المغني - كتاب الظهار

المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي

(الجزء الأربعون – كتاب الظهار) • كتاب الظهار o فصل: كل زوج صح طلاقه صح ظهاره o فصل: من لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل o فصل: يصح الظهار من كل زوجة o مسألة: إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي o الفصل الثاني: إذا شبهها بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها o فصل: إن شبهها بظهر أبيه أو بظهر غيره من الرجال o فصل: إن قال: أنت عندي أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهارًا o فصل: إن قال: أنت علي كأمي o الفصل الثالث: إذا قال: أنت علي حرام o فصل: الحل علي حرام o فصل: إن قال: أنت علي كظهر أمي حرام o فصل: إن قال: أنت طالق كظهر أمي o فصل: إن قال: أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار معا كان ظهارًا o الفصل الرابع: أنه إذا شبه عضوًا من امرأته بظهر أمه أو بعضو من أعضائها o فصل: إن قال: كشعر أمي أو سنها أو ظفرها أو شبه شيئًا من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو من أعضائها لم يكن مظاهرًا o فصل: إن قال: أنا مظاهر أو على الظهار o فصل: كراهة أن يسمى الرجل امرأته بمن تحرم عليه كأمه أو أخته o الفصل الخامس: المظاهر يحرم عليه وطء امرأته قبل أن يكفر o فصل: التلذذ بما دون الجماع o فصل: صحة التأقيت في الظهار o فصل: صحة تعليق الظهار بالشروط o فصل: إن قال: أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم ينعقد ظهاره o مسألة: إن مات أو ماتت أو طلقها لم تلزمه الكفارة o الفصل الثاني: إذا طلق من ظاهر منها ثم تزوجها لم يحل له وطؤها حتى يكفر o الفصل الثالث: العود هو الوطء فمتى وطئ لزمته الكفارة o مسألة: إذا قال لامرأة أجنبية: أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يأتي بالكفارة o فصل: إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي o مسألة: لو قال: أنت علي حرام وأراد في تلك الحال لم يكن عليه شيء o مسألة: لو ظاهر من زوجته وهي أمة فلم يكفر حتى ملكها انفسخ النكاح ولم يطأها حتى يكفر o مسألة: لو تظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة o فصل: من ظاهر من زوجاته بكلمات o فصل: إذا ظاهر من امرأة ثم قال لأخرى: أشركتك معها o مسألة: الكفارة عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المضرة بالعمل o المسألة: لا يجزئه إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينًا o فصل: عدم إجزاء مقطوع اليد أو الرجل ولا أشلها في الهدي ونحوه o فصل: الاختلاف في إجزاء الأعور في الأضحية ونحوها o فصل: يجزئ عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده o فصل: عدم إجزاء عتق المغصوب o مسألة: المظاهر إذا لم يجد رقبة ففرضه صيام شهرين متتابعين o فصل: مراعاة الترتيب عند أداء الكفارة o فصل: إن وجد ثمن الرقبة ولم يجد رقبة يشتريها فله الانتقال إلى الصيام o مسألة: إن أفطر فيها من عذر بني وإن أفطر من غير عذر ابتدأ o فصل: الاختلاف في إن أفطر لسفر مبيح للفطر o فصل: إن أفطر في أثناء الشهرين لغير عذر أو قطع التتابع بصوم نذر أو قضاء أو تطوع أو كفارة أخرى لزمه استئناف الشهرين o مسألة: إن أصابها في ليالي الصوم أفسد ما مضى من صيامه وابتدأ الشهرين o مسألة: الإجماع على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام أن فرضه إطعام ستين مسكينًا o مسألة: لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير o فصل: الكلام في الإطعام o فصل: عدم وجوب التتابع في الإطعام o مسألة: لو أعطى مسكينًا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأ في إحدى الروايتين o فصل: الأفضل عند أبي عبد الله إخراج الحب لأنه يخرج به من الخلاف o فصل: لا تجزئ القيمة في الكفارة نقلها الميموني والأثرم o فصل: يجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره الفقر o مسألة: من ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان أفطر يوم الفطر وبنى o فصل: يجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر ومن أثنائه o فصل: إن نوى صوم شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رمضان ولا عن الكفارة o مسألة: إذا كان المظاهر عبدًا لم يكفر إلا بالصيام o فصل: الاعتبار في الكفارة بحالة الوجوب o فصل: إذا قلنا: الاعتبار بحالة الوجوب فوقته في الظهار زمن العود o فصل: إذا كان المظاهر ذميًا فتكفيره بالعتق o مسألة: : من وطئ قبل أن يأتي بالكفارة كان عاصيا وعليه الكفارة المذكورة o مسألة: : إذا قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة o فصل: إذا قلنا بوجوب الكفارة عليها فلا تجب عليها حتى يطأها وهي مطاوعة o مسألة: إذا ظاهر من زوجته مرارًا فلم يكفر, فكفارة واحدة o فصل: النية شرط في صحة الكفارة o فصل: إذا كانت على رجل كفارتان فأعتق عنهما عبدين o فصل: الحكم لا يجوز تقديمه على سببه

كتاب الظهار الظهار: مشتق من الظهر وإنما خصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء لأن كل مركوب يسمى ظهرا, لحصول الركوب على ظهره في الأغلب فشبهوا الزوجة بذلك وهو محرم لقول الله تعالى: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} ومعناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم قال الله تعالى: {ما هن أمهاتهم} وقال تعالى: {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم} والأصل في الظهار الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم} والآية التي بعدها وأما السنة فروى أبو داود, بإسناده عن (خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول الله -- أشكو, ورسول الله -- يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} فقال: يعتق رقبة فقلت: لا يجد قال: فيصوم شهرين متتابعين فقلت: يا رسول الله إنه شيخ كبير, ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكينا قلت: ما عنده من شيء يتصدق به قال: فإني سأعينه بعرق من تمر فقلت: يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر قال: قد أحسنت اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا, وارجعي إلى ابن عمك) قال الأصمعي: العرق بفتح العين والراء: هو ما سف من خوص كالزنبيل الكبير وروى أيضا, بإسناده عن سليمان بن يسار عن (سلمة بن صخر البياضي قال: كنت أصيب من النساء ما لا يصيب غيري, فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتتابع حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان, فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها, فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت: امشوا معي إلى رسول الله -- قالوا: لا والله فانطلقت إلى النبي -- فأخبرته الخبر, فقال: أنت بذاك يا سلمة؟ فقلت: أنا بذاك يا رسول الله وأنا صابر لحكم الله فاحكم في ما أراك الله قال: حرر رقبة قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال: فصم شهرين متتابعين قلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قلت: والذي بعثك بالحق, لقد بتنا وحشين ما لنا طعام قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك قال: فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر, وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله -- السعة وحسن الرأي, وقد أمر لي بصدقتكم).

 فصل: 

وكل زوج صح طلاقه صح ظهاره وهو البالغ العاقل سواء كان مسلما أو كافرا, حرا أو عبدا قال أبو بكر: وظهار السكران مبني على طلاقه قال القاضي: وكذلك ظهار الصبي مبني على طلاقه والصحيح أن ظهار الصبي غير صحيح لأنها يمين موجبة للكفارة فلم تنعقد منه كاليمين بالله تعالى, ولأن الكفارة وجبت لما فيه من قول المنكر والزور وذلك مرفوع عن الصبي لكون القلم مرفوعا عنه وقد قيل: لا يصح ظهار العبد لأن الله تعالى قال: {فتحرير رقبة} والعبد لا يملك الرقاب ولنا, عموم الآية ولأنه يصح طلاقه فصح ظهاره, كالحر فأما إيجاب الرقبة فإنما هو على من يجدها ولا يبقى الظهار في حق من لا يجدها, كالمعسر فرضه الصيام ويصح ظهار الذمي وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة لا يصح منه لأن الكفارة لا تصح منه وهي الرافعة للتحريم, فلا يصح منه التحريم ودليل أن الكفارة لا تصح منه أنها عبادة تفتقر إلى النية, فلا تصح منه كسائر العبادات ولنا أن من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم فأما ما ذكروه فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم, وكذلك الحد يقام عليه ولا نسلم أن التكفير لا يصح منه فإنه يصح منه العتق والإطعام وإنما لا يصح منه الصوم فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة, كما في حق العبد والنية إنما تعتبر لتعيين الفعل للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في كنايات الطلاق ومن يخنق في الأحيان, يصح ظهاره في إفاقته كما يصح طلاقه فيه.

 فصل: 

ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل, والزائل العقل بجنون أو إغماء أو نوم, أو غيره لا نعلم في هذا خلافا وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا يصح ظهار المكره وبه قال الشافعي وأبو ثور, وابن المنذر وقال أبو يوسف يصح ظهاره والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في صحة طلاقه وقد مضى ذلك.

 فصل: 

ويصح الظهار من كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة كانت أو ذمية, ممكنا وطؤها أو غير ممكن وبه قال مالك والشافعي وقال أبو ثور: لا يصح الظهار من التي لا يمكن وطؤها لأنه لا يمكن وطؤها والظهار لتحريم وطئها ولنا عموم الآية ولأنها زوجة يصح طلاقها, فصح الظهار منها كغيرها.

 مسألة: 

قال: [وإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو كظهر امرأة أجنبية, أو أنت علي حرام أو حرم عضوا من أعضائها فلا يطؤها حتى يأتي بالكفارة] في هذه المسألة: فصول خمسة: أحدها أنه متى شبه امرأته بمن تحرم عليه على التأبيد: أحدها: أنه متى شبه امرأته بمن تحرم عليه على التأبيد فقال: أنت علي كظهر أمي, أو أختي أو غيرهما فهو مظاهر وهذا على ثلاثة أضرب: أحدها أن يقول: أنت علي كظهر أمي فهذا ظهار إجماعا, قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول: أنت علي كظهر أمي وفي حديث خويلة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها: أنت علي كظهر أمي فذكر ذلك لرسول الله -- فأمره بالكفارة الضرب الثاني أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه, كجدته وعمته وخالته وأخته فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وجابر بن زيد, والشعبي والنخعي والزهري, والثوري والأوزاعي ومالك, وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور, وأصحاب الرأي وهو جديد قولي الشافعي وقال في القديم: لا يكون الظهار إلا بأم أو جدة لأنها أم أيضا لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالأم فإذا عدل عنه, لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم فأما الآية فقد قال فيها: (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) وهذا موجود في مسألتنا فجرى مجراه وتعليق الحكم بالأم لا يمنع ثبوت الحكم في غيرها إذا كانت مثلها الضرب الثالث, أن يشبهها بظهر من تحرم عليه على التأبيد سوى الأقارب كالأمهات المرضعات والأخوات من الرضاعة, وحلائل الآباء والأبناء وأمهات النساء والربائب اللائي دخل بأمهن, فهو ظهار أيضا والخلاف فيها كالتي قبلها ووجه المذهبين ما تقدم ويزيد في الأمهات المرضعات دخولها في عموم الأمهات فتكون داخلة في النص, وسائرهن في معناها فيثبت فيهن حكمها.

 الفصل الثاني: 

إذا شبهها بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها, أو الأجنبية فعن أحمد فيه روايتان إحداهما أنه ظهار وهو اختيار الخرقي وقول أصحاب مالك والثانية ليس بظهار وهو مذهب الشافعي لأنها غير محرمة على التأبيد, فلا يكون التشبيه بها ظهارا كالحائض والمحرمة من نسائه ووجه الأول, أنه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالأم ولأن مجرد قوله: أنت علي حرام ظهار إذا نوى به الظهار, والتشبيه بالمحرمة تحريم فكان ظهارا فأما الحائض فيباح الاستمتاع بها في غير الفرج, والمحرمة يحل له النظر إليها ولمسها من غير شهوة, وليس في وطء واحدة منهما حد بخلاف مسألتنا واختار أبو بكر أن الظهار لا يكون إلا من ذوات المحارم من النساء قال: فبهذا أقول.

 فصل: 

وإن شبهها بظهر أبيه أو بظهر غيره من الرجال, أو قال: أنت علي كظهر البهيمة أو: أنت علي كالميتة والدم ففي ذلك كله روايتان إحداهما أنه ظهار قال الميموني: قلت لأحمد: إن ظاهر من ظهر الرجل؟ قال: فظهر الرجل حرام يكون ظهارا وبهذا قال ابن القاسم صاحب مالك, فيما إذا قال: أنت علي كظهر أبي وروى ذلك عن جابر بن زيد والرواية الثانية ليس بظهار وهو قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال: أنت على كمال زيد وهل فيه كفارة؟ على روايتين إحداهما - فيه كفارة لأنه نوع تحريم, فأشبه ما لو حرم ماله والثانية ليس فيه شيء نقل ابن القاسم عن أحمد في من شبه امرأته بظهر الرجل: لا يكون ظهارا ولم أره يلزمه فيه شيء وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع, أشبه التشبيه بمال غيره وقال أبو الخطاب في قوله: أنت علي كالميتة والدم: إن نوى به الطلاق كان طلاقا وإن نوى الظهار كان ظهارا وإن نوى اليمين كان يمينا, وإن لم ينو شيئا ففيه روايتان إحداهما هو ظهار والأخرى هو يمين ولم يتحقق عندي معني إرادته الظهار واليمين والله أعلم.

 فصل: 

فإن قال: أنت عندي, أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهارا بمنزلة على لأن هذه الألفاظ في معناه وإن قال: جملتك, أو بدنك أو جسمك أو ذاتك, أو كلك علي كظهر أمي كان ظهارا لأنه أشار إليها فهو كقوله: أنت وإن قال: أنت كظهر أمي كان ظهارا لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه كما لو قال: أنت طالق وقال بعض الشافعية: ليس بظهار لأنه فيه ما يدل على أن ذلك في حقه وليس بصحيح فإنها إذا كانت كظهر أمه, فظهر أمه محرم عليه. فصل: وإن قال: أنت علي كأمي أو: مثل أمي ونوى به الظهار فهو ظهار, في قول عامة العلماء منهم أبو حنيفة وصاحباه والشافعي, وإسحاق وإن نوى به الكرامة والتوقير أو أنها مثلها في الكبر أو الصفة, فليس بظهار والقول قوله في نيته وإن أطلق فقال أبو بكر: هو صريح في الظهار وهو قول مالك ومحمد بن الحسن وقال ابن أبي موسى: فيه روايتان, أظهرهما أنه ليس بظهار حتى ينويه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم فلم ينصرف إليه بغير نية, ككنايات الطلاق ووجه الأول أنه شبه امرأته بجملة أمه فكان مشبها لها بظهرها فيثبت الظهار كما لو شبهها به منفردا والذي يصح عندي في قياس المذهب, أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف فيقول: إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي أو قال ذلك حال الخصومة والغضب, فهو ظهار لأنه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شيء أو الحث عليه, وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ولأن كونها مثل أمه في صفتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط فيدل على أنه إنما أراد الظهار, ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ويوجب اجتنابها, وهو الظهار وإن عدم هذا فليس بظهار لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل ونحو هذا قول أبي ثور وهكذا لو قال: أنت علي كأمي أو: مثل أمي أو قال: أنت أمي أو: امرأتي أمي مع الدليل الصارف له إلى الظهار, كان ظهارا إما بنية أو ما يقوم مقامها وإن قال: أمي امرأتي أو: مثل امرأتي لم يكن ظهارا لأنه تشبيه لأمه ووصف لها, وليس بوصف لامرأته.

 الفصل الثالث: 

أنه إذا قال: أنت علي حرام فإن نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم وبه يقول أبو حنيفة, والشافعي وإن نوى به الطلاق فقد ذكرناه في باب الطلاق وإن أطلق ففيه روايتان إحداهما, هو ظهار ذكره الخرقي في موضع آخر ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وذكره إبراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس, وأبي قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران, والبتي أنهم قالوا: الحرام ظهار وروي عن أحمد ما يدل على أن التحريم يمين وروي عن ابن عباس أنه قال: إن التحريم يمين في كتاب الله عز وجل, قال الله عز وجل: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} ثم قال: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار ليس بظهار وهو قول مالك وأبي حنيفة, والشافعي ووجه ذلك الآية المذكورة وأن التحريم يتنوع منه ما هو بظهار وبطلاق وبحيض وإحرام وصيام, فلا يكون التحريم صريحا في واحد منها ولا ينصرف إليه بغير نية كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق ووجه الأول, أنه تحريم أوقعه في امرأته فكان بإطلاقه ظهارا كتشبيهها بظهر أمه وقولهم: إن التحريم يتنوع قلنا: إلا أن تلك الأنواع منتفية, ولا يحصل بقوله منها إلا الطلاق وهذا أولى منه لأن الطلاق تبين به المرأة وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية, فكان أدنى التحريمين فكان أولى فأما إن قال ذلك لمحرمة عليه بحيض أو نحوه وقصد الظهار, فهو ظهار وإن قصد أنها محرمة عليه بذلك السبب فلا شيء فيه وإن أطلق, فليس بظهار لأنه يحتمل الخبر عن حالها ويحتمل إنشاء التحريم فيها بالظهار فلا يتعين أحدهما بغير تعيين.

 فصل: 

فإن قال: الحل علي حرام أو: ما أحل الله علي حرام أو: ما أنقلب إليه حرام وله امرأة, فهو مظاهر نص عليه أحمد في الصور الثلاث وذلك لأن لفظه يقتضي العموم فيتناول المرأة بعمومه وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها, فهو آكد قال أحمد في من قال: ما أحل الله علي حرام من أهل ومال: عليه كفارة الظهار هو يمين وتجزئه كفارة واحدة, في ظاهر كلام أحمد هذا واختار ابن عقيل أنه يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال لأن التحريم تناولهما وكل واحد منهما لو انفرد أوجب كفارة, فكذلك إذا اجتمعا ولنا أنها يمين واحدة فلا توجب كفارتين كما لو تظاهر من امرأتين أو حرم من ماله شيئين وما ذكره ينتقض بهذا وفي قول أحمد: هو يمين إشارة إلى التعليل بما ذكرناه لأن اليمين الواحدة لا توجب أكثر من كفارة وإن نوى بقوله: ما أحل الله علي حرام وغيره من لفظات العموم المال, لم يلزمه إلا كفارة يمين لأن اللفظ العام يجوز استعماله في الخاص وعلى الرواية الأخرى التي تقول: إن الحرام بإطلاقه ليس بظهار لا يكون ها هنا مظاهرا إلا أن ينوي الظهار.

 فصل: 

وإن قال: أنت علي كظهر أمي حرام فهو صريح في الظهار لا ينصرف إلى غيره سواء نوى الطلاق أو لم ينوه وليس فيه اختلاف بحمد الله لأنه صرح بالظهار, وبينه بقوله: حرام وإن قال: أنت علي حرام كظهر أمي أو: كأمي فكذلك وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي والقول الثاني إذا نوى الطلاق فهو طلاق وهو قول أبي يوسف ومحمد إلا أن أبا يوسف قال: لا أقبل قوله في نفي الظهار ووجه قولهم, أن قوله: أنت علي حرام إذا نوى به الطلاق فهو طلاق وزيادة قوله: كظهر أمي بعد ذلك لا ينفي الطلاق كما لو قال: أنت طالق كظهر أمي ولنا, أنه أتى بصريح الظهار فلم يكن طلاقا كالتي قبلها وقولهم: إن التحريم مع نية الطلاق طلاق لا نسلمه وإن سلمناه لكنه فسر لفظه ها هنا بصريح الظهار بقوله, فكان العمل بصريح القول أولى من العمل بالنية.

 فصل: 

وإن قال: أنت طالق كظهر أمي طلقت وسقط قوله: كظهر أمي لأنه أتى بصريح الطلاق أولا وجعل قوله: كظهر أمي صفة له فإن نوى بقوله: كظهر أمي تأكيد الطلاق, لم يكن ظهارا كما لو أطلق وإن نوى به الظهار, وكان الطلاق بائنا فهو كالظهار من الأجنبية لأنه أتى به بعد بينونتها بالطلاق وإن كان رجعيا كان ظهارا صحيحا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه أتى بلفظ الظهار في من هي زوجة وإن نوى بقوله: أنت طالق الظهار, لم يكن ظهارا لأنه نوى الظهار بصريح الطلاق وإن قال: أنت علي كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا لأن الظهار سبق الطلاق.

 فصل: 

فإن قال: أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار معا, كان ظهارا ولم يكن طلاقا لأن اللفظ الواحد لا يكون ظهارا وطلاقا والظهار أولى بهذا اللفظ فينصرف إليه وقال بعض أصحاب الشافعي: يقال له: اختر أيهما شئت وقال بعضهم: إن قال: أردت الطلاق والظهار كان طلاقا لأنه بدأ به وإن قال: أردت الظهار والطلاق, كان ظهارا لأنه بدأ به فيكون ذلك اختيارا له ويلزمه ما بدأ به ولنا أنه أتى بلفظة الحرام ينوي بها الظهار, فكانت ظهارا كما لو انفرد الظهار بنيته ولا يكون طلاقا لأنه زاحمت نيته نية الظهار, وتعذر الجمع والظهار أولى بهذه اللفظة لأن معناهما واحد وهو التحريم, فيجب أن يغلب ما هو الأولى أما الطلاق فإن معناه الإطلاق وهو حل قيد النكاح, وإنما التحريم حكم له في بعض أحواله وقد ينفك عنه فإن الرجعية مطلقة مباحة وأما التخيير فلا يصح لأن هذه اللفظة قد ثبت حكمها حين لفظ بها لكونه أهلا والمحل قابلا ولهذا لو حكمنا بأنه طلاق, لكانت عدتها من حين أوقع الطلاق وليس إليه رفع حكم ثبت في المحل باختياره وإبداله بإرادته, والقول الآخر مبني على أن له الاختيار وهو فاسد على ما ذكرنا ثم إن الاعتبار بجميع لفظه لا بما بدأ به ولذلك لو قال: طلقت هذه أو هذه لم يلزم طلاق الأولى.

 الفصل الرابع: 

أنه إذا شبه عضوا من امرأته بظهر أمه أو عضو من أعضائها, فهو مظاهر فلو قال: فرجك أو ظهرك, أو رأسك أو جلدك علي كظهر أمي أو بدنها, أو رأسها أو يدها فهو مظاهر وبهذا قال مالك وهو نص الشافعي وعن أحمد رواية أخرى, أنه ليس بمظاهر حتى يشبه جملة امرأته لأنه لو حلف بالله لا يمس عضوا منها لم يسر إلى غيره فكذلك المظاهرة, ولأن هذا ليس بمنصوص عليه ولا هو في معني المنصوص لأن تشبيه جملتها تشبيه لمحل الاستمتاع بما يتأكد تحريمه وفيه تحريم لجملتها, فيكون آكد وقال أبو حنيفة: إن شبهها بما يحرم النظر إليه من الأم كالفرج والفخذ, ونحوهما فهو مظاهر وإن لم يحرم النظر إليه, كالرأس والوجه لم يكن مظاهرا لأنه شبهها بعضو لا يحرم النظر إليه, فلم يكن مظاهرا كما لو شبهها بعضو زوجة له أخرى ولنا أنه شبهها بعضو من أمه فكان مظاهرا, كما لو شبهها بظهرها وفارق الزوجة فإنه لو شبهها بظهرها لم يكن مظاهرا والنظر إن لم يحرم, فإن التلذذ يحرم وهو المستفاد بعقد النكاح.

 فصل: 

وإن قال: كشعر أمي أو سنها, أو ظفرها أو شبه شيئا من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو من أعضائها لم يكن مظاهرا لأنها ليست من أعضاء الأم الثابتة, ولا يقع الطلاق بإضافته إليها فكذلك الظهار وكذلك لو قال: كزوج أمي فإن الزوج لا يوصف بالتحريم ولا هو محل للاستمتاع وكذلك الريق, والعرق والدمع وإن قال: وجهي من وجهك حرام فليس بظهار نص عليه أحمد, وقال: هذا شيء يقوله الناس ليس بشيء وذلك لأن هذا يستعمل كثيرا في غير الظهار ولا يؤدي معني الظهار, فلم يكن ظهارا كما لو قال: لا أكلمك.

 فصل: 

فإن قال: أنا مظاهر أو على الظهار, أو علي الحرام أو الحرام لي لازم ولا نية له لم يلزمه شيء لأنه ليس بصريح في الظهار, ولا نوى به الظهار وإن نوى به الظهار أو اقترنت به قرينة تدل على إرادته الظهار مثل أن يعلقه على شرط, فيقول: علي الحرام إن كلمتك احتمل أن يكون ظهارا لأنه أحد نوعي تحريم الزوجة فصح بالكناية مع النية كالطلاق ويحتمل أن لا يثبت به الظهار لأن الشرع إنما ورد به بصريح لفظه, وهذا ليس بصريح فيه ولأنه يمين موجبة للكفارة فلم يثبت حكمه بغير الصريح, كاليمين بالله تعالى.

 فصل: 

يكره أن يسمى الرجل امرأته بمن تحرم عليه كأمه أو أخته, أو بنته لما روى أبو داود بإسناده عن أبي تميمة الهجيمي (أن رجلا قال لامرأته: يا أخية فقال رسول الله --: أختك هي فكره ذلك, ونهى عنه) ولأنه لفظ يشبه لفظ الظهار ولا تحرم بهذا ولا يثبت حكم الظهار فإن النبي -- لم يقل له: حرمت عليك ولأن هذا اللفظ ليس بصريح في الظهار ولا نواه به فلا يثبت التحريم وفي الحديث عن النبي -- أن إبراهيم عليه السلام أرسل إليه جبار, فسأله عنها يعني عن سارة فقال: إنها أختي ولم يعد ذلك ظهارا.

 الفصل الخامس: 

أن المظاهر يحرم عليه وطء امرأته قبل أن يكفر وليس في ذلك اختلاف إذا كانت الكفارة عتقا أو صوما لقول الله تعالى: {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} وقوله سبحانه: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} وأكثر أهل العلم على أن التكفير بالإطعام مثل ذلك وأنه يحرم وطؤها قبل التكفير منهم عطاء والزهري, والشافعي وأصحاب الرأي وذهب أبو ثور إلى إباحة الجماع قبل التكفير بالإطعام وعن أحمد ما يقتضي ذلك لأن الله تعالى لم يمنع المسيس قبله كما في العتق والصيام ولنا ما روى عكرمة, عن ابن عباس (أن رجلا أتى النبي -- فقال: يا رسول الله إني تظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال: ما حملك على ذلك, يرحمك الله؟ قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن ولأنه مظاهر لم يكفر, فحرم عليه جماعها كما لو كانت كفارته العتق أو الصيام وترك النص عليها لا يمنع قياسها على المنصوص الذي في معناها.

 فصل: 

فأما التلذذ بما دون الجماع, من القبلة واللمس والمباشرة فيما دون الفرج, ففيه روايتان: إحداهما يحرم وهو اختيار أبي بكر وهو قول الزهري ومالك والأوزاعي, وأبي عبيد وأصحاب الرأي وروى ذلك عن النخعي وهو أحد قولي الشافعي لأن ما حرم الوطء من القول حرم دواعيه كالطلاق والإحرام والثانية, لا يحرم قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس وهو قول الثوري وإسحاق وأبي حنيفة وحكي عن مالك وهو القول الثاني للشافعي لأنه وطء يتعلق بتحريمه مال, فلم يتجاوزه التحريم كوطء الحائض. فصل: ولا يصح الظهار من أمته ولا أم ولده روي ذلك عن ابن عمر, وعبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب ومجاهد, والشعبي وربيعة والأوزاعي, والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وروي عن الحسن وعكرمة, والنخعي وعمرو بن دينار وسليمان بن يسار, والزهري وقتادة والحكم, والثوري ومالك في الظهار من الأمة كفارة تامة لأنها مباحة له, فصح الظهار منها كالزوجة وعن الحسن والأوزاعي إن كان يطؤها فهو ظهار, وإلا فلا لأنه إذا لم يطأها فهو كتحريم ماله وقال عطاء: عليه نصف كفارة حرة لأن الأمة على النصف من الحرة في كثير من أحكامها وهذا من أحكامها فتكون على النصف ولنا قول الله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} فخصهن به ولأنه لفظ يتعلق به تحريم الزوجة, فلا تحرم به الأمة كالطلاق ولأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية, فنقل حكمه وبقي محله قال أحمد: قال أبو قلابة وقتادة: إن الظهار كان طلاقا في الجاهلية وروي عن أحمد أن على المظاهر من أمته كفارة ظهار وقال أبو بكر: لا يتوجه هذا على مذهبه لأنه لو كانت عليه كفارة ظهار كان ظهارا, ولكن عليه كفارة يمين لأنه تحريم لمباح من ماله فكانت فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله قال نافع: (حرم رسول الله -- جاريته, فأمره الله أن يكفر يمينه) ويحتمل أن لا يلزمه شيء بناء على قوله في المرأة إذا قالت لزوجها: أنت علي كظهر أبي لا يلزمها شيء وإن قال لأمته: أنت علي حرام فعليه كفارة يمين لقول الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} نزلت في تحريم النبي -- لجاريته في قول بعضهم ويخرج على الرواية الأخرى أن تلزمه كفارة ظهار لأن التحريم ظهار والأول هو الصحيح -إن شاء الله تعالى-.

 فصل: 

ويصح الظهار مؤقتا, مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي شهرا أو حتى ينسلخ شهر رمضان فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت المرأة بلا كفارة, ولا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة وهذا قول ابن عباس وعطاء وقتادة, والثوري وإسحاق وأبي ثور, وأحد قولي الشافعي وقوله الآخر: لا يكون ظهارا وبه قال ابن أبي ليلى والليث لأن الشرع ورد بلفظ الظهار مطلقا وهذا لم يطلق, فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في وقت دون وقت وقال طاوس: إذا ظاهر في وقت فعليه الكفارة وإن بر وقال مالك: يسقط التأقيت, ويكون ظهارا مطلقا لأن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة فإذا وقته لم يتوقت كالطلاق ولنا حديث سلمة بن صخر وقوله: ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان وأخبر النبي -- أنه أصابها في الشهر, فأمره بالكفارة ولم يعتبر عليه تقييده ولأنه منع نفسه منها بيمين لها كفارة فصح مؤقتا كالإيلاء, وفارق الطلاق فإنه يزيل الملك وهو يوقع تحريما يرفعه التكفير فجاز تأقيته ولا يصح قول من أوجب الكفارة وإن بر لأن الله تعالى إنما أوجب الكفارة على الذين يعودون لما قالوا, ومن بر وترك العود في الوقت الذي ظاهر فلم يعد لما قال فلا تجب عليه كفارة وفارق التشبيه بمن لا تحرم على التأبيد لأن تحريمها غير كامل وهذه حرمها في هذه المدة تحريما مشبها بتحريم ظهر أمه على أننا نمنع الحكم فيها إذا ثبت هذا, فإنه لا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة وهذا هو المنصوص عن الشافعي وقال بعض أصحابه: إن لم يطلقها عقيب الظهار فهو عائد عليه الكفارة وقال أبو عبيد: إذا أجمع على غشيانها في الوقت لزمته الكفارة وإلا فلا لأن العود العزم على الوطء ولنا حديث سلمة بن صخر, وأنه لم يوجب عليه الكفارة إلا بالوطء ولأنها يمين لم يحنث فيها فلا يلزمه كفارتها, كاليمين بالله تعالى ولأن المظاهر في وقت عازم على إمساك زوجته في ذلك الوقت, فمن أوجب عليه الكفارة بذلك كان قوله كقول طاوس فلا معني لقوله: يصح الظهار مؤقتا لعدم تأثير الوقت. فصل: ويصح تعليق الظهار بالشروط, نحو أن يقول: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي وإن شاء زيد, فأنت علي كظهر أمي فمتى شاء زيد أو دخلت الدار صار مظاهرا وإلا فلا وبهذا قال الشافعي, وأصحاب الرأي لأنه يمين فجاز تعليقه على شرط كالإيلاء ولأن أصل الظهار أنه كان طلاقا, والطلاق يصح تعليقه بالشرط فكذلك الظهار ولأنه قول تحرم به الزوجة, فصح تعليقه على شرط كالطلاق ولو قال لامرأته: إن تظاهرت من امرأتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي ثم تظاهر من الأخرى صار مظاهرا منهما جميعا وإن قال: إن تظاهرت من فلانة الأجنبية, فأنت علي كظهر أمي ثم قال للأجنبية: أنت علي كظهر أمي صار مظاهرا من امرأته عند من يرى الظهار من الأجنبية ومن لا فلا وسنذكر ذلك, -إن شاء الله تعالى-.

 فصل: 

فإن قال: أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم ينعقد ظهاره نص عليه أحمد فقال: إذا قال لامرأته: هي عليه كظهر أمه إن شاء الله فليس عليه شيء, هي يمين وإذا قال: ما أحل الله علي حرام إن شاء الله وله أهل هي يمين, ليس عليه شيء وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنها يمين مكفرة, فصح الاستثناء فيها كاليمين بالله تعالى أو كتحريم ماله وقد قال النبي --: (من حلف على يمين, فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب وفي لفظ: (من حلف فاستثنى فإن شاء فعل, وإن شاء رجع غير حنث) رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وإن قال: " أنت علي حرام ", " ووالله لا أكلمك إن شاء الله " عاد الاستثناء إليهما في أحد الوجهين لأن الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها, إلا أن ينوي الاستثناء في بعضها فيعود إليه وحده وإن قال: أنت علي حرام إذا شاء الله أو إلا ما شاء الله, أو إلى أن يشاء الله أو ما شاء الله فكله استثناء يرفع حكم الظهار وإن قال: إن شاء الله فأنت حرام فهو استثناء يرفع حكم الظهار لأن الشرط إذا تقدم يجاب بالفاء وإن قال: إن شاء الله أنت حرام فهو استثناء لأن الفاء مقدرة وإن قال: إن شاء الله فأنت حرام صح أيضا والفاء زائدة وإن قال: أنت حرام إن شاء الله, وشاء زيد فشاء زيد لم يصر مظاهرا لأنه علقه على مشيئتين فلا يحصل بإحداهما.

 مسألة: 

قال: فإن مات, أو ماتت أو طلقها لم تلزمه الكفارة فإن عاد فتزوجها, لم يطأها حتى يكفر لأن الحنث بالعود وهو الوطء لأن الله عز وجل أوجب الكفارة على المظاهر قبل الحنث الكلام في هذه المسألة: في ثلاثة فصول: أحدها أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار أحدها: أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار فلو مات أحدهما أو فارقها قبل العود, فلا كفارة عليه وهذا قول عطاء والنخعي والأوزاعي, والحسن والثوري ومالك وأبي عبيد, وأصحاب الرأي وقال طاوس ومجاهد والشعبي, والزهري وقتادة: عليه الكفارة بمجرد الظهار لأنه سبب للكفارة وقد وجد ولأن الكفارة وجبت لقول المنكر والزور, وهذا يحصل بمجرد الظهار وقال الشافعي: متى أمسكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فعليه الكفارة لأن ذلك هو العود عنده ولنا قول الله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة} فأوجب الكفارة بأمرين, ظهار وعود فلا تثبت بأحدهما ولأن الكفارة في الظهار كفارة يمين بغير الحنث, كسائر الأيمان والحنث فيها هو العود وذلك فعل ما حلف على تركه وهو الجماع, وترك طلاقها ليس بحنث فيها ولا فعل لا حلف على تركه فلا تجب به الكفارة, ولأنه لو كان الإمساك عودا لوجبت الكفارة على المظاهر الموقت وإن بر وقد نص الشافعي على أنها لا تجب عليه إذا ثبت هذا فإنه لا كفارة عليه إذا مات أحدهما قبل وطئها وكذلك إن فارقها, سواء كان ذلك متراخيا عن يمينه أو عقيبه وأيهما مات ورثه صاحبه في قول الجمهور وقال قتادة: إن ماتت لم يرثها حتى يكفر ولنا أن من ورثها إذا كفر ورثها وإن لم يكفر, كالمولى منها.

 الفصل الثاني: 

أنه إذا طلق من ظاهر منها ثم تزوجها لم يحل له وطؤها حتى يكفر سواء كان الطلاق ثلاثا, أو أقل منه وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو قبله نص عليه أحمد وهو قول عطاء والحسن, والزهري والنخعي ومالك وأبي عبيد وقال قتادة: إذا بانت سقط الظهار, فإذا عاد فنكحها فلا كفارة عليه وللشافعي قولان كالمذهبين وقول ثالث, إن كانت البينونة بالثلاث لم يعد الظهار وإلا عاد وبناه على الأقاويل في عود صفة الطلاق في النكاح الثاني ولنا, عموم قول الله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} وهذا قد ظاهر من امرأته فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر ولأنه ظاهر من امرأته, فلا يحل له مسها قبل التكفير كالتي لم يطلقها ويمين الظهار يمين مكفرة, فلم يبطل حكمها بالطلاق كالإيلاء.

 الفصل الثالث: 

أن العود هو الوطء فمتى وطئ لزمته الكفارة, ولا تجب قبل ذلك إلا أنها شرط لحل الوطء فيؤمر بها من أراده ليستحله بها, كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حل المرأة وحكي نحو ذلك عن الحسن والزهري وهو قول أبي حنيفة إلا أنه لا يوجب الكفارة على من وطئ وهي عنده في حق من وطئ كمن لم يطأ وقال القاضي وأصحابه: العود العزم على الوطء إلا أنهم لم يوجبوا الكفارة على العازم على الوطء, إذا مات أحدهما أو طلق قبل الوطء إلا أبا الخطاب فإنه قال: إذا مات بعد العزم, أو طلق فعليه الكفارة وهذا قول مالك وأبي عبيد وقد أنكر أحمد هذا, فقال: مالك يقول: إذا أجمع لزمته الكفارة فكيف يكون هذا إذا طلقها بعدما يجمع كان عليه كفارة إلا أن يكون يذهب إلى قول طاوس: إذا تكلم بالظهار لزمه مثل الطلاق ولم يعجب أحمد قول طاوس وقال أحمد, في قوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} قال: العود الغشيان إذا أراد أن يغشى كفر واحتج من ذهب إلى هذا بقوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} فأوجب الكفارة بعد العود قبل التماس وما حرم قبل الكفارة, لا يجوز كونه متقدما عليها ولأنه قصد بالظهار تحريمها فالعزم على وطئها عود فيما قصده, ولأن الظهار تحريم فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التحريم, فكان عائدا وقال الشافعي: العود إمساكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه لأن ظهاره منها يقتضي إبانتها فإمساكها عود فيما قال وقال داود: العود تكرار الظهار مرة ثانية لأن العود في الشيء إعادته ولنا أن العود فعل ضد قوله, ومنه العائد في هبته هو الراجع في الموهوب والعائد في عدته, التارك للوفاء بما وعد والعائد فيما نهى عنه فاعل المنهي عنه قال الله تعالى: {ثم يعودون لما نهوا عنه} فالمظاهر محرم للوطء على نفسه ومانع لها منه, فالعود فعله وقولهم: إن العود يتقدم التكفير والوطء يتأخر عنه قلنا: المراد بقوله: ثم يعودون أي يريدون العود كقول الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} أي أردتم ذلك وقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} فإن قيل: فهذا تأويل, ثم هو رجوع إلى إيجاب الكفارة بالعزم المجرد قلنا: دليل التأويل ما ذكرنا وأما الأمر بالكفارة عند العزم فإنما أمر بها شرطا للحل كالأمر بالطهارة لمن أراد صلاة النافلة, والأمر بالنية لمن أراد الصيام فأما الإمساك فليس بعود لأنه ليس بعود في الظهار المؤقت فكذلك في المطلق ولأن العود فعل ضد ما قاله, والإمساك ليس بضد له وقولهم: إن الظهار يقتضي إبانتها لا يصح وإنما يقتضي تحريمها واجتنابها, ولذلك صح توقيته ولأنه قال: {ثم يعودون لما قالوا} وثم للتراخي والإمساك غير متراخ وأما قول داود فلا يصح لأن النبي -- أمر أوسا وسلمة بن صخر بالكفارة من غير إعادة اللفظ, ولأن العود إنما هو في مقوله دون قوله كالعود في الهبة والعدة والعود لما نهي عنه, ويدل على إبطال هذه الأقوال كلها أن الظهار يمين مكفرة فلا تجب الكفارة إلا بالحنث فيها وهو فعل ما حلف على تركه كسائر الأيمان, وتجب الكفارة بذلك كسائر الأيمان ولأنها يمين تقتضي ترك الوطء فلا تجب كفارتها إلا به, كالإيلاء.

 مسألة: 

قال: [وإذا قال لامرأة أجنبية: أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يأتي بالكفارة] وجملته أن الظهار من الأجنبية يصح سواء قال ذلك لامرأة بعينها, أو قال: كل النساء علي كظهر أمي وسواء أوقعه مطلقا أو علقه على التزويج فقال: كل امرأة أتزوجها, فهي علي كظهر أمي ومتى تزوج التي ظاهر منها لم يطأها حتى يكفر يروى نحو هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وعروة, وعطاء والحسن ومالك, وإسحاق ويحتمل أن لا يثبت حكم الظهار قبل التزويج وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي ويروى ذلك عن ابن عباس لقول الله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} والأجنبية ليست من نسائه, ولأن الظهار يمين ورد الشرع بحكمها مقيدا بنسائه فلم يثبت حكمها في الأجنبية كالإيلاء فإن الله تعالى قال: {والذين يظاهرون من نسائهم} كما قال: {للذين يؤلون من نسائهم} ولأنها ليست بزوجة, فلم يصح الظهار منها كأمته ولأنه حرم محرمة, فلم يلزمه شيء كما لو قال: أنت حرام ولأنه نوع تحريم فلم يتقدم النكاح, كالطلاق ولنا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي فتزوجها قال: عليه كفارة الظهار ولأنها يمين مكفرة, فصح انعقادها قبل النكاح كاليمين بالله تعالى أما الآية فإن التخصيص خرج مخرج الغالب فإن الغالب أن الإنسان إنما يظاهر من نسائه, فلا يوجب تخصيص الحكم بهن كما أن تخصيص الربيبة التي في حجره بالذكر لم يوجب اختصاصها بالتحريم, وأما الإيلاء فإنما اختص حكمه بنسائه لكونه يقصد الإضرار بهن دون غيرهن والكفارة وجبت ها هنا لقول المنكر والزور ولا يختص ذلك بنسائه, ويفارق الظهار الطلاق من وجهين: أحدهما أن الطلاق حل قيد النكاح ولا يمكن حله قبل عقده والظهار تحريم للوطء, فيجوز تقديمه على العقد كالحيض الثاني أن الطلاق يرفع العقد فلم يجز أن يسبقه, وهذا لا يرفعه وإنما تتعلق الإباحة على شرط فجاز تقدمه وأما الظهار من الأمة, فقد انعقد يمينا وجبت به الكفارة ولم تجب به كفارة الظهار لأنها ليست امرأة له حال التكفير بخلاف مسألتنا.

 فصل: 

وإذا قال: كل امرأة أتزوجها, فهي علي كظهر أمي ثم تزوج نساء وأراد العود فعليه كفارة واحدة سواء تزوجهن في عقد واحد أو في عقود متفرقة نص عليه أحمد وهو قول عروة, وإسحاق لأنها يمين واحدة فكفارتها واحدة كما لو ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة وعنه أن لكل عقد كفارة فلو تزوج اثنتين في عقد وأراد العود فعليه كفارة واحدة, ثم إذا تزوج أخرى وأراد العود فعليه كفارة أخرى وروي ذلك عن إسحاق لأن المرأة الثالثة وجد العقد عليها الذي يثبت به الظهار, وأراد العود إليها بعد التكفير عن الأوليين فكانت عليه لها كفارة كما لو ظاهر منها ابتداء ولو قال لأجنبية: أنت علي كظهر أمي وقال: أردت أنها مثلها في التحريم في الحال دين في ذلك وهل يقبل في الحكم؟ يحتمل وجهين: أحدهما, لا يقبل لأنه صريح للظهار فلا يقبل صرفه إلى غيره والثاني: يقبل لأنها حرام عليه كما أن أمه حرام عليه.

 مسألة: 

قال: ولو قال: أنت علي حرام وأراد في تلك الحال, لم يكن عليه شيء وإن تزوجها لأنه صادق وإن أراد في كل حال لم يطأها إن تزوجها حتى يأتي بكفارة الظهار أما إذا أراد بقوله لها: أنت علي حرام الإخبار عن حرمتها في الحال فلا شيء عليه لأنه صادق لكونه وصفها بصفتها, ولم يقل منكرا ولا زورا وكذلك لو أطلق هذا القول ولم يكن له نية فلا شيء عليه لذلك وإن أراد تحريمها في كل حال, فهو ظهار لأن لفظة الحرام إذا أريد بها الظهار ظهار في الزوجة, فكذلك في الأجنبية فصار كقوله: أنت علي كظهر أمي.

 مسألة: 

قال: [ولو ظاهر من زوجته وهي أمة, فلم يكفر حتى ملكها انفسخ النكاح ولم يطأها حتى يكفر] وجملته أن الظهار يصح من كل زوجة, أمة كانت أو حرة فإذا ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها انفسخ النكاح واختلف أصحابنا في بقاء حكم الظهار فذكر الخرقي ها هنا أنه باق ولا يحل له الوطء حتى يكفر وبه يقول مالك, وأبو ثور وأصحاب الرأي ونص عليه الشافعي وقال القاضي: المذهب ما ذكر الخرقي وهو قول أبي عبد الله بن حامد لقول الله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} وهذا قد ظاهر من امرأته فلم يحل له مسها حتى يكفر, ولأن الظهار قد صح فيها وحكمه لا يسقط بالطلاق المزيل للملك والحل فبملك اليمين أولى, ولأنها يمين انعقدت موجبة لكفارة فوجبت دون غيرها كسائر الأيمان وقال أبو بكر عبد العزيز: يسقط الظهار بملكه لها, وإن وطئها حنث وعليه كفارة يمين كما لو تظاهر منها, وهي أمته لأنها خرجت عن الزوجات وصار وطؤه لها بملك اليمين فلم يكن موجبا لكفارة الظهار, كما لو تظاهر منها وهي أمته ويقتضي قول أبي بكر هذا أن تباح قبل التكفير لأنه أسقط الظهار وجعله يمينا كتحريم أمته فإن أعتقها عن كفارته, صح على القولين فإن تزوجها بعد ذلك حلت له بغير كفارة لأنه كفر عن ظهاره بإعتاقها ولا يمتنع إجزاؤها عن الكفارة التي وجبت بسببها, كما لو قال: إن ملكت أمة فلله على عتق رقبة فملك أمة فأعتقها وإن أعتقها عن غير الكفارة, ثم تزوجها عاد حكم الظهار ولم تحل له حتى يكفر. مسألة: قال: ولو تظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة, لم يكن عليه أكثر من كفارة وجملته أنه إذا ظاهر من نسائه الأربع بلفظ واحد فقال: أنتن علي كظهر أمي فليس عليه أكثر من كفارة بغير خلاف في المذهب وهو قول على وعمر وعروة, وطاوس وعطاء وربيعة, ومالك والأوزاعي وإسحاق, وأبي ثور والشافعي في القديم وقال الحسن والنخعي والزهري, ويحيى الأنصاري والحكم والثوري, وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد: عليه لكل امرأة كفارة لأنه وجد الظهار والعود في حق كل امرأة منهن, فوجب عليه عن كل واحدة كفارة كما لو أفردها به ولنا عموم قول عمر وعلي رضي الله عنهما رواه عنهما الأثرم, ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا فكان إجماعا ولأن الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة, فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بالله تعالى وفارق ما إذا ظاهر بكلمات فإن كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر إثمها وهاهنا الكلمة واحدة, فالكفارة الواحدة ترفع حكمها وتمحوا إثمها فلا يبقى لها حكم.

 فصل: 

ومفهوم كلام الخرقي, أنه إذا ظاهر منهن بكلمات فقال لكل واحدة: أنت علي كظهر أمي فإن لكل يمين كفارة وهذا قول عروة وعطاء قال أبو عبد الله بن حامد: المذهب رواية واحدة في هذا قال القاضي: المذهب عندي ما ذكر الشيخ أبو عبد الله وقال أبو بكر: فيه رواية أخرى, أنه يجزئه كفارة واحدة واختار ذلك وقال: هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب والحسن, وعطاء وإبراهيم وربيعة, وقبيصة وإسحاق لأن كفارة الظهار حق لله تعالى فلم تتكرر بتكرر سببها, كالحد وعليه يخرج الطلاق ولنا أنها أيمان متكررة على أعيان متفرقة فكان لكل واحدة كفارة, كما لو كفر ثم ظاهر ولأنها أيمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى فلا تكفرها كفارة واحدة, كالأصل ولأن الظهار معني يوجب الكفارة فتتعدد الكفارة بتعدده في المحال المختلفة, كالقتل ويفارق الحد فإنه عقوبة تدرأ بالشبهات فأما إن ظاهر من زوجته مرارا ولم يكفر, فكفارة واحدة لأن الحنث واحد فوجبت كفارة واحدة كما لو كانت اليمين واحدة.

 فصل: 

إذا ظاهر من امرأة, ثم قال لأخرى: أشركتك معها أو أنت شريكتها أو كهي ونوى المظاهرة من الثانية, صار مظاهرا منها بغير خلاف علمناه وبه يقول مالك والشافعي وإن أطلق صار مظاهرا أيضا إذا كان عقيب مظاهرته من الأولى, ذكره أبو بكر وبه قال مالك قال أبو الخطاب: ويحتمل أن لا يكون مظاهرا وبه قال الشافعي لأنه ليس بصريح في الظهار ولا نوى به الظهار فلم يكن ظهارا كما لو قال ذلك قبل أن يظاهر من الأولى, ولأنه يحتمل أنها شريكتها في دينها أو في الخصومة أو في النكاح, أو سوء الخلق فلم تخصص بالظهار إلا بالنية كسائر الكنايات ولنا, أن الشركة والتشبيه لا بد أن يكون في شيء فوجب تعليقه بالمذكور معه كجواب السؤال فيما إذا قيل له: ألك امرأة؟ فقال: قد طلقتها وكالعطف مع المعطوف عليه, والصفة مع الموصوف وقولهم: إنه كناية لم ينو بها الظهار قلنا: قد وجد دليل النية فيكتفي بها وقولهم: إنه يحتمل قلنا: ما ذكرنا من القرينة يزيل الاحتمال وإن بقي احتمال ما كان مرجوحا, فلا يلتفت إليه كالاحتمال في اللفظ الصريح.

 مسألة: 

قال: [والكفارة عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المضرة بالعمل] في هذه المسألة: ثلاث مسائل المسألة: الأولى: أن كفارة المظاهر القادر على الإعتاق عتق رقبة, لا يجزئه غير ذلك بغير خلاف علمناه بين أهل العلم والأصل في ذلك قول الله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} إلى قوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} (وقول النبي -- لأوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته: يعتق رقبة قلت: لا يجد قال: فيصوم) وقوله لسلمة بن صخر مثل ذلك فمن وجد رقبة يستغني عنها أو وجد ثمنها فاضلا عن حاجته, ووجدها به لم يجزئه إلا الإعتاق لأن وجود المبدل إذا منع الانتقال إلى البدل كانت القدرة على ثمنه تمنع الانتقال, كالماء وثمنه يمنع الانتقال إلى التيمم المسألة: الثانية: أنه لا يجزئه إلا عتق رقبة مؤمنة في كفارة الظهار وسائر الكفارات هذا ظاهر المذهب وهو قول الحسن, ومالك والشافعي وإسحاق, وأبي عبيد وعن أحمد رواية ثانية أنه يجزئ فيما عدا كفارة القتل من الظهار وغيره, عتق رقبة ذمية وهو قول عطاء والنخعي والثوري, وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن الله تعالى أطلق الرقبة في هذه الكفارة, فوجب أن يجزئ ما تناوله الإطلاق ولنا ما روى (معاوية بن الحكم قال: كانت لي جارية, فأتيت النبي -- فقلت: علي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله --: أين الله؟ قالت: في السماء قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله فقال رسول الله --: أعتقها فإنها مؤمنة) أخرجه مسلم والنسائي فعلل جواز إعتاقها عن الرقبة التي عليه بأنها مؤمنة فدل على أنه لا يجزئ عن الرقبة التي عليه إلا مؤمنة, ولأنه تكفير بعتق فلم يجز إلا مؤمنة ككفارة القتل والمطلق يحمل على المقيد من جهة القياس إذا وجد المعني فيه, ولا بد من تقييده فإنا أجمعنا على أنه لا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا فالتقييد بالسلامة من الكفر أولى.

 المسألة: 

الثالثة: أنه لا يجزئه إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا لأن المقصود تمليك العبد منافعه, ويمكنه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا فلا يجزئ الأعمى لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع, ولا المقعد ولا المقطوع اليدين أو الرجلين لأن اليدين آلة البطش فلا يمكنه العمل مع فقدهما, والرجلان آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما والشلل كالقطع في هذا ولا يجزئ المجنون جنونا مطبقا لأنه وجد فيه المعنيان, ذهاب منفعة الجنس وحصول الضرر بالعمل وبهذا كله قال مالك والشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكي عن داود أنه جوز عتق كل رقبة يقع عليها الاسم, أخذا بإطلاق اللفظ ولنا أن هذا نوع كفارة فلم يجزئ ما يقع عليه الاسم كالإطعام فإنه لا يجزئ أن يطعم مسوسا ولا عفنا وإن كان يسمى طعاما والآية مقيدة بما ذكرناه.

 فصل: 

ولا يجزئ مقطوع اليد, أو الرجل ولا أشلها ولا مقطوع إبهام اليد, أو سبابتها أو الوسطى لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة لأن نفع اليدين يزول أكثره بذلك وإن قطعت كل واحدة من يد جاز لأن نفع الكفين باق, وقطع أنملة الإبهام كقطع جميعها فإن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين وإن كان من غير الإبهام لم يمنع لأن منفعتها لا تذهب فإنها تصير كالأصابع القصار حتى لو كانت أصابعه كلها غير الإبهام قد قطعت من كل واحدة منها أنملة, لم يمنع وإن قطع من الإصبع أنملتان فهو كقطعها لأنه يذهب بمنفعتها وهذا جميعه مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئ مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين ولو قطعت يده ورجله جميعا من خلاف أجزأت لأن منفعة الجنس باقية, فأجزأت في الكفارة كالأعور فأما إن قطعتا من وفاق, أي من جانب واحد لم يجزئ لأن منفعة الشيء تذهب ولنا أن هذا يؤثر في العمل ويضر ضررا بينا, فوجب أن يمنع إجزاءها كما لو قطعتا من وفاق ويخالف العور فإنه لا يضر ضررا بينا والاعتبار بالضرر أولى من الاعتبار بمنفعة الجنس فإنه لو ذهب شمه أو قطعت أذناه معا, أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس ولا يجزئ الأعرج إذا كان عرجا كثيرا فاحشا لأنه يضر بالعمل فهو كقطع الرجل وإن كان عرجا يسيرا, لم يمنع الإجزاء لأنه قليل الضرر.

 فصل: 

ويجزئ الأعور في قولهم جميعا وقال أبو بكر: فيه قول آخر لا يجزئ لأنه نقص يمنع التضحية والإجزاء في الهدي فأشبه العمى والصحيح ما ذكرناه فإن المقصود تكميل الأحكام, وتمليك العبد المنافع والعور لا يمنع ذلك ولأنه لا يضر بالعمل, فأشبه قطع إحدى الأذنين ويفارق العمى فإنه يضر بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيرا من الصنائع ويذهب بمنفعة الجنس ويفارق قطع إحدى اليدين والرجلين فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما, والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما وأما الأضحية والهدي فإنه لا يمنع منهما مجرد العور وإنما يمنع انخساف العين, وذهاب العضو المستطاب ولأن الأضحية يمنع فيها قطع الأذن والقرن والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل ويجزئ المقطوع الأذنين وبذلك قال أبو حنيفة, والشافعي وقال مالك وزفر: لا يجزئ لأنهما عضوان فيهما الدية أشبها اليدين ولنا, أن قطعهما لا يضر بالعمل الضرر البين فلم يمنع كنقص السمع, بخلاف قطع اليدين ويجزئ مقطوع الأنف كذلك ويجزئ الأصم إذا فهم بالإشارة ويجزئ الأخرس إذا فهمت إشارته وفهم بالإشارة وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأي: لا يجزئ لأن منفعة الجنس ذاهبة فأشبه زائل العقل وهذا المنصوص عليه عن أحمد لأن الخرس نقص كثير, يمنع كثيرا من الأحكام مثل القضاء والشهادة, وأكثر الناس لا يفهم إشارته فيتضرر في ترك استعماله وإن اجتمع الخرس والصمم فقال القاضي: لا يجزئ وهو قول بعض الشافعية لاجتماع النقصين فيه, وذهاب منفعتي الجنس ووجه الإجزاء أن الإشارة تقوم مقام الكلام في الإفهام ويثبت في حقه أكثر الأحكام فيجزئ في العتق, كالذي ذهب شمه فأما الذي ذهب شمه فيجزئ لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره فأما المريض فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها أجزأ في الكفارة وإن كان غير مرجو الزوال, كالسل ونحوه لم يجزئ لأن زواله يندر, ولا يتمكن من العمل مع بقائه وأما نضو الخلق فإن كان يتمكن معه من العمل أجزأ وإلا فلا ويجزئ الأحمق, وهو الذي يخطئ على بصيرة ويصنع الأشياء لغير فائدة ويرى الخطأ صوابا, ومن يخنق في الأحيان والخصي والمجبوب, والرتقاء والكبير الذي يقدر على العمل لأن ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه, وتكميل أحكامه فيحصل الإجزاء به كالسالم من العيوب.

 فصل: 

ويجزئ عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده, إذا قلنا بصحة عتقهم وعتق المدبر والخصي, وولد الزنا لكمال العتق فيهم.

 فصل: 

ولا يجزئ عتق المغصوب لأنه لا يقدر على تمكينه من منافعه ولا غائب غيبة منقطعة لا يعلم خبره لأنه لا يعلم حياته فلا يعلم صحة عتقه وإن لم ينقطع خبره, أجزأ عتقه لأنه عتق صحيح ولا يجزئ عتق الحمل لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا ولذلك لم تجب فطرته ولا يتيقن أيضا وجوده, وحياته ولا عتق أم الولد لأن عتقها مستحق بسبب غير الكفارة والملك فيها غير كامل, ولهذا لا يجوز بيعها وقال طاوس والبتي: يجزئ عتقها لأنه عتق صحيح ولا يجزئ عتق مكاتب أدى من كتابته شيئا وسنذكر هذا في الكفارات -إن شاء الله تعالى-.

 مسألة: 

قال: {فمن لم يجد, فصيام شهرين متتابعين} أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة أن فرضه صيام شهرين متتابعين وذلك لقول الله تعالى: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} وحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر وأجمعوا على أن من وجد رقبة فاضلة عن حاجته, فليس له الانتقال إلى الصيام وإن كانت له رقبة يحتاج إلى خدمتها لزمن أو كبر, أو مرض أو عظم خلق ونحوه مما يعجزه عن خدمة نفسه, أو يكون ممن لا يخدم نفسه في العادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته فليس عليه الإعتاق وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة, ومالك والأوزاعي: متى وجد رقبة لزمه إعتاقها, ولم يجز له الانتقال إلى الصيام سواء كان محتاجا إليها أو لم يكن لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام أن لا يجد رقبة, بقوله: {فمن لم يجد} وهذا واجد وإن وجد ثمنها وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها وبه قال أبو حنيفة وقال مالك: يلزمه لأن وجدان ثمنها كوجدانها ولنا أن ما استغرقته حاجة الإنسان, فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش, يجوز له الانتقال إلى التيمم وإن كان له خادم وهو ممن يخدم نفسه عادة لزمه إعتاقها لأنه فاضل عن حاجته بخلاف من لم تجر عادته بخدمة نفسه, فإن عليه مشقة في إعتاق خادمه وتضييعا لكثير من حوائجه وإن كان له خادم يخدم امرأته وهي ممن عليه إخدامها, أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم أو دار يسكنها أو عقار يحتاج إلى غلته لمؤنته, أو عرض للتجارة لا يستغنى عن ربحه في مؤنته لم يلزمه العتق وإن استغنى عن شيء من ذلك مما يمكنه أن يشتري به رقبة لزمه لأنه واجد للرقبة وإن كانت له رقبة تخدمه, يمكنه بيعها وشراء رقبتين بثمنها يستغنى بخدمة إحداهما ويعتق الأخرى, لزمه لأنه لا ضرر في ذلك وهكذا لو كانت له ثياب فاخرة تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها, وشراء ما يكفيه في لباسه ورقبة لزمه ذلك وإن كانت له دار يمكنه بيعها, وشراء ما يكفيه لسكنى مثله ورقبة أو ضيعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه شراء رقبة لزمه ويراعى في ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة, فإذا فضل عن ذلك شيء وجبت فيه الكفارة ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه على نحو مما قلنا وإن كانت له سرية لم يلزمه إعتاقها لأنه يحتاج إليها وإن أمكنه بيعها, وشراء سرية أخرى ورقبة يعتقها لم يلزمه ذلك لأن الفرض قد يتعلق بعينها, فلا يقوم غيرها مقامها سيما إذا كان بدون ثمنها.

 فصل: 

فإن كان موسرا حين وجوب الكفارة إلا أن ماله غائب, فإن كان مرجو الحضور قريبا لم يجز الانتقال إلى الصيام لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وإن كان بعيدا, لم يجز الانتقال إلى الصيام في غير كفارة الظهار لأنه لا ضرر في الانتظار وهل يجوز ذلك في كفارة الظهار؟ فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لوجود الأصل في ماله فأشبه سائر الكفارات والثاني, يجوز لأنه يحرم عليه المسيس فجاز له الانتقال لموضع الحاجة فإن قيل: فلو عدم الماء وثمنه جاز له الانتقال إلى التيمم وإن كان قادرا عليهما في بلده قلنا: الطهارة تجب لأجل الصلاة, وليس له تأخيرها عن وقتها فدعت الحاجة إلى الانتقال بخلاف مسألتنا, ولأننا لو منعناه من التيمم لوجود القدرة في بلده بطلت رخصة التيمم فإن كل أحد يقدر على ذلك.

 فصل: 

إن وجد ثمن الرقبة, ولم يجد رقبة يشتريها فله الانتقال إلى الصيام كما لو وجد ثمن الماء ولم يجد ما يشتريه وإن وجد رقبة تباع بزيادة على ثمن المثل تجحف بماله, لم يلزمه شراؤها لأن فيه ضررا وإن كانت لا تجحف بماله احتمل وجهين: أحدهما, يلزمه لأنه قادر على الرقبة بثمن يقدر عليه لا يجحف به فأشبه ما لو بيعت بثمن مثلها والثاني, لا يلزمه لأنه لم يجد رقبة بثمن مثلها أشبه العادم وأصل الوجهين العادم للماء إذا وجده بزيادة على ثمن مثله, فإن وجد رقبته بثمن مثلها إلا أنها رقبة رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابا من غير جنسها, لزمه شراؤها لأنها بثمن مثلها ولا يعد شراؤها بذلك الثمن ضررا وإنما الضرر في إعتاقها, وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان مالكا لها. مسألة: قال: [فإن أفطر فيها من عذر بني وإن أفطر من غير عذر ابتدأ] أجمع أهل العلم على وجوب التتابع في الصيام في كفارة الظهار, وأجمعوا على أن من صام بعض الشهر ثم قطعه لغير عذر وأفطر, أن عليه استئناف الشهرين وإنما كان كذلك لورود لفظ الكتاب والسنة به ومعني التتابع الموالاة بين صيام أيامها فلا يفطر فيهما, ولا يصوم عن غير الكفارة ولا يفتقر التتابع إلى نية ويكفي فعله لأنه شرط وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية, وإنما تجب النية لأفعالها وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي والوجه الآخر أنها واجبة لكل ليلة لأن ضم العبادة إلى العبادة إذا كان شرطا, وجبت النية فيه كالجمع بين الصلاتين والثالث يكفى نية التتابع في الليلة الأولى ولنا, أنه تتابع واجب في العبادة فلم يفتقر إلى نية كالمتابعة بين الركعات ويفارق الجمع بين الصلاتين, فإن ذلك رخصة فافتقر إلى نية الترخص وما ذكروه ينتقض بالمتابعة بين الركعات وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل إتمامه, تقضي إذا طهرت وتبني وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس وفيه تغرير بالصوم لأنها ربما ماتت قبله والنفاس كالحيض, في أنه لا يقطع التتابع في أحد الوجهين لأنه بمنزلته في أحكامه ولأن الفطر لا يحصل فيهما بفعلهما وإنما ذلك الزمان كزمان الليل في حقهما والوجه الثاني, أن النفاس يقطع التتابع لأنه فطر أمكن التحرز منه لا يتكرر كل عام فقطع التتابع كالفطر لغير عذر ولا يصح قياسه على الحيض لأنه أندر منه, ويمكن التحرز عنه وإن أفطر لمرض مخوف لم ينقطع التتابع أيضا روي ذلك عن ابن عباس وبه قال ابن المسيب والحسن, وعطاء والشعبي وطاوس, ومجاهد ومالك وإسحاق, وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر, والشافعي في القديم وقال في الجديد: ينقطع التتابع وهذا قول سعيد بن جبير والنخعي والحكم, والثوري وأصحاب الرأي لأنه أفطر بفعله فلزمه الاستئناف, كما لو أفطر لسفر ولنا أنه أفطر لسبب لا صنع له فيه فلم يقطع التتابع, كإفطار المرأة للحيض وما ذكروه من الأصل ممنوع وإن كان المرض غير مخوف لكنه يبيح الفطر فقال أبو الخطاب: فيه وجهان أحدهما, لا يقطع التتابع لأنه مرض أباح الفطر أشبه المخوف والثاني يقطع التتابع لأنه أفطر اختيارا, فانقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر فأما الحامل والمرضع فإن أفطرتا خوفا على أنفسهما, فهما كالمريض وإن أفطرتا خوفا على ولديهما ففيهما وجهان أحدهما لا ينقطع التتابع اختاره أبو الخطاب لأنه فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما, فلم ينقطع التتابع كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما والثاني ينقطع لأن الخوف على غيرهما, ولذلك يلزمهما الفدية مع القضاء وإن أفطر لجنون أو إغماء لم ينقطع التتابع لأنه عذر لا صنع له فيه, فهو كالحيض.

 فصل: 

وإن أفطر لسفر مبيح للفطر فكلام أحمد يحتمل الأمرين وأظهرهما أنه لا يقطع التتابع فإنه قال في رواية الأثرم: كان السفر غير المرض, وما ينبغي أن يكون أوكد من رمضان فظاهر هذا أنه لا يقطع التتابع وهذا قول الحسن ويحتمل أن ينقطع به التتابع وهو قول مالك وأصحاب الرأي واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال: فيه قولان كالمرض ومنهم من يقول: ينقطع التتابع وجها واحدا لأن السفر يحصل باختياره, فقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر ووجه الأول أنه فطر لعذر مبيح للفطر, فلم ينقطع به التتابع كإفطار المرأة بالحيض وفارق الفطر لغير عذر, فإنه لا يباح وإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت, ولم تغب أفطر ويتخرج في انقطاع التتابع وجهان: أحدهما لا ينقطع لأنه فطر لعذر والثاني - يقطع التتابع لأنه بفعل أخطأ فيه, فأشبه ما لو ظن أنه قد أتم الشهرين فبان خلافه وإن أفطر ناسيا لوجوب التتابع أو جاهلا به أو ظنا منه أنه قد أتم الشهرين انقطع التتابع لأنه أفطر لجهله, فقطع التتابع كما لو ظن أن الواجب شهر واحد وإن أكره على الأكل أو الشرب بأن أوجر الطعام أو الشراب, لم يفطر وإن أكل خوفا فقال القاضي: لا يفطر ولم يذكر غير ذلك وفيه وجه آخر أنه يفطر فعلى ذلك هل يقطع التتابع؟ فيه وجهان أحدهما, لا يقطعه لأنه عذر مبيح للفطر فأشبه المرض والثاني: ينقطع التتابع وهو مذهب الشافعي لأنه أفطر بفعله لعذر نادر.

 فصل: 

وإن أفطر في أثناء الشهرين لغير عذر أو قطع التتابع بصوم نذر, أو قضاء أو تطوع أو كفارة أخرى, لزمه استئناف الشهرين لأنه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه لأن هذا الزمان ليس بمستحق متعين للكفارة, ولهذا يجوز صومها في غيره بخلاف شهر رمضان فإنه متعين لا يصلح لغيره وإذا كان عليه صوم نذر غير معين, أخره إلى فراغه من الكفارة وإن كان متعينا في وقت بعينه أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه إن أمكن وإن كان أياما من كل شهر, كيوم الخميس أو أيام البيض قدم الكفارة عليه, وقضاه بعدها لأنه لو وفي بنذره لانقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضي إلى أن لا يتمكن من التكفير, والنذر يمكن قضاؤه فيكون هذا عذرا في تأخيره كالمرض.

 مسألة: 

قال: [وإن أصابها في ليالي الصوم أفسد ما مضى من صيامه, وابتدأ الشهرين] وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد, وأصحاب الرأي لأن الله تعالى قال: {فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} فأمر بهما خاليين عن وطء ولم يأت بهما على ما أمر فلم يجزئه, كما لو وطئ نهارا ولأنه تحريم للوطء لا يختص النهار فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف وروى الأثرم عن أحمد, أن التتابع لا ينقطع بهذا ويبنى وهو مذهب الشافعي وأبي ثور, وابن المنذر لأنه وطء لا يبطل الصوم فلا يوجب الاستئناف كوطء غيرها, ولأن التتابع في الصيام عبارة عن إتباع صوم يوم للذي قبله من غير فارق وهذا متحقق, وإن وطئ ليلا وارتكاب النهي في الوطء قبل إتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته وإجزاءه, كما لو وطئ قبل الشهرين أو وطئ ليلة أول الشهرين وأصبح صائما والإتيان بالصيام قبل التماس في حق هذا لا سبيل إليه, سواء بنى أو استأنف وإن وطئها أو وطئ غيرها, في نهار الشهرين عامدا أفطر وانقطع التتابع إجماعا, إذا كان غير معذور وإن وطئها أو وطئ غيرها نهارا ناسيا أفطر, وانقطع التتابع في إحدى الروايتين لأن الوطء لا يعذر فيه بالنسيان وعن أحمد رواية أخرى, أنه لا يفطر ولا ينقطع التتابع وهو قول الشافعي وأبي ثور, وابن المنذر لأنه فعل المفطر ناسيا أشبه ما لو أكل ناسيا وإن أبيح له الفطر لعذر فوطئ غيرها نهارا لم ينقطع التتابع لأن الوطء لا أثر له في قطع التتابع وإن وطئها, كان كوطئها ليلا هل ينقطع التتابع؟ على وجهين وإن وطئ غيرها ليلا لم ينقطع التتابع لأن ذلك ليس بمحرم عليه, ولا هو مخل بإتباع الصوم الصوم فلم ينقطع التتابع كالأكل ليلا وليس في هذا اختلاف نعلمه وإن لمس المظاهر منها, أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لإخلاله بموالاة الصيام وإلا فلا ينقطع والله أعلم.

 مسألة: 

قال: {فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام أن فرضه إطعام ستين مسكينا, على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه -- سواء عجز عن الصيام لكبر أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه, أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع (فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول الله -- بالصيام قالت امرأته: يا رسول الله, إنه شيخ كبير ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكينا) (ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال: فأطعم) فنقله إلى الإطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض, وإن كان مرجو الزوال لدخوله في قوله سبحانه وتعالى: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} ولأنه لا يعلم أن له نهاية فأشبه الشبق ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر لأن السفر لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها, وهو من أفعاله الاختيارية والواجب في الإطعام إطعام ستين مسكينا لا يجزئه أقل من ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لو أطعم مسكينا واحدا في ستين يوما أجزأه وحكاه القاضي أبو الحسين رواية عن أحمد لأن هذا المسكين لم يستوف قوت يومه من هذه الكفارة, فجاز أن يعطي منها كاليوم الأول ولنا قول الله تعالى: {فإطعام ستين مسكينا} وهذا لم يطعم إلا واحدا فلم يمتثل الأمر, ولأنه لم يطعم ستين مسكينا فلم يجزئه كما لو دفعها إليه في يوم واحد, ولأنه لو جاز الدفع إليه في أيام لجاز في يوم واحد كالزكاة وصدقة الفطر, يحقق هذا أن الله أمر بعدد المساكين لا بعدد الأيام وقائل هذا يعتبر عدد الأيام دون عدد المساكين, والمعني في اليوم الأول أنه لم يستوف حقه من هذه الكفارة وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه منها وأخذ منها قوت يوم, فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني كما لو أوصى إنسان بشيء لستين مسكينا.

 مسألة: 

قال: [لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير] وجملة الأمر أن قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين, أو نصف صاع من تمر أو شعير وممن قال: مد بر زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر حكاه عنهم الإمام أحمد, ورواه عنهم الأثرم وعن عطاء وسليمان بن موسى وقال سليمان بن يسار: أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين مدا من حنطة بالمد الأصغر, مد النبي -- وقال أبو هريرة: يطعم مدا من أي الأنواع كان وبهذا قال عطاء والأوزاعي والشافعي لما روى أبو داود, بإسناده عن عطاء عن (أوس ابن أخي عبادة بن الصامت أن النبي -- أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير, إطعام ستين مسكينا) وروى الأثرم بإسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع في رمضان (أن النبي -- أتى بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال: خذه وتصدق به) وإذا ثبت في المجامع بالخبر, ثبت في المظاهر بالقياس عليه ولأنه إطعام واجب فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج, كالفطرة وفدية الأذى وقال مالك: لكل مسكين مدان من جميع الأنواع وممن قال: مدان من قمح مجاهد وعكرمة والشعبي, والنخعي لأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى وقال الثوري وأصحاب الرأي: من القمح مدان, ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين (لقول النبي -- في حديث سلمة بن صخر: فأطعم وسقا من تمر) رواه الإمام أحمد في المسند, وأبو داود وغيرهما وروى الخلال بإسناده عن يوسف بن عبد الله بن سلام, عن (خويلة: فقال لي رسول الله --: فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر) وفي رواية أبي داود: والعرق ستون صاعا وروى ابن ماجه بإسناده عن ابن عباس قال: (كفر رسول الله -- بصاع من تمر, وأمر الناس: فمن لم يجد فنصف صاع من بر) وروى الأثرم بإسناده عن عمر رضي الله عنه قال: أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ولأنه إطعام للمساكين, فكان صاعا من التمر والشعير أو نصف صاع من بر كصدقة الفطر ولنا ما روى الإمام أحمد, ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال: (جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير, فقال النبي -- للمظاهر: أطعم هذا فإن مدى شعير مكان مد بر) وهذا نص ويدل على أنه مد بر أنه قول زيد وابن عباس, وابن عمر وأبي هريرة ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا, فكان إجماعا وعلى أنه نصف صاع من التمر أو الشعير ما روى عطاء بن يسار (أن رسول الله -- قال لخويلة امرأة أوس بن الصامت اذهبي إلى فلان الأنصاري, فإن عنده شطر وسق من تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فلتأخذيه, فليتصدق به على ستين مسكينا) وفي حديث أوس بن الصامت أن النبي -- قال: (إني سأعينه بعرق من تمر قلت: يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر قال: قد أحسنت اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا, وارجعي إلى ابن عمك) وروى أبو داود بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا فعرقان يكونان ثلاثين صاعا, لكل مسكين نصف صاع ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير, كفدية الأذى فأما رواية أبي داود أن " العرق ستون صاعا " فقد ضعفها وقال: غيرها أصح منها وفي الحديث ما يدل على الضعف لأن ذلك في سياق قوله: (إني سأعينه بعرق) فقالت امرأته: إني سأعينه بعرق آخر قال: (فأطعمي بها عنه ستين مسكينا) فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا ولا قائل به وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا, فقال: (تصدق به) فيحتمل أنه اقتصر عليه إذ لم يجد سواه ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله وفي الحديث المتفق عليه: (قريب من عشرين صاعا) وليس ذلك مذهبا لأحمد فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه وحديث أوس بن أخي عبادة مرسل, يرويه عنه عطاء ولم يدركه على أنه حجة لنا لأن النبي -- أعطاه عرقا وأعانته امرأته بآخر, فصارا جميعا ثلاثين صاعا وسائر الأخبار نجمع بينها وبين أخبارنا بحملها على الجواز وأخبارنا على الإجزاء وقد عضد هذا أن ابن عباس راوي بعضها, ومذهبه أن المد من البر يجزئ وكذلك أبو هريرة وسائر ما ذكرنا من الأخبار, مع الإجماع الذي نقله سليمان بن يسار والله أعلم. فصل: وبقي الكلام في الإطعام في أمور ثلاثة: كيفيته وجنس الطعام ومستحقه فأما كيفيته فظاهر المذهب أن الواجب تمليك كل إنسان من المساكين القدر الواجب له من الكفارة, ولو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه سواء فعل ذلك بالقدر الواجب أو أقل, أو أكثر ولو غدى كل واحد بمد لم يجزئه, إلا أن يملكه إياه وهذا مذهب الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم وهو قول النخعي, وأبي حنيفة وأطعم أنس في فدية الصيام قال أحمد: أطعم شيئا كثيرا وصنع الجفان وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت, عن أنس وذلك لقول الله تعالى: {فإطعام ستين مسكينا} وهذا قد أطعمهم فينبغي أن يجزئه, ولأنه أطعم المساكين فأجزأه كما لو ملكهم ولنا, أن المنقول عن الصحابة إعطاؤهم ففي قول زيد وابن عباس وابن عمر, وأبي هريرة مد لكل فقير (وقال النبي -- لكعب في فدية الأذى: أطعم ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين) ولأنه مال وجب للفقراء شرعا, فوجب تمليكهم إياه كالزكاة فإن قلنا: يجزئ اشترط أن يغديهم بستين مدا فصاعدا ليكون قد أطعمهم قدر الواجب وإن قلنا: لا يجزئه أن يغديهم فقدم إليهم ستين مدا وقال: هذا بينكم بالسوية فقبلوه, أجزأ لأنه ملكهم التصرف فيه والانتفاع قبل القسمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو عبد الله بن حامد: يجزئه وإن لم يقل: بالسوية لأن قوله: خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية لأن ذلك حكمها وقال القاضي: إن علم أنه وصل إلى كل واحد قدر حقه أجزأ, وإن لم يعلم لم يجزئه لأن الأصل شغل ذمته ما لم يعلم وصول الحق إلى مستحقه ووجه الأول أنه دفع الحق إلى مستحقه مشاعا, فقبلوه فبرئ منه كديون غرمائه.

 فصل: 

ولا يجب التتابع في الإطعام نص عليه أحمد, في رواية الأثرم وقيل له: تكون عليه كفارة يمين فيطعم اليوم واحدا, وآخر بعد أيام وآخر بعد حتى يستكمل عشرة؟ فلم ير بذلك بأسا وذلك لأن الله تعالى لم يشترط التتابع فيه ولو وطئ في أثناء الإطعام لم تلزمه إعادة ما مضى منه وبه قال أبو حنيفة, والشافعي وقال مالك: يستأنف لأنه وطئ في أثناء كفارة الظهار فوجب الاستئناف كالصيام ولنا أنه وطئ في أثناء ما لا يشترط التتابع فيه, فلم يوجب الاستئناف كوطء غير المظاهر منها أو كالوطء في كفارة اليمين, وبهذا فارق الصيام.

 مسألة: 

قال: [ولو أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأ في إحدى الروايتين] وهذا مذهب الشافعي, لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع إليه المدين في يومين والأخرى, لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة لأنه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجزئه الدفع إليه ثانيا في يومه كما لو دفعهما إليه من كفارة واحدة فعلى هذه الرواية, يجزئه عن إحدى الكفارتين وهل له الرجوع في الأخرى؟ ينظر فإذا كان أعلمه أنها عن كفارة فله الرجوع وإلا فلا ويتخرج أن لا يرجع بشيء, على ما ذكرناه في الزكاة والرواية الأولى أقيس وأصح فإن اعتبار عدد المساكين أولى من اعتبار عدد الأيام, ولو دفع إليه ذلك في يومين أجزأ ولأنه لو كان الدافع اثنين أجزأ عنهما, فكذلك إذا كان الدافع واحدا ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين فقيرا من كفارة واحدة أجزأه من ذلك ثلاثون ويطعم ثلاثين آخرين, وإن دفع الستين من كفارتين أجزأه ذلك على إحدى الروايتين ولا يجزئ في الأخرى إلا عن ثلاثين والأمر الثاني أن المجزئ في الإطعام ما يجزئ في الفطرة, وهو البر والشعير والتمر, والزبيب سواء كانت قوته أو لم تكن وما عداها فقال القاضي: لا يجزئ إخراجه, سواء كان قوت بلده أو لم يكن لأن الخبر ورد بإخراج هذه الأصناف على ما جاء في الأحاديث التي رويناها ولأنه الجنس المخرج في الفطرة, فلم يجزئ غيره كما لو لم يكن قوت بلده وقال أبو الخطاب: عندي أنه يجزئه الإخراج من جميع الحبوب التي هي قوت بلده كالذرة, والدخن والأرز لأن الله تعالى قال: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} وهذا مما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص وهذا مذهب الشافعي فإن أخرج غير قوت بلده, أجود منه فقد زاد خيرا وإن كان أنقص, لم يجزئه وهذا أجود.

 فصل: 

والأفضل عند أبي عبد الله إخراج الحب لأنه يخرج به من الخلاف, وهي حالة كماله لأنه يدخر فيها ويتهيأ لمنافعه كلها, بخلاف غيره فإن أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على قدر المد قدرا يبلغ المد حبا أو يخرجه بالوزن لأن للحب ريعا, فيكون في مكيال الحب أكثر مما في مكيال الدقيق قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: فيعطى البر والدقيق؟ فقال: أما الذي جاء فالبر ولكن إن أعطاهم الدقيق بالوزن جاز وقال الشافعي لا يجزئ لأنه ليس بحال الكمال, لأجل ما يفوت به من وجوه الانتفاع فلم يجز كالهريسة ولنا قول الله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} والدقيق من أوسط ما يطعمه أهله, ولأن الدقيق أجزاء الحنطة وقد كفاهم مؤنته وطحنه وهيأه وقربه من الأكل, وفارق الهريسة فإنها تتلف على قرب ولا يمكن الانتفاع بها في غير الأكل في تلك الحال, بخلاف مسألتنا وعن أحمد في إخراج الخبز روايتان إحداهما يجزئ اختارها الخرقي ونص عليه أحمد في رواية الأثرم, فإنه قال: قلت لأبي عبد الله: رجل أخذ ثلاثة عشر رطلا وثلثا دقيقا وهو كفارة اليمين فخبزه للمساكين, وقسم الخبز على عشرة مساكين أيجزئه ذلك؟ قال ذلك أعجب إلى وهو الذي جاء فيه الحديث أن يطعمهم مد بر, وهذا إن فعل فأرجو أن يجزئه قلت: إنما قال الله تعالى: {إطعام عشرة مساكين} فهذا قد أطعم عشرة مساكين وأوفاهم المد قال: أرجو أن يجزئه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ونقل الأثرم في موضع آخر, أن أحمد سأله رجل عن الكفارة قال: أطعمهم خبزا وتمرا؟ قال: ليس فيه تمر قال: فخبز؟ قال: لا ولكن برا أو دقيقا بالوزن, رطل وثلث لكل مسكين فظاهر هذا أنه لا يجزئه وهو مذهب الشافعي لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار فأشبه الهريسة والأول أحسن لأن الله تعالى قال: {إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس الادخار مقصودا في الكفارة فإنها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه, فيدل ذلك على أن المقصود كفايته في يومه وهذا قد هيأه للأكل المعتاد للاقتيات وكفاهم مؤنته, فأشبه ما لو نقى الحنطة وغسلها وأما الهريسة والكبول ونحوهما فلا يجزئ لأنهما خرجا عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الإدام وأما السويق فالصحيح أنه لا يجزئ لذلك ويحتمل أن يجزئ لأنه يقتات في بعض البلدان, ولا يجزئه من الخبز والسويق أقل من شيء يعمل من مد فإن أخذ مد حنطة أو رطلا وثلثا من الدقيق, وصنعه خبزا أجزأه وقال الخرقي: يجزئه رطلان قال القاضي: المد يجيء منه رطلان وذلك لأن الغالب أن رطلين من الخبز لا تكون إلا من مد وذلك بالرطل الدمشقي خمس أواق وأقل من خمس أوقية, وهذا في البر فأما إن كان المخرج من الشعير فلا يجزئه إلا ضعف ذلك, على ما قررناه.

 فصل: 

ولا تجزئ القيمة في الكفارة نقلها الميموني والأثرم وهو مذهب الشافعي وخرج بعض أصحابنا من كلام أحمد رواية أخرى, أنه يجزئه وهو ما روى الأثرم أن رجلا سأل أحمد قال أعطيت في كفارة خمسة دوانيق؟ فقال: لو استشرتني قبل أن تعطي لم أشر عليك, ولكن أعط ما بقي من الأثمان على ما قلت لك وسكت عن الذي أعطى وهذا ليس برواية وإنما سكت عن الذي أعطى [لأنه] مختلف فيه فلم ير التضييق عليه فيه الأمر الثالث, أن مستحق الكفارة هم المساكين الذين يعطون من الزكاة لقول الله تعالى: {إطعام ستين مسكينا} والفقراء يدخلون فيهم لأن فيهم المسكنة وزيادة ولا خلاف في هذا فأما الأغنياء فلا حق لهم في الكفارة, سواء كانوا من أصناف الزكاة كالغزاة والمؤلفة أو لم يكونوا, لأن الله تعالى خص بها المساكين واختلف أصحابنا في المكاتب فقال القاضي في (المجرد) وأبو الخطاب, في ( الهداية ): لا يجوز دفعها إليه وهو مذهب الشافعي وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في ( مسائلهما ): يجوز الدفع إليه وهو مذهب أبي حنيفة, وأبي ثور لأنه يأخذ من الزكاة لحاجته فأشبه المسكين ووجه الأولى أن الله تعالى خص بها المساكين والمكاتبون صنف آخر, فلم يجز الدفع إليهم كالغزاة والمؤلفة ولأن الكفارة قدرت بقوت يوم لكل مسكين, وصرفت إلى من يحتاج إليها للاقتيات والمكاتب لا يأخذ لذلك فلا يكون في معني المسكين ويفارق الزكاة, فإن الأغنياء يأخذون منها وهم الغزاة والعاملون عليها, والمؤلفة والغارمون ولأنه غني بكسبه أو بسيده, فأشبه العامل ولا خلاف بينهم في أنه لا يجوز دفعها إلى عبد لأن نفقته واجبة على سيده وليس هو من أصناف الزكاة ولا إلى أم ولد لأنها أمة نفقتها على سيدها, وكسبها له ولا إلى من تلزمه نفقته وقد ذكرنا ذلك في الزكاة وفي دفعها إلى الزوج وجهان بناء على دفع الزكاة إليه ولا يجوز دفعها إلى كافر وبهذا قال الشافعي وخرج أبو الخطاب وجها في إعطائهم, بناء على الرواية في إعتاقهم وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي لأن الله تعالى قال: {إطعام عشرة مساكين} وأطلق فيدخلون في الإطلاق ولنا أنه كافر فلم يجز الدفع إليه, كمساكين أهل الحرب وقد سلمه أصحاب الرأي والآية مخصوصة بأهل الحرب, فنقيس عليهم سائر الكفار ويجوز صرفها إلى الكبير والصغير, إن كان ممن يأكل الطعام وإذا أراد صرفه إلى الصغير فإنه يدفعه إلى وليه يقبض له فإن الصغير لا يصح منه القبض فأما من لا يأكل الطعام, فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز الدفع إليه لأنه لا يأكله فيكون بمنزلة دفع القيمة وقال أبو الخطاب: يجزئ لأنه مسكين يدفع إليه من الزكاة فأشبه الكبير وإذا قلنا: يجوز الدفع إلى المكاتب, جاز للسيد الدفع من كفارته إلى مكاتبه لأنه يجوز أن يدفع إليه من زكاته

 فصل: 

ويجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره الفقر فإن بان غنيا فهل تجزئه؟ فيه وجهان بناء على الروايتين في الزكاة وإن بان كافرا, أو عبدا لم يجزئه وجها واحدا

 مسألة: 

قال: ومن ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان, أفطر يوم الفطر وبنى وكذلك إن ابتدأ من أول ذي الحجة, أفطر يوم النحر وأيام التشريق وبنى على ما مضى من صيامه وجملة ذلك أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه عن الكفارة مثل أن يبتدئ الصوم من أول شعبان, فيتخلله رمضان ويوم الفطر أو يبتدئ من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق, فإن التتابع لا ينقطع بهذا ويبني على ما مضى من صيامه وقال الشافعي: ينقطع التتابع ويلزمه الاستئناف لأنه أفطر في أثناء الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه, فأشبه إذا أفطر بغير ذلك أو صام عن نذر أو كفارة أخرى ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة, فلم يقطع التتابع كالحيض والنفاس فإن قال: الحيض والنفاس غير ممكن التحرز منه قلنا: قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا تبتدئ الصوم في حال الحمل ومن الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين, بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ومع هذا فإنه لا ينقطع التتابع به ولا يجوز للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر, ويجوز أن يدخل معه المسبوق في أثناء الصلاة مع علمه بلزوم مفارقته قبل إتمامها ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى أنه يصومها عن الكفارة, ولا يفطر إلا يوم النحر وحده فعلى هذا إن أفطرها استأنف لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها إذا ثبت هذا, فإنه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان أجزأه صوم شعبان عن شهر ناقصا كان أو تاما وأما شوال, فلا يجوز أن يبدأ به من أوله لأن أوله يوم الفطر وصومه حرام فيشرع في صومه من اليوم الثاني, ويتمم شهرا بالعدد ثلاثين يوما وإن بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم قضى أربعة أيام وأجزأه لأنه بدأ بالشهرين من أولهما ولو ابتدأ صوم الشهرين من يوم الفطر, لم يصح صوم يوم الفطر وصح صوم بقية الشهر وصوم ذي القعدة, ويحتسب له بذي القعدة ناقصا كان أو تاما لأنه بدأه من أوله وأما شوال فإن كان تاما صام يوما من ذي الحجة, مكان يوم الفطر وأجزأه وإن كان ناقصا, صام من ذي الحجة يومين لأنه لم يبدأه من أوله وإن بدأ بالصيام من أول أيام التشريق وقلنا: يصح صومها عن الفرض فإنه يحتسب له بالمحرم ويكمل صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر وإن قلنا: لا يصح صومها عن الفرض صام مكانها من صفر.

 فصل: 

ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر, ومن أثنائه لا نعلم في هذا خلافا لأن الشهر اسم لما بين الهلالين ولثلاثين يوما فأيهما صام فقد أدى الواجب, فإن بدأ من أول شهر فصام شهرين بالأهلة أجزأه ذلك, تامين كانا أو ناقصين إجماعا وبهذا قال الثوري وأهل العراق, ومالك في أهل الحجاز والشافعي وأبو ثور, وأبو عبيد وغيرهم لأن الله تعالى قال: {فصيام شهرين متتابعين} وهذان شهران متتابعان وإن بدأ من أثناء شهر فصام ستين يوما أجزأه, بغير خلاف أيضا قال ابن المنذر: أجمع على هذا من نحفظ عنه من أهل العلم فأما إن صام شهرا بالهلال وشهرا بالعدد فصام خمسة عشر يوما من المحرم, وصفر جميعه وخمسة عشر يوما من ربيع فإنه يجزئه, سواء كان صفر تاما أو ناقصا لأن الأصل اعتبار الشهور بالأهلة لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه لتعذره ففي الشهر الذي أمكن اعتباره يجب أن يعتبر وهذا مذهب الشافعي, وأصحاب الرأي ويتوجه أن يقال: لا يجزئه إلا شهران بالعدد لأننا لما ضممنا إلى الخمسة عشر من المحرم خمسة عشر من صفر فصار ذلك شهرا صار ابتداء صوم الشهر الثاني من أثناء شهر أيضا وهذا قول الزهري.

فصل: فإن نوى صوم شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رمضان, ولا عن الكفارة وانقطع التتابع حاضرا كان أو مسافرا لأنه تخلل صوم الكفارة فطر غير مشروع وقال مجاهد, وطاوس: يجزئه عنهما وقال أبو حنيفة: إن كان حاضرا أجزأه عن رمضان دون الكفارة لأن تعيين النية غير مشترط لرمضان وإن كان في سفر, أجزأه عن الكفارة دون رمضان وقال صاحباه: يجزئ عن رمضان دون الكفارة سفرا وحضرا ولنا أن رمضان متعين لصومه, محرم صومه عن غيره فلم يجزئه عن غيره كيومي العيدين, ولا يجزئ عن رمضان لأن النبي -- قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى) وهذا ما نوى رمضان فلا يجزئه, ولا فرق بين الحضر والسفر لأن الزمان متعين وإنما جاز فطره في السفر رخصة فإذا تكلف وصام, رجع إلى الأصل فإن سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفارة وأفطر لم ينقطع التتابع لأنه زمن لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع التتابع بفطره كالليل. مسألة:

قال: وإذا كان المظاهر عبدا, لم يكفر إلا بالصيام وإذا صام فلا يجزئه إلا شهران متتابعان قد ذكرنا أن ظهار العبد صحيح وكفارته بالصيام لأن الله تعالى قال: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} والعبد لا يستطيع الإعتاق, فهو كالحر المعسر وأسوأ منه حالا وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئه غير الصيام, سواء أذن له سيده في التكفير بالعتق أو لم يأذن وحكي هذا عن الحسن وأبي حنيفة, والشافعي وعن أحمد رواية أخرى إن أذن له سيده في التكفير بالمال جاز وهو مذهب الأوزاعي, وأبي ثور لأنه بإذن سيده يصير قادرا على التكفير بالمال فجاز له ذلك كالحر وعلى هذه الرواية, يجوز له التكفير بالإطعام عند العجز عن الصيام وهل له العتق؟ على روايتين إحداهما لا يجوز وحكي هذا عن مالك وقال: أرجو أن يجزئه الإطعام وأنكر ذلك ابن القاسم صاحبه, وقال: لا يجزئه إلا الصيام وذلك لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإرث, وليس ذلك للعبد والرواية الثانية له العتق وهو قول الأوزاعي واختارها أبو بكر لأن من صح تكفيره بالإطعام صح بالعتق, ولا يمتنع صحة العتق مع انتفاء الإرث كما لو أعتق من يخالفه في دينه ولأن المقصود بالعتق إسقاط الملكية عن العبد وتمليكه نفع نفسه, وخلوصه من ضرر الرق وما يحصل من توابع ذلك ليس هو المقصود فلا يمنع من صحته ما يحصل منه المقصود, لامتناع بعض توابعه ووجه الأولى أن العبد مال لا يملك المال, فيقع تكفيره بالمال بمال غيره فلم يجزئه كما لو أعتق عبد غيره عن كفارته وعلى كلتا الروايتين, لا يلزمه التكفير بالمال وإن أذن له سيده فيه لأن فرضه الصيام فلم يلزمه غيره, كما لو أذن موسر لحر معسر في التكفير من ماله وإن كان عاجزا عن الصيام فأذن له سيده في التكفير بما شاء من العتق والإطعام فإن له التكفير بالإطعام لأن من لا يلزمه الإعتاق مع قدرته على الصيام, لا يلزمه مع عجزه عنه كالحر المعسر ولأن عليه ضررا في التزام المنة الكبيرة في قبول الرقبة, ولا يلزم مثل ذلك في الطعام لقلة المنة فيه وهذا فيما إذا أذن له سيده في التكفير قبل العود فإن عاد وجبت الكفارة في ذمته ثم أذن له سيده في التكفير, انبنى مع ذلك على أصل آخر وهو أن التكفير هل هو معتبر بحالة الوجوب أو بأغلظ الأحوال؟ وسنذكر ذلك - إن شاء الله تعالى - وعلى كل حال, فإذا صام لا يجزئه إلا شهران متتابعان لدخوله في عموم قوله تعالى: {فصيام شهرين متتابعين} ولأنه صوم في كفارة فاستوى فيه الحر والعبد ككفارة اليمين وبهذا قال الحسن, والشعبي والنخعي والزهري, والشافعي وإسحاق ولا نعلم لهم مخالفا إلا ما روي عن عطاء, أنه: لو صام شهرا أجزأه وقاله النخعي ثم رجع عنه إلى قول الجماعة. 
 فصل: 

والاعتبار في الكفارة بحالة الوجوب, في أظهر الروايتين وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه قال: إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق, فعليه الصوم لا يجزئه غيره وكذلك قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن عبد حلف على يمين فحنث فيها وهو عبد فلم يكفر حتى عتق, أيكفر كفارة حر أو كفارة عبد؟ قال: يكفر كفارة عبد لأنه إنما يكفر ما وجب عليه يوم حنث لا يوم حلف قلت له: حلف وهو عبد وحنث وهو حر؟ قال: يوم حنث واحتج فقال: افترى وهو عبد أي ثم أعتق فإنما يجلد جلد العبد وهو أحد أقوال الشافعي فعلى هذه الرواية يعتبر يساره وإعساره حال وجوبها عليه, فإن كان موسرا حال الوجوب استقر وجوب الرقبة عليه فلم يسقط بإعساره بعد ذلك وإن كان معسرا, ففرضه الصوم فإذا أيسر بعد ذلك لم يلزمه الانتقال إلى الرقبة والرواية الثانية, الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير فمتى وجد رقبة فيما بين الوجوب إلى حين التكفير لم يجزئه إلا الإعتاق وهذا قول ثان للشافعي لأنه حق يجب في الذمة بوجود مال, فاعتبر فيه أغلظ الحالين كالحج وله قول ثالث أن الاعتبار بحالة الأداء وهو قول أبي حنيفة ومالك لأنه حق له بدل من غير جنسه, فكان الاعتبار فيه بحالة الأداء كالوضوء ولنا أن الكفارة تجب على وجه الطهارة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب كالحد, أو نقول: من وجب عليه الصيام في الكفارة لم يلزمه غيره كالعبد إذا أعتق, ويفارق الوضوء فإنه لو تيمم ثم وجد الماء بطل تيممه, وهاهنا لو صام ثم قدر على الرقبة لم يبطل صومه, وليس الاعتبار في الوضوء بحالة الأداء فإن أداءه فعله وليس الاعتبار به, وإنما الاعتبار بأداء الصلاة وهي غير الوضوء وأما الحج فهو عبادة العمر وجميعه وقت لها, فمتى قدر عليه في جزء من وقته وجب بخلاف مسألتنا ثم يبطل ما ذكروه بالعبد إذا أعتق فإنه لا يلزمه الانتقال إلى العتق مع ما ذكروه فإن قيل: العبد لم يكن ممن تجب عليه الرقبة, ولا تجزئه فلما لم تجزئه الزيادة لم تلزمه بتغير الحال, بخلاف مسألتنا قلنا: هذا لا أثر له إذا ثبت هذا فإنه إذا أيسر فأحب أن ينتقل إلى الإعتاق, جاز له في ظاهر كلام الخرقي فإنه قال: ومن دخل في الصوم ثم قدر على الهدي, لم يكن عليه الخروج إلا أن يشاء وهذا يدل على أنه إذا شاء فله الانتقال إليه ويجزئه إلا أن يكون الحانث عبدا, فليس له إلا الصوم وإن عتق وهو قول الشافعي على القول الذي توافقنا فيه وذلك لأن العتق هو الأصل فوجب أن يجزئه كسائر الأصول فأما إن استمر به العجز حتى شرع في الصيام, لم يلزمه الانتقال إلى العتق بغير خلاف في المذهب وهو مذهب الشعبي وقتادة ومالك, والأوزاعي والليث والشافعي, وأبي ثور وابن المنذر وهو أحد قولي الحسن وذهب ابن سيرين وعطاء, والنخعي والحكم وحماد, والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي, إلى أنه يلزمه العتق لأنه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل فلزمه العود إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة, أو في أثنائها ولنا أنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام فلم يسقط عنه كما لو استمر العجز إلى بعد الفراغ, ولا يشبه الوضوء فإنه لو وجد الماء بعد التيمم بطل وهاهنا بخلافه, ولأنه وجد المبدل بعد الشروع في صوم البدل فلم يلزمه الانتقال إليه كالمتمتع يجد الهدي بعد الشروع في صيام السبعة.

 فصل: 

إذا قلنا: الاعتبار بحالة الوجوب فوقته في الظهار زمن العود, لا وقت المظاهرة لأن الكفارة لا تجب حتى يعود وقته في اليمين زمن الحنث لا وقت اليمين, وفي القتل زمن الزهوق لا زمن الجرح وتقديم الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها, لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل الحول وبعد وجوب النصاب.

 فصل: 

وإذا كان المظاهر ذميا فتكفيره بالعتق, أو الإطعام لأنه يصح منه في غير الكفارة فصح منه فيها ولا يجوز بالصيام لأنه عبادة محضة, والكافر ليس من أهلها ولأنه لا يصح منه في غير الكفارة فلا يصح منه فيها, ولا يجزئه في العتق إلا عتق رقبة مؤمنة فإن كانت في ملكه أو ورثها, أجزأت عنه وإن لم يكن كذلك فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة لأن الكافر لا يصح منه شراء المسلم, ويتعين تكفيره بالإطعام إلا أن يقول لمسلم: أعتق عبدك عن كفارتي وعلى ثمنه فيصح, في إحدى الروايتين وإن أسلم الذمي قبل التكفير بالإطعام فحكمه حكم العبد يعتق قبل التكفير بالصيام, على ما مضى لأنه في معناه وإن ظاهر وهو مسلم ثم ارتد فصام في ردته عن كفارته, لم يصح وإن كفر بعتق أو إطعام فقد أطلق أحمد القول أنه لا يجزئه وقال القاضي: المذهب أن ذلك موقوف فإن أسلم تبينا أنه أجزأه وإن مات أو قتل تبينا أنه لم يصح منه, كسائر تصرفاته.

 مسألة: 

قال: ومن وطئ قبل أن يأتي بالكفارة كان عاصيا وعليه الكفارة المذكورة قد ذكرنا أن المظاهر يحرم عليه وطء زوجته قبل التكفير لقول الله تعالى في العتق والصيام: {من قبل أن يتماسا} فإن وطئ عصى ربه لمخالفة أمره, وتستقر الكفارة في ذمته فلا تسقط بعد ذلك بموت ولا طلاق, ولا غيره وتحريم زوجته عليه باق بحاله حتى يكفر هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن سعيد بن المسيب, وعطاء وطاوس وجابر بن زيد, ومورق العجلي وأبي مجلز والنخعي, وعبد الله بن أذينة ومالك والثوري, والأوزاعي والشافعي وإسحاق, وأبي ثور وروى الخلال عن الصلت بن دينار قال: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر؟ قالوا: ليس عليه إلا كفارة واحدة الحسن وابن سيرين, وبكر المزني ومورق العجلي وعطاء, وطاوس ومجاهد وعكرمة, وقتادة وقال وكيع: وأظن العاشر نافعا وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين وروي ذلك عن قبيصة, وسعيد بن جبير والزهري وقتادة لأن الوطء يوجب كفارة, والظهار موجب للأخرى وقال أبو حنيفة: لا تثبت الكفارة في ذمته وإنما هي شرط للإباحة بعد الوطء كما كانت قبله وحكي عن بعض الناس أن الكفارة تسقط لأنه فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس ولنا حديث (سلمة بن صخر حين ظاهر ثم وطئ قبل التكفير فأمره النبي -- بكفارة واحدة) ولأنه وجد الظهار والعود, فيدخل في عموم قوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة} فأما قولهم: فات وقتها فيبطل بما ذكرناه وبالصلاة وسائر العبادات يجب قضاؤها بعد فوات وقتها.

 مسألة: 

قال: وإذا قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة, ولزمتها كفارة الظهار لأنها قد أتت بالمنكر من القول والزور وجملة ذلك أن المرأة إذا قالت لزوجها: أنت علي كظهر أبي أو قالت: إن تزوجت فلانا فهو علي كظهر أبي فليس ذلك بظهار قال القاضي: لا تكون مظاهرة رواية واحدة وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك, والشافعي وإسحاق وأبو ثور, وأصحاب الرأي وقال الزهري والأوزاعي: هو ظهار وروي ذلك عن الحسن والنخعي, إلا أن النخعي قال: إذا قالت ذلك بعدما تزوج فليس بشيء ولعلهم يحتجون بأنها أحد الزوجين ظاهر من الآخر فكان مظاهرا كالرجل ولنا قول الله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} فخصهم بذلك, ولأنه قول يوجب تحريما في الزوجة يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل, كالطلاق ولأن الحل في المرأة حق للرجل فلم تملك المرأة إزالته, كسائر حقوقه إذا ثبت هذا فاختلف عن أحمد في الكفارة فنقل عنه جماعة: عليها كفارة الظهار لما روى الأثرم, بإسناده عن إبراهيم أن عائشة بنت طلحة قالت: إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي فسألت أهل المدينة, فرأوا أن عليها الكفارة وروى على بن مسهر عن الشيباني قال: كنت جالسا في المسجد, أنا وعبد الله بن مغفل المزني فجاء رجل حتى جلس إلينا فسألته من أنت؟ فقال: أنا مولى لعائشة بنت طلحة, التي أعتقتني عن ظهارها خطبها مصعب بن الزبير فقالت: هو علي كظهر أبي إن تزوجته ثم رغبت فيه بعد, فاستفتت أصحاب رسول الله -- وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه فأعتقتني وتزوجته وروى سعيد هذين الخبرين مختصرين, ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول والزور فلزمه كفارة الظهار كالآخر ولأن الواجب كفارة يمين, فاستوى فيها الزوجان كاليمين بالله تعالى والرواية الثانية: ليس عليها كفارة وهو قول مالك والشافعي, وإسحاق وأبي ثور لأنه قول منكر وزور وليس بظهار, فلم يوجب كفارة كالسب والقذف ولأنه قول ليس بظهار فلم يوجب كفارة الظهار, كسائر الأقوال أو تحريم مما لا يصح منه الظهار فأشبه الظهار من أمته والرواية الثالثة: عليها كفارة اليمين قال أحمد: قد ذهب عطاء مذهبا حسنا, جعله بمنزلة من حرم على نفسه شيئا مثل الطعام وما أشبه وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه بأصوله لأنه ليس بظهار ومجرد القول من المنكر والزور لا يوجب كفارة الظهار, بدليل سائر الكذب والظهار قبل العود والظهار من أمته وأم ولده, ولأنه تحريم لا يثبت التحريم في المحل فلم يوجب كفارة الظهار كتحريم سائر الحلال ولأنه ظهار من غير امرأته, فأشبه الظهار من أمته وما روي عن عائشة بنت طلحة في عتق الرقبة, فيجوز أن يكون إعتاقها تكفيرا ليمينها فإن عتق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين ويتعين حمله على هذا لكون الموجود منها ليس بظهار, وكلام أحمد في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار, إنما قال: الأحوط أن تكفر وكذا حكاه ابن المنذر ولا شك في أن الأحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف ولكن ليس ذلك بواجب عليه لأنه ليس بمنصوص عليه, ولا هو في معني المنصوص وإنما هو تحريم للحلال من غير ظهار فأشبه ما لو حرم أمته, أو طعامه وهذا قول عطاء والله أعلم. فصل: وإذا قلنا بوجوب الكفارة عليها فلا تجب عليها حتى يطأها وهي مطاوعة فإن طلقها, أو مات أحدهما قبل وطئها أو إكراهها على الوطء فلا كفارة عليها لأنها يمين, فلا تجب كفارتها قبل الحنث فيها كسائر الأيمان ولا يجب تقديمها قبل المسيس ككفارات سائر الأيمان, ويجوز تقديمها لذلك وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير لأنه حق له عليها فلا يسقط بيمينها, ولأنه ليس بظهار وإنما هو تحريم لحلال فلا يثبت تحريما, كما لو حرم طعامه وحكي أن ظاهر كلام أبي بكر أنها لا تمكنه قبل التكفير إلحاقا بالرجل وليس ذلك بجيد لأن الرجل الظهار منه صحيح, ولا يصح ظهار المرأة ولأن الحل حق الرجل فملك رفعه, والحل حق عليها فلا تملك إزالته والله أعلم.

 مسألة: 

قال: وإذا ظاهر من زوجته مرارا فلم يكفر, فكفارة واحدة هذا ظاهر المذهب سواء كان في مجلس أو مجالس ينوي بذلك التأكيد, أو الاستئناف أو أطلق نقله عن أحمد جماعة واختاره أبو بكر وابن حامد, والقاضي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال عطاء وجابر بن زيد وطاوس, والشعبي والزهري ومالك, وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وهو قول الشافعي القديم ونقل عن أحمد, في من حلف أيمانا كثيرة فإن أراد تأكيد اليمين فكفارة واحدة فمفهومه أنه إن نوى الاستئناف فكفارتان وبه قال الثوري, والشافعي في الجديد وقال أصحاب الرأي: إن كان في مجلس واحد فكفارة واحدة وإن كان في مجالس, فكفارات وروي ذلك عن علي وعمرو بن دينار وقتادة لأنه قول يوجب تحريم الزوجة, فإذا نوى الاستئناف تعلق بكل مرة حكم حالها كالطلاق ولنا أنه قول لم يؤثر تحريما في الزوجة, فلم تجب به كفارة الظهار كاليمين بالله تعالى ولا يخفى أنه لم يؤثر تحريما, فإنها قد حرمت بالقول الأول ولم يزد تحريمها ولأنه لفظ يتعلق به كفارة, فإذا كرره كفاه واحدة كاليمين بالله تعالى وأما الطلاق فما زاد عن ثلاث, لا يثبت له حكم بالإجماع وبهذا ينتقض ما ذكروه وأما الثالثة فإنها تثبت تحريما زائدا, وهو التحريم قبل زوج وإصابة بخلاف الظهار الثاني فإنه لا يثبت به تحريم, فنظيره ما زاد على الطلقة الثالثة لا يثبت له حكم فكذلك الظهار الثاني فأما إن كفر عن الأول, ثم ظاهر لزمته للثاني كفارة بلا خلاف لأن الظهار الثاني مثل الأول, فإنه حرم الزوجة المحللة فأوجب الكفارة كالأول بخلاف ما قبل التكفير.

 فصل: 

والنية شرط في صحة الكفارة لقول النبي --: (إنما الأعمال بالنيات) ولأن العتق يقع متبرعا به, وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة إلا بنية, وصفتها أن ينوي العتق أو الصيام أو الإطعام عن الكفارة, فإن زاد الواجبة كان تأكيدا وإلا أجزأت نيته الكفارة وإن نوى وجوبها ولم ينو الكفارة, لم يجزئه لأن الوجوب يتنوع عن كفارة ونذر فوجب تمييزه وموضع النية مع التكفير أو قبله بيسير وهذا الذي نص عليه الشافعي, وقال به بعض أصحابه وقال بعضهم: لا يجزئ حتى يستصحب النية وإن كانت الكفارة صياما اشترط نية الصيام عن الكفارة في كل ليلة لقوله: عليه السلام (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) وإن اجتمعت عليه كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها وبهذا قال الشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا فعلى هذا لو كان مظاهرا من أربع نساء, فأعتق عبدا عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له واحدة غير معينة لأنه واجب من جنس واحد, فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان وقياس المذهب أن يقرع بينهن فتخرج بالقرعة المحللة منهن وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي: له أن يصرفها إلى أيتهن شاء, فتحل وهذا يفضي إلى أنه يتخير بين كون هذه المرأة محللة له أو محرمة عليه وإن كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق عبدا عن إحداهن, ثم صام شهرين متتابعين عن أخرى ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عن أخرى, أجزأه وحل له الجميع من غير قرعة ولا تعيين وبهذا قال الشافعي, وأصحاب الرأي وقال أبو ثور: يقرع بينهن فمن تقع لها القرعة فالعتق لها, ثم يقرع بين الباقيتين فمن تقع لها القرعة فالصيام لها والإطعام عن الثالثة لأن كل واحدة من هذه الخصال لو انفردت, احتاجت إلى قرعة فكذلك إذا اجتمعت ولنا أن التكفير قد حصل عن الثلاث وزالت حرمة الظهار, فلم يحتج إلى قرعة كما لو أعتق ثلاثة أعبد عن ظهارهن دفعة واحدة فأما إن كانت الكفارة من أجناس كظهار وقتل, وجماع في رمضان ويمين فقال أبو الخطاب: لا يفتقر إلى تعيين السبب وهذا مذهب الشافعي لأنها عبادة واجبة, فلم تفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كانت من جنس واحد وقال القاضي: يحتمل أن يشترط تعيين سببها ولا تجزئ نية مطلقة وحكاه أصحاب الشافعي عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما عبادتان من جنسين, فوجب تعيين النية لهما كما لو وجب عليه صوم من قضاء ونذر فعلى هذا لو كانت عليه كفارة واحدة, لا يعلم سببها فكفر كفارة واحدة أجزأه, على الوجه الأول قاله أبو بكر وعلى الوجه الثاني ينبغي أن يلزمه التكفير بعدد أسباب الكفارات كل واحدة عن سبب, كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فإنه يلزمه خمس صلوات ولو علم أن عليه صوم يوم, لا يعلم أمن قضاء هو أو نذر لزمه صوم يومين فإن كان عليه صوم ثلاثة أيام, لا يدري أهي من كفارة يمين أو قضاء أو نذر, لزمه صوم تسعة أيام كل ثلاثة عن واحدة من الجهات الثلاث.

 فصل: 

وإذا كانت على رجل كفارتان فأعتق عنهما عبدين, لم يخل من أربعة أحوال: أحدها أن يقول: أعتقت هذا عن هذه الكفارة وهذا عن هذه فيجزئه, إجماعا الثاني أن يقول: أعتقت هذا عن إحدى الكفارتين وهذا عن الأخرى من غير تعيين, فينظر فإن كانا من جنس واحد ككفارتي ظهار أو كفارتي قتل, أجزأه وإن كانتا من جنسين ككفارة ظهار وكفارة قتل, خرج على الوجهين في اشتراط تعيين السبب إن قلنا: يشترط لم يجزئه واحد منهما وإن قلنا: لا يشترط أجزأه عنهما الثالث أن يقول: أعتقتهما عن الكفارتين فإن كانتا من جنس واحد أجزأ عنهما ويقع كل واحد عن كفارة, ولأن عرف الشرع والاستعمال إعتاق الرقبة عن الكفارة فإذا أطلق ذلك وجب حمله عليه وإن كانتا من جنسين, خرج على الوجهين الرابع - أن يعتق كل واحدة عنهما جميعا فيكون معتقا عن كل واحدة من الكفارتين نصف العبدين فينبني ذلك على أصل آخر, وهو إذا أعتق نصف رقبتين عن كفارة هل يجزئه أو لا؟ فعلى قول الخرقي يجزئه لأن الأشقاص بمنزلة الأشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير, بدليل الزكاة فإن من ملك نصف ثمانين شاة كان بمنزلة من ملك أربعين, ولا تلزم الأضحية فإنه يمنع منه العيب اليسير وقال أبو بكر وابن حامد: لا يجزئه وهو قول مالك, وأبي حنيفة لأن ما أمر بصرفه إلى شخص في الكفارة لم يجز تفريقه على اثنين كالمد في الإطعام ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين, ولهم وجه ثالث وهو أنه إن كان باقيهما حرا أجزأ وإلا فلا لأنه متى كان باقيهما حرا, حصل تكميل الأحكام والتصرف وخرجه القاضي وجها لنا أيضا إلا أن للمعترض عليه أن يقول: إن تكميل الأحكام ما حصل بعتق هذا وإنما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر, فلم يجزئه فإذا قلنا: لا يجزئ عتق النصفين لم يجزئ في هذه المسألة: عن شيء من الكفارتين وإن قلنا: يجزئ وكانت الكفارتان من جنس أجزأ العتق عنهما وإن كانتا من جنسين فقد قيل: يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجها واحدا لأن عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما.

 فصل: 

ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه, فلو قال لعبده: أنت حر الساعة عن ظهاري إن تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظهاره إن ظاهر لأنه قدم الكفارة على سببها المختص فلم يجز كما لو قدم كفارة اليمين عليها, أو كفارة القتل على الجرح ولو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي لم يجز التكفير قبل دخول الدار لأنه تقديم للكفارة قبل الظهار فإن أعتق عبدا عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد, وصار مظاهرا ولم يجزئه لأن الظهار معلق على شرط فلا يوجد قبل وجود شرطه وإن قال لعبده: إن تظاهرت, فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه عن الظهار؟ فيه وجهان: أحدهما - يجزئه لأنه عتق بعد الظهار, وقد نوى إعتاقه عن الكفارة والثاني - لا يجزئه لأن عتقه مستحق بسبب آخر وهو الشرط ولأن النية لم توجد عند العتق, والنية عند التعليق لا تجزئ لأنه تقديم لها على سببها وإن قال لعبده: إن تظاهرت فأنت حر عن ظهاري فالحكم فيه كذلك لأنه تعليق لعتقه على المظاهرة.