النشيد

​النشيد​ المؤلف علي محمود طه


عندما ظللني الوادي مساء
كان طيف في الدّجى يجلس بقربي
في يديه زهرة تقطر ماء
عرفت عيني بها ادمع قلبي
قلت من أنت؟ فلبّاني مجيبا
نحن ياصاح غريبان هنا
قد نزلنا السّهل و الليل الرّهيبا
حيث ترعاني و أرعاك أنا
قلت يا طيف أثرت النّفس شكا
كيف أقبلت؟ و قل لي من دعاكا
قال أشفقت من اللّيل عليكا
فتتبّعت إلى الوادي خطاكا
و دنا مني و غنّاني النّشيدا
فعرفت اللّحن و الصّوت الوديعا
هو حبّي هام في الليل شريدا
مثلما همت لنلقاك جميعا
و تعانقنا و أجهشنا بكاء
و انطلقنا في حديث و شجون
و دنا الموعدفاهتجنا غناء
و تنظّرناك و اللّيل عيون
أقبل اللّيل فأقبل موهنا
و التمس مجلسنا تحت الظلال
وافني نصدح بألحان المنى
و نعبّ الكأس من خمر الخيال
أقبل اللّيلة و انظر و اسمع
كلّ ما في الكون يشدو بمزارك
جئت بالأحلام و الذّكرى معي
و جلسنا في الدّجى رهن انتظارك
سترى يا حسن ما أعددته
لك من ذخر و حسن ومتاع
هو قلبي في الهوى ذوّبته
لك في رفّاف لحن و شعاع
وهو شعر صوّرت ألوانه
بهجة الفجر و أحزان الشّفق
و نشيد مثّلت ألحانه
همسات النّجم في أذن الغسق
ذال قلبي عاريا بين يديك
أخذته منك روعات الإله
فتأمّله دما في راحتيك
و ذماء منك يستوحي الحياة
باكي الأحلام محزون المنى
ضاحك الآلام بسّام الجراح
لم يكن إلاّ تقيا مؤمنا
بالذي أغرى بحبّيك الطّماح
يتمنّى فيك لو يفنى كما
يتفانى الغيم في البحر العباب
أو يتلاشى فيك حيّا مثلما
يتلاشى في الضّحى لمح الشّهاب
زهرة أطلعها فردوس حبّك
استشفّت فجرها من ناظريك
خفقت أوراقها في ظلّ قربك
و سرها أنفاسها من شفتيك
هي من حسنك تحيا و تموت
فاحمها يا حسن أعصار المنون
أولها الدّفء من الصّدر الحنون
أو فهبها النّور من هذي العيون
دمعها الأنداء و العطر الشّجا
و صدى أنّاتها همس النّسيم
فاحبها منك الرّبيع المرتجى
تصدح الأيّام باللّحن الرّخيم