الكتاب (سيبويه)/الجزء الخامس


باب إعراب الأفعال المضارعة للأسماء

اعلم أنّ هذه الأفعال لها حروف تعمل فيها فتنصبها لا تعمل في الأسماء كما أنّ حروف الأسماء التي تنصبها لا تعمل في الأفعال وهي: أن وذلك قولك: أريد أن تفعل. وكي وذلك جئتك لكي تفعل ولن. فأمّا الخليل فزعم أنّها لا أن ولكنّهم حذفوا لكثرته في كلامهم كما قالوا: ويلمّه يريدون وى لأمّه وكما قالوا يومئذ وجعلت بمنزلة حرف واحد كما جعلوا هلاّ بمنزلة حرف واحد فإنّما هي هل ولا. وأمّا غيره فزعم أنّه ليس في لن زيادة وليست من كلمتين ولكنّها بمنزلة شئ على حرفين ليست فيه زيادة وأنّها في حروف النصب بمنزلة لم في حروف الجزم في أنه ليس واحد من الحرفين زائداً. ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أمّا زيداً فلن أضرب لأنّ هذا اسم والفعل صلة

باب الحروف التي تضمر فيها أن

وذلك اللام التي في قولك: جئتك لتفعل. وحتّى وذلك قولك: حتى تفعل ذاك فإنما انتصب هذا بأن وأن ههنا مضمرة ولو لم تضمرها لكان الكلام محالاً لأنّ اللام وحتّى إنّما يعملان في الأسماء فيجرّان وليستا من الحروف التي تضاف إلى الأفعال. فإذا أضمرت أن حسن الكلام لأنّ أن وتفعل بمنزلة اسم واحد كما أن الّذي وصلته بمنزلة اسم واحد فإذا قلت: هو الذي فعل فكأنك قلت: هو الفاعل وإذا قلت: أخشى أن تفعل فكأنك قلت: أخشى فعلك. أفلا ترى أنّ أن تفعل بمنزلة الفعل فلّما أضمرت أن كنت قد وضعت هذين الحرفين مواضعهما لأنهما لا يعملان إّلا في الأسماء ولا يضافان إّلا إليهما وأن وتفعل بمنزلة الفعل. وبعض العرب يجعل كي بمنزلة حتّى وذلك أنّهم يقولون: كيمه في الاستفهام فيعملونها في الأسماء كما قالوا حتى مه. وحتّى متى ولمه. فمن قال كيمه فإنّه يضمر أن بعدها وأمّا من أدخل عليها اللام ولم يكن من كلامه كيمه فإنّها عنده بمنزلة أن وتدخل عليها اللام كما تدخل على أن. ومن قال كيمه جعلها بمنزلة اللام. واعلم أنّ لا تظهر بعد حتّى وكي كما لا يظهر بعد أمّا الفعل في قولك: أمّا أنت منطلقاً انطلقت وقد ذكر حالها فيما مضى. واكتفوا عن إظهار أن بعدهما بعلم المخاطب أنّ هذين الحرفين لا يضافان إلى فعل وأنّهما ليسا مما يعمل في الفعل وأنّ الفعل لا يحسن بعدهما إلاّ أن يحمل على أن فأن ههنا بمنزلة الفعل في أمّا وما كان بمنزلة أمّا مما لا يظهر بعده الفعل فصار عندهم بدلاً من اللفظ بأن. وأمّا اللام في قولك: جئتك لتفعل فبمنزلة إن في قولك: إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ إن شئت أظهرت الفعل ههنا وإن شئت خزلته وأضمرته. وكذلك أن بعد اللام إن شئت أظهرته وإن شئت أضمرته. واعلم أنّ اللام قد تجئ في موضع لا يجوز فيه الإظهار وذلك: ما كان ليفعل فصارت أن ههنا بمنزلة الفعل في قولك: إيّاك وزيداً وكأنك إذا مثّلت قلت: ما كان زيد لأن يفعل أي ما كان زيد لهذا الفعل. فهذا بمنزلته ودخل فيه معنى نفى كان سيفعل. فإذا قلت هذا قلت: ما كان ليفعل كما كان لن يفعل نفياً لسيفعل. وصارت بدلاً من اللفظ بأن كما كانت ألف الاستفهام بدلاً من واو القسم في قولك: آلله لتفعلنّ. فلم تذكر إّلا أحد الحرفين إذ كان نفياً لما معه حرف لم يعمل فيه شئ ليضارعه فكأنّه قد ذكر أن. كما أنّه إذا قال: سقياً له فكأنه قال: سقاه الله.

باب ما يعمل في الأفعال فيجزمها

وذلك: لم ولمّا واللام التي في الأمر وذلك قولك: ليفعل ولا في النهي وذلك قولك لا تفعل فإنّما هما بمنزلة لم. واعلم أنّ هذه اللام ولا في الدعاء بمنزلتهما في الأمر والنهي وذلك قولك: لا يقطع الله يمنيك وليجزك الله خيراً. واعلم أنّ هذه اللام قد يجوز حذفها في الشعر وتعمل مضمرة كأنهم شبّهوها بأن إذا أعملوها مضمرة. وقال الشاعر: محمّد تفد نفسك كلّ نفس ** إذا ما خفت من شئ تبالا وإنّما أراد: لتفد. وقال متمّم بن نويرة: على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى أراد: ليبك. وقال أحيحة بن الجلاح: فمن نال الغنى فليصطنعه صنيعته ويجهد كلّ جهد واعلم أنّ حروف الجزم لا تجزم إّلا الأفعال ولا يكون الجزم إلا في هذه الأفعال المضارعة والجزم في الأفعال نظير الجرّ في الأسماء فليس للاسم في الجزم نصيب وليس للفعل في الجرّ نصيب فمن ثمّ لم يضمروا الجازم كما لم يضمروا الجارّ. وقد أضمره الشاعر شبهّه بإضمارهم ربّ وواو القسم في كلام بعضهم.

باب وجه دخول الرفع في هذه الأفعال المضارعة للأسماء

اعلم أنّها إذا كانت في موضع اسم مبتدإ أو موضع اسم بني على مبتدإ أو في موضع اسم مرفوع غير مبتدإ ولا مبنيّ على مبتدإ أو في موضع اسم مجرور أو منصوب فإنّها مرتفعة وكينونتها في هذه المواضع ألزمتها الرفع وهي سبب دخول الرفع فيها. وعلّته: أنّ ما عمل في الأسماء لم يعمل في هذه الأفعال على حدّ عمله في الأسماء كما أنّ ما يعمل في الأفعال فينصبها أو يجزمها لا يعمل في الأسماء. وكينونتها في موضع الأسماء ترفعها كما يرفع الاسم كينونته مبتدأ. فأمّا ما كان في موضع المبتدإ فقولك: يقول زيد ذاك. وأمّا ما كان في موضع المبنيّ على المبتدإ فقولك: زيد يقول ذاك. وأمّا ما كان في موضع غير المبتدإ ولا المبنيّ عليه فقولك: مررت برجل يقول ذاك وهذا يوم آتيك وهذا زيد يقول ذاك وهذا رجل يقول ذاك وحسبته ينطلق. فهكذا هذا وما أشبهه. ومن ذلك أيضاً: هلاّ يقول زيد ذاك فيقول في موضع ابتداء وهلاّ لا تعمل في اسم ولا فعل فكأنّك قلت: يقول زيد ذاك. إلاّ أنّ من الحروف ما لا يدخل إلاّ على الأفعال التي في موضع الأسماء المبتدأة وتكون الأفعال أولى من الأسماء حتّى لا يكون بعدها مذكور يليها إلاّ الأفعال. وسنبّين ذلك إن شاء الله وقد بيّن فيما مضى. ومن ذلك أيضاً ائتني بعد ما تفرغ فما وتفرغ بمنزلة الفراغ وتفرغ صلة وهي مبتدأة وهي بمنزلتها في الذي إذا قلت بعد الذي تفرغ فتفرغ في موضع مبتدإ لأنّ الذي لا يعمل في شئ والأسماء بعده مبتدأة. ومن زعم أنّ الأفعال ترتفع بالابتداء فإنه ينبغي له أن ينصبها إذا كانت في موضع ينتصب فيه الاسم ويجرّها إذا كانت في موضع ينجرّ فيه الاسم ولكنّها ترتفع بكينونتها في موضع الاسم. ومن ذلك أيضاً: كدت أفعل ذاك وكدت تفرغ فكدت فعلت وفعلت لا ينصب الأفعال ولا يجزمها وأفعل ههنا بمنزلة في كنت إلاّ أنّ الأسماء لا تستعمل في كدت وما أشبهها. ومثل ذلك: عسى يفعل ذاك فصارت كدت ونحوها بمنزلة كنت عندهم كأنّك قلت: كدت فاعلاً ثم وضعت أفعل في موضع فاعل. ونظير هذا في العربيّة كثير وستراه إن شاء الله تعالى. ألا ترى أنّك تقول: بلغني أنّ زيداً جاء فأنّ زيداً جاء كلّه اسم. وتقول: لو أنّ زيداً جاء لكان كذا وكذا فمعناه: لو مجيء زيد ولا يقال لو مجيء زيد. وتقول في التعجّب: ما أحسن زيداً ولا يكون الاسم في موضع فتقول: ما محسن زيداً. ومنه: قد جعل يقول ذاك كأنّك قلت: صار يقول ذاك فهذا وجه دخول الرفع في الأفعال المضارعة للأسماء. وكأنّهم إنّما منعهم أن يستعملوا في كدت وعسيت الأسماء أنّ معناها ومعنى غيرها معنى ما تدخله أن نحو قولهم: خليق أن يقول ذاك وقارب أن لا يفعل. ألا ترى أنّهم يقولون: عسى أن يفعل. ويضطر الشاعر فيقول: كدت أن فلّما كان المعنى فيهنّ ذلك تركوا الأسماء لئلاّ يكون ما هذا معناه كغيره وأجروا اللفظ كما أجروه في كنت لأنّه فعل مثله. وكدت أن أفعل لا يجوز إلاّ في شعر لأنّه مثل كان في قولك: كان فاعلاً ويكون فاعلاً. وكأنّ معنى جعل يقول وأخذ يقول قد آثر أن يقول ونحوه. ثمن ثمّ منع الأسماء لأنّ معناها معنى ما يستعمل بأن فتركوا الفعل حين خزلوا أن ولم يستعملوا الاسم لئلاّ ينقضوا هذا المعنى.

هذا باب إذن

اعلم أنّ إذن إذا كانت جواباً وكانت مبتدأة عملت في الفعل عمل رأى في الاسم إذا كانت مبتدأة. وذلك قولك: إذن أجيئك و إذن آتيك. ومن ذلك أيضاً قولك: إذن والله أجيئك. والقسم ههنا بمنزلته في أرى إذا قلت: أرى والله زيداً فاعلاً. ولا تفصل بين شئ مما ينصب الفعل وبين الفعل سوى إذن لأنّ إذن أشبهت أرى فهي في الأفعال بمنزلة أرى في الأسماء وهي تلغى وتقدّم وتؤخّر فلمّا تصرّفت هذا التصرّف اجتروا على أن يفصلوا بينها وبين الفعل باليمين. ولم يفصلوا بين أن وأخواتها وبين الفعل كراهية أن يشبّهوها بما يعمل في الأسماء نحو ضربت وقتلت لأنّها لا تصرّف تصرّف الأفعال نحو ضربت وقتلت ولا تكون إلاّ في أوّل الكلام لاؤمة لموضعها لا تفارقه فكرهوا الفصل لذلك لأنّه حرف جامد. واعلم أنّ إذن إذا كانت بين الفاء والواو وبين الفعل فإنّك فيها بالخيار: إن شئت أعملتها كإعمالك أرى وحسبت إذا كانت واحدة منهما بين اسمين وذلك قولك: زيداً حسبت أخاك وإن شئت ألغيت إذن كإلغائك حسبت إذا قلت زيد حسبت أخوك. فأما الاستعمال فقولك: فإذن آتيك وإذن أكرمك. وبلغنا أنّ هذا الحرف في بعض المصاحف: " وإذن لا يلبثوا خلفك إلاّ قليلاً ". وسمعنا بعض العرب قرأها فقال: " وإذن لا يلبثوا ". وأمّا الإلغاء فقولك: فإذن لا أجيئك. وقال تعالى: " فإذن لا يؤتون الناس نقيراً ". واعلم أنّ إذن إذا كانت بين الفعل وبين شئ الفعل معتمد عليه فإنّها ملغاة لا تنصب البّتة كما لا تنصب أرى إذا كانت بين الفعل والاسم في قولك: كان أرى زيد ذاهباً وكما لا تعمل في قولك: إنّي أرى ذاهب. فإذن لا تصل في ذا الموضع إلى أن تنصب كما لا تصل أرى هنا إلى أن تنصب. فهذا تفسير الخليل. وذلك قولك: أنا إذن آتيك فهي ههنا بمنزلة أرى حيت لا تكون إلاّ ملغاة. ومن ذلك أيضاً قولك: إن تأتني إذن آتك لأنّ الفعل ههنا معتمد على ما قبل إذن. وليس هذا كقول ابن عنمة الضّبّيّ: اردد حمارك لا تنزع سويّته إذن يردّ وقيد العير مكروب من قبل أنّ هذا منقطع من الكلام الأوّل وليس معتمداً على ما قبله لأنّ ما قبله مستغن. ومن ذلك أيضاً: والله إذن لا أفعل من قبل أنّ أفعل معتمد على اليمين وإذن لغو. وليس الكلام ههنا بمنزلته إذا كانت إذن في أوّله لأنّ اليمين ههنا الغالبة. ألا ترى أنّك تقول إذا ولو قلت: والله إذن أفعل تريد أن تخبر أنّك فاعل لم يجز كما لم يجز والله أذهب إذن إذا أخبرت أنك فاعل. فقبح هذا يدلّك على أنّ الكلام معتمد على اليمين. وقال كثيّرة عزّة: لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها وأمكنني منها إذن لا أقيلها وتقول: إن تأتني آتك وإذن أكرمك إذا جعلت الكلام على أوّله ولم تقطعه وعطفته على الأوّل. وإن جعلته مستقبلاً نصبت وإن شئت رفعته على قول من ألغى. وهذا قول يونس وهو حسن لأنّك إذا قطعته من الأوّل فهو بمنزلة قولك: فإذن أفعل إذا كنت مجيباً رجلاً. وتقول: إذن عبد الله يقول ذاك لا يكون إلاّ هذا من قبل أنّ إذن الآن بمنزلة إنّما وهل كأنك قلت: إنّما عبد الله يقول ذاك. ولو جعلت إذن ههنا بمنزلة كي وأن لم يحسن من قبل أنّه لا يجوز لك أن تقول: كي زيد يقول ذاك ولا أن زيد يقول ذاك. فلمّا قبح ذلك جعلت بمنزلة هل وكأنّما وأشباههما. وزعم عيسى بن عمر أنّ ناساً من العرب يقولون: إذن أفعل ذاك في الجواب. فأخبرت يونس بذلك فقال: لا تبعدنّ ذا. ولم يكن ليروي إلاّ ما سمع جعلوها بمنزلة هل وبل. وتقول إذا حدّثت بالحديث: إذن أظنّه فاعلاً وإذن إخالك كاذباً وذلك لأنك تخبر أنّك تلك الساعة في حال ظنّ وخيلة فخرجت من باب أن وكي لأنّ الفعل بعدهما غير واقع وليس في ولو قلت: إذن أظنّك تريد أن تخبره أنّ ظنّك سيقع لنصبت وكذلك إذن يضربك إذا أخبرت أنّه في حال ضرب لم ينقطع. وقد ذكر لي بعضهم أنّ الخليل قال: أن مضمرة بعد إذن. ولو كانت مما يضمر بعده أن فكانت بمنزلة اللام وحتّى لأضمرتها إذا قلت عبد الله إذن يأتيك فكان ينبغي أن تنصب إذن يأتيك لأن المعنى واحد ولم يغيّر فيه المعنى الذي كان في قوله: إذن يأتيك عبد الله كما يتغيّر المعنى في حتّى في الرفع والنصب. فهذا مارووا. وأمّا ما سمعت منه فالأوّل.

هذا باب حتّى

اعلم أنّ تنصب على وجهين: فأحدهما: أن تجعل الدخول غاية لمسيرك وذلك قولك: سرت حتّى أدخلها كأنك قلت: سرت إلى أن أدخلها فالناصب للفعل ههنا هو الجارّ للاسم إذا كان غاية. فالفعل إذا كان غاية نصب والاسم إذا كان غاية جرّ. وهذا قول الخليل. وأمّا الوجه الآخر فأن يكون السّير قد كان والدخول لم يكن وذلك إذا جاءت مثل كي التي فيها إضمار أن وفي معناها وذلك قولك: كلّمته حتّى يأمر لي بشيء. تقول: سرت حتّى أدخلها تعني أنّه كان دخول متّصل بالسير كاتّصاله به بالفاء إذا قلت: سرت فأدخلها فأدخلها ههنا على قولك: هو يدخل وهو يضرب إذا كنت تخبر أنّه في عمله وأنّ عمله لم ينقطع. فإذا قال حتّى أدخلها فكأنه يقول: سرت فإذا أنا في حال دخول فالدخول متّصل بالسير كاتّصاله بالفاء. فحتّى صارت ههنا بمنزلة إذا وما أشبهها من حروف الإبتداء لأنّها لم تجئ على معنى إلى أن ولا معنى كي فخرجت من حروف النّصب كما خرجت إذن منها في قولك: إذن أظنّك. وأمّا الوجه الآخر: فإنه يكون السّير قد كان وما أشبهه ويكون الدخول وما أشبهه الآن فمن ذلك: لقد سرت حتّى أدخلها ما أمنع أي حتّى أنّي الآن أدخلها كيفما شئت. ومثل ذلك قول الرجل: لقد رأى منّي عاماً أوّل شيئاً حتّى لا أستطيع أن أكلّمه العام بشيء ولقد مرض حتّى لا يرجونه. والرفع ههنا في الوجهين جميعاً كالرفع في الاسم. قال الفرزدق: فيا عجباً حتّى كليب تسبّني كأنّ أباها نهشل أو مجاشع فحتّى ههنا بمنزلة إذا وإنما هي ههنا كحرف من حروف الابتداء. ومثل ذلك: شربت حتى يجئ البعير يجرّ بطنه أي حتّى إنّ البعير ليجئ يجرّ بطنه. ويدلّك على حتّى أنها حرف من حروف الابتداء أنّك تقول: حتّى إنّه ليفعل ذاك كما تقول: فإذا يغشون حتّى لا تهرّ كلابهم لا يسألون عن السّواد المقبل ومثل ذلك: مرض حتّى يمرّ به الطائر فيرحمه وسرت حتّى يعلم الله أنّي كالّ. والفعل ههنا منقطع من الأوّل وهو في الوجه الأوّل الذي ارتفع فيه متّصل كاتّصاله به بالفاء كأنه قال سير فدخول كما قال علقمة ابن عبدة: ترادي على دمن الحياض فإن تعف فإنّ المندّى رحلة فركوب لم يجعل ركوبه الآن ورحلته فيما مضى ولم يجعل الدخول الآن وسيره فيما مضى ولكنّ الآخر متّصل بالأوّل ولم يقع واحد دون الآخر. وإذا قلت: لقد ضرب أمس حتّى لا يستطيع أن يتحرّك اليوم فليس كقولك: سرت فأدخلها إذا لم ترد أن تجعل الدخول الساعة لأنّ السير والدخول جميعاً وقعاً فيما مضى. وكذلك مرض حتّى لا يرجونه أي حتّى إنّه الآن لا يرجونه فهذا ليس متّصلاً بالأوّل واقعاً معه فيما مضى. وليس قولنا كاتّصال الفاء يعني أنّ معناه معنى الفاء ولكنك أردت أن تخبر أنه متّصل بالأوّل وأنهما وقعا فيما مضى. وليس بين حتّى في الاتّصال وبينه في الانفصال فرق في أنه بمنزلة حرف الابتداء وأنّ المعنى واحد إلاّ أنّ أحد الموضعين الدخول فيه متّصل بالسّير وقد مضى السير والدخول والآخر منفصل وهو الآن في حال الدخول وإنّما اتّصاله في أنّه كان فيما مضى وإلاّ فإنه ليس بفارق موضعه الآخر في شئ إذا رفعت.

باب الرفع فيما اتّصل بالأوّل كاتّصاله بالفاء

وما انتصب لأنّه غاية تقول: سرت حتّى أدخلها وقد سرت حتّى أدخلها سواء وكذلك إنّي سرت حتّى أدخلها فيما زعم الخليل. فإن جعلت الدخول في كلّ ذا غاية نصبت وتقول: رأيت عبد الله سار حتّى يدخلها وأرى زيداً سار حتى يدخلها ومن زعم أن النصب يكون في ذا لأن المتكلم غير متيقن فإنه يدخل عليه سار زيد حتى يدخلها فيما بلغني ولا أدري ويدخل عليه عبد الله سار حتّى يدخلها أرى. فإن قال: فإني لم أعمل أرى فهو يزعم أنه ينصب بأرى الفعل. وإن جعلت الدخول غاية نصبت في ذا كلّه. وتقول: كنت سرت حتّى أدخلها إذا لم تجعل الدخول غاية. وليس بين كنت سرت وبين سرت مرّة في الزمان الأوّل حتّى أدخلها شئ وإنّما ذا قول كان النحويّون يقولونه ويأخذونه بوجه ضعيف. يقولون: إذا لم يجز القلب نصبنا فيدخل عليهم قد سرت حتى أدخلها أن ينصبوا وليس في الدنيا عربيّ يرفع سرت حتّى أدخلها إلاّ وهو يرفع إذا قال: قد سرت. وتقول: إنّما سرت حتّى أدخلها وحتّى أدخلها إن جعلت الدخول غاية. وكذلك ما سرت إلاّ قليلاً حتّى أدخلها إن شئت رفعت وإن شئت نصبت لأنّ معنى هذا معنى سرت قليلاً حتّى أدخلها فإن جعلت الدخول غاية نصبت. ومما يكون فيه الرفع شئ ينصبه بعض الناس لقبح القلب وذلك: ربّما سرت حتّى أدخلها وطالما سرت حتّى أدخلها وكثر ما سرت حتّى أدخلها ونحو هذا. فإن احتجّوا بأنه غير سير واحد فكيف يقولون إذا قلت: سرت غير مرّة حتّى أدخلها. وسألنا من يرفع في قوله: سرت حتّى أدخلها فرفع في ربّما ولكنّهم اعتزموا على النصب في ذا كما اعتزموا عليه في قد. وتقول: ما أحسن ما سرت حتّى أدخلها وقلّما سرت حتّى أدخلها إذا أردت أن تخبر أنّك سرت قليلاً وعنيت سيراً واحداً وإن شئت نصبت على الغاية. وتقول: قلّما سرت حتّى أدخلها إذا عنيت سيراً واحداً أو عنيت غير سير لأنّك قد تنفي الكثير من السير الواحد كما تنفيه من غير سير. وتقول: قلّما سرت حتّى أدخلها إذا عنيت غير سير وكذلك أقلّ ما سرت حتّى أدخلها من قبل أنّ قلّما نفي لقوله كثر ما كما أنّ ما سرت نفي لقوله سرت. ألا ترى أنّه قبيح أن تقول: قلّما سرت فأدخلها كما يقبح في ما سرت إذا أردت معنى فإذا أنا أدخل. وتقول: قلّما سرت فأدخلها فتنصب بالفاء ههنا كما تنصب في ما ولا يكون كثر ما سرت فأدخلها لأنّه واجب ويحسن أن تقول: كثر ما سرت فإذا أنا أدخل. وتقول: إنما سرت حتّى أدخلها إذا كنت محتقراً لسيرك الذي أدّى إلى الدخول ويقبح إنّما سرت حتّى أدخلها لأنه ليس في هذا اللفظ دليل على انقطاع السّير كما يكون في النصب يعني إذا احتقر السير لأنّك لا تجعله سيراً يؤدّي الدخول وأنت تستصغره وهذا قول الخليل. وتقول: كان سيري أمس حتّى أدخلها ليس إلاّ لأنّك لو قلت: كان سيري أمس فإذا أنا أدخلها لم يجز لأنك لم تجعل لكان خبراً. وتقول: كان سيري أمس سيراً متعباً حتّى أدخلها لأنك تقول: ههنا فأدخلها وفإذا أنا أدخلها لأنك جئت لكان بخبر وهو قولك: سيراً متعباً. واعلم أنّ ما بعد حتّى لا يشرك الفعل الذي قبل حتى في موضعه كشركة الفعل الآخر الأوّل إذا قلت: لم أجئ فأقل ولو كان ذلك لاستحال كان سيري أمس شديداً حتّى أدخل ولكنها تجئ كما تجئ ما بعد إذا وبعد حروف الابتداء. وكذلك هي أيضاً بعد الفاء إذا قلت: ما أحسن ما سرت فأدخلها لأنّها منفصلة يعني الفاء فإنما عنينا بقولنا الآخر متّصل بالأوّل أنّهما وقعا فيما مضى كما أنه إذا قال: فإنّ المندّى رحلة فركوب فإنّما يعني أنّهما وقعا في الماضي من الأزمنة وأنّ الآخر كان مع فراغه من الأوّل. فإن قلت: كان سيري أمس حتّى أدخلها تجعل أمس مستقرّاً جاز الرفع لأنه استغنى فصار كسرت لو قلت فأدخلها حسن ولا يحسن كان سيري فأدخل إلاّ أن تجئ بخبر لكان. وقد تقع نفعل في موضع فعلنا في بعض المواضع ومثل ذلك قوله لرجل من بني سلول مولّد: ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني واعلم أنّ أسير بمنزلة سرت إذا أردت بأسير معنى سرت. واعلم أنّ الفعل إذا كان غير واجب لم يكن إلاّ النصب من قبل أنّه إذا لم يكن واجباً رجعت حتّى إلى أن وكي ولم تصر من حروف الابتداء كما لم تصر إذن في الجواب من حروف الابتداء وتقول: أيّهم سار حتّى يدخلها لأنّك قد زعمت أنه كان سير ودخول وإنّما سألت عن الفاعل. ألا ترى أنّك لو قلت: أين الذي سار حتّى يدخلها وقد دخلها لكان حسناً ولجاز هذا الذي يكون لما قد وقع لأنّ الفعل ثمّ واقع وليس بمنزلة قلّما سرت إذا كان نافياً لكثرما ألا ترى أنّه لو كان قال: قلّما سرت فأدخلها أو حتّى أدخلها وهو يريد أن يجعلها واجبة خارجة من معنى قلّما لم يستقم إلاّ أن تقول: قلّما سرت فدخلت وحتّى دخلت كما تقول: ما سرت حتّى دخلت. فإنّما ترفع بحتّي في الواجب ويكون ما بعدها مبتدأ منفصلاً من الأوّل كان مع الأوّل فيما مضى أو الآن. وتقول: أسرت حتّى تدخلها نصب لأنك لن تثبت سيراً تزعم أنه قد كان معه دخول.

باب ما يكون العمل فيه من اثنين

وذلك قولك: سرت حتّى يدخلها زيداً إذا كان دخول زيد لم يؤدّه سيرك ولم يكن سببه فيصير هذا كقولك: سرت حتّى تطلع الشمس لأنّ سيرك لا يكون سبباً لطلوع الشمس ولا يؤدّيه ولكنّك لو قلت: سرت حتّى يدخلها ثقلي وسرت حتّى يدخلها بدني لرفعت لأنّك جعلت دخول ثقلك يؤدّيه سيرك وبدنك لم يكن دخوله إلاّ بسيرك. وتقول: سرت حتى يدخلها زيد وأدخلها وسرت حتّى أدخلها ويدخلها زيد إذا جعلت دخول زيد من سبب سيرك وهو الذي أدّاه ولا تجد بدّاً من أن تجعله ههنا في تلك الحال لأنّ رفع الأوّل لا يكون إلاّ وسبب دخوله سيره. وإذا كانت هذه حال الأوّل لم يكن بدّ للآخر من أن يتبعه لأنك تعطفه على دخولك في حتّى. وذلك أنه يجوز أن تقول: سرت حتّى يدخلها زيد إذا كان سيرك يؤدّي دخوله كما تقول: سرت حتّى يدخلها ثقلي. وتقول: سرت حتى أدخلها وحتى يدخلها زيد لأنك لو قلت: سرت حتّى أدخلها وحتّى تطلع الشمس كان جيداً وصارت إعادتك حتّى كإعادتك له في تباً له وويل له ومن عمراً ومن أخو زيد. وقد يجوز أن تقول: سرت حتّى يدخلها زيد إذا كان أدّاه سيرك. ومثل ذلك قراءة أهل الحجاز: " وزلزلوا حتّى يقول الرّسول ". واعلم أنّه لا يجوز سرت حتّى أدخلها وتطلع الشمس يقول: إذا رفعت طلوع الشمس لم يجز وإن نصبت وقد رفعت فهو محال حتّى تنصب فعلك من قبل العطف فهذا محال أن ترفع ولم يكن الرفع لأنّ طلوع الشمس لا يكون أن يؤدّيه سيرك فترفع تطلع وقد حلت بينه وبين الناصبة. ويحسن أن تقول: سرت حتّى تطلع الشمس وحتى أدخلها كما يجوز أن تقول: سرت إلى يوم سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان فهذه الآخرة هي التي ترفع. وتقول: سرت وسار حتّى ندخلها كأنك قلت: سرنا حتّى ندخلها. وتقول: سرت حتّى أسمع الأذان هذا وجهه وحدّة النصب لأن سيرك ليس يؤدّي سمعك الأذان إنّما يؤدّيه الصّبح ولكنك تقول: سرت حتّى أكلّ لأنّ الكلال يؤدّيه سيرك. وتقول: سرت حتّى أصبح لأنّ الإصباح لا يؤدّيه سيرك إنّما هي غاية طلوع الشمس.

هذا باب الفاء

اعلم أن ما انتصب في باب الفاء ينتصب على إضمار أن وما لم ينتصب فإنّه يشرك الفعل الأوّل فيما دخل فيه أو يكون في موضع مبتدإ أو مبنيّ على مبتدإ أو موضع اسم مما سوى ذلك. وسأبين ذلك إن شاء الله. تقول: لا تأتيني فتحدّثني لم ترد أن تدخل الآخر فيما دخل فيه الأوّل فتقول: لا تأتيني ولا تحدّثني ولكنّك لمّا حوّلت المعنى عن ذلك تحوّل إلى الاسم كأنك قلت: ليس يكون منك إتيان فحديث فلّما أردت ذلك استحال أن تضمّ الفعل إلى الاسم فأضمروا أن لأنّ أن مع الفعل بمنزلة الاسم فلّما نووا أن يكون الأوّل بمنزلة قولهم: لم يكن إتيان استحالوا أن يضمّوا الفعل إليه فلّما أضمروا أن حسن لأنّه مع الفعل بمنزلة الاسم. وأن لا تظهر ههنا لأنه يقع فيها معان لا تكون في التمثيل كما لا يقع معنى الاستثناء في لا يكون ونحوها إلاّ أن تضمر. ولولا أنّك إذا قلت لم آتك صار كأنك قلت: لم يكن إتيان لم يجز فأحدّثك كانك قلت في التمثيل فحديث. وهذا تمثيل ولا يتكلّم به بعد لم آتك لا تقول: لم آتك فحديث. فكذلك لا تقع هذه المعاني في الفاء إلاّ بإضمار أن ولا يجوز إظهار أن كما لا يجوز إظهار المضمر في لا يكون ونحوها. فإذا قلت: لم آتك صار كأنك قلت: لم يكن إتيان ولم يجز أن تقول فحديث لأنّ هذا لو كان جائزاً لأظهرت أن. ونظير جعلهم لم آتك ولا آتيك وما أشبهه بمنزلة الاسم في النية حتّى كأنهم قالوا: لم يك إتيان إنشاد بعض العرب قول الفرزدق: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلاّ ببين غرابها ومثله قول الفرزدق أيضاً: وما زرت سلمى أن تكون حبيبة إلىّ ولا دين بها أنا طالبه ومثله قول زهير: بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائياً لّما كان الأوّل تستعمل فيه الباء ولا تغيّر المعنى وكانت مما يلزم الأوّل نووها في الحرف الآخر حتّى كأنّهم قد تكلّموا بها في الأوّل. وكذلك صار لم آتك بمنزلة لفظهم بلم يكن إتيان لأنّ المعنى واحد. واعلم أنّ ما ينتصب في باب الفاء قد ينتصب على غير معنى واحد وكلّ ذلك على إضمار أن إلاّ أنّ المعاني مختلفة كما أنّ يعلم الله يرتفع كما يرتفع يذهب زيد وعلم الله ينتصب كما ينتصب ذهب زيد وفيهما معنى اليمين. فالنصب ههنا في التمثيل كأنك قلت: لم يكن إتيان فأن تحدّث والمعنى على غير ذلك كما أنّ معنى علم الله لأفعلنّ غير معنى رزق الله. فأن تحدّث في اللفظ مرفوعة بيكن لأنّ المعنى: بم يكن إتيان فيكون حديث. وتقول: ما نأتيني فتحدّثني فالنصب على وجهين من المعاني: أحدهما: ما تأتيني فكيف تحدّثني أي لو أتيتني لحدّثتني. وأما الآخر: فما تأتيني أبداً إلاّ لم تحدّثني أي منك إتيان كثير ولا حديث منك. وإن شئت أشركت بين الأوّل والآخر فدخل الآخر فيما دخل فيه الأوّل فتقول: ما تأتيني فتحدّثني كأنك قلت: ما تأتيني وما تحدّثني. فمثل النصب قوله عزّ وجلّ: " لا يقضي عليهم فيموتوا ". ومثل الرفع قوله عزّ وجلّ: " هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون ". وإن شئت رفعت على وجه آخر كأنك قلت: فأنت تحدّثنا. ومثل ذلك قول بعض الحارثيين: غير أنّا لم تأتنا بيقين فترجّي ونكثر التأميلا كأنه قال: فنحن نرجّى. فهذا في موضع مبنيّ على المبتدإ. وتقول: ما أتيتنا فتحدّثنا فالنصب فيه كالنّصب في الأوّل وإن شئت رفعت على: فأنت تحدّثنا الساعة وارفع فيه يجوز على ما. وإنّما اختير النصب لأنّ الوجه ههنا وحدّ الكلام أن تقول: ما أتيتنا فحدّثتنا فلّما صرفوه عن هذا الحدّ ضعف أن يضمّوا يفعل إلى فعلت فحملوه على الاسم كما لم يجز أن يضّموه إلى الاسم في قولهم: ما أنت منّا فتنصرنا ونحوه. وأمّا الذين رفعوه فحملوه على موضع أتيتنا لأن أتيتنا في موضع فعل مرفوع وتحدّثنا ههنا في موضع حدّثتنا. وتقول: ما تأتينا فتكلّم إلاّ بالجميل. فالمعنى أنّك لم تأتنا إلاّ تكلّمت بجميل ونصبه على إضمار أن كما كان نصب ما قبله على إضمار أن وتمثيله كتمثيل الأوّل وإن شئت رفعت على الشّركة كأنه قال: وما تكلّم إلاّ الجميل. ومثل النصب قول الفرزدق: وما قام منّا قائم في نديّنا فينطق إلاّ بالتي هي أعرف وتقول: لا تأتينا فتحدّثنا إلاّ ازددنا فيك رغبة فالنصب ههنا كالنصب في: ما تأتيني فتحدّثني إذا أردت معنى: ما تأتيني محدّثاً وإنّما أراد معنى: ما أتيتني محدّثاً إلاّ ازددت فيك رغبة. ومثل ذلك قول اللّعين: وما حلّ سعديّ غريباً ببلدة فينسب إلاّ الزّبرقان له أب وتقول: لا يسعني شئ فيعجز عنك أي لا يسعني شئ فيكون عاجزاً عنك ولا يسعني شئ إلاّ لم يعجز عنك. هذا معنى هذا الكلام. فإن حملته على الأوّل قبح المعنى لأنّك لا تريد أن تقول: إنّ الأشياء لا تسعني ولا تعجز عنك فهذا لا ينويه أحد. وتقول: ما أنت منّا فتحدّثنا لا يكون الفعل محمولاً على ما لأنّ الذي قبل الفعل ليس من الأفعال فلم يشاكله قال الفرزدق: وإن شئت رفعت على قوله: فنرجّي ونكثر التأميلا وتقول: ألا ماء فأشر به وليته عندنا فيحدّثنا. وقال أميّة بن أبي الصّلت: ألا رسول لنا منّا فيخبرنا ما بعد غايتنا من رأس مجرانا لا يكون في هذا إلاّ النصب لأنّ الفعل لم تضمّه إلى فعل. وتقول: ألا تقع الماء فتسبح إذا جعت الآخر على الأوّل كأنك قلت: ألا تسبح. وإن شئت نصبته على ما انتصب عليه ما قبله كأنك قلت: ألا يكون وقوع فأن تسبح. فهذا تمثيل وإن لم يتكلّم به. والمعنى في النصب أنه يقول: إذا وقعت سبحت. وتقول: ألم تأتنا فتحدّثنا إذا لم يكن على الأوّل. وإن كان على الأوّل جزمت. ومثل النصب قوله: ألم تسأل فتخبرك الرسوم على فرتاج والطّلل القديم وإن شئت جزمت على أوّل الكلام. وتقول: لا تمددها فتشقّها إذا لم تحمل الآخر على الأوّل. وقال عزّ وجلّ: " لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب ". وتقول: لا تمددها فتشققها إذا أشركت بين الآخر والأوّل كما أشركت بين الفعلين في لم. وتقول: ائتني فأحدّثك. وقال أبو النجم: ياناق سيري عنقاً فسيحاً إلى سليمان فنستريحا ولا سبيل ههنا إلى الجزم من قبل أنّ هذه الأفعال التي يدخلها الرفع والنصب والجزم وهي الأفعال المضارعة لا تكون في موضع افعل أبداً لأنّها إنما تنتصب وتنجزم بما قبلها وافعل مبنيّة على الوقف. فإن أردت أن تجعل هذه الأفعال أمراً أدخلت اللام وذلك قولك: ائته فليحدّثك وفيحدّثك إذا أردت المجازاة. ولو جاز الجزم في: ائتني فأحدّثك ونحوها لقلت: تحدّثني تريد به الأمر. وتقول: ألست قد أتيتنا فتحدّثنا إذا جعلته جواباً ولم تجعل الحديث وقع إلاّ بالإتيان وإن أردت فحدّثتنا رفعت. وتقول: كأنّك لم تأتنا فتحدّثنا وإن حملته على الأوّل جزمت. وقال رجل من بني دارم: كأنّك لم تذبح لأهلك نعجة فيصبح ملقى بالفناء إهابها وتقول: ودّلو تأتيه فتحدّثه. والرفع جيّد على معنى التّمني. ومثله قوله عزّ وجلّ: " ودّوا لو وتقول: حسبته شتمني فأثب عليه إذا لم يكن الوثوب واقعاً ومعناه: أن لو شتمني لوثبت عليه. وإن كان الوثوب قد وقع فليس إلاّ الرفع لأنّ هذا بمنزلة قوله: ألست قد فعلت فأفعل. واعلم أنّك إن شئت قلت: ائتني فأحدّثك ترفع. وزعم الخليل: أنّك لم ترد أن تجعل الإتيان سبباً لحديث ولكنّك كأنك قلت: ائتني فأنا ممن يحدّثك البتة جئت أو لم تجئ. قال النابغة الذبياني: ولا زال قبر بين تبنى وجاسم عليه من الوسميّ جود ووابل فينبت حوذاناً وعوفاً منوّراً سأتبعه من خير ما قال قائل وذلك أنه لم يرد أن يجعل النبات جواباً لقوله: ولا زال ولا أن يكون متعلّقاً به ولكنه دعا ثم أخبر بقصّة السحاب كأنّه قال: فذاك ينبت حوذاناً. ولو نصب هذا البيت قال الخليل لجاز ولكنّا قبلناه رفعاً: ألم تسأل الرّبع القواء فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق لم يجعل الأوّل سبباً للآخر ولكنّه جعله ينطق على كلّ حال كأنه قال: فهو مما ينطق كما قال: ائتني فأحدّثك فجعل نفسه ممن يحدّثه على كلّ حال. وزعم يونس: أنه سمع هذا البيت بألم. وإنّما كتبت ذا لئّلا يقول إنسان: فلعلّ الشاعر قال ألا. لقد كان في حول ثواء ثويته تقضّى لبانات ويسأم سائم فرفعه وقال: لا أعرف فيه غيره لأنّ أوّل الكلام خبر وهو واجب كأنه قال: ففي حول تقضّى لبانات ويسأم سائم. هذا معناه. واعلم أن الفاء لا تضمر فيها أن في الواجب ولا يكون في هذا الباب إلاّ الرفع وسنبيّن لم ذلك. وذلك قوله: إنّه عندنا فيحدّثنا وسوف آتيه فأحدّثه ليس إلا إن شئت رفعته على أن تشرك بينه وبين الأوّل وإن شئت كان منقطعاً لأنّك قد أوجبت أن تفعل فلا يكون فيه إلاّ الرفع. وقال عزّ وجلّ: " فلا تكفر فيتعلّمون " فارتفعت لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا: لا تكفر فيتعلّمون ليجعلا كفره سبباً لتعليم غيره ولكنه على كفروا فيتعلّمون. ومثله: " كن فيكون " كأنّه قال: إنما أمرنا ذاك فيكون. وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ونصبه في الاضطرار من حيث انتصب في غير الواجب وذلك لأنّك تجعل أن العاملة. فمّما نصب في الشعر اضطراراً قوله: سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا وقال الأعشى وأنشدناه يونس: ثمّت لا تجزونني عند ذاكم ولكن سيجزيني الإله فيعقبا لنا هضبة لا يدخل الذّلّ وسطها ويأوي إليها المستجير فيعصما وكان أبو عمرو يقول: لا تأتنا فنشتمك. وسمعت يونس يقول: ما أتيتني فأحدّثك فيما أستقبل فقلت له: ما تريد به فقال: أريد أن أقول ما أتيتني فأنا أحدّثك وأكرمك فيما أستقبل. وقال: هذا مثل ائتني فأحدّثك إذا أراد ائتني فأنا صاحب هذا. وسألته عن: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة " فقال: هذا واجب وهو تنبيه كأنّك قلت: أتسمع أن الله أنزل من السماء ماء فكان كذا وكذا. وإنّما خالف الواجب النفي لأنك تنقض النفي إذا نصبت وتغيّر المعنى يعني أنك تنفي الحديث وتوجب الإتيان تقول: ما أتيتني قطّ فتحدّثني إلاّ بالشرّ فقد نقضت نفي الإتيان وزعمت أنّه قد كان. وتقول: ما تأتيني فتحدّثني إذا أردت معنى فكيف تحدّثني فأنت لا تنفي الحديث ولكنّك زعمت أنّ منه الحديث وإنّما يحول بينك وبينه ترك الإتيان. وتقول: ائتني فأحدّثك فليس هذا من الأمر الأوّل في شئ. وإذا قلت: قد كان عندنا فسوف يأتينا فيحدّثنا لم تزده على أن جئت بواجب كالأوّل فلم يحتاجوا إلى أن لما ذكرت لك ولأنّ تلك المعاني لا تقع هاهنا ولو كانت الفاء والواو وأو ينصبن لأدخلت عليهن الفاء والواو للعطف ولكنها كحتّى في الإضمار والبدل فشبّهت بها لمّا كان النصب فيها الوجه لأنهم جعلوا الموضع الذي يستعملون فيه إضمار أن بعد الفاء كما جعلوه في حتّى إنما يضمر إذا أراد معنى الغاية وكاللام في ما كان ليفعل.

هذا باب الواو

اعلم أنّ الواو ينتصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء وأنها قد تشرك بين الأوّل والآخر كما تشرك الفاء وأنّها يستقبح فيها أن تشرك بين الأوّل والآخر كما استقبح ذلك في الفاء وأنّها يجئ ما بعدها مرتفعاً منقطعاً من الأوّل كما جاء ما بعد الفاء. واعلم أنّ الواو وإن جرت هذا المجرى فإنّ معناها ومعنى الفاء مختلفان ألا ترى الأخطل قال: لاتنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم فلو دخلت الفاء ههنا لأفسدت المعنى وإنّما أراد لا يجتمعنّ النهي والإتيان فصار تأتي على إضمار أن. ومما يدّلك أيضاً على أنّ الفاء ليست كالواو قولك: مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد فعمرو وتقول: لا تأكل السّمك وتشرب اللبن فلو أدخلت الفاء ههنا فسد المعنى. وإن شئت جزمت على النهي في غير هذا الموضع. قال جرير: ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته فإنك إن تفعل تسفّه وتجهل ومنعك أن ينجزم في الأوّل لأنّه إنما أراد أن يقول له: لا تجمع بين اللبن والسمك ولا ينهاه أن يأكل السمك على حدة ويشرب اللبن على حدة فإذا جزم فكأنّه نهاه أن يأكل السمك على كلّ حال أو يشرب اللبن على كلّ حال. ومثل النصب في هذا الباب قول الحطيئة: ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودّة والإخاء كأنّه قال: ألم أك هكذا ويكون بيني وبينكم. وقال دريد بن الصّمّة: قتلت بعبد الله خير لداته ذؤاباً فلم أفخر بذاك وأجزعا وتقول: لا يسعني شئ ويعجز عنك فانتصاب الفعل هاهنا من الوجه الذي انتصب به في الفاء إلاّ أنّ الواو لا يكون موضعها في الكلام موضع الفاء. وتقول: ائتني وآتيك إذا أردت ليكن إتيان منك وأن آتيك تعني إتيان منك وإتيان منّي. وإن أردت الأمر أدخلت اللام كما فعلت ذلك في الفاء حيث قلت: ائتني فلأحدّثك فتقول ائتني ومن النصب في هذا الباب قوله عزّ وجلّ: " ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين " وقد قرأها بعضهم: " ويعلم الصّابرين ". وقال تعالى: " ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون " إن شئت جعلت وتكتموا على النهي وإن شئت جعلته على الواو. وقال تعالى: " ياليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين ". فالرفع على وجهين: فأحدهما أن يشرك الآخر الأوّل. والآخر على قولك: دعني ولا أعود أي فإنّي ممن لا يعود فإنّما يسأل الترك وقد أوجب على نفسه أن لا عودة له البتّة ترك أو لم يترك ولم يرد أن يسأل أن يجتمع له الترك وأن لا يعود. وأمّا عبد الله بن أبي إسحاق فكان ينصب هذه الآية. وتقول: زرني وأزورك أي أنا ممن قد أوجب زيارتك على نفسه ولم ترد أن تقول لتجتمع منك الزيارة وأن أزورك تعني لتجتمع منك الزيارة فزيارة منّي ولكنّه أراد أن يقول زيارتك واجبة على كلّ حال فلتكن منك زيارة. وقال الأعشى: فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى لصوت أن ينادي داعيان ومن النصب أيضاً قوله: للبس عباءة وتقرّ عيني أحبّ إليّ من لبس الشّفوف لمّا لم يستقم أن تحمل وتقرّ وهو فعل على لبس وهو اسم لمّا ضممته إلى الاسم وجعلت أحبّ لهما ولم ترد قطعة لم يكن بدّ من إضمار أن. وسترى مثله مبيّناً. وسمعنا من ينشد هذا البيت من العرب وهو لكعب الغنويّ: وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ويغضب منه صاحبي بقؤول والرفع أيضاً جائز حسن كما قال قيس بن زهير بن جذيمة: فلا يدعني قومي صريحاً لحرّة لئن كنت مقتولاً ويسلم عامر ويغضب معطوف على الشيء ويجوز رفعه على أن يكون داخلاً في صلة الذي.

هذا باب أو

اعلم أن ما انتصب بعد أو فإنّه ينتصب على إضمار أن كما انتصب في الفاء والواو على إضمارها ولا يستعمل إظهارها كما لم يستعمل في الفاء والواو والتمثيل هاهنا مثله ثمّ. تقول إذا قال لألزمنّك أو تعطيني كأنه يقول: ليكوننّ اللزوم أو أن تعطيني. واعلم أنّ معنى ما انتصب بعد أو على إلاّ أن كما كان معنى ما انتصب بعد الفاء على غير معنى التمثيل تقول: لألزمنّك أو تقضيني ولأضربنّك أو تسبقني فالمعنى لألزمنّك إلاّ أن فقلت له لا تبك عينك إنّما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا والقوافي منصوبة فالتمثيل على ما ذكرت لك والمعنى على إلاّ أن نموت فنعذرا وإلاّ أن تعطيني كما كان تمثيل الفاء على ما ذكرت لك وفيه المعاني التي فصّلت لك. ولو رفعت لكان عربيّاً جائزاً على وجهين: على أن تشرك بين الأوّل والآخر وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعاً من الأوّل يعني أو نحن ممن يموت. وقال جلّ وعزّ: " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " إن شئت كان على الإشراك وإن شئت كان على: أو هم يسلمون. وقال ذو الرمّة: حراجيج لا تنفكّ إلاّ مناخة على الخسف أو نرمي بها بلداً قفراً فإن شئت كان على لا تنفكّ نرمي بها أو على الابتداء. وتقول: الزمه أو يتقّيك بحقّك واضربه أو يستقيم. وقال زياد الأعجم: وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما معناه إلاّ أن وإن شئت رفعت في الأمر على الابتداء لأنّه لا سبيل إلى الإشراك. وتقول: هو قاتلي أو أفتدي منه وإن شئت ابتدأته كأنه قال: أو أنا أفتدي وقال طرفة بن ولكن مولاي امرؤ هو خانقي على الشّكر والتّسآل أو أنا مفتدي وسألت الخليل عن قوله عزّ وجلّ: " وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء " فزعم أنّ النصب محمول على أن سوى هذه التي قبلها. ولو كانت هذه الكلمة على أن هذه لم يكن للكلام وجه ولكنه لمّا قال: " إلاّ وحياً أو من وراء حجاب " كان في معنى إلاّ أن يوحي وكان أو يرسل فعلاً لا يجري على ألاّ فأجرى على أن هذه كأنه قال: إلاّ أن يوحي أو يرسل لأنه لو قال: إلاّ وحياً وإلاّ أن يرسل كان حسناً وكان أن يرسل بمنزلة الإرسال فحملوه على أن إذ لم يجز أن يقولوا: أو إلاّ يرسل فكأنه قال: إلاّ وحياً أو أن يرسل. وقال الحصين بن حمام المرّي: ولولا رجال من رزام أعزّة وآل سبيع أو أسوءك علقما يضمر أن وذاك لأنّه امتنع أن يجعل الفعل على لولا فأضمر أن كأنّه قال: لولا ذاك أو لولا أن أسوءك. وبلغنا أنّ أهل المدينة يرفعون هذه الآية: " وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء " فكأنه والله أعلم قال الله عزّ وجلّ: لا يكلّم الله البشر إلاّ وحياً أو يرسل رسولاً أي في هذه الحال وهذا كلامه إيّاهم كما تقول العرب: تحيتّك الضرب وعتابك السيف وكلامك القتل. وقال الشاعر وهو عمرو بن معدي كرب: وخيل قد دلفت لها بخيل ** تحيّة بينهم ضرب وجيع وسألت الخليل عن قول الأعشي: إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنّا معشر نزل فقال: الكلام هاهنا على قولك يكون كذا أو يكون كذا لمّا كان موضعها لو قال فيه أتركبون لم ينقض المعنى صار بمنزلة قولك: ولا سابق شيئاً. وأمّا يونس فقال: أرفعه على الابتداء كأنه قال: أو أنتم نازلون. وعلى هذا الوجه فسّر الرفع في الآية كأنه قال: أو هو يرسل رسولاً كما قال طرفة: أو أنا مفتدي وقول يونس أسهل وأمّا الخليل فجعله بمنزلة قول زهير: بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائياً والإشراك على هذا التوهّم بعيد كبعد ولا سابق شيئاً. ألا ترى أنّه لو كان هذا كهذا لكان في الفاء والواو. وإنّما توهّم هذا فيما خالف معناه التمثيل. يعني مثل هو يأتينا ويحدّثنا. يقول: يدخل عليك نصب هذا على توهّم أنّك تكلّمت بالاسم قبله يعني مثل قولك: لا تأته فيشتمك فتمثيله على لا يكن منك إتيان فشتيمة والمعنى على غير ذلك.

باب اشتراك الفعل في أن وانقطاع الآخر

من الأوّل الذي عمل فيه أن فالحروف التي تشرك: الواو والفاء وثمّ وأو. وذلك قولك: أريد أن تأتيني ثم تحدّثني وأريد أن تفعل ذاك وتحسن وأريد أن تأتينا فتبايعنا وأريد أن تنطق بجميل أو تسكت. ولو قلت: أريد أن تأتيني ثم تحدّثني جاز كأنك قلت: أريد إتيانك ثم تحدّثني. ويجوز الرفع في جميع هذه الحروف التي تشرك على هذا المثال. وقال عزّ وجلّ: " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون الله " ثم قال سبحانه: " ولا يأمركم " فجاءت منقطعة من الأوّل لأنّه أراد: ولا يأمركم الله. وقد نصبها بعضهم على قوله: وما كان لبشر أن يأمركم أن تتخذوا. وتقول: أريد أن تأتيني فتشتمني لم يرد الشّتيمة ولكنّه قال: كلّما أردت إتيانك شتمتني. هذا معنى كلامه فمن ثمّ نقطع من أن. قال رؤبة: أي فإذا هو يعجمه. وقال الله عزّ وجلّ: " لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام " أي ونحن نقرّ في الأرحام لأنّه ذكر الحديث للبيان ولم يذكره للإقرار. وقال عزّ وجلّ: " أن تضلّ إحداهما الأخرى فتذكر إحدهما الأخرى " فانتصب لأنّه أمر بالإشهاد لأن تذكّر إحداهما الأخرى ومن أجل أن تذكّر. فإن قال إنسان: كيف جاز أن تقول: أن تضلّ ولم يعدّ هذا للضلال وللالتباس فإنما ذكر أن تضلّ لأنه سبب الأذكار كما يقول الرجل: أعددته أن يميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب بإعداد ذلك ميلان الحائط ولكنّه أخبر بعلّة الدّعم وبسببه. وقرأ أهل الكوفة: " فتذكّر " رفعاً. وسألت الخليل عن قول الشاعر لبعض الحجازييّن: فما هو إلاّ أن أراها فجاءة فأبهت حتّى ما أكاد أجيب فقال: أنت في أبهت بالخيار إن شئت حملتها على أن وإن شئت لم تحملها عليه فرفعت كأنّك قلت: ما هو إلاّ الرأي فأبهت. وقال ابن أحمر فيما جاء منقطعاً من أن: يعالج عاقراً أعيت عليه ليلقحها فينتجها حوارا وتقول: لا يعدو أن يأتيك فيصنع ما تريد وإن شئت رفعت كأنّك قلت لا يعدو ذلك فيصنع ما تريد. وتقول: ما عدا أن رآني فيثب كأنّه قال ما عدا ذلك فيثب لأنه ليس على أوّل الكلام. فإن أردت أن تحمل الكلام على أن فإنّ أحسنه ووجهه أن تقول: ما عدا أن رآني فوثب فضعف يثب هاهنا كضعف ما أتيتني فتحدّثني إذا حملت الكلام على ما. ونقول: ما عدوت أن فعلت وهذا هو الكلام ولا أعدوا أن أفعل وما آلو أن أفعل يعني لقد جهدت أن أفعل. وتقول: ما عدوت أن آتيك أي ما عدوت أن يكون هذا من رأي فيما أستقبل. ويجوز أن يجعل أفعل في موضع فعلت ولا يجوز فعلت في موضع أفعل إلاّ في مجازاة نحو: إن فعلت فعلت. وتقول: والله ما أعدو أن جالستك أي أن كنت فعلت ذلك أي ما أجاوز مجالستك فيما مضى. ولو أراد ما أعدو أن جالستك غداً كان محالاً ونقضاً كما أنه لو قال: ما أعدو أن أجالسك أمس كان محالا. وإنّما ذكرت هذا لتصرّف وجوهه ومعانيه وأن لا تستحيل منه مستقيماً فإنّه كلام يستعمله ومما جاء منقطعاً قول الشاعر وهو عبد الرحمن بن أمّ الحكم: على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى قضيّته أن لا يجوز ويقصد كأنّه قال: عليه غير الجور ولكنّه يقصد أو هو قاصد فابتدأ ولم يحمل الكلام على أن كما تقول: عليه أن لا يجور وينبغي له كذا وكذا فالابتداء في هذا أسبق وأعرف لأنّها بمنزلة قولك كأنّه قال: ونولك. فمن ثمّ لا يكادون يحملونها على أن.

هذا باب الجزاء

فما يجازى به من الأسماء غير الظروف: من وما وأيهم. وما يجازى به من الظروف: أيّ حين ومتى وأين وأنّى وحيثما. ومن غيرهما: إن وإذ ما. ولا يكون الجزاء في حيث ولا في إذ حتّى يضمّ إلى كلّ واحد منهما ما فتصير إذ مع ما بمنزلة إنّما وكأنّما وليست ما فيهما بلغو ولكنّ كلّ واحد منهما مع ما بمنزلة حرف واحد. فممّا كان من الجزاء بإذما قول العبّاس بن مرداس: إذ ما أتيت على الرسول فقل له حقاًّ عليك إذا اطمأنّ المجلس وقال الآخر قالوا: هو لعبد الله بن همّام السّلوليّ: إذ ما تريني اليوم مزجى ظعينتي أصعّد سيراً في البلاد وأفرع فإنّي من قوم سواكم وإنّما رجالي فهم بالحجاز وأشجع سمعناهما ممن يرويهما عن العرب. والمعنى إمّا. وممّا جاء من الجزاء بأنّي قول لبيد: فأصبحت أنّي تأتها تلتبس بها كلا مر كبيها تحت رجلك شاجر أين تضرب بنا العداة تجدنا نصرف العيس نحوها للتّلاقي وإنّما منع حيث أن يجازى بها أنّك تقول: حيث تكون أكون فتكون وصل لها كأنّك قلت: المكان الذي تكون فيه أكون. ويبيّن هذا أنّها في الخبر بمنزلة إنّما وكأنّما وإذا أنّه يبتدأ بعدها الأسماء أنك تقول: حيث عبد الله قائم زيد وأكون حيث زيد قائم. فحيث كهذه الحروف التي تبتدأ بعدها الأسماء في الخبر ولا يكون هذا من حروف الجزاء. فإذا ضممت إليها ما صارت بمنزلة إن وما أشبهها ولم يجز فيها ما جاز فيها قبل أن تجئ بما وصارت بمنزلة إمّا. وأمّا قول النحويّين: يجازى بكلّ شئ يستفهم به فلا يستقيم من قبل أنك تجازى بإن وبحيثما وإذ ما ولا يستقيم بهن الاستفهام ولكنّ القول فيه كالقول في الاستفهام. ألا ترى أنك إذا استفهمت لم تجعل ما بعده صلة. فالوجه أن تقول: الفعل ليس في الجزاء بصلة لما قبله كما أنّه في حروف الاستفهام ليس صلة لما قبله وإذا قلت: حيثما تكن أكن فليس بصلة لما قبله كما أنّك إذا قلت أين تكون وأنت تستفهم فليس الفعل بصلة لما قبله فهذا في الجزاء ليس بصلة لما قبله كما أنّ ذلك في الاستفهام ليس بوصل لما قبله. وتقول: من يضربك في الاستفهام وفي الجزاء: من يضربك أضربه فالفعل فيهما غير صلة. وسألت الخليل عن مهما فقال: هي ما أدخلت معها ما لغواً بمنزلتها مع متى إذا قلت متى ما تأتني آتك وبمنزلتها مع إن إذا قلت إن ما تأتني آتك وبمنزلتها مع أين كما قال سبحانه وتعالى: " أينما تكونوا يدرككم الموت " وبمنزلتها مع أيّ إذا قلت: " أيّاما تدعوا فله الأسماء الحسنى " ولكنهم استقبحوا أن يكرّروا لفظاً واحداً فيقولوا: ماما فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى. وقد يجوز أن يكون مه كإذ ضمّ إليها ما. وسألت الخليل عن قوله: كيف تصنع أصنع. فقال: هي مستكرهة وليست من حروف الجزاء ومخرجها على الجزاء لأنّ معناها على أيّ حال تكن أكن. وسألته عن إذا ما منعهم أن يجازوا بها فقال: الفعل في إذا بمنزلته في إذ إذا قلت: أتذكر إذ تقول فإذا فيما تستقبل بمنزلة إذ فيما مضى. ويبيّن هذا أنّ إذا تجئ وقتاً معلوماً ألا ترى أنّك لو قلت: آتيك إذا احمرّ البسر كان حسناً ولو قلت: آتيك إن احمرّ البسر كان قبيحاً. فإن أبداً مبهمة وكذلك حروف الجزاء. وإذا توصل بالفعل فالفعل في إذا بمنزلته في حين كأنك قلت: الحين الذي تأتيني فيه آتيك فيه. وقال ذو الرمّة: تصغي إذا شدّها بالرّحل جانحة حتى إذا ما استوى في غرزها تثب. وقال الآخر ويقال وضعه النحويّون: وقد جازوا بها في الشّعر مضطرّين شبهوها بإن حيث رأوها لما يستقبل وأنها لا بدّلها من جواب. وقال قيس بن الخطيم الأنصاريّ: إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب وقال الفرزدق: ترفع لي خندف والله يرفع لي ناراً إذا خمدت نيرانهم تقد وقال بعض السّلوليّين: إذا لم تزل في كلّ دار عرفتها لها واكف من دمع عينك يسجم فهذا اضطرار وهو في الكلام خطأ ولكنّ الجيّد قول كعب بن زهير: وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطاً مذعوراً واعلم أنّ حروف الجزاء تجزم الأفعال وينجزم الجواب بما قبله. وزعم الخليل أنّك إذا قلت: إن تأتني آتك فآتك انجزمت بإن تأتني كما تنجزم إذا كانت جواباً للأمر حين قلت: ائتني آتك. وزعم الخليل أن إن هي أمّ حروف الجزاء فسألته: لم قلت ذلك فقال: من قبل أنّي أرى حروف الجزاء قد يتصرّفن فيكنّ استفهاما ومنها ما يفارقه ما فلا يكون فيه الجزاء وهذه على حال واحدة أبداً لا تفارق المجازاة. واعلم أنّه لا يكون جواب الجزاء إلا بفعل أو بالفاء فأمّا الجواب بالفعل فنحو قولك: إن تأتني آتك وإن تضرب أضرب ونحو ذلك. وأمّا الجواب بالفاء فقولك: إن تأتني فأنا صاحبك. ولا يكون الجواب في هذا الموضع بالواو ولا بثمّ. ألا ترى أنّ الرجل يقول افعل كذا وكذا فتقول: فإذن يكون كذا وكذا. ويقول: لم أغث أمس فتقول: فقد أتاك الغوث اليوم. ولو أدخلت الواو وثمّ في هذا الموضع تريد الجواب لم يجز. وسألت الخليل عن قوله جلّ وعزّ: " وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون " فقال: هذا كلام معلّق بالكلام الأوّل كما كانت الفاء معلقة بالكلام الأول وهذا ها هنا في موضع قنطلوا كما كان الجواب بالفاء في موضع الفعل. قال: ونظير ذلك قوله: " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " بمنزلة أم صمتّم. ومما يجعلها بمنزلة الفاء أنّها لا تجئ مبتدأة كما أنّ الفاء لا تجئ مبتدأة. وزعم الخليل أنّ إدخال الفاء على إذا قبيح ولو كان إدخال الفاء على إذا حسناً لكان الكلام بغير الفاء قبيحاً فهذا قد استغنى عن الفاء كما استغنت الفاء عن غيرها فصارت إذا هاهنا جواباً كما صارت الفاء جواباً. وسألته عن قوله: إن تأتني أنا كريم فقال: لا يكون هذا إلاّ أن يضطرّ شاعر من قبل أنّ أنا كريم يكون كلا ما مبتدأ والفاء وإذا لا يكونان إلاّ معلّقتين بما قبلهما فكرهوا أن يكون هذا جواباً حيث لم يشبه الفاء. وقد قاله الشاعر مضطراً يشبهه بما يتكلّم به من الفعل. قال حسّان بن ثابت: من يفعل الحسنات الله يشكرها والشرّ بالشرّ عند الله مثلان وقال الأسديّ: بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها بني ثعل من ينكع العنز ظالم وزعم أنّه لا يحسن في الكلام إن تأتني لأفعلنّ من قبل أنّ لأفعلنّ تجئ مبتدأة. ألا ترى أنّ الرجل يقول لأفعلنّ كذا وكذا. فلو قلت: إن أتيتني لأكرمنّك وإن لم تأتني لأغمّنّك جاز لأنّه في معنى لئن أتيتني لأكرمنّك ولئن لم تأتني لأغمّنّك ولا بدّ من هذه اللام مضمرة أو مظهرة لأنها لليمين كأنك قلت: والله لئن أتيتني لأكرمنّك. فإن قلت: لئن تفعل لأفعلنّ قبح لأنّ لأفعلنّ على أوّل الكلام وقبح في الكلام أن تعمل إن أو شئ من حروف الجزاء في الأفعال حتى تجزمه في اللفظ ثم لا يكون لها جواب ينجزم بما قبله. ألا ترى أنّك تقول: آتيك إن أتيتني ولا تقول آتيك إن تأتني إلاّ في شعر لأنك أخّرت إن وما عملت فيه ولم تجعل لإن جوابا ينجزم بما قبله. فهكذا جرى هذا في كلامهم. ألا ترى أنه قال عزّ وجلّ: " وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين " وقال عزّ وجلّ: " وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " لمّا كانت إن العاملة لم يحسن إلاّ أن يكون لها جواب ينجزم بما قبله. فهذا الذي يشاكلها في كلامهم إذا عملت. وقد تقول: إن أتيتني آتيك أي آتيك إن أتيتني. قال زهير: وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم ولا يحسن إن تأتني آتيك من قبل أنّ إن هي العاملة. وقد جاء في الشعر قال جرير بن عبد الله البجليّ: يا أقرع بن حابس يا أقرع إنّك إن يصرع أخوك تصرع أي أنّك تصرع إن يصرع أخوك. ومثل ذلك قوله: هذا سراقة للقرآن يدرسه والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب أي والمرء ذئب إن يلق الرّشا. قال الأصمعيّ: هو قديم أنشدينه أبو عمرو. وقال ذو الرمّة: أي ناظر متى أشرف. فجاز هذا في الشعر وشبّهوه بالجزاء إذا كان جوابه منجزماً لأنّ المعنى واحد كما شبّه الله يشكرها وظالم بإذا هم يقنطون جعله بمنزلة يظلم ويشكرها الله كما كان هذا بمنزلة قنطوا وكما قالوا في اضطرار: إن تأتني أنا صاحبك يريد معنى الفاء فشبّهه ببعض ما يجوز في الكلام حذفه وأنت تعنيه. وقد يقال: إن أتيتني آتك وإن لم تأتني أجزك لأنّ هذا في موضع الفعل المجزوم وكأنه قال: إن تفعل أفعل. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها " فكان فعل. وقال الفرزدق: دسّت رسولاً بأنّ القوم إن قدروا عليك يشفوا صدوراً ذات توغير وقال الأسود بن يعفر: ألا هل لهذا الدّهر من متعلّل عن النّاس مهما شاء بالناس يفعل وقال: إن تأتني فأكرمك أي فأنا أكرمك فلا بدّ من رفع فأكرمك إذا سكتّ عليه لأنّه جواب وإنّما ارتفع لأنه مبنيّ على مبتدإ. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ " ومن عاد فينتقم الله منه " ومثله: " ومن كفر فأمتعه قليلاً " ومثله:

باب الأسماء التي يجازي بها وتكون بمنزلة الّذي

وتلك الأسماء: من وما وأيّهم. فإذا جعلتها بمنزلة الّذي قلت: ما تقول أقول فيصير تقول صلة لما حتّى تكمل اسماً فكأنّك قلت: الذي تقول أقول. وكذلك: من يأتني آتيه وأيّها تشاء أعطيك. وقال الفرزدق: ومن يميل أمال السّيف ذروته حيث التقى من حفا في رأسه الشّعر وتقول: آتي من يأتيني وأقول ما تقول وأعطيك أيّها تشاء. هذا وجه الكلام وأحسنه وذلك أنه قبيح أن تؤخّر حرف الجزاء إذا جزم ما بعده فلّما قبح ذلك حملوه على الذّي ولو جزموه هاهنا لحسن أن تقول: آتيك إن تأتني. فإذا قلت: آتي من أتاني فأنت بالخيار إن شئت كانت أتاني صلة وإن شئت كانت بمنزلتها في إن. وقد يجوز في الشعر: آتي من يأتني وقال الهذليّ: فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها مطبّعة من يأتها لا يضيرها هكذا أنشدناه يونس كأنه قال: لا يضيرها من يأتها كما كان: وإنّي متى أشرف ناظر على القلب ولو أريد به حذف الفاء جاز فجعلت كإن. وإن قلت: أقول مهما تقل وأكون حيثما تكن وأكون أين تكن وآتيك متى تأتني وتلتبس بها أنّى تأتها لم يجز إلاّ في الشعر وكان جزماً. وإنما كان من قبل أنّهم لم يجعلوا هذه الحروف بمنزلة ما يكون محتاجاً إلى الصلة حتّى يكمل اسماً. ألا ترى أنه لا تقول مهما تصنع قبيح ولا في الكتاب مهما تقول إذا أراد أن يجعل القول وصلاً. فهذه الحروف بمنزلة إن لا يكون الفعل صلة لها. فعلى هذا فأجر ذا الباب.

باب ما تكون فيه الأسماء التي يجازى بها بمنزلة الّذي

وذلك قولك: إنّ من يأتيني آتيه وكان من يأتيني آتيه وليس من يأتيني آتيه. وإنّما أذهبت الجزاء من هاهنا لأنّك أعملت كان وإنّ ولم يسغ لك أن تدع كان وأشباهه معلّقة لا تعملها في شئ فلّما أعملتهنّ ذهب الجزاء ولم يكن من مواضعه. ألا ترى أنك لو جئت بإن ومتى تريد إنّ إن وإنّ متى كان محالاً. فهذا دليل على أنّ الجزاء لا ينبغي له أن يكون هاهنا بمن وما وأيّ. فإن شغلت هذه الحروف بشيء جازيت. فمن ذلك قولك: إنّه من يأتنا نأته وقال جلّ وعزّ: " إنّه من يأت ربّه مجرماً فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيا " وكنت من يأتني آته. وتقول: كان من يأته يعطه وليس من يأته يحببه إذا أضمرت الاسم في كان أو في ليس لأنّه حينئذ بمنزلة لست وكنت. فإن لم تضمر فالكلام على ما وصفنا. وقد جاء في الشعر إنّ من يأتني آته. قال الأعشى: إنّ من لام في بني بنت حسّا - ن ألمه وأعصه في الخطوب وقال أميّة بن أبي الصّلت: ولكنّ من لا يلق أمراً ينوبه بعدّته ينزل به وهو أعزل فزعم الخليل أنّه إنما جازى حيث أضمر الهاء وأراد إنّه ولكنّه كما قال الراعي: فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة وإن كان سرح قد مضى فتسرّعا أراد: فلو أنّه حقّ اليوم. ولو لم يرد الهاء كان الكلام محالا. وتقول: قد علمت أن من يأتني آته من قبل أنّ أنّ هاهنا فيها إضمار الهاء ولا تجئ مخفّفة هاهنا إلاّ على ذلك كما قال وهو عديّ بن زيد: أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص ولا يجوز أن تنوي في كان وأشباه كان علامة إضمار المخاطب ولا تذكرها. لو قلت: ليس من يأتك تعطه تريد لست لم يجز. ولو جاز ذلك لقلت كان من يأتك تعطه تريد به كنت. وقال الشاعر الأعشى: في فتية كسيوف الهند قد علموا ** أن هالك كلّ من يحفى وينتعل فهذا يريد معنى الهاء. ولا تخفّف أن إلاّ عليه كما قال: قد علمت أن لا يقول ذاك أي أنّه لا يقول. وقال عزّ وجلّ: " أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً ". وليس هذا بقويّ في الكلام كقوّة أن لا يقول لأنّ لا عوض من ذهاب العلامة. ألا ترى أنّهم لا يكادون يتكلّمون به بغد الهاء فيقولون: قد علمت أن عبد الله منطلق.

باب يذهب فيه الجزاء من الأسماء كما ذهب في إنّ وكان وأشباههما

غير أنّ إنّ وكان عوامل فيما بعدهنّ والحروف في هذا الباب لا يحدثن فيما بعدهنّ من الأسماء شيئاً كما أحدثت إنّ وكان وأشباههما لأنّها من الحروف التي تدخل على المبتدإ والمبنيّ عليه فلا تغيّر الكلام عن حاله وسأبيّن لك كيف ذهب الجزاء فيهن إن شاء الله. وإنّما كرهوا الجزاء هاهنا لأنه ليس من مواضعه. ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول: أتذكر إذ إن تأتنا نأتك كما لم يجز أن تقول: إنّ إن تأتنا نأتك فلمّا ضارع هذا الباب باب إنّ وكان كرهوا الجزاء فيه. وقد يجوز في الشعر أن يجازى بعد هذه الحروف فتقول: أتذكر إذ من يأتنا نأته. فإنما أجازوه لأن إذ وهذه الحروف لا تغيّر ما دخلت عليه عن حاله قبل أن تجئ بها فقالوا: ندخلها على من يأتنا نأته ولا تغيّر الكلام كأنّا قلنا من يأتنا نأته كما أنّا إذا قلنا إذ عبد الله منطلق فكأنّا قلنا: عبد الله منطلق لأنّ إذ لم تحدث شيئاً لم يكن قبل أن تذكرها. وقال لبيد: على حين من تلبث عليه ذنوبه يرث شربه إذ في المقام تدابر ولو اضطرّ شاعر فقال: أتذكر إذ إن تأتنا نأتك جاز له كما جاز في من. وتقول: أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته فنحن فصلت بين إذ ومن كما فصل الاسم في كان بين كان ومن. وتقول: مررت به فإذا من يأتيه يعطيه. وإن شئت جزمت لأنّ الإضمار يحسن هاهنا. ألا ترى أنك تقول: مررت به فإذا أجمل الناس ومررت به فإذا أيّما رجل. فإذا أردت الإضمار فكأنك قلت: فإذا هو من يأته يعطه. فإذا لم تضمر وجعلت إذا هي لمن فهي بمنزلة إذ لا يجوز فيها الجزم. وتقول: لا من يأتك تعطه ولا من يعطك تأته من قبل أنّ لا ليست كإذ وأشباهها وذلك لأنّها لغو بمنزلة ما في قوله عزّ وجلّ: " فبما رحمة من الله لنت لهم " فما بعده كشيء ليس قبله لا. ألا تراها تدخل على المجرور فلا تغيّره عن حاله تقول: مررت برجل لا قائم ولا قاعد. وتدخل على النصب فلا تغيّره عن حاله تقول: لا مرحباً ولا أهلاً فلا تغيّر الشيء عن حاله التي كان عليها قبل أن تنفيه ولا تنفيه مغيّراً عن حاله يعني في الإعراب التي كان عليها فصار ما بعدها معها بمنزلة حرف واحد ليست فيه لا وإذ وأشباهها لا يقعن هذه المواقع ولا يكون الكلام بعدهن إلاّ مبتدأ. وقال ابن مقبل: وقدر ككفّ القرد لا مستعيرها يعار ولا من يأتها يتدسّم ووقوع إن بعد لا يقوّي الجزاء فيما بعد لا. وذلك قول الرجل: لا إن أتيناك أعطيتنا ولا إن قعدنا عندك عرضت علينا ولا لغو في كلامهم. ألا ترى أنك تقول: خفت أن لا تقول ذاك وتجري مجرى خفت أن تقول. وتقول: إن لا يقل أقل فلا لغو وإذ وأشباهها ليست هكذا إنّما يصرفن الكلام أبداً إلى الابتداء. وتقول: ما أنا ببخيل ولكن إن تأتني أعطك جاز هذا وحسن لأنّك قد تضمرها هنا كما تضمر في إذا. ألا ترى أنك تقول: ما رأيتك عاقلاً ولكن أحمق. وإن لم تضمر تركت الجزاء كما فعلت ذلك في إذا. قال طرفة: ولست بحلاّل التلاّع مخافةً ولكن متى يسترفد القوم أرفد كأنه قال: أنا. ولا يجوز في متى أن يكون الفعل وصلاً لها كما جاز في من والّذي. وسمعناهم ينشدون قول العجير السّلوليّ: وما ذاك أن كان ابن عميّ ولا أخي ولكن متى ما أملك الضرّ أنفع والقوافي مرفوعة كأنه قال: ولكن أنفع متى ما أملك الضرّ ويكون أملك على متى في موضع جزاء وما لغو ولم يجد سبيلاً إلى أن يكون بمنزلة من فتوصل ولكنها كمهما. وأمّا قوله عزّ وجلّ: " وأمّا إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين " فإنّما هو كقولك: أمّا غداً فلك ذاك. وحسنت إن كان لأنه لم يجزم بها كما حسنت في قوله: أنت ظالم إن فعلت.

باب إذا ألزمت فيه الأسماء التي تجازى بها حروف الجرّ

لم تغيّرها عن الجزاء هذا قول يونس والخليل جميعاً. فحروف الجرّ لم تغيّرها عن حال الجزاء كما لم تغيّرها عن حال الاستفهام. ألا ترى أنّك تقول: بمن تمرّ وعلى أيّها أركب فلو غيّرتها عن الجزاء غيّرتها عن الاستفهام. وقال ابن همّام السّلوليّ: لّما تمكّن دنياهم أطاعهم في أيّ نحو يميلوا دينه يمل وذاك لأنّ الفعل إنّما يصل إلى الاسم بالباء ونحوها فالفعل مع الباء بمنزلة فعل ليس قبله حرف جرّ ولا بعده فصار الفعل الذي يصل بإضافة كالفعل الذي لا يصل بإضافة لأنّ الفعل يصل بالجرّ إلى الاسم كما يصل غيره ناصباً أو رافعاً. فالجرّ هاهنا نظير النصب والرفع في غيره. فإن قلت: بمن تمرّ به أمرّ وعلى أيّهم تنزل عليه أنزل وبما تأتيني به آتيك رفعت لأنّ الفعل إنّما أوصلته إلى الهاء بالباء الثانية والباء الأولى للفعل الآخر فتغيّر عن حال الجزاء كما تغيّر عن حال الاستفهام فصارت بمنزلة الّذي لأنّك أدخلت الباء للفعل حين أوصلت الفعل الذي يلي الاسم بالباء الثانية إلى الهاء فصارت الأولى ككان وإنّ - يقول: لا يجازى بما بعدها - وعملت الباء فيما بعدها عمل كان وإنّ فيما بعدهما. وقد يجوز أن تقول: بمن تمرر أمره وعلى من تنزل أنزل إذا أردت معنى عليه وبه وليس بحدّ إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوماً على من يتكل يريد: يتكل عليه ولكنه حذف. وهذا قول الخليل. وتقول: غلام من تضرب أضربه لأنَّ ما يضاف إلى من بمنزلة من. ألا ترى أنك تقول: أبوأيهم رأيته كما تقول: أيهم رأيته. وتقول: بغلام من تؤخذ أو خذ به كأنك قلت: بمن تؤخذ أؤخذ به. وحسن الاستفهام ها هنا يقوِّي الجزاء تقول: غلام من تضرب وبغلام من مررت. ألا ترى أنّ كينونة الفعل غير وصل ثابتة. وتقول: بمن تمرر أمرر به وبمن تؤخذ أوخذ به. فحدُّ الكلام أن تثبت الباء في الآخر لأنه فعل لا يصل إلا بحرف الإضافة. يدلّك على ذلك أنك لو قلت: من تضرب أنزل لم يجز حتى تقول عليه إلا في شعر. فإن قلت: بمن تمرر أمرر أو بمن تؤخذ أوخذ فهو أمثل وليس بحد الكلام. وإنما كان في هذا أمثل لأنه قد ذكر الباء في الفعل الأول فعلم أنّ الآخر مثله لأنه ذلك الفعل.

باب الجزاء إذا أدخلت فيه ألف الاستفهام

وذلك قولك: أإن تأتني آتك. ولا تكتفي بمن لأنها حرف جزاء ومتى مثلها فمن ثمًّ أدخل عليه الألف تقول: أمتى تشتمني أشتمك وأمن يفعل ذاك أزره وذلك لأنك أدخلت الألف على كلام قد عملَ بعضه في بعض فلم يغيَّره وإنما الألف بمنزلة الواو والفاء ولا ونحو ذلك لا تغيَّر الكلام عن حاله وليست كإذ وهل وأشباههما. ألا ترى أنها تدخل على المجرور والمنصوب والمرفوع فتدعه على حاله ولا تغيّره عن لفظ المستفهم. ألا ترى أنه يقول: مررت بزيدٍ فتقول: أزيد إن شئت قلت أزيدنيه وكذلك تقول في النصب والرفع وإن شئت أدخلتها على كلام المخبر ولم تحذف منه شيئاً وذلك إذا قال: مررت بزيدٍ قلت: أمررت بزيد. ولا يجوز ذلك في هل وأخواتها. ولو قلت: هل مررت بزيدٍ كنت مستأنفاً. ألا ترى أنَّ الألف لغو. فإن قيل: فإن الألف لا بدَّ لها من أن تكون معتمدة على شيء فإنَّ هذا الكلام معتمد لها كما تكون صلةً للذي إذا قلت: الذي إن تأته يأتك زيد. فهذا كلُّه وصلٌ. فإن قال: الذي إن تأته يأتيك زيدٌ وأجعل يأيتكَ صلةَ الَّذي لم يجد بدَّاً من أن يقول: أنا إن تأتني آتيك لأنَّ أنا لا يكون كلاماً حتى يبنى عليه وأمَّا يونس فيقول: أإن تأتني آتيك. وهذا قبيح يكره في الجزاء وإن كان في الاستفهام. وقال عزَّ وجلَّ: " أفإن متَّ فهم الخالدون. " ولو كان ليس موضعَ جزاء قبح فيه إن كما يقبح أن تقول: أتذكر إذ إن تأتني آتيك. فلو قلت: إن أتيتني آتيك على القلب كان حسناً.

باب الجزاء إذا كان القسم في أوَّله

وذلك قولك: والَّله إن أتيتني لا أفعل لا يكون إلا معتمدةً عليه اليمين. ألا ترى أنَّك لو قلت: والله إن تأتني آتك لم يجز ولو قلت والَّله من يأتني آته كان محالاً واليمين لا تكون لغواً كلا والألف لأن اليمين لآخر الكلام وما بينهما لا يمنع الآخر أن يكون على اليمين وإذا قلت آإن تأتني آتك فكأنك لم تذكر الألف واليمين ليست هكذا في كلامهم. ألا ترى أنك تقول: زيدٌ منطلقٌ فلو أدخلت اليمن غيَّرت الكلام. وتقول: أنا والَّله إن تأتني لا آتك لأن هذا الكلام مبني على أنا ألا ترى أنه حسن أن تقول: أتا والله إن تأتني آتك فالقسم ها هنا لغوٌ. فإذا بدأت بالقسم لم يجز إلا أن يكون عليه. ألا ترى أنك تقول: لئن أتيتني لا أفعل ذاك لأنها لام قسمٍ. ولا يحسن في الكلام لئن تأتني لا أفعل لأنَّ الآخر لا يكون جزماً. وتقول: والَّله إن أتيتني آتيك وهو معنى لا آتيك وهو معنى لا آتيك. فإن أردت أن الإتيان وأنتم لهذا الناس كالقبلة التي بها أن يضلَّ الناس يهدى ضلالها فلا يكون الآخر إلا رفعاً لأنَّ أن لا يجازى بها وإنما هي مع الفعل اسم فكأنه قال: لأن يضلَّ الناس يهدى. وهكذا أنشده الفرزدق.

باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما

فأمَّا ما يرتفع بينهما فقولك: إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمش أمش معك. وذلك لأنك أردت أن تقول إن تأتني سائلاً يكن ذلك وإن تأتني ماشياً فعلت. وقال زهير: ومن لا يزل يستحمل النَّاس نفسه ولا يغنها يوماً من الدهر يسأم إنما أراد: من لا يزل مستحملاً يكن من أمره ذاك. ولو رفع يغنها جاز وكان حسناً كأنَّه قال: من لا يزل لا يغنى نفسه. ومما جاء أيضاً مرتفعاً قول الحطيئة: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نارٍ عندها خير موقد وسألت الخليل عن قوله: متى تأتنا بلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا قال: تلمم بدل من الفعل الأول. ونظيره في الأسماء: مررت برجلٍ عبد الَّله فأراد أن يفسر الإتيان بالإلمام كما فسَّر الاسم الأوَّل بالاسم الآخر. ومثل ذلك أيضاً قوله أنشدنيهما الأصمعيّ عن أبي عمرو لبعض بني أسد: إن يبخلوا أو يجبنوا أو يغدروا لا يحفلوا يغدوا عليك مرجَّلين كأنهم لم يفعلو فقوله يغدوا: بدل من لا يحفلوا وغدوهم مرجَّلين يفسِّر أنَّهم لم يحفلوا. وسألته: هل يكون إن تأتنا تسألنا نعطك فقال: هذا يجوز على غير أن يكون مثل الأول لأنَّ الأوّل الفعل الآخر تفسير له وهو هو والسُّوال لا يكون الإتيان ولكنَّه يجوز على الغلط والنَّسيان ثم يتدارك كلامه. ونظير ذلك في الأسماء: مررت برجلٍ حمارٍ كأنه نسي ثم تدارك كلامه. وسألته عن قوله جلَّ وعزَّ: " ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة " فقال: هذا كالأوّل لأن مضاعفة العذاب هو لقيٌّ الآثام. ومثل ذلك من الكلام: إن تأتنا بحسن إليك نعطك ونحميك تفسر الإحسان بشيء هو هو وتجعل الآخر بدلاً من الأول. فإن قلت: إن تأتني آتك أقل ذاك كان غير جائز لأنَّ القول ليس بالإتيان إلا أن تجيزه على ما جاز عليه تسألنا وأمَّا ما ينجزم بين المجزومين فقولك: إن تأتني ثمَّ تسألني أعطك وإن تأتني فتسألني أعطك وإن تأتنيي وتسألني أعطك. وذلك لأنَّ هذه الحروف يشركن الآخر فيما دخل فيه الأول. وكذلك أو وما أشبههنَّ. ولا يجوز في ذا الفعل الرفع. وإنَّما كان الرفع في قوله متى تأته تعشو لأنَّه في موضع عاش كأنه قال: متى تأته عاشياً. ولو قلت متى تأته وعاشياً كان محالاً. فإنَّما أمرهن أن يشركن بين الأوّل والآخر. وسألت الخليل عن قوله: إن تأتني فتحدثني أحدثك وإن تأتني وتحدثني أحدِّثك فقال: هذا يجوز والجزم الوجه. ووجه نصبه على أنه حمل الآخر على الاسم كأنه أراد إن يكن إتيان فحديث أحدِّثك فلمَّا قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى أن لأن الفعل معها اسم. وإنما كان الجزم الوجه لأنه إذا نصب كان المعنى معنى الجزم فيما أراد من الحديث فلمّا كان ذلك كان أن يحمل على الذي عمل فيما يليه أولى وكرهوا أن يتخطَّوا به من بابه إلى آخر إذا وسألته عن قول ابن زهير: ومن لا يقدِّم رجله مطمئنة فيثبتها في مستوى الأرض يزلق فقال: النصب في هذا جيِّد لأنه أرادها هنا من المعنى ما أراد في قوله: لا تأتينا إلا لم تحدِّثنا فكأنه قال: من لا يقدَّم إلا لم يثبت زلق. ولا يكون أبداً إذا قلت: إن تأتني فأحدثك الفعل الآخر الا رفعا وإنَّما منعه أن يكون مثل ما انتصب بين المجزومين أنّ هذا منقطع من الأوّل شريك له وإذا قلت إن يكن إتيان فحديثٌ أحدثك فالحديث متصل بالأول ألا ترى أنَّك إذا قلت: إن يكن إتيانٌ فحديث ثمّ سكتَّ وجعلته جواباً لم يشرك الأول وكان مرتفعاً بالابتداء. وتقول: إن تأتني لآتك فأُحدثك. هذا الوجه وإن شئت ابتدأتَ. وكذلك الواو وثمَّ وإن شئت نصبت بالواو والفاء كما نصبت ما كان بين المجزومين. واعلم أنّ ثمَّ لا ينصب بها كما ينصب بالواو والفاء ولم يجعلوها مما يضمر بعده أن وليس يدخلها من المعاني ما يدخل في الفاء وليس معناها معنى الواو ولكنها تشرك ويبتدأ بها. واعلم أنّ ثمَّ إذا أدخلته على الفعل الذي بين المجزومين لم يكن إلَّا جزماً لأَّنه ليس مما ينصب. وليس يحسن الابتداء لأنَّ ما قبله لم ينقطع. وكذلك الفاء والواو وأو إذا لم ترد بهن النصب فإذا انقضى الكلام ثم جئت بثمَّ فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت. وكذلك الواو والفاء. قال الَّله تعالى: " وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثمَّ لا ينصرون " وقال تبارك وتعالى: " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمَّ لا يكونوا أمثالكم " إِّلا أنَّه قد يجوز النصب بالفاء والواو. وبلغنا أنَّ بعضهم قرأ: " يحاسبكم به الَّله فيغفر لمن يشاء ويعذِّب من يشاء " والَّله على كل شيء قدير " وتقول: إن تأتني فهو خير لك وأكرمك وإن تأتني فأنا لآتيك وأحسن إليك. وقال عزَّ وجلَّ: " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم ". والرفع ههنا وجه الكلام وهو الجيِّد لأنَّ الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء فجرى الفعل هنا كما كان يجري في غير الجزاء. وقد بلغنا أنَّ بعض القرَّاء قرأ: " من يضلل الَّله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون " وذلك لأنَّه حمل الفعل على موضع الكلام لأنَّ هذا الكلام في موضع يكون جواباً لأنّ أصل الجزاء الفعل وفيه تعمل حروف الجزاء ولكنَّهم قد يضعون في موضع الجزاء غيره. ومثل الجزم ههنا النصب في قوله: فلسنا بالجبال ولا الحديدا وتقول: إن تأتني فلن أوذيك وأستقبلك بالجميل فالرفع ههنا الوجه إذا لم يكن محمولاً على لن كما قال الرفع الوجه في قوله فهو خير لك وأكرمك ومثل ذلك إن أتيتني لم آتك وأحسن إليك فالرفع الوجه إذا لم تحمله على لم كما كان ذلك في لن. وأحسن ذلك أن تقول: إن تأتني لا آتك كما أن أحسن الكلام أن تقول: إن أتيتني لم آتك. وذلك أنّ لم أفعل نفي فعل وهو مجزوم بلم ولا أفعل نفي أفعل وهو مجزوم بالجزاء. فإذا قلت: إن تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل وهو مجزوم بالجزاء. فإذا قلت: إن تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل لأنه نظيره من الفعل. وإذا قال إن فعلت فأحسن الكلام أن تقول: فعلت لأنَّه مثله. فكما ضعف فعلت مع أفعل وأفعل مع فعلت قبح لم أفعل مع يفعل لأن لم أفعل نفي فعلت. وقبح لا أفعل مع فعل لأنها نفي أفعل. واعلم أنَّ النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني لآتك وأعطيك ضعيف وهو نحومن قوله: وألحق بالحجاز فأستريحا فهذا يجوز وليس بحد الكلام ولا وجهه إلَّا أنَّه في الجزاء صار أقوى قليلاً لأنّه ليس بواجب أنّه يفعل إلّا أن يكون من الأول فعلٌ فلمَّا ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه وإن كان معناه كمعنى ما قبله إذا قال وأعطيك. وإنَّما هو في المعنى كقوله ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى مصرع مظلومٍ مجراً ومسحبا وتدفن منه الصالحات وإن يسىء يكن ما أساء النار في رأس كبكبا

باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل

إذا كان جواباً لأمرٍ أو نهي أو استفهام أو تمنِّ أو عرض فأما ما انجزم بالأمر فقولك: ائتني آتك. وأما ما انجزم بالنهي فقولك: لا تفعل يكن خيراً لك. وأمّا ما انجزم بالاستفهام فقولك: ألا تأتيني أحدثِّك وأين تكون أزرك وأمّا ما انجزم بالتّمني فقولك: ألا ماءَ أشربه وليته عندنا يحدَّثنا. وأمَّا ما انجزم بالعرض فقولك: ألا تنزل تصب خيراً. وإنَّما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب إن تأتني بإن تأتني لأنَّهم جعلوه معلَّقاً بالأوّل عير مستغنٍ عنه إذا أرادوا الجزاء كما أنَّ إن تأتني عير مستغنية عن آتك. وزعم الخليل: أنَّ هذه الأوائل كلَّها فيها معنى إن فلذلك انجزم الجواب لأنه إذا قال ائتني آتك فإنّ معنى كلامه إن يكن منك إتيان آتك وإذا قال: أين بيتك أزرك فكأنّه قال إن أعلم مكان بيتك أزرك لأنّ قوله أين بيتك يريد به: أعلمني. وإذا قال ليته عندنا يحدثنا فإنّ معنى هذا الكلام إن يكن عندنا يحدَّثنا وهو يريد ههنا إذا تمنَّى ما أراد في الأمر. وإذا قال لو نزلت فكأنَّه قال انزل. ومما جاء من هذا الباب في القرآن وغيره قوله عزّ وجلّ: " هل أدلُّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابِ أليم. تؤمنون بالَّله ورسوله وتجاهدون في سبيل الَّله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون " فلمَّا انقضت الآية قال: " يغفر لكم ". ومن ذلك أيضاً: أتينا أمس نعطيك اليوم أي إن كنت أتيتنا أمس أعطيناك اليوم. هذا معناه فإن كنت تريد أن تقررِّه بأنه قد فعل فإنَّ الجزاء لا يكون لأنَّ الجزاء إنَّما يكون في غير الواجب. ومما جاء أيضاً منجزماً بالاستفهام قوله وهو رجل من بني تغلب جابر ابن حنى: ألا تنتهي عنَّا ملوك وتتقى محارمنا لا يبؤ الدَّم بالدَّم وقال الراجز: متى أنام لا يؤرقني الكرى ليلاً ولا أسمع أجراس المطى كأنّه قال: إ يكن منِّى نومٌ في غير هذه الحال لا يؤرقني الكرىُّ كأنَّه لم يعَّد نومه في هذه الحال نوماً. وتقول: ائتني آتك فتجزم على ما وصفنا وإن شئت رفعت على أن لا تجعله معلقاً بالأوَّل ولكنَّك تبتدئه وتجعل الأوّل مستغنياً عنه كأنَّه يقول: ائتني أنا آتيك. ومثل ذلك قول الشاعر وهو الأخطل: وقال رائدهم أرسوا نزاولها فكل حتف أمريءٍ يمضي لمقدار وقال الأنصاري: يا مال والحق عنده فقفوا تؤتون فيه الوفاء معترفا كأنّه قال: إنكم تؤتون فيه الوفاء معترفاً. وقال معروف: كونوا كمن واسى أخاه بنفسه نعيش جميعاً أو نموت كلانا كأنه قال: كونوا هكذا إنّا نعيش جميعاً أو نموت كلانا إن كان هذا أمرنا. وزعم الخليل: أنَّه يجوز أن يكون نعيش محمولاً على كونوا كأنه قال: كونوا نعيش جميعاً أو نموت كلانا. وتقول: لا تدن منه يكن خيراً لك. فإن قلت: لا تدن من الأسديا كلك فهو قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس لأنَّك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سبباً لأكله. وإن رفعت فالكلام حسن كأنك قلت: لا تدن منه فإنَّه يأكلك. وإن أدخلت الفاء فهو حسن وذلك وليس كلُّ موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزاء. ألا ترى أنه يقول: ما أتيتنا فتحثنا والجزاء ههنا محال. وإنما قبح الجزم في هذا لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء. وسمعنا عربياً موثوقاً بعربيته يقول: لا تذهب به تغلب عليه فهذا كقوله: لا تدن من الأسد يأكلك. وتقول: ذره يقل ذاك وذره يقول ذاك فالرفع من وجهين: فأحدهما الإبتداء والآخر على قولك: ذره قائلاً ذاك فتجعل يقول في موضع قائل. فمثل الجزم قوله عزّ وجلّ: " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل " ومثل الرفع قوله تعالى جدٌّه: " ذرهم في خوضهم يلعبون ". وتقول: ائتني تمشي أي ائتني ماشياً وإن شاء جزمه على أنه إن أتاه مشي فيما يستقبل فيما يستقبل. وإن شاء رفعه على الإبتداء. وقال عز وجل: " فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى ". فالرفع على وجهين: على الإبتداء وعلى قوله: اضربه غير خائفٍ ولا خاشٍ. وتقول: قم يدعوك لأنك لم ترد أن تجعله دعاءً بعد قيامه ويكون القيام سبباً له ولكنَّك أردت: قم إنّه يدعوك. وإن أردت ذلك المعنى جزمت. كرُّوا إلى حرَّيتكم تعمرونهما كما تكرُّ إلى أوطانها البقر فعلى قوله: كرُّوا عامرين. وإن شئت رفعت على الابتداء. وتقول: مره يحفرها وقل له يقل ذاك. وقال الَّله عزّ وجلّ: " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا ممَّا رزقناهم ". ولو قلت مره يحفرها على الابتداء كان جيَّداً. وقد جاء رفعه على شيء هو قليل في الكلام على مره أن يحفرها فإذا لم يذكروا أن جعلوا المعنى بمنزلته في عسينا نفعل. وهو في الكلام قليل لا يكادون يتكلمون به فإذا تكلموا به فالفعل كأنه في موضع اسم منصوب كأنه قال: عسى زيد قائلاً ثم وضع يقول في موضعه. وقد جاء في الشعر قال طرفة بن العبد: ألا أبهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد الَّلذات هل أنت مخلدي وسألته عن قوله عزّ وجل: " قل أفغير الَّله تأمروني أعبد أيُّها الجاهلون " فقال: تأمرونِّي كقولك: هو يقول ذاك بلغني فبلغني لغو فكذلك تأمرونِّي كأنه قال: فيما تأمرونِّي كأنّه. قال فيما بلغني. وإن شئت كان بمنزلة: ألا أيُّهذا الزاجري أحضر الوغى

باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي

لأنّ فيها معنى الأمر والنهي فمن تلك الحروف: حسبك وكفيك وشرعك وأشباهها. تقول: حسبك ينم الناس. ومثل ذلك: " اتّقي الَّله امرؤ وفعل خيراً يثب عليه " لأنّ فيه معنى ليتَّق الَّله امرؤ وليفعل خيراً. وكذلك ما أشبه هذا. وسألت الخليل عن قوله عزّ وجلّ: " فأصَّدق وأكن من الصالحين " فقال: هذا كقول زهير: بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا فإنَّما جرّوا هذا لأنَّ الأوّل قد يدخله الباء فجاءوا بالثاني وكأنَّهم قد أثبتوا في الأول الباء فكذلك هذا لما كان الفعل الذي قبله قد يكون جزماً ولا فاء فيه تكلّموا بالثاني وكأنهم قد جزموا قبله فعلى هذا توهمّوا هذا. وأما قول عمرو بن عمّار الطائيّ: فقلت له صوِّب ولا تجهدنَّه فيدنك من أخرى القطاة فتزلق فهذا على النهي كما قال: لا تمددها فتشققها كأنَّه قال: لا تجهدنّه ولا يدنينّك من أخرى القطاة ومثله من النهي: لا يرينَّك ههنا ولا أرينَّك ههنا. وسألته عن آتي الأمير لا يقطع الِّصَّ فقال: الجزاء ها هنا خطأ لا يكون الجزاء أبداً حتى يكون الكلام الأول غير واجب إلا أن يضطرَّ شاعر. ولا نعلم هذا جاء في شعر البتَّة. وسألته عن قوله: أما أنت منطلقاً أنطلق معك فرفع. وهو قول أبي عمرو وحدثنا به يونس. وذلك لأنّه لا يجازي بأن كأنّه قال: لأن صرت منطلقاً أنطلق معك. وسألته عن قوله: ما تدوم لي أدوم لك فقال: ليس في هذا جزاء من قبل أن الفعل صلة لما فصار بمنزلة الّذي وهو بصلته كالمصدر ويقع على الحين كأنّه قال: أدوم لك دوامك لي. فما ودمت بمنزلة الدَّوام. ويدلّك على أنَّ الجزاء لا يكون ها هنا أنك لا تستطيع أن تستفهم بما تدوم على هذا الحدّ. ومثل ذلك: كلَّما تأتيني آتيك فالإتيان صلة لما كأنه قال: كلَّ إتيانك آتيك وكلَّما تأتيني يقع أيضاً على الحين كما كان ما تأتيني يقع على الحين. ولا يستفهم بما تدوم. وسألته عن قوله: الذي يأتيني فله درهمان لم جاز دخول الفاء ها هنا والَّذي يأتيني بمنزلة عبد اللَّه وأنت لا يجوز لك أن تقول عبد الَّله فله درهما فقال: إنَّما يحسن في الَّذي لأنه جعل الآخر جواباً للأوَّل وجعل الأوّل به يجب له الدرهمان فدخلت الفاء ها هنا كما دخلت في الجزاء إذا قال: إن يأتني فله درهمان. وإن شاء قال: الذي يأتيني له درهمان كما تقول: عبد الَّله له درهمان غير أنَّه إنما أدخل الفاء لتكون العطّية مع وقوع الإتيان فإذا أدخل الفاء فإنما يجعل الإتيان سبب ذلك. فهذا جزاء وإن لم يجزم لأنَّه صلة. ومثل ذلك قولهم: كلّ رجل يأتينا فله درهمان. ولو قال: كلّ رجل فله درهمان كان محالاً لأنه لم يجيْ بفعل ولا بعمل يكون له جوابٌ. ومثل ذلك: " الذَّين ينفقون أموالهم بالَّليل والنَّهار سرَّاّ وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربِّهم " وقال تعالى جدُّه: " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " ومثل ذلك: " إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمَّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنَّم ولهم عذاب الحريق. وسألت الخليل عن قوله جلَّ ذكره: " حتَّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها " أين جوابها وعن قوله جل وعلا: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " " ولو يرى إذ وقفوا على النَّار " فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم لعلم المخبر لأيِّ شيء وضع هذا الكلام. وزعم أنَّه قد وجد في أشعار العرب ربَّ لا جواب لها. من ذلك قول الشمّاخ: ودوّيّةٍ قفرٍ تمشِّى نعامها كمشي النَّصارى في خفاف الأرندج وهذه القصيدة التي فيها هذا البيت لم يجيء فيها جوابٌ لربَّ لعلم المخاطب أنّه يريد

باب الأفعال في القسم

اعلم أنَّ القسم توكيدٌ لكلامك. فإذا حلفت على فعلٍ غير منفيّ لم يقع لزمته اللامُ. ولزمت اللام النونُ الخفيفة أو الثقيلة في آخر الكلمة. وذلك قولك: والَّله لأفعلنَّ. وزعم الخليل: أن النون تلزم اللام كلزوم اللام في قولك: إن كان لصالحاً فإن بمنزلة اللام واللام بمنزلة النون في آخر الكلمة. واعلم أنّ من الأفعال أشياء فيها معنى اليمين يجري الفعل بعدها مجراه بعد قولك واللَّه وذلك قولك: أقسم لأفعلنَّ وأشهد لأفعلنَّ وأقسمت باللَّه عليك لتفعلنَّ. وإن كان الفعل قد وقع وحلفت عليه لم تزد على اللام وذلك قولك: والَّله لفعلت. وسمعنا من العرب من يقول: والَّله لكذبت وواللَّه لكذب. فالنون لا تدخل على فعلٍ قد وقع إنَّما تدخل على غير الواجب. وإذا حلفت على فعلٍ منفيٍّ لم تغيِّره عن حاله التي كان عليها قبل أن تحلف وذلك قولك: والَّله لا أفعل. وقد يجوز لك وهو من كلام العرب - أن تحذف لا وأنت تريد معناها وذلك قولك: والَّله أفعل ذلك أبداً تريد: والَّله لا أفعل ذلك أبداً. وقل: وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلاَّ فعلت ولّما فعلت لم جاز هذا في هذا الموضع وإنّما أقسمت ها هنا كقولك: والَّله فقال: وجه الكلام لتفعلنَّ هاهنا ولكنهم إنما أجازوا هذا لأنهم شبهوه بنشدتك الله إذ كان فيه معنى الطلب. وسألته عن قوله إذا جاءت مبتدأةً ليس قبلها ما يحلف به فقال: إنّما جاءت على نيَّة اليمين وإن لم يتكلَّم بالمحلوف به. واعلم أنَّك إذا أخبرت عن غيرك أنَّه أكَّد على نفسه أو على غيره فالفعل يجري مجراه حيث حلفت أنت وذلك قولك: أقسم ليفعلنَّ واستحلفه ليفعلنّ وحلف ليفعلنَّ ذلك وأخذ عليه لا يفعل ذلك أبداً. وذاك أنَّه أعطاه من نفسه في هذا الموضع مثل ما أعطيت أنت من نفسك حين حلفت كأنَّك قلت حين قلت أقسم ليفعلَّن قال واللَّه ليفعلنَّ وحين قلت استحلفه ليفعلنَّ قال له واللَّه ليفعلنَّ. ومثل ذلك قوله تعالى جدُّه: " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاَّ الَّله ". وسألته: لِمَ لَم يجز والَّله تفعل يريدون بها معنى ستفعل فقال: من قبل أنَّهم وضعوا تفعل ها هنا محذوفة منها لا وإنما تجيء في معنى لا أفعل فكرهوا أن تلتبس إحداهما بالأخرى. فقلت: فلم ألزمت النون آخر الكلمة فقال: لكي لا يشبه قوله إنه ليفعل لأنّ الرجل إذا قال هذا فإنما يخبر بفعلٍ واقع فيه الفاعل كما ألزموا اللام: إن كان ليقول مخافة أن يلتبس بما كان يقول وسألته عن قوله عزّ وجل: " وإذ أخذ الَّله ميثاق النَّبييِّن لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جاءكم رسول مصدِّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنَّه " فقال: ما ههنا بمنزلة الّذي ودخلتها اللام كما دخلت على إن حين قلت: واللّه لئن فعلت لأفعلنّ واللام التي في ما كهذه التي في إن واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا. ومثل هذه هذه اللام الأولى أن إذا قلت: والَّله أن لو فعلت لفعلت. وقال: فأقسم أن لو التقينا وأنتم لكان لكم يوم من الشرِّ مظلم فأن في لو بمنزلة اللام في ما فأوقعت ها هنا لامين: لام للأول ولام للجواب ولام الجواب هي التي يعتمد عليها القسم فكذلك الامان في قوله عز وجل: " لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جاءكم رسول مصدَّق لما معكم لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه " لام للأوّل وأخرى للجواب. ومثل ذلك " لمن تبعك منهم لأملأنَّ " إنما دخلت اللام على نيّة اليمين. والَّله أعلم. وسألته عن قوله عز وجل: " ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون " فقال: هي في معنى ليفعلنَّ كأنه قال ليظلَّن كما تقول: والَّله لا فعلت ذاك أبداً تريد معنى لا أفعل. وقالوا: لئن زرته ما يقبل منك وقال: لئن فعلت ما فعل يريد معنى ما هو فاعلٌ وما يفعل كما كان لظلُّوا مثل ليظلّن وكما جاءت: " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " على قوله: أم صمتٌّم فكذلك جاز هذا على ما هو فاعل. قال عز وجل: " ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلِّ آية مَّا تبعوا قبلتك " أي ما هم تابعين. وقال: سبحانه: " ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده " أي ما يمسكهما من أحدٍ. وأما قوله عز وجلّ: " وإنَّ كلاًّ لما ليوفِّينهم ربُّك أعمالهم " فإن إنّ حرف توكيد فلها لام كلام اليمين لذلك أدخلوها كما أدخلوها في: " إن كلُّ نفسٍ لما عليها حافظ " ودخلت اللام التي في الفعل على اليمين كأنَّه قال: إنّ زيداً لما واللَّه ليفعلنَّ. وقد يستقيم في الكلام إنّ زيداً ليضرب وليذهب ولم يقع ضرب. والأكثر على ألسنتهم كما خبَّرتك في اليمين فمن ثمَّ ألزموا النون في اليمين لئلا يلتبس بما هو واقع. قال الَّله عز وجل: " إنَّما جعل السَّبت على الذين اختلفوا فيه وإنّ ربَّك ليحكم بينهم يوم القيامة ". وقال لبيد: ولقد علمت لتأتين منيَّتي إنَّ المنايا لا تطيش سهامها كأنَّه قال: والَّله لتأتينّ كما قال: قد علمت لعبد اللّه خير منك وقال: أظنُّ لتسبقنّني وأظنُّ ليقومنَّ لأنه بمنزلة علمت. وقال عزّ وجل: " ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننّه " لأنه موضع ابتداء. ألا ترى أنك لو قلت: بدا لهم أيُّهم أفضل لحسن كحسنه في علمت كأنك قلت: ظهر لهم أهذا أفضل أم هذا. الحروف التي لا تقدِّم فيها الأسماء الفعل فمن تلك الحروف العوامل في الأفعال الناصبة. ألا ترى أنك لا تقول: جئتك كي زيد يقول ذاك ولا خفت أن زيد يقول ذاك. فلا يجوز أن تفصل بين الفعل والعامل فيه بالاسم كما لا يجوز أن تفصل بين الاسم وبين إنّ وأخواتها بفعلٍ. ومما لا تقدَّم فيه الأسماء الفعل الحروف العوامل في الأفعال الجازمة وتلك: لم ولمّا ولا التي تجزم الفعل في النهيولا التي تجزم في الأمر. ألا ترى أنّه لا يجوز أن تقول: لم زيد يأتك فلا يجوز أن تفصل بينها وبين الفعل بشيء كما لم يجز أن تفصل بين الحروف التي تجرّ وبين الأسماء بالأفعال لأنّ الجزم نظير الجر. ولا تجوز أن تفصل بينها وبين الفعل بحشوٍ كما لا تجوز لك أن تفصل بين الجارّ والمجرور بحشوٍ إلاّ في شعر. ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب كراهة أن تشبَّه بما يعمل في الأسماء. ألا ترى أنّه لا يجوز أن تفصل بين الفعل وبين ما ينصبه بحشوٍ كراهية أن يشبهوه بما يعمل في الاسم لأنّ الاسم ليس كالفعل وكذلك ما يعمل فيه ليس كما يعمل في الفعل. ألا ترى إلى كثرة ما يعمل في الاسم وقلّة هذا. فهذه الأشياء فيما يجزم أردأ وأقبح منها في نظيرها من الأسماء وذلك أنّك لو قلت: جئتك كي بك يؤخذ زيد لم يجز وصار الفصل في الجزم والنصب أقبح منه في الجرّ لقلّة ما يعمل في الأفعال وكثرة ما ينسى في الأسماء. واعلم أنّ حروف الجزاء يقبح أن تتقدّم الأسماء فيها قبل الأفعال وذلك لأنّهم شبّهوها بما يجزم مما ذكرنا إلا أنّ حروف الجزاء قد جاز فيها ذلك في الشعر لأنّ حروف الجزاء يدخلها فعل ويفعل ويكون فيها الاستفهام فترفع فيها الأسماء وتكون بمنزلة الّذي فلّما كانت تصرَّف هذا التصُّرف وتفارق الجزم ضارعت ما يجبرُّ من الأسماء التي إن شئت استعملتها غير مضافة نحو: ضارب عبد الَّله لأنك إن شئت نوّنت ونصبت وإن شئت لم تجاوز الاسم العامل في الآخر يعني ضاربٍ فلذلك لم تكن مثل لم ولا في النهي واللام في الأمر لأنهن لا يفارقن الجزم. ويجوز الفرق في الكلام في إن إذا لم تجزم في اللفظ نحو قوله: عاود هراة وإن معمورها خربا فإن جزمت ففي الشعر لأنه يشبَّه بلم وإنّما جاز في الفصل ولم يشبه لم لأنّ لم لا يقع بعدها فعل وإنما جاز هذا في إن لأنّها أصل الجزاء ولا تفارقه فجاز هذا كما جاز إضمار الفعل وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيه ضعف في الكلام لأنَّها ليست كإن فلو جاز في إن وقد جزمت كان أقوى إذ جاز فيها فعل. وممَّا جاء في الشعر مجزوماً في غير إن قول عدىَّ بن زيد: فمتى واغلٌ ينبهم يحيّو - ه هو وتعطف عليه كأس الساقي وقال كعب بن جعيل: صعدة نابتة في حائر أينما الريح تميَّلها تمل ولو كان فعل كان أقوى إذ كان ذلك جائزاً في إن في الكلام. واعلم أنًّ قولهم في الشعر: إن زيد يأتك يكن كذا إنّما ارتفع على فعلٍ هذا تفسيره كما كان ذلك في قولك: إن زيداً رأيته يكن ذلك لأنه لا تبتدأ بعدها الأسماء ثم يبني عليها. فإن قلت: إن تأتني زيد يقل ذاك جاز على قول من قال: زيداً ضربته وهذا موضع ابتداء ألا ترى أنك لو جئت بالفاء فقلت: إن تأتني فأنا خير لك كان حسناً. وإن لم يحمله على ذلك رفع وجاز في الشعر كقوله: الله يشكرها ومثل الأوّل قول هشام المرّى:

هذا باب الحروف التي لا يليها بعدها إلا الفعل

ولا تغير الفعل عن حاله التي كان عليها قبل أن يكون قبله شيء منها فمن تلك الحروف قد لا يفصل بينها وبين الفعل بغيره وهو جواب لقوله أفعل كما كانت ما فعل جواباً لهل فعل إذا أخبرت أنه لم يقع. ولمّا يفعل وقد فعل إنَّما هما لقومٍ ينتظرون شيئاً. فمن ثم أشبهت قد لمّا في أنَّها لا يفصل بينها وبين الفعل. ومن تلك الحروف أيضاً سوف يفعل لأنها بمنزلة السين التي في قولك سيفعل. وإنما تدخل هذه السين على الأفعال وإنَّما هي إثبات لقوله لن يفعل فأشبهتها في أن لا يفصل بينها وبين الفعل. ومن تلك الحروف: ربمّا وقلّما وأشباههما جعلوا ربَّ مع ما بمنزلة كلمة واحدة وهيئوها ليذكر بعدها الفعل لأنهم لم يكن لهم سبيل إلى " ربَّ يقول " ولا إلى " قلَّ يقول " فألحقوهما ما وأخلصوهما للفعل. ومثل ذلك: هلا ولولا وألاَّ ألزموهنّ لا وجعلوا كلَّ واحدة مع لا بمنزلة حرف واحد وأخلصوهنّ للفعل حيث دخل فيهن معنى التحضيض. صددن فأطولت الصدود وقلَّما وصال على طول الصدود يدوم واعلم أنّه إذا اجتمع بعد حروف الاستفهام نحو هل وكيف ومن اسم وفعل كان الفعل بأن يلي حرف الاستفهام أولى لأنّها عندهم في الأصل من الحروف التي يذكر بعدها الفعل. وقد بيِّن حالهنَّ فيما مضى.

هذا باب الحروف التي يجوز أن يليها بعدها الأسماء

ويجوز أن يليها بعدها الأفعال وهي لكن وإنما وكأنما وإذ ونحو ذلك لأنَّها حروف لا تعمل شيئاً فتركت الأسماء بعدها على حالها كأنَّه لم يذكر قبلها شيء فلم يجاوز ذا بها إذ كانت لا تغيَّر ما دخلت عليه فيجعلوا الاسم أولى بها من الفعل. وسألت الخليل عن قول العرب: انتظرني كما آتيك وارقبني كما ألحقك فزعم أن ما والكاف جعلتا بمنزلة حرف واحد وصيِّرت للفعل كما صيِّرت للفعل ربَّما والمعنى لعلِّى آتيك فمن ثم لم ينصبوا به الفعل كما لم ينصبوا بربّما. قال رؤبة: وقال أبو النجم: قلت لشيبان ادن من لقائه كما تغدِّى الناس من شوائه M0ذ باب نفي الفعل إذا قال: فعل فإنَّ نفيه لم يفعل. وإذا قال: قد فعل فإنّ نفيه لمَّا يفعل. وإذا قال: لقد فعل فإنَّ نفيه ما فعل. لأنّه كأنَّه قال: والَّله لقد فعل فقال: والله ما فعل. وإذا قال هو يفعل أي هو في حال فعل فإنَّ نفيه ما يفعل. وإذا قال هو يفعل ولم يكن الفعل واقعاً فنفيه لا يفعل. وإذا قال لفعلنَّ فنفيه لا يفعل كأنّه قال: والَّله ليفعلنَّ فقلت والَّله لا يفعل. وإذا قال: سوف يفعل فإنَّ نفيه لن يفعل M0ا ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء يضاف إليها أسماء الدهر. وذلك قولك: هذا يوم يقوم زيدٌ وآتيك يوم يقول ذاك. وقال الَّله عز وجل: " هذا يوم لا ينطقون " وهذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم ". وجاز هذا في الأزمنة واطّرد فيها كما جاز للفعل أن يكون صفةً وتوسَّعوا بذلك في الدهر لكثرته في كلامهم فلم يخرجوا الفعل من هذا كما لم يخرجوا الأسماء من ألف الوصل نحو ابنٍ وإنما أصله للفعل وتصريفه. ومما يضاف إلى الفعل أيضاً قولك: ما رأيته منذ كان عندي. ومذ جاءني ومنه أيضاً " آية ". قال الأعشى: وقال يزيد بن عمرو بن الصعق: ألا من مبلغٌ عنِّي تميماً بآية ما تحبُّون الطّعاما فما لغو. ومما يضاف إلى الفعل قوله: لا أفعل بذي تسلم ولا أفعل بذي تسلمان ولا أفعل بذي تسلمون المعنى: لا أفعل بسلامتك وذو مضافة إلى الفعل كإضافة ما قبله كأنَّه قال: لا أفعل بذي سلامتك. فذو ههنا الأمر الذي بسلّمك وصاحب سلامتك. ولا يضاف إلى الفعل غير هذا كما أنّ لدن لا تنصب إلاَّ في غدوة. واطَّردت الأفعال في آية اطّرد الأسماء في أتقول إذا قلت: أتقول زيداً منطلقاً شبّهت بتطنّ. وسألته عن قوله في الأزمنة كان ذاك زمن زيد أمير فقال: لمَّا كانت في معنى إذ أضافوها إلى ما قد عمل بعضه في بعضٍ كما يدخلون إذ على ما قد عمل بعضه في بعض ولا يغيّرونه فشبَّهوا هذا بذلك. ولا يجوز هذا في الأزمنة حتَّى تكون بمنزلة إذ. فإن قلت: يكون هذا يوم زيدٌ أميرٌ كان خطأ. حدثنا بذلك يونس عن العرب لأنَّك لا تقول: يكون هذا إذا زيدٌ أميرٌ. جملة هذا الباب أنَّ الزمان إذا كان ماضياً أضيف إلى الفعل وإلى الابتداء والخبر لأنَّه في معنى إذ فأضيف إلى ما يضاف إليه إذ. وإذا كان لما لم يقع لم يضف إلاَّ إلى الأفعال لأنه في معنى إذا وإذا هذه لا تضاف ألاَّ إلى الأفعال.

هذا باب إنَّ وأنَّ

أمّا أنَّ فهي اسم وما عملت فيه صلةٌ لها كما أن الفعل صلة لأن الخفيفة وتكون أن اسماً. ألا ترى أنك تقول: قد عرفت أنك منطلقٌ فأنّك في موضع اسم منصوب كأنّك قلت: قد عرفت ذاك. وتقول: بلغني أنك منطلقٌ فأنَّك في موضع اسم مرفوع كأنك قلت: بلغني ذاك. فأنّ الأسماء التي تعمل فيها صلةٌ لها كما أنّ أنِ الأفعال التي تعمل فيها صلة لها. ونظير ذلك في أنه وما عمل فيه بمنزلة اسم واحد لا في غير ذلك قولك: رأيت الضارب أباه زيد فالمفعول فيه لم يغيَّره عن أنّه اسم واحد بمنزلة الرجل والفتى. فهذا في هذا الموضع شبيهٌ بأنّ إذ كانت مع ما عملت فيه بمنزلة اسم واحد فهذا ليعلم أنَّ الشيء يكون كأنّه من الحرف الأوّل وقد عمل فيه. وأما إنَّ فإنَّما هي بمنزلة الفعل لا يعمل فيها ما يعمل في أنَّ كما لا يعمل في الفعل ما يعمل في الأسماء ولا تكون إنّ إلاّ مبتدأةً وذلك قولك: إنّ زيداً منطلقٌ وإنّك ذاهب.

  هذا باب من أبواب أنّ 

وتقول: لولا أنَّه منطلق لفعلت فأنَّ مبنيَّة على لولا كما تبنى عليها الأسماء. وتقول: لو أنّه ذاهب لكان خيراً له فأنَّ مبنيَّة على لو كما كانت مبنيَّة على لولا كأنك قلت: لو ذاك ثم جعلت أنَّ وما بعدها في موضعه فهذا تمثيل وإن كانوا لا يبنون على لو غير أنّ كما كان تسلم في قولك بذي تسلم في موضع اسم ولكنَّهم لا يستعملون الاسم لأنّهم مما مستغنون بالشيء عن الشيء حتَّى يكون المستغني عنه مسقطاً. وقال الَّله عز وجلّ: " قل لو أنتم تملكون جزائن رحمة ربِّي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق ". وقال: لو بغير الماء حلقي شرق وسألته عن قول العرب: ما رأيته مذ أنَّ الَّله خلقني فقال: أنَّ في موضع اسمٍ كأنه قال: مذ ذاك. وتقول: أما إنَّه ذاهبٌ وأما أنّه منطلق وإذا قال: أما إنّه منطلقٌ فسألت الخليل عن ذلك فقال: إذا قال: أما أنّه منطلقٌ فإنّه يجعله كقولك: حقّاً أنّه منطلقٌ وإذا قال: أما إنّه منطلقٌ فإنّه بمنزلة قوله: ألا كأنَّك قلت: ألا إنَّه ذاهبٌ. وتقول: قد عرفت أنه ذاهب ثم أنه معجل ولأن الآخر شريك الأول في عرفت. وتقول قد عرفت أنه ذاهب ثم إني أخبرك أنه معجل لأنك ابتدأت إني ولم تعجل الكلام على عرفت. أما والَّله ذاهب أنه ذاهبٌ كأنك قلت: قد علمت والَّله أنه ذاهبٌ. وإذا قلت: أما والَّله إنّه ذاهب: كأنك قلت: ألا إنّه والَّله ذاهب. وتقول: رأيته شابّاً وإنّه يفخر يومئذٍ كأنك قلت: رأيته شاباً وهذه حاله. تقول هذا بتداء ولم يجعل الكلام على رأيت. وإن شئت حملت الكلام على الفعل ففتحت. قال ساعدة بن جؤيَّة: رأته على شيب القذال وأنّها تواقع بعلاً مَّرة وتئيمُ وزعم أبو الخطَّاب: أنَّه سمع هذا البيت من أهله هكذا. وسألته عن قوله عز وجلّ: " وما يشعركم إنَّها إذا جاءت لا يؤمنون " ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل فقال: لا يحسن ذا في ذا الموضع إنما قال: وما يشعركم ثم ابتدأ فأوجب فقال: إنَّها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنَّها إذا جاءت لا يؤمنون كان ذلك عذراً لهم. وأهل المدينة يقولون " أنّها ". فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السُّوق أنك تشتري لنا شيئاً أي لعلَّك فكأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وتقول: إنَّ لك هذا علىّ وأنَّك لا تؤذي كأنك قلت: وإنّ لك أنَّك لا تؤذي. وإن شئت ابتدأت ولم تحمل الكلام على إنَّ لك. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين قال بعضهم: " وإنّك لا تظمأ فيها ". وقال بعضهم: " وأنّك ". واعلم أنه ليسس يحسن لأنَّ أن تلي إنَّ ولا أن كما قبح ابتداؤك الثقيلة المفتوحة وحسن ابتداؤك الخفيفة لأنّ الخفيفة لا تزول عن الأسماء والثقيلة تزول فتبدأه. ومعناها مكسورة ومفتوحة سواء. واعلم أنه ليس يحسن أن تلي إنّ أنَّ ولا أنَّ إنّ. ألا ترى أنك لا تقول إنّ أنّك ذاهبٌ في الكتاب ولا تقول قد عرفت أ إنِّك منطلق في الكتاب. وإنّما قبح هذا ههنا كما قبح في الابتداء ألا ترى أنه يقبح أن تقول أن تقول أنّك منطلقٌ بلغني أو عرفت لأنَّ الكلام بعد أنّ وإن غير مستغنٍ كما أن المبتدأ غير مستغن. وإنما كرهوا ابتداء أنّ لئَّلا يشبِّهوها بالأسماء التي تعمل فيها إنَّ ولئلا يشِّبهوها بأن الخفيفة لأنَّ أن والفعل بمنزلة مصدر فعله الذي ينصبه والمصادر تعمل فيها إنّّ وأنَّ. ويقول الرجل للرجل: لم فعلت ذلك فيقول: لم أنّه ظريف كأنه قال: قلت لمه قلت لأنّ ذاك كذلك. وتقول إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم: أي إني تجد إذا ابتدأت كما تبتدىء أي أنا نجد. وإن شئت قلت أي أنِّى نجد كأنك قلت: أي لأنى نجد. تقول: ذلك وأنّ لك عندي ما أحببت وقال الَّله عزّ وجلّ: " ذلكم وأنّ الَّله موهن كيد الكافرين " وقال: " ذلكم فذوقوه وأنَّ للكافرين عذاب النّار " وذلك لأنها شركت ذلك فيما حمل عليه كأنه قال: الأمر ذلك وأن الَّله. ولو جاءت مبتدأه لجازت يدلّك على ذلك قوله عزَّ وجل: " ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمَّ بغى عليه لينصرنّه الَّله. فمن ليس محمولاً على ما حمل عليه ذلك فكذلك يجوز أن يكون إنّ منقطعةً من ذلك قال الأحوص: عوّدت قومي إذا ما لضيَّف نبَّهي عقر العشار على عسري وإيساري إنَّي إذا خفيت نار لمرملةٍ ألفي بأرفع تلٍّ رافعاً ناري ذاك وإنَّي على جاري لذو حدبٍ أحنو عليه بما يحنى على الجار فهذا لا يكون إلاّ مستأنفاً غير محمول على ما حمل عليه ذاك. فهذا أيضاً يقوّى ابتداء إنّ في الأوّل.

هذا باب آخر من أبواب أنّ

تقول: جئتك أنّك تريد المعروف إنَّما أراد: جئتك لأنك تريد المعروف ولكنك حذفت اللام ههنا كما تحذفها من المصدر إذا قلت: أي: لاّدخاره. وسألت الخليل عن قوله جل ذكره: " وأنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدة وأنا ربُّكم فاتّقون " فقال: إنَّما هو على حذف اللام كأنه قال: ولأنّ هذه أمّتكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتقون. وقال: ونظيرها: " لإيلاف قريشٍ " لأنّه إنما هو: لذلك " فليعبدوا ". فإن حذفت اللام من أن فهو نصبٌ كما أنَّك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً. هذا قول الخليل. ولو قرؤها: " وإنّ هذه أمّتكم أمةً واحدةً " كان جيّداً وقد قرىء. ولو قلت: جئتك إنَّك تحب المعروف مبتدأً كان جيداً. وقال سبحانه وتعالى: " فدعا ربّه أنِّي مغلوبٌ فانتصر ". وقال: " ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه أنَّي لكم نذير مبين " إنما أراد بأنِّي مغلوب وبأنيِّ لكم نذير مبين ولكنه حذف الباء. وقال أيضاً: " وأنّ المساجد لّله فلا تدعوا مع الَّله أحداً " بمنزلة: " وأنّ هذه أمّتكم أمّة واحدةً " والمعنى: ولأنّ هذه أمّتكم فاتقون ولأن المساجد للّه فلا تدعوا مع الَّله أحداً. وأما المفِّسرون فقالوا: على أوحى كما كان " وأنّه لما قام عبد اللّه يدعوه " على أوحي. ولو قرئت: وإنّ المساجد لّله كان حسناً. واعلم أن هذا البيت ينشد على وجهين على إرادة اللام وعلى الابتداء. قال الفرزدق: وسمعنا من العرب من يقول: إنِّي أنا ابنها. وتقول: لبيك إنّ الحمد والنعمة لك وإن شئت قلت أنّ. ولو قال إنسان: إنّ " أنَّ في موضع جرٍّ في هذه الأشياء ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجارّ كما حذفوا ربّ في قولهم: وبلدٍ تحسبه مكسوحا لكان قولاً قوياً. وله نظائر نحو قوله: لاه أبوك والأوّل قول الخليل. ويقوّى ذلك قوله: " وأنّ المساجد للّه " لأنهم لا يقدِّمون أنّ ويبتدئونها ويعملون فيها ما بعدها. إلاّ أنه يحتجُّ الخليل بأنّ المعنى معنى اللام. فإذا كان الفعل أو غيره موصّلاً إليه باللام جاز تقديمه وتأخيره لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى فاحتملوا هذا المعنى كما قال: حسبك ينم الناس إذ كان فيه معنى الأمر. وسترى مثله ومنه ما قد مضى.

هذا باب إنَّما وأنَّما

اعلم أنَّ كلِّ موضع تقع فيه أنَّ تقع فيه أنَّما وما ابتدىء بعدها صلةُ لها كما أنّ الذي ابتدىْ بعد الذي صلة له. ولا تكون هي عاملةً فيما بعدها كما لا يكون الذّي عاملاً فيما بعده. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: " قل إنَّما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنّما إلهكم إله واحدٌ ". وقال الشاعر ابن الإطنابة: أبلغ الحارث بن ظالم المو ** عد والناذر النُّذور عليَّا أنَّما تقتل النِّيام ولا تقت ** ل يقظان ذا سلاحٍ كميَّا فإنّما وقعت أنّما ههنا لأنك لو قلت: أنّ إلهكم إله واحدٌ وأنك تقتل النيام كان حسنا. وإن شئت قلت: إنَّما تقتل النيام على الابتداء، زعم ذلك الخليل. فأمّا إنَّما فلا تكون اسماً وإنّما هي فيما زعم الخليل بمنزلة فعل ملغى مثل: أشهد لزيد خير منك لأنَّها تعمل فيما بعدها ولا تكون إلاَّ مبتدأةً بمنزلة إذا لا تعمل في شيء. واعلم أن الموضع الذي لا يجوز فيه أنَّ لا تكون فيه إنَّما إلاَّ مبتدأةً وذلك قولك: وجدتك إنما أنت صاحب كلّ خنى لم يجز ذلك لأنَّك إذا قلت أرى أنه منطلق فإنما وقع الرأي على شيء لا يكون الكاف التي في وجدتك ونحوها من الأسماء فمن ثم لم يجز لأنك لو قلت وجدتك أنك صاحب كل خنى رأيتك أنك منطلق فإنما أدخلت إنَّما على كلامٍ مبتدأ كأنك قلت: وجدتك أنت صاحب كلِّ خىً ثم أدخلت إنما على هذا الكلام فصار كقولك: إنَّما أنت صاحب كلّ خنىً لأنَّك أدخلتها على كلام قد عمل بعضه في بعض. ولم تضع إنَّما في موضع ذاك إذا قلت وجدتك ذاك لأنّ ذاك هو الأوّل وأنَّما وأنَّ إنّما يصيِّران الكلام شأناً وحديثاً فلا يكون الخبر ولا الحديث الرجل ولا زيداً ولا أشباه ذلك من الأسماء. وقال كثيَّر. أراني ولا كفران لَّله إنَّما ** أواخي من الأقوام كلَّ بخيلٍ لأنه لو قال: " أنَّى " ههنا كان غير جائز لما ذكرنا فإنَّما ههنا بمنزلتها في قولك: زيدٌ إنما يواخي كلَّ بخيل. وهو كلام مبتدأ وإنَّما في موضع خبره كما أنك إذا قلت: كان زيدٌ أبوه منطلق. فهو مبتدأ وهو في موضع خبره. وتقول: وجدت خبره أنَّما يجالس أهل الخبث لأنك تقول: أرى أمره أنَّه يجالس أهل الخبث فحسنت أنَّه ها هنا لأنّ الآخر هو الأوّل.

باب تكون فيه أنَّ بدلا من شيء هو الأول

وذلك قولك: بلغتني قصَّتك أنّك فاعلٌ وقد بلغني الحديثُ أنَّهم منطلقون وكذلك القصّة وما أشبهها.

هذا باب تكون فيه أنَّ بدلاً

من ذلك: " وإذ يعدكم الَّله إحدى الطائفتين أنَّها لكم " فأنَّ مبدلة من إحدى الطَّائفتين موضوعة في مكانها كأنك قلت: وإذ يعدكم الَّله إن ّ إحدى الطائفتين لكم كما أنَّك إذا قلت: رأيت متاعك بعضه فوق بعض فقد أبدلت الآخر من الأول وكأنَّك قلت: رأيت بعض متاعك فوق بعض كما جاء الأوّل على معنى وإذ يعدكم الَّله أنّ إحدى الطائفتين لكم. ومن ذلك قوله عز وجل: " ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنَّهم إليهم لا يرجعون ". فالمعنى والَّله أعلم: ألم يروا أنَّ القرون الذين أهلكناهم إليهم لا يرجعون. ومما جاء مبدلاً من هذا الباب: " أيعدكم أنَّكم إذا متُّم وكنتم تراباً وعظاماً أنَّكم مخرجون " فكأنّه على: أيعدكم أنَّكم مخرجون إذا متّم وذلك أريد بها ولكنّه إنما قدّمت أنَّ الأولى ليعلم بعد أيّ شيءٍ الإخراج. ومثل ذلك قولهم: زعم أنّه إذا أتاك أنَّه سيفعل وقد علمت أنّه إذا فعل أنّه سيمضي. ولا يستقيم أن تبتدىء إنَّ ها هنا كما تبتدىء الأسماء أو الفعل إذا قلت: قد علمت زيداً أبوه خير منك وقد رأيت زيداً يقول أبوه ذاك لأنّ إنَّ لا تبتدأ في كلّ موضع وهذا من تلك المواضع. وزعم الخليل: أ ّ مثل ذلك قوله تبارك وتعالى: " ألم يعلموا أنَّه من يحادد اللَّه ورسوله فأنّ له وسمعناهم يقولون في قول ابن مقبلٍ: وعلمي بأسدام المياه فلم تزل قلائص تخدى في طريقٍ طلائح وأنَّى إذا ملَّت ركابي مناخها فإنِّي على حظَّي من الأمر جامح وإن جاء في الشعر قد علمت أنّك إذا فعلت إنَّك سوف تغتبط به تريد معنى الفاء جاز. والوجه والحدّ ما قلت لك أوّل مرةٍ. وبلغنا أن الأعرج قرأ: " أنَّه من عمل منكم سوأً بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفور رحيم ". ونظيره ذا البيت الذي أنشدتك.

هذا باب من أبواب أنّ تكون أنّ فيه مبنية على ما قبلها

وذلك قولك: أحقاً أنَّك ذاهبٌ وآلحقَّ أنَّك ذاهب وكذلك إن أخبرت فقلت: حقا " ً أنَّك ذاهبٌ. والحق أنك ذاهب وكذلك أأكبر ظنَّك أنك ذاهبٌ وأجهد رأيك أنَّك ذاهبٌ. وكذلك هما في الخبر. وسألت الخليل فقلت: ما منعهم أن يقولوا: أحقاً إنَّك ذاهبٌ على القلب كأنَّك قلت: إنَّك ذاهبٌ حقاً وإنَّك ذاهب الحقَّ وأنَّك منطلقٌ حقاً فقال: ليس هذا من مواضع إنَّ لأنّ إنَّ لا يبتدأ بها في كل موضع. ولو جاز هذا لجاز يوم الجمعة إنك ذاهب تريد إنك ذاهب يوم الجمعة ولقلت أيضاً لا محالة إنك ذاهبٌ تريد إنك لا محالة ذاهب فلما لم يجز ذلك حملوه على: أفي حقًّ أنَّك ذاهب وعلى: أفي أكبر ظنَّك أنَّك ذاهبٌ وصارت أنَّ مبنيةً عليه كما يبني الرحيل على غدٍ إذا قلت: غداً الرحيل. والدليل على ذلك إنشاد العرب هذا البيت كما أخبرتك. زعم يونس أنه سمع العرب يقولون في بيت الأسود بن يعفر: أحقاً بني أبناء سلمى بن جندلٍ تهدُّدكم إيَّاي وسط المجالس فزعم الخليل: أنَّ التهدّدها هنا بمنزلة الرحيل بعد غدٍ وأنَّ أن بمنزلته وموضعه كموضعه. ونظير: أحقّاً أنَّك ذاهبٌ من أشعار العرب قول العبديّ: أحقّاً أنَّ جيرتنا استقّلوا ** فنيَّتنا ونيَّتهم فريق قال: فريق كما تقول للجماعة: هم صديق. وقال الَّله تعالى جدَّه: " عن اليمين وعن الشَّمال قعيد ". وقال عمر بن أبي ربيعة: أألحق أن دار الرَّباب تباعدت ** أو أنبتَّ حبل أنَّ قلبك طائر ألا أبلغ بني خلفٍ رسولاً ** أحقاً أنّ أخطلكم هجاني فكلُّ هذه البيوت سمعناها من أهل الثقة هكذا. والرفع في جميع ذا حيّد قوىّ وذلك أنَّك إن شئت قلت: أحقُّ أنَّك ذاهبٌ وأأكبر ظنَّك أنك ذاهبٌ تجعل الآخر هو الأول. وأما قولهم: لا محالة أنَّك ذاهبٌ فإنما حملوا أنّ على أنَّ فيه إضمار من على قوله: لا محالة من أنَّك ذاهب كما تقول لا بد أنك ذاهب كأنك قلت لا بد من أنك ذاهب حين لم يجز أن يحملوا الكلام على القلب. وسألته عن قولهم: أمّا حقّاً فإنك ذاهب فقال: هذا جيد وهذا الموضع من مواضع إنَّ. ألا ترى أنَّك تقول: أمّا يوم الجمعة فإنَّك ذاهبٌ وأمّا فيها فإنَّك داخل. فإنما جاز هذا في أماَّ لأنَّ فيها معنى يوم الجمعة مهما يكن من شيء فإنَّك ذاهبٌ. وأمّا قوله عزّ وجل: " لا جرم أنَّ لهم النّار " فأنَّ جرم عملت فيها لأنَّها فعل ومعناها: لقد حقَّ أنّ لهم النار. ولقد استحق أن لهم النار وقول المفسَّرين: معناها: حقّاً أنَّ لهم النار يدلُّك أنَّها بمنزلة هذا الفعل إذا مثَّلت فجرم بعد عملت في أنَّ عملها في قول الفزاريّ: ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وزعم الخليل: أنَّ لا جرم إنَّما تكون جواباً لما قبلها من الكلام يقول الرجل كان كذا وكذا وفعلوا كذا وكذا فتقول: لا جرم أنَّهم سيندمون أو أنَّه سيكون كذا وكذا. وتقول: أمّا جهذ رأيي فأنَّك ذاهبٌ لأنَّك لم تصطَّرَّ إلى أن تجعله ظرفاً كما اضطررت في الأوّل. وهذا من مواضع إنَّ لأنَّك تقول: أما في رأيي فإنَّك ذاهب أي فأنت ذاهب وإن شئت قلت فأنَّك. وهو ضعيف لأنَّك إذا قلت: أمّا جهد رأيي فإنك عالم لم تضطرّ إلى أن تجعل الجهد ظرفاً للقصة لأنَّ ابتداء إنَّ يحسن ها هنا. وتقول: أمّا في الدار فإنك قائمُ لا يجوز فيه إلاَّ إنَّ تجعل الكلام قصّةً وحديثاً ولم ترد أن تخبر أنّ في الدار حديثه ولكنَّك أردت أن تقول: أما في الدار فأنت قائم فمن ثم لم يعمل في أي شيء أردت أن تقول. أمّا في الدار فحديثك وخبرك قلت: أمّا في الدار فأنّك منطلقٌ أي هذه القصَّة. ويقول الرجل: ما اليوم فتقول: اليوم أنَّك مرتحلٌ كأنَّه قال: في اليوم رحلتك. وعلى هذا الحدّ تقول: أمّا اليوم فأنَّك مرتحلٌ. وأما قولهم: أمّا بعد فإنّ الَّله قال في كتابة فإنه منزلة قولك: أمّا اليوم فإنَّك ولا تكون بعد أبداً مبنياً عليها إذا لم تكن مضافةً ولا مبنّية على شيء إنَّما تكون لغواً. وسألته عن شدَّ ما أنَّك ذاهٌب وعزَّ ما أنَّك ذاهبٌ فقال: هذا بمنزلة حقاً أنّك ذاهٌب كما تقول: أما أنّك ذاهبٌ بمنزلة حقاً أنَّك ذاهبٌ. ولو بمنزلة لولا ولا تبتدأ بعدها الأسماء سوى أنَّ نحو لو أنّك ذاهبٌ. ولولا تبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة لولا وإن لم يجز فيها ما يجوز فيما يشبهها. تقول: لو أنّه ذهب لفعلت. وقال عزّ وجلّ: " لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربيّ ". وإن شئت جعلت شدَّما وعزَّما كنعم ما كأنّك قلت: نعم العمل أنّك تقول الحقَّ. وسألته عن قوله: كما أنّه لا يعلم ذلك فتجاوز الَّله عنه وهذا حقُّ كما أنّك ها هنا فزعم أنّ العاملة في أنَّ الكاف وما لغو إلا أنّ ما لا تحذف من ها هنا كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ كأنَّ كما ألزموا النون لأفعلنَّ واللام قولهم إن كان ليفعل كراهية أن يلتبس اللفظان. ويدلّلك على أن الكاف هي العاملة قولهم: هذا حقُّ مثل ما أنّك ها هنا. وبعض العرب يرفع فيما حدَّثنا يونس وزعم أنه يقول أيضاً: " إنَّه لحقُّ مثل ما أنَّكم تنطقون " فلولا أنَّ ما لغو لم يرتفع مثل وإن نصبت مثل فما أيضاً لغوٌ لأنَّك تقول: مثل أنّك ها هنا. وإن جاءت ما مسقطة من الكاف في الشعر جاز كما قال النابغة الجعدي: قرومٍ تسامى عند باب دفاعه كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا فما لا تحذف ها هنا كما لا تحذف في الكلام من أنَّ ولكنه جاز في الشعر كما حذفت وإن من خريف فلن يعدما هذا بابٌ من أبواب إنَّ تقول: قال عمرو إن زيداًُ خيرٌ منك وذلك لأنّك أردت أن تحكي قوله ولا يجوز أن تعمل قال في إنَّ كما لا يجوز لك أن تعملها في زيد وأشباهه إذا قلت: قال زيدٌ عمروٌ خير الناس فأنَّ لا تعمل فيها قال كما لا تعمل قال فيما تعمل فيه أنَّ لأن أنَّ تجعل الكلام شأناً وأنت لا تقول قال الشأن متفاقماً كما تقول: زعم الشأن متفاقماً. فهذه الأشياء بعد قال حكاية. ومثل ذلك: " وإذ قال موسى لقومه إنّ الّله يأمركم أن تذبحوا بقرة " وقال أيضاً: " قال الَّله إنّى منزَّلها عليكم ". وكذلك جميع ما جاء من ذا في القرآن. وسألت يونس عن قوله: متى تقول أنّه منطلقٌ فقال: إذا لم ترد الحكاية وجعلت تقول مثل تظنُّ قلت: متى تقول أنَّك ذاهبٌ. وإن أردت الحكاية قلت: متى تقول إنّك ذاهبٌ. كما أنَّه يجوز لك أن تحكي فتقول: متى تقول زيد منطلقٌ وتقول: قال عمروٌ إنّه منطلق. فإن جعلت الهاء عمراً أو غيره فلا تعمل قال كما لا تعمل إذا قلت قال عمروٌ هو منطلقٌ. فقال: لم تعمل ها هنا شيئاً وإن كانت الهاء هي القائل كما لا تعمل شيئاً إذا قلت قال وأظهرت هو. فقال لا وكان عيسى يقرأ هذا الحرف: " فدعا ربَّه إنّى مغلوبٌ فانتصر أراد أن يحكي كما قال عزّ وجلّ: " والذَّين اتَّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم " كأنه قال والَّله أعلم: قالوا ما نعبدهم. ويزعمون أنَّها في قراءة ابن مسعود كذا. ومثل ذلك كثيرٌ في القرآن. وتقول: أوّل ما أقول أنّى أحمد الَّله كأنك قلت: أوّل ما أقول الحمد لَّله وأنَّ في موضعه. وإن أردت الحكاية قلت: أول ما أقول إنّي أحمد الّله.

هذا باب آخر من أبواب إن

وذلك قولك: قد قاله القوم حتّى إنَّ زيداً يقوله وانطلق القوم حتّى إنّ زيداً لمنطلق. فحتَّى ها هنا معلَّقة لا تعمل شيئاً في إنَّّ كما لا تعمل إذا قلت: حتى زيد ذاهبٌ فهذا موضع ابتداء وحتَّى بمنزلة إذا. ولو أردت أن تقول حتّى أنّ تقول حتّى أنّ في ذا الموضع كنت محيلا لأنَّ أنَّ وصلتها بمنزلة الانطلاق ولو قلت: انطلق القوم حتّى الانطلاق أو حتّى الخبر كان محالاً لأنَّ أنَّ تصيَّر الكلام خبراً فلما لم يجز ذا حمل على الابتداء. وكذلك إذا قلت: مررت فإذا إنّه يقول أنَّ زيداً خير منك. وسمعت رجلاً من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به: فحال إذا هاهنا كما لهل إذا قلت: إذا هو عبد القفا واللازم وإنما جاءت إن ها هنا لأنَّك هذا المعنى أردت كما أردت في حتَّى معنى حتّى هو منطلق. ولو قلت: مررت فإذا أنّه عبدٌ تريد مررت به فإذا أمره العبوديّة واللؤم كأنَّك قلت: مررت فإذا العبوديّة واللؤم ثم وضعت أنَّ في هذا الموضع جاز. وتقول: قد عرفت أمورك حتَّى أنك أحمق كأنك قلت عرفت أمورك حتى حمقك ثم وضعت أنَّ في هذا الموضع. هذا قول الخليل. وسألته هل يجوز: كما أنّك ههنا على حد قوله: كما أنت هاهنا فقال: لا لأنّ إنَّ لا يبتدأ بها في كل موضع ألا ترى أنّك لا تقول: يوم الجمعة إنّك ذاهب ولا كيف إنك صانع. فكما بتلك المنزلة.

هذا باب آخر من أبواب إنِّ

تقول: ما قدم علينا أمير إِّلا إنّه مكرم لي لأنَّه ليس ههنا شيء يعمل في إنَّ. ولا يجوز أن تكون عليه أنَّ وإنَّما تريد أن تقول: ما قدم علينا أمير إَّلا هو مكرم لي فكما لا تعمل في ذا لا تعمل في إنّ. ودخول اللام ههنا يدلّك على أنه موضع ابتداء. وقال سبحانه: " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إَّلا إنَّهم ليأكلون الطَّعام ". ومثل ذلك قول كثيّر: ما أعطياني ولا سألتهما إّلا وإنِّي لحاجزي كرمى وكذلك لو قال: إَّلا وإنِّي حاجزي كرمى. وتقول: ما غضبت عليك إّلا أنّك فاسقٌ كأنك قلت: إّلا لأنَّك فاسقٌ. وأما قوله عز وجل: " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إَّلا أنهم كفروا بالله " فإّنما حمله على منعهم. وتقول إذا أردت معنى اليمين: أعطيته ما إنَّ شرَّه خير من جيِّد ما معك وهؤلاء الذين إَّن أجنبهم لأشجع من شجعائكم. وقال الله عّز وجّل: " وآتيناه من الكنوز ما إَّن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوَّة فإن صلةٌ لما كأنك قلت: ما والله إّن شرَّه خير من جيّد ما معك.

هذا باب آخر من أبواب إَّن

تقول: أشهد إنّه لمنطلق فأشهد بمنزلة قوله: واللهّ إنّه لذاهب. وإَّن غير عاملة فيها أشهد لأنّ هذه اللام لا تلحق أبدأ إّلا في الابتداء. ألا ترى أنك تقول: أشهد لعبد اّلله خير من زيد كأنك قلت: واللهّ لعبد اللهّ خيرٌ من زيد فصارت إنَّ مبتدأةً حين ذكرت اللام هنا كما كان عبد اّلله مبتدأً حين أدخلت فيه اللام. فإذا ذكرت اللام ههنا لم تكن إّلا مكسورةً كما أنّ عبد اللّه لا يجوز هنا إَّلا مبتدأً. ولو جاز أن تقول: أشهد أنّك لذاهبٌ لقلت أشهد بلذاك. فهذه اللام لا تكون إلاَّ في الابتداء وتكون أشهد بمنزلة واّلله. ونظير ذلك قول اّلله عّز وجلَّ: " واللهّ يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون " وقال عّز وجلَّ: " فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باّلله إنَّه لمن الصَّادقين " لأنّ هذا توكيدُ كأنّه قال: يحلف باللّه إنه لمن الصادقين. وقال الخليل: أشهد بأنّك لذاهبُ غير جائز من قبل أنَّ حروف الجرّ لا تعَّلق. وقال: أقول أشهد إنه لذاهبٌ وإنهّ لمنطلق أتبع آخره أولّه. وإن قلت: أشهد أنّه ذاهبُ وإنه لمنطلقُ. لم يجز إلاَّ الكسر في الثاني لأن اللام لا تدخل أبدا على أنَّ وأن محمولةُ على ما قبلها ولا تكون إّلا مبتدأةً باللام. ومن ذلك أيضاً قولك: قد علمت إنّه لخير منك. فإنَّ ههنا مبتدأةُ وعلمت ههنا بمنزلتها في قولك: لقد علمت أيّهم أفضل معلقةَّ في الموضعين جميعاً. وهذه اللام تصرف إنَّ إلى لابتداء كما تصرف عبد اللّه إلى الابتداء إذا قلت قد علمت لعبد ولو قلت: قد علمت أنّه لخيرُ منك لقلت: قد علمت لزيداً خيراً منك ورأيت لعبد اّلله هو الكريم فهذه اللام لا تكون مع أنَّ ولا عبد اّلله إلاَّ وهما مبتدءان. ونظير ذلك قوله عزّ وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ " فهو ههنا مبتدأ. ونظير إنَّ مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: " ولقد علمت الجنةَّ إنَّهم لمحضرون " وقال أيضاً: " هل ندلكم على رجلٍ ينبئِّكم إذا مزّقتم كلَّ ممزَّقٍ إنَّكم لفي خلق جديد " فإنكم ههنا بمنزلة أيّهم إذا قلت: ينبئهم أيّهم أفضل. وقال الخليل مثله: إنَّ اللّه يعلم ما تدعون من دونه من شيء فما ههنا بمنزلة أيّهم ويعلم معلقة. قال الشاعر: ألم تر إنّي وابن أسود ليلةً ** لنسري إلى نارين يعلو سناهما سمعناه ممن ينشده من العرب. وسألت الخليل عن قوله: أحقاً إنَّك لذاهبٌ فقال: لا يجوز كما لا يجوز: يوم الجمعة إنّه لذاهبٌ. وزعم الخليل ويونس أنه لا تلحق هذه اللام مع كّل فعل. ألا ترى أنك لا تقول: وعدتك إنّك لخارجٌ إنمّا يجوز هذا في العلم والظنّ ونحوه كما يبتدأ بعدهنّ أيهّم. فإن لم تذكر اللام قلت: قد علمت أنّه منطلقٌ لا تبتدئه وتحمله على الفعل لأنه لم يجيء ما يضطرّك إلى الابتداء وإنما ابتدأت إنَّ حين كان غير جائز أن تحمله على الفعل فإذا حسن أن تحمله على الفعل لم تخطَّ الفعل إلى غيره. ونظير ذلك قوله: إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌّ حملته على الفعل حين لم يجز أن تبتدىء بعد إن الأسماء وكما قال: أما أنت منطلقاً انطلقت معك حين لم يجز إن تبتدىء الكلام بعد أمَّا فاضطررت في هذا الموضع إلى أن تحمل الكلام على الفعل. فإذا قلت: إنّ زيداً منطلقٌ لم يكن في إنَّ إلاّ الكسر لأنَّك لم تضطر إلى شيء. ولذلك تقول: أشهد أنك ذاهبٌ إذا لم تذكر اللام. وهذا نظير هذا. وهذه كلمةٌ تكلّم بها العرب في حال اليمين وليس كلُّ العرب تتكلم بها تقول: لهنَّك لرجل صدق فهي إنَّ ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف كقوله: هرقت ولحقت هذه اللام إنَّ كما لحقت ما حين قلت: إنّ زيدا لما لينطلقنَّ فلحقت إنَّ اللام في اليمين كما لحقت ما فاللام الأولى في لهنك لام اليمين والثانية لام إنَّ. وفي لما لينطلقنَّ اللام الأولى لأن والثانية لليمين. والدليل على ذلك النون التي معها كما أنَّ اللام الثانية في قولك: إن زيدا لما ليفعلنَّ لام اليمن وقد يجوز في الشعر: أشهد إنّ زيدا ذاهبٌ يشبهها بقوله: واّلله إنه ذاهبٌ لأن معناها معنى اليمين كما أنّه لو قال: أشهد أنت ذاهبٌ ولم يذكر اللام إلاَّ ابتداءً وهو قبيح ضعيف إلاّ باللام. ومثل ذلك في الضعف: علمت إنَّ زيدا ذاهبٌ كما أنَّه ضعيف: قد علمت عمروٌ خيرٌ منك ولكنَّه على إرادة اللام كما قال عزّ وجل: " قد أفلح من زكَّاها " وهو على اليمين. وكان في هذا حسناً حين طال الكلام. وسألت الخليل عن كأنَّ فزعم أنهَّا إنَّ لحقتها الكاف للتشبيه ولكنهَّا صارت مع إنَّ بمنزلة كلمة واحدة وهي نحو كأيٍّ رجلاً ونحو له كذا وكذا درهماً. وأما قول العرب في الجواب إنَّه فهو بمنزلة أجل. وإذا وصلت قلت إنَّ يا فتى وهي التي بمنزلة أجل. قال الشاعر: بكر العواذل في الصَّبو ** ح يلمنني وألومهنهَّ ويلقن شيبٌ قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنَّه

هذا باب أن وإن

فأحدها أن تكون فيه أن وما تعمل فيه من الأفعال بمنزلة مصادرها والآخر: أن تكون فيه بمنزلة أي. ووجهٌ آخر تكون فيه لغواً. ووجهٌ آخر هي فيه مخففةَ من الثقيلة. فأمّا الوجه الذي تكون فيه لغواً فنحو قولك: لمَّا أن جاءوا ذهبت وأما واللّه أن لو فعلت لأكرمتك. وأما إن فتكون للمجازاة وتكون أن يبتدأ ما بعدها في معنى اليمين وفي اليمين كما قال اّلله عزّ وجلّ: " إن كلّ نفسٍ لما عليها حافظٌ " " وإن كلّ لما جميع لدينا محضرون ". وحدثني من لا أتهم عن رجل من أهل المدينة موثوق به أنه سمع عربيّا يتكّلم بمثل قولك: إن زيدٌ لذاهبٌ وهي التي في قوله جلّ ذكره: " وإن كانوا ليقولون. لو أنَّ عندنا ذكراً من الأوَّلين " وهذه إنَّ محذوفةٌ. وتكون في معنى ما. قال اللّه عزّ وجلّ: " إن الكافرون إلاَّ في غرورٍ " أي: ما الكافرون إلاّ في غرور. وتصرف الكلام إلى الابتداء كما صرفتها ما إلى الابتداء في قولك: إنمَّا وذلك قولك: ما إن زيدٌ ذاهبٌ. وقال فروة بن مسيك: وما إن طبّنا جبنٌ ولكن منايانا ودولة آخرينا التي تكون والفعل بمنزلة مصدر تقول: أن تأتيني خيرٌ لك كأنّك قلت: الإتيان خيرٌ لك. ومثل ذلك قوله تبارك وتعالى: " وأن تصوموا خيرٌ لكم " يعني الصوم خيرٌ لكم. وقال الشاعر عبد الرحمن بن حسّان: إنّي رأيت من المكارم حسبكم ** أن تلبسوا حرَّ الثياب وتشبعوا كأنه قال: رأيت حسبكم لبس الثياب. واعلم أنّ اللام ونحوها من حروف الجرّ قد تحذف من أن كما حذفت من أنَّ جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت: فعلت ذاك حذر الشرِّ أي لحذر الشّر. ويكون مجروراً على التفسير الآخر. ومثل ذلك قولك: إنّما انقطع إليك أن تكرمه أي: لأن تكرمه. ومثل ذلك قولك: لا تفعل كذا وكذا أن يصيبك أمر تكرهه كأنّه قال: لأن يصيبك أو من أجل أن يصيبك. وقال عزّ وجل: " أن تضلَّ إحداهما " وقال تعالى: " أأن كان ذا مالٍ وبنين " كأنه قال: ألأن كان ذا مال وبنين. وقال الأعشى: فأن هاهنا حالها في حذف حرف الجرّ كحال أنَّ وتفسيرها كتفسيرها وهي مع صلتها بمنزلة المصدر. ومن ذلك أيضاً قوله: ائتني بعد أن يقع الأمر وأتاني بعد أن وقع الأمر كأنَّه قال: بعد وقوع الأمر. ومن ذلك قوله: أمّا أن أسير إلى الشأم فما أكرهه وأمّا أن أقيم فانّ فيه أجراً كأنه قال: أما السيّرورة فما أكرهها وأمّا الإقامة فلى فيها أجرٌ. وتقول: لا يلبث أن يأتيك أي لا يلبث عن إتيانك. وقال تعالى: " فما كان جواب قومه إلاَّ أن قالوا " فأن محمولة على كان كأنَّه قال: فما كان جواب قومه إلاّ قول كذا وكذا. وإن شئت رفعت الجواب فكانت أن منصوبةً. وتقول: ما منعك أن تأتينا أراد من إتياننا. فهذا على حذف حرف الجرّ. وفيه ما يجيء محمولاً على ما يرفع وينصب من الأفعال تقول: قد خفت أن تفعل وسمعت عربّياً يقول: أنعم أن تشدَّه أي بالغ في أن يكون ذلك هذا المعنى وأن محمولة على أنعم. وقال جلّ ذكره: " بئسما اشتروا به أنفسهم " ثم قال: أن يكفروا على التفسير كأنه قيل له ما هو فقال: هو أن يكفروا. وتقول: إني مّما أن أفعل ذاك كأنه قال: إنّي من الأمر أو من الشأن أن أفعل ذاك فوقعت ما هذا الموقع كما تقول العرب: بئسما له يريدون بئس الشيء ماله. وتقول: ائتني بعد ما تقول ذاك القول كأنك قلت: ائتني بعد قولك ذاك القول كما أنك إذا قلت بعد أن تقول فإنما تريد ذاك ولو كانت بعد مع ما بمنزلة كلمةٍ واحدة لم تقل: ائتني من بعد ما تقول ذاك القول ولكانت الدال على حالٍ واحدة. وإن شئت قلت: إنّي مّما أفعل فتكون ما مع من بمنزلة كلمة واحدة نحو ربمَّا. قال أبو حيّة النميّري: وإنّا لممَّا نضرب الكبش ضربةً على رأسه تلقى اللسان من الفم وتقول إذا أضفت إلى الأسماء: إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل وإن شئت قلت: إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل كأنك قلت: إنّه أهل لأن يفعل ومخافة لأن يفعل. وهذه الإضافة كإضافتهم بعض الأشياء إلى أن. قال: تظلّ الشمس كاسفةً عليه كآبة أنهّا فقدت عقيلاً وتقول: أنت أهلٌ أن تفعل أهلٌ عاملة في أن كأنك قلت: أنت مستحقٌ أن تفعل. وسمعنا فصحاء العرب يقولون: لحقّ أنّه ذاهبٌ فيضيفون كأنه قال: ليقين أنه ذاهبٌ أي ليقين ذاك وتقول: إنّه خليقٌ لأن يفعل وإنّه خليقٌ أن يفعل على الحذف. وتقول: عسيت أن تفعل فأن هاهنا بمنزلتها في قولك: قاربت أن تفعل أي: قاربت ذاك وبمنزلة: دنوت أن تفعل. واخلو لقت السماء أن تمطر أي: لأن تمطر. وعسيت بمنزلة اخلولقت السماء. ولا يستعملون المصدر هنا كما لم يستعملوا الاسم الذي الفعل في موضعه كقولك: اذهب بذي تسلم ولا يقولون: عسيت الفعل ولا عسيت للفعل. وتقول: عسى أن يفعل وعسى أن يفعلوا وعسى أن يفعلا وعسى محمولة عليها أن كما تقول: دنا أن يفعلوا وكما قالوا: اخلولقت السماء أن تمطر وكلَّ ذلك تكلَّم به عامة العرب. وكينونة عسى للواحد والجميع والمؤنثَّ تدلك على ذلك. ومن العرب من يقول: عسى وعسيا وعسوا وعست وعستا وعسين. فمن قال ذلك كانت أن فيهن بمنزلتها في أنَّها منصوبة. واعلم أنَّهم لم يستعملوا عسى فعلك استغنوا بأن تفعل عن ذلك كما استغنى أكثر العرب بعسى عن أن يقولوا: عسيا وعسوا وبلو أنّه ذاهبٌ عن لو ذهابه. ومع هذا أنَّهم لم يستعملوا المصدر في هذا الباب كما لم يستعملوا الاسم الذي في موضعه يفعل في عسى وكاد فترك هذا لأنَّ من كلامهم الاستغناء بالشيء عن الشيء. واعلم أن من العرب من يقول: عسى يفعل يشبهها بكاد يفعل فيفعل حينئذ في موضع الاسم المنصوب في قوله: عسى الغوير أبؤساً. فهذا مثل من أمثال العرب أجروا فيه عسى محرى كان. قال هدبة: عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرجٌ قريب وقال: عسى اّلله يغنى بلاد ابن قادرٍ بمنهمرٍ جون الرَّباب سكوب وقال: فأمّا كيَّسٌ فنجا ولكن عسى يغترّ بي حمقٌ لئيم وأمّا كاد فإنَّهم لا يذكرون فيها أن وكذلك كرب يفعل ومعناهما واحد. يقولون: كرب يفعل وكاد يفعل ولا يذكرون الأسماء في موضع هذه الأفعال لما ذكرت لك في الكرّاسة التي تليها. ومثله: جعل يقول لا تذكر الاسم ههنا. ومثله أخذ يقول فالفعل ههنا بمنزلة الفعل في كان إذا قلت: كان يقول وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثمَّ وهو ثمَّ خبرٌ كما أنه ههنا خبر إلاَّ أنَّك لا تستعمل الاسم فأخلصوا هذه الحروف للأفعال كما خلصت حروف الاستفهام للأفعال نحو: هلاَّ وألاَّ. قد كاد من طول البلى أن يمصحا والمحص مثله. وقد يجوز في الشعر أيضاً لعلِّى أن أفعل بمنزلة عسيت أن أفعل. وتقول: يوشك أن تجيء وأن محمولة على يوشك. وتقول: توشك أن تجيء فأن في موضع نصب كأنك قلت: قاربت أن تفعل. وقد يجوز يوشك يجيء بمنزلة عسى يجيء وقال أمّية بن أبي الصَّلت: يوشك من فرَّ من منيّته في بعض غرّاته يوافقها وهذه الحروف التي هي لتقريب الأمور شبيهةٌ بعضها ببعض ولها نحو ليس لغيرها من الأفعال. وسألته عن معنى قوله: أريد لأن أفعل إنَّما يريد أن يقول إرادتي لهذا كما قال عزَّ وجلَّ: " وأمرت لأن أكون أوَّل المسلمين " إنمّا هو أمرت لهذا. وسألت الخليل عن قول الفرزدق: أتغضب إن أذنا قتيبة حزَّتا جهاراً ** ولم تغضب لقتل ابن خازم فقال: لأنه قبيح أن تفصل بين إن والفعل كما قبح أن تفصل بين كي والفعل فلمّا قبح ذلك ولم باب ما تكون فيه أن بمنزلة أي وذلك قوله عزّ وجل: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا " زعم الخليل أنه بمنزلة أي لأنّك إذا قلت: انطلق بنو فلان أن امشوا فأنت لا تريد أن تخبر أنهم انطلقوا بالمشي ومثل ذلك: ما قلت لهم إلاَّ ما أمرتني به أن اعبدوا اّلله. وهذا تفسير الخليل. ومثل هذا في القرآن كثير. وأما قوله: كتبت إليه أن افعل وأمرته أن قم فيكون على وجهين: على أن تكون أن التي تنصب الأفعال ووصلتها بحرف الأمر والنهي كما تصل الذي بتفعل إذا خاطبت حين تقول أنت الذي تفعل فوصلت أن بقم لأنه في موضع أمر كما وصلت الذي بتقول وأشباهها إذا خاطبت. والدليل على أنها تكون أن التي تنصب أنَّك تدخل الباء فتقول: أوعزت إليه بأن افعل فلو كانت أي لم تدخلها الباء كما تدخلها الباء كما تدخل في الأسماء. والوجه الآخر: أن تكون بمنزلة أي كما كانت بمنزلة أي في الأوّل. وأمّا قوله عزَّ وجلَّ: " وآخر دعواهم أن الحمد للهّ ربّ العالمين " وآخر قولهم أن لا إله إلاّ الله فعلى قوله أنّه الحمد لله ولا إله إلا اّلله. ولا تكون أن التي تنصب الفعل لأنّ تلك لا يبتدأ بعدها الأسماء. ولا تكون أي لآنّ أي إنّما تجيء بعد كلام مستغنٍ ولا تكون في موضع المبنيِّ على المبتدأ. ومثل ذلك: وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدَّقت الرّؤيا كأنه قال جلّ وعزّ: ناديناه أنَّك قد صدّقت الرؤيا يا إبراهيم. وقال الخليل: تكون أيضاً على أي. وإذا قلت: أرسل إليه أن ما أنت وذا فهي على أي وإن أدخلت الباء على أنَّك وأنَّه فكأنه يقول: أرسل إليه بأنَّك ما أنت وذا جاز ويدّلك على ذلك: أنَّ العرب قد تكلّم به في ذا الموضع مثقلاً. ومن قال: والخامسة أن غضب اّلله عليها فكأنه قال: أنَّه غضب اّلله عليها لا تخِّففها في الكلام أبداً وبعدها الأسماء إلاَّ وأنت تريد الثقيلة مضمراً فيها الاسم فلو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون في الشعِّر إذا اضطروا بكأن إذا خففّوا يريدون معنى كأنَّ ولم يريدوا الإضمار وذلك قوله: كأن وريديه رشاء خلب وهذه الكاف إنَّما هي مضافة إلى أنّ فلمَّا اضطررت إلى التخفيف فلم تضمر لم يغيِّر ذلك في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا أن هالكٌ كلّ من يحفى وينتعل كأنه قال: أنَّه هالك: ٌ ومثل ذلك: أوّل ما أقول أن بسم الله كأنه قال: أوّل ما أقول أنَّه بسم الله. وإن شئت رفعت في قول الشاعر: كأن وريداه رشاء خلب على مثل الإضمار الذي في قوله: إنَّه من يأتها تعطه أو يكون هذا المضمر هو الذي ذكر كما قال: كأن ظبيةٌ تعطو إلى وارق السَّلم ولو أنَّهم إذ حذفوا جعلوه بمنزلة إنما كما جعلوا إن بمنزلة لكن لكان وجهاً قويّا. وأمّا قوله: أن بسم الله فإنما يكون على الإضمار لأنّك لم تذكر مبتدأ أو مبنيّاً عليه. والدليل على أنهم إنّما يخففّون على إضمار الهاء أنك تستقبح: قد عرفت أن يقول ذاك حتّى تقول أن لا أو تدخل سوف أو السين أو قد. ولو كانت بمنزلة حروف الابتداء لذكرت الفعل مرفوعاً بعدها كما تذكره بعد هذه الحروف كما تقول: إنما تقول ولكن تقول وذلك قولك: قد علمت أن لا يقول ذاك وقد تيقّنت أن لا تفعل ذاك كأنه قال: أنَّه لا يقول وأنَّك لا تفعل. ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ: " علم أن سيكون منكم مرضى " وقوله: " أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً " وقال أيضاً: " لئلاَّ يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء ". وزعموا أنَّها في مصحف أبيّ ٍ: أنَّهم لا يقدرون. وليست أن التي تنصب الأفعال تقع في هذا الموضع لأنّ ذا موضع يقين وإيجابٍ. وتقول: كتبت إليه أن لا تقل ذاك وكتبت غليه أن لا يقول ذاك وكتبت إليه أن لا تقول ذاك. فأمّا الجزم فعلى الأمر. وأمّا النصب فعلى قولك لئلاَّ يقول ذاك. وأمّا الرفع فعلى قولك: لأنّك لا تقول ذاك أو بأنَّك لا تقول ذاك تحبره بأنّ ذا قد وقع من أمره. فأمّا ظننت وحسبت وخلت ورأيت فانَّ أن تكون فيها على وجهين: على أنها تكون أن التي تنصب الفعل وتكون أنَّ الثقيلة. فإذا رفعت قلت: قد حسبت أن لا يقول ذاك وأرى أن سيفعل ذاك. ولا تدخل هذه السين في الفعل ههنا حتى تكون أنّه. وقال عزَّ وجلَّ: " وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ " كأنك قلت: قد حسبت أنَّه لا يقول ذاك. وإنمّا حسنت أنَّه ههنا لأنك قد أثبتَّ هذا في ظِّنك كما أثبتَّه في علمك وأنَّك أدخلته في ظنّك على أنه ثابتٌ الآن كما كان في العلم ولولا ذلك لم يحسن أنَّك ههنا ولا أنَّه فجرى الظنّ ههنا مجرى اليقين لأنَّه نفيه. وإن شئت نصبت فجعلتهن بمنزلة خشيت وخفت فتقول: ظننت أن لا تفعل ذاك. ونظير ذلك: تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ و: إن ظنَّا أن يقيما حدود الله. فلا إذا دخلت ههنا لم تغيرّ الكلام عن حاله وإنمّا منع خشيت أن تكون بمنزلة خلت وظننت وعلمت إذا أردت الرفع أنك لا تريد أن تخبر أنك تخشى شيئاً قد ثبت عندك ولكنه كقولك: أرجو وأطمع وعسى. فأنت لا توجب إذا ذكرت شيئاً من هذه الحروف ولذلك ضعف أرجو أنَّك تفعل وأطمع أنَّك فاعلٌ. ولو قال رجلٌ: أخشى أن لا تفعل يريد أن يخبر أنه يخشى أمراً قد استقرّ عنده كائن جاز. وليس وجه الكلام. واعلم أنَّه ضعيفٌ في الكلام أن تقول: قد علمت أن تفعل ذاك ولا قد علمت أن فعل ذاك حتَّى تقول: سيفعل أو قد فعل أو تنفي فتدخل لا وذلك لأنَّهم جعلوا ذلك عوضاً مما حذفوا من أنَّه فكرهوا أن يدعوا السين أو قد إذ قدروا على أن تكون عوضاً ولا تنقص ما يريدون لو لم يدخلوا قد ولا السين. وأمّا قولهم: أما أن جزاك اللّه خيراٍ فإنَّهم إنما أجازوه لأنه دعاءٌ ولا يصلون إلى قد ههنا ولا إلى السين. وكذلك لو قلت: أما أن يغفر اللّه لك جاز لأنّه دعاءٌ ولا تصل هنا إلى السين. ومع هذا أيضاً أنَّه قد كثر في كلامهم حتّى حذفوا فيه إنَّه وإنَّه لا تحذف في غير هذا الموضع. سمعناهم يقولون: أما إن جزاك الله خيراً شبهّوه بأنَّه فلمَّا جازت إنَّ كانت هذه أجوز. وتقول: ما علمت إلاَّ أن أن تقوم وما أعلم إلا أن تأتيه إذا لم ترد أن تخبر أنك قد علمت شيئاً كائناً البتّة ولكنك تكلّمت به على وجه الإشارة كما تقول: أرى من الرأي أن تقوم فأنت لا تخبر أنّ قياماً قد ثبت كائناً أو يكون فيما تستقبل البتَّة فكأنه قال: لو قمتم. فلو أراد غير هذا المعنى لقال: ما علمت إلاَّ أن ستقومون. وإنمَّا جاز قد علمت أن عمروٌ ذاهبٌ لأنّك قد جئت بعده باسم وخبر كما كان يكون بعده لو ثقَّلته وأعملته فلمَّا جئت بالفعل بعد أن جئت بشيء كان سيمتنع أن يكون بعده لو ثقّلته أو قلت: قد علمت أن يقول ذاك كان يمتنع فكرهوا أن يجمعوا عليه الحذف وجواز ما لم يكن يجوز بعده مثقّلا فجعلوا هذه الحروف عوضاً.

هذا باب أم وأو

أمّا أم فلا يكون الكلام بها إلاَّ استفهاماً. ويقع الكلام بها في الاستفهام على وجهين: على معنى أيّهما وأيهّم وعلى أن يكون الاستفهام الآخر منقطعاً من الأوّل. وأمّا أو فإنما يثبت بها بعض الأشياء وتكون في الخبر. والاستفهام يدخل عليها على ذلك الحّد. وسأبيّن لك وجوهه إن شاء اللّه تعالى.

باب أم

إذا كان الكلام بها بمنزلة أيّهما وأيّهم وذلك قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ وأزيداً لقيت أم بشراً فأنت الآن مدَّع أنَّ عنده أحدهما لأنَّك إذا قلت: أيهما عندك وأيَّهما لقيت. فأنت مدّعٍ أنّ المسئول قد لقي أحدهما أو أنّ عنده أحدهما الاَّ أن علمك قد استوى فيهما لا تدري أيهّما هو. والدليل على أن قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ بمنزلة قولك: أيّهما عندك أنَّك لو قلت: أزيدٌ عندك أم بشرٌ فقال المسئول: لا كان محالا كما أنَّه إذا قال: أيهّما عندك فقال: لا فقد أحال. واعلم أنّك إذا أردت هذا المعنى فتقديم الاسم أحسن لأنك لا تسأله عن اللّقى وإنَّما تسأله عن أحد الاسمين لا تدري أيّهما هو فبدأت بالاسم لأنَّك تقصد قصد أن يبين لك أيّ الاسمين في هذا الحال وجعلت الاسم الآخر عديلاً للأوّل فصار الذي لا تسأل عنه بينهما. ولو قلت: ألقيت زيداً أم عمراً كان جائزاً حسناً أو قلت: أعندك زيدٌ أم عمرو كان كذلك. وإنّما كان تقديم الاسم ههنا أحسن ولم يجز للآخر إلاَّ أن يكون مؤخراً لأنه قصد قصد أحد الاسمين فبدأ بأحدهما لأنّ حاجته أحدهما فبدأ به مع القصة التي لا يسأل عنها لأنّه إنّما يسأل عن أحدهما من أجلها فإنما يفرغ مما يقصد قصده بقصّته ثم يعدله بالثاني. ومن هذا الباب قوله: ما أبالي أزيداً لقيت أم عمراً وسواءٌ عليَّ أبشراً كلّمت أم زيدا كما تقول: ما أبالي أيَّهما لقيت. وإنَّما جاز حرف الاستفهام ههنا لأنّك سوّيت الأمرين عليك كما استويا حين قلت: أزيدٌ عندك أم عمرو فجرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النِّداء قولهم: اللهمَّ اغفر لنا أيَّتها العصابة. وإنمّا لزمت أم ههنا لأنّك تريد معنى أيَّهما. ألا ترى أنَّك تقول: ما أبالي أيّ ذلك كان وسواءٌ عليَّ أيّ ذلك كان فالمعنى واحد وأيّ ههنا تحسن وتجوز كم جازت في المسألة. ومثل ذلك: ما أدري أزيدٌ ثمَّ أم عمروٌ وليت شعري أزيدٌ ثمَّ أم عمروٌ فإنَّما أوقعت أم ههنا كما أوقعته في الذي قبله لأنّ ذا يجرى على حرف الاستفهام حيث استوى علمك فيهما كما جرى الأوّل. ألا ترى أنّك تقول ليت شعري أيّهما ثمّ وما أدري أيهّما ثمَّ فيجوز أيهّما ويحسن كما جاز في قولك: أيهّما ثمَّ. وتقول: أضربت زيداً أم قتلته فالبدء ههنا بالفعل أحسن لأنّك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيّهما كان ولا تسأل عن موضع أحدهما فالبدء بالفعل ههنا أحسن كما كان البدء بالاسم ثمَّ فيما ذكرنا أحسن كأنّك قلت: أيّ ذاك كان بزيدٍ. وتقول: أضربت أم قتلت زيداً لأنك مدَّعٍ أحد الفعلين: ولا تدري أيهمّا هو كأنك قلت: أيّ ذاك كان بزيد. وتقول: ما أدري أقام أم قعد إذا أردت: ما أدري أيّهما كان. وتقول: ما أدري أقام أو قعد إذا أردت: أنه لم يكن بين قيامه وقعوده شيءٌ كأنّه قال: لا أدَّعي أنه كان منه في تلك الحال قيامٌ ولا قعودٌ بعد قيامه أي: لم أعدَّ قيامه قياماً ولم يستبن لي قعودٌ بعد قيامه وهو كقول الرجل: تكلمت ولم تكلَّم.

هذا باب أم منقطعةً

وذلك قولك: أعمروٌ عندك أم عندك زيدٌ فهذا ليس بمنزلة: أيهَّما عندك. ألا ترى أنك لو قلت: ويدلّك على أن هذا الآخر منقطعٌ من الأوّل قول الرجل: إنِّها لإبلٌ ثم يقول: أم شاءٌ يا قوم. فكما جاءت أم ههنا بعد الخبر منقطعةً كذلك تجيء بعد الاستفهام وذلك أنه حين قال: أعمروٌ عندك فقد ظنَّ أنَّه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظنّ في زيد بعد أن استغنى كلامه وكذلك: إنها لإبلٌ أم شاءٌ إنّما أدركه الشكّ حيث مضى كلامه على اليقين. وبمنزلة أم ههنا قوله عزّ وجلَّ: " آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين. أم يقولون افتراه " فجاء هذا الكلام على كلام العرب قد علم تبارك وتعالى وذلك من قولهم ولكن هذا على كلام العرب ليعرَّفوا ضلالتهم. ومثل ذلك: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون. أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين كأنَّ فرعون قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء. فقوله: أم أنا خيرٌ من هذا بمنزلة: أم أنتم بصراء لأنّهم لو قالوا: أنت خيرٌ منه كان بمنزلة قولهم: نحن بصراء عنده وكذلك: أم أنا خيرٌ بمنزلته لو قال: أم أنتم بصراء. ومثل ذلك قوله تعالى: " أم اتَّخذ ممَّا يخلق بناتٍ وأصفاكم بالبنين ". فقد علم النبي والمسلمون: أنّ الله عزّ وجلَّ لم يتخَّذ ولداً ولكنه جاء حرف الاستفهام ليبصَّروا ضلالتهم. ألا ترى أنّ الرجل يقول للرجل: آلسعادة أحبّ إليك أم الشقّاء وقد علم أنّ السعادة ومن ذلك أيضاً: أعندك زيدٌ أم لا كأنه حيث قال: أعندك زيدٌ كان يظنّ أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظنّ في أنه ليس عنده فقال: أم لا. وزعم الخليل أنّ قول الأخطل: كذبتك عنك أم رأيت بواسطٍ غلس الظلاّم من الرَّباب خيالا كقولك: إنَّها لإبلٌ أم شاءٌ. ومثل ذلك قول الشاعر وهو كثَّير عزّة: أليس أبي بالَّنضر أم ليس والدي لكلّ نجيبً من خزاعة أزهرا ويجوز في الشعر أن يريد بكذبتك الاستفهام ويحذف الإلف. قال التميمي وهو الأسود بن يعفر: لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً شعيث بن سهمٍ أم شعيث بن منقر وقال عمر بن أبي ربيعة: لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان هذا باب أو تقول: أيَّهم تضرب أو تقتل تعمل أحدهما ومن يأتيك أو يحدّثك أو يكرمك لا يكون ههنا إلاَّ أو من قبل أنك إنما تستفهم عن الاسم المفعول وإنما حاجتك إلى صاحبك أن يقول: فلانٌ. وعلى هذا الحدّ يجرى ما ومتى وكيف وكم وأين. وتقول: هل عندك شعيرٌ أو برٌّ أو تمرٌ وهل تأتينا أو تحدّثنا لا يكون إلاَّ ذلك. وذاك أنّ هل ليست بمنزلة ألف الاستفهام لأنك إذا قلت: هل تضرب زيداً فلا يكون أن تدَّعي أنّ الضرب واقعٌ وقد تقول: أتضرب زبداً وأنت تدَّعي أنَّ الضرب واقعٌ. ومما يدلّك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل أنك تقول للرجل: أطرباً! وأنت تعلم أنّه قد طرب لتوبَّخه وتقِّرره. ولا تقول هذا بعد هل. وإن شئت قلت: هل تأتيني أم تحدّثني وهل عندك برٌّ أم شعيرٌ على كلامين. وكذلك سائر حروف الاستفهام التي ذكرنا. وعلى هذا قالوا: هل تأتينا أم هل تحدّثنا. قال زفر بن الحارث: أبا مالك هل لمتنى مذ حضضتني على القتل أم هل لامني لك لائم وكذلك سمعناه من العرب. فأمَّا الذين قالوا: أم هل لامني لك لائم فإنَّما قالوه على أنه أدركه الظنّ بعد ما مضى صدر حديثه. وأمّا الذين قالوا: أو هل فإنَّهم جعلوه كلاماً واحداً. وتقول: ما أدري هل تأتينا أو تحدّثنا وليت شعري هل تأتينا أو تحدثنا فهل ههنا بمنزلتها في الاستفهام إذا قلت: هل تأتينا وإنما أدخلت هل ههنا لأنك إنما تقول: أعلمني كما أردت ذلك حين قلت: هل تأتينا أو تحدثّنا فجرى هذا مجرى قوله عزَّ وجلَّ: " هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرّون " وقال زهير: ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى من الأمر أو يبدو لهم ما بداليا وقال مالك بن الريب: ألا ليت شعري هل تغيرَّت الرَّحا رحا الحزن أو أضحت بفلجٍ كما هيا فهذا سمعناه ممن ينشده من بني عِّمه. وقال أناسٌ: أم أضحت على كلامين كما قال علقمة بن عبدة: هل ما علمت وما استودعت مكتوم أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرته إثر الأحبّة يوم البين مشكوم هذا باب آخر من أبواب أو تقول: ألقيت زيداً أو عمراً أو خالداً وأعندك زيد أو خالدٌ أو عمروٌ كأنّك قلت: أعندك أحدٌ من هؤلاء وذلك أنّك للم تدَّع أن أحداً منهم ثمَّ. ألا ترى أنه إذا أجابك قال: لا كما يقول إذا قلت: أعندك أحدٌ من هؤلاء. واعلم أنَّك إذا أردت هذا المعنى فتأخير الاسم أحسن لأنّك إنَّما تسأل عن الفعل بمن وقع. ولو قلت: أزيداً لقيت أو عمراً أو خالداً وأزيدٌ عندك أو عمروٌ أو خالدٌ كان هذا في الجواز والحسن بمنزلة تأخير الاسم إذا أردت معنى أيهّما. فإذا قلت: أزيدٌ أفضل أم عمرو لم يجز ههنا إلاَّ أم لأنّك إنَّما تسأل عن أفضلهما ولست تسأل عن صاحب الفضل. ألا ترى أنَّك لو قلت: أزيدٌ أفضل لم يجز كما يجوز: أضربت زيداً فذلك يدلّك أنّ معناه معنى أيهّما. إلا أنَّك إذا سألت عن الفعل استغنى بأوّل اسم. ومثل ذلك: ما أدري أزيدٌ أفضل أم عمروٌ وليت شعري أزيدٌ أفضل أم عمروّ. فهذا كلّه على معنى أيّهما أفضل. وتقول: ليت شعري ألقيت زيداً أو عمراً وما أدري أعندك زيدٌ أو عمروٌ فهذا يجري مجرى ألقيت زيداً أو عمراً وأعندك زيدٌ أو عمروٌ. فإن شئت قلت: ما أدري أزيدٌ عندك أو عمروٌ فكان جائزا حسا كما جاز أزيدٌ عندك أو عمرو. وتقديم الاسمين جميعاً مثله وهو مَّؤخر وإن كانت أضعف. فأما إذا قلت: ما أبالي أضربت زيداً أم عمراً فلا يكون هنا إلاَّ أم لأنه لا يجوز لك السكوت على أوّل الاسمين فلا يجيء هذا إلاَّ على معنى أيهَّما وتقديم الاسم ههنا أحسن. وتقول: أتجلس أو تذهب أو تحدّثنا وذلك إذا أردت هل يكون شيء من هذه الأفعال. فأمَّا إذا ادَّعيت أحدهما فليس إلاَّ أتجلس أم تذهب أم تأكل كأنَّك قلت: أيَّ هذه الأفعال يكون منك. وتقول: أتضرب زيداً أم تشم عمراً أم تكلّم خالداً. ومثل ذلك أتضرب زيداً أو تضرب عمراً أو تضرب خالداً إذا أردت هل يكون شيء من ضرب واحد من هؤلاء. وإن أردت أيّ ضرب هؤلاء يكون قلت: أم. قال حسّان بن ثابت: ما أبالي أنبَّ بالحزن تيسٌ أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم كأنه قال: ما أبالي أيّ الفعلين كان. وتقول: أزيداً أو عمراً رأيت أم بشراً وذلك أنَّك لم ترد أن تجعل عمراً عديلاً لزيد حتى يصير بمنزلة أيّهما ولكنَّك أردت أن يكون حشواً فكأنك قلت: أأحد هذين رأيت أم بشراً. ومثل ذلك قول صفَّية بنت عبد المطلب: وذلك أنَّها لم ترد أن تجعل لتمر عديلاً للأقط لأنّ المسئول عندها لم يكن عندها ممن قال: هو إما تمرٌ وإمّا أقطٌ وإمّا قرشيٌّ ولكنها قالت: أهو طعامٌ أم قرشيٌّ فكأنها قالت: أشيئاً من هذين الشيئين رأيته أم قرشياً. وتقول: أعندك زيدٌ أو عندك عمروٌ أو عندك خالدٌ كأنَّك قلت: هل عندك من هذه الكينونات شيءٌ فصار هذا كقولك: أتضرب زيداً أو تضرب عمراً أو تضرب خالداً. ومثل ذلك: أتضرب زيداً أو عمراً أو خالداً وتقول: أعاقلٌ عمروٌ أو عالمٌ وتقول: أتضرب عمرا أو تشتمه تجعل الفعلين والاسم بينهما بمنزلة الاسمين والفعل بينهما لأنَّك قد أثبتَّ عمراً لأحد الفعلين كما أثبتَّ الفعل هناك لأحد الاسمين وادعَّيت أحدهما كما ادَّعيت ثمَّ أحد الاسمين. وإن قدّمت الاسم فعربيٌّ حسن. وأمّا إذا قلت: أتضرب أو تحبس زيداً فهو بمنزلة أزيدا أو عمراً تضرب. قال جرير: أثعلبة الفوارس أو رياحاً عدلت بهم طهية والخشابا وإن قلت: أزيدا تضرب أو تقتل كان كقولك: أتقتل زيداً أو عمراً وأم في كلّ هذا جيدّةٌ. وإذا قال: أتجلس أم تذهب فأم وأو فيه سواءٌ لأنّك لا تستطيع أن تفصل علامة المضمر فتجعل لأو حالاً سوى حال أم. وكذلك: أتضرب زيداً أو تقتل خالداً لأنَّك لم تثبت أحد وإن أردت معنى أيّهما في هذه المسألة قلت: أتضرب زيداً أم تقتل خالدا لأنَّك لم تثبت أ الفعلين لاسمٍ واحد.

هذا باب أو في غير الاستفهام

تقول: جالس عمراً أو خالدا أو بشراً كأنَّك: قلت: جالس أحد هؤلاء ولم ترد إنساناً بعينه ففي هذا دليلٌ أنّ كلهم أهلٌ أن يجالس كأمَّك قلت: جالس هذا الضرب من الناس. وتقول: كل لحماً أو خبزا أو تمراً كأنك: قلت: كل أحد هذه الأشياء. فهذا بمنزلة الذي قبله. وإن نفيت هذا قلت: لا تأكل خبزا أو لحما أو تمرا. كأنك قلت: لا تأكل شيئاً من هذه الأشياء. ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ: " ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً " أي: لا تطع أحداً من هؤلاء. وتقول: كل خبزا أو تمراً أي: لا تجمعهما. ومثل ذلك أن تقول: ادخل على زيد أو عمرو أو خالدٍ أي: لا تدخل على أكثر من واحدٍ من هؤلاء. وإن شئت جئت به على معنى ادخل على هذا الضرب. وتقول: خذه بما عزَّ أو هان كأنه قال: خذه بهذا أو بهذا أي لا يفوتَّنك على كل حال ومن العرب من يقول: خذه بما عن وهان أي خذه بالعزيز والهّين وكلّ واحدة منهما تجزئ عن أختّها. وتقول: لأضربنَّه ذهب أو مكث كأنه قال: لأضربنَّه ذاهباً أو ماكثاً ولأضربنَّه إن ذهب أو مكث. وقال زيادة بن زيد العذريّ: إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده أطال فأملى أو تناهى فأقصرا وقال: فلست أبالي بعد يوم مطرّفٍ حتوف المنايا أكثرت أو أقلَّت وزعم الخليل أنَّه يجوز: لأضربنَّه أذهب أم مكث وقال: الدليل على ذلك أنَّك تقول: لأضربنَّك أيّ ذلك كان. وإنما فارق هذا سواء وما أبالي لأنَّك إذا قلت: سواءٌ عليَّ أذهبت أم مكثت فهذا الكلام في موضع سواءٌ عليَّ هذان. وإذا قلت: ما أبالي أذهبت أم مكثت هو في موضع: ما أبالي واحداً من هذين. وأنت لا تريد أن تقول في الأوّل: لأضربنَّ هذين ولا تريد أن تقول: تناهيت هذين ولكنك إنَّما تريد أن تقول: إن الأمر يقع على إحدى الحالين. ولو قلت: لأضربنَّه أذهب أو مكث لم يجز لأنَّك لو أردت معنى أيهّما قلت: أم مكث ولا يجوز لأضربنَّه مكث فلهذا لا يجوز: لأضربنَّه أذهب أو مكث كما يجوز: ما أدري أقام زيدٌ أو قعد. ألا ترى أنَّك تقول: ما أدري أقام كما تقول: أذهب وكما تقول: أعلم أقام زيدٌ ولا يجوز أن تقول: لأضربنَّه أذهب. وتقول: وكلّ حقٍ له سميّناه في كتابنا أو لم نسمِّه كأنه قال: وكلّ حقّ له علمناه أو جهلناه وكذلك كلّ حقٍّ هو لها داخلٍ فيها أو خارجٍ منها كأنّه قال: إن كان داخلاً أو خارجاً. وإن شاء أدخل الواو كما قال: بما عزَّ وهان. وقد تدخل أم في: علمناه أو جهلناه وسمّيناه أو لم نسّمه كما دخلت في: أذهب أم مكث وتدخل أو على وجهين: على أنه يكون صفة للحقّ وعلى أن يكون حالاً كما قلت: لأضربنَّه ذهب أو مكث أي: لأضربنَّه كائناً ما كان. فبعدت أم ههنا حيث كان خبراً في موضع ما ينتصب حالاً وفي موضع الصفة.

باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام

وذلك قولك: هل وجدت فلاناً عند فلانٌ فيقول: أو هو ممن يكون ثمَّ أدخلت ألف الاستفهام. وهذه الواو لا تدخل على ألف الاستفهام وتدخل عليها الألف فإنما هذا استفهامٌ مستقبلٌ بالألف ولا تدخل الواو على الألف كما أنّ هل لا تدخل على الواو. فإنمّا أرادوا أن لا يجروا هذه الألف مجرى هل إذ لم تكن مثلها والواو تدخل على هل. وتقول: ألست صاحبنا أو لست أخانا ومثل ذلك: أما أنت أخانا أو ما أنت صاحبنا وقوله: ألا تأتينا أو لا تحدّثنا إذا أردت التقرير أو غيره ثم أعدت حرفاً من هذه الحروف لم يحسن الكلام إلا أن تستقبل الاستفهام. وإذا قلت: ألست أخانا أو صاحبنا أو جليسنا فإنك إنما أردت أن تقول: ألست في بعض هذه الأحوال وإنمّا أردت في الأوّل أن تقول: ألست في هذه الأحوال كلِّها. ولا يجوز أن تريد معنى ألست صاحبنا أو جليسنا أو أخانا وتكرِّر لست مع أو إذا أردت أن تجعله في بعض هذه الأحوال ألا ترى أنّك إذا أخبرت فقلت: لست بشراً أو لست عمراً أو قلت: ما أنت ببشر أو ما أنت بعمرو لم يجيء إلاّ على معنى لا بل ما أنت بعمرو ولا بل لست بشراً. وإذا أرادوا معنى أنّك لست واحداً منهما قالوا: لست عمرا ولا بشرا أو قالوا: أو بشرا كما قال عزَّ وجل: " ولا تطع منهم آثما أو كفوراً. ولو قلت: أو لا تطع كفورا انقلب المعنى. فينبغي لهذا أن يجيء في الاستفهام بأم منقطعاً من الأوّل لأن أو هذه نظيرتها في الاستفهام أم وذلك قولك: أما أنت بعمرو أم ما أنت ببشر كأنّه قال: لا بل ما أنت ببشر. وذلك: أنّه أدركه الظنّ في أنه بشرٌ وهذه الواو التي دخلت عليها ألف الاستفهام كثيرةٌ في القرآن. قال الله تعالى جدّه: " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحّى وهم يلعبون ". فهذه الواو بمنزلة الفاء في قوله تعالى: " أفأمنوا مكر لله " وقال عزَّ وجلَّ: " أئنَّا لمبعوثون. أو آباؤنا الأوَّلون " وقال: " أو كلّما عاهدوا عهداً ".

باب تبيان أم لم دخلت على حروف الاستفهام ولم تدخل على الألف

تقول: أم من تقول أم من تقول ولا تقول: أم أتقول وذاك لأنّ أم بمنزلة الألف وليست: أيّ ومن وما ومتى بمنزلة الألف وإنّما هي أسماء بمنزلة: هذا وذاك إلاَّ أنهم تركوا ألف الاستفهام ههنا إذ كان هذا النحو من الكلام لا يقع إلا في المسألة فلمّا علموا أنه لا يكون إلا كذلك استغنوا عن الألف. وكذلك هل إنمَّا تكون بمنزلة قد ولكنّهم تركوا الألف إذ كانت هل لا تقع إلاَّ في الاستفهام. فلت: فما بال أم تدخل عليهن وهي بمنزلة الألف قال: إنّ أم تجيء ههنا بمنزلة لا بل للتحوَّل من الشيء إلى الشيء والألف لا تجيء أبداً إلاَّ مستقبلةً فهم قد استغنوا في الاستقبال عنها واحتاجوا إلى أم إذ كانت لترك شيءً إلى شيء لأنهم لو تركوها فلم يذكروها لم يتبيّن المعنى.

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

هذا باب أفعل

اعلم أنّ أفعل إذا كان صفةً لم ينصرف في معرفة ولا نكرة وذلك لأنَّها أشبهت الأفعال نحو: أذهب وأعلم. قلت: فما باله لا ينصرف إذا كان صفةً وهو نكرةٌ فقال: لأنَّ الصفات أقرب إلى الأفعال فاستثقلوا التنوين فيه كما استثقلوه في الأفعال وأرادوا أن يكون في الاستثقال كالفعل إذ كان مثله في البناء والزيادة وضارعه وذلك نحو: أخضر وأحمر وأسود وأبيض وآدر. فإذا حقّرت قلت: أخيضر وأحيمر وأسيود فهو على حاله قبل أن تحقّره من قبل أنّ الزيادة التي أشبه بها الفعل مع البناء ثابتةٌ وأشبه هذا من الفعل ما أميلح زيداً كما أشبه أحمر أذهب.

هذا باب أفعل إذا كان اسماً

وما أشبه الأفعال من الأسماء التي في أوائلها الزوائد فما كان من الأسماء أفعل فنحو: أفكلٍ وأزملٍ وأيدعٍ وأربع لا تنصرف في المعرفة لأنَّ المعارف أثقل وانصرفت في النكرة لبعدها من الأفعال وتركوا صرفها في المعرفة حيث أشبهت وأمّا ما أشبه الأفعال سوى أفعل فمثل اليرمع واليعمل وهو جماع اليعملة ومثل أكلبٍ. وذلك أنّ يرمعاً مثل: يذهب واكلبٌ مثل: أدخل. ألا ترى أنَّ العرب لم تصرف أعصر ولغةٌ لبعض العرب يعصر لا يصرفونه أيضاً وتصرف ذلك في النكرة لأنَّه ليس بصفة. واعلم أنّ هذه الياء والألف لا تقع واحدةٌ منهما في أوّل اسمٍ على أربعة أحرف إلا وهما زائدتان. ألا ترى أنَّه ليس اسمٌ مثل أفكل يصرف وإن لم يكن له فعلٌ يتصرّف. ومما يدلّك أنها زائدة كثرة دخولها في بنات الثلاثة وكذلك الياء أيضاً. وإن لم تقل هذا دخل عليك أن تصرف أفكل وأن تجعل الشيء إذا جاء بمنزلة الّرجازة والّربابة لأنه ليس له فعلٌ بمنزلة القمطرة والهدملة. فهذه الياء الألف تكثر زيادتهما في بنات الثلاثة فهما زائدتان حتى يجيء أمرٌ بيّن نحو: أولقٍ فانَّ أولقاً إنمَّا الزيادة فيه الواو يدلّك على ذلك قد ألق الرجل فهو مألوقٌ. ولو لم يتبيّن أمر أولقٍ لكان عندنا أفعل لأنّ أفعل من هذا الضرب أكثر من فوعلٍ. ولو جاء في الكلام شيءٌ نحو أكللٍ وأيققٍ فسميت به رجلاً صرفته لأنه لو كان أفعل لم يكن الحرف الأوّل إلاّ ساكناً مدغما. وأمّا أوَّل فهو أفعل. يدلَّك على ذلك قولهم: هو أوّل منه ومررت بأوّل منك والأولى وإذا سميّت الرجل بألبب فهو غير مصروف والمعنى عليه لأنه من اللّبّ وهو أفعل. وهو قد علمت ذاك بنات ألبيه يعنون لبّه. ومما يترك صرفه لأنه يشبه الفعل ولا يجعل الحرف الأول منه زائداً إلاّ بثببتٍ نحو تنضبٍ فإنما التاء زائدة لأنه ليس في الكلام شيء على أربعة أحرف ليس أوله زائدة يكون على هذا البناء لأنه ليس في الكلام فعلل. ومن ذلك أيضاً: ترتب وترتب - وقد يقال أيضاً: ترتب - فلا يصرف. ومن قال ترتبٌ صرف لأنّه وإن كان أوله زائداً فقد خرج من شبه الأفعال. وكذلك التّدرأ إنما هو من درأت. وكذلك التتفّل. ويدلك على ذلك قول بعض العرب: التتَّفل وأنه ليس في الكلام كجعفر. وكذلك رجلٌ يسَّمى: تألب لأنَّه تفعل. ويدلك على ذلك أنَّه يقال للحمار ألب يألب بفعل وهو طرده طريدته. وإنما قيل له تألبٌ من ذلك. وأمّا ما جاء نحو: نهشل وتولب فهو عندنا من نفس الحرف مصروفٌ حتىَّ يجيء أمرٌ يبينَّه. وكذلك فعلت به العرب لأنَّ حال التاء والنون في الزيادة ليست كحال الألف والياء لأنَّهما لم تكثرا في الكلام زائدتين ككثرتهما. فان لم تقل ذلك دخل عليك أن لا تصرف نهشلا ونهسراً. وإذا سمّيت رجلا بإثمد لم تصرفه لأنَّه يشبه إضرب وإذا سميّت رجلا بإصبع لم تصرفه لأنه يشبه إصنع. وإن سمّيته بأبلمٍ لم تصرفه لأنه يشبه أقتل. ولا تحتاج في هذا إلى ما احتجت إليه في ترتبٍ وأشباهها لأنَّها ألفٌ. وهذا قول الخليل ويونس. وإنما صارت هذه الأسماء بهذه المنزلة لأنهم كأنهم ليس أصل الأسماء عندهم على أن تكون في أوّلها الزوائد وتكون على هذا البناء. ألا ترى أن تفعل ويفعل في الأسماء قليل. وكان هذا البناء إنّما هو في الأصل للفعل فلما صار في موضع قد يستثقل فيه التنوين استثقلوا فيه ما استثقلوا فيما هو أولى بهذا البناء منه. والموضع الذي يستثقل فيه التنوين المعرفة. ألا ترى أكثر ما لا ينصرف في المعرفة قد ينصرف في النكرة وإنما صارت أفعل في الصفات أكثر لمضارعة الصِّفة الفعل. وإذا سمَّيت رجلاً بفعل في أوله زائدة لم تصرفه نحو يزيد ويشكر وتغلب ويعمر. وهذا النحو أحرى أن لا تصرفه وإنَّما أقصى أمره أن يكون كتنضبٍ ويرمعٍ. وجميع ما ذكرنا في هذا الباب ينصرف في النكرة فان قلت: فما بالك تصرف يزيد في النكرة وإنما منعك من صرف أحمر في النكرة وهو اسم أنه ضارع الفعل فأحمر إذا كان صفةً بمنزلة الفعل قبل أن يكون اسماً فإذا كان اسماً ثم جعلته وأمّا يزيد فإنك لمَّا جعلته اسماً في حال يستثقل فيها التنوين استثقل فيه ما كان استثقل فيه قبل أن يكون اسماً فلَّما صيرَّته نكرةً لم يرجع إلى حاله قبل أن بكون اسماً. وأحمر لم يزل اسماً. وإذا سمَّيت رجلاً بإضرب أو أقتل أو إذهب لم تصرفه وقطعت الألفات حتَّى يصير بمنزلة الأسماء لأنك قد غيِّرتها عن تلك الحال. ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها. وتقطع الألف لآن الأسماء لا تكون بألف الوصل ولا يحتجّ باسمٍ ولا ابن لقلّة هذا مع كثرة الأسماء. وليس لك أن تغيِّر البناء في مثل ضرب وضورب وتقول: إن مثل هذا ليس في الأسماء لأنك قد تسمِّى بما ليس في الأسماء إلاَّ أنك استثقلت فيها التنوين كما استثقلته في الأسماء التي شبهَّتها بها نحو: إثمد وإصبعٍ وأبلمٍ فإنّما أضعف أمرها أن تصير إلى هذا. وليس شيء من هذه الحروف بمنزلة امرىءٍ لأن ألف امرىءٍ كأنك أدخلتها حين أسكنت الميم على مرءٌ ومرأً ومرءٍ فلمَّا أدخلت الألف على هذا الاسم حين أسكنت الميم تركت الألف وصلا كما تركت ألف إبنٍ وكما تركت ألف إضرب في الأمر فإذا سمَّيت بامرىءٍ رجلاً تركته على حاله لأنَّك نقلته من اسم إلى اسم وصرفته لأنَّه لا يشبه لفظه لفظ الفعل. ألا ترى أنك تقول: امرؤٌ وامرىءٍ وامرأً وليس شيء من الفعل هكذا. وإذا جعلت إضرب أو أقتل اسماً لم يكن له بدٌّ من أن تجعله كالأسماء لأنَّك نقلت فعلاً إلى اسم. ولو سمَّيته انطلاقاً لم تقطع الألف لأنَّك نقلت اسماً إلى اسم. واعلم أن كلَّ اسم كانت في أوله زائدة ولم يكن على مثال الفعل فإنّه مصروف وذلك نحو: إصليتٍ وأسلوبٍ وينبوبٍ وتعضوض وكذلك هذا المثال إذا اشتققته من الفعل نحو يضروبٍ وإضريب وتضريب لأن ذا ليس بفعل وليس باسم على مثال الفعل وليس بمنزلة عمر. ألا ترى أنك تصرف يربوعاً فلو كان يضروبٌ بمنزلة يضرب لم تصرفه. وإنّ سمَّيت رجلاً هراق لم تصرفه لأن هذه الهاء بمنزلة الألف زائدة وكذلك هرق بمنزلة أقم. وإذا سمَّيت رجلاً بتفاعلٍ نحو تضاربٍ ثم حقَّرته فقلت تضيرب لم تصرفه لأنه يصير بمنزلة تغلب ويخرج إلى ما لا ينصرف كما تخرج هند في التحقير إذا قلت: هنيدة إلى ما لا ينصرف البتَّة في جميع اللغات. وكذلك أجادل اسم رجل إذا حقَّرته لأنَّه يصير أجيدل مثل أميلح. وإن سمَّيت رجلاً بهرق قلت: هذا هريق قد جاء لا تصرف.

هذا باب ما كان من أفعل صفة

وذلك: أجدلٌ وأخيلٌ وأفعىً. فأجود ذلك أن يكون هذا النحَّو اسماً وقد جعله بعضهم صفة وذلك لأن الجدل شدَّة الخلق فصار أجدلّ عندهم بمنزلة شديدٍ. وأمّا أخيلٌ فجعلوه أفعل من الخيلان للونه وهو طائر أخضر وعلى جناحه لمعة سوداء مخالفة للونه. وعلى هذا المثال جاء أفعىً كأنَّه صار عندهم صفة وإن لم يكن له فعلٌ ولا مصدر. وأما أدهم إذا عنيت القيد والأسود إذا عنيت به الحَّية والأرقم إذا عنيت الحّية فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة لم تختلف في ذلك العرب. فإن قال قائل: أصرف هذا لأني أقول: أداهم وأراقم. فأنت تقول: الأبطح والأباطح وأجارع وأبارق وإنّما الأبرق صفة. وإنما قيل: أبرق لأنّ فيه حمرةً وبياضاً وسواداً كما قالوا: تيسٌ أبرق حين كان فيه سواد وبياض. وكذلك الأبطح إنّما هو المكان المنبطح من الوادي وكذلك الأجرع إنما هو المكان المستوى من الرمل المتمكِّن. ويقال: مكانٌ جرعٌ. ولكّن الصفة ربَّما كثرت في كلامهم واستعملت وأوقعت مواقع الأسماء حتَّى يستغنوا بها عن الأسماء كما يقولون: الأبغث فهو صفة جعل اسماً وإنما هو لون. ومما يقّوى أنه صفة قولهم: بطحاء وجرعاء وبرق فجاء مؤنثّه كمؤنث أحمر. اعلم أنك إنّما تركت صرف أفعل منك لأنّه صفة. فإن سميّت رجلاً بأفعل هذا بغير منك صرفته في النكرة وذلك نحو أحمدٍ وأصغرٍ وأكبر لأنك لا تقول: هذا رجلٌ أصغر ولا هذا رجل أفضل وإنَّما يكون هذا صفة بمنك. ولو سميّته أفضل منك لم تصرفه على حال. وأمّا أجمع وأكتع فإذا سميّت رجلاً بواحدٍ منهما لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة وليس واحد منهما في قولك: مررت به أجمع أكتع بمنزلة أحمر لأن أحمر صفة للنكرة وأجمع وأكتع إنّما وصف بهما معرفة فلم ينصرفا لأنهما معرفة. فأجمع ههنا بمنزلة كلَّهم.

باب ما ينصرف من الأمثلة وما لا ينصرف

تقول: كلّ أفعل يكون وصفا لا تصرفه في معرفة ولا نكرة وكلّ أفعل يكون اسماً تصرفه في النكرة. قلت: فكيف تصرفه وقد قلت: لا تصرفه. قال لأنّ هذا مثالٌ يمثلَّ به فزعمت أنَّ هذا المثال ما كان عليه من الوصف لم يجر فإن كان اسماً وليس بوصف جرى. ونظير ذلك قولك: كلّ أفعلٍ أردت به الفعل نصبٌ أبدا فإنمَّا زعمت أنَّ هذا البناء يكون في الكلام على وجوه وكان أفعل اسماً فكذلك منزلة أفعل في المسألة الأولى ولو لم تصرفه ثمَّ لتركت أفعل ههنا نصباً فإنَّما أفعل ههنا اسمٌ بمنزلة أفكل. ألا ترى أنَّك تقول: إذا كان هذا البناء وصفاً لم أصرفه. وتقول: أفعل إذا كان وصفاً لم أصرفه. فإنَّما تركت صرفه ههنا كما تركت صرف أفكلٍ إذا كان معرفةً. وتقول: إذا قلت هذا رجلٌ أفعل لم أصرفه على حال وذلك لأنَّك مثلّت به الوصف خاصّة فصار كقولك كلّ أفعل زيد نصبٌ أبداً لأنَّك مثَّلت به الفعل خاصَّة. قلت: فلم لا يجوز أن تقول: كلّ أفعل في الكلام لا أصرفه إذا أردت الذي مثَّلت به الوصف كما أقول: كلّ آدم في الكلام لا أصرفه فقال: لا يجوز هذا لأنَّه لم يستقرِّ أفعل في الكلام صفةً بمنزلة آدم وإنَّما هو مثال. ألا ترى أنَّك لوسميَّت رجلاً بأفعلٍ صرفته في النكرة لأنَّ قولك أفعلٌ لا يوصف به شيء وإنَّما يمَّثل به. وإنَّما تركت التنوين فيه حين مثلَّت به الوصف كما نصبت أفعلاً حين مثلَّت به الفعل. وأفعلٌ لا يعرف في الكلام فعلاً مستعملاً. فقولك: هذا رجلٌ أفعلٌ بمنزلة قولك: أفعل زيدٌ فإذا لم تذكر الموصوف صار بمنزلة أفعل إذا لم يعمل في اسم مظهر ولا مضمر. قلت: فما منعه أن يقول: كلّ أفعل يكون صفةً لا أصرفه يريد الذي مثلَّت به الوصف. فقال: هذا بمنزلة الذي ذكرنا قبل لو جاز هذا لكان أفعل وصفاً بائناً في الكلام غير مثال ولم نكن نحتاج إلى أن أقول: يكون صفة ولكني أقول: لأنَّه صفة كما أنَّك إذا قلت: لا تصرف كلّ آدم في الكلام قلت: لأنه صفة ولا تقول: أردت به الصفة فيرى السائل أن آدم يكون غير صفة لأن آدم الصفة بعنيها. وكذلك إذا قلت: هذا رجلٌ فعلان يكون على وجهين لأنك تقول: هذا إن كان عليه وصفٌ له فعلى لم ينصرف وإن لم يكن له فعلى انصرف. وليس فعلان هنا بوصفٍ مستعمل في الكلام له فعلى ولكنه هاهنا بمنزلة أفعل في قولك: كلّ أفعلٍ كان صفةً فأمره كذا وكذا. ومثله كلّ فعلانٍ كان صفة وكانت له فعلى لم ينصرف. وقولك: كانت له فعلى وكان صفةً يدلّك على أنه مثال. وتقول: كلّ فعلى أو فعلى كانت ألفها لغير التأنيث انصرف وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم ينصرف قلت: كل فعلى أو فعلى فلم ينَّون لأنّ هذا الحرف مثال. فإن شئت أنثته وجعلت الألف للتأنيث وإن شئت صرفت وجعلت الألف لغير التأنيث. وتقول: إذا قلت: هذا رجلٌ فعنلى نّونت لأنك مثلّت به وصف المذكَّر خاّصةً وفعنلى مثل حبنطًى ولا يكون إلاّ منوَّناً ألا ترى أنك تقول: هذا رجلٌ حبنطًى يا هذا. فعلى هذا جرى هذا الباب. وتقول: كلّ فعلى في الكلام لا ينصرف وكلّ فعلاء في الكلام لا ينصرف لأن هذا المثال لا ينصرف في الكلام البتة كما أنك لو قلت: هذا رجل أفعل لم ينصرف لأنك مثلَّته بما لا ينصرف وهي صفة فأفعل صفة كفعلاء.

هذا باب ما ينصرف من الأفعال إذا سميت به رجلاً

زعم يونس: أنّك إذا سمّيت رجلاً بضارب من قولك: ضارب وأنت تأمر فهو مصروف. وكذلك إن سمّيته ضارب وكذلك ضرب. وهو قول أبي عمرو والخليل وذلك لأنَّها حيث صارت اسماً في موضع الاسم المجرور والمنصوب والمرفوع ولم تجيء في أوائلها الزوائد التي ليس في الأصل عندهم أن تكون في أوائل الأسماء إذا كانت على بناء الفعل غلبت الأسماء عليها إذا أشبهتها في البناء وصارت أوائلها الأوائل التي هي في الأصل للأسماء فصارت بمنزلة ضارب الذي هو اسم وبمنزلة حجرٍ وتابلٍ كما أنَّ يزيد وتغلب يصيران بمنزلة تنضبٍ ويعمل إذا صارت اسماً. وأمّا عيسى فكان لا يصرف ذلك. وهو خلاف قول العرب سمعناهم يصرفون الرجل يسَّمى: كعبساً وإنَّما هو فعل من الكعسبة وهو العدو الشديد مع تداني الخطأ. والعرب تنشد هذا البيت لسحيم بن وثيل اليربوعيّ: ولا نراه على قول عيسى ولكنَّه على الحكاية كما قال: بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب كأنه قال: أنا ابن الذي يقال له: جلا. فإن سمّيت رجلاً ضَّرب أو ضرِّب أو ضورب لم تصرف. فأما فعَّل فهو مصروف ودحرج ودحرج لا تصرفه لأنَّه لا يشبه الأسماء. ولا يصرفون خضَّم وهو اسم للعنبر بن عمرو بن تميم. فإن حقرّت هذه الأسماء صرفتها لأنَّها تشبه الأسماء فيصير ضاربٌ وضاربٌ ونحوهما بمنزلة ساعد وخاتم. فكّل اسم يسمى بشيء من الفعل ليست في أوّله زيادة وله مثال في الأسماء انصرف فإن سمّيته باسمٍ في أوله زيادة وأشبه الأفعال لم ينصرف. فهذه جملة هذا كلّه. وإن سميِّت رجلا ببقِّم أو شلَّم وهو بيت المقدس لم تصرفه البتّة لأنه ليس في العربيّة اسمٌ على هذا البناء ولأنه أشبه فعِّلا فهو لا ينصرف إذا صار اسماً لأنه ليس له نظيرٌ في الأسماء لأنَّه جاء على بناء الفعل الذي إنّما هو في الأصل للفعل لا للأسماء فاستثقل فيه ما وإن سميّت رجلاً ضربوا فيمن قال: أكلوني البراغيث قلت: هذا ضربون قد أقبل تلحق النون كما تلحقها في أولي لو سمّيت بها رجلاً من قوله عزّ وجلّ: " أولى أجنحةٍ ". ومن قال: هذا مسلمون في اسم رجل قال: هذا ضربون ورأيت ضربين. وكذلك يضربون في هذا القول. فإن جعلت النون حرف الإعراب فيمن قال هذا مسلمينٌ قلت: هذا ضربينٌ قد جاء. ولو سميّت رجلاً: مسلمينٌ على هذه اللغة لقلت: هذا مسلمينٌ صرفت وأبدلت مكان الواو ياءً لأنَّها قد صارت بمنزلة الأسماء وصرت كأنَّك سميّته بمثل: يبرين. وإنَّما فعلت هذا بهذا حين لم يكن علامةً للإضمار وكان علامةً للجمع كما فعلت ذلك بضربت حين كانت علامةً للتأنيث فقلت هذا ضربة قد جاء. وتجعل التاء هاءً لأنهَّا قد دخلت في الأسماء حين قلت هذه ضربة فوقفت إذا كانت بعد حرف متحّرك قلبت التاء هاءً حين كانت علامة للتأنيث. وإن سميَّته ضرباً في هذا القول ألحقته النون وجعلته بمنزلة رجل سمّى برجلين. وإنمّا كففت النون في الفعل لأنّك حين ثنيت وكانت الفتحة لازمةً للواحد حذفت أيضاً في الاثنين النون ووافق الفتح في ذاك النصب في اللفظ فكان حذف النون نظير الفتح كما كان الكسر في هيهات نظير الفتح في: هيهات. وإن سمّيت رجلاً بضربن أو يضربن لم تصرفه في هذا لأنه ليس له نظيرٌ في الأسماء لأنَّك إن جعلت النون علامةً للجمع فليس في الكلام مثل: جعفرٍ فلا تصرفه. وإن جعلته علامةً للفاعلات حكيته. فهو في كلا القولين لا ينصرف.

باب ما لحقته الألف في آخره

فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة وما لحقته الألف فانصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة أمّا لا ينصرف فيهما فنحو: حبلى وحبارى وجمزى ودفلى وشروى وغضبى. وذاك أنَّهم أرادوا أن يفرقوا بين الألف التي تكون بدلاً من الحرف الذي هو من نفس الكلمة والألف التي تلحق ما كان من بنات الثلاثة ببنات الأربعة وبين هذه الألف التي تجيء للتأنيث. فأمّا ذفرى فقد اختلفت فيها العرب فيقولون: هذه ذفرىً أسيلةٌ ويقول بعضهم: هذه ذفرى أسيلةٌ وهي أفلّهما جعلوها تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة كما أن واو جدولٍ بتلك المنزلة. وكذلك: تترى فيها لغتان. وأما معزّى فليس فيها إلاّ لغة واحدة تنوَّن في النكرة. وكذلك: الأرطى كلهم يصرف. وتذكيره مما يقوّى على هذا التفسير. وكذلك: العلقى. ألا ترى أنَّهم إذا أنّثوا قالوا: علقاةٌ وأرطاةٌ لأنهما ليستا ألفى تأنيث. وحبنطًى بهذه المنزلة إنّما جاءت ملحقة بجعفلٍ. وكينونته وصفاً للمذكَّر يدلّك على ذلك ولحاق الهاء في المؤنث. وكذلك قبعثرّى لأنك لم تلحق هذه الألف للتأنيث. ألا ترى أنك تقول: قبعثراةٌ وإنمّا هي زيادة لحقت بنات الخمسة كما لحقتها الياء في قولك: دردبسٍ. وبعض العرب يؤّنث العلقى فينزِّلها منزلة: البهمى يجعل الألف للتأنيث. وقال العجاج. يستنّ في علقى وفي مكور فلم ينونّه. وإنما منعهم من صرف: دفلى وشروى ونحوهما في النكرة أنّ ألفهما حرف يكسَّر عليه الاسم إذا قلت: حبالى وتدخل تاء التأنيث لمعنًى يخرج منه ولا تلحق به أبداً بناءً ببناء كما فعلوا ذلك بنون رعشنٍ وبتاء سنبته وعفريت. ألا تراهم قالوا: جمزىً فبنوا عليها الحرف فتوالت فيه ثلاث حركات وليس شيء يبنى على الألف التي لغير التأنيث نحو نون رعشنٍ توالى فيه ثلاث حركات فيما عدتّه أربعة أحرف لأنَّها ليست من الحروف التي تلحق بناءً ببناءً وإنّما تدخل لمعنى فلمّا بعدت من حروف الأصل تركوا صرفها كما تركوا صرف مساجد حيث كسّروا هذا البناء على ما لا يكون عليه الواحد. وأما موسى وعيسى فإنهما أعجميان لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة أخبرني بذلك من أثق به. وموسى مفعل وعيسى فعلى والياء فيه ملحقة ببنات الأربعة بمنزلة ياء معزى. وموسى الحديد مفعل ولو سميت بها رجلاً لم تصرفها لأنها مؤنثة بمنزلة معزى إلا أن الياء في موسى من نفس الكلمة.

هذا باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف فمنعه ذلك من الانصراف في النكرة والمعرفة

وذلك نحو حمراء وصفراء وخضراء وصحراء وطرفاء ونفساء وعشراء وقوباء وفقهاء وسابياء وحاوياء وكبرياء. ومثله أيضاً: عاشوراء ومنه أيضاً: أصدقاء وأصفياء. ومنه زمكاَّء وبروكاء وبراكاء ودبوقاء وخنفساء وعنظباء وعقرباء وزكرياَء. فقد جاءت في هذه الأبنية كلَّها للتأنيث. والألف إذا كانت بعد ألف مثلها إذا كانت وحدها إلاّ أنَّك همزت الآخرة للتحريك لأنّه لا ينجزم حرفان فصارت الهمزة التي هي بدلٌ من الألف بمنزلة الألف لو لم تبدل وجرى عليها ما كان يجري عليها إذا كانت ثابتة كما صارت الهاء في هراق بمنزلة الألف. واعلم أن الألفين لا تزادان أبداً إلا للتأنيث ولا تزادان أبداً لتلحقا بنات الثلاثة بسرداحٍ ونحوها. ألا ترى أنك لم ترقطّ فعلاء مصروفةً ولم نر شيئاً من بنات الثلاثة فيه ألفان زائدتان مصروفاً. فإن قلت: فما بال علباءٍ وحرباء فإ َّ هذه الهمزة التي بعد الألف إنمّا هي بدل من ياءٍ كالياء التي في درحايةٍ وأشباهها وإنَّما جاءت هاتان الزائدتان هنا لتلحقا علباء وحرباء بسرداحٍ وسربالٍ. ألا ترى أن هذه الألف والياء لا تلحقان اسماً فيكون أوّله مفتوحاً لأنه ليس في الكلام مثل سرداحٍ ولا سربالٍ وإنما تلحقان لتجعلا بنات الثلاثة على هذا المثال والبناء فصارت هذه الياء بمنزلة ما هو من نفس الحرف ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئاً فتلحقا هذا البناء به ولا تلحق ألفان للتأنيث شيئاً على ثلاثة أحرف وأول الاسم مضموم أو مكسور وذلك لأنَّ هذه الياء والألف إنّما تلحقان لتبلغا بنات الثلاثة بسرداحٍ وفسطاط لا تزادان ههنا إلاّ لهذا فلم تشركهما الألفان اللتان للتأنيث كما لم تشركا الألفين في مواضعهما وصار هذا الموضع ليس من المواضع التي تلحق فيها الألفان اللّتان للتأنيث وصار لهما إذا جاءتا للتأنيث أبنية لا تلحق فيها واعلم أنَّ من العرب من يقول: هذا قوباءٌ كما ترى وذلك لأنهم أرادوا أن يلحقوه ببناء فسطاط والتذكير يدلّك على ذلك والصرف. وأما غوغاء فمن العرب من يجعلها بمنزلة عوراء فيؤنث ولا يصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة قضقاضٍ فيذكّر ويصرف ويجعل الغين والواو مضاعفتين بمنزلة القاف والضاد. ولا يجيء على هذا البناء إلاّ ما كان مردَّداً. والواحدة غوغاء.

هذا باب ما لحقته نونٌ بعد ألف فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة

وذلك نحو: عطشان وسكران وعجلان وأشباهها. وذلك أنهم جعلوا النون حيث جاءت بعد ألف كألف حمراء لأنها على مثالها في عدَّة الحروف والتحرك والسكون وهاتان الزائدتان قد اختصّ بهما المذكّر. ولا تلحقه علامة التأنيث كما أن حمراء لم تؤنَّث على بناء المذكَّر. ولمؤنث سكران بناءٌ على حدةٍ كما كان لمذكَّر حمراء بناءٌ على حدة. فلمّا ضارع فعلاء هذه المضارعة وأشبهها فيما ذكرت لك أجرى مجراها.

باب ما لا ينصرف في المعرفة مما ليست نونه بمنزلة الألف

التي في نحو: بشرى وما أشبهها وذلك كلّ نون لا يكون في مؤنثها فعلى وهي زائدةٌ وذلك نحو: عريانٍ وسرحانٍ وإنسانٍ. يدلك على زيادته سراحٍ فإنما أرادوا حيث قالوا: سرحانٌ أن يبلغوا به باب سرداحٍ كما أرادوا أن يبلغوا بمعزى باب هجرعٍ. ومن ذلك: ضبعانٌ. يدلَّك على زيادته قولك: الضَّبع والضبِّاع أشباه هذا كثير. وإنما تعتبر أزيادة هي أم غير زيادة بالفعل أو الجمع أو بمصدر أو مؤنث نحو: الضَّبع وأشباه ذلك. وإنما دعاهم إلى أن لا يصرفوا هذا في المعرفة أنّ آخره كآخر ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فجعلوه بمنزلته في المعرفة كما جعلوا أفكلاً بمنزلة ما لا يدخله التنوين في معرفة ولا نكرة. وذلك أفعل صفةً لأنه بمنزلة الفعل وكان هذه النون بعد الألف في الأصل لباب فعلان الذي له فعلى كما كان بناء أفعل في الأصل للأفعال فلما صار هذا الذي ينصرف في النكرة في موضع يستثقل فيه التنوين جعلوه بمنزلة ما هذه الزيادة له في الأصل. فإذا حقّرت سرحان اسم رجل فقلت: سريحينٌ صرفته لأن آخره الآن لا يشبه آخر غضبان لأنّك تقول في تصغير غضبان: غضيبان ويصير بمنزلة غسليٍن وسنينٍ فيمن قال: هذه سنينٌ كما ترى. ولو كنت تدع صرف كل نون زائدة لتركت صرف رعشنٍ ولكنك إنَّما تدع صرف ما آخره كآخر غضبان كما تدع صرف ما كان على مثال الفعل إذا كانت الزيادة في أوله. فإذا قلت: إصليت صرفته لأنه لا يشبه الأفعال فكذلك صرفت هذا لأن آخره لا يشبه آخر غضبان إذا صغّرته. وهذا قول أبي عمروٍ والخليل ويونس. وإذا سميّت رجلاً: طّحان أو سمّان من السمن أو تبّان من الّتبن صرفته في المعرفة والنكرة لأنها نونٌ من نفس الحرف وهي بمنزلة دال حمّاد. وسألته: عن رجل يسَّمى: دهقان فقال: إن سميَّته من التَّدهقن فهو مصروف. وكذلك: شيطان إن أخذته من التشيَّطن. فالنون عندنا في مثل هذا من نفس الحرف إذا كان له فعل يثبت فيه النون. وإن جعلت دهقان من الدَّهق وشيطان من شيَّط لم تصرفه. وسألت الخليل: عن رجل يسّمى مرّاناً فقال: أصرفه لأنَّ المرّان إنما سمِّى للينه فهو فعّالٌ كما يسمَّى الحمّاض لحموضته. وإنَّما المرانة اللّين. وسألته: عن رجل يسَّمى فيناناً فقال: مصروف لأنَّه فيعالٌ وإنّما يريد أن يقول لشعره فنونٌ كأفنان الشجر. وسألته: عن ديوانٍ فقال: بمنزلة قيراطٍ لأنَّه من دوّنت. ومن قال ديوانٌ فهو بمنزلة بيطار. وسألته: عن رمّان فقال: لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف. وسألته: عن سعدان والمرجان فقال: لا أشكّ في أن هذه النون زائدة لأنه ليس في الكلام مثل: سرداحٍ ولا فعلالٌ إلاّ مضعَّفاً. وتفسيره كتفسير عريان وقصّته كقصتّه. فلو جاء شيء في مثال: جنجانٍ لكانت النون عندنا بمنزلة نون مرّان إلاّ أن يجيء أمر بيِّن أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه فيعلم أنَّهم جعلوها زائدة كما قالوا: غوغاء فجعلوها بمنزلة: عوراء. فلَّما لم يريدوا ذلك وأرادوا أن لا يجعلوا النون زائدة صرفوا كما أنَّه لو كان خضخاضٌ لصرفته وقلت: ضاعفوا هذه النون. فإن سمعناهم لم يصرفوا قلنا: لم يريدوا ذلك يعنى التضعيف وأرادوا نوناً زائدة يعنى في: جنحان. وإذا سميّت رجلاً: حبنطى أو علقى لم تصرفه في المعرفة وترك الصرف فيه كترك الصرف في: عريان وقصتَّه كقصتّه. وأمّا علباءٌ وحرباء اسم رجل فمصروف في المعرفة والنكرة من قبل أنَّه ليست بعد هذه الألف نون فيشَّبه آخره بآخر غضبان كما شبّه آخر علقى بآخر شروى. ولا يشبه آخر حمراء لأنه بدلٌ من حرفٍ لا يؤنَّث به كالألف وينصرف على كلّ حال فجرى عليه ما جرى على ذلك الحرف وذلك الحرف بمنزلة الياء والواو اللّتين من نفس الحرف. وسألته عن تحقير علقى اسم رجل فقال: أصرفه كما صرفت سرحان حين حقّرته لأنَّ آخره حينئذ لا يشبه آخر ذفرى. وأمّا معزى فلا يصرف إذا حقرّتها اسم رجل من أجل التأنيث. ومن العرب من يؤنّث علقى فلا ينوِّن. وزعموا أنَّ ناساً يذكِّرون معزًى زعم أبو الخطّاب أنهى سمعهم يقولون: ومعزىّ هدباً يعلو قران الأرض سودانا ونظير ذلك قول اّلله عّز وجلَّ: " واللهّ يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون " وقال عّز وجلَّ: " فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باّلله إنَّه لمن الصَّادقين " لأنّ هذا توكيدُ كأنّه قال: يحلف باللّه إنه لمن الصادقين. وقال الخليل: أشهد بأنّك لذاهبُ غير جائز من قبل أنَّ حروف الجرّ لا تعَّلق. وقال: أقول أشهد إنه لذاهبٌ وإنهّ لمنطلق أتبع آخره أولّه. وإن قلت: أشهد أنّه ذاهبُ وإنه لمنطلقُ. لم يجز إلاَّ الكسر في الثاني لأن اللام لا تدخل أبدا على أنَّ وأن محمولةُ على ما قبلها ولا تكون إّلا مبتدأةً باللام. ومن ذلك أيضاً قولك: قد علمت إنّه لخير منك. فإنَّ ههنا مبتدأةُ وعلمت ههنا بمنزلتها في قولك: لقد علمت أيّهم أفضل معلقةَّ في الموضعين جميعاً. وهذه اللام تصرف إنَّ إلى لابتداء كما تصرف عبد اللّه إلى الابتداء إذا قلت قد علمت لعبد اللّه خيرُ منك فعبد اّلله هنا بمنزلة إنَّ في أنه يصرف إلى الابتداء. ولو قلت: قد علمت أنّه لخيرُ منك لقلت: قد علمت لزيداً خيراً منك ورأيت لعبد اّلله هو الكريم فهذه اللام لا تكون مع أنَّ ولا عبد اّلله إلاَّ وهما مبتدءان. ونظير ذلك قوله عزّ وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ " فهو ههنا مبتدأ. ونظير إنَّ مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: " ولقد علمت الجنةَّ إنَّهم لمحضرون " وقال أيضاً: " هل ندلكم على رجلٍ ينبئِّكم إذا مزّقتم كلَّ ممزَّقٍ إنَّكم لفي خلق جديد " فإنكم ههنا بمنزلة أيّهم إذا قلت: ينبئهم أيّهم أفضل. وقال الخليل مثله: إنَّ اللّه يعلم ما تدعون من دونه من شيء فما ههنا بمنزلة أيّهم ويعلم معلقة. قال الشاعر: ألم تر إنّي وابن أسود ليلةً ** لنسري إلى نارين يعلو سناهما

  هذا باب هاءات التأنيث 

اعلم أن كلّ هاء كانت في اسم للتأنيث فإنّ ذلك الاسم لا ينصرف في المعرفة وينصرف في قلت: فما باله انصرف في النكرة وإنما هذه للتأنيث هلاّ ترك صرفه في النكرة كما ترك صرف ما فيه ألف التأنيث قال: من قبل أن الهاء ليست عندهم في الاسم وإنّما هي بمنزلة اسم ضمَّ إلى اسم فجعلا اسما واحداً نحو: حضرموت. ألا ترى أنًّ العرب تقول في حبارى: حبيرًّ وفي جحجبى: جحيجب ولا يقولون في دجاجةٍ إلا دجيجة ولا في قرقرة إًّلا قريقرة كما يقولون في حضرموت وفي خمسة عشر: خميسة عشر فجعلت هذه الهاء بمنزلة هذه الأشياء. ويدلّك على أنًّ الهاء بهذه المنزلة أنّها لم تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة قّط ولا الأربعة بالخمسة لأنًّها بمنزلة: عشر وموت وكرب في معد يكرب. وإنما تلحق بناء المذكرّ ولا يبنى عليها الاسم كالألف ولم يصرفوها في المعرفة كما يصرفوا معد يكرب ونحوه. وسأبيّن ذلك إن شاء الله.

هذا باب ما ينصرف في المذكر

البّتة مما ليس في آخره حرف التأنيث كلَّ مذكّر سّمى بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف كائناً ما كان أعجميّا أو عربيّا أو مؤنّثا إَّلا فعل مشتقاًّ من الفعل أو يكون في أوّله زيادة فيكون كيجد ويضع أو يكون كضرب لا يشبه الأسماء وذلك أن المذكّر أشدّ تمكّنا فلذلك كان أحمل للتنوين فاحتمل ذلك فيما كان على ثلاثة أحرف لأنَّه ليس شيء من الأبنية أقلُّ حروفا منه فاحتمل التنوين لخفته ولتمكّنه في الكلام. ولو سمّيت رجلا قدماً أو حشاً صرفته. فإن حّقرته قلت: قد بمٌ فهو مصروف وذلك لاستخفافهم هذا التحقير كما استخفّوا الثلاثة لأنَّ هذا لا يكون إَّلا تحقير أقلَّ العدد وليس محقَّر أقلُّ حروفا منه فصار كغير المحَّقر الذي هو أقُّل ما كان غير محَّقر حروفا. وهذا قول العرب والخليل ويونس. واعلم أن كلّ اسم لا ينصرف فإن الجرّ يدخله إذا أضفته أو أدخلت فيه الألف واللام وذلك أنَّهم أمنوا التنوين وأجروه مجرى الأسماء. وقد أوضحته في أوّل الكتاب بأكثر من هذا وإن سمّيت رجلا ببنت أو أخت صرفته لأنك بنيت الاسم على هذه التاء وألحقها ببناء الثلاثة كما ألحقوا: سنبتةً بالأربعة. ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها إنما هذه التاء فيها كتاء عفريتٍ ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة. وليست كالهاء لما ذكرت لك وإنَّما هذه زيادة في الاسم بني عليها وانصرف في المعرفة. ولو أنَّ الهاء التي في دجاجة كهذه التاء انصرف في المعرفة. وأن سمَّيت رجلاً بهنه وقد كانت في الوصل هنتٌ قلت هنة يا فتى تحرّك النون وتثبت الهاء لأنّك لم تر مختصًّا متمكنِّا على هذه الحال التي تكون عليها هنة قبل أن تكون اسماً تسكن النون في الوصل وذا قليل. فإن حوّلته إلى الاسم لزمه القياس. وإن سّميت رجلاً ضربت قلت: هذا ضربه لأنه لا يحرَّك ما قبل هذه التاء فتوالى أربع حركات وليس هذا في الأسماء فتجعلها هاء وتحملها على ما فيه هاء التأنيث.

هذا باب فعل

اعلم أنَّ كل فعلٍ كان اسما معروفا في الكلام أو صفةً فهو مصروف. فالأسماء نحو: صردٍ وجعلٍ وثقبٍ وحفرٍ إذا أردت جماع الحفرة والثقُّبة. وأمّا الصفات فنحو قولك: هذا رجل حطم. قال الحطم القيسىّ: قد لفَّها الليل بسواقٍ حطمٌ فإنما صرفت ما ذكرت لك لأنه ليس باسمٍ يشبه الفعل الذي في أوّله زيادة وليست في آخره زيادة تأنيث وليس بفعل لا نظير له في الأسماء فصار ما كان منه اسماً ولم يكن جمعاً بمنزلة حجر ونحوه وصار ما كان منه جمعاً بمنزلة كسرٍ وإبرٍ. وأمّا عمر وزفر فإنما منعهم من صرفهما وأشباههما أنَّهما ليسا كشيء مما ذكرنا وإنما هما محدودان عن البناء الذي هو أولى بهما وهو بناؤهما في الأصل فلمّا خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما وذلك نحو: عامرٍ وزافرٍ. ولا يجيء عمر وأشباهه محدوداً عن البناء الذي هو أولى به إلا وذلك البناء معرفة. كذلك جرى في الكلام. فإن قلت: عمرٌ آخر صرفته لأنه نكرة فتحول عن موضع عامرٍ معرفةً. وإن حقَّرته صرفته لأنّ فعيلاً لا يقع في كلامهم محدوداً عن فويعلٍ وأشباهه كما لم يقع فعلٌ نكرة محدوداً عن عامرٍ فصار تحقيره كتحقير عمرٍو كما صارت نكرته كصردٍ وأشباهه. وهذا قول الخليل. وزحل معدول في حالةٍ إذا أردت اسم الكوكب فلا ينصرف. وسالته عن جمع وكتع فقال: هما معرفة بمنزله كلُّهم وهما معدولتان عن جمع جمعاء وجمع كتعاء وهما منصرفان في النكرة. وسألته عن صغر من قوله: الصغرى وصغر فقال: اصرف هذا في المعرفة لأنه بمنزلة: ثقبةٍ وثقبٍ ولم يشبهَّ بشيء محدود عن وجهه. قلت: فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فقال: لأن أخر خالفت أخواتها وأصلها وإنما هي بمنزلة: الطوّل والوسط والكبر لا يكنَّ صفةً إلا وفيهن ألف ولام فتوصف بهنَّ المعرفة. ألا أنك لا تقول: نسوةٌ صغرٌ ولا هؤلاء نسوةٌ وسطٌ ولا تقول: هؤلاء قوم أصاغر. فلما خالفت الأصل وجاءت صفة بغير الألف واللام تركوا صرفها كما تركوا صرف لكع حين أرادوا يا ألكع وفسق حين أرادوا يا فاسق. وترك الصرف في فسق هنا لأنه لا يمكن بمنزلة يا رجل للعدل. فإن حقرت أخر اسم رجل صرفته لأن فعيلاً لا يكون بناءً لمحدد عن وجهه فلمّا حقَّرت غيّرت البناء الذي جاء محدوداً عن وجهه. وسألته عن أحاد وثناء ومثنى وثلاث ورباع فقال: هو بمنزلة أخر إنما حدُّه واحداً واحداً واثنين اثنين فجاء محدوداً عن وجهه فترك صرفه. قلت أفتصرفه في النكرة قال: لا لأنه نكرة يوصف به نكرة وقال لي: قال أبو عمرو: " أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع " صفة كأنك قلت: أولي أجنحة اثنين اثنين وثلاثةٍ ثلاثةٍ. وتصديق قول أبي عمروٍ وقول ساعدة بن جؤية: وعاودني ديني فبتُّ كأنَّما خلال ضلوع الصَّدر شرعٌ ممدَّد. ثم قال: ولكنَّما أهلي بوادٍ أنيسه ذئابٌ تبغَّى الناس مثنى وموحد. فإذا حَّقرت ثناء وأحاد صرفته كما صرفت أخيراً وعميراً تصغير عمر وأخر إذا كان اسم رجل لأنَّ هذا ليس هنا من البناء الذي يخالف به الأصل. فإن قلت: ما بال قال صرف اسم رجل وقيل التي هي فعل وهما محدودان عن البناء الذي هو الأصل فليس يدخل هذا على أحد في هذا القول من قبل أنك خّففت فعل وفعل نفسه كما خفّفت الحركة من علم وذلك من لغة بني تميم فتقول: علم كما حذفت الهمزة من يرى ونحوها فلَّما خفَّت وجاءت على مثال ما هو في الأسماء صرفت. وأمَّا عمر فليس محذوفا من عامرٍ كما أنّ ميتاً محذوف من مّيتٍ ولكنه اسمٌ بني من هذا اللفظ وخولف به بناء الأصل. يدّلك على ذلك: أن مثنى ليس محذوفاً من اثنين. وإن سّميت رجلا ضرب ثم خّففته فأسكنت الراء صرفته لأنك قد أخرجته إلى مثال ما ينصرف كما صرفت قيل وصار تخفيك لضرب كتحقيرك إيَّاه لأنَّك تخرجه إلى مثال الأسماء. ولو تركت صرف هذه الأشياء في التخفيف للعدل لما صرفت اسم هارٍ لأنه محذوف من هائرٍ.

باب ما كان على مثال مفاعل ومفاعيل

اعلم أنه ليس شيءٌ يكون على هذا المثال إلاَّّ لم ينصرف في معرفة ولا نكرة. وذلك لأنه ليس شيء يكون واحداً يكون على هذا من البناء والواحد الذي هو أشدُّ تمكنا وهو الأول فلما لم يكن هذا من بناء الواحد هو أشد تمكناً وهو الأول تركوا صرفه إذ خرج من بناء الذي هو أشدّ تمكنا. وإنّما صرفت مقاتلاً وعذافراً لان هذا المثال يكون للواحد. قلت: فما بال ثمان لم يشبه: صحارى وعذارى قال: الياء في ثماني ياء الإضافة أدخلتها على فعال كما أدخلتها على يمانٍ وشآمٍ فصرفت الاسم إذ خفَّفت كما إذ ثقلت يمانيٌّ وشآميٌّ. وكذلك: رباٍع فإنَّما ألحقت هذه الأسماء ياءات الإضافة. قلت: أرأيت صياقلةً وأشباهها لم صرفت قال: من قبل أن هذه الهاء إنَّما ضُّمت إلى صياقل كما ضمت موت إلى حضر وكرب إلى معدي في قول من قال: معد يكرب. وليست الهاء من الحروف التي تكون زيادةً في هذا البناء كالياء والألف في صياقلةٍ وكالياء ةالألف اللتين يبنى بهما الجميع إذا كّسرت الواحد ولكنَّها إنَّما تجيء مضمومة إلى هذا البناء كما تضم ّياء الإضافة إلى مدائن ومساجد بعد ما يفرغ من البناء فتلحق ما فبه الهاء من نحو: صياقلةٍ باب طلحةٍ وتمرةٍ كما تلحق هذا بباب تميمىٍّ وقيسىٍّ يعني قولك مدائنيٌّ ومساجديٌّ فقد أخرجت هذه الياء مفاعيل ومفاعل إلى باب تميمي كما أخرجته الهاء إلى باب طلحةٍ. ألا ترى أنَّ الواحد تقول له: مدائنىٌّ فقد صار يقع للواحد ويكون من أسمائه. وقد يكون هذا المثال للواحد نحو: رجلٍ عباقيةٍ فلما لحقت هذه الهاء لم يكن عند العرب مثل البناء الذي ليس في الأصل للواحد ولكنه صار عندهم بمنزلة اسم ضمّ إليه فجعل اسماً واحداً فقد تغير بهذا عن حاله كما تغيَّر بياء الإضافة. ويقول بعضهم: جندلٌ وذلذلٌ يحذف ألف جنادل وذلاذل وينونون يجعلونه عوضاً من هذا المحذوف. واعلم أنَّك إذا سميت رجلا مساجد ثم حقَّرته صرفته لأَّنك قد حوّلت هذا البناء. وإن سمّيته حضاجر ثم حقَّرته صرفته لأنها إنّما سِّميت بجمع الحضجر سمعنا العرب يقولون: أوطبٌ حضاجر. وإنَّماجعل هذا اسما لضَّبع لسعة بطنها. وأمّا سراويل فشيءٌ واحد وهو أعجميّ أعرب كما أعرب الآجرُّ إَّلا أنَّ سراويل أشبه من كلامهم مالا ينصرف في نكرة ولا معرفة كما أشبه بقَّم الفعل ولم يكن له نظير في الأسماء. فإن حقّرتها اسم رجل لم تصرفها كما لا تصرف عناق اسم رجل. وأمّا شراحيل فتحقيره ينصرف لأنَّه عربيٌّ ولا يكون إَّلا جماعا. وأمّا أجمالٌ وفلوس ق فإنها تنصرف وما اشبهها ضارعت الواحد. ألا ترى أنك تقول: أقوالٌ وأقاويل وأعرابٌ وأعاريب وأيدٍ وأيادٍ. فهذه الأحرف تخرج إلى مثال مفاعل ومفاعيل إذا كسّر للجميع كما يخرج إليه وأمّا مفاعل ومفاعيل فلا يكسّر فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا لأن هذا البناء هو الغاية فلمّا ضارعت الواحد صرفت كما أدخلوا الرفع والنصب في يفعل حين ضارع فاعلاً وكما ترك صدف افعل حين ضارع الفعل. وكذلك الفعول لو كسّرت مثل الفلوس لان تجمع جمعا لأخرج إلى فعائل كما تقول: جدودٌ وجدائد وركوب وركائب. ولو فعلت ذلك بمفاعل ومفاعيل لم تجاوز هذا ويقوَّي ذلك أنَّ بعض العرب يقول: أتيٌ للواحد فيضمُّ الألف. وأما أفعالٌ فقد يقع للواحد من العرب من يقول: هو الأنعام. وقال الله عز وجل " نسقيكم مما في بطونه ". وقال أبو الخطاب: سمعت العرب يقولون: هذا ثوبٌ أكياشٌ ويقال: سدوسٌ لضرب من الثياب كما تقول: جدورٌ. ولم يكسَّر عليه شيء كالجلوس والقعود. وأمّا بخاتيُّ فليس بمنزلة مدائنيٍّ لأنك لم تلحق هذه الياء بخاتٍ للإضافة ولكنها التي كانت في الواحد إذا كّسرته للجمع فصارت بمنزلة الياء في حذريةٍ إذا قلت حذارٍ وصارت هذه الياء كدال مساجد لأنهَّا جرت في الجمع مجرى هذه الدال لأنَّك بنيت الجمع بها ولم تلحقها بعد فراغ من بنائها. وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذارٍ. حدّثني أبو الخطَّاب أنَّه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منوَّن قال: يحدو ثماني مولعاً بلقاحها حتَّى هممن بزيغة الإرتاج وإذا حقَّرت بخاتيَّ اسم رجل صرفته كما صرفت تحقير مساجد. وكذلك صحارٍ فيمن قال: صحيرٌ لأنه ليس ببناء جمع. وأمّا ثمانٍ إذا سمّيت به رجلا فلا تصرف لانها واحدة كعناقٍ. وصحارٍ جماعٌ كعنوقٍ فإذا ذهب ذلك البناء صرفته. وياء ثمانٍ كياء قمريٍّ وبختىٍّ لحقت كلحاق ياء يمانٍ وشآمٍ وإن لم يكن فيهما معنى إضافة إلى بلد ولا إلى أب كما لم يك ذلك في بختيٍّ. ورباعٍ بمنزلته وأجري مجري سداسيٍ. وكذلك حواريٌ. وأما عواريُّ وعواديَّ وحواليٌّ فإنه كسر عليه حولي وعادي وعاريّةٌ وليست ياءً لحقت حوالٍ.

باب تسمية المذكّر بلفظ الاثنين والجميع الذي تلحق له الواحد واوا ونونا

فإذا سميَّت رجلا برجلين فإن أقيسه وأجوده أن تقول: هذا رجلان ورأيت رجلين ومررت برجلين كما تقول: هذا مسلمون ورأيت مسلمين. ومررت بمسلمين. فهذه الياء والواو بمنزلة الياء والألف. ومثل ذلك قول العرب: هذه قنَّسرون وهذه فلسطون. ومن النحويين من يقول: هذا رجلان كما ترى يجعله بمنزلة عثمان. وقال الخليل: من قال هذا قال: مسلمينٌ كما ترى جعله بمنزلة قولهم: سنينٌ كما ترى وبمنزلة قول بعض العرب: فلسطينٌ وقنَّسرينٌ كما ترى. فإن قلت: هل تقول: هذا رجلينٌ تدع الياء كما تركتها في مسلمين فإنهّ إنّما منعهم من ذلك أنّ هذه لا تشبه شيئاً من الأسماء في كلامهم ومسلمينٌ مصروف كما كنت صارفاً سنياً. وقال في رجل اسمه مسلماتٌ أو ضرباتٌ: هذا ضرباتٌ كما ترى ومسلماتٌ كما ترى. وكذلك المرأة لو سمّيتها بهذا انصرفت. وذلك أن هذه التاء لما صارت في النصب والجرّ جرّاً أشبهت عندهم الياء التي في مسلمين والياء التي في رجلين وصار التنوين بمنزلة النون. ألا ترى إلى عرفاتٍ مصروفةً في كتاب الله عز وجلَّ وهي معرفةٌ. الدَّليل على ذلك قول العرب: هذه عرفاتٌ مباركاً فيها. ويدلك أيضا على معرفتها أنك لا تدخل فيها ألفا ولاما وإنّما عرفاتٌ بمنزلة أبانين وبمنزلة جمع. ومثل ذلك أذرعاتٌ سمعنا أكثر العرب يقولون في بيت امرئ القيس: ولو كانت عرفات نكرة لكانت إذاً عرفات في غير موضع. ومن العرب من لا ينوّن أذرعات ويقول: هذه قريشيّات كما ترى شبهوها بهاء التأنيث لأن الهاء تجئ للتأنبث ولا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة. فإن قلت: كيف تشبهها بالهاء وبين التاء وبين الحرف المتحرك ألف فإنّ الحرف الساكن ليس عندهم بحاجز حصين فصارت التاء كأنِّها ليس بينها وبين الحرف المتحرك شيء. ألا ترى أنِّك تقول: اقتل فتتبع الألف التاء كأنها ليس بينها شيء وسترى أشباه ذلك إن شاء الله مما يشبَّه بالشيء وليس مثله في كل شيء. ومنه ما قد مضى

هذا باب الأسماء الأعجمية

اعلم أن كلَّ اسم أعجمي أعرب وتمكّن في الكلام فدخلته الألف واللام وصار نكرة فإنك إذا سمّيت به رجلا صرفته إَّلا أن يمنعه من الصرف ما يمنع العربيّ. وذلك نحو: اللجّام والدّيباج واليرندج والنَّيروز والفرند والزَّنجبيل والأرندج والياسمين فيمن قال: ياسمينٌ كما ترى والسّهريز والآجرّ فإن قلت: أدع صرف الآجرّ لأنه لا يشبه شيئاً من كلام العرب فإنه قد أعرب وتمكّن في الكلام وليس بمنزلة شيء ترك صرفه من كلام العرب لأنَّه لا يشبه الفعل وليس في آخره زيادة وليس من نحو عمر وليس بمؤنث وإنمَّا هو بمنزلة عربيٍّ ليس له ثلنٍ في كلام العرب نحو إبل وكدت تكاد وأشباه ذلك وأمّا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وهرمز وفيروز وقارون وفرعون وأشباه هذه الأسماء فإنَّها لم تقع في كلامهم الا معرفة على حد ما كانت في كلام العجم ولم تمكن في كلامهم كما تمكنّ الأوّل ولكنها وقعت معرفة ولم تكن من أسمائهم العربيَّة فاستنكروها ولم يجعلوها بمنزلة أسمائهم العربية: كنهشلٍ وشعثمٍ ولم يكن شيء منها قبل ذلك اسماً يكون لكل شيء من أمةٍ. فلمّا لم يكن فيها شيء من ذلك استنكروها في كلامهم. وإذا حقّرت اسماً من هذه الأسماء فهو على عجمته كما ان العناق إذا حقّرتها اسم رجل كانت على تأنيثها. وأما صالحٌ فعربيّ وكذلك شعيبٌ. وأمّا نوحٌ وهودٌ ولوطٌ فتنصرف على كل حال لخفتها.

هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث

اعلم أن كل مذكّر سّميته مؤنّث على أربعة أحرف فصاعداً لم ينصرف. وذلك أن أصل المذكّر عندهم أن يسمى بالمذكر وهو شكله والذي يلائمه فلما عدلوا عنه ما هو له في الأصل وجاءوا بما لا يلائمه ولم يكن منه فعلوا ذلك به كما فعلوا ذلك بتسميتهم إيَّاه بالمذكر وتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي. فمن ذلك: عناق وعقرب وعقاب وعنكبوت وأشباه ذلك. وسالته: عن ذراع فقال: ذراعٌ كثر تسميتهم به المذكّر وتمكّن في المذكّر وصار من أسمائه خاصَّة عندهم ومع هذا أنهَّم يصفون به المذكر فيقولن: هذا ثوبٌ ذراعٌ. فقد تمكن هذا الاسم في المذكر. وأمّا كراع فإنّ الوجه ترك الصرف ومن العرب من يصرفه يشبهّه بذراع لأنه من أسماء المذكر. وذلك أخبث الوجهين. وإن سمَّيت رجلاً ثماني لم تصرفه لأن ثماني اسم لمؤنث كما أنك لا تصرف رجلا اسمه ثلاث لأنَّه ثلاثا كعناق. ولو سّميت رجلا حباري ثم حقرّته فقلت: حبيرّ لم تصرفه لأنَّك لو حقرت الحباري نفسها فقلت: حبيرٌ كنت إنمَّا تعني المؤنَّث فالياء إذا ذهبت فإنما هي مؤنثة كعنيّقٍ. واعلم انك إذا سّميت المذكر بصفة المؤنَّث صرفته وذلك أن تسِّمى رجلا بحائضٍ أو طامثٍ أو متئمٍ. فزعم أنّه إنّما يصرف هذه الصفات لأنَّها مذكرةٌ وصف بها المؤنّث كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكَّر وذلك نحو قولهم: رجلٌ نكحةٌ ورجل ربعةٌ ورجل خجأةٌ فكأنَّ هذا المؤنَّث وصفٌ لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا. وكأنَّ المذكر وصف لشيء كأنّك قلت: هذا شيءٌ حائضٌ ثم وصفت به المؤنَّث كما تقول هذا بكرٌ ضامرٌ ثم تقول: ناقةٌ ضامرٌ. وزعم الخليل أن فعولاً ومفعالاً إنَّما امتعتنا من الهاء لأنَّهما إنّما وقعتا في الكلام على التذكير ولكنَّه يوصف به المؤنث كما يوصف بعدلٍ وبرضاً. فلو لم تصرف حائضا لم تصرف رجلا يسَّمى قاعداً إذا أردت صفة القاعد من الزوج ولم تكن لتصرف رجلاً يسمى ضارباً إذا أردت الناقة الضارب ولم تصرف أيضاً رجلاً يسمى عاقراً فإنَّ ما ذكرت لك مذكَّر وصف به مؤنَّث كما أن ثلاثةٌ مؤنثٌ لا يقع إَّلا لمذكرين. ومما جاء مؤنَّثاً صفةً تقع للمذكّر والمؤنَّث: هذا غلامٌ يفعةٌ وجاريةٌ يفعةٌ وهذا رجل ربعةٌ وامرأة ربعةٌ. فأمّا ما جاء من المؤنَّث لا يقع إَّلا لمذكر وصفاً فكأنه في الأصل صفة لسلعة أو نفسٍ كما قال: " لا يدخل الجّنة إلا نفسٌ مسلمةٌ " والعين عين القوم وهو ربيثتهم كما كان الحائض في الأصل صفةً لشيء وإن لم يستعملوه كما أنَّ أبرق في الأصل عندهم وصفٌ وأبطح وأجرع وأجدل فبمن ترك الَّصرف وإن لم يستعملوه وأجروه مجرى الأسماء. وكذلك جنوبٌ وشمالٌ وحرورٌ وسمومٌ وقبولٌ ودبورٌ إذا سمّيت رجلاً بشيء منها صرفته لأنَّها صفاتٌ في أكثر كلام العرب: سمعناهم يقولون: هذه ريح حرورٌ وهذه ريحٌ شمالٌ وهذه الريح الجنوب وهذه ريح سمومٌ وهذه ريحٌ جنوبٌ. سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره. قال الأعشى: لها زجلٌ كحفيف الحصا د صادف باللَّيل ريحاً دبورا ويجعل اسما وذلك قليل قال الشاعر. حالت وحيل بها وغيّر آيها ** صرف البلى تجري به الرّيحان ريح الجنوب مع الَّشمال وتارةً ** رهم الرَّبيع وصائب التَّهتان فمن جعلها أسماءً لم يصرف شيئاً منها اسم رجل وصارت بمنزلة: الصعَّود والهبوط والحرور والعروض. وإذا سمّيت رجلا بسعاد أو زينب أو جيأل وتقديرها جيعل لم تصرفه من قبل انَّ هذه أسماء تمكنت في المؤنّث واختص بها وهي مشتقةّ وليس شيء منها يقع على شيء مذكر: كالرَّباب والثوَّاب والدَّلال. فهذه الأشياء مذكرة وليست سعاد وأخواتها كذلك ليست بأسماء للمذكر ولكنهَّا اشتقَّت فجعلت مختصّا بها المؤنّث في التسمية فصارت عندهم كعناق. وكذلك تسميتك رجلا بمثل: عمان لأنَّها ليست بشيء مذكر معروف ولكنَّها مشتقّة لم تقع إلاّ علما لمؤنث وكان الغالب عليها المؤنَّث فصارت عندهم حيث لم تقع إلاَّ لمؤنّثٍ كعناق لا تعرف إلا َّعلما لمؤنَّث كما أن هذه مؤنّثة في الكلام. فإن سمَّيت رجلا بربابٍ أودلالٍ صرفته لأنه مذكر معروف. واعلم أنَّك إذا سميّت رجلا خروقاً أو كلابا أو جمالاً صرفته في النكرة والمعرفة وكذلك الجماع كلُّه. ألا تراهم صرفوا: أنماراً وكلابا وذلك لأنَّ هذه تقع على المذكر وليس يختصّ به واحد المؤنَّث فيكون مثله. ألا ترى أنَّك تقول: هم رجالٌ فتذكِّر كما ذكّرت في الواحد فلمَّا لم تكن فيه علامة التأنيث وكان يخرج إليه المذكر ضارع المذكر الذي يوصف به المؤنّث وكان هذا مستوجبا لصرف إذا صرف ذراعٌ وكراعٌ لما ذكرت لك. فإن قلت: ما تقول في رجل يسمَّى: بعنوق فإن عنوقا بمنزلة خروق لأن هذا التأنيث هو التانيث الذي يجمع به المذكَّر وليس كتأنيث عناق ولكن تأنيثه تأنيث الذي يجمع المذكَّرين وهذا التأنيث الذي في عنوقٍ تأنيث حادث فعنوقٌ البناء الذي يقع للمذكرين والمؤنّث الذي يجمع المذكرين. وكذلك رجل يسمَّى: نساءً لأنها جمع نسوةٍ. فأمَّا الطًّاغون فهو اسمٌ واحدٌ مؤنث يقع على الجميع كهيئة للواحد. وقال عزَّ وجلَّ: " والذين وأمَّا ما كان اسّماً لجمع مؤنّث لم يكن له واحدٌ فتأنيثه كتأنيث الواحد لا تصرفه اسم رجل نحو: إبل وغنم لأنَّه ليس له واحد يعني أنهّ إذا جاء اسماً لجمع ليس له واحد كسّر عليه فكان ذلك الاسم على أربعة أحرف لم تصرفه اسماً لمذكّر.

هذا باب تسمية المؤنث

اعلم أن كل مؤنث سميّته بثلاثة أحرف متوالٍ منها حرفان بالتحرك لا ينصرف فإن سميّته بثلاثة أحرف فكان الأوسط منها ساكنا وكانت شيئاً مؤنثاً أو اسماً الغالب عليه المؤنّث كسعاد فأنت بالخيار: إن شئت صرفته وإن شئت لم تصرفه. وترك الصرف أجواد. وتلك الأسماء نحو: قدر وعنز ودعد وجمل ونعم وهند. وقال الشاعر فصرفت ذلك ولم يصرفه: لم تتلفَّع بفضل مئزرها دعدٌ ** ولم تغذ دعد في العلب فصرفت ولم يصرف. وإنمَّا كان المؤنث بهذه المنزلة ولم يكن كالمذكر لأنّ الأشياء كلَّها اصلها التذكير ثم تختصَّ بعد فكل مؤنث شيء والشيء يذكَّر فالتذكير أوّل وهو أشدّ تمكنّا كما أنَّ النكرة هي اشدّ تمكنّا من المعرفة لأنَّ الأشياء إنمَّا تكون نكرةً ثم تعرف فالتذكير قبل وهو أشد تمكّنا عندهم. فالأول هو أشد تمكنا عندهم. فالنكرة تعرف بالألف واللام والإضافة وبأن يكون علماً. والشيء يختصّ بالتأنيث فيخرج من التذكير كما يخرج المنكور إلى المعرفة. فإن سميّت المؤنث بعمرو أو زيد لم يجز الصرف. هذا قول ابن أبي إسحاق وأبي عمرو فيما حدثنا يونس وهو القياس لأنَّ المؤنث اشد ملاءمةً للمؤنث. والأصل عندهم أن يسمىَّ المؤنث بالمؤنث كما أنَّ اصل تسمية المذكَّر بالمذكر. وكان عيسى يصرف امرأةً اسمها عمرو لأنَّه على أخفّ الأبنية.

هذا باب أسماء الأرضين

إذا كان اسم الأرض على ثلاثة أحرف خفيفةٍ وكان مؤنثا أو كان الغالب عليه المؤنث كعمان فهو بمنزلة: قدر وشمس ودعد. وبلغنا عن بعض المفسَّرين أن قوله عزَّ وجلَّ: " اهبطوا مصر " إنما أراد مصر بعينها. فإن كان الاسم الذي على ثلاثة أحرف أعجميَّا لم ينصرف وإن كان خفيفا لأن المؤنث في ثلاثة الأحرف الخفيفة إذا كان أعجمياً بمنزلة المذكَّر في الأربعة فما فوقها إذا كان اسما مؤنثاً. ألا ترى أنَّك لو سَّميت مؤنثَّا بمذكر خفيف لم تصرفه كما لم تصرف المذكَّر إذا سّميته بعناق فمن الأعجمَّية: حمص وجور وماه. فلو سميّت امرأة بشيء من هذه الأسماء لم تصرفها كما لا تصرف الرَّجل لو سميَّته بفارس ودمشق. وأمَّا واسطٌ فالتذكير والصرف أكثر وإنمَّا سمي واسطاً لأنه مكانٌ وسط البصرة والكوفة. فلو أرادوا التأنيث قالوا: واسطةٌ. ومن العرب من يجعلها اسم أرض فلا يصرف. ودابق الصرف والتذكير فيه أجود. قال الراجز وهو غيلان: ودابق وأين مِّني دابق وقد يؤنث فلا يصرف. وكذلك منيً الصرف والتذكير أجود وإن شئت أنّثت ولم تصرفه. وكذلك هجر يؤنث ويذكَّر. قال الفرزدق: منهنّ ايَّام صدق قد عرفت بها أيَّام فارس والأيام من هجرا فهذا أنت. وسمعنا من يقول: " كجالب التَّمر إلى هجر " يا فتى. وأمَّا حجر اليمامة فيذكَّر ويصرف. ومنهم من يؤنث فيجريه مجرى امرأةٍ سميِّت بعمروٍ لأن حجرا شيء مذكر سِّمي به المذكَّر. فمن الأرضين: ما يكون مؤنَّثا ويكون مذكَّرا ومنها مالا يكون إلا على التأنيث نحو: عمان والزّاب وإراب ومنها ما لا يكون إَّلا على التذكير نحو فلجٍ وما وقع صفة كواسط ثم صار بمنزلة زيد وعمرو وإنمَّا وقع لمعنىً نحو قول الشاعر: ونابغة الجعديُّ بالرَّمل بيته عليه ترابٌ من صفيح موضَّع أخرج الألف واللام وجعله كواسط. وأمَّا قولهم: قباء وحراء فد اختلفت العرب فيهما فمنهم من يذكّر ويصرف وذلك أنهَّم جعلوهما اسمين لمكانين كما جعلوا واسطاً بلداً أو مكانا. ومنهم من أنَّث ولم يصرف وجعلهما اسمين لبقعتين من الأرض. قال الشاعر جرير: ستعلم أينّا خير قديما ** وأعظمنا ببطن حراء نارا وكذلك أضاخ فهذا أنَّث وقال غيره فذكر. وقال العجاج: وربِّ وجهٍ من حراءٍ منحن وسألت الخليل فقلت: أرأيت من قال: قباء يا هذا كيف ينبغي له أن يقول إذا سمَّى به رجلاً قال: يصرفه وغير الصرف خطأ لأنَّه ليس بمؤنَّث معروف في الكلام ولكنَّه مشتق كجلاس وليس شيئاً قد غلب عليه عندهم التأنيث كسعاد وزينب. ولكه مشتقٌّ يحتمله المذكَّر ولا ينصرف في المؤنث كهجر وواسط. ألا ترى أنَّ العرب قد كفتك ذلك لمَّا جعلوا واسطا للمذكَّر صرفوه فلو علموا أنَّه شيء للمؤَّنث كعناق لم يصرفوه أو كان اسماً غلب التأنيث لم يصرفوه ولكنَّه اسم كغراب ينصرف في المذكَّر ولا في المؤنث فإذا سمّيت به الرجل فهو بمنزلة المكان. قلت: فإن سمَّيته بلسان في لغة من قال: هي اللسان قال: لا أصرفه من قبل أنَّ اللَّسان قد استقرّ عندهم حينئذ أنَّه بمنزلة: عناق قبل أن يكون اسماً لمعروف وقباء وحراء ليسا هكذا إنَّما وقعا علماً علماً على المؤنَّث والمذكّر مشتقين وغير مشتقّين في الكلام لمؤنَّث من شيء والغالب عليهما التأنيث فإنَّما هما كمذكر إذا وقع على المؤنَّث لم ينصرف. وأمَّا اللِّسان فبمنزلة اللذاذ واللذَّاذة يؤنِّث قوم ويذكّر آخرون.

هذا باب أسماء القبائل والأحياء

وما يضاف إلى الأب والأم أمَّا ما يضاف إلى الآباء والأمهات فنحو قولك: هذه بنو تميم وهذه بنو سلول ونحو ذلك. فإذا قلت: هذه تميم وهذه أسد وهذه سلول فإنَّما تريد ذلك المعنى غير أنَّك إذا حذفت المضاف تخفيفاً كما قال عزَّ وجلَّ: " واسأل القرية " ويطؤهم الطريق وأنَّما يريدون: أهل القرية وأهل الطريق. وهذا في كلام العرب كثير فلمَّا حذفت المضاف وقع عل المضاف إليه ما يقع على المضاف لأنه صار في مكانه فجرى مجراه. وصرفت تميماً وأسداً لأنّك لم تجعل واحداً منهما اسماً للقبيلة فصارا في الانصراف على حالهما قبل أن تحذف المضاف. ألا ترى أنَّك لو قلت: أسأل واسطاً كان في الانصراف على حاله إذا قلت: أهل واسط فأنت لم تغيّر ذلك المعنى وذلك التأليف إلاّ أنَّك حذفت. وإن شئت قلت: هؤلاء تميم وأسد لأنَّك تقول: هؤلاء بنو أسد وبنو تميم فكما أثبتَّ اسم الجميع ههنا أثبت هنالك اسم المؤنث يعني في: هذه تميم وأسد. فإن قلت: لم لم يقولوا: هذا تميم فيكون الفظ كلفظه إذا لم ترد معنى الإضافة حين تقول: جاءت القرية تريد: أهلها فلأنَّهم أرادوا أن يفصلوا بين الإضافة وبين إفرادهم الرجل فكرهوا الالتباس. ومثل هذا القوم هو واحد في اللفظ وصفته تجري على المعنى لا تقول القوم ذاهب. وقد أدخلوا التأنيث فيما هو أبعد من هذا أدخلوه فيما لا يتغيّر منه المعنى لو ذكرَّت قالوا: ذهبت بعض أصابعه وقالوا: ذهبت بعض أصابعه وقالوا: ما جاءت حاجتك. وقد بين أشباه هذا في موضعه. وإن شئت جعلت تميماً وأسدا اسم قبيلة في الموضعين جميعا فلم تصرفه. والدليل على ذلك قول الشاعر نبا الخزُّ عن روحٍ وأنكر جلده وعجّت عجيجاً من جذام المطارف وسمعنا من العرب من يقول للأخطل: فإن تبخل سدوس بدرهميها فإنَّ الريح طيَّبة قبول فإذا قالوا: ولد سدوسٌ كذا وكذا أو ولد جذامٌ كذا وكذا صرفوه: ومما يقويِّ ذلك أن يونس زعم: أنَّ بعض العرب يقول: هذه تميم بنت مرٍّ. وسمعناهم يقولون: قيس بنت عيلان وتميم صاحبة ذلك. فإنَّما قال: بنت حين جعله اسماً لقبيلة. ومثل ذلك قوله: باهلة بن أعصر فباهلة امرأةٌ ولكنَّه جعله اسماً للحيّ فجاز له أن يقول: ابن. ومثل ذلك تغلب ابنة وائلٍ. غير أنه قد يجيء الشيء يكون الأكثر في كلامهم أن يكون أباً وقد يجيء الشيء يكون الأكثر فإذا قلت: هذه سدوس فأكثرهم يجعله اسماً للقبيلة. وإذا قلت: هذه تميمٌ فأكثرهم يجعله اسماً للأب. وإذا قلت: هذه جذام فهي كسدوس. فّإذا قلت: من بني سدوسٍ فالصرف لأنَّك قصدت قصد الأب. وأمّا أسماء الأحياء فنحو: معدٍّ وقريشٍ وثقيفٍ. وكلُّ شيء لا يجوز لك أن تقول فيه: من بني فلان ولا هؤلاء بنو فلان فإنمَّا جعله اسم حيّ فإن قلت: لم تقول هذه ثقيفٍ فإنهم إنما أرادوا: هذه جماعة ثقيف أو هذه جماعة فإنهم إنما أرادوا: هذه جماعة ثقيف أو هذه جماعة من ثقيف ثم حذفوها ههنا كما حذفوا في تميمٍ. ومن قال: هؤلاء جماعة ثقيف قال: هؤلاء ثقيف. فإن أرادت الحيَّ ولم ترد الحرف قلت: هؤلاء ثقيف كما تقول: هؤلاء قومك والحيّ جينئذٍ بمنزلة القوم فكينونة هذه الأشياء للأحياء أكثر. وقد تكون تميمٌ اسماً للحيّ. وإن جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن ويعني قريش وأخواتها. قال الشاعر: غلب المساميح الوليد سماحةً ** وكفى قريش المعضلات وسادها وقال: علم القبائل من معدَّ وغيرها أنّ الجواد محمَّد بن عطارد ولسنا إذا عدَّ الحصي بأقلةٍ وإنّ معدَّ اليوم مودٍ ذليلها وقال: وأنت أمرؤٌ من خير قومك فيهم وأنت سواهم في معدَّ مخيَّر وقال زهير: تمدُّ عليهم من يمينٍ واشملٍ بحورٌ ** له من عهد عاد وتبعَّا وقال: لو شهد عاد في زمان ** عاد لا بتزَّها مبارك الجلاد وتقول: هؤلاء ثقيف بن قسيّ فتجعله اسم الحيّ وتجعل ابن وصفاً كما تقول: كلٌّ ذاهبٌ وبعض ذاهب فهذه الأشياء إنمَّا هي آباء والحدُّ فيها أن تجري ذلك المجرى وقد جاز فيها ما جاز في قريشٍ إذا كانت جمعاً لقوم. قال الشاعر فيما وصف به الحيُّ ولم يكن جمعا: بحيٍّ نميريٍّ عليه مهابةٌ ** جميعٍ إذا كان اللئّام جنادعا وقال: سادوا البلاد وأصبحوا في آدمٍ ** بلغوا بها بيض الوجوه فحولا فجعله كالحي والقبيلة. فأما ثمود وسبأ فهما مرّةً للقبيلتين ومرّةً للحيين وكثرتهما سواءٌ. وقال تعالى: " وعاداً وثموداً " وقال تعالى: " ألا إنَّ ثموداً كفروا ربَّهم " وقال: " وآتينا ثمود النَّاقة مبصرةً " وقال: " وأمَّا ثمود فهديناهم " وقال: " لقد كان لسبأٍ في مساكنهم " وقال " من سبأٍ بنبأٍ يقين " وكلن أبو عمرٍ ولا يصرف سبأ يجعله اسماً للقبيلة. وقال الشاعر: من سبأ الحاضرين مأرب ** إذ يبنون من دون سيله العرما وقال في الصرف للنابغة الجعدي: أضحت ينفرها الوالدان من سبأٍ ** كأنّهم تحت دفيًّها دحاريج

هذا باب ما لم يقع إلا اسما للقبيلة

كما أنّ عمان لم يقع إَّلا اسما لمؤنث وكان التأنيث هو الغالب عليها وذلك: مجوس ويهود. قال امرؤ القيس: أحار أريك برقاً هب وهنا كنار مجوس تستعر استعارا وقال: أولئك أولي من يهود بمدحه إذا أنت يوماً قلتها لم تؤنَّب فلو سميّت رجلاً بمجوس لم تصرفه كما لا تصرفه إذا سميّته بعمان. وأما قولهم: اليهود والمجوس فانما أدخلوا الألف واللام ههنا كما أدخلوها في المجوسّ واليهوديّ لأنهم أرادوا اليهوديِّين والمجوسِّيين ولكنهم حذفوا ياءي الإضافة وشبهوا ذلك بقولهم: زنجيٌّ وزنجٌ إذا أدخلوا الألف واللام على هذا فكأنك أدخلتها على: يهودِّيين ومجوسييِّن وحذفوا ياءي الإضافة وأشباه ذلك. فإن أخرجت الألف واللام من المجوس صار نكرة كما أنك لو أخرجتها من المجوسييِّن صار نكرة. وأما نصاري فنكرة وإنمَّا نصاري جمع نصران ونصرانةٍ ولكنهَّ لا يستعمل في الكلام إلاّ بباءي الإضافة إلا في الشعر ولكنهم بنو الجميع على حذف الياء كما أن ندامى جمع ندمان والنَّصاري ههنا بمنزلة: النصرانييِّن. ومما يدلّك على ذلك قول الشاعر. صدَّت كما صدَّ عمَّا لا يحلُّ له ساقي نصاري قبيل الفصح صوّام فوصفه بالنكرة وإنمَّا النَّصاري جماع نصران ونصرانةٍ. والدليل على ذلك قول الشاعر: فكلتاهما خرَّت وأسجد راسها كما سجدت نصرانةٌ لم تحنَّف فجاء على هذا كما جاء بعض الجميع على غير ما يستعمل واحداً في الكلام نحو: مذاكير وملامح.

هذا باب أسماء السُّور

تقول: هذه هود كما ترى إذا أردت أن تحذف سورة من قولك: هذه سورة هود فيصير هكذا كقولك هذه تميم كما ترى. وإن جعلت هوداً اسم السورة لم تصرفها لأنَّها تصير بمنزلة امرأة سمّيتها بعمرو. والسُّور بمنزلة النسِّاء والأرضين. وإذا أردت أن تجعل اقتربت اسماً قطعت الألف كما قطعت ألف إضرب حين سمَّيت به الرجل حتَّى يصير بمنزلة نظائره من الأسماء: نحو إصبع. وأمّا نوح بمنزلة هودٍ تقول: هذه نوح إذا أردت أن تحذف سورة من قولك: هذه سورة نوح. ومما يدلُّك على أن ّك حذفت سورةً قولهم: هذه الرَّحمن. ولا يكون هذا أبداً إلاّ وأنت تريد: سورة الرَّحمن. وقد يجوز أن تجعل نوح اسماً ويصير بمنزلة امرأة سمّيتها بعمرو إن جعلت نوح اسماً لها لم تصفره. وأمَّا حم فلا ينصرف جعلته اسماً لسورة أو أضفته إليه لأنَّهم أنزلوه بمنزلة اسم أعجمي نحو: هابيل وقابيل. وقال الشاعر: وهو الكميت: وجدنا لكم في آل حاميم آية ** تأوَّلها منّا تقيٌّ ومعرب وقال الحمَّاني: وكذلك: طاسين وياسين. واعلم أنه لا يجيء في كلامهم على بناء: حاميم وياسين وإن أردت في هذا الحكاية تركته وقفاً على حاله. وقد قرأ بعضهم: " ياسين والقرآن " و " قاف والقرآن ". فمن قال هذا فكأنّه جعله اسما أعجميّا ثم قال: أذكر ياسين. وأمّا صاد فلا تحتاج إلى أن تجعله اسما أعجميّا لأنَّ هذا البناء والوزن من كلامهم ولكنَّه يجوز أن يكون اسما للسُّورة فلا تصرفه. ويجوز أيضاً أن يكون ياسين وصاد اسمين غير متمكنين فيلزمان الفتح كما ألزمت الأسماء غير المتمكّنة الحركات نحو: كيف وأين وحيث وأمس. وأمّا طسم فإن جعلته اسما لم يكن بدٌّ من أن تحرَّك النون وتصيَّر ميما كأنك وصلتها إلى طاسين فجعلتها اسما واحداً بمنزلة دراب جرد وبعل بكَّ. وإن شئت حكيت وتركت السواكن على حالها. وأما كهيعص والمر فلا يكنَّ إلاَّ حكاية. وإن جعلتها بمنزلة طاسين لم يجز لأنهم لم يجعلوا طاسين كحضرموت ولكنهم جعلوها بمنزلة: هابيل وقابيل وهاروت. وإن قلت: أجعلها بمنزلة: طاسين ميم لم يجز لأنَّك وصلت ميماً إلى طاسين ولا يجوز أن وإن قلت: أجعل الكاف والهاء اسماً ثم أجعل الياء والعين اسماً فإذا صارا اسمين ضممت أحدهما إلأى الآخر فجعلتها كاسم واحدا لم يجز ذلك لأنَّه لم يجيء مثل حضرموت في كلام العرب موصولا بمثله. وهذا أبعد لأنك تريد أن تصله بالصاد. فإن قلت: أدعه على حاله وأجعله بمنزلة إسماعيل لم يجز لأنَّ إسماعيل قد جاء عدة حروف على عدّة حروف أكثر العربية نحو: اشهيباب. وكهيعص ليس على عدّة خروفه شيء ولا يجوز فيه إلاَّ الحكاية. وأما نون فيجوز صرفها في قول من صرف هنداً لأن النون تكون أنثى فترفع وتنصب. ومما يدلُّ على أن حاميم ليس من كلام العرب أنّ العرب لا تدري ما معنى حاميم. وإن قلت: إنَّ لفظ حروفه لا يشبه لفظ حروف الأعجمي فإنّه قد يجيء الاسم هكذا وهو أعجمي قالوا: قابوس ونحوه من الأسماء.

باب تسمية الحروف والكلم

التي تستعمل وليست ظروفاً ولا أسماءً غير ظروف ولا أفعالا فالعرب تختلف فيها يؤنثها بعض ويذكِّرها بعض كما أن اللَّسان يذكَّر ويؤنَّث زعم ذلك يونس وأنشدنا قول الراجز: فذكَّر ولم يقل: طاسمةً. وقال الراعي: كما بيِّنت كاف تلوح وميمها فقال: بيِّنت فأنّث وأما إنَّ وليت فحرّكت أواخرهما بالفتح لأنَّهما بمنزلة الأفعال نحو كان فصار الفتح أولى فإذا صيّرت واحداً من الحرفين اسماً للحرف فهو ينصرف على كلّ حال. وإن جعلته اسماً للكلمة وأنت تريد بلغة من ذكر لم تصرفها كما لم تصرف امرأة اسمها عمرو وإن سمّيتها بلغة من أنّث كنت بالخيار. ولا بدَّ لكلِّ واحدٍ من الحرفين إذا جعلته اسماً أن يتغيّر عن حاله التي كان عليها قبل أن يكون اسما كما أنَّك إذا جعلت فعل اسما تغيّر عن حاله وصار بمنزلة الأسماء وكما أنَّك إذا سمَّيته بافعل غيرته عن حاله في الأمر. قال الشاعر: وهو أبو طالب: ليت شعري مسافر بن أبي عم ** رو وليت يقولها المحزون وسألت الخليل عن رجل سمَّيته أنَّ فقال: هذا أنَّ لا أكسره وأنَّ غير إنَّ: إنَّ كالفعل وأنَّ كالاسم. ألا ترى أنَّك تقول: علمت أنك منطلق فمعناه: علمت انطلاقك ولو قلت هذا لقلت لرجل يسمَّى بضارب: يضرب ولرجل يسمّى يضرب: ضارب. ألا ترى أنَّك لو سميته بإن الجزاء كان مكسورا وإن سميته بأن التي تنصب الفعل كان مفتوحاً. وأما لو وأو فهما ساكنتا الأواخر لأن قبل آخر كل واحدٍ منهما حرفا متحركا فإذا صارت كلُّ واحدة منهما اسماً فقصتّها في التأنيث والتذكير والانصراف كقصة ليت وإنَّ إلاَّ أنَّك تلحق واواً أخرى فتثقل وذلك لأنَّه ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح. قال الشاعر أبو زبيد: ليت شعري وأين منِّي ليت إن ** ليتاً وإنَّ لوا عناء وقال: ألام على لوٍّ ولو كنت عالماً بأذناب لوٍّ لم تفتني أوائله وكان بعض العرب يهمز كما يهمز النؤور فيقول: لوء. وإنَّما دعاهم إلى تثقيل لوٍّ الذي يدخل الواو من الإجحاف لو نوَّنت وما قبلها متحرّك مفتوح فكرهوا أن لا يثقِّلوا حرفاً لو انكسر ما قبله أو انضمَّ ذهب في التنوين ورأوا ذلك إخلالاً لو لم يفعلوا. فممَّا جاء فيه الواو وقبله مضموم: هو فلو سمَّيت به ثقَّلت فقلت: هذا هوٌّ وتدع الهاء مضمومة لأنَّ أصلها الضمُّ تقول: هما وهم وهنَّ. ومما جاء وقبله مكسور: هي فإن سمّيت به رجلاً ثقلّته كما ثقلّت هو. وإن سمّيت مؤنثاً بهو لم تصرفه لأنه مذكّر. ولو سمّيت رجلاً ذو لقلت: هذا ذواً لأن اصله فعلٌ. إلا ترى أنك تقول: هاتان ذواتا مالٍ. فهذا دليلٌ على أن ذو فعلٌ كما أنَّ أبوان دليل على أن أباً فعلٌ. وكان الخليل يقول: هذا ذوٌّ بفتح الذال لأنَّ أصلها الفتح تقول: ذوا وتقول: ذوو. وأمَّا كي فتثقَّل ياؤها لأنهّ ليس في الكلام حرف آخره ياء ما قبله مفتوح. وقصَّتها كقصَّة لوّ. وأمَّا في فتثقَّل ياؤها لأنهَّا لو نوّنت أجحف بها اسماً. وهي كياء هي وكواو هو وليس في الكلام اسم هكذا ولم يبلغوا بالأسماء هذه الغاية أن تكون في الوصل لا يبقى منها إَّلا حرف واحد فإذا كانت اسماً لمؤنّث لا ينصرف ثقّلت أيضاً لأنه إذا اثر أن يجعلها اسماً فقد لزمها أن تكون نكرة وان تكون اسماً لمذكَّر فكأنَّهم كرهوا أن يكون الاسم في التذكير والنكَّرة على حرف كما كرهوا أن يكون كذلك في الوصل. وليس من كلامهم أن يكون في الانصراف والوصل على بناء وفي غير الانصراف والوصل على آخره فصار الاسم لغير منصرف يجيء على بنائه إذا كان اسماً لمنصرف ومن ثمَّ مدَّوا لا وفي في الانصراف وغير الانصراف والتأنيث والتذكير ككي ولو وقصتها كقصتَّهما في كل شيء. وإذا صارت ذا اسماً أو ما مدَّت ولم تصرف واحداً منهما إذا كان اسم مؤنث لأنهما مذكران. فأمَّا لا فتمدهُّا وقصتها قصَّة في في التذكير والتأنيث والانصراف وتركه. وسألته عن رجل اسمه: فو فقال: العرب قد كفتنا أمر هذا لما أفردوه قالوا: فمٌ فأبدلوا الميم مكان الواو حتَّى يصير على مثال تكون الأسماء عليه فهذا البدل بمنزلة تثقيل لوًّ ليشبه الأسماء فإذا سميتَّه بهذا فشبهه بالأسماء كما شبهت العرب ولو لم يكونوا قالوا: فم لقلت: فوه لأنَّه من الهاء قالوا: أفواه كما قالوا سوط و أسواط. وأما البا والتا والثا واليا والحا والخا والرا والطا والظا والفا فإذا صرن أسماء فهنّ مددن كما مدت لا مدت إلا أنهن إذا كن أسماء يجرين مجرى رجل ونحوه و يكنَّ نكرةً بغير ألف ولام. ودخول الالف واللام فيهنَّ يدلك على أنهن نكرة إذا لم يكن فيهن ألف ولام فأحريت هذه الحروف مجرى ابن مخاضٍ وابن لبونٍ وأجريت الحروف الاول مجرى سامّ ابرص وأمّ حبين ونحوهما. ألا ترى أن الألف واللام لا تدخلان فيهن. واعلم أن هذه الحروف إذا تهجّيت مقصورةٌ لأنها ليست بأسماء وإنمَّا جاءت في الَّتهجيَّ على الوقف. ويدلك على ذلك: أن القاف والصاد والدال موقوفة الأواخر فلولا أنهَّا على الوقف حرّكت أواخرهن. ونظير الوقف ههنا الحذف في الباء وأخواتها. وإذا أردت أن تلفظ بحروف المعجم قصرت وأسكنت لأنك لست تريد أن تجعلها أسماء ولكنك أردت أن تقطع حروف الاسم فجاءت كأنها أصواتٌ يصوت بها إّلا أَّنك تقف عندها لأنها بمنزلة عه. فإن قلت ما بالي أقول: واحد اثنان فأشمُّ الواحد ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأنًّ الواحد اسم متمكّن وليس كالصوت وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج وهي ههنا بمنزلة لا في الكلام إَّلا أنهَّا ليست تدرج عندهم وذلك لأنّ لا في الكلام على غير ما هي عليه إذا كانت اسما. وزعم من يوثق به: أنهَّ سمع من العرب من يقول: ثلاثة أربعة طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها ولم يحوّلها تاءً لأنهَّ جعلها ساكنة والساكن لا يتغير في الإدراج تقول: اضرب ثم تقول: اضرب زيدا. واعلم أنَّ الخليل كان يقول: إذا تهجَّيت فالحروف حالها كحالها في المعجم والمقَّطع تقول: لام ألف وقاف لام. قال: تكتبّان في الطريق لام ألف وأمَّا زاي ففيها لغتان: فمنهم من يجعلها في التهجي ككي ومنهم من يقول: زاي فيجعلها بزنة واو وهي أكثر. وأمَّا أم ومن وإن ومذ في لغة من جرّ وأن وعن إذا لم تكن ظرفا ولم ونحوهن إذا كنَّ أسماءً لم تغيرَّ لأنَّها تشبه الأسماء نحو: يدٍ ودمٍ تجريهنَّ إن شئت إذا كن أسماءً للتأنيث. وأمّا نعم وبئس ونحوهما فليس فيهما كلامٌ لأنهما لا تغيران لأنَّ عامّة الأسماء على ثلاثة أحرف. ولا تجريهن إذا كن أسماءً للكلمة لأنَّهن أفعال والأفعال على التذكير لأنهَّا تضارع فاعلاً. واعلم أنك إذا جعلت حرفاً من حروف المعجم نحو: البا والتا وأخواتهما اسماً للحرف أو للكلمة أو لغير ذلك جرى مجرى لا إذا سمّيت بها تقول: هذا باءٌ كما تقول: هذا لاءٌ فاعلم.

باب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها من الأسماء

اعلم أنَّك إذا سميّت كلمة بخلف أو فوق أو تحت لم تصرفها لأنهَّا مذكَّرات. ألا ترى انّك تقول: تحيت ذاك وخليف ذاك ودوين ذاك. ولو كنّ مؤنّثاتٍ لدخلت فبهن الهاء كما دخلت في قد يديمةٍ ووريئّةٍ. وكذلك قبل وبعد تقول: قبيل وبعيد. وكذلك أين وكيف ومتى عندنا لأنَّها ظروف وهي فيعندنا على التذكير وهي الظروف بمنزلة ما ومن في الأسماء فنظيرهنَّ من الأسماء غير الظروف مذكّر. والظروف قد تبيَّن لنا أن أكثرها مذكّر حيّث حقّرت فهي على الأكثر وعلى وكذلك إذ هي كالحين وبمنزلة ما هو جوابه وذلك متى. وكذلك ثمَّ وهنا هما بمنزلة أين وكذلك حيث وجواب أين كخلف ونحوها. وأمّا أمام فكلُّ العرب تذكَّره. أخبرنا بذلك يونس. وأمّا إذا ولدن فكعند ومثلهن عن فيمن فال: من عن يمينه. وكذلك منذ في لغة من رفع لأنهَّا كحيث. ولو لم تجد في هذا الباب ما يؤكّد التذكير لكان أن تحمله على التذكير أولى حتىَّ يتبينّ لك أنه مؤنّث. وأمّا الأسماء غير الظروف فنحو بعض وكلّ وأيّ وحسب. ألا ترى أنَّك تقول: أصبت حسبي من الداء. وقط كحسب وإن لم تقع في جميع مواقعها. ولو لم يكن اسماً لم تقل: قطك درهمان فيكون مبنيّا عليه كما أنَّ علي بمنزلة فوق وإن خالفتها في أكثر الواضع. سمعنا من العرب من يقول: نهضت من عليه كما تقول: نهضت من فوقه. واعلم أنهَّم إنمَّا قالوا: حسبك درهمٌ وقطك درهمٌ فأعربوا حسبك لانهَّا أشد تمكنّا. ألا ترى أنهَّا تدخل عليها حروف الجرّ تقول: بحسبك وتقول: مررت برجلٍ حسبك فتصف به. وقط لا تمكَّن هذا التمكَّن. واعلم أنَّ جميع ما ذكرنا لا ينصرف منه شيءٌ إذا كان اسماً للكلمة وينصرف جميع ما ذكرنا في المذكّر إلاّ أن وراء وقدّام لا ينصرفان لأنهَّما مؤنثّان. وأمّا ثمَّ وأين وحيث ونحوهنّ إذا صيرن اسماً لرجل أو امرأة أو حرفٍ أو كلمة فلا بد لهنَّ من أن يتغيرّن عن حالهنَّ ويصرن بمنزلة زيد وعمرو لأنَّك وضعتهن بذلك الموضع كما تغيرّت ليت وإنَّ. فإن أردت حكاية هذه الحروف تركتها على حالها قال: " إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال " ومنهم من يقول: عن قبل وقالٍ لماّ جعله اسماً. قال ابن مقبل: أصبح الدهر وقد ألوي بهم غير تقوالك من قيلٍ وقال و القوافي مجرورة. قال: ولم أسمع به قيلاً وقالا وفي الحكاية قالوا: مذشبَّ إلى دبَّ وإن شئتٍّ: مذشبٍّ إلى دب: وتقول إذا نظرت في الكتاب: هذا عمروٌ وإنمَّا المعنى هذا اسم عمرو وهذا ذكر عمروٍ ونحو هذا إّلا أنَّ هذا يجوز على سعة الكلام كما تقول: جاءت القرية. وإن شئت قلت: هذه عمروٌ أي هذه الكلمة اسم عمرو كما تقول: هذه ألفٌ وأنت تريد هذه الدراهم الفٌ. وإن جعلته اسماً للكلمة لم تصرفه وإن جعلته للحرف صرفته. وأبو جادٍ وهوّازٌ وحطّيٌّ كعمروٍ وفي جميع ما ذكرنا وحال هذه الأسماء حال عمروٍ. وهي أسماءٌ عربيّة وأمَّا كلمن وسعفص وقريشيات فإنهنَّ أعجمية لا ينصرفن ولكنهَّن يقعن مواقع عمروٍ وفيما ذكرنا إّلا أنَّ قريشيات بمنزلة عرفاتٍ وأذرعاتٍ. فإمَّا الألف وما دخلته الألف واللام فإنمَّا يكنَّ معارف بالألف واللام كما أنَّ الرجل لا يكون معرفة بغير ألف ولام.

باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنّث

كما جاء المذكّر معدولاً عن حدّه نحو: فسق ولكع وعمر وزفر وهذا المذكّر نظير ذلك المؤنّث. فقد يجيء هذا المعدول اسماً للفعل واسماً للوصف المنادّى المؤنّث كما كان فسق ونحوه المذكّر وقد يكون اسماً للوصف غير المنادى وللمصدر ولا يكون إلاَّ مؤنّثاً لمؤنّث. وقد يجيء معدولاً كعمر ليس اسماً لصفة ولا فعلٍ ولا مصدرٍ. أمّا ما جاء اسماً للفعل وصار بمنزلته فقول الشاعر: مناعها من إبل مناعها ألا ترى الموت لدى ارباعها تراكها من إبل تراكها ألا ترى الموت لدى أوراكها وقال أبو النجم: وقال رؤبة: نظار كي أركبها نظار ويقال: نزال أي انزل. وقال زهير: ولنعم حشو الدّرع أنت إذا دعيت نزال ولجَّ في الذَّعر ويقال للضَّبع: دباب أي دبّي. قال الشاعر: نعاء ابن ليلى للسمَّاحة والنَّدى ** وأيدي شمالٍ باردات الأنامل وقال جرير: نعاء أبا ليلى لكلّ طمرةٍ وجرداء مثل القوس سمحٍ حجولها فالحدّ في جميع هذا أفعل ولكنه معدول عن حده وحرك آخره لأنه لا يكون بعد الألف ساكن. وحرّك بالكسر إنَّ الكسر مما يؤنّث به. تقول: إنّك ذاهبة وأنت ذاهبة وتقول: هاتي هذا للجارية وتقول: هذي أمة الله واضر. إذا أردت المؤنّث وإنَّما الكسرة من الياء. ومما جاء من الوصف منادّى وغير منادّى: يا خباث وبالكاع. فهذا اسم للخبيثة وللَّكعاء ومثل ذلك قول الشاعر النابغة الجعدي: فقلت لها عيثي جعار وجرِّري ** بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره وإنَّما هو اسم للجاعرة وإنَّما يريد بذلك الضَّبع. ويقال لها: فثام لأنَّها تقثم أي تقطع. وقال الشاعر: لحقت حلاق بهم على أكسائهم ** ضرب الرِّقاب ولا يهمُّ المغنم فحلاق معدول عن الحالقة وإنَّما يريد بذلك المنيّة لأنها تحلق. وقال الشاعر مهلهل: ما أرجّى بالعيش بعد ندامى ** قد أراهم سقوا بكأس حلاق فهذا كلّه معدول عن وجهه وأصله فجعلوا آخره كآخر ما كان للفعل لأنَّه معدول عن اصله كما عدل: نظار وحذار وأشباههما عن حدّهن وكلهن مؤنّث فجعلوا بابهنَّ واحدا. فإن قلت: ما بال فسق ونحوه لا يكون جزما كما كان هذا مكسورا فإنَّما ذلك لم يقع في موضع الفعل فيصير بمنزلة: صه ومه ونحوهما فيشبَّه ها هنا به في ذلك الموضع. وإنَّما كسروا فعال ها هنا لأنَّهم شبّهوها بها في الفعل. ومما جاء اسماً للمصدر قول الشاعر النابغة: إنّا اقتسمنا خطَّتينا ** بيننا فحملت برّة واحتملت فجار ففجار معدول عن الفجرة. وقال الشاعر: فقال أمكثي حتَّى يسار لعلنا ** نحجُّ معاُ قالت: أعاماً وقابله فهي معدولة عن الميسرة. وأجرى هذا الباب مجرى الذي قبله أنه عدل كما عدل ولأنَّه مؤنّث بمنزلته. وقال الشاعر الجعديّ: وذكرت من لبن المحلَّق شربةً ** والخيل تعدو بالصعَّيد بداد فهذا بمنزلة قوله: تعدو بدداً إَّلا أنَّ هذا معدولٌ عن حدّه مؤنثّا. وكذلك عدلت عليه مساس. والعرب تقول: أنت لا مساس ومعناه لا تمسنُّي ولا أمسُّك. ودعني كفاف فهذا معدول عن مؤنّث وإن كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك المؤنّث الذي عدل عنه بداد وأخواتها. ونحو ذا في كلامهم. ألا تراهم قالوا: ملامح ومشابه وليالٍ فجاء جمعه على حدِّ ما لم يستعمل في الكلام لا يقولون: ملمحة ولا ليلاة. ونحو ذا كثير. قال الشاعر الملتمس: جماد لها جماد ولا تقولي ** طوال الدهر ما ذكرت حماد فهذا بمنزلة جموداً ولا تقولي: حماد عدل عن قوله: حمداً لها ولكنه عدل عن مؤنّث كبداد. وأمّا ما جاء معدولاً عن حدّه من بنات الأربعة فقوله: قالت: له ريح الصَّبا قرقار فإنَّما يريد بذلك قال له: قرقر بالرَّعد للسَّحاب وكذلك عرعار وهو بمنزلة قرقار وهي لعبة واعلم أنَّ جميع ماذكرنا إذا سميّت به امرأةً فإنَّ بني تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسمٍ لا ينصرف وهو القياس لأنَّ هذا لم يكن اسماً علما فهو عندهم بمنزلة الفعل الذي يكون فعال محدوداً عنه وذلك الفعل افعل لأن فعال لا يتغّير عن الكسر كما أنَّ افعل لا يتغير عن حال واحدة. فإذا جعلت افعل اسماً لرجل أو امرأة تغَّير وصار بمنزلة الأسماء فينبغي لفعال التي هي معدولة عن افعل أن تكون بمنزلة بل هي أقوى. وذلك أنَّ فعال اسمٌ للفعل فإذا نقلته إلى الإسم إلى شيء هو مثله والفعل إذا نقلته إلى الاسم إلى الاسم نقلته إلى الاسم نقلته إلى شيء هو منه أبعد. وكذلك كلّ فعال إذا كانت معدولة عن غير افعل إذا جعلتها اسماً لأنَّك إذا جعلتها علماً فأنت لا تريد ذلك المعنى. وذلك نحو حلاق التي هي معدولة عن الحالقة وفجار التي هي معدولة عن الفجرة وما أشبه هذا. ألا ترى أنَّ بني تميم يولون: هذه قطام وهذه حذام لأنَّ هذه معدولة عن حاذمة وقطام معدولة عن قاطمة أو قطمة وإنمَّا كل واحدةٍ منهما معدولةٌ عن الاسم هو علم ليس عن صفة كما أن عمر معدول عن عامرٍ علماً لا صفةً. لولا ذلك لقلت: هذا العمر تريد: العامر. وأمّا أهل الحجاز فلمّا رأوه اسماً لمؤنّث ورأوا ذلك البناء على حاله لم يغيِّروه لانَّ البناء واحد وهو ههنا اسم للمؤنّث كما كان ثمَّ اسماً للمؤنث وهو ههنا معرفة كما كان ثمَّ ومن كلامهم أن يشبهٍّوا الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء. وسترى ذلك إن شاء الله ومنه ما قد مضى. فأمّا ما كان آخره راءً فإنَّ أهل الحجاز وبني تميم فيه متفّقون ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتفقوا في يرى والحجازيّة هي اللغة الأولى القدمى. فزعم الخليل: إن إجناح الألف أخفُّ عليهم يعني: الإمالة ليكون العمل من وجهٍ واحد فكرهوا ترك الخفّة وعلموا أنهَّم إن كسروا الراء وصلوا إلى ذلك وأنهَّم إن رفعوا لم يصلوا. وقد يجوز أن ترفع وتنصب ما كان في آخره الراء. قال الأعشى: ومرَّ دهرٌ على وبار فهلكت جهرةً وبار والقوافي مرفوعة. فممّا جاء وآخره راءٌ: سفار وهو اسم ماء وحضار وهو اسم كوكب ولكنَّهما مؤنثان كماويّة والشِّعري كأنَّ تلك اسم الماءة وهذه اسم الكوكبة. وممّا يدلَّك على أن فعال مؤنّثة قوله: دعيت نزال ولم يقل دعي نزال وأنهم لا يصرفون رجلا سموه رقاش وحذام ويجعلونه بمنزلة رجل سموه يضق وأعلم أن جميع ما ذكر في هذا الباب من فقال ما كان منه بالراء وغير ذلك إذا كان شيء منه اسماً لمذكر لم ينجزّ أبدا وكان المذكر في هذا بمنزلته إذا سمّي بعناقٍ لأنَّ هذا البناء لا يجيء معدولاً عن مذكّر فيشبَّه به. تقول: هذا حذام ورأيت حذام قبل ومررت بحذام قبل سمعت ذلك ممن يوثق بعلمه. وإذا كان جميع هذا نكرةً انصرف كما ينصرف عمر في النكرة لأنَّ ذا لا يجيء معدولاً عن نكرة. ومن العرب من يصرف رقاش وغلاب إذا سمّي به مذكَّرا لا يضعه على التأنيث بل يجعله اسماً مذكرّا كأنه سمّي رجلاً بصباح. وإذا كان الاسم على بناء فعال نحو: حذامٍ ورقاش لا تدري ما اصله أمعدولٌ أم غير معدول أم مؤنّث أم مذكّر فالقياس فيه أن تصرفه لأنَّ الأكثر من هذا البناء مصروف غير معدولٍ مثل: الذَّهاب والصَّلاح والفساد والربَّاب. واعلم أنّ فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل ولا يجوز من أفعلت لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة إلاَّ أن تسمع شيئاً فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه. فمن ذلك: قرقار وعرعار. واعلم أنَّك إذا قلت: فعال وأنت تأمر امرأةً أو رجلاً أو أكثر من ذلك أنَّه على لفظك إذا كنت تأمر رجلاً واحداً. ولا يكون ما بعده إلاّ نصباً لان معناه افعل كما أنَّ ما بعد افعل لا يكون إلاّ نصباً. وإنما منعهم أن يضمروا في فعال الاثنين والجميع والمرأة لأنهَّ ليس بفعل وإنما هو اسمٌ في معنى الفعل. واعلم أن فعال ليس بمطّرد في الصفات نحو: حلاق ولا في مصدر نحو: فجار وإنَّما يطّرد هذا الباب في النداء وفي الأمر.