المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية

المنظومة الميمية
في الوصايا والآداب العلمية
  ► ◄  

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ عَلى ** آلائه وهْوَ هلُ الحَمْدِ والنِّعَمِ

ذي الملكِ والملكوتِ الواحِدِ الصمَدِ ال ** بَرِّ المهيْمِنِ مُبدِي الخلْقِ مِن عَدَمِ

مَنْ عَلَّمَ الناسَ ما لا يعْلمونَ وبِالْ ** بَيانِ أنْطَقَهُمْ والخَطِّ بالقَلَمِ

ثمَّ الصلاةُ على المُخْتارِ أكرَمِ مَبْ ** عُوثٍ بِخيْرِ هُدًى في أفضَلِ الأُمَمِ

والآلِ والصَّحْبِ والأتْباع قاطِبَةً ** والتابِعينَ بإحْسانٍ لِنَهْجِهِمِ

ما لاحَ نَجْمٌ وما شمسُ الضُّحى طَلَعَتْ ** وعَدُّ أنْفاسِ ما في الكوْنِ مِن نَسَمِ

وبَعْدُ مَنْ يُرِدِ اللهُ العظيمُ بِهِ ** خيْرًا يُفَقِّهَهُ فِي دِينهِ القِيَمِ

وحَثَّ ربِّي وحَضَّ المؤمنينَ عَلى ** تَفَقُّهِ الدِّينِ معْ إنْذارِ قَوْمِهِمِ

وامْتَنَّ رَبِّي عَلى كلِّ العِبادِ وكُلْ ** لِ الرُّسْلِ بالعِلْمِ فاذْكُرْ أكْبَرَ النِّعَمِ

يَكفِيكَ في ذاكَ أُولَى سُورَةٍ نَزَلَتْ ** عَلى نَبِيِّكَ أعْني سورَة القَلَمِ

كذاكَ فِي عِدَّةِ الآلاءِ قدَّمَهُ ** ذِكْرًا وقَدَّمَهُ في سُورَةِ النَّعَمِ

ومَيزَهُ اللهُ حَتى في الجوارِحِ مَا ** مِنْها يُعلمُ عنْ باغٍ ومُغْتَشِمِ

وذمَّ ربِّي تعالَى الجاهِلِينَ بِهِ ** أشَدَّ ذمٍّ فَهُمْ أدْنى مِنَ البُهمِ

وليْسَ غِبْطَةٌ اْلا في اثْنَتَيْنِ هُما الْ ** إحْسانُ في المالِ أو في العِلْمِ والحكمِ

ومِنْ صِفاتِ أُولِي الإيمانِ نَهْمَتُهُمْ ** فِي العِلْمِ حتى اللَّقَى غِبْط بِذِي النَّهَمِ

العِلْمُ أغْلَى وأحْلى ما لَهُ اسْتَمَعَتْ ** أذْنٌ وأعْرَبَ عنهُ ناطِقٌ بِفَمِ

العِلْمُ غايَتُهُ القُصْوَى ورُتْبَتُهُ الْ ** عَلْياءُ فاسْعَوا إليهِ يَا أُولِي الهِمَمِ

العِلْمُ أشْرَفُ مَطْلوبٍ وَطالِبُهُ ** للهِ أكْرَمُ مَن يَمْشِي عَلى قَدَمِ

العِلْمُ نورٌ مُبِينٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ ** أهْلُ السَّعادَةِ والجُهَّالُ فِي الظُّلَمِ

الْعِلْمُ أعْلَى حَياةٍ للعِبادِ كَما ** أهْلُ الجَهالَةِ أمْواتٌ بِجَهْلِهِمِ

لا سَمْع لا عَقْل بل لا يُبْصِرونَ وفِي السْ ** سَعِيرِ مُعْتَرِفٌ كُلٌّ بِذَنْبِهِمِ

فالجَهْلُ أَصْلُ ضَلَالِ الخَلْقِ قاطِبَةً ** وأصْلُ شَقْوَتِهِمْ طُرًّا وظُلْمِهِمِ

والعِلْمُ أصْلُ هُداهُمْ مَعْ سَعادَتِهِمْ ** فلا يَضِلُّ ولا يَشْقى ذَوُو الْحِكَمِ

والخَوفُ بالجهْلِ والحُزْنُ الطويلُ بِهِ ** وعَن أُولِي العِلْمِ مَنْفِيَّانِ فَاعْتَصِمِ

العِلْمُ واللهِ مِيراثُ النُّبُوَّةِ لا ** ميراثَ يُشْبِهُهُ طوبَى لِمُقْتَسِمِ

لأنَّهُ إرْثُ حَقٍّ دائِم أبَدًا ** وما سِواهُ إلى الإِفْنَاءِ والعَدَمِ

ومنْه إرْثُ سُليْمانَ النُّبُوَّة والْ ** فَضْل المُبِين فمَا أوْلاهُ بِالنِّعَمِ

كذَا دَعا زكريا ربَّهُ بِوَلِي ** الآلِ خَوفَ الموالِي مِن وَرائِهِمِ

العِلْمُ مِيزانُ شَرْعِ اللهِ حيثُ بِهِ ** قِوامُهُ وبِدُونِ العِلْمِ لَمْ يَقُمِ

وكُلَّما ذُكِرَ السُّلطانُ في حُجَجٍ ** فالعِلْمُ لا سُلْطَةُ الأيْدِي لَمُحْتَكِمِ

فسُلطَة اليَدِ بالأبْدانِ قاصِرَةٌ ** تَكونُ بالعَدْلِ أوْ بالظُّلْمِ والغَشَمِ

وسُلْطَةُ العِلْمِ تَنْقادُ القُلوبُ لَها ** إلَى الهُدَى وإلَى مَرْضاةِ رَبِّهِمِ

ويَذْهَبُ الدِّينُ والدُّنْيا إذَا ذَهَبَ الْ ** عِلْمُ الّذِي فيهِ مَنْجاةٌ لِمُعْتَصِمِ

العِلْمُ يا صَاحِ يَسْتَغْفِرْ لِصاحِبِهِ ** أهلُ السّماوَاتِ والأرْضِينَ مِنْ لَمَمِ

كَذَاكَ تَسْتَغِفِرُ الحْيتانُ في لُجَجٍ ** مِن البِحارِ لَه فِي الضَّوْءِ والظُّلَمِ

وخارِجٍ فِي طِلابِ العِلمِ مُحْتَسِبًا ** مُجاهِدٌ في سَبيلِ أيُّ كَمِي

وإنَّ أجْنِحَةَ الأمْلاكِ تَبْسِطُها ** لِطالِبِيهِ رضًا مِنْهُمْ بِصُنْعِهِمِ

والسَّالِكونَ طريقَ العِلْمِ يَسْلُكُهُمْ ** إلَى الجِنانِ طريقًا بارئُ النَّسَمِ

والسَّامِعُ العِلْمَ والوَاعِي لِيَحْفَظَهُ ** مُؤَدِّيًا ناشِرًا إيَّاهُ في الأمَمِ

فيَا نَضَارَتَهُ إذْ كاَنَ مُتَّصِفًا ** بِذا بِدَعْوَةِ خَيْرِ الخَلْقِ كُلِّهِمِ

كَفاكَ فِي فَضْلِ أهْلِ العِلْمِ أنْ رَفَعُوا ** مِنْ أجْلِهِ دَرَجاتٍ فوْقَ غَيْرِهِمِ

وكانَ فضْلُ أبِينَا فِي القَدِيمِ عَلى الْ ** أمْلاكِ بالعِلْمِ مِن تَعْلِيمِ رَبِّهِمِ

كذاكَ يوسُفُ لَمْ تَظْهَرْ فَضِيلَتُهُ ** لِلعالَمينَ بِغَيْرِ العِلْمِ والْحِكَمِ

وما اتِّباعُ كَليمِ اللهِ لِلْخَضِرِ الْ ** مَعْروفِ إلا لعِلْمٍ عَنْهُ مُنْبَهِمِ

مَعْ فَضْلِهِ بِرِسالاتِ الإلَهِ لَهُ ** وَمَوْعِدٍ وسَماعٍ مِنْهُ لِلْكَلِمِ

وقَدَّمَ المصْطفى بالعِلْمِ حامِلَهُ ** أعْظِمْ بِذلِكَ تَقْدِيمًا لِذِي قِدَمِ

كفَاهُمُو أنْ غَدَوْا لِلْوَحْيِ أوْعِيَةً ** وأضْحَتِ الآيُ مِنْهُ فِي صُدورِهِمِ

وخصَّهُمْ ربُّنا بَصَرًا بِخَشْيَتِهِ ** وعَقْلُ أمْثالِهِ فِي أصْدَقِ الكَلِمِ

ومَعْ شَهادَتِهِ جاءَتْ شَهادَتُهُمْ ** حَيْثُ اسْتَجابُوا وأهْلُ الجَهْلِ في صَمَمِ

ويَشْهدُونَ عَلى أهْلِ الجَهالَةِ بالْ ** مَوْلَى إذا اجتَمَعُوا فِي يَوْمِ حَشْرِهِمِ

والعَالِمُونَ عَلى العِبادِ فَضْلُهُمُو ** كالبَدْرِ فَضْلا عَلى الدُّرِّيِّ فَاغْتَنِمِ

وعَالِمٌ مِنْ أُولِي التّقْوَى أشدُّ عَلى ال ** شيْطانِ مِنْ ألْف عُبَّادٍ بِجَمْعِهِمِ

ومَوْتُ قَوْمٍ كَثِيرُو الْعَدِّ أيْسَرُ مِنْ ** حَبْرٍ يَموتُ مُصَابٌ واسِعُ الألَمِ

كَمَا مَنافِعُهُ فِي العالَمِ اتَّسَعَتْ ** وَلِلشّيَاطِينِ أفْراحٌ بِمَوْتِهِمِ

تَاللهِ لَوْ عَلِمُوا شَيْئًا لَمَا فَرِحُوا ** لأنَّ ذَلِكَ مِن أعْلامِ حَتْفِهِمِ

همُ الرُّجُومُ بِحَقٍّ كُلَّ مُسْتَرِقٍ ** سَمْعًا كَشُهْبِ السَّمَا أعْظِمْ بِشُهْبِهِمِ

لأنَّهَا لِكِلا الجِنْسَيْنِ صائِبَةٌ ** شيطانِ إنْسٍ وجِنٍّ دونَ بَعْضِهِمِ

هُمُ الهُداةُ إلى أهْدَى السَّبيلِ وأهْ ** لُ الجَهْلِ عنْ هَدْيِهِمْ ضَلُّوا لِجَهْلِهِمِ

وفَضْلُهُمْ جاءَ في نصِّ الكِتابِ وفِي الْ ** حَديثِ أشْهَرُ مِنْ نارٍ عَلى عَلَمِ

يا طالِبَ العِلمِ لا تَبْغِي به بَدَلا ** فقَدْ ظَفَرْتَ ورَبِّ اللَّوْحِ والْقَلَمِ

وقَدِّسِ العِلمَ واعْرِفْ قَدْرَ حُرْمَتِهِ ** فِي القَوْلِ والفِعْلِ والآدابَ فَالْتَزِمِ

واجْهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَاءَ لَهُ ** لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ

والنُّصْحُ فابْذُلْهُ لِلطُّلابِ مُحْتَسِبًا ** في السِّرِّ والْجَهْرِ والأُسْتاذَ فَاحْتَرِمِ

ومَرْحَبًا قُلْ لِمَنْ يَأتِيكَ يَطْلُبُهُ ** وفِيهِمِ احْفَظْ وَصايَا الْمُصْطَفَى بِهِمِ

والنِّيَّةَ اجْعَلْ لِوَجْهِ اللهِ خالصَةً ** إنَّ البِناءَ بدونِ الأصْلِ لَمْ يَقُمِ

ومَن يَكُنْ لِيَقُولَ الناسُ يَطْلُبُهُ ** أخْسِرْ بِصَفْقَتِهِ فِي مَوْقِفِ النَّدَمِ

ومَنْ به يَبْتَغِي الدُّنْيا فَلَيْسَ بِهِ ** يَومَ القِيامَةِ مِن حَظٍّ ولا قَسَمِ

كَفَى بِهِ (مَن كانَ) فِي شورَى وهُودٍ وفِي الْ ** إسْراءِ مَوْعِظَةً لِلحَاذِقِ الفَهِمِ

إيَّاكَ واحْذَرْ مُمارَاةَ السَّفِيهِ بِهِ ** كَذا مُباهاةَ أهْلِ العِلْمِ لا تَرُمِ

فإنَّ أبْغَضَ كلِّ الخَلْقِ أجْمَعِهِمْ ** إلى الإلَهِ ألَدُّ الناسِ فِي الخِصَمِ

والعُجْبَ فاحْذَرْهُ إنَّ العُجْبَ مُجْتَرِفٌ ** أعْمالَ صاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ

وبِالْمُهِمِّ الْمُهِمِّ ابْدَأْ لِتُدْرِكَهُ ** وَقَدِّمِ النَّصَّ والآرَاءَ فَاتَّهِمِ

قَدِّمْ وُجوبًا عُلومَ الدِّينِ إنَّ بِها ** يَبِينُ نَهجُ الهُدَى مِن مُوجِبِ النِّقَمِ

وكلُّ كَسْرِ الفَتَى فالدِّينُ جابِرُهُ ** وَالكَسْرُ فِي الدِّينِ صَعْبٌ غَيْرُ مُلْتَئِمِ

دَعْ عَنْكَ ما قالَهُ العَصْرِيُّ مُنْتَحِلا ** وبالعَتِيقِ تَمَسَّكْ قطُّ واعْتَصِمِ

ما العِلْمُ إلا كِتابُ اللهِ أو أثَرٌ ** يَجْلو بِنُورِ هُداهُ كلُّ مُنْبَهِمِ

مَا ثَمَّ عِلْمٌ سِوى الوَحْيِ المُبينِ ومَا ** مِنْهُ اسْتُمِدَّ ألا طُوبَى لِمُغْتَنِمِ

والكَتْمُ لِلعِلْمِ فاحْذَرْ إنَّ كاتِمَهُ ** فِي لَعْنَةِ اللهِ والأقْوامِ كلِّهِمِ

ومِن عُقوبَتِهِ أنْ فِي الْمَعادِ لَهُ ** مِنَ الجَحيمِ لِجَامًا لَيْسَ كَاللُّجُمِ

وصائِنُ العِلْمِ عمَّنْ لَيْسَ يَحْمِلُهُ ** ما ذا بِكِتْمانِ بلْ صَوْنٌ فَلا تَلُمِ

وإنَّمَا الكَتْمُ مَنْعُ العِلْمِ طالِبَهُ ** مِن مُسْتَحِقٍّ لَهُ فَافْهَمْ ولا تَهِمِ

وأتْبِعِ العِلمَ بالأعْمالِ وادْعُ إلَى ** سَبيلِ ربِّكَ بالتِّبْيانِ والْحِكَمِ

واصْبِرْ عَلى لاحِقٍ مِنْ فِتْنَةٍ وأذَى ** فِيهِ وفِي الرُّسْلِ ذكرى فاقْتَدِهْ بِهِمِ

لَواحِدٌ بِكَ يَهْدِيهِ الإلَهُ لَذَا ** خَيْرٌ غَدًا لكَ مِنْ حُمْرٍ مِن النَّعَمِ

واسْلُكْ سَواءَ الصِّراطِ المسْتَقِيمِ ولا ** تَعْدِلْ وقُلْ ربِّيَ الرحمْنُ واسْتَقِمِ

الوصية بكتاب الله عز وجل

عدل

وَبَالتَّدَبُّرِ والتّرتِيلِ فَاتْلُ كِتا ** بَ اللهِ لاسِيَّما في حِنْدسِ الظُّلَمِ

حَكِّمْ بَراهِينَهُ واعْمَلْ بِمُحْكَمِهِ ** حِلًّا وحَظْرًا ومَا قدْ حَدَّهُ أقِمِ

واطْلُبْ مَعانِيهِ بالنَّقْلِ الصّريحِ ولا ** تَخُضْ بِرَأيِكَ واحْذَرْ بَطْشَ مُنْتَقِمِ

فمَا عَلِمْتَ بِمَحْضِ النَّقْلِ مِنْهُ فَقُلْ ** وَكِلْ إلَى اللهِ مَعْنى كلِّ مُنْبَهِمِ

ثُمّ الْمِرَا فيه كُفْرٌ فاحْذَرَنْهُ ولا ** يَسْتَهْوِيَنَّكَ أقوامٌ بِزَيْغِهِمِ

وعنْ مَناهِيهِ كُنْ يا صاحِ مُنْزَجِرًا ** والأمْرُ منهُ بلا تِردادِ فالْتَزِمِ

وما تَشابَهَ فَوِّضْ لِلإلهَ وَلا ** تَخُضْ فَخَوْضُكَ فيه مُوجِبُ النِّقَمِ

ولا تُطِعْ قولَ ذي زيْغٍ يُزَخْرِفُهُ ** مِنْ كُلِّ مُبْتَدِعٍ في الدين مُتَّهَمِ

حَيْرانَ ضلَّ عنِ الحقِّ الْمُبينِ فلا ** يَنْفَكُّ مُنْحَرِفًا مُعْوَجّ لَمْ يَقُمِ

هُوَ الكِتابُ الذي مَن قامَ يَقْرَؤُهُ ** كَأنَّما خاطَبَ الرَّحْمَنَ بالكَلِمِ

هُوَ الصِّراطُ هُو الْحَبْلُ الْمَتِينُ هُوَ الْ ** ميزانُ والعُرْوَةُ الوُثْقَى لَمُعْتَصِمِ

هُو البَيانُ هُو الذِّكْرُ الْحَكِيمُ هُوَ التْ ** تَفْصِيلُ فاقْنَعْ بِهِ فِي كُلِّ مُنْبَهِمِ

هُو البَصائِرُ والذكرَى لِمُدَّكِرٍ ** هو الْمواعِظُ والبُشْرى لِغَيرِ عَمِي

هُو الْمُنَزَّلُ نُورًا بَيِّنًا وهُدًى ** وهو الشِّفاءُ لِما فِي القَلْبِ مِن سَقَمِ

لَكَنَّهُ لِأُولِي الإيمانِ إذْ عَمِلُوا ** بِما أتَى فِيه مِنْ عِلْمٍ ومِنْ حِكَمِ

أمَّا عَلى مَن تَوَلّى عنه فهو عَمًى ** لِكَوْنِهِ عَنْ هُداهُ الْمُسْتَنيرِ عُمِي

فمَنْ يُقِمْهُ يَكُنْ يَومَ الْمَعادِ لَهُ ** خَيرَ الإِمامِ إلَى الفِرْدَوسِ والنِّعَمِ

كمَا يَسُوقُ أولِي الإِعْراضِ عنهُ إلَى ** دارِ الْمَقامِعِ والأَنْكالِ والألَمِ

وقَدْ أتَى النصُّ في الطُّولَيْنِ أنَّهُما ** ظِلٌّ لِتالِيهِما فِي مَوْقِفِ الغَمَمِ

وأنَّه فِي غَدٍ يَأتِي لِصاحِبِهِ ** مُبَشِّرًا وحَجِيجًا عَنْهُ إنْ يَقُمِ

والْمُلْكَ والْخُلْدَ يُعْطِيهِ ويُلْبِسُهُ ** تاجَ الوَقارِ الإِلهُ الْحَقُّ ذو الكَرَمِ

يُقالُ اقْرَأْ ورَتِّلْ وارْقَ فِي غُرَفِ الْ ** جَناتِ كيْ تَنْتَهِي لِلْمَنْزِلِ النَّعِمِ

وحُلَّتانِ مِن الفِرْدَوسِ قَدْ كُسِيَتْ ** لِوالِدَيْهِ لَها الأكْوانُ لَمْ تَقُمِ

قالَا بِماذا كُسِيناهَا فقيلَ بِما ** أقْرَأْتُمَا ابْنَكُما فاشْكُرْ لِذِي النِّعَمِ

كَفَى وحَسْبُكَ بالقُرْآنِ مُعْجِزَةً ** دامَتْ لَدَيْنَا دومًا غيْرَ مُنْصَرِمِ

لَمْ يَعْتَرِهْ قطُّ تَبْدِيلٌ ولا غِيَرٌ ** وَجَلَّ فِي كَثْرَةِ التَّرْدادِ عنْ سَأَمِ

مُهَيْمِنًا عَرَبِيًّا غَيرَ ذِي عِوَجٍ ** مُصَدِّقًا جاءَ فِي التَّنْزِيلِ فِي القِدَمِ

فيهِ التفاصِيلُ للأحْكامِ مَعْ نَبَأٍ ** عمَّا سَيأتِي وعنْ ماضٍ مِن الأمَمِ

فانْظُرْ قَوارِعَ آياتِ الْمَعادِ بِهِ ** وانْظُرْ لِما قَصَّ عَنْ عادٍ وعنْ إرَمِ

وانْظُرْ بهِ شَرْحَ أحْكامِ الشَّريعَةِ هلْ ** تَرى بِها مِن عَويصٍ غَيرِ مُنْفَصِمِ

أمْ مِن صَلاحٍ ولَمْ يَهْدِ الأنامَ لَهُ ** أمْ بابُ هلْكٍ ولَمْ يَزْجُرْ ولَمْ يَلُمِ

أمْ كانَ يُغْنِي نَقِيرًا عن هِدايَتِهِ ** جَميعُ ما عندَ أهلِ الأرضِ مِنْ نُظُمِ

أخبارُهُ عِظَةٌ أمثالُهُ عِبَرٌ ** وكُلُّهُ عَجَبٌ سُحْقًا لِذِي صَمَمِ

لَمْ تَلْبَثِ الْجِنُّ إذْ أصْغَتْ لِتَسْمَعَهُ ** إنْ بادَرُوا نُذُرًا مِنْهم لِقَوْمِهِمِ

اللهُ أكْبَرُ ما قدْ حازَ مِن عِبَرٍ ** ومِن بَيانٍ وإعْجازٍ ومِن حِكَمِ

واللهُ أكْبَرُ إذْ أعْيَتْ بلاغَتُهُ ** وحُسْنُ تَرْكِيبِهِ للعُرْبِ والعَجَمِ

كمْ مُلْحِدٍ رامَ أن يُبْدِي مُعارَضَةً ** فعَادَ بالذُّلِّ والْخُسْرانِ والرَّغَمِ

هيْهاتَ بُعْدًا لِما رامُوا وما قَصَدُوا ** وما تَمَنَّوْا لَقَدْ بَاؤُوا بِذُلِّهِمِ

خابَتْ أمانِيهِمْ شاهَتْ وُجُوهُهُمُ ** زَاغَتْ قُلوبُهُمُ عنْ هَدْيِهِ القِيَمِ

كَمْ قَدْ تَحدَّى قريشًا في القديمِ وهُمْ ** أهلُ البلاغةِ بينَ الخَلْقِ كُلِّهِمِ

بِمِثْلِهِ وبِعَشْرٍ ثمَّ واحدةٍ ** فلَمْ يَرُومُوهُ إذْ ذا الأمرُ لَمْ يُرَمِ

الجنُّ والإنسُ لم يأتوا لَوِ اجْتمعوا ** بِمِثْلِهِ ولَوِ انْضَمُّوا لِمِثْلِهِمِ

أنَّى وكيْفَ وربُّ العَرْشِ قائِلُهُ ** سبْحانَهُ جلَّ عنْ شِبْهٍ له وسَمِي

مَا كان خَلْقًا ولا فَيْضًا تَصَوَّرَهُ ** نَبِيُّنا لا ولا تَعبيرَ ذِي نَسَمِ

بلْ قالَهُ ربُّنا قوْلا وأنْزَلَهُ ** وَحْيًا عَلى قلْبِهِ الْمُسْتَيْقِظِ الفَهِمِ

واللهُ يَشْهَدُ والأملاكُ شاهِدَةٌ ** والرُّسْلُ معْ مُؤْمِنِي العُرْبَانِ والعَجَمِ

الوصية بالسنة

عدل

ارْوِ الْحَدِيثَ ولازِم أهْلَهُ فهُمُ الْ ** ناجُونَ نَصًّا صريحًا للرّسولِ نُمِي

سامِتْ مَنابِرَهُمْ واحْمِلْ محابِرَهُمْ ** والْزَمْ أكابِرَهُم في كلِّ مُزْدَحَمِ

اسْلُكْ مَنارَهُمُو والْزَمْ شِعارَهُمُ ** واحْطُطُ رَحْلَكَ إنْ تَنْزِلْ بِسُوحِهِمِ

همُ العُدولُ لِحَمْلِ العِلمِ كَيْفَ وَهُمْ ** أُولُو المكارِمِ والأخْلاقِ والشِّيَمِ

همُ الأفاضِلُ حازُوا خَيْرَ مَنْقَبَةٍ ** همُ الأُولَى بِهمُ الدِّينُ الْحَنيفُ حُمِي

همُ الْجهابِذَةُ الأعْلامُ تعرِفُهُمْ ** بينَ الأنامِ بِسيمَاهُمْ وَوَسْمِهِمِ

همْ ناصِرُو الدِّينِ والْحامُونَ حَوْزَتَهُ ** مِنَ العَدُوِّ بِجيشٍ غيرِ مُنْهَزِمِ

همُ البُدورُ ولكنْ لا أُفُولَ لَهُمْ ** بلِ الشُّموسُ وقد فاقُوا بِنُورِهِمِ

لَهُمْ مَقامٌ رَفيعٌ ليْسَ يُدْرِكُهُ ** مِنَ العِبادِ سِوَى السَّاعِي كَسَعْيِهِمِ

أبْلِغْ بِحُجَّتِهِمْ أرْجِحْ بِكِفَّتِهِمْ ** في الفَضْلِ إنْ قِسْتَهُمْ وَزْنًا بِغَيْرِهِمِ

كفاهُمُو شَرَفًا أنْ أصبحُوا خَلَفًا ** لسَيِّدِ الحُنَفَا في دينِهِ القِيَمِ

يُحْيُونَ سُنَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَلَهُمْ ** أوْلَى بهِ مِنْ جَميعِ الخَلْقِ كُلِّهِمِ

يَرْوُونَ عنهُ أحادِيثَ الشريعةِ لا ** يَأْلُونَ حِفْظًا لَها بالصَّدْرِ والقَلَمِ

يَنْفُونَ عنها انْتِحَالَ الْمُبْطِلينَ وتَحْ ** ريفَ الغُلاةِ وتَأْويلَ الغَوِيْ اللَّئِمِ

أدَّوا مَقالَتَهُ نُصْحًا لأمَّتِهِ ** صانَوْا رِوايَتَها عنْ كُلِّ مُتَّهَمِ

لَمْ يُلْهِهِمْ قطُّ مِن مالٍ ولا خَوَلٍ ** ولا ابْتِياعٍ ولا حَرْثٍ ولا نَعَمِ

هَذا هُو الْمَجدُ لا مُلْكٌ ولا نَسَبٌ ** كَلَّا ولا الْجمعُ لِلأموالِ والْخَدَمِ

فكُلُّ مَجْدٍ وَضِيعٍ عِند مَجْدِهِمُو ** وكلُّ مُلْكٍ فَخُدَّامٌ لِمُلْكِهِمِ

والأمْنُ والنُّورُ والفَوْزُ العظيمُ لَهُمْ ** يَوْمَ القِيامَةِ والبُشرَى لِحِزْبِهِمِ

فإنْ أرَدْتَ رُقِيًّا نَحوَ رُتْبَتِهِمِ ** ورُمْتَ مَجْدًا رفِيعًا مِثْلَ مَجْدِهِمِ

فاعْمَدْ إلَى سُلَّمِ التقوَى الذِي نَصَبُوا ** واصْعَدْ بِعَزْمٍٍ وَجُدَّ مِثْلَ جِدِّهِمِ

واعْكُفْ عَلى السُّنَّةِ الْمُثْلى كَما عَكَفُوا ** حِفْظًا معَ الكَشْفِ عن تَفْسِيرِها وَدُمِ

واقْرَأْ كِتابًا يُفِيدُ الاصْطِلاحُ بِهِ ** تَدْرِي الصَّحيحَ مِن الموْصوفِ بالسَّقَمِ

فهْيَ الْمَحَجَّةُ فاسْلُكْ غيرَ مُنْحَرِفٍ ** وهيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحاءُ فاعْتَصِمِ

وَحْيٌ مِنَ اللهِ كالقُرْآنِ شاهِدُهُ ** في سورةِ النَّجْمِ فاحْفَظْ ولا تَهِمِ

خيرُ الكلامِ ومِنْ خيرِ الأنامِ بَدَا ** مِن خيرِ قَلْبٍ بهِ قدْ فاهَ خيرُ فمِ

وهيَ البيانُ لأسْرارِ الكتابِ فبِالْ ** إعْراضِ عنْ حُكْمِها كُنْ غَيرَ مُتَّسِمِ

حَكِّمْ نَبِيَّكَ وانْقَدْ وارْضَ سُنَّتَهُ ** مَعَ اليَقينِ وحَوْلَ الشَّكِّ لا تَحُمِ

واعْضُضْ عَلَيها وجانِبْ كلَّ مُحْدَثَةٍ ** وقُلْ لِذِي بِدْعَةٍ يَدْعُوكَ لا نَعَمِ

فمَا لِذِي ريبَةٍ في نفسِهِ حَرَجٌ ** مِمَّا قَضَى قطُّ في الأَيْمانِ مِنْ قَسَمِ

(فَلا وَرَبِّكَ ) أقْوَى زاجِرًا لأُوْلِي الْ ** ألْبابِ والْمُلْحِدُ الزِّنْدِيقُ في صَمَمِ

في الفرائض والآلةِ والتَّحْذيرِ منَ العُلومِ المُبْتدَعَةِ

عدل

وبالفرائضِ نصف العِلْمِ فَاعْنَ كَما ** أوْصَى الإلهُ وخيرُ الرسْلِ كُلِّهِمِ

مِن فضْلِها أن تَوَلَّى اللهُ قِسْمَتَها ** ولَمْ يَكِلْها إلى عُرْبٍ ولا عَجَمِ

{ يُوصيكُمُ اللهُ } مِنْ بَعْدِها اتَّصَلَتْ ** وفي الكَلالَةِ أُخْرَى فَادْنُ واغْتَنِمِ

وخُذْ إذا شِئتَ ما قدْ تَستَعِينُ بِهِ ** مِنْ آلةٍ تَلْفَها حَلًّا لِمُنْبَهِمِ

كالنَّحْوِ والصَّرْفِ والتّجْويدِ معْ لُغَةٍ ** يُدْرَى بِها حَلَّ ما يَخْفى مِنَ الكَلِمِ

واحْذَرْ قوانينَ أرْبابِ الكَلامِ فمَا ** بِها مِنَ العِلْمِ غيرُ الشَّكِّ والتُّهَمِ

قامُوسُ فَلْسَفَةٍ مِفْتاحُ زنْدَقَةٍ ** كمْ منْ مُلِمٍّ بهِ قدْ باءَ بالنَّدَمِ

رامُوا بِها عَزْلَ حُكْمِ اللهِ واقْتَرَحُوا ** لِلْحَقِّ رَدًّا وإنْقاذًا لِحُكْمِهِمِ

يَرَوْكَ إنْ تَزِنِ الوَحْيَيْنِ مُجْتَرِئًا ** عَليهما بِعُقُولِ الْمُغْفلِ العَجَمِ

وأنْ تُحَكِّمَها فِي كُلِّ مُشْتَجَرٍ ** إذْ لَيْسَ فِي الوَحْيِ مِن حُكْمٍ لِمُحْتَكِمِ

أمّا الكِتابُ فحَرِّفْ عَنْ مَواضِعِهِ ** إذْ ليْسَ يُعْجِزُكَ التَّحْريفُ لِلْكَلِمِ

كذا الأحادِيثُ آحادٌ وليْس بِها ** بُرْهانُ حقٍّ ولا فصْلٌ لِمُخْتَصِمِ

وقَدْ أبَى اللهُ إلا نَصْرَ ما خَذَلُوا ** وكَسْرَ ما نَصَرُوا مِنْهُمْ عَلى رَغَمِ

كَذا الكَهانَةُ والتَّنْجِيمُ إنَّهُمَا ** كُفْرانِ قَدْ عَبَثَا بالناسِ مِنْ قِدَمِ

إسنادُهَا حِزْبُ إبْليسَ اللَّعينِ كَمَا ** مُتُونُها أكْذَبُ الْمَنْقولِ مِنْ كَلِمِ

مَا لِلتُّرابِ وما لِلْغَيْبِ يُدْرِكُهُ ** مَا لِلتَّصَرُّفِ والمخْلوقُ مِنْ عَدَمِ

لوْ كانتِ الْجِنُّ تَدْرِي الغَيْبَ ما لَبِثَتْ ** دَهْرًا تُعالِجُ أصنافًا مِنَ الأَلَمِ

أمَّا النُّجُومُ فَزَيْنٌ لِلسَّمَا ورُجُو ** مًا للشَّياطِينِ طَرْدًا لاسْتِمَاعِهِمِ

كما بِها يَهْتَدِي السَّارِي لِوِجْهَتِهِ ** في البَرِّ والبَحْرِ حيثُ السيْرُ فِي الظُّلَمِ

والنَّيِّرَيْنِ بِحُسْبَانٍ وذلكَ تَقْ ** دِيرُ العَزيزِ العَلِيمِ الْمُسْبِغِ النِّعَمِ

فمَنْ تَأَوَّلَ فيها غيْرَ ذاكَ قَفَا ** ما ليْسَ يَعْلَمُهُ فَهو الكَذُوبُ سَمِ

كَالْمُقْتَفِينَ لِعُبَّادِ الْهَياكِلِ فِي ** عَزْوِ التَّصَرُّفِ والتأثِيرِ للنُّجُمِ

والكاتِبِينَ نِظامًا في عِبادَتِها ** عَقْدًا وكَيْفًا وتَوْقِيتًا لِنُسْكِهِمِ

فَذَا سُعُودٌ وذَا نَحْسٌ وطَلْسَمُهُ ** كَذَا وناسِبُهُ ذا كمْ بِخَرْصِهِمِ

واحْذَرْ مَجَلّاتِ سُوءٍ في الْمَلَا نُشِرَتْ ** تَدعُو جِهارًا إلى نَشْرِ البَلَا بِهِمِ

تَدْعُو لِنَبْذِ الْهُدَى والدِّينِ أجْمَعِهِ ** والعِلْمِ بلْ كلِّ عَقْلٍ كامِلٍ سَلَمِ

ولِلرُّكُونِ إلى الدنْيا وزُخْرُفِها ** والرَّتْعِ كالحيَوانِ السّائِمِ البُهُمِ

ولِلتَّهَتُّكِ جَهْرًا والخَلاعَةِ معْ ** نَبْذِ الْمُروءَةِ والأخْلاقِ مِنْ عَدَمِ

والاعْتِمادِ عَلى الأسْبابِ مُطْلَقِها ** دُونَ الْمُسَبِّبِ والإخلاقِ مِنْ عَدَمِ

والكُفْرِ باللهِ والأمْلاكِ معْ رُسُلٍ ** والوَحْيِ معْ قَدَرٍ والبَعْثِ لِلرِّمَمِ

وَلِاعْتِناقِ الطَّبيعيَّاتِ ليْسَ لَها ** مُدَبِّرٌ فاعِلٌ ما شاءَ لَمْ يَضِمِ

قامَتْ لَدَيْهِمْ بِلا قَيُّومٍ اْبدَعَها ** مُسَخَّراتِ لِغاياتٍ مِنَ الْحِكَمِ

سَمَّوْهُ مَدْحًا لهُ العِلْمَ الْجدِيدَ بَلِ الْ ** كُفْر القَدِيم ومِنْهُ القَوْلُ بالقِدَمِ

تَقَسَّمُوهُ الْمَلاحِيدُ الطُّغاةُ عَلى ** سَهْمٍ وأكثَرَ لا أهْلًا بِِذِي القِسَمِ

وكُلَّما مَرَّ قَرْنٌ أوْ قُرُونٌ اْتَوْا ** بِهِ عَلى صُورَةٍ أُخْرَى لِخُبْثِهِمِ

بَعْضُ الْخَبيثُ عَلى بَعْضٍ سَيَرْكُمُهُ ** رَبِّي وَيَجْعَلُهُ في النارِ للضَّرَمِ

واعْجَبْ لِعُدْوانِ قَوْمٍ حاوَلُوا سَفَهًا ** أنْ يَجْمَعُوهُ إلى الإسْلامِ فِي كَمَمِ

كالنّارِ في الماءِ أو طُهْرٍ عَلى حَدَثٍ ** في وقتِهِ أوْ إِخاءِ الذِّئْبِ والغَنَمِ

يا طالِبَ العِلمِ لا تَبْغِي به بَدَلا ** فقَدْ ظَفَرْتَ ورَبِّ اللَّوْحِ والْقَلَمِ

وقَدِّسِ العِلمَ واعْرِفْ قَدْرَ حُرْمَتِهِ ** فِي القَوْلِ والفِعْلِ والآدابَ فَالْتَزِمِ

واجْهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَاءَ لَهُ ** لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ

والنُّصْحُ فابْذُلْهُ لِلطُّلابِ مُحْتَسِبًا ** في السِّرِّ والْجَهْرِ والأُسْتاذَ فَاحْتَرِمِ

ومَرْحَبًا قُلْ لِمَنْ يَأتِيكَ يَطْلُبُهُ ** وفِيهِمِ احْفَظْ وَصايَا الْمُصْطَفَى بِهِمِ

والنِّيَّةَ اجْعَلْ لِوَجْهِ اللهِ خالصَةً ** إنَّ البِناءَ بدونِ الأصْلِ لَمْ يَقُمِ

ومَن يَكُنْ لِيَقُولَ الناسُ يَطْلُبُهُ ** أخْسِرْ بِصَفْقَتِهِ فِي مَوْقِفِ النَّدَمِ

ومَنْ به يَبْتَغِي الدُّنْيا فَلَيْسَ بِهِ ** يَومَ القِيامَةِ مِن حَظٍّ ولا قَسَمِ

كَفَى بِهِ (مَن كانَ) فِي شورَى وهُودٍ وفِي الْـ ** إسْراءِ مَوْعِظَةً لِلحَاذِقِ الفَهِمِ

إيَّاكَ واحْذَرْ مُمارَاةَ السَّفِيهِ بِهِ ** كَذا مُباهاةَ أهْلِ العِلْمِ لا تَرُمِ

فإنَّ أبْغَضَ كلِّ الخَلْقِ أجْمَعِهِمْ ** إلى الإلَهِ ألَدُّ الناسِ فِي الخِصَمِ

والعُجْبَ فاحْذَرْهُ إنَّ العُجْبَ مُجْتَرِفٌ ** أعْمالَ صاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ

وبِالْمُهِمِّ الْمُهِمِّ ابْدَأْ لِتُدْرِكَهُ ** وَقَدِّمِ النَّصَّ والآرَاءَ فَاتَّهِمِ

قَدِّمْ وُجوبًا عُلومَ الدِّينِ إنَّ بِها ** يَبِينُ نَهجُ الهُدَى مِن مُوجِبِ النِّقَمِ

وكلُّ كَسْرِ الفَتَى فالدِّينُ جابِرُهُ ** وَالكَسْرُ فِي الدِّينِ صَعْبٌ غَيْرُ مُلْتَئِمِ

دَعْ عَنْكَ ما قالَهُ العَصْرِيُّ مُنْتَحِلا ** وبالعَتِيقِ تَمَسَّكْ قطُّ واعْتَصِمِ

ما العِلْمُ إلا كِتابُ اللهِ أو أثَرٌ ** يَجْلو بِنُورِ هُداهُ كلُّ مُنْبَهِمِ

مَا ثَمَّ عِلْمٌ سِوى الوَحْيِ المُبينِ ومَا ** مِنْهُ اسْتُمِدَّ ألا طُوبَى لِمُغْتَنِمِ

والكَتْمُ لِلعِلْمِ فاحْذَرْ إنَّ كاتِمَهُ ** فِي لَعْنَةِ اللهِ والأقْوامِ كلِّهِمِ

ومِن عُقوبَتِهِ أنْ فِي الْمَعادِ لَهُ ** مِنَ الجَحيمِ لِجَامًا لَيْسَ كَاللُّجُمِ

وصائِنُ العِلْمِ عمَّنْ لَيْسَ يَحْمِلُهُ ** ما ذا بِكِتْمانِ بلْ صَوْنٌ فَلا تَلُمِ

وإنَّمَا الكَتْمُ مَنْعُ العِلْمِ طالِبَهُ ** مِن مُسْتَحِقٍّ لَهُ فَافْهَمْ ولا تَهِمِ

وأتْبِعِ العِلمَ بالأعْمالِ وادْعُ إلَى ** سَبيلِ ربِّكَ بالتِّبْيانِ والْحِكَمِ

واصْبِرْ عَلى لاحِقٍ مِنْ فِتْنَةٍ وأذَى ** فِيهِ وفِي الرُّسْلِ ذكرى فاقْتَدِهْ بِهِمِ

لَواحِدٌ بِكَ يَهْدِيهِ الإلَهُ لَذَا ** خَيْرٌ غَدًا لكَ مِنْ حُمْرٍ مِن النَّعَمِ

واسْلُكْ سَواءَ الصِّراطِ المسْتَقِيمِ ولا ** تَعْدِلْ وقُلْ ربِّيَ الرحمْنُ واسْتَقِمِ

خاتمة في تحصيلِ ثَمَرَاتِ العِلْمِ النافِعَةِ واجْتِناءِ قُطوفِهِ الدَّانِيَةِ اليانِعَة

عدل

وَحَاصِلُ العِلْم ما أُمْلِي الصِّفَاتِ لَهُ ** فَأَصْغِ سَمْعَكَ واسْنَتْصِتْ إلَى كَلِمِي

وَذَاكَ لَا حِفْظَكَ الفُتْيَا بِأحْرُفِهَا ** وَلَا بِتَسْوِيدِكَ الْأَوْرَاقَ بِالْحُمَمِ

وَلَا تَصَدُّر صَدْرَ الْجَمْع مُحْتَبِيًا ** تُمْلِيهِ لَمْ تَفْقَهِ الْمَعْنِيَّ بالكَلِمِ

ولا العِمَامَة إذْ تُرخَى ذُؤابَتُها ** تَصَنُّعًا وخِضاب الشيْبِ بالْكَتَمِ

ولا بِقَوْلكَِ يعني دائبًا ونَعَمْ ** كَلا ولا حَمْلكَ الأسْفارَ كالْبُهُمِ

ولا بِحَمْلِ شهاداتٍ مُبَهْرَجَةٍ ** بِزُخْرُفِ القَوْلِ مِن نَثْرٍ ومُنْتَظِمِ

بلْ خَشْيَة اللهِ في سِرٍّ وفِي عَلَنٍ ** فاعْلَمْ هيَ العِلْمُ كلَّ العِلْمِ فالْتَزِمِ

فَلْتعْرِف اللهَ ولْتَذْكُرْ تَصَرُّفَهُ ** ومَا عَلى عِلْمِهِ قد خَطَّ بالقَلَمِ

وحَقَّهُ اعْرِفْ وقُمْ حَقًّا بِمُوجبِهِ ** ومَنْهَجَ الْحَقِّ فَاسْلُكْ عَنْهُ غَيْرَ عَمِي

أشْقَى وأسْعَدَ مُخْتَارًا أضَلَّ هَدَى ** أدْنى وأبْعَدَ عَدْلا مِنْهُ فِي القسَمِ

أوْحَى وأرْسل وصَّى آمِرا ونَهَى ** أَحَلَّ حَرَّمَ شَرْعًا كَامِلَ الْحِكَمِ

يُحِبُّ الِاحْسَانَ والعِصْيانَ يَكْرَهُهُ ** والْبِرَّ يَرْضاهُ معْ سُخْطٍ لِحُرْمِهِمِ

بِمُقْتَضَى دِينِ فِي الدّارَيْنِ مُطَّرِدٍ ** لا ظُلْمَ يَخْشَى ولا خَيْرٌ بِمُنْهَضِمِ

فاعْمَلْ عَلى وَجَلٍ وادْأَبْ إلَى أجَلٍ ** واعْزِلْ عن اللهِ سُوءَ الظنِّ والتُّهَمِ

للشَّرْعِ فانْقَدْ وسَلِّمْ لِلقَضَاءِ ولَا ** تُخَاصِمَنَّ بِه كالْمُلْحِدِ الْخَصِمِ

وبالْمَقادِيرِ كُنْ عَبْدًا لِمَالِكِهِ ** وعابِدًا مُخْلِصًا فِي شَرْعِهِ القِيَمِ

إيَّاهُ فاعْبُدْ وإيَّاهُ اسْتَعِنْ فَبِذَا ** تَصِلْ إليْهِ وإلا حُرْتَ فِي الظُّلَمِ

وخُذْ بالَاسْبابِ واسْتَوْهِبْ مُسَبِّبَها ** وثِقْ بِهِ دُونَها تُفْلِحْ ولَمْ تُضَمِ

بالشَّرْعِ زِنْ كُلَّ أمْرٍ ما هَمَمْتَ بِهِ ** فإنْ بَدَا صالِحًا أقْدِمْ ولا تَجِمِ

أخْلِصْهُ واصْدُقْ أصِبْ واهْضِمْ فَذِي شُرِطَتْ ** فِي صالِحِ السَّعْيِ أوْ فِي طَيِّبِ الكَلِمِ

أخْلِصْهُ للهِ واصْدُقْ عازِمًا وأصِبْ ** صِرَاطَهُ واهْضِمَنَّ النّفْسَ تَنْهَضِمِ

لا تُعْجَبَنَّ بِهِ يُحبَطُ ولا تَرَهُ ** في جانبِ الذنْبِ والتقْصِيرِ والنِّعَمِ

وحيثُ كانَ مِن النّهْيِ اجْتَنِبْهُ وإنْ ** زَلَلْتَ تُبْ منهُ واسْتَغْفِرْ معَ النَّدَمِ

وَأَوْقِفِ النفْسَ عندَ الأمرِ هلْ فَعَلَتْ ** والنّهْيِ هلْ نَزَعَتْ عن موجِبِ النّقَمِ

فإنْ زَكَتْ فاحْمَدِ الْمَوْلَى مُطَهِّرَها ** ونِعْمَةَ اللهِ بالشُّكْرانِ فاسْتَدِمِ

وإنْ عَصَتْ فاعْصِها واعْلَمْ عَدَاوَتَها ** وحَذِّرَنْها وُرُودَ الْمَوْرِدَ الوَخِمِ

وانْظُرْ مَخازِي الْمُسِيئينَ التي أُخَذُوا ** بِها وحَاذِرْ ذُنوبًا مِن عِقابِهِمِ

والْزَمْ صِفاتِ أولِي التّقوَى الذينَ بِها ** عَلَيْهم اللهُ أثْنَى واقْتَدِهْ بِهِمِ

واقْنُتْ وبينَ الرَّجَا والْخَوْفِ قُمْ أبَدًا ** تَخْشَى الذنُوبَ وتَرْجُو عَفْوَ ذَي الكَرَمِ

فالخوفُ ما أوْرَثَ التقوَى وحَثَّ عَلى ** مَرْضاةِ رَبِّي وهَجْرِ الإِثْمِ والأَثَمِ

كَذا الرَّجَا ما عَلى هذا يحِثُّ لِتَصْ ** دِيقٍ بِمَوْعودِ رَبِّي بالْجَزَا العَظِمِ

والْخَوْفُ إنْ زادَ أفْضَى لِلْقُنُوطِ كَمَا ** يُفْضِي الرَّجاءُ لأَمْنِ الْمَكْرِ والنِّقَمِ

فَلا تُفَرِّطْ ولا تُفْرِطْ وكُنْ وَسَطًا ** وَمِثْلَ مَا أمَرَ الرَّحْمَنُ فاسْتَقِمِ

سَدِّدْ وقارِبْ وأَبْشِرْ واسْتَعِنْ بِغُدوْ ** وٍ والرّواحِ وأَدْلِجْ قاصِدًا ودُمِ

فمِثْل ما خَانَتِ الكسْلانَ هِمَّتُهُ ** فَطَالَمَا حُرِمَ الْمُنْبَتُّ بالسَّأَمِ

ودُمْ عَلى البَاقِياتِ الصَّالِحاتِ وحَوْ ** قِلَنْ واسْأَلِ اللهَ رِزْقًا حُسْنَ مُخْتَتَمِ

واضْرَعْ إلى اللهِ في التَّوْفِيقِ مُبْتَهِلًا ** فَهو الْمُجِيبُ وأهْلُ الْمَنِّ والْكَرَمِ

يا رَبِّ يا حيُّ يا قيومُ مَغْفِرَةً ** لِمَا جَنَيْتُ مِنَ العِصْيانِ واللَّمَمِ

وامْنُنْ عَلَيَّ بِمَا يُرْضيكَ واقْضِهِ لِي ** مِنِ اعْتِقادٍ ومِنْ فِعْلٍ ومِنْ كَلِمِ

وأَعْلِ دينَكَ وانْصُرْ ناصِريهِ كَمَا ** وَعَدْتَهُمْ ربَّنا فِي أصْدَقِ الكَلِمِ

واقسِمْ بِبَأْسِكَ رَبِّي حِزْبَ خاذِلِهِ ** ورُدَّ كَيْدَ الأعادِي فِي نُحُورِهِمِ

واشْدُدْ عَليْهِمْ بِزِلْزَالٍ ودَمْدَمَةٍ ** كمَا فَعَلْتَ بأهْلِ الْحِجْرِ فِي القِدَمِ

واجْعَلْهُمُو رَبَّنا لِلْخَلْقِ مَوْعِظَةً ** وعِبْرَةً يا شَديدَ البَطْشِ والنِّقَمِ

ثم الصَّلاةُ عَلى الْمَعْصومِ مِنْ خَطَأٍ ** مُحَمَّدٍ خَيْرِ رُسْلِِ اللهِ كُلِّهِمِ

والآلِ والصَّحْبِ ثمَّ التابعينَ لَهُمْ ** وتَمَّ نَظْمِي بِحَمْدِ اللهِ ذِي النِّعَمِ