المحبرة في التاريخ/الفصل الثاني
فَأَخلَفَ اللَهُ عَلَيهِ شيثا
وَلَم يَزَل بِاللَهِ مُستَغيثا
حَتّى إِذا أَحَسَّ بِالحِمامِ
وَذاكَ بَعدَ سَبع مية عامِ
كانَت إِلى شيثَ اِبنِهِ الوَصِيَّهْ
وَلَيسَ شَيءٌ يعجزُ المَنِيِّهْ
أَنِ اِعبُدِ اللَهَ وَجانِب قايِنا
وَكُن لَهُ وَنَسلِهِ مُبايِنا
فَلَم يَزَل شيثُ عَلى الإيمانِ
مُعتَصِماً بِطاعَةِ الرَحمنِ
يَحفَظُ ما أَوصى بِهِ أَبوهُ
لا يَتَخَطّاهُ وَلا يَعدوهُ
حَتّى إِذا ما حَضرَت وَفاتُهُ
وَخافَ أَن يَفجَأَهُ ميقاتُهُ
أَوصى أَنوشاً وَأَنوشٌ كَهلُ
بِمِثلِ ما أَوصى أَبوهُ قَبلُ
فَلَم يَزَل أَنوشُ يَقفو أَثَرَهْ
لا يَتَعَدّى جاهِداً ما أَمَرَهْ
تَمَّ تَلاهُ إِبنُهُ قينانُ
وَقَولُهُ وَفِعلُهُ الإيمانُ
ثُمَّ تَلا قينانَ مَهلائيلُ
فَسَنَّ ما سَنَّت لَهُ الكُهولُ
ثُمَّ اِستَقَلَّ بِالأُمورِ يَردُ
اخنوخ وَهوَ في العُلومِ فَردُ
وَكانَ في زَمانِهِ يوئيلُ
الخالِعُ المُضلِّلُ الضِلّيلُ
أَوَّلُ مَن تَتَبَّعَ المَلاهِيا
وَأَظهَرَ الفَسادَ وَالمَعاصيا
وَكانَ مِن نَسلِ الغَوِيِّ قاينِ
وَغَيرُ بِدعٍ خايِنٌ مِن خايِنِ
فَاِغتَرَّ مِن أَولادِ شيثٍ عالَما
حَتّى عَصَوا وَاِنتَهَكوا المَحارِما
وَخالَفوا وَصِيَّةَ الآباءِ
وَاِفتَتَنوا بِاللَهوِ وَالنِساءِ
وَلَم يَزَل يارِدُ يَألو قَومَهُ
نُصحاً وَكانوا يُكثِرونَ لَومَهُ
حَتّى إِذا ماتَ اِستَقَلَّ بَعدَهُ
إِدريسُ بِالأَمرِ فَأَورى زِندَهُ
وَهُوَ حَنوخ بِالبَيانِ أَعجَما
صَلّى عَلَيهِ رَبُّنا وَسَلَّما
أَوَّلُ مَبعوثٍ إِلى العِبادِ
وَآمِرٍ بِالخَيرِ وَالرَشادِ
وَأَوَّلُ الناسِ قَرا وَكَتَبا
وَعَلِمَ الحِسابَ لَمَّا حَسَبا
فَلَم يُطِعهُ أَحَدٌ مِن أَهلِهِ
وَاِختَلَطوا بِقايِنٍ وَنَسلِهِ
فَرَفَعَ اللَهُ إِلَيهِ عَبدَهُ
مِن بَعدِ ما اِختارَ المَقامَ عِندَهُ
وَصارَ مَتوشَلَخٌ مُستَخلَفا
مِن بَعدِ إِدريسَ النَبِيِّ المُصطَفى
فَحَذَّرَ الناسَ عَذاباً نازِلا
فَلَم يَجِد في الأَرضِ مِنهُم قابِلا
غَيرَ اِبنِهِ لَمكٍ فَأَوصى لَمكا
وَصِيَّةً كانَت تُقىً وَنُسكا
فَوَعَظَ الناسَ فَخالَفوهُ
وَنَفروا عَنهُ وَفارَقوهُ