المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج/كتاب النكاح

لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره (ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها) قولها (فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير) هو بفتح الزاي وكسر الباء بلا خلاف وهو الزبير بن باطاء ويقال باطياء وكان عبد الرحمن صحابيا والزبير قتل يهوديا في غزوة بني قريظة وهذا الذي ذكرنا من أن عبد الرحمن بن الزبير بن باطاء القرظي هو الذي تزوج امرأة رفاعة القرظي هو الذي ذكره أبو عمر بن عبد البر والمحققون وقال ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما في معرفة الصحابة إنما هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن أوس والصواب الأول قولها فبت طلاقي أي طلقني ثلاثا قولها هدبة الثوب هو بضم الهاء وسكان الدال وهي طرفة الذي لم ينسج شبهوها بهدب العين وهو شعر جفنها قوله صلى الله عليه وسلم (لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) هو بضم العين وفتح السين تصغير عسلة وهي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته قالوا وأنث العسيلة لأن العسيلة نعتين التذكير والتأنيث وقيل أنثها على إرادة النطفة وهذا ضعيف لأن الانزال لا يشترط وفي هذا الحديث أن المطلقة ثلاثا تحل لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها فأما مجرد عقدة عليها فلا يبيحها للأول وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وانفرد سعيد بن المسيب فقال إذا عقد الثاني عليها ثم فارقها حلت للأول ولا يشترط وطء الثاني لقول الله تعالى حتى تنكح زوجا غيره والنكاح حقيقة في العقد على الصحيح وأجاب الجمهور بأن هذا الحديث مخصص لعموم الآية ومبين للمراد بها قال العلماء ولعل سعيدا لم يبلغه هذا الحديث قال القاضي عياض لم يقل أحد يقول سعيد في هذا الا طائفة من الخوارج واتفق العلماء على أن تغييب الحشفة في قبلها كاف في ذلك من غير إنزال المنى وشذ الحسن البصري فشرط إنزال المنى وجعله حقيقة العسيلة قال الجمهور بدخول الذكر تحصل اللذة والعسيلة ولو وطئها في نكاح فاسد لم تحل للأول على الصحيح لأنه ليس بزوج قوله (ان النبي صلى الله عليه وسلم تبسم) قال العلماء

(٣)ان التبسم للتعجب من جهرها وتصريحها بهذا الذي تستحي النساء منه في العادة أو لرغبتها في زوجها الأول وكراهة الثاني والله أعلم ما يستحب أن يقوله عند الجماع قوله صلى الله عليه وسلم (لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه ان يقدر بينهما في ذلك ولد لم يضره شيطان أبدا) قال القاضي قيل المراد بأنه لا يضره أنه لا يصرعه شيطان وقيل لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته بخلاف غيره قال ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والاغواء هذا كلام القاضيجواز جماعة امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها (من غير تعرض للدبر) قول جابر (كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وفي رواية ان شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد المجبية بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم باء موحدة مشددة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت أي مكبوبة على وجهها والصمام بكسر الصاد أي ثقب واحد والمراد به القبل قال العلماء وقوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم أي موضع الزرع من المرأة وهو قبلها الذي يزرع فيه المنى لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة وأما الدبر فليس هو بحرث ولا موضع زرع ومعنى قوله أنى شئتم أي كيف شئتم واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضا كانت أو طاهرا لأحاديث كثيرة مشهورة كحديث ملعون من أتى امرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شئ من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال والله أعلم قوله (إن يهود كانت تقول) هكذا هو في النسخ يهود غير مصروف لان المراد قبيلة اليهود فامتنع صرفه للتأنيث والعلمية (٦)تحريم امتناعها من فراش زوجها قوله صلى الله عليه وسلم (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح وفي رواية حتى ترجع هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي وليس الحيض بعذر الامتناع لان له حقا في الاستمتاع بها فوق الأزرار ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها أو بتوبتها ورجوعا إلى الفراش قوله صلى الله عليه وسلم (فبات غضبان عليها) وفي بعض النسخ غضبانا تحريم إفشاء المرأة قوله صلى الله عليه وسلم (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) قال القاضي هكذا وقعت الرواية أشر بالألف وأهل النحو يقولون لا يجوز أشر وأخير وإنما يقال هو خير منه وشر منه قال وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جوازهما جميعا وأنهما لغتان وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجرى من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة وقد قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه اعراضه عنها أو تدعى عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال صلى الله عليه وسلم انى لأفعله أنا وهذه وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة أعرستم الليلة وقال لجابر الكيس الكيس والله أعلم حكم العزل العزل هو أن يجامع فإذا قارب الانزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة سواء رضيت أم لا لأنه طريق إلى قطع النسل ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته الوأد الخفي لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد وأما التحريم فقال أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا لأن عليه ضررا في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقا تبعا لأمه وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم ولا فوجهان أصحهما لا يحرم ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهى محمول على كراهة التنزيه وما ورد في الاذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام وليس معناه نفى الكراهة هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث وللسلف خلاف كنحو ما ذكرناه من مذهبنا ومن حرمه بغير إذن الزوجة الحرة قال عليها ضرر في العزل فيشترط لجوازه إذنها قوله (غزوة بلمصطلق) أي بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع قال القاضي قال أهل الحديث هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه كان في غزوة أوطاس قوله (كرائم العرب) أي النفيسات منهم قوله (فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء) معناه احتجنا إلى الوطء وخفنا من الحبل فتصير أم ولد يمتنع علينا بيعها وأخذ الفداء فيها فيستنبط منه منع بيع أم الولد وأن هذا كان مشهورا عندهم قوله صلى الله عليه وسلم (لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة الا ستكون) معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لان كل نفس قدر الله تعالى خلقها لابد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا وما لم بقدر خلقها الا يقع سواء معناه نفى الكراهة هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث وللسلف خلاف كنحو ما ذكرناه من مذهبنا ومن حرمه بغير إذن الزوجة الحرة قال عليها ضرر في العزل فيشترط لجوازه إذنها قوله (غزوة بلمصطلق) أي بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع قال القاضي قال أهل الحديث هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه كان في غزوة أوطاس قوله (كرائم العرب) أي النفيسات منهم قوله (فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء) معناه احتجنا إلى الوطء وخفنا من الحبل فتصير أم ولد يمتنع علينا بيعها وأخذ الفداء فيها فيستنبط منه منع بيع أم الولد وأن هذا كان مشهورا عندهم قوله صلى الله عليه وسلم (لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة الا ستكون) معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لان كل نفس قدر الله تعالى خلقها لابد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا وما لم بقدر خلقها الا يقع سواء سواء عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله تعالى قدر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق وفي هذا الحديث دلالة لمذهب جماهير العلماء أن العرب يجرى عليهم الرق كما يجرى على العجم وأنهم كانوا مشركين وسبوا جاز استرقاقهم لان بنى المصطلق عرب صلبية من خزاعة وقد استرقوهم ووطئوا سباياهم واستباحوا بيعهن وأخذ فدائهن وبهذا قال مالك والشافعي في قوله الصحيح الجديد وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم لا يجرى عليهم الرق لشرفهم والله أعلم (قوله إن لي جارية) هي خادمنا وسانيتنا أي التي تسقى لنا شبهها بالبعير في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للذي اخبره بأن له جارية يعزل عنها (إن شئت ثم أخبره أنها حبلت) إلى آخره فيه دلالة على الحاق النسب مع العزل لأن الماء قد سبق وفيه أنه إذا اعترف بوطء أمته صارت فراشا له وتلحقه أولادها الا أن يدعى الاستبراء وهو مذهبنا ومذهب مالك قوله صلى الله عليه وسلم (انا عبد الله ورسوله) معناه هنا أن ما أقول لكم حق فاعتمدوه واستيقنوه فإنه يأتي مثل فلق الصبح تحريم وطء الحامل المسبية قوله (عن يزيد بن خمير) هو بالخاء المعجمة قوله (أتى بامرأة مجح على باب فسطاط) المجح بميم مضمومة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة وهي الحامل التي قربت ولادتها وفي الفسطاط ست لغات فسطاط وفستاط وفساط بحذف الطاء والتاء لكن بتشديد السين وبضم الفاء وكسرها في الثلاثة وهو نحو بيت الشعر قوله (أتى بامرأة على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها فقالوا نعم فقال لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف ستخدمه وهو لا يحل له) معنى يلم بها أي يطأها وكانت حاملا مسبية لا يحل جماعها حتى تضع وأما قوله صلى الله عليه وسلم كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له فمعناه انه قد تتأخر ولادتها ستة اشهر حيث يحتمل كون الولد من هذا السابي ويحتمل أنه كان ممن قبله فعلى تقدير كونه من السابي يكون ولدا له ويتوارثان وعلى تقدير كونه من غير السابي لا يتوارثان هو ولا السابي لعدم القرابة بل له استخدامه لأنه مملوكه فتقدير الحديث أنه قد يستلحقه ويجعله ابنا له ويورثه مع أنه لا يحل له توريثه لكونه ليس منه ولا يحل توارثه ومزاحمته لباقي الورثة وقد يستخدمه استخدام العبيد ويجعله عبدا يمتلكه مع أنه لا يحل له ذلك لكونه منه إذا وضعته لمدة محتملة كونه من كل واحد منهما فيجب عليه الامتناع من وطئها خوفا من هذا المحظور فهذا هو الظاهر في معنى الحديث وقال القاضي عياض معناه الإشارة إلى أنه قد ينمى هذا الجنين بنطفة هذا السابي فيصير مشاركا فيه فيمتنع الاستخدام قال وهو نظير الحديث الآخر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره هذا كلام القاضي وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل وكيف ينتظم التوريث مع هذا التأويل بل الصواب ما قدمناه والله أعلم جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل قوله (عن جدامة بنت وهب) ذكر مسلم اختلاف الرواة فيها هل هي بالدال المهملة أم بالذال المعجمةقال والصحيح أنه بالدال يعنى المهملة وهكذا قال جمهور العلماء أن الصحيح أنها بالمهملة والجيم مضمومة بلا خلاف وقوله جدامة بنت وهب وفي الرواية الأخرى جدامة بنت وهب أخت عكاشة قال القاضي عياض قال بعضهم أنها أخت عكاشة على قول مقال أنها جدامة بنت وهب بن محصن وقال آخرون هي أخت رجل آخر يقال له عكاشة بن وهب ليس بعكاشة بن محصن المشهور وقال الطبري هي جدامة بنت جندل هاجرت قال والمحدثون قالوا فيها جدامة بنت وهب هذا ما ذكره القاضي والمختار أنها جدامة بنت وهب الأسدية أخت عكاشة بن محصن المشهور الأسدي وتكون أخته من أمه وفي عكاشة لغتان سبقتا في كتاب الايمان تشديد الكاف وتخفيفها والتشديد أفصح وأشهر قوله صلى الله عليه وسلم (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم) قال أهل اللغة الغيلة هنا بكسر الغين ويقال لها الغيل بفتح الغين مع حذف الهاء والغيال بكسر الغين كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة وقال جماعة من أهل اللغة الغيلة بالفتح المرة الواحدة وأما بالكسر فهي الاسم من الغيل وقيل إن أريد بها وطء المرضع جاز الغيلة والغيلة بالكسر والفتح واختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث وهي الغيل فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة أن يجامع امرأته وهي مرضع يقال منه أغال الرجل وأغيل إذا فعل ذلك وقال ابن السكيت هو أن ترضع المرأة وهي حامل يقال منه غالت وأغيل قال العلماء سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف من ضرر الولد الرضيع قالوا والأطباء يقولون إن ذلك اللبن داء والعرب تكرهه وتتقيه وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وبين سبب ترك النهى وفيه جواز