الكتاب الأخضر/الفصل الثالث/القبيلة



القبيلة هي الأسرة بعد أن كبرت نتيجة التوالد..إذن القبيلة هي أسرة كبيرة . والأمة هي القبيلة بعد أن كبرت نتيجة التوالد .. إذن الأمة هي قبيلة كبيرة. والعالم هو الأمة بعد أن تشعبت إلى أمم نتيجة التكاثر . إذن العالم هو أمة كبيرة. إن العلاقة التي تربط الأسرة هي التي تربط القبيلة وهي التي تربط الأمة ، وهي التي تربط العالم إلا أنها تفتر كلما كثر العدد . فالإنسانية هي القومية. والقومية هي القبلية، والقبلية هي الرابطة الأسرية ، إلا أن درجة حرارتها تبرد من المستوى الصغير إلى المستوى الكبير. هذه حقيقة اجتماعية لا ينكرها إلا الذي يجهلها . إذن، الرابطة الاجتماعية والتماسك والوحدة ،والألفة والمحبة أقوى على مستوى الأسرة منه على مستوى القبيلة ، وأقوى على مستوى القبيلة منه على مستوى الأمةوأقوى على مستوى الأمة منه على مستوى العالم . إن المنافع والمزايا والقيم والمثل العليا المترتبة على تلك الروابط الاجتماعية توجد حيث تكون درجة هذه الروابط قوية بطبيعة الحال ودون شك كبديهية، أي أنها أقوى على مستوى الأسرة من مستوى القبيلة ، وأقوى على مستوى القبيلة منها على مستوى الأمة ، وعلى مستوى الأمة منها على مستوى العالم. وهكذا تتلاشى أو تفقد تلك الروابط الاجتماعية والمنافع والمزايا والمثل المترتبة عليها كلما تلاشت أو فقدت الأسرة والقبيلة والأمة والإنسانية. ولذا من المهم جداً للمجتمع الإنساني أَن يحافـظ علـى التمـاسك الأسري والقبلي والقومي والأممي ليستفيد من المنافع والمزايا والقيم والمثل التي يوفرها الترابط والتماسك والوحدة والألفة والمحبة الأسرية والقبلية والقومية والإنسانية. فالمجتمع الأسري أفضل اجتماعياً من المجتمع القبلي. والمجتمع القبلي أفضل اجتماعياً من المجتمع القومي … والمجتمع القومي أفضل من المجتمع الأممي من حيث الترابط والتراحم والتضامن والمنفعة. فوائد القبيلة: من حيث كون القبيلة أسرة كبيرة ، إذن هي توفر لأفرادها ما توفره الأسرة لأفرادها أيضاً من منافع مادية ومزايا اجتماعية . فالقبيلة هي أسرة من الدرجة الثانية . والجدير بالتأكيد هو أن الفرد قد يسلك أحياناً سلوكاً مشيناً لا يستطيعه أمام الأسرة ، ولكـن نظـراً لصغر حجمـها فهو لا يحس برقابتها ، على عكس القبيلة التي لا يشعر أفرادها أنهم في حرية من مراقبتها. وبنـاء على هذه الاعـتبـارات كـونت القبيلة سلوكاً لأفرادها يتحول إلى تربية اجتماعية أفضل وأنبل من أي تربية مدرسية … والقبيلة مدرسة اجتماعية ينشأ أفرادها منذ الطفولة على تشرب مثل عليا تتحول إلى سلوك حياة تترسخ تلقائياً كلما كبر الإنسان ، على عكس التربية والعلوم التي يتم تلقينها رسمياً والتي تتلاشى تدريجياً كلما كبر الفرد لأنها رسمية ولأنها إجبارية ، ولأن الفرد يعى أنها ملقنة له. والقبيلة مظلة اجتماعية طبيعية للضمان الاجتماعي ، فهي توفر لأفرادها بحكم التقاليـد القبليـة الاجتماعيـة ديـة جماعية وغرامة جماعية وثأراً جماعياً ودفاعاً جماعياً ، أي حماية اجتماعية … إن الدم هو الأصل في تكوين القبيلة ، ولكنها لا تتوقف عليه هو فقط , فالانتماء هو أيضاً من مكونات القبيلة. وبمرور الزمن تتلاشى الفروق بين مكونات الدم ومكونات الانتماء ، وتبقى القبيلة وحدة اجتماعية ومادية واحدة، ولكنها وحدة دم وأصل أكثر من أي تكوين آخر .