المحبرة في التاريخ/الفصل الرابع
ثُمَّ اِصطَفى رَبُّكَ إِبراهيما
فَلَم يَزَل في خَلقِهِ رَحيما
فَكانَ مِن إِخلاصِهِ التَوحيدا
أَن هَجَرَ القَريبَ وَالبَعيدا
وَشَرَعَ الشَرائِعَ الحِسانا
وَكَسَرَ الأَصنامَ وَالأَوثانا
وَقالَ لوطٌ إِنَّني مُهاجِرُ
وَبِالَّذي يَأمُرُ قَومي آمِرُ
ما قَد تَوَلّى شَرحَهُ القُرآنُ
وَفي القُرانِ الصِدقُ وَالبَيانُ
فَشَكَرَ اللَهُ لَهُ الإيمانا
وَخَصَّهُ الحُجَّةَ وَالبُرهانا
وَقَمَعَ النُمرودَ عاتي دَهرِهِ
بِحُجَجِ اللَهِ وَحُسنِ صَبرِهِ
وَجَعَلَ الحِكمَةَ في أَولادِهِ
وَاِختارَهُم طُرّاً عَلى عِبادِهِ
وَجَعَلَ الأَمرَ لِإِسماعيلِ
فَهُوَ أَسَنُّ وَلَدِ الخَليلِ
وَوَلَدَت هاجَرُ قَبلَ سارَهْ
وَقَبلَها بُلِّغَتِ البِشارَهْ
مِن رَبِّها وَسَمِعَت نِداءَ
قَد سَمِعَ اللَهُ لَكِ الدُعاءَ
وَأُسكِنَت في البَلَدِ الأَمينِ
وَشَبَّ إِسماعيلُ في الحَجونِ
وَكانَ يَوماً عِندَهُ جِبريلُ
وَعِندَهُ النَبِيُّ إِسماعيلُ
وَهوَ صَغيرٌ فَاِشتَكى الظَماءَ
فَخَرَجَت هاجَرُ تَبغي الماءَ
فَهَمَزَ الأَرضَ فَجاشَت جَمجَما
تَفورُ مِن هَمزَتِهِ أَنْهُرَ ما
وَأَقبَلَت هاجَرُ لَمّا يَئِسَت
فَراعَها ما عايَنَت فَأَبلَسَت
وَجَعَلَت تَبني لَهُ الصَفائِحا
لَو تَرَكَتهُ كانَ ماءً سائِحا
وَجاوَرَتهُم جُرهُمٌ في الدارِ
راغِبَةً في الصِهرِ وَالجِوارِ
فَوَلَّدوا النِساءَ وَالرِجالا
خَؤولَةٌ شَرَّفَت الأَخوالا
وَوَطَّنوا مَكَّةَ دَهراً داهِرا
حَتّى إِذا ما قارَفوا الكَبائِرا
وَبَدَّلوا شِرعَةَ إِبراهيمِ
وَشَبَّهوا التَحليلَ بِالتَحريمِ
أَجلَتهُمُ عَنها بَنو كِنانَهْ
فَدَخَلوا بِالذُلِّ وَالمَهانَهْ
وَوَلي البَيتَ وَأَمرَ الناسِ
الأَكرَمونَ مِن بَني إِلياسِ
فَلَم تَزَل شِرعَةُ إِسماعيلِ
في أَهلِهِ واضِحَةَ السَبيلِ
حَتّى اِنتَهى الأَمرُ إِلى قُصَيِّ
مُجَمِّعٍ خَيرِ بَني لُؤَيِّ
فَسَلَّمَ الناسُ لَهُ المَقاما
وَالبيتَ وَالمَشعَرَ وَالحَراما
وَصارَتِ القوسُ إِلى باريها
وَصادَفَت رَمِيَّةٌ راميها
وَإيطَنَت في أَهلِها المَكارِمُ
وَرُفِعَت لِشَيدِها الدَعائِمُ
وَوَرَّثَ الشَيخُ بَنيهِ الشَرَفا
وَكُلُّهُم أَغنى وَأَجدى وَكَفى