المغني - كتاب الرجعة

المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي

(الجزء الثامن والثلاثون – كتاب الرجعة) • كتاب الرجعة o مسألة: الزوجة إذا لم يدخل بها تبينها تطليقة o فصل: يشترط لحلها للأول ثلاثة شروط أحدها أن تنكح زوجًا غيره o فصل: الوطء الحرام لا يحصل به الإحلال o فصل: وطء المملوك كوطء الحر o فصل: لو وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فإذا هي امرأته أحلها o مسألة: إذا طلق الحر زوجته أقل من ثلاث فله عليها الرجعة ما كانت في العدة o فصل: لا يعتبر في الرجعة رضا المرأة o فصل: الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره o فصل: إذا لم يدر أواحدة طلق أو ثلاثا؟ فهو متيقن للتحريم o مسألة: للعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث o مسألة: لو كانت حاملًا باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها ما لم تضع الثاني o فصل: إذا انقطع حيض المرأة في المرة الثالثة ولما تغتسل فهل تنقضي عدتها بطهرها؟ o فصل: إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدتها من الأول بوطء الثاني o مسألة: المراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين: اشهدا إني قد راجعت امرأتي o فصل: ظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول o فصل: إن قبلها أو لمسها لشهوة فليس بشهوة o فصل: القول تحصل به الرجعة بغير خلاف o فصل: إن قال: راجعتك للمحبة أو إهانة لك صحت الرجعة o فصل: لا يصح تعليق الرجعة على شرط o فصل: إن راجعها في الردة من أحدهما فذكر أبو الخطاب أنه لا يصح وهو صحيح مذهب الشافعي o مسألة: إذا قال: قد ارتجعتك فقالت: قد انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قولها o القسم الثاني: أن تدعي انقضاء عدتها بوضع الحمل o فصل: إذا ادعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها o فصل: إن اختلفا في الإصابة فقال: قد أصبتك فلي رجعتك o فصل: الخلوة كالإصابة في إثبات الرجعة للزوج على المرأة o فصل: إن ادعى زوج الأمة بعد عدتها أنه كان راجعها في عدتها فكذبته o فصل: لو قالت: انقضت عدتي ثم قالت: ما انقضت بعد فله رجعتها o مسألة: إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى من العدة o فصل: إن طلقها ثم راجعها ثم طلقها قبل دخوله بها ففيه روايتان o فصل: إن خالع زوجته أو فسخ النكاح ثم نكحها في عدتها ثم طلقها o فصل: استئناف العدة من الوطء o مسألة: إذا طلقها ثم أشهد على المراجعة من حيث لا تعلم o مسألة: إذا طلقها ثلاثًا وانقضت عدتها منه ثم أتته فذكرت أنها نكحت من أصابها o فصل: إذا أخبرت أن الزوج أصابها فأنكر فالقول قولها في حلها للأول o فصل: إذا طلقها طلاقًا رجعيًا وغاب وقضت عدتها وأرادت التزوج o فصل: إذا قالت: قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل أن يعقد عليها لم يجز العقد

كتاب الرجعة وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} إلى قوله: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير وقال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف} أي بالرجعة ومعناه إذا قاربن بلوغ أجلهن أي انقضاء عدتهن وأما السنة فما روى ابن عمر قال {طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر النبي - - فقال: مره فليراجعها) متفق عليه وروى أبو داود عن عمر قال: (إن النبي -- طلق حفصة ثم راجعها) وأجمع أهل العلم أن الحر إذا طلق الحرة دون الثلاث أو العبد إذا طلق دون الاثنتين أن لهما الرجعة في العدة ذكره ابن المنذر.

 مسألة: 

قال: [والزوجة إذا لم يدخل بها تبينها تطليقة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد] أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها وذلك لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول لقول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحًا جميلاً} فبين الله سبحانه أنه لا عدة عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها وإن رغب مطلقها فيها فهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها بنكاح جديد وترجع إليه بطلقتين وإن طلقها اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واحدة بغير خلاف بين أهل العلم وإن طلقها ثلاثا بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره في قول أكثر أهل العلم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثا بعد الدخول لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لقول الله سبحانه: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وروت عائشة: أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت رسول الله -- فقالت: إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها قالت: فتبسم رسول الله -- ضاحكا وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته) متفق عليه وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه, وجمهور أهل العلم على أنها لا تحل للأول حتى يطأها الزوج الثاني وطئا يوجد فيه التقاء الختانين إلا أن سعيد بن المسيب من بينهم قال: إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد به إحلالا فلا بأس أن يتزوجها الأول قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب هذا إلا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه: {حتى تنكح زوجا غيره} ومع تصريح النبي -- ببيان المراد من كتاب الله تعالى وأنها لا تحل للأول حتى يذوق الثاني عسيلتها وتذوق عسيلته لا يعرج على شيء سواه ولا يسوغ لأحد المصير إلى غيره مع ما عليه جملة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وممن بعدهم مسروق والزهري ومالك وأهل المدينة والثوري وأصحاب الرأي والأوزاعي وأهل الشام والشافعي وأبو عبيدة وغيرهم.

 فصل: 

ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط أحدها أن تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم يحلها لقول الله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} وهذا ليس بزوج ولو وطئت بشبهة لم تبح لما ذكرنا, ولو كانت أمة فاستبرأها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي: تحل له لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم بها وقول الله تعالى: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} صريح في تحريمها فلا يعول على ما خالفه ولأن الفرج لا يجوز أن يكون محرما مباحا فسقط هذا الشرط الثاني أن يكون النكاح صحيحا فإن كان فاسدا لم يحلها الوطء فيه وبهذا قال الحسن والشعبي وحماد ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وقال في القديم: يحلها ذلك وهو قول الحكم وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم النص ولأن النبي -- لعن المحلل والمحلل له فسماه محللا مع فساد نكاحه ولنا قول الله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزوج الفاسد ولأن أكثر أحكام الزوج غير ثابتة فيه من الإحصان واللعان والظهار, والإيلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما تسميته محللا فلقصده التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي --: (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) وقال الله تعالى: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} ولأنه وطء في غير نكاح صحيح أشبه وطء الشبهة الشرط الثالث أن يطأها في الفرج فلو وطئها دونه أو في الدبر لم يحلها لأن النبي -- علق الحل على ذوق العسيلة منهما ولا يحصل إلا بالوطء في الفرج وأدناه تغييب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحل له لأن الحكم يتعلق بذواق العسيلة ولا تحصل من غير انتشار وإن كان الذكر مقطوعا فإن بقي منه قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا, فإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الإحلال وهذا قول الشافعي قال أبو بكر: وقد روي عن أحمد في الخصي أنه لا يحلها فإن أبا طالب سأله في المرأة تتزوج الخصي تستحل به؟ قال: لا خصي يذوق العسيلة قال أبو بكر: والعمل على ما رواه مهنا أنها تحل ووجه الأول أن الخصي لا يحصل منه الإنزال فلا ينال لذة الوطء فلا يذوق العسيلة ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأن الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطء أو ليس بمظنة الإنزال فلا يحصل الإحلال بوطئه كالوطء من غير انتشار.

 فصل: 

واشترط أصحابنا أن يكون الوطء حلالا فإن وطئها في حيض أو نفاس, أو إحرام من أحدهما أو منهما أو وأحدهما صائم فرضا, لم تحل وهذا قول مالك لأنه وطء حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الإحلال كوطء المرتدة وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} وهذه قد نكحت زوجا غيره وأيضا قوله (حتى تذوقي عسيلته, ويذوق عسيلتك) وهذا قد وجد ولأنه وطء في نكاح صحيح في محل الوطء على سبيل التمام فأحلها, كالوطء الحلال وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو وطئها مريضة يضرها الوطء وهذا أصح -إن شاء الله تعالى- وهو مذهب أبي حنيفة, والشافعي وأما وطء المرتدة فلا يحلها سواء وطئها في حال ردتهما, أو ردتها أو وطئ المرتد المسلمة لأنه إن لم يعد المرتد منهما إلى الإسلام تبين أن الوطء في غير نكاح, وإن عاد إلى الإسلام في العدة فقد كان الوطء في نكاح غير تام لأن سبب البينونة حاصل فيه وهكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج قبل إسلام الآخر, لم يحلها لذلك.

 فصل: 

فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء, ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفا, ولأنه دخل في عموم النص ووطؤه كوطء الحر وإن تزوجها مراهق فوطئها, أحلها في قولهم إلا مالكا وأبا عبيد فإنهما قالا: لا يحلها ويروى ذلك عن الحسن لأنه وطء من غير بالغ, فأشبه وطء الصغير ولنا ظاهر النص وأنه وطء من زوج في نكاح صحيح, فأشبه البالغ ويخالف الصغير فإنه لا يمكن الوطء منه ولا تذاق عسيلته قال القاضي: ويشترط أن يكون له اثنتا عشرة سنة لأن من دون ذلك لا يمكنه المجامعة ولا معنى لهذا فإن الخلاف في المجامع, ومتى أمكنه الجماع فقد وجد منه المقصود فلا معنى لاعتبار سن ما ورد الشرع باعتبارها وتقديره بمجرد الرأي والتحكم وإن كانت ذمية, فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم نص عليه أحمد وقال: هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال الحسن, والزهري والثوري والشافعي, وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال ربيعة ومالك: لا يحلها ولنا, ظاهر الآية ولأنه وطء من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطء المسلم وإن كانا مجنونين, أو أحدهما فوطئها أحلها وقال أبو عبد الله بن حامد: لا يحلها لأنه لا يذوق العسيلة ولنا, ظاهر الآية ولأنه وطء مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل وقوله: لا يذوق العسيلة لا يصح, فإن الجنون إنما هو تغطية العقل وليس العقل شرطا في الشهوة وحصول اللذة بدليل البهائم لكن إن كان المجنون ذاهب الحس, كالمصروع والمغمى عليه لم يحصل الحل بوطئه, ولا بوطء مجنونة في هذه الحال لأنه لا يذوق العسيلة ولا تحصل له لذة ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذه حاله فلا يكون ها هنا اختلاف ولو وطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه, فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرناه وحكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل في ذلك كله أخذا من عموم النص والله أعلم.

 فصل: 

ولو وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية, أو ظنها جاريته فوطئها فإذا هي امرأته أحلها, لأنه صادف نكاحا صحيحا ولو وطئها فأفضاها أو وطئها - وهي مريضة - تتضرر بوطئه أحلها لأن التحريم ها هنا لحقها وإن استدخلت ذكره وهو نائم, أو مغمى عليه لم تحل لأنه لا يذوق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية والله أعلم.

  مسألة: 

قال: [وإذا طلق الحر زوجته أقل من ثلاث فله عليها الرجعة ما كانت في العدة] أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق الحرة بعد دخوله بها أقل من ثلاث, بغير عوض ولا أمر يقتضي بينونتها فله عليها الرجعة ما كانت في عدتها, وعلى أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها لما ذكرنا في أول الباب وإن طلق الحر امرأته الأمة فهو كطلاق الحرة إلا أن فيه خلافا ذكرناه فيما مضى, وذكرنا أن الطلاق معتبر بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثا كالحرة.

 فصل: 

ولا يعتبر في الرجعة رضا المرأة لقول الله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} فجعل الحق لهم وقال سبحانه: {فأمسكوهن بمعروف} فخاطب الأزواج بالأمر ولم يجعل لهن اختيارا ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية, فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في صلب نكاحه وأجمع أهل العلم على هذا.

 فصل: 

والرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره, وإيلاؤه ولعانه ويرث أحدهما صاحبه, بالإجماع وإن خالعها صح خلعه وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة ولنا, أنها زوجة صح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق, وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من مضرة الزوج ونكاحه الذي هو سببها والنكاح باق, ولا نأمن رجعته وعلى أننا نمنع كونها محرمة. فصل: وظاهر كلام الخرقي أن الرجعية محرمة لقوله: " وإذا لم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا؟ فهو متيقن للتحريم, شاك في التحليل " وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا وهو مذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء ومالك وقال القاضي: ظاهر المذهب أنها مباحة قال أحمد في رواية أبي طالب: لا تحتجب عنه وفي رواية أبي الحارث: تتشرف له ما كانت في العدة فظاهر هذا أنها مباحة, وله أن يسافر بها ويخلو بها ويطأها وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم الزوجات, فأبيحت له كما قبل الطلاق ووجه الأولى أنها طلقة واقعة فأثبتت التحريم, كالتي بعوض ولا خلاف في أنه لا حد عليه بالوطء ولا ينبغي أن يلزمه مهر سواء راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر, كسائر الزوجات ويفارق ما لو وطئ الزوج بعد إسلام أحدهما في العدة حيث يجب المهر إذا لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم تبينا أن الفرقة وقعت من حين إسلام المسلم الأول منهما وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه, فأشبهت التي أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفي مسألتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا وقال أبو الخطاب: إذا أكرهها على الوطء, وجب عليه المهر عند من حرمها وهو المنصوص عن الشافعي لأنه وطء حرمه الطلاق فوجب به المهر كوطء البائن والفرق ظاهر فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجته, وقياس الزوجة على الأجنبية في الوطء وأحكامه بعيد.

  مسألة: 

قال: [وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث] أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها فإن طلقها ثانية, فلا رجعة له سواء كانت امرأته حرة أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان, وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضى.

 مسألة: 

قال: [ولو كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها, ما لم تضع الثاني] هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكي عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول وما عليه سائر أهل العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} واسم الحمل متناول لكل ما في البطن, فتبقى العدة مستمرة إلى حين وضع باقي الحمل فتبقى الرجعة ببقائها ولو انقضت العدة بوضع بعض الحمل لحل لها التزويج وهي حامل من زوج آخر, ولا قائل به وأظن أن قتادة ناظر عكرمة في هذا فقال عكرمة: تنقضي عدتها بوضع أحد الولدين فقال له قتادة: أيحل لها بأن تتزوج؟ قال: لا قال: خصم العبد ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه صح لأنها لم تضع جميع حملها فصارت كمن ولدت أحد الولدين.

 فصل: 

إذا انقطع حيض المرأة في المرة الثالثة, ولما تغتسل فهل تنقضي عدتها بطهرها؟ فيه روايتان ذكرهما ابن حامد إحداهما, لا تنقضي عدتها حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك وهذا ظاهر كلام الخرقي فإنه قال في العدة: فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة, أبيحت للأزواج وهذا قول كثير من أصحابنا وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود, وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد وروى نحوه عن أبي بكر الصديق, وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء وروي عن شريك: له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة ووجه هذا قول من سمينا من الصحابة, ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون إجماعا ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل, وكذلك هذا والرواية الثانية أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير, والأوزاعي واختاره أبو الخطاب لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} والقرء: الحيض وقد زالت فيزول التربص وفيما روي عن النبي -- أنه قال: (وقرء الأمة حيضتان وقال: دعى الصلاة أيام أقرائك) يعني أيام حيضك ولأن انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج وحلها لغيره, فلم يتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدد ولأنها لو تركت الغسل اختيارا أو لجنون أو نحوه, لم تحل أما أن يقال بقول شريك أنها تبقى معتدة ولو بقيت عشرين سنة وذلك خلاف قول الله: {ثلاثة قروء} فإنها تصير عدتها أكثر من مائتي قرء أو يقال: تنقضي العدة قبل الغسل فيكون رجوعا عن قولهم ويحمل قول الصحابة في قولهم: حتى تغتسل أي: يلزمها الغسل.

 فصل: 

إذا تزوجت الرجعية في عدتها, وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدتها من الأول بوطء الثاني وهل يملك الزوج رجعتها في عدة الحمل؟ يحتمل وجهين: أولهما أنه له رجعتها لأنها لم تقض عدته, فحكم نكاحه باق يلحقها طلاقه وظهاره وإنما انقطعت عدته لعارض, فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه وتبقى سائر أحكام الزوجية ولأنه يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته, فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها والوجه الثاني ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته, فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت على ما مضى من عدة الأول, وله ارتجاعها حينئذ وجها واحدا ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع تعود إلى عدة الأول وإن لم تحتسب به, فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضا فإن له رجعتها في حيضها, وإن كانت لا تعتد بها وإن حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك رجعتها في حملها من الثاني إذا راجعها في هذا الحمل, ثم بان أنه من الثاني لم يصح وإن بان من الأول احتمل أن يصح لأنه راجعها في عدتها منه, واحتمل أن لا يصح لأنه راجعها مع الشك في إباحة الرجعة والأول أصح فإن الرجعة ليست بعبادة يبطلها الشك في صحتها وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما إذا نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات, فإن كل صلاة يشك في أنها هل هي المنسية أو غيرها؟ ولو شك في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته, وارتفع حدثه فهنا أولى فإن راجعها بعد الوضع وبان أن الحمل من الثاني صحت رجعته, وإن بان من الأول لم تصح الرجعة لأن العدة انقضت بوضعه.

 مسألة: 

قال: [والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين: اشهدا إني قد راجعت امرأتي بلا ولى يحضره ولا صداق يزيده وقد روي عن أبي عبد الله -رحمه الله- رواية أخرى, أنه تجوز الرجعة بلا شهادة] وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضي المرأة, ولا علمها بإجماع أهل العلم لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات والرجعة إمساك لها واستبقاء لنكاحها, ولهذا سمى الله - سبحانه وتعالى - الرجعة إمساكا وتركها فراقا وسراحا فقال: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} وفي آية أخرى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد بها سبب زواله, فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة, فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح فأما الشهادة ففيها روايتان إحداهما تجب وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم} وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضع مقصود, فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع والرواية الثانية, لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبي حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول, فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد, كالبيع وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد فإن قلنا: هي شرط فإنه يعتبر وجودها حال الرجعة فإن ارتجع بغير شهادة, لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الإقرار بها إلا أن يقصد بذلك الإقرار الارتجاع, فيصح.

 فصل: 

وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول لقوله: المراجعة أن يقول وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود أمر بالإشهاد فيه, فلم تحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول, فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهذه إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية, تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو اختارها ابن حامد, والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين, وعطاء وطاوس والزهري, والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى, وأصحاب الرأي قال بعضهم ويشهد وقال مالك وإسحاق: تكون رجعة إذا أراد به الرجعة لأن هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطء, كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب لزوال الملك ومعه خيار فتصرف المالك بالوطء يمنع عمله, كوطء البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وذكر أبو الخطاب أننا إذا قلنا: الوطء مباح حصلت الرجعة به كما ينقطع به التوكيل في طلاقها وإن قلنا: هو محرم لم تحصل الرجعة به لأنه فعل محرم فلا يكون سببا للحل, كوطء المحلل.

 فصل: 

فأما إن قبلها أو لمسها لشهوة أو كشف فرجها ونظر إليه, فالمنصوص عن أحمد أنه ليس برجعة وقال ابن حامد: فيه وجهان: أحدهما هو رجعة وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يستباح بالزوجية, فحصلت الرجعة به كالوطء والثاني أنه ليس برجعة لأنه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة, كالنظر فأما الخلوة بها فليس برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية, ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح أنه لا تحصل الرجعة بها لأنها لا تبطل اختيار المشتري للأمة, فلم تكن رجعة كاللمس لغير شهوة فأما اللمس لغير شهوة, والنظر لذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبه الحديث معها.

 فصل: 

فأما القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظه: راجعتك, وارتجعتك ورددتك وأمسكتك لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة, فالرد والإمساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} وقال: {فأمسكوهن بمعروف} يعني: الرجعة والرجعة وردت بها السنة بقول النبي --: (مره فليراجعها) وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه فإنهم يسمونها رجعة, والمرأة رجعية ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق, والاحتياط أن يقول: راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي فإن قال: نكحتها أو: تزوجتها فهذا ليس بصريح فيها لأن الرجعة ليست بنكاح وهل تحصل به الرجعة؟ فيه وجهان أحدهما لا تحصل به الرجعة لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود, ولا تحصل بالكناية كالنكاح والثاني تحصل به الرجعة أومأ إليه أحمد واختاره ابن حامد لأنه تباح به الأجنبية, فالرجعية أولى وعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق.

 فصل: 

فإن قال: راجعتك للمحبة أو قال: للإهانة وقال: أردت أنني راجعتك لمحبتي إياك, أو إهانة لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها وإن قال: أردت أنني كنت أهنتك أو أحبك, وقد رددتك بفراقي إلى ذلك فليس برجعة وإن أطلق ولم ينو شيئا صحت الرجعة ذكره القاضي لأنه أتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون بيانا لسببها, ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك وهذا مذهب الشافعي.

 فصل: 

ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح, ولو قال: راجعتك إن شئت لم يصح كذلك ولو قال: كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح كذلك ولأنه راجعها قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وإن قال: إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق على شرط.

 فصل: 

فإن راجعها في الردة من أحدهما, فذكر أبو الخطاب أنه لا يصح وهو صحيح مذهب الشافعي لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح, ولأن الرجعة تقرير النكاح والردة تنافي ذلك فلم يصح اجتماعهما وقال القاضي: إن قلنا: تتعجل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وإن قلنا: لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة, إن أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأننا تبينا أنه ارتجعها في نكاحه ولأنه نوع إمساك فلم تمنع منه الردة, كما لو لم يطلق وإن لم يسلم في العدة تبينا أن الفرقة وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار أبي حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا راجعها بعد إسلام أحدهما.

 مسألة: 

قال: [وإذا قال: قد ارتجعتك فقالت: قد انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قولها ما ادعت من ذلك ممكنا] وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في مدة يمكن انقضاؤها فيها, قبل قولها لقول الله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قيل في التفسير: هو الحيض والحمل فلولا أن قولهن مقبول لم يحرجن بكتمانه ولأنه أمر تختص بمعرفته, فكان القول قولها فيه كالنية من الإنسان فيما تعتبر فيه النية أو أمر لا يعرف إلا من جهتها, فقبل قولها فيه كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي عن رسول الله -- فأما ما تنقضي به العدة فلا يخلو من ثلاثة أقسام: القسم الأول أن تدعي انقضاء عدتها بالقروء, وأقل ذلك ينبني على الخلاف في أقل الطهر بين الحيضتين وعلى الخلاف في القروء هل هي الحيض أو الأطهار؟ فإن قلنا: هي الحيض, وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما فأقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوما ولحظة وذلك أن يطلقها مع آخر الطهر, ثم تحيض بعده يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة, ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر لحظة, ليعرف بها انقطاع الحيض وإن لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلا بد منها لمعرفة انقطاع حيضها, ولو صادفتها رجعته لم تصح ومن اعتبر الغسل في قضاء العدة فلا بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض وإن قلنا: القرء الحيض والطهر خمسة عشر يوما فأقل ما تنقضي به العدة ثلاثة وثلاثون يوما ولحظة تزيد أربعة أيام في الطهرين وإن قلنا: القروء الأطهار وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما, فإن عدتها تنقضي بثمانية وعشرين يوما ولحظتين وهو أن يطلقها في آخر لحظة من طهرها فتحتسب بها قرءا, ثم تحتسب طهرين آخرين ستة وعشرين يوما وبينهما حيضتان يومين فإذا طعنت في الحيضة الثالثة لحظة, انقضت عدتها وإن قلنا: الطهر خمسة عشر يوما زدنا على هذا أربعة أيام في الطهرين فيكون اثنين وثلاثين يوما ولحظتين وهذا قول الشافعي فإن كانت أمة انقضت عدتها بخمسة عشر يوما ولحظة على الوجه الأول, وتسعة عشر يوما ولحظة على الوجه الثاني وبأربعة عشر يوما ولحظتين على الوجه الثالث وبستة عشر يوما ولحظتين على الوجه الرابع فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا, لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم لأنه لا يحتمل صدقها وإن ادعت انقضاء عدتها في أقل من شهر لم يقبل قولها إلا ببينة لأن شريحا قال: إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر وجاءت ببينة من النساء العدول من بطانة أهلها, ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلي, فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قالون ومعناه بالرومية: أصبت أو أحسنت فأخذ أحمد بقول على في الشهر فإن ادعت ذلك في أكثر من شهر صدقها, على حديث: (إن المرأة اؤتمنت على فرجها) ولأن حيضها في الشهر ثلاث حيض يندر جدا فرجح ببينة ولا يندر فيما زاد على الشهر كندرته فيه فقبل قولها من غير بينة وقال: الشافعي: لا يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوما ولحظتين, ولا يقبل في أقل من ذلك بحال لأنه لا يتصور عدة أقل من ذلك وقال النعمان: لا تصدق في أقل من ستين يوما وقال صاحباه: لا تصدق في أقل من تسعة وثلاثين يوما لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام فثلاث حيض تسعة أيام وطهران ثلاثون يوما والخلاف في هذا ينبني على الخلاف في أقل الحيض, وأقل الطهر وفي القروء ما هي وقد سبق ومما يدل عليه في الجملة قبول على وشريح بينتها على انقضاء عدتها في شهر ولولا تصوره لما قبلت عليه بينة, ولا سمعت فيه دعوى ولا يتصور إلا بما قلناه فأما إن ادعت انقضاء العدة في أقل من ذلك لم تسمع دعواها, ولا يصغى إلى بينتها لأننا نعلم كذبها فإن بقيت على دعواها حتى أتى عليها ما يمكن صدقها فيه نظرنا فإن بقيت على دعواها المردودة لم يسمع قولها لأنها تدعي محالا وإن ادعت أنها انقضت عدتها في هذه المدة كلها, أو فيما يمكن منها قبل قولها لأنه أمكن صدقها ولا فرق في ذلك بين الفاسقة والمرضية والمسلمة والكافرة لأن ما يقبل فيه قول الإنسان على نفسه, لا يختلف باختلاف حاله كإخباره عن بينة فيما تعتبر فيه بينة. القسم الثاني: أن تدعي انقضاء عدتها بوضع الحمل فلا يخلو إما أن تدعي وضع الولد لتمام, أو أنها أسقطته قبل كماله فإن ادعت وضعه لتمام فلا يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد لأنه لا يكمل في أقل من ذلك, وإن ادعت أنها أسقطته لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوما من حين إمكان الوطء بعد عقد النكاح لأن أقل سقط تنقضي به العدة ما أتى عليه ثمانون يوما لأنه يكون نطفة أربعين يوما, ثم يكون علقة أربعين يوما ثم يصير مضغة بعد الثمانين ولا تنقضي به العدة قبل أن يصير مضغة بحال وهذا ظاهر قول الشافعي القسم الثالث, أن تدعي انقضاء عدتها بالشهور فلا يقبل قولها فيه لأن الخلاف في ذلك ينبني على الاختلاف في وقت الطلاق والقول قول الزوج فيه, فيكون القول قوله فيما ينبني عليه إلا أن يدعي الزوج انقضاء عدتها ليسقط عن نفسه نفقتها مثل أن يقول: طلقتك في شوال فتقول هي: بل في ذي الحجة فالقول قولها لأنه يدعي ما يسقط النفقة, والأصل وجوبها فلا يقبل إلا ببينة ولو ادعت ذلك ولم يكن لها نفقة, قبل قولها لأنها تقر على نفسها بما هو أغلظ ولو انعكست الدعوى فقال: طلقتك في ذي الحجة فلي رجعتك فقالت: بل طلقتني في شوال, فلا رجعة لك فالقول قوله لأن الأصل بقاء نكاحه ولأن القول قوله في إثبات الطلاق ونفيه فكذلك في وقته إذا ثبت هذا, فكل موضع قلنا: القول قولها فأنكرها الزوج فقال الخرقي: عليها اليمين وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقد أومأ إليه أحمد, في رواية أبي طالب وقال القاضي: قياس المذهب أن لا يجب عليها يمين وقد أومأ إليه أحمد فقال: لا يمين في نكاح ولا طلاق وهو قول أبي حنيفة لأن الرجعة لا يصح بذلها فلا يستحلف فيها, كالحدود والأول أولى لقول رسول الله --: (اليمين على المدعى عليه) ولأنه حق آدمي يمكن صدق مدعيه فيجب اليمين فيه كالأموال فإن نكلت عن اليمين, فقال القاضي: لا يقضي بالنكول لأنه مما لا يصح بذله ويحتمل أن يستحلف الزوج وله رجعتها بناء على القول برد اليمين على المدعي وذلك لأنه لما وجد النكول منها, ظهر صدق الزوج وقوى جانبه واليمين تشرع في حق من قوى جانبه, ولذلك شرعت في حق المدعى عليه لقوة جانبه باليد في العين وبالأصل في براءة الذمة في الدين هذا مذهب الشافعي.

 فصل: 

وإذا ادعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر قبل قوله لأنه لما ملك الرجعة, ملك الإقرار بها كالطلاق وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي, وغيرهم وإن قال بعد انقضاء عدتها: كنت راجعتك في عدتك فأنكرته فالقول قولها بإجماعهم لأنه ادعاها في زمن لا يملكها والأصل عدمها وحصول البينونة فإن كان اختلافهما في زمن يمكن فيه انقضاء عدتها, وبقاؤها فبدأت فقالت: انقضت عدتي فقال: قد كنت راجعتك فأنكرته لم يقبل قوله لأن خبرها بانقضاء عدتها مقبول لإمكانه, فصارت دعواه للرجعة بعد الحكم بانقضاء عدتها فلم تقبل فإن سبقها بالدعوى فقال: قد كنت راجعتك أمس فقالت: قد انقضت عدتي قبل دعواك فالقول قوله لأن دعواه للرجعة قبل الحكم بانقضاء عدتها في زمن الظاهر قبول قوله فيه, فلا يقبل قولها بعد ذلك في إبطاله ولو سبق فقال: قد راجعتك فقالت: قد انقضت عدتي قبل رجعتك فأنكرها فقال القاضي: القول قوله لما ذكرنا وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي وظاهر كلام الخرقي أن قولها مقبول, سواء سبقها بالدعوى أو سبقته وهو وجه ثان لأصحاب الشافعي لأن الظاهر البينونة والأصل عدم الرجعة, فكان الظاهر معها ولأن من قبل قوله سابقا قبل قوله مسبوقًا, كسائر من يقبل قوله ولهم وجه ثالث أن القول قول الزوج بكل حال لأن المرأة تدعي ما يرفع النكاح وهو ينكره فكان القول قوله, كما لو ادعى المولى والعنين إصابة امرأته فأنكرته وهذا لا يصح فإنه قد انعقد سبب البينونة, وهو مفض إليها ما لم يوجد ما يرفعه ويزيل حكمه والأصل عدمه, فكان القول [ قول ] من ينكره بخلاف ما قاسوا عليه وإن وقع القول منهما جميعا فلا رجعة لأن خبرها بانقضاء عدتها يكون بعدها, فيكون قوله بعد العدة فلا يقبل قال أبو الخطاب: ويحتمل أن يقرع بينهما فيكون القول قول من تقع له القرعة والصحيح الأول.

 فصل: 

وإن اختلفا في الإصابة فقال: قد أصبتك فلي رجعتك فأنكرته, أو قالت: قد أصابني فلي المهر كاملا فالقول قول المنكر منهما لأن الأصل معه فلا يزول إلا بيقين, وليس له رجعتها في الموضعين لأنه أنكر الإصابة فهو يقر على نفسه ببينونتها وأنه لا رجعة له عليها وإن أنكرتها هي, فالقول قولها ولا تستحق إلا نصف المهر في الموضعين لأنها إن أنكرتها فهي مقرة أنها لا تستحق إلا نصف المهر, وإن أنكرها فالقول قوله هذا إن كان غير مقبوض فإن كان اختلافهما بعد قبضها له وادعى إصابتها فأنكرته, لم يرجع عليها بشيء لأنه يقر لها به ولا يدعيه وإن كان هو المنكر رجع عليها بنصفه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن قيل: فلم قبلتم قول المولى والعنين في الإصابة, ولم تقبلوه ها هنا؟ قلنا: لأن المولى والعنين يدعيان ما يبقى النكاح على الصحة ويمنع فسخه والأصل صحة العقد وسلامته, فكان قولهما موافقا للأصل فقبل وفي مسألتنا قد وقع ما يرفع النكاح ويزيله, وهو ما والى بينونة وقد اختلفا فيما يرفع حكم الطلاق ويثبت له الرجعة والأصل عدم ذلك, فكان قوله مخالفا للأصل فلم يقبل ولأن المولى والعنين يدعيان الإصابة في موضع تحققت فيه الخلوة والتمكين من الوطء, لأنه لو لم يوجد ذلك لما استحقتا الفسخ بعدم الوطء فكان الاختلاف فيما يختص به وفي مسألتنا لم تتحقق خلوة ولا تمكين, لأنه لو تحقق ذلك لوجب المهر كاملا فكان الاختلاف في أمر ظاهر لا يختص به فلم يقبل فيه قول مدعيه إلا ببينة وهل يشرع اليمين في حق من القول قوله ها هنا؟ على وجهين.

 فصل: 

والخلوة كالإصابة, في إثبات الرجعة للزوج على المرأة التي خلا بها في ظاهر قول الخرقي لقوله: حكمها حكم الدخول في جميع أمورها وهذا قول الشافعي في القديم وقال أبو بكر: لا رجعة له عليها إلا أن يصيبها وبه قال النعمان, وصاحباه والشافعي في الجديد لأنها غير مصابة فلا تستحق رجعتها كغير التي خلا بها ولنا قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} إلى قوله: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} ولأنها معتدة من طلاق لا عوض فيه, ولم تستوف عدده فثبت عليها الرجعة كالمصابة ولأنها معتدة يلحقها طلاقه, فملك رجعتها كالتي أصابها وفارق التي لم يخل بها فإنها بائن منه لا عدة لها, ولا يلحقها طلاقه وإنما تكون الرجعة للمعتدة التي يلحقها طلاقه.

 فصل: 

وإن ادعى زوج الأمة بعد عدتها أنه كان راجعها في عدتها فكذبته وصدقه مولاها, فالقول قولها نص عليه أحمد وبذلك قال أبو حنيفة ومالك وقال أبو يوسف ومحمد: القول قول الزوج, وهو أحق بها لأن إقرار مولاها مقبول في نكاحها فقبل قوله في رجعتها كالحرة إذا أقرت ولنا أن قولها في انقضاء عدتها مقبول, فقبل في إنكارها للرجعة كالحرة ولأنه اختلاف منهما فيما يثبت به النكاح فيكون المنازع هي دون سيدها, كما لو اختلفا في الإصابة وإنما قبل قول السيد في النكاح لأنه يملك إنشاءه فملك الإقرار به, بخلاف الرجعة وإن صدقته هي وكذبه مولاها لم يقبل إقرارها لأن حق السيد يتعلق بها وحلت له بانقضاء عدتها, فلم يقبل قولها في إبطال حقه كما لو تزوجت ثم أقرت أن مطلقها كان راجعها ولا يلزم من قبول إنكارها قبول تصديقها, كالتي تزوجت فإنه يقبل إنكارها ولا يقبل تصديقها إذا ثبت هذا, فإن مولاها إذا علم صدق الزوج في رجعتها لم يحل له وطؤها ولا تزويجها وإن علمت هي صدق الزوج في رجعتها, فهي حرام على سيدها ولا يحل لها تمكينه من وطئها إلا مكرهة كما قبل طلاقها.

 فصل: 

ولو قالت: انقضت عدتي ثم قالت: ما انقضت بعد فله رجعتها لأنها أقرت بكذبها فيما يثبت به حق عليها, فقبل إقرارها ولو قال: أخبرتني بانقضاء عدتها ثم راجعتها ثم أقرت بكذبها في انقضاء عدتها وأنكرت ما ذكر عنها, وأقرت أن عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة لأنه لم يقر بانقضاء عدتها, وإنما أخبر بخبرها عن ذلك وقد رجعت عن خبرها فقبل رجوعها لما ذكرناه.

 مسألة: 

قال: [وإذا طلقها واحدة, فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى من العدة] وبهذا قال أبو حنيفة وهو قول الشافعي وله قول ثان أنها تستأنف العدة لأنها طلقة واقعة في حق مدخول بها, فاقتضت عدة كاملة كالأولى ولنا أنهما طلاقان لم يتخللهما إصابة, ولا خلوة فلم يجب بهما أكثر من عدة كما لو والى بينهما, أو كما لو انقضت عدتها ثم نكحها وطلقها قبل دخوله بها وهكذا الحكم لو طلقها ثم فسخ نكاحها لعيب في أحدهما أو لعتقها تحت عبد أو غيره, أو انفسخ نكاحها لرضاع أو اختلاف دين أو غير ذلك لأن الفسخ في معنى الطلاق. فصل: وإن طلقها ثم راجعها ثم طلقها قبل دخوله بها, ففيه روايتان إحداهما تبنى على ما مضى من العدة نقلها الميموني وهي اختيار أبي بكر وقول عطاء, وأحد قولي الشافعي لأنهما طلاقان لم يتخللهما دخول بها فكانت العدة من الأول منهما كما لو لم يرتجعها, ولأن الرجعة لم يتصل بها دخول فلم يجب بالطلاق منها عدة كما لو نكحها ثم طلقها قبل الدخول والثانية, تستأنف العدة نقلها ابن منصور وهي أصح وهذا قول طاوس وأبي قلابة وعمرو بن دينار, وجابر وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق, وأبي ثور وأبي عبيد وأصحاب الرأي, وابن المنذر وقال الثوري: أجمع الفقهاء على هذا وحكى أبو الخطاب عن مالك إن قصد الإضرار بها بنت, وإلا استأنفت لأن الله تعالى إنما جعل الرجعة لمن أراد الإصلاح بقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} والذي قصد الإضرار لم يقصد الإصلاح ولنا أنه طلاق في نكاح مدخول بها فيه فأوجب عدة كاملة كما لو لم يتقدمه طلاق وهذا لأن الطلقة الأولى شعثت النكاح, والرجعة لمت شعثه وقطعت عمل الطلاق فصار الطلاق الثاني في نكاح غير مشعث مدخول بها فيه, فأوجب عدة كالأول وكما لو ارتدت ثم أسلمت ثم طلقها فإنها تستأنف عدة, كذا ها هنا ويفارق الطلاق قبل الرجعة فإنه جاء بعد طلاق مفض إلى بينونة فإن راجعها ثم دخل بها ثم طلقها فإنها تستأنف عدة بغير اختلاف بين أهل العلم لأنه بالوطء بعد الرجعة صار كالناكح ابتداء إذا وطئ.

فصل: وإن خالع زوجته, أو فسخ النكاح ثم نكحها في عدتها ثم طلقها فإن كان دخل بها فعليها العدة, بلا خلاف لأنه طلاق في نكاح مدخول بها فيه لم يتقدمه طلاق سواه وإن لم يكن دخل بها بنت على العدة الأولى, في الصحيح من المذهب وعنه أنها تستأنف العدة وهو قول أبي حنيفة لأن النكاح أقوى من الرجعة ولو طلقها بعد الرجعة, استأنفت العدة فهاهنا أولى ولنا أنه طلاق من نكاح لم يصبها فيه, فلم تجب به عدة كما لو نكحها بعد انقضاء عدتها وفارق الرجعة لأنها ردت المرأة إلى النكاح الأول فكان الطلاق الثاني في نكاح اتصل به الدخول, وهذا النكاح جديد بعد البينونة من الأول ولم يوجد فيه دخول فأشبه التزويج بعد قضاء العدة وأما بناؤها على العدة الأولى, فلأنها إنما قطع في حكمها النكاح وقد زال فيعود إليها ولو أسلمت زوجته ثم أسلم في عدتها, أو أسلم هو ثم أسلمت هي في عدتها وطلقها قبل وطئه أو بعده أو ارتدت ثم أسلمت ثم طلقها, فعليها عدة مستأنفة بلا خلاف لأنه طلاق في نكاح وطئ فيه أشبه الطلاق في النكاح الأول.

فصل: ومتى وطئ الرجعية, وقلنا: إن الوطء لا تحصل به الرجعة فعليها أن تستأنف العدة من الوطء ويدخل فيها بقية عدة الطلاق لأنهما عدتان من رجل واحد, فتداخلتا كما لو طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها وله ارتجاعها في بقية العدة الأولى لأنها عدة من الطلاق, فإذا مضت البقية لم يكن له ارتجاعها في بقية عدة الوطء لأنها عدة من وطء شبهة فإن حبلت من الوطء, صارت في عدة الوطء وتدخل فيها البقية الأولى لأنهما عدتان لواحد فأشبه ما لو كانا بالأقراء, وتنقضي العدتان جميعا بوضع الحمل لأنه لا يتبعض وله مراجعتها قبل وضعه لأنها في عدة من الطلاق ويحتمل أن لا يتداخلا لأنهما من جنسين فعلى هذا تصير معتدة من الوطء خاصة وهل له رجعتها في مدة الحمل؟ على وجهين مضى توجيههما فيما إذا حملت من وطء زوج ثان, فإذا وضعت أتمت عدة الطلاق وله ارتجاعها في هذه البقية لأنها من عدة الطلاق ولو طلقها حاملا ثم وطئها انقضت عدتها بوضع الحمل منهما جميعا ويحتمل أن تستأنف عدة للوطء بعد وضع الحمل لما ذكرنا ولا رجعة له بعد وضع الحمل في هذه الصورة بكل حال ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا سواء.

مسألة: قال: وإذا طلقها, ثم أشهد على المراجعة من حيث لا تعلم فاعتدت ثم نكحت من أصابها, ردت إليه ولا يصيبها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين والأخرى هي زوجة الثاني وجملة ذلك, أن زوج الرجعية إذا راجعها وهي لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى رضاها, فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها وتزوجت, ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته, وأن نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها هذا هو الصحيح, وهو مذهب أكثر الفقهاء منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد, وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي ـ رضي الله عنه وعن أبي عبد الله - رحمه الله- رواية ثانية, إن دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول مالك وروي معناه عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن القاسم, ونافع لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز له العقد في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول, فقدم بها ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها, كما لو لم يطلقها فإذا ثبت هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما, وردت إلى الأول ولا شيء على الثاني وإن كان دخل بها فلها عليه مهر المثل لأن هذا وطء شبهة, وتعتد ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها منه وإن أقام البينة قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول, بغير خلاف في المذهب وهو إحدى الروايتين عن مالك وأما إن تزوجها مع علمها بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل بغير خلاف, والوطء محرم على من علم منهما وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره لأنه وطئ امرأة غيره مع علمه فأما إن لم يكن لمدعي الرجعة بينة فأنكره أحدهما, لم يقبل قوله ولكن إن أنكراه جميعا فالنكاح صحيح في حقهما, وإن اعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كما لو قامت به البينة سواء وإن أقر له الزوج وحده, فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه مهرها إن كان بعد الدخول, أو نصفه إن كان قبله لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها عنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها, وإنما يلزمه في حقه ويكون القول قولها وهل هو مع يمينها أو لا؟ على وجهين والصحيح أنها لا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل إقرارها, فإذا أنكرت لم تجب اليمين بإنكارها وإن اعترفت المرأة وأنكر الزوج لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ النكاح لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها وهل يستحلف؟ يحتمل وجهين: أحدهما: لا يستحلف اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح فلم يستحلف, كما لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته والثاني يستحلف قال القاضي: وهو قول الخرقي لعموم قوله عليه السلام: (ولكن اليمين على المدعى عليه) ولأنه دعوى في حق آدمي فيستحلف فيه كالمال فإن حلف فيمينه على نفي العلم لأنه على نفي فعل الغير فإن زال نكاحه بطلاق, أو فسخ أو موت ردت إلى الأول من غير عقد لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني, فإذا زال زال المانع وحكم بأنها زوجة الأول, كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه عتق عليه ولا يلزمها للأول مهر بحال وذكر القاضي أن عليها له مهرا وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق, فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا ولنا أن ملكها استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت, أو أسلمت أو قتلت نفسها فإن مات الأول وهي في نكاح الثاني, فينبغي أن ترثه لإقراره بزوجيتها أو إقرارها بذلك وإن ماتت لم يرثها, لأنها لا تصدق في إبطال ميراث الزوج الثاني كما لم تصدق في إبطال نكاحه ويرثها الزوج الثاني لذلك وإن مات الزوج الثاني, لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه.

مسألة: قال: وإذا طلقها ثلاثا وانقضت عدتها منه ثم أتته فذكرت أنها نكحت من أصابها, ثم طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها منه, وكان ذلك ممكنا فله أن ينكحها إذا كان يعرف منها الصدق والصلاح وإن لم تكن عنده في هذه الحال, لم ينكحها حتى يصح عنده قولها وجملة ذلك أن المطلقة المبتوتة إذا مضى زمن بعد طلاقها يمكن فيه انقضاء عدتين بينهما نكاح ووطء, فأخبرته بذلك وغلب على ظنه صدقها إما لمعرفته بأمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها, فله أن يتزوجها في قول عامة أهل العلم منهم الحسن وقتادة, والأوزاعي والثوري والشافعي, وأبو عبيد وأصحاب الرأي وذلك لأن المرأة مؤتمنة على نفسها وعلى ما أخبرت به عنها, ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها فيجب الرجوع إلى قولها كما لو أخبرت بانقضاء عدتها فأما إن لم يعرف ما يغلب على ظنه صدقها, لم يحل له نكاحها وقال الشافعي: له نكاحها لما ذكرنا أولا والورع أن لا ينكحها ولنا أن الأصل التحريم ولم يوجد غلبة ظن تنقل عنه, فوجب البقاء عليه كما لو أخبره فاسق عنها.

فصل: وإذا أخبرت أن الزوج أصابها فأنكر, فالقول قولها في حلها للأول والقول قول الزوج في المهر ولا يلزمه إلا نصفه إذا لم يقر بالخلوة بها فإن قال الزوج الأول: أنا أعلم أنه ما أصابها لم يحل له نكاحها لأنه يقر على نفسه بتحريمها فإن عاد فأكذب نفسه وقال: قد علمت صدقها دين فيما بينه وبين الله تعالى لأن الحل والحرمة من حقوق الله تعالى فإذا علم حلها له, لم تحرم بكذبه وهذا مذهب الشافعي ولأنه قد يعلم ما لم يكن علمه ولو قال: ما أعلم أنه أصابها لم تحرم عليه بهذا لأن المعتبر في حلها له خبر يغلب على ظنه صدقه لا حقيقة العلم.

فصل: وإذا طلقها طلاقا رجعيا وغاب, وقضت عدتها وأرادت التزوج فقال وكيله: توقفي كي لا يكون راجعك لم يجب عليها التوقف, لأن الأصل عدم الرجعة وحل النكاح فلا يجب الزوال عنه بأمر مشكوك فيه, ولأنه أمر لو وجب عليها التوقف في هذه الحال لوجب عليها التوقف قبل قوله لأن احتمال الرجعة موجود سواء قال أو لم يقل, فيفضي إلى تحريم النكاح على كل رجعية غاب عنها زوجها أبدا.


فصل:

عدل

فإذا قالت: قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل أن يعقد عليها لم يجز العقد لأن الخبر المبيح للعقد قد زال, فزالت الإباحة وإن كان بعد ما عقد عليها لم يقبل لأن ذلك إبطال للعقد الذي لزمها بقولها فلم يقبل, كما لو ادعى زوجية امرأة فأقرت له بذلك ثم رجعت عن الإقرار.