اللغة العربية كائن حي/الألفاظ الأعجمية

​اللغة العربية كائن حي​ المؤلف جورجي زيدان


فكان لهذه النهضة تأثبر كبير في اللغة العربية، فتكاثرت ألفاظها ومشتقاتها، فلما جمعوا اللغة بلغت صيغ أبنية الأسماء فقط بضع مئات، ثم صارت بعد ذلك ببضعة قرون ألف ومائتين وعشرة أمثلة (1210)..ناهيك بما داخلها من الألفاظ الغربية وما اقتبسه من التراكيب الأجنبية، ولكن أكثره ضاع فيها وتنوع شكله ولم يعد يتميز أصله.. على أننا نستدل على تكاثر الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية بخلو أخواتها من امثال تلك الألفاظ. فإذا رأينا لفظا في العربية لم نر له شبيها في العبرانية، أو الكلدانية، أو الحبشية، ترجّح عندنا انه دخيل فيها. وأكثر ما يكون ذلك في أسماء العقاقير، أو الأدوات، أو المصنوعات، او المعادن، أو نحوها، مما يحمل إلى بلاد العرب من بلاد فارس، أو الروم، أو الهند، أو غيرها.. ولم يكن للعرب معرفة به من قبل، أو في أسماء بعض المصطلحات الدينية، أو الأدبية، وأكثر ذلك منقول عن العبرانيةن أو الحبشية، لأن اليهود والأحباش من أهل الكتاب.
ويقال بالإجمال أن العرب اقتبسوا من لغة الفرس أكثر مما اقتبسوا من سواها، ولذلك رأينا أئمة اللغة اذا أشكل عليهم أصل بعض الألفاظ الأعجمية عدّوها فارسية، ومن أمثلة ذلك ما ذكره صاحب المزهر من الألفاظ الفارسية: الكوز، الابريق، الطشت، الخوان، الطبق، القصعة، السكرجة، السنور، السنجاب، الفاقم، الفنك، الدلق، الخز، الديباج، التاخنج، السندس، الياقوت، الفيروزج، البللور، الكعك، الدرمك، الجردق، السميد، السكباج، الزبرباج، الاسفيذاج، الطياهيج، الفالوذج، اللوزينج، الجوزينج، البغرينج، الجلاب، السكنجين، الخلنجين، الدارصيني، الفلفل، الكراويا، الزنجبيل، الخولجان، القرفة، النرجس، البنفسج، النسرين، الخيري، السوسن، المزنجوش، الياسمين، الجلنار، المسك، العنبر، الكافور، الصندل، القرنفل. وعندنا أن بعض هذه الألفاظ غير فارسي كما سترى.
ومما اقتبسوه من اليونانية واللاتينية: الفردوس، القسطاس، والبطاقة، والقرسطون، والقبان، والاصطرلاب، والقسطل، والقنطار، والبطريق، والترياق، والقنطرة، وغيرها أكثر. وأما ما نقلوه عن الحبشية، فأكثره لا يدلّ على أصله لتغير شكله، ولأن الحبشية والعربية أختان تتشابه الألفاظ فيهما. والمشهور عند علماء العربية من الألفاظ المقتبسة من الحبشية ثلاثة: كفلين، والمشكاة، والهرج..لكننا لا نشك في أنهم اقتبسوا كثيرا غيرها، وخاصة ما يتعلّق منها بالإصطلاحات الدينية. من ذلك قولهم "المنبر" وهو عند العرب "مكان مرتفع في الجامع أو الكنيسة يقف فيه الخطيب أو الواعظ" وقد شقه صاحب القاموس من "نبر" أي ارتفع وفي ذلك الأشتقاق تكلّف. وعندنا أن معرّب "ومبر" في الحبشية أي كرسي أو مجلس أو عرش. ومن هذا القبيل لفظ "النفاق" وهو عند العرب "ستر الكفر في القلب واظهار الايمان" وقد شقوه من "نفق" راج أو رغب فيه، وليس بين المعنيين تناسب، واضطروا لتعليله الى استعارة خروج اليربوع من نافقائه فقالوا: "ومنه اشتقاق المنافق في الدين" وهو تكلّف نحن في غنى عنه اذا عرفنا أن "نفاق" في الحبشية معناها الهرتقة، أو البدعة، أو الضلال في الدين. وهي من التعبيرات النصرانية التي شاعت في الحبشية بدخول النصرانية فيها. وكذلك لفظ "الحواري" شقه صاحب القاموس من "حار" بمعنى البياض، وقال في معنى الحواري أنه سُميّ بذلك لخلوص نية الحواريّين ونقاء سريرتهم أو لأنهم كانوا يلبسون الثياب البيض، والأظهر أن هذه اللفظة معرب "حواري" في الحبشية، ومعناها فيها "الرسول" وهو المعنى المراد بها في العربية تماما. وكذلك "برهان" وقد شقها صاحب القاموس من "برهن" وشقها غيره من "بره" بمعنى القطع وأن النون زائدة فيها، وهي في الحبشية "برهان" أي النور، والايضاح، مشتقة من "بره" عندهم أي اتّضح أو أنار. وقس على ذلك أمثاله، كالمصحف، فإنه حبشي من "صحف" أي كتب، والمصحف الكتاب. ناهيك بأسماء الحيوانات، أو النباتات، أو نحوها. فإن "عنبسة" من أسماء الأسد عند العرب، ةهي اسم الأسد بالحبشية.
وقد أخذوا عن العبرانية كثيرا من الألفاظ الدينية: كالحج، والكاهن، والعاشوراء، وغيرها، وأكثرها نقل الى الصيغ العربية لتقارب اللفظ والمعنى في اللغتين لأنهما شقيقتان، ويضيق هذا المقام عن ايراد الأمثلة.
ولا ريب أن العرب اقتبسوا كثيرا من الألفاظ السنسكريتية ممن كان يخالطهم من الهنود في أثناء السفر للتجارة، أو الحج، لأن جزيرة العرب كانت واسطة الاتصال بين الشرق والغرب.. فكل تجارات الهند المحمولة الى مصر، أو الشام، أو المغرب، كانت تمر ببلاد العرب، ويكون للعرب في حملها أو ترويجها شأن. وقد عثرنا في السنسكريتية على ألفاظ تشبه ألفاظا عربية، تغلب أن تكون سنسكريتية الأصل لخلو أخوات العربية من أمثالها كقولهم "صبح" و "بهاء" فإنهما في السنسكريتية بهذا اللفظ تماما، ويدلان على الاشراق أو الاضاءة. ولا يُعقل أنهما مأخوذان عن العربية لأن السنسكريتية دُوّنت قبل العربية بزمن مديد. ونظن لفظ "سفينة" سنسكريتي الأصل أيضا، وكذلك "ضياء".. ولعلنا بزيادة درسنا اللغة السنسكريتية ينكشف لنا كثير من أمثال ذلك. على أننا نرجّح أن الهنود أخذوا عن الهنود كثيرا من المصطلحات التجارية وأسماء السفن وأدواتها، وأسماء الحجارة الكريمة، والعقاقير، والطيب مما يُحمل من بلاد الهند.. والعرب يعدّونها عربية، أو يُلحقونها بالألفاظ الفارسية تساهلا: كالمسك مثلا، فقد رأيت صاحب المزهر يعدّه فارسيا، وهكذا يقول صاحب القاموس. وهو في الحقيقة سنسكريتي، ولفظه فيها "مشكا" وذكروا "الكافور" بين الألفاظ الفارسية وهو هنديّ على لغة أهل ملقا ولفظه عندهم "كابور". وقد ذكروا أيضا أنّ "القرنفل" فارسيّ، والغالب عندنا أنه سنسكريتي لأن أصله من الهند وقس عليه.

القاعدة في تعيين اصول الالفاظ الاعجمية

وتعيين اصل اللفظ لإلحاقه باللغة المأخوذ منها ما يُحتاج الى نظر لا يكفي فيه المشابهة اللفظية، اذ كثيرا ما تتّفق كلمتان من لغتين في لفظ واحد ومعنى واحد ولا تكون بينهما علاقة، وانما يقع ذلك على سبيل النوادر بالإتفاق.. الا اذا دلّت القرائن على انتقال احداهما من لغة الى اخرى وساعد الاشتقاق على ذلك.
فإذا اتّفق لفظان متقاربان لفظا ومعنى في لغتين، وكان بين أهل تينك اللغتين علاقات متبادلة من تجارة، أو صناعة، أو سياسة، فاز لنا الظن أن احداهما اقتبست من الاخرى.. فاذا كان اللفظ من أسماء المحاصيل، أو المصنوعات، أو الأدوات، فيرجّح لحاقه باللغة السابقة الى ذلك، كلفظ "المسك" مثلا فإنه موجود في العربية وفي الفارسية وفي السنسكريتية وفروعها.. فإذا عرفنا أن المسك يحمل الى العالم من تونكين، وتيبت، ونيبال، والصين، وان الهنود القدماء كانوا يحملون الطيب الى الامم القديمة ويمرّون بسفنهم ببلاد العرب، ترجّح عندنا أن العرب أخذوا هذه اللفظة عن الهنود، كما أخذها الفرس منهم، أو لعلّها انتقلت الى الفارسية من العربية.. لأن الفرس يعدّونها عربية، كما يعدّها العرب فارسية.. او هي في الفارسية باعتبار انها فرع من السنسكريتية كما هي في الانجليزية بطريق التفرّع، وكما هي في اللاتينية لأنها أخت السنسكريتية، ومن اللاتينية انتقلت الى الفرنسية لانها فرع من اللاتينية. ويقال نحو ذلك في "كافور" فإن العرب يعدّونها فارسية، والفرس يقولون أنها عربية.. وهي موجودة أيضا في السنسكريتية، واللاتينية، وفروعهما.. فبأيّها نلحقها؟ في مثل لهذه الحال، يجب البحث في مصدر الكافور.. فإذا علمنا أنه يصدر من اليابان و الصين ومن ملقا، وأن اسمه باللغة الملقية "كابور" ترجّح عندنا أنه ملقي الأصل، وكذلك "زنجبيل" -الجذور المعروفة- فان العرب يقولون انها تعريب "شنكبيل" الفارسية، والفرس يقولون أنها عربية.. ولم نجد "شنكبيل" في القاموس الفارسي. واذا بحثنا عن اسم هذا العقار في اللغات الأخرى، رأينا أن اسمه في اليونانية "زنجباريس" وفي اللاتينية "زنجبار" فأوّل ما يتبادر الى الذهن انه من "زنجبار" البلد المعروف، وأنه سُمّي بذلك لأنه كان يُحمل منه أو لسبب آخر.. فإذا رجعنا الى منبت هذا العقار، رأيناه هنديّا.. ورأينا اسمه في السنسكريتية "زرنجابيرا" مشتقّة من "كرينجا" أو "زرينجا" أي القرن، لمشابهة جذوره به.. فيُترجّح عندنا أنه سنسكريتي الأصل. ومن هذا القبيل "فلفل" فإن العرب يقولون أنه فارسي، والفرس تقول أنه عربي.. وهو موجود أيضا بمثل هذ اللفظ في الانجليزية، والألمانية، واللاتينية، ويوجد أيضا في السنسكريتية، ويُلفظ فيها "بالا" أو "فيفالا" ولما كان الفلفل من محاصيل الهند، وأجوده يرد من مالابار، نرجّح أن هذه اللفظة سنسكريتية الأصل.. ومعنى "ببالا" عندهم أيضا "التينة المقدسة".
ةيقال عكس ذلك في الألفاظ الدالة على محاصيل بلاد العرب أو حيواناتها: كالقهوةمثلا.. لإإنها مموجودة في الفارسية وفي كل لغات أوربا، فالارجح أنها عربية الاصل لأن هذه اللفظة كانت عند العرب قبل اصطناع القهوة اسما من أسماء الخمر.. فأطلقوها على قهوة البن. ومثل ذلك أسماء الجمل، والزرافة، والغزال، وغيرها من أسماء الحيوانات العربية.. وربما كان بعضها مأخوذا في الأصل من لغة غير عربية.
واذا كانت اللفظة المشتركة بين لغتين من قبيل المصنوعات، فإلحاقها بأصحاب تلك الصناعة من الأمتين أولى..فقد اختلط العرب بالفرس وخاصة بعد الإسلام، وأخذوا منهم كثيرا من الملابس والانسجة، ولم ينقلوها الى لسانهم.. بل عرّبوها وأبقوها على ما هي، كالسروال، والقباء (ومنها الجبة) والتبان، والجورب، والديباج، والأرجوان، والسرموج، والقفطان، والطربوش، والبابوج..كما فعل أهل هذا العصر بأسماء الملابس الأفرنجية التي اقتبسوها من الافرنج في تمدّنهم الأخير، كالبنطلون، والجاكت، واللستيك، وغيرها..

                   ****

واقتبس العرب من الفرس كثيرا من ألوان الأطعمة، وأنواع الأسلحة والفرش والأدوات، وأبقوها على لفظها الأعجمي.. وهي كثيرة، يضيق هذا المقام عن ذكرها، ومنها الجلاب، والجلنار، والبنفسج، والخشاف، والخودة، والدسكرة، والدولاب، والدهقان، والسرجين، والسرداب، والطنبور، والفرسخ، وغيرها كثير.. فإلحاقها بلغاتها الأصلية، يسوغه أولا التاريخ لأنه يدلنا على أن العرب اقتبسوا تلك المواد من الفرس، فإذا تأيّد ذلك بالإشتقاق اللغوي، كان الدليل أثبت..مثل "جلاب" فإنها مؤلّفة في الأصل الفارسي من "كل آب" أي ماء الزهر. و"خشاف" من "خوش آب" و"سرداب" من "سرد آب" أو "سردابه" بيت الثلج من "سرد" أي بارد و"آب" ماء والطربوش من "سربوش" أي غطاء الرأس. والبابوج من "بابوش" أي غطاء القدم. وكثيرا ما يكفي الاشتقاق اللغوي وحده في معرفة اصل اللفظة، بشرط ملاحظة مقابلة اللغات.. فإذا وجدنا لفظة في العربية، ومثلها في الفارسية أو اللاتينية، أو اليونانية مثلا، ولم يساعدنا التاريخ على معرفة حقيقة أصلها، وعمدنا الى اشتقاقها وصيغتها، فإذا لم يكن لها مجانس في أخوات العربية، وكان لها ذلك في أخوات الفارسية أو اللاتينية أو اليونانية، نرجّح أنها من احدى هذه اللغات مثل "البلاط" بمعنى "قصر الملك" فقد عدّها العرب عربية، وشقوها من البلاط المعروف لأن القصور تفرش به. ولكن هذه اللفظة اللاتينية Palaffum ومعناها قصر الملك. فإدّعى مدّع أنها عربية الأصل. وأن الرومان اقتبسوها من العرب. قلنا أن الرومان يرجعون بأصلها إلى تل كان في رومية بهذا الاسم، نزل عليه أوغسطس قيصر وأقام فيه، فسُمي قصره به.. واذا أعجزنا الدليل التاريخي، عمدنا الى الاشتقاق.. فإن Pala في السنسكريتية معناها الحامي أو المدافع، وكان الملوك القدماء إنما يبنون القصور للتحصّن بها..
وقد لا يهدينا التاريخ مطلقا في لفظ "جاموس" فإن التاريخ لا يساعدنا على معرفة اصلها. هل هي عربية أو فارسية. فإذا رجعنا الى الاشتقاق لم نر لها اشتقاقا في العربية. أما في الفارسية فإنها مركّبة من لفظين "كاو" ثور او بقرة و"ميش" كبش. ولكن الجاموس هندي الأصل.. ومعنى "جاوميشا" في السنسكريتية "البقرة الكاذبة".
وبالجملة فقد دخل العربية ألفاظ كثيرة من معظم اللغات التي كانت شائعة في التاريخ القديم، ممن خالط العرب كالمصريين القدماء، والحثيين، والفينيقيين، والكلدان، والهنود، والفرس.. حتى الزنوج والنوبة وغيرهم مما لم يعد تمييز أصله ممكنا لتقادم عهده واختلاف شكله. ومن أمثلة ما أخذوه عن اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية لفظ "قبس" بمعنى الشعلة، فهي في الهيروغليفية "خبش" ومعناها مصباح. وبعض تلك الاقتباسات أخذها العرب رأسا عن أصحابها، والبعض الآخر حملت اليهم على يد الأمم الأخرى، كما نقل لهم اليهود لفظ "نبي" من اللغة المصرية القديمة "الهيروغليفية" وأصل معناها فيها "رئيس العائلة" أو "رب المنزل". وكما نقل لهم الفرس "شطرنج" عن اللغة الهندية السنسكريتية، فحسبها العرب فارسية.. وقالوا انها تعريب "شتررنك" بالفارسية، ومعناها ستة ألوان ولعلهم يريدون "تشرنك"- والصواب انها لعبة هندية قديمة. كانت تسمى في اللغة السنسكريتية "شتورنكا" اي الاجزاء الاربعة التي يتألف منها الجند عندهم.. وهي الأفراس، والأفيال، والمركبات، والمشاة.. فأخذها الفرس عنهم نحو القرن السادس للميلاد، ثم أخذها العرب عن الفرس فحسبوها فارسية. وتكلفوا تعليلها كما رأيت. ولم يقتصر العرب على اقتباس الالفاظ من اللغات الاخرى واستبقائها على حالها. ولكنهم صرفوها وشقوا منها الافعال، ونوعوا معناها على ما اقتضته احوالهم.. فقد شقوا من لفظ النبي: "نبأ" و "تنبأ" و"نابأ". وشقوا من "قبس" أفعالا وأسماء عديدة. ومن هذا القبيل "اللجام" وهو "لكام" في الفارسية، فشقوا منه اولا "ألجم الدابة" ألبسها اللجام و"النجست الدابة" مطاوع ألجم. وجمعوا لجام على لجم وألجمه، ثم استخدموه مجازا فقاالوا: "لجمه الماء" أي بلغ فاه، وقالوا "لفظ لجامه" أي انصرف من حاجته مجهودا من الاعياء والعطش..وقولهم "التقيّ ملجم" أرادوا أنه مقيّد اللسان والكف.والمهر الخاتم في الفارسية. استعاره العرب وبنوا منه فغلا فقالوا: مهر الكتاب أي ختمه بالمهر. ومن ذلك ما شقوه من لفظ "ديوان" وهي أعجمية فقالوا: "دوّن" أي كتب اسمه في الجندية. وقس على ذلك كثيرا من الألفاظ الدخيلة التي يعتقد العرب أنها عربية، وقد شقوا منها الافعال والاسماء مثل "سراب" وهي تعريب "سيرآب" في الفارسية أي مملوء ماء. والزمهرير من "زم اريز" بالفارسية أي ضباب بارد. وجزاف من "كزاف" بالفارسية أي العبث من الكلام. والضنك من "تنك" في الفارسية ضيق، وقد شقوا منها أفعالا وأسماء ترجع الى هذا المعنى. ثم ان أكثر ما ادخله العرب الى لغتهم من الالفاظ الاجنبية، لم يكن له ما يقوم مقامه في لسانهم على ان كثيرا منه كانت له عندهم اسماء مشهورة. لا يبعد ان يكون بعضها دخيلا ايضا، فغلب استعمال الدخيل الجديد وأهمل القديم. ومن ذلك ان العرب كانوا يسمون الابريق "تامورة" والطاجن "مقلي" والهاوون "منحاز" او "مهراس" والميزاب "مثقب" والسكرجة "الثقوة" والمسك "المشموم" والجاسوس "الناطس" والتوت "الفرصاد" والاترج "المنك" والكوسج "الثط" والبادنجان "الانب" والرصاص "الصرفان" والخيار "القتد".. فهذه الاسماء وامثالها، أهملها العرب قبل الاسلام، بعد أن استبدلوها بأسماء دخيلة..فعلوا ذلك عفوا بلا تواطؤ او قصد، وانما هو ناموس النمو يقتضي عليهم بذلك.