم، فصاح به بسطام : أنا حنيف إن رجعت، ففي ذلك يقول ابن غنمة الضبي وكان في بني شيبان: فخر على الألاءه لم يوسد كأن جبينه سيف صقيل ولما قتل بسطام لم يبق في بكر بن وائل بيت إلا هجم أي هدم. وقوله: ومات أبو غسان شيخ اللهازم يعني مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب، أحد بني قيس بن ثعلبة، وإليه تنسب المسامعة. وكان سيد بكر بن وائل في الإسلام، وهو الذي قال لعبيد الله بن زياد بن ظبيان، أحد بني تيم اللآت بن ثعلبة وكان حين حدث أمر مسعود بن عمرو المعني من الأزد فلم يعلمه به، فقال له عبيد الله وهو أحد فتاك العرب، وهو قابل مصعب بن الزبير: أيكون مثل هذا الحدث ولا تعلمني به لهممت أن أضرم دارك عليك ناراً فقال له مالك: اسكت أبا مطر، فوالله إن في كنانتي سهم أنا أوثق به مني بك، فقال له عبيد الله: أو أنا في كنانتك فوالله لو قمت فيها لطلتها، ولو قعدت فيها لخرقتها، فقال له مالك وأعجبه ما سمع منه: أكثر الله في العشيرة مثلك قال: لقد سألت ربك شططاً وفي مالك بن مسمع يقال: إذا ما خشينا من أمير ظلامة دعونا أبا غسان يوماً فعسكراً

قوله:" وقد مات خيراهم"، تثنية كقولك: مات أحمراهم، ولم يخرج مخرج النعت، ألا ترى أنك تقول: هذا أحمر القوم إذا أردت: هذا الأحمر الذي للقوم، فإذا أردت الذي يفضلهم في باب الحمرة قلت: هذا أشدهم حمرة، ولم تقل: هذا أحمرهم، وكذلك خيراهم، وإنما أردت هذا خيرهم ثم ثنيت، أي هذا الخير الذي هو فيهم. وقوله:" عشية بانا"، مردود على قوله:" خيراهم". وقوله:" رهط كعب وحاتم"، إنما خفضت" رهطاً" لأنه بدل من "هم" التي أضفت إليها "الخيرين" والتقدير: وقد مات خيراً رهط كعب وحاتم، فلم يهلكاهم عشية بانا.

فأما كعب، فهو كعب بن مامة الإيادي، وكان وكان أحد أجواد العرب الذي آثر على نفسه،وكان مسافراً ورفيقه رجل من النمر بن قاسط فقل عليهما الماء فتصافناه والتصافن: أن يطرح في الإناء حجرٌ ثم يصب فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا: وكذلك كل شيء وقف على كيله أو وزنه، والأصل ما ذكرنا فجعل النمري يشرب نصيبه، فإذا أخذ كعب نصيبه قال: اسق أخاك النمري، فيؤثره حتى جهد كعبٌ، ورفعت له أعلام الماء، فقيل له: رد كعب ولا ورود به، فمات عطشاً، ففي ذلك يقول أبو دؤاد الإيادي: أوفى على الماء كعبٌ ثم قيل له رد كعب إنك ورادٌ فمـا وردا فضرب به المثل، فقال جرير في كلمته التي مدح فيها عمر بن عبد العزيز: يعود الفضل منك على قـريشٍ وتفرج عنهم الكرب الشـدادا وقد أمنت وحشهـم بـرفـقٍ ويعيي الناس وحشك أن تصادا وتبني المجد يا عمر ابن ليلـى وتكفي الممحل السنة الجمـادا وتدعوا الله مجتهداً لـيرضـى وتذكر في رعيتك المـعـادا وما كعب ابن مامة وابن سعدى بأجود منك يا عمر الـجـوادا تعود صالـح الأخـلاق إنـي رأيت المرء يلزم ما استعـادا هذا كعب ابن مامة الذي ذكرناه. وأما ابن سعدى، فهو أوس بن حارثة بن لأم الطائي، وكان سيداً مقدماً، فوفد هو وحاتم بن عبد الله الطائي على عمرو ابن هند، وأبوه المنذر بن المنذر بن ماء السماء، فدعا أوساً فقال له: أأنت أفضل أم حاتم? فقال أبيت اللعن لو ملكني حاتم وولدي ولحمتي لوهبنا في غداةٍ واحدةٍ. ثم دعا حاتماً فقال له: أنت أفضل أم أوسٌ? فقال أبيت اللعن إنما ذكرت بأوسٍ، ولأحد ولده أفضل مني. وكان النعمان بن المنذر دعا بحلة وعنده وفود العرب من كل حي فقال: احضروا في غد، فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم، فحضر القوم جميعاً إلا أوساً، فقيل له: لم تتخلف فقال إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء ألا أكون حاضراً، وإن كنت أنا المراد فسأطلب ويعرف مكاني.فلما جلس النعمان لم ير أوساً، فقال اذهبوا إلى أوس فقولوا له: احضر آمناً مما خفت، فحضر فألبس الحلة، فحسده قوم من أهله، فقالوا للحطيئة: اهجه ولك ثلاثمائة ناقة، فقال الحطيئة: كيف أهجو رجلاً في بيتي أثاثاً ولا مالاً إلا من عنده ثم قال: كيف الهجاء وما تنفك صالحةٌ من آل لأم بظهر الغيب تأتيني فقال لهم بشر بن أبي خازم، أحد بني أسد بن خزيمة : أنا أهجو لكم، فأخذ الإبل وفعل، فأغار أوس على الإبل فاكتسحتها، فجعل لا يستجير حياً إلا قال: قد أجرتك إلا من أوس. وكان في هجائه إياه قد ذكر أمه، فأتى به، فدخل أوس على أمه فقال: قد أتينا ببشرٍ الهاجي لك ولي، فما ترين فيه? فقالت له: أو تطيعني فيه? قال نعم، قالت: أرى أن ترد عليه ماله، وتعفو عنه وتحبوه، وافعل مثل ذلك، فإنه لا يغسل هجاءه إلا مدحه. فخرج إليه فقال: إن أمي سعدى التي كنت تهجوها قد أمرت فيك بكذا وكذا فقال: لا جرم والله لا مدحت أحداً حتى أموت غيرك. ففيه يقول: إلى أوس بن حـارثة بـن لأمٍ ليقضي حاجتي فيمن قضاهـا وما وطئ الثرى مثل ابن سعدى ولا لبس النعال ولا احتـذاهـا وأما حاتمٌ الذي ذكره الفرزدق، فهو حاتم بن عبد الله الطائي، جواد العرب، وقد كان الفرزدق صافن رجلاً من بني العنبر بن عمرو بن تميم إدواة في وقتٍ، فرامه العنبري وسلمه أن يؤثره وكان الفرزدق جوادا فلم تطب نفسه عن نفسه، فقال الفرزدق: فلما تصافنا الإداوة أجهـشـت إلي غضون العنبري الجراضم فجاء بجلمود له مـثـل رأسـه ليشرب ماء القوم بين الصرائم على ساعةٍ لو أن في القوم حاتماً على جوده ضنت به نفس حاتم أما قوله:" أجهشت" فهو التسرع، وما تراه في فحواه من مقاربة الشيء، يقال: أجهش بالبكاء. والغضون: التكسر قي الجلد، والجراضم: الأحمر الممتلئ. وقوله: ليشرب ماء القوم بين الصرائم فهي جمع صريمةٍ، وهي الرملة التي تنقطع من معظم الرمل، وقوله: " صريمة " يريد مصرومة، والصرم: القطع، وأتشد الأصمعي: فبات يقول أصبح ليل حتى تجلى على صريمته الظلام

يعني ثوراً، وصريمته: رملته التي هو فيها. وقال المفسرون في قول الله عز وجل:"فأصبحت كالصريم" القلم 20 قولين، قال قوم: كالليل المظلم، وقال قوم: كالنهار المضيء، أي بيضاء لا شيء فيها، فهو من الأضداد. ويقال: لك سواد الأرض وبياضها، أي عامرها وغامرها، فهذا ما يحتج به لأصحاب القول الأخير، ويحتج لأصحاب القول الأول في السواد بقول الله تبارك وتعالى :" فجعله غثاءً أحوى" الأعلى 5، وإنما سمي السواد سواداً لعمارته، وكل خضرةٍ عند العرب سواد، ويروى: على ساعةٍ لوأن في القوم حاتماً على جوده ما جاد بالماء حاتم جعل "حاتما" تبيناً للهاء في جوده، وهو الذي يسميه البصريون البدل، أراد: على جود حاتمٍ باب نبذ من أقوال الحكماء قال أبو العباس: كان يقال: إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم وكان يقال: أنعم الناس عيشاً من عاش غيره في عيشه. وقيل في المثل السائر: من كان في وطن فليوطن غيره وطنه، ليرتع في وطن غيره في غربته. قال : وأنتبه معاوية من رقدةٍ له، فأنبه عمرو بن العاص، فقال له عمرو: ما بقي من لذتك? قال : عينٌ خرارة في أرض خوارة، وعينٌ ساهرة لعينٌ نائمة، فما بقي من لذتك يا أبا عبد الله? قال : أن أبيت معرساً بعقيلة من عقائل العرب. ثم نبها وردان، فقال له معاوية: ما بقي من لذتك? فقال : الإفضال على الإخوان، فقال له معاوية : اسكت، أنا أحق بها منك، قال: قد أمكنك فافعل. ويروى أن عمراً لما سئل قال: أن أستتم بناء مدينتي بمصر، وأن وردان لما سئل قال: أن ألقى كريماً قادراً في عقب إحسانٍ كان مني إليه، وأن معاوية سئل عن الباقي من لذته فقال: محادثة الرجال ويروى عن عبد الملك أنه قال: وقد سئل عن الباقي من لذته فقال: محادثة الإخوان في الليالي القمر على الكثبان العفر. وقال سليمان بن عبد الملك: قد أكلنا الطيب، ولبسنا اللين، وركبنا الفاره، وأمتطينا العذراء، فلم يبق من لذتي إلا صديق أطرح بيني وبينه مؤونة التحفظ. وقال رجل لرجل من قريش: إني والله ما أمل الحديث، قال: أيمل العتيق? وقال المهلب بن أبي صفرة: العيش كله في الجليس الممتع. وقال معاوية: الدنيا بحذافيرها الخفض والدعة . وقال يزيد بن المهلب: ما يسرني أني كفيت أمر الدنيا كله، قيل له: ولم أيها الأمير? قال:أكره عادة العجز. ويروى عن بعض الصالحين أنه قال: لو أنزل الله كتاباً أنه معذب رجلاً واحداً لخفت أن أكونه، أو أنه راحمٌ رجلاً واحداً لرجوت أن أكونه، أو أنه معذبي لا محال ما ازددت إلا اجتهاداً لئلا أرجع على نفسي بلائمة . أدب عمر بن عبد العزيز ويروى أن عمر بن عبد العزيز كان يدخل إليه سالم مولى بني مخزوم وقالوا: بل زياد وكان عمر أراد شراءه وعتقه، فأعتقه مواليه، وكان عمر يسميه: أخي في الله، فكان إذا دخل وعمر في صدر مجلسه تنحى عن الصدر، فيقال له في ذلك فيقول: إذا دخل عليك من لا ترى لك عليه فضلاً فلا تأخذ عليه شرف المجلس، وهم السراج ليلة بأن يخمد، فوثب إليه رجاء بن حيوة ليصلحه، فأقسم عليه عمر فجلس، ثم قام عمر فأصلحه. فقال له رجاء: أتقوم يا أمير المؤمنين قال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" لا ترفعوني فوق قدري فتقول في ما قالت النصارى في المسيح، فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني رسولاً " ودخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في مرضته التي مات فيها، فقال: ألا توصي يا أمير المؤمنين? قال : فيم أوصي? فوالله إن لي من مال، فقال: هذه مائة ألف فمر فيها بما أحببت، فقال: أو تقبل? قال: نعم،قال. ترد على من أخذت منه ظلماً. فبكى مسلمة ثم قال: يرحمك الله لقد ألنت منا قلوباً قاسية، وأبقيت لنا في الصالحين ذكراً . بر علي بن الحسين بأمه وقيل لعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمهم الله: إنك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل مع أمك في صحفةٍ، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها. لعمر بن ذر في ابنه وقيل لعمر بن ذر حيث نظر إلى تعزيه عن إبنه كيف كان بره بك? فقال: ما مشيت بنهارٍ قط إلا مشى خلفي، ولا بليلٍ إلا مشى أمامي، ولا رقي سطحاً وأنا تحته.

لأبي المخش في ولده وقال أبو المخش: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة، فتبرز كفاً كأنها طلعة، في ذراعٍ كأنها جمارة، فلا تقع عينها على أكلة نفيسة إلا خصتني بها، فزوجتها، وصار يجلس معي على المائدة ابنٌ لي فيبرز كفاً كأنها كرنافة، في ذراعٍ كأنها كربة، فوالله إن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلاسبقت يده إليها. وقال الأصمعي: قيل لأبي المخش: أما كان لك ابنٌ? فقال: المخش، وما كان المخش? كان والله أشدق خرطمانياً إذا تكلم سال لعابه، كأنما ينظر من قلتين، وكأن ترقوته بوان أو خالفة، وكأن مشاش منكبيه كركرة جمل، فقأ الله عيني هاتين إن كنت رأيت بهما أحسن منه قبله ولا بعده. قوله:" بوان أو خالفة " فهما عمودان من عمد البيت، البوان في مقدمه والخالفة في مؤخره . والكرنافة : طرف الكربة العريض الذي يتصل بالنخلة كأنه كتف. حدثني بهذا الحديث العباس بن الفرج الرياشي عن الأصمعي، وحدثني عمن حدثه قال: مر بنا أعرابي ينشد إبناً له، فقلنا: صفه، فقال: دنينير، قلنا لم نره، فلم نلبث أن جاء بجعل على عنقه، فقلنا: لو سألت عن هذا لأرشدناك، ما زال منذ اليوم بين أيدينا. وأنشد منشد، وأنشدني الرياشي أحد البيتين: نعم ضجيع الفتى إذا برد الليل صحيراً وقرقف الـصـرد زينها الله في الفـؤاد كـمـا زين في عـين والـدٍ ولـد لأم ثواب الهزانية تصف عقوق ابنها وقالت أم ثواب الهزانية، من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، تعني ابنها: ربيته وهو مثل الفرخ أعظمه أم الطعام ترى في ريشه زغبا حتىإذا آض كالفحال شـذبـه أباره ونفى عن متنه الكربـا أنشا يخرق أثوابي ويضربنـي أبعد ستين عندي يبتغي الأدبـا إني لأبصر في ترجيل لمـتـه وخط لحيته في وجهه عجبـا قالت له عرسه يوماً لتسمعني: رفقاً فإن لنا في أمنـا أربـا ولو رأتني في نارٍ مسـعـرة من الجحيم لزادت فوقها حطبا قوله:" أباره "، فهو الذي يصلحه، يقال: أبرت النخل وأبرته خفيفة، إذا لقحته. خبر مالك بن العجلان مع أبي جبيلة ويرى أن مالك بن العجلان أو غيره من الأنصار كان يتحف أبا جبيلة الملك حيث نزل بهم بتمرٍ من نخلةٍ لهمشريفةٍ، فغاب يوماً، فقال أبو جبيلة: إن مالكاً كان يقوت علينا جنى هذه النخلة فجدوها، فجاء مالك وقد جدت فقال: من سعى على عذق الملك فجده، فأعلموه أن الملك أمر بذلك، فجاء حتى وقف عليه فقال: جددت جنى نخلتي ظالماً وكان الثمار لمن قد أبر فلما دخل النبي المدينة أطرفوه بهذا الحديث، فقال " الثمر لمن أبر، إلا أن يشترطه المشتري". والفحال فحال النخل: ولا يقال لشيء من الفحول فحال غيره. وأنشدني المازني: يطفن بفحالٍ كأن ضـبـابـه بطون الموالي يوم عيدٍ تغدت وضبابه: طلعه. وآض: عاد ورجع. وقولها:" شذبه" تقول: قطع عنه الكرب والعثاكيل وكل مشذب مقطوع ويقال للرجل الطويل النحيف: مشذب يشبه بالجذع المحذوف عنه الكرب وأصل التشذيب القطع وقال الفرزدق: عضت سيوف تميمٍ حين أغضبـهـا رأس ابن عجلى فأضحى رأسه شذباً أراد: عضت سيوف تميم رأس ابن عجلى حين أغضبها. وابن عجلى : عبد الله بن خازم السلمي وأمه عجلى وكانت سوداء وهو أحد غرباء العرب في الإسلام. للمهلب وقد سئل من أشجع الناس? وسئل المهلب من أشجع الناس فقال : عباد بن حصين، وعمر بن عبيد الله بن معمر، والمغيرة بن المهلب فقيل. فأين ابن الزبير وابن خازم وعمير بن الحباب فقال : إنما سئلت عن الإنس ولم أسأل عن الجن. باب من كلام عائشة روى شعبة عن واقد بن محمد، عن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: من أرضى الله بإسخاط الناس كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن أرضى الناس بإسخاط الله وكله الله إلى الناس ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته. بين الحسن بن زيد وا لي المدينة وابن هرمة ويروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة: إني لست كمن باع لك دينه رجاء مدحك أو خوف ذمك قد أفادني الله بولادة نبيه الممادح، وجنبني المقابح وإن من حقه علي ألا أغضي على تقصير في حقه وأنا أقسم بالله، لئن أتيت بك سكران لأضربنك حدين: حدا للخمر، وحدا للسكر وأزيدن، لموضع حرمتك بي. فليكن تركها لله تعن عليه ولا تدعها للناس فتوكل إليهم. فنهض ابن هرمة وهو يقول: نهاني ابن الرسول عن المـدام وأدبـنـي بـآداب الـكـرام وقال لي اصطبر عنها ودعها لخوف الله لا خـوف الأنـام وكيف تصبري عنها وحـبـي لها حب تمكن من عظامـي أرى طيب الحلال علي خبثـاً وطيب النفس في خبث الحرام من كلام مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي وقال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي: يا مطرف، عظ أصحابك فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل. فقال الحسن : يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه عن منكر. وقال مطرف بن عبد الله لابنه: يا عبد الله، العلم أفضل من العمل، والحسنة بين السيئتين وشر السير الحقحقة. قوله:" الحسنة بين السيئتين".، يقول: الحق بين فعل المقصر والغالي. ومن كلامهم: خير الأمور أوسطها. قوله:" وشر السير الحقحقة" وهو أن يستفرغ المسافر جهد ظهره فيقطعه، فيهلك ظهره، ولا يبلغ حاجته. يقال: حقحق السير إذا فعل ذلك . وقال الراجز: وأنبت فعل السائر المحقحق وحدثت أن الحسن نفى سابق الحاج وقد أسرع، فجعل يومىء إليه بإصبعه فعل الغازلة وهو يقول:" خرقاء وجدت صوفاً". وهذا مثل من أمثال العرب يضربونه للرجل الأحمق الذي يجد مالاً كثيراً فيعيث فيه وشبيه بهذا المثل قوله:" عبد وخلى في يديه". ويروى عن رسول الله أنه قال:" إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهراً أبقى". قوله:" متين"، المتين الشديد، قال الله عز وجل:" وأنلى لهم إن كيدى متين" الأعراف: 183. وقوله:" فأوغل فيه برفق"، يقول: ادخل فيه، هذا أصل الوغول، ويقال مشتقاً من هذا الرجل الذي يأتي شراب القوم من غير أن يدعى إليه: واغل، ومعناه أنه وغل في القوم وليس منهم، قال امرؤ القيس: حلت لي الخمر وكنت امرأ عن شربها في شغل شاغل فاليوم أسقى غير مستحقب إثماً من اللـه ولا واغـل والمنبت: مثل المحقحق، واشتقاقه من الانقطاع، يقال: انبت فلان من فلان أي انقطع منه، وبت الله ما بينهم، أي قطع، قال محمد بن نمير: تواعد للبين الخـلـيط لـينـبـتـوا وقالوا لراعي الذود: موعدك السبت وفي النفس حاجات إليهـم كـثـيرة وموعدها في السبت لو قد دنا الوقت ويروى: ألا قرب الحي الجمال لينبتوا وحدثت أن ابن السماك كان يقول: إذا فعلت الحسنة فافرح بها واستقللها فإنك إذا استقللتها زدت عليها، وإذا فرحت بها عدت إليها. ويروى عن أويسٍ القرني أنه قال: إن حقوق الله لم تترك عند مسلم درهماًٍ. باب يزيد بن هبيرة ينصح المنصور ودخل يزيد بن عمر بن هبيرة على أمير المؤمنين المنصور فقال: يا أمير المؤمنين، توسع توسعاً قرشياً، ولا تضق ضيقاً حجازياً. ويروى أنه دخل عليه يوماً فقال له المنصور: حدثنا، فقال : يا أمير المؤمنين، إن سلطانكم حديث، وإمارتكم جديدة، فأذيقوا الناس حلاوة عدلها، وجنبوهم مرارة جورها. فوالله ياأمير المؤمنين لقد محضت لك النصيحة. ثم نهض معه سبعمائة من قيس، فأتأره المنصور بصره، ثم قال: لا يعز ملك يكون فيه مثل هذا. قوله:" محضت لك النصيحة" يقول: أخلصت لك، وأصل هذا من اللبن، والمحض منه: الخالص الذي لا يشوبه شيء، وأنشد الأصمعي: امتحضا وسقياني ضيحـا وقد كفيت صاحبي الميحا ويقال: حسب محض. وقوله:" أتاره بصره" يقول: أتبعه بصره، وحدد إليه النظر، وأنشد الأصمعي: مازلت أرمقهم والآل يرفعـهـم حتى اسمدر بطرف العين إتآري لأسماء بن خارجة في كرم الخلق ويروى عن أسماء بن خارجة أنه قال: لا أشاتم رجلاً، ولا أرد سائلاً، فإنما هو كريم أسد خلته، أو لئيم أشتري عرضي منه. للأحنف بن قيس ويروى عن الأحنف بن قيس أنه قال: وما شاتمت رجلاً، ولا زحمت ركبتاي ركبتيه، وإذا لم أصل مجتدي حتى ينتح جبينه عرقاً كما ينتح الحميت، فو الله ما وصلته . قوله:" مجتدي " يريد الذي يأتيه يطلب فضله، يقال: اجتده يجتديه، واعتفاه يعتفيه، واعتراه يعتريه، واعتره يعتره، وعراه يعروه: إذا قصده يتعرض لنائله. وأصل ذلك مأخوذ من الجدا مقصور، وهو المطر العام النافع، يقال: أصابتنا مطرة كانت جداً على الأرض، فهذا الاسم، فإذا أردت المصدر، قلت: فلان كثير الجداء، ممدودة، كما تقول: كثير الغناء عنك، ممدودة، هذا المصدر، فإذا أردت الاسم الذي هو خلاف الفقر قلت: الغنى بكسر أوله وقصرت. قال خفاف بن ندبة يمدح أبا بكر الصديق رضي الله عنه: ليس لشيء غير تقوى جـداء وكل شيء عمره للـفـنـاء إن أبا بكر هـو الـغـيث إذ لم تشمل الأرض سحاب بماء تالـلــه لا يدرك أيامـــه ذو طرةٍ حاف ولا ذو حـذاء من يسع كـي يدرك أيامـه يجتهد الشد بأرضٍ فـضـاء وهذا من طريف الشعر لأنه ممدود فهو بالمد الذي فيه من عروض السريع الأولى، وبيته في العروض: أزمان سلمى لا يرى مثلها الرا ؤون في شام ولا في عـراق ثم نرجع إلى تأويل قول الأحنف. قوله:" حتى ينتح جبينه عرقاً، فهو مثل الرشح. وحدثني أبو عثمان المازني في إسناد له ذكره قال: قال رؤبة بن العجاج: خرجت مع أبي نريد سليمان بن عبد الملك، فلما صرنا في الطريق أهدي لنا جنب من لحم عليه كرافىء الشحم، وخريطة من كمأة، ووطب من لبن، فطبخنا هذا بهذا، فما زالت ذفرياي تنتحان منه إلى أن رجعت. وقوله :" الحميت"، فالحميت والزق، اسمان له، وإذا زفت أو كان مربوباً الوطب، وإذا لم يكن مربوباً ولا مزفتاً فهو سقاء ونحي، و الوطب يكون للبن والسمن، و السقاء يكون للبن والماء. قالت هند بنت عتبة لأبي سفيان بن حرب لما رجع مسلماً من عند النبي إلى مكة في ليلة الفتح، فصاح: يامعشر قريش، ألا إني قد أسلمت فأسلموا، فإن محمداً قد أتاكم بما لا قبل لكم به فأخذت هند برأسه، وقالت : بئس طليعة القوم أنت والله ما خدشت خدشاً، يا أهل مكة، عليكم الحميت الدسم فاقتلوه. وأما قول رؤبة:" كرافىء الشحم"، يريد طبقات الشحم. وأصل ذلك في السحاب إذا ركب بعضه بعضاً، يقال له: كرفئ، والجميع كرافىء . قال أبو الحسن الأخفش: واحد الكرافىء كرفئة، وهاء التأنيث إذا جمعت جمع التكسير حذفت لأنها زائدة بمنزلة اسم ضم إلى اسم وأحسب أن أبا العباس لم يسمع الواحد من هذا فقاسه، والعرب تجترىء على حذف هاء التأنيث إذا احتاجت إلى ذلك، وليس هذا موضع حاجة إذا كانت قد استعملت الواحدة بالهاء، ونظير هذا قولهم: ما في السماء كرفئة، وما في السماء قذعملة وقذعميلة، وما في السماء طحربة وطحربة، وما في السماء قر طعبة، وما في السماء كنهورة، وهي القطعة من السحاب العظيمة كالجبل وما أشبه.