النهاية في الفتن والملاحم/صفحة واحدة

ملاحظات: النهاية في الفتن والملاحم


وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد فهذا كتاب الفتن والملاحم في آخر الزمان مما أخبر به رسول الله وذكر أشراط الساعة والأمور العظام التي تكون قبل يوم القيامة مما يجب الإيمان به لإخبار الصادق المصدوق عنها الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

رحمة الله عز وجل بأمة محمد عليه الصلاة والسلام

قال أبو داود، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا كثير بن هشام، حدثنا المسعودي عن سعيد بن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : "أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل".

وقد ذكرنا فيما تقدم إخباره عن الغيوب الماضية وبسطناه في بدء الخلق وقصص الأنبياء وأيام الناس إلى زمانه وأتبعنا ذلك بذكر سيرته عليه الصلاة والسلام وأيامه وذكرنا شمائله ودلائل نبوته وأردفناها بما أخبر به عن الغيوب التي وقعت بعده ، وقد طابق ذلك إخباره كما شوهد ذلك عيانا قبل زماننا هذا، وقد أوردنا جملة في آخر كتاب دلائل النبوة من سيرته وذكرنا عند كل زمان ما ورد فيه من الحديث الخاص به عند ذكرنا حوادث ووفيات الأعيان كما بسطنا في كل سنة ما حدث للخلفاء والوزراء والأمراء والفقهاء والصلحاء والشعراء والتجار والأدباء والمتكلمين ذوي الآراء وغيرهم من النبلاء، ولو أعدنا ذكر الأحاديث المتقدمة هاهنا مبسوطا لطال ذلك، ولكن نشير إلى ذلك إشارة لطيفة ثم نعود إلى ما قصدنا إليه هاهنا وبالله المستعان.

بعض ما أخبر الرسول عليه السلام بأنه سيقع

إشارة نبوية إلى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سيلي أمر الأمة بعد الرسول عليه السلام:

فمن ذلك قوله لتلك المرأة التي قال لها ارجعي فقالت أرأيت إن لم أجدك كأنها تعرض بالموت فقال: "إن لم تجديني فآتي أبا بكر" رواه البخاري فكان القائم بعده بالأمر أبو بكر، وقوله حين أراد أن يكتب للصديق كتابا بالخلافة فتركه لعلمه أن أصحابه لا يعدلون عنه لعلمهم بسابقته وفضله رضي الله عنه فقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" فوقع كذلك وهو في الصحيح أيضا، وقوله: "باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه وصححه ابن اليمان، وقد روي من طريق ابن مسعود وابن عمر وأبي الدرداء، وقد بسطنا القول في هذا في فضائل الصحيحين والمقصود: أنه وقع الأمر كذلك ولي أبو بكر الصديق بعد رسول الله الخلافة ثم وليها بعده عمر بن الخطاب كما أخبر سواء بسواء.

إشارة نبوية إلى أن المسلمين يفتتحون مصر

وروى مالك والليث عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أن رسول الله قال: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط" وفي رواية: "فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما".

وقد افتتحها عمرو بن العاص في سنة عشرين أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن رسول الله : "إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما".

إشارة نبوية إلى أن دولتي فارس والروم ستذهبان إلى غير عودة

وقال فيما ثبت عنه في الصحيحين: "إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله".

وقد وقع ذلك كما أخبر سواء بسواء، فإنه في زمن أبي بكر وعمر وعثمان انزاحت يد قيصر ذلك الوقت واسمه هرقل عن بلاد الشام والجزيرة وثبت ملكه مقصورا على بلاد الروم فقط والعرب إنما كانوا يسمون قيصر لمن ملك الروم مع الشام والجزيرة، وفي هذا الحديث بشارة عظيمة لأهل الشام وهي أن يد ملك الروم لا تعود إليها أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى يوم الدين، وسنورد هذا الحديث قريبا إن شاء الله بإسناده ومتنه، وأما كسرى فإنه سلب عامة ملكه في زمن عمر ثم استأصل ما في يده في خلافة عثمان، وقيل في سنة اثنتين وثلاثين ولله الحمد والمنة، وقد بسطنا ذلك مطولا فيما سلف وقد دعا عليه رسول الله حين بلغه أنه مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه بأن يمزق ملكه كل ممزق فوقع الأمر كذلك.

إشارة نبوية إلى أن عمر رضي الله عنه سيقتل

وثبت في الصحيحين من حديث الأعمش وجامع بن راشد عن شفيق بن سلمة عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه في الفتنة؟ قلت: أنا. قال: هات إنك لجريء، فقلت ذكر فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: ليس هذا أعني إنما أعني التي تموج موج البحر فقلت يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا فقال: "ويحك أيفتح الباب أم يكسر؟ فقلت بل يكسر قال إذا لا يغلق أبدا قلت أجل فقلنا لحذيفة فكان عمر يعلم من الباب؟".

قال: نعم إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فقال فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب فقلنا المسروق فسأله فقال عمر هكذا وقع الأمر سواء بعدما قتل في سنة ثلاث وعشرين وقعت الفتن بين الناس وكان قتله سبب انتشارها بينهم.

إشارة نبوية إلى ما سيصيب عثمان بن عفان رضي الله عنه من المحنة

وأخبر عن عثمان بن عفان أنه من أهل الجنة على بلوى تصيبه، فوقع الأمر كذلك حصر في الدار كما بسط ذلك في موضعه وقتل صابرا محتسبا شهيدا رضي الله عنه، وقد ذكرنا عند مقتله ما ورد من الأحاديث في الإنذار لذلك والإعلام به قبل كونه فوقع طبق ذلك سواء بسواء، وذكرنا في يومي الجمل وصفين ما ورد من الأحاديث بكون ذلك وما وقع فيهما من الفتنة والأخبار والله المستعان.

إشارة نبوية إلى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه سيقتل

وكذلك الإخبار بمقتل عمار، وأما ذكر الخوارج الذين قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومقتهم وبعث ذي الندبة منهم، فالأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جدا وقد حررنا ذلك فيما سلف ولله الحمد والمنة وقد ذكرنا عن مقتل علي الحديث المذكور الوارد في ذلك بطرقه وألفاظه.

تحديد الرسول مدة الخلافة من بعده بثلاثين سنة وإشارته إلى أنها ستتحول بعد ذلك إلى ملك عضوض

وتقدم الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه من طريق سعيد بن جهمان عن سفينة أن رسول الله قال: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا.

وقد اشتملت هذه الثلاثون سنة على خلافة أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق وعثمان الشهيد، وعلي بن أبي طالب الشهيد أيضا، وكان ختامها وتمامها بستة أشهر وليها الحسن بن علي بعد أبيه، وعند تمام الثلاثين نزل عن الأمر لمعاوية بن أبي سفيان سنة أربعين وأصفقت البيعة لمعاوية بن أبي سفيان وسمي ذلك عام الجماعة وقد بسطنا ذلك فيما تقدم.

إشارة نبوية إلى أن الله سيصلح بالحسن رضي الله عنه بين فئتين عظيمتين من المسلمين

وروى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله يقول والحسن بن علي إلى جانبه على المنبر: "ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" وهكذا وقع سواء.

إشارة نبوية إلى أن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها ستموت في غزوة بحرية

وثبت في الصحيحين عن أم حرام بنت ملحان أن رسول الله ذكر أن غزواته في البحر تكون فرقتين وتكون أم حرام مع الأولين، وقد كان ذلك في سنة سبع وعشرين مع معاوية حين استأذن عثمان في غزو قبرص فأذن له فركب بالمسلمين في المراكب حتى دخلها وفتحها قسرا، وتوفيت أم حرام في هذه الغزوة في البحر وقد كانت مع زوجة معاوية فأخته بنت قرظة، وأما الثانية فكانت في سنة اثنتين وخمسين في أيام ملك معاوية وقد أمر معاوية ابنه يزيد على الجيش إلى غزو القسطنطينية، وكان معه سادات الصحابة منهم أبو أيوب الأنصاري وخالد بن يزيد رضي الله عنه فمات هنالك وأوصى إلى يزيد بن معاوية وأمره أن يدفنه تحت سنابك الخيل وأن يوغل به إلى أقصى ما يمكن أن ينتهي به إلى جهة نهر العدو ففعل ذلك، وتفرد البخاري بما رواه من طريق ثور بن يزيد بن خالد بن معدان عن عمر بن الأسود العنسي عن أم حرام أنها سمعت رسول الله يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت أم حرام فقلت يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: إنك فيهم قالت: ثم قال رسول الله "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم قلت أنا منهم يا رسول الله قال: لا".

إشارة نبوية إلى أن الجيش المسلم سيصل إلى الهند والسند

وقال الإمام أحمد، حدثنا يحيى بن إسحاق، أنا البراء، عن الحسن، عن أبي هريرة. وحدثني خليلي الصادق رسول الله أنه قال: "يكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند" فإن أنا أدركته واستشهدت فذاك وإن أنا فذكر كلمة رجعت فأنا أبو هريرة المحرر قد أعتقني من النار" ورواه أحمد أيضا عن هشيم عن سيار عن جبر بن أبي عبيدة عن أبي هريرة قال: وعدنا رسول الله غزوة الهند فإن استشهدت كنت من خير الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر. ورواه النسائي من حديث هشام وزيد بن أبي أنيسة عن سيار عن جابر، ويقال هذا خبر عن أبي هريرة فذكروه، وقد غزا المسلمون الهند في سنة أربع وأربعين في إمارة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فجرت هناك أمور فذكرناها مبسوطة، وقد غزاها الملك الكبير السعيد المحمود بن شنكنكير صاحب بلاد غزنة وما والاها في حدود أربعمائة ففعل هنالك أفعالا مشهورة وأمورا مشكورة وكسر الصنم الأعظم المسمى بسومنات وأخذ قلائده وسيوفه ورجع إلى بلاده سالما غانما، وقد كان نواب بني أمية يقاتلون الأتراك في أقصى بلاد السند والصين. وقهروا ملكهم القال الأعظم ومزقوا عساكره واستحوذوا على أمواله وحواصله، وقد وردت الأحاديث بذكر صفتهم ونعتهم ولنذكر شيئا من ذلك على سبيل الإيجاز.

إشارة نبوية إلى أن المسلمين سيقاتلون الترك

قال البخاري، حدثنا أبو اليمان، وأخبرنا أبو شعيب، أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة وتجدون خير الناس أشدهم كراهة لهذا الأمر حتى يدخل فيه والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله".

تفرد به البخاري، ثم قال حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة أن النبي قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا حورا وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر"، وأخرجه الجماعة سوى النسائي من حديث سفيان بن عيينة، ورواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد كلاهما عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة فذكر نحوه. قال سفيان بن عيينة وهم أهل البارز كذا يقول سفيان، ولعل البارز هو سوق الفسوق الذي لهم، وقال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا جرير بن حازم سمعت الحسن، حدثنا عمرو بن ثعلب، سمعت رسول الله يقول: "إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة". ورواه البخاري من حديث جرير بن حازم، والمقصود أن الترك قاتلهم الصحابة فهزموهم وغنموهم وسبوا نساءهم وأبناءهم، وظاهر هذا الحديث يقتضي أن يكون هذا من أشراط الساعة، فإن كانت أشراط الساعة لا تكون إلا بين يديها قريبا فقد يكون هذا أيضا واقعا مرة أخرى عظيمة بين المسلمين وبين الترك حتى يكون آخر ذلك خروج يأجوج ومأجوج كما سيأتي ذكر أمرهم، وإن كانت أشراط الساعة أعم من أن تكون بين يديها قريبا منها فإنها تكون مما يقع في الحملة ولو تقدم قبلها بدهر طويل، إلا أنه مما وقع بعد زمن النبي ، وهذا هو الذي يظهر بعد تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب كما سترى ذلك قريبا إن شاء الله تعالى، وذكرنا ما ورد في مقتل الحسين بن علي بكربلاء في أيام يزيد بن معاوية كما سلف، وما ورد في الأحاديث من ذكر خلفاء بني أمية وغلمة بني عبد المطلب.

إشارة نبوية إلى ما سيكون من تولي بعض الصبية لأمر المسلمين وما سيكون في ذلك من فساد وإفساد

وقال أحمد: حدثنا روح، حدثنا أبو أمية هم وابن يحيى بن سعيد بن العاص، أخبرني جدي سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "هلكة أمتي على يدي غلمة" فقال مروان وما معنا في الحلقة أحد قبل أن يلي: شيئا فلعنة الله عليهم غلمة. قال وأنا والله لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت. قال: فكنت أخرج مع أبي إلى بني مروان بعد ما ملكوا فإذا هم يبايعون الصبيان ومنهم من يبايع له وهو في حزامه، فقلت هل عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذين سمعت أبا هريرة، قال لنا عنهم إن هذه الملوك يشبه بعضها بعضا. ورواه البخاري بنحوه عن أبي هريرة، والأحاديث في هذا كثيرة جدا وقد حررناها في دلائل النبوة، وتقدم الحديث في ذكر الكذاب والمبير من ثقيف، والكذاب هو المختار بن أبي عبيد الذي ظهر بالكوفة أيام عبد الله بن الزبير، والمبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قتل عبد الله بن الزبير كما تقدم، وتقدم حديث الرايات السود التي جاء بها بنو العباس حين استلبوا الملك من أيدي بني أمية وذلك في سنة اثنتين وثلاثمائة حيث انتقلت الخلافة من مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، ويعرف بمروان الحمار ومروان الجعدي لتعلمه على الجعد بن درهم المعتزلي، وكان آخر خلفاء بني أمية وصارت للسفاح المصرح بذكره في حديث رواه أحمد بن حنبل في مسنده، وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أول خفاء بني العباس كما تقدم ذلك، وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا جرير بن حازم، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، عن النبي قال: "إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وسيكون خلافة ورحمة وسيكون عزا وحرمة وسيكون ملكا عضوضا وفسادا في الأمة يستحلون به الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز وجل". وروى البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحي، عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ويعدلون في عباد الله، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ويقتلون الرجال ويصطفون الأموال فمغير بيده ومغير بلسانه ومغير بقلبه وليس وراء ذلك من الإيمان شيء". وثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة عن فرات الفرار عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وإنه سيكون خلفاء كثيرون لما قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم". وفي صحيح مسلم من حديث أبي رافع، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ويستنون بسنته. ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويعملون ما ينكرون".

إشارة نبوية إلى أن اثني عشر خليفة قرشيا سيلون أمر الأمة الإسلامية

وثبت في الصحيحين من رواية عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، عن النبي "يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش". رواه أبو داود من طريق أخرى عن جابر بن سمرة سمعت رسول الله يقول: "لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون". وفي رواية: لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ظاهرة على عدوها حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش قالوا ثم يكون ماذا؟ قال: ثم تكون الفرج" فهؤلاء المبشر بهم في الحديثين ليسوا الاثني عشر الذين زعم فيهم الروافض ما يزعمون من الكذب والبهتان وأنهم معصومون، لأن أكثر أولئك لم يل أحد منهم شيئا من أعمال هذه الأمة في خلافة، بل ولا في قطر من الأقطار ولا بلد من البلدان، وإنما ولي منهم علي وابنه الحسن بن علي رضي الله عنهما.

ليس المقصود بالخلفاء القرشيين الاثني عشر أولئك الذين تتابعوا بعد الرسول عليه السلام سردا

وليس المراد من هؤلاء الاثني عشر الذين تتابعت ولايتهم سردا إلى أثناء دولة بني أمية لأن حديث سفينة: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة" يمنع من هذا الملك، وإن كان البيهقي قد رجحه وقد بحثنا معه في كتاب دلائل النبوة في كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته ولله الحمد، ولكن هؤلاء الأئمة الاثني عشر وجد منهم الأئمة الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وابنه الحسن بن علي أيضا، ومنهم عمر بن عبد العزيز كما هو عند كثير من الأئمة وجمهور الأمة ولله الحمد، وكذلك وجد منهم طائفة من بني العباس وسيوجد بقيتهم فيما يستقبل من الزمان حتى يكون منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة فيه كما سيأتي بيانها وبالله المستعان وعليه التكلان، وقد نص على هذا الذي بيناه غير واحد كما قررنا ذلك.

عدم صحة ما ورد من أن الآيات بعد المائتين وأن خير المسلمين بعد المائتين من لا أهل له ولا ولد

قال ابن ماجه: حدثنا الحسن بن علي الخلال، حدثنا عون بن عمارة، حدثني عبد الله بن المثنى بن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أبيه، عن جده، عن أنس، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله : "الآيات بعد المائتين"، ثم أورده ابن ماجه من وجهين آخرين عن أنس عن النبي بنحوه ولا يصح، ولو صح فهو محمول على ما وقع من الفتنة بسبب القول بخلق القرآن والمحنة للإمام أحمد بن حنبل وأصحابه من أئمة الحديث كما بسطنا ذلك هنالك، وروى رواد بن الجراح وهو منكر الرواية عن سفيان الثوري عن ربعي عن حذيفة مرفوعا: "خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ" قالوا: وما خفيف الحاذ يا رسول الله؟ قال: "من لا أهل له ولا ولد" وهذا منكر.

خير القرون قرن الرسول عليه السلام ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم تنتشر المفاسد

وثبت في الصحيحين من حديث شعبة، عن أبي حمزة، عن زهدم بن ضرب، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله : "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم قال عمران فلا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن" وهذا لفظ البخاري.

ذكر سنة خمسمائة

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبو المغيرة، حدثني صفوان، عن شريح بن عبيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي أنه قال: "إني لأرجو أن تنجو أمتي عند ربها من أن يؤخرها نصف يوم قيل لسعد وكم نصف يوم قال خمسمائة سنة". وقد تفرد به أبو داود، وأخرج أحمد بن حنبل عن أبي ثعلبة الخشني من قوله مثل ذلك وهذا التحديد بهذه المدة لا يبقى ما يزيد عليها إن صح رفع الحديث، والله أعلم.

لم يصح عن الرسول أنه لا يمكث في الأرض قبل الساعة ألف سنة ولم يحدد الرسول مدة معينة لقيام الساعة

فأما ما يورده كثير من العامة من أن النبي لا يؤلف تحت الأرض فليس له أصل. ولا ذكر في كتب الحديث المعتمدة ولا سمعناه في شيء من المبسوطات ولا شيء من المختصرات، ولا ثبت في حديث عن النبي أنه حدد وقت الساعة بمدة محصورة وإنما ذكر شيئا من أشراطها وأماراتها وعلاماتها على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ذكر الخبر الوارد في ظهور نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى من أرض الشام

قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب أخبرني أبو هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى"ورواه مسلم من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب.

ظهور النار في المدينة واستمرارها شهرا عام 654 للهجرة

وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة، وكان شيخ المحدثين في زمانه وأستاذ المؤرخين في أوانه أنه في سنة أربع وخمسين وستمائة في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في بعض تلك الأودية طول أربعة فراسخ وعرض أربعة أميال تسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود وإن ضوءها كان الناس يسيرون عليه بالليل إلى تيماء وأنها استمرت شهرا، وقد ضبط ذلك أهل المدينة وعملوا فيها أشعارا، وقد ذكرناها فيما تقدم. وأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن القاسم الحنفي قاضيهم بدمشق عن والده الشيخ صفي الدين مدرس الحنفية ببصرى أنه أخبره واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة ممن كان بحاضرة بلد بصرى أنهم شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز.

ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا

قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عروة عن ثابت، حدثنا عليان بن أحمد البكري، حدثنا أبو زيد الأنصاري قال: "صلى بنا رسول الله صلاة الصبح ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى العصر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غابت الشمس فحدثنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا". وقد رواه مسلم منفردا في كتاب الفتن من صحيحه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وحجاج بن الشاعر عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل عن عروة عن علي عن أبي يزيد وهو عمرو بن أخطب بن رفاعة الأنصاري.

إشارات نبوية إلى الأحداث الماضية والمستقبلة حتى قيام الساعة

وقال البخاري في كتاب بدء الخلق من صحيحه، وروى عن عيسى بن موسى عنجار عن رقية عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال، سمعت عمر بن الخطاب يقول: قام فينا رسول الله مقاما.

"فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه"

هكذا ذكره البخاري تعليقا بصيغة التمريض، عن عيسى بن موسى عنجار عن أبي حمزة عن رقية فالله أعلم، وقال أبو داود في أول كتاب الفتن من سننه: حدثنا عثمان عن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: "قام فينا رسول الله قائما". "فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون الشيء فأذكرة كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه".

شهادة حذيفة بحدوث بعض ما أخبر به الرسول عليه السلام لم يبق من الدنيا إلا اليسير

وهكذا رواه البخاري من حديث سفيان الثوري، ومسلم من حديث جرير كلاهما عن الأعمش به، وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق. أخبرنا معمر عن علي بن زيد عن أبي نصرة عن أبي سعيد قال: "صلى بنا رسول الله صلاة العصر ذات يوم ثم قام فخطبنا إلى أن غابت الشمس فلم يدع شيئا مما يكون إلى يوم القيامة إلا حدثناه حفظ ذلك من حفظه ونسي ذلك من نسيه فكان مما قال: يا أيها الناس إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله استخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء إلى أن قال وقد دنت الشمس أن تغرب وإن ما بقي من الدنيا فيما مضى مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه".

علي بن زيد بن حدجان التيمي له غرائب ومنكرات، ولكن لهذا الحديث شواهد من وجوه أخر، وفي صحيح مسلم من طريق أبي نصرة عن أبي سعيد بعضه وفيه الدلالة على ما هو المقطوع به أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء يسير جدا ومع هذا لا يعلم مقداره على التبيين والتحديد إلا الله عز وجل.

لا أساس للإسرائيليات التي تحمد ما مضى وما بقي من الدنيا

كما لا يعلم مقدار ما مضى إلا الله عز وجل والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومئات من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخبطهم فيه وتغليطهم، وهم جديرون بذلك حقيقيون به وقد ورد في حديث: "الدنيا جمعة من جمع الآخرة".

ولا يصح إسناده أيضا، وكذا كل حديث ورد فيه تحديد وقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده وقد قال الله تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها، فيم أنت من ذكراها، إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها".

وقال: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

والآيات في هذا والأحاديث كثيرة وقال الله تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر".

وثبت في الحديث الصحيح: "بعثت أنا والساعة كهاتين".

اقتراب الساعة

وفي رواية: "إن كادت لتسبقني" وهذا يدل على اقترابها بالنسبة إلى ما مضى من الدنيا. وقال تعالى: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون".وقال تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه".

وقال تعالى: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق".

حشر المسلم مع من أحب يوم القيامة

وفي الصحيح أن رجلا من الأعراب سأل رسول الله عن الساعة فقال: "إنها كائنة فما أعددت لها؟ فقال الرجل والله يا رسول الله لم أعد لها كثرة صلاة ولا عمل ولكنني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت" فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث.

من مات فقد قامت قيامته

وفي بعض الأحاديث أنه عليه السلام سئل عن الساعة فنظر إلى غلام فقال: "لن يدرك هذا الهرم حتى تأتيكم ساعتكم".

والمراد انخرام قرنهم ودخولهم في عالم الآخرة، فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة، وبعض الناس يقول: من مات فقد قامت قيامته، وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح، وقد يقول هذا، بعض الملاحدة ويشيرون به إلى شيء آخر من الباطل، فأما الساعة العظمى وهي وقت اجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد فهذا مما استأثر الله تعالى بعلم وقته.

مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله

كما ثبت في الحديث: "خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".

الرسول عليه السلام لا يعلم متى الساعة

ولما جاء جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة أعرابي فسأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان أجابه عن ذلك، فلما سأله عن الساعة قال له: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أشراطها فأخبره عن ذلك كما سيأتي إيراده بسنده ومتنه مع إسناده وأشكاله من الأحاديث.

باب ذكر الفتن جملة

ثم تفصيل ذكرها بعد ذلك إن شاء الله تعالى

إشارة نبوية إلى تعاقب الخير والشر

قال البخاري: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا الوليد، حدثنا ابن جابر، حدثني بئر بن عبد الرحمن الحضرمي، حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كنا الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله: "إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن قلت: وما دخنه؟ فقال: قوم يهدون بغير هديي يعرف منهم وينكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت يا رسول الله صفهم لنا. قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأ مرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة. قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".ثم رواه البخاري أيضا ومسلم، عن محمد بن المثنى، عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به ونحوه.

عودة الإسلام غريبا كما بدأ

وثبت في الصحيح من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء؟ قال: النزائح من القبائل".ورواه ابن ماجة عن أنس وأبي هريرة.

باب افتراق الأمم

وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".ورواه أبو داود عن وهب بن تقية عن خالد عن محمد بن عمرو به.

إشارة نبوية إلى أن الفتن ستفرق الأمة وأن النجاة ستكون في لزوم الجماعة

وقال حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كريش بن دينار الحمصي، حدثنا عباد بن يوسف، حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله : "إفترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار" قيل يا رسول الله من تراهم؟ قال: "الجماعة".

تفرد به أيضا وإسناده لا بأس به أيضا، وقال ابن جماعة أيضا حدثنا هشام هو ابن عامر، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو، وحدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة".

وهذا إسناد جيد قوي على شرط الصحيح تفرد به ابن ماجه أيضا، وقال أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد يحيى بن فارس قالا حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان هو ابن عمرو، حدثنا أزهر بن عبد الله الحراري قال أحمد عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال ألا إن رسول الله قام فينا وقال: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة".

تفرد به أبو داود وإسناده حسن، وفي مستدرك الحاكم أنهم لما سألوه عن الفرقة الناجية من هم قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي". وقد تقدم في حديث حذيفة أن المخلص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة ولزوم الطاعة.

لا تجتمع الأمة على ضلالة

وقد قال: حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا معاذ بن رفاعة السلامي، حدثنا أبو خلف الأعمى أنه سمع أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله يقول: "إن أمتي لن تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم" ولكن هذا حديث ضعيف لأن معاذ بن رفاعة السلامي ضعفه غير واحد من الأئمة، وفي بعض الروايات عليكم بالسواد الأعظم الحق وأهله فأهل الحق هم أكثر الأمة ولا سيما في زمان الصدر الأول لا يكاد يوجد فيهم من هو على بدعة، وأما في الأعصار المتأخرة فلا يعدم الحق عصابة يقومون به.

الاذن باعتزال الناس عند اشتداد الفتن وتحكم الأهواء

كما قال في حديث حذيفة فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

وتقدم الحديث الصحيح. بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا. وورد في الحديث: "لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله".

والمقصود أنه إذا ظهرت الفتن فإنه يسوغ اعتزال الناس حينئذ كما ثبت في الحديث: "فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك ودع أمر العوام".

وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواضع القطر ناجيا بدينه من الفتن".

لم يخرجه مسلم، وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق ابن أبي صعصعة به، ويجوز حينئذ سؤال الوفاة عند حلول الفتن وإن كان قد نهى عنه لغير ذلك كما صح به الحديث.

النهي عن تمني الموت

وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن يونس، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: "لا يتمنين أحدكم الموت لا يدعو به من قبل أن يأتيه وإنه إذا مات انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا".

والدليل على جواز سؤال الموت عند الفتن الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل في حديث المنام الطويل وفيه: "اللهم اني اسألك فعل الخيرات وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غيرمفتون اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك".

وهذه الأحاديث دالة على أنه يأتي على الناس زمان شديد لا يكون للمسلمين جماعة قائمة بالحق إما في جميع الأرض وإما في بعضها.

رفع العلم بموت العلماء

وقد ثبت في الصحيح، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إنه إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

إشارة نبوية إلى بقاء طائفة من الأمة على الحق حتى تقوم الساعة

وفي الحديث الآخر: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

وفي صحيح البخاري: "وهم على ذلك."

إشارة نبوية إلى أن الله سيبعث لهذه الأمة كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها

قال عبد الله بن المبارك وغير واحد من الأئمة وهم أهل الحديث، وقال أبو داود: حدثنا سلمان بن داود النهري، حدثنا ابن وهب، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المغازي عن أبي علقمة عن أبي هريرة عن رسول الله قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها".

تفرد به أبو داود، ثم قال عبد الرحمن بن شريح لم يتحر شراحيل يعني أنه موقوف عليه، وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر والله أعلم أنه يعم جملة أهل العلم من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ونحاة ولغويين إلى غير ذلك من الأصناف والله أعلم، وقوله في حديث عبد الله بن عمرو: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء" ظاهر في أن العلم لا ينتزع من صدور الرجال بعد أن وهبهم الله إياه.

بعض أشراط الساعة التي أخبر بها الرسول عليه السلام

وقد ورد في الحديث الآخر الذي رواه ابن ماجه عن بندار ومحمد بن المثنى عن غندر عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله لا يحدثكم به أحد بعدي؟ سمعت منه: "أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا وتشرب الخمر ويذهب الرجال وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد". وأخرجاه في الصحيحين من حديث غندر به.

رفع العلم من الناس في آخر الزمان

وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي وكيع، عن الأعمش عن شقيق، عن عبد الله قال: قال رسول الله : "يكون بين يدي الساعة أيام، يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج"، والهرج القتل، وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به.

وقال ابن ماجة: حدثنا أبو معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن خراش، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله : "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى ما يدرى صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويسري النسيان على الكتاب في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا أبانا على هذه الكلمة لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة فأعرض عنه حذيفة فرددها عليه ثلاثا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال فاصلة تنجيهم من النار".

وهذا دال على أن العلم قد يرفع من الناس في آخر الزمان حتى إن القرآن يسري عليه النسيان في المصاحف والصدور ويبقى الناس بلا علم، وإنما الشيخ الكبير والعجوز المسنة يخبران بأنهم أدركوا الناس وهم يقولون لا إله إلا الله فهم يقولونها على وجه التقريب إلى الله عز وجل فهي نافعة لهم وإن لم يكن عندهم من العمل الصالح والعلم النافع غيرها، وقوله: تنجيهم من النار يحتمل أن يكون المراد أنها تدفع عنهم دخول النار بالكلية ويكون فرضهم القول المجرد لعدم تكليفهم بالأفعال التي لم يخاطبوا بها والله تعالى أعلم، ويحتمل أن يكون المعنى أنها تنجيهم من النار بعد دخولها، وعلى هذا فيحتمل أن يكونوا من المراد بقوله تعالى في الحديث القدسي:

"وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال يوما من الدهرلا إله إلا الله".

كما سيأتي بيانه في مقامات الشفاعة، ويحتمل أن يكون أولئك قوما آخرين والله أعلم، والمقصود أن العلم يرفع في آخر الزمان ويكثر الجهل، وفي هذا الحديت إخبار بأنه ينزل الجهل أي يلهم أهل ذلك الزمان الجهل وذلك من الخذلان نعوذ بالله منه، ثم لا يزالون كذلك في تزايد من الجهالة والضلالة إلى أن تنتهي الحياة الدنيا كما جاء في الحديث ما أخبر به الصادق المصدوق في قوله: "لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله ولا تقوم إلا على شرار الناس".

ذكر شرور تحدث في آخر الزمان

وإن كان قد وجد بعضها في زماننا أيضا

إشارة نبوية إلى بعض شرور ستكون

قال أبو عبد الله بن ماجة رحمه الله في كتاب الفتن من سننه، حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبي أيوب، عن ابن مالك، عن أبيه، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله فقال: ذكر شرور تحدث في آخر الزمان وإن كان قد وجد بعضها في زماننا أيضا.

"يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا آلقطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله وسخروا بما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".

تفرد به ابن ماجه وفيه غرابة، وقال الترمذي: حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا الفرج بن فضالة الشامي، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله : "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل فيها البلاء قيل وما هي يا رسول الله؟ قال إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمر ولبس الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخا".

ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدا

روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الفرج بن فضالة، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وقد روى عنه وكيع وغير واحد من الأئمة، وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن الحسين القيسي، حدثنا يونس بن أرقم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب قال: صلى بنا رسول الله صلاة الصبح فلما صلى صلاته ناداه رجل متى الساعة فزبره رسول الله وانتهره وقال اسكت حتى إذا أسفر رفع طرفه إلى السماء فقال: تبارك رافعها ومدبرها ثم رمى ببصره إلى الأرض فقال تبارك داحيها وخالقها، ثم قال أين السائل عن الساعة فجثا الرجل على ركبتيه فقال أنا بأبي أنت وأمي سألتك فقال: "ذلك عند حيف الأئمة وتصديق بالنجوم وتكذيب بالقدر، وحتى تتخذ الأمانة مغنما والصدقة مغرما والفاحشة زيادة فعند ذلك هلك قومك".

ثم قال البزار لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ويونس بن أرقم كان صادقا وروى عنه الناس وفيه ثقة شديدة، ثم قال الترمذي: حدثنا علي بن محمد، أخبرنا محمد بن يزيد عن المسلم بن سعيد عن رميح الحذامي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا اتخذ الغني والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعالم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعن أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع".

ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين أن رسول الله قال: "في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين ومتى ذلك يا سول الله؟ قال: إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور".

ثم قال هذا حديث غريب، وروي هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي مرسلا، وقال الترمذي: حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكندي، حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني موسى بن عبيدة، أخبرني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "إذا مشت أمتي المطيطى وجرفها ابناء الملوك فارس والروم سلط الله شرارها على خيارها".

حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر فذكره ولا نعرف له أصلا.

وثبت في الصحيحين، وسنن النسائي، واللفظ له من طريق عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي قال: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولا إلى الجنة"، وفي صحيح مسلم، من طريق جرير، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي : "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة؟ وأول من يدخل الجنة"، الحديث، روى الحافظ الضياء من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله قال: "إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي"، وفي سنن أبي داود، من حديث أبي خالد الدالاني، مولى جعدة، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: "أتاني جبريل، فأراني باب الجنة الذي يدخل منه أمتي"، فقال أبو بكر: يا رسول الله، وددت أني معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله : "أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي". وثبت في الصحيح: فيقول الله: أدخل من لا حساب عليه، من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس في بقية الأبواب، وفي الصحيحين من حديث الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة يدعى من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: والله يا رسول الله، ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي، فهل يدعى منها كلها أحد، يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم"، وفي الصحيحين من حديث أبي حازم، عن سهل بن سعد: أن رسول الله قال: "في الجنة ثمانية أبواب، باب منها يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون فإذا دخلوا منه أغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم".

ذكر دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء

قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "تدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسمائة عام"، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، من حديث محمد بن عمرو، قال الترمذي: حسن صحيح، وله طرق عن أبي هريرة، فمن ذلك ما رواه الثوري، عن محمد بن زيد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام"، الحديث بطوله، وقال أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة هو ابن شريح، أخبرني أبو هانئ: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي، يقول: سمعت عبد الله بن عمر، يقول سمعت رسول الله يقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة، يعني إلى الجنة- بأربعين خريفا"، وكذا رواه مسلم، من حديث أبي هانىء حميد بن هانىء، به، وقال أحمد: حدثنا حسين، هو ابن محمد، حدثنا داود، هو ابن نافع، عن مسلم بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "التقى مؤمنان على باب الجنة، مؤمن غني، ومؤمن فقير، كانا في الدنيا، فأدخل الفقير الجنة، وحبس الغني، ما شاء الله أن يحبس، ثم أدخل الجنة، فلقيه الفقير، فقال: يا أخي، ماذا حبسك؟ والله لقد احتبست حتى خفت عليك، فيقول: أي أخي، إني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها، ما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ما لو ورده ألف بعير كلها أكلت حمضا لصدرت عنه راوية"، وثبت في الصحيحين من حديث أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد: أن رسول الله قال: "قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وقمت على باب النار، فإذا عامة من يدخلها النساء"، وفي صحيح البخاري، من حديث مسلمة بن زرير، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين مثله، رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أبي رجاء، عمران بن ملحان، عن عمران بن حصين، سمعت رسول الله يقول: "نظرت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، ونظرت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"، وروى مسلم عن شيبان بن فروخ، عن أبي الأشهب، عن أبي رجاء، عن ابن عباس: أن رسول الله اطلع في النار، فرأى أكثر أهلها النساء، واطلع في الجنة، فرأى أكثر أهلها الفقراء.

وقد رواه مالك عن يحيى بن سعيد مرسلا، ثم روى من حديث صالح المزي عن سعيد الحريري عن أبي عثمان الهروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا كان أمراؤكم خياركم ونقباؤكم سمحاءكم وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها".

ثم قال غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المزي وله غرائب لا يتابع عليها وهو رجل صالح، وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا عباد بن عباد، عن خالد بن سعيد، عن أبي الرداد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "لتضربن مضر عباد الله حتى لا يعبد الله وليضربنهم المؤمنون حتى لا يمنعوا".

تفرد به أحمد من هذا الوجه. قال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد يعني ابن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد".

ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة

عبد الله بن زيد الجرمي، زاد أبو داود عن قتادة كلاهما عن أنس عن النبي . وسيأتي ذكر أشراط الساعة في حديث ابن مسعود وفيه: "وتزخرفت المحاريب ونخرت القلوب". وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن مروان، أخبرنا شريك بن عبد الله، عن عثمان بن عمر، عن زادان أبي عمر، عن عليم قال: كنا جلوسا على سطح معنا رجل من أصحاب النبي قال يزيد: لا أعلمه إلا عنس الغفاري والناس يخرجون في الطاعون، فقال عنس يا طاعون خذني قالها ثلاثا فقال له عليم لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله : "لا يتمنى أحدكم الموت فإن عنده انقطاع عمله ولا يرد فيستعتب" فقال: إني سمعت رسول الله يقول: "بادروا بالموت إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفاف الذم وقطيعة الرحم ووجود فئة يتخذون القرآن مزامير يقدمونه للناس يلهونهم به وإن كانوا أقل منهم فقها". تفرد به أحمد.

فصل ذكر المهدي

الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامراء فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر

أما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله أنه يكون في آخر الدهر وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث.

بعض ما ورد في ظهور المهدي من الآثار

قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا حجاج وأبو نعيم قالا: حدثنا قطر عن القاسم بن أبي برة عن أبي الطفيل قول حجاج سمعت عليا يقول قال رسول الله : "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا منا يملأها عدلا كما ملئت جورا.

قال أبو نعيم رجلا مني، وقال مرة يذكره عن حبيب عن أبي الطفيل عن علي عن النبي . ورواه أبو داود، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي نعيم الفضل بن دكين. وقال الإمام أحمد: حدثنا فضل بن دكين، حدثنا يس العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي قال: قال رسول الله : "المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة".

رواه ابن ماجه عن عثمان بن أبي شيبة عن أبي داود الجبري عن يس العجلي وليس يس بن معاذ الزيات فهو ضعيف ويس العجلي هذا أوثق منه وقال أبو داود حديث عن هارون بن المغيرة حدثنا عمر بن أبي قيس عن شعيب بن خالد عن أبي إسحاق قال: قال علي ونظر إلى ابنه الحسن فقال إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا وقد عقد أبو داود السجستاني رحمه الله كتاب المهدي مفردا في سننه فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة عن رسول الله : "لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة". وفي رواية: "لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة" قال: فكبر الناس وضجوا ثم قال كلمة خفيفة فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلهم من قريش وفي رواية قال فلما رجع إلى بيته أتته قريش فقالوا ثم يكون ماذا؟ قال "ثم تكون الفرج". ثم روى أبو داود من حديث سفيان الثوري، وأبي بكر بن عباش، وزائدة، وقطر، ومحمد بن عبيد وكلهم عن عاصم بن أبي النجود وهو ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله هو ابن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم قال زائده لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي زاد من حديث قطر: "يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا".

وقال في حديث سفيان: "لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي".

وهكذا رواه أحمد، عن عمر بن عبيد وعن سفيان بن عيينة، ومن حديث سفيان الثوري كلهم عن عاصم به رواه الترمذي من حديث السنانيين وقال حسن صحيح. قال الترمذي: وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة، ثم قال الترمذي حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي قال: "يلي رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي".

قال عاصم: وأخبرنا أبو عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي الرجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي" هذا حديث حسن صحيح. وقال أبو داود: حدثنا سهل بن تمام بن بريع، حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي نصرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين".

وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن إبراهيم جعفر الرقي حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".

قال عبد الله بن جعفر: سمعت أبا المليح يثني على علي بن نفيل ويذكر فيه صلاحا، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أحمد بن عبد الملك، عن أبي المليح الرقي، عن زياد بن بيان به، وقال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن صالح بن الخليل، عن صاحب له عن أم سلمة زوج النبي عن النبي قال: "يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من الشام فتخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة والمقام ويبعث إليه بعث من الشام فتخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد بيعه كلب، فيقسم المال ويعمل في الناس سنة نبيه ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون".

وقال أبو داود: قال هارون يعني ابن المغيرة، حدثنا عمر بن أبي قيس، عن مطرف بن طريف، عن أبي الحسن، عن هلال بن عمرو سمعت عليا يقول قال النبي : "يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حران على مقدمة رجل يقال له منصور يوطىء أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله وجبت على كل مؤمن نصرته أو قال إجابته".

وقال ابن ماجه: حدثنا حرملة بن يحيى المصري وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا: حدثنا أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني، حدثنا ابن لهيعة عن أبي زرعة عن عمرو بن جابر الحضرمي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول الله : "يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه".

إخبار الرسول عليه السلام ببعض ما سيلاقي آل بيته الكرام من متاعب وأهوال

وقال ابن ماجه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا علي بن صالح، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله اغرورقت عيناه وتغير لونه قال: فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال: "إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخبز فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملئت جورا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولوحبوا على الثلج".

ففي هذا السياق إشارة إلى بني العباس كما تقدم التنبيه على ذلك عند ذكر ابتداء دولتهم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وفيه دلالة على أن المهدي يكون بعد دولة بني العباس وأنه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة بنت الرسول ثم من ولد الحسن والحسين، كما تقدم النص على ذلك في الحديث المروي عن علي بن أبي طالب والله تعالى أعلم. وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالا، حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الخزاعي أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله : "يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونكم قتالا لم يقاتله قوم، ثم ذكر شيئا لا أحفظه قال فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي".

تفرد به ابن ماجه، وهذا إسناد قوي صحيح، والظاهر أن المراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما تزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان وقسط كثير من الخذلان وهوس شديد من الشيطان إذ لا دليل عليه ولا برهان لا من كتاب ولا من سنة ولا من معقول صحيح ولا استحسان.

وقال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا رشيد بن سعد، عن يونس بن شهاب الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء".

هذا حديث غريب وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلهب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه يصلحه الله في ليلة أي يتوب عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك، ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه وتكون راياتهم سوداء أيضا وهو زي عليه الوقار لأن راية رسول الله كانت سوداء يقال لها العقاب، وقد ركزها خالد بن الوليد على الثنية التي هي شرقي دمشق حين أقبل من العراق فعرفت الثنية بها فهي الآن يقال لها ثنية العقاب، وقد كانت عذابا على الكفرة من نصارى الروم والعرب ووطدت حسن العاقبة لعباد الله المؤمنين من المهاجرين والأنصار ولمن كان معهم وبعدهم إلى يوم الدين ولله الحمد، وكذلك دخل رسول الله يوم الفتح إلى مكة وعلى رأسه المغفر وكان أسود وفي رواية كان متعمما بعمامة سوداء فوق البيضة صلوات الله وسلامه عليه، والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الحديث، وقد أفردت في ذكر المهدي جزءا على حدة ولله الحمد.

وقال ابن ماجه أيضا: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا محمد بن مروان العقيلي، حدثنا عمارة بن أبي حفصة، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: "يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم يسمعوا بمثلها قط تؤتي الأرض أكلها ولا يدخر منها شيء والمال يومئذ كروس يقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ".

وقال الترمذي: حدثنا محمد بن يسار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة سمعت زيدا العمي، سمعت أبا الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله فقال: "إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحملها". هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبي ، وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو، ويقال بكر بن قيس، وهذا يدل على أن أكبر مدته تسع وأقلها خمس أو سبع، ولعله هو الخليفة الذي يحثي المال حثيا والله تعالى أعلم. وفي زمانه تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة والمال وافرا والسلطان قاهرا والدين قائما والعدو راغما والخير في أيامه دائما.

وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا عباد بن عباد، وحدثنا خالد بن سعيد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد: قال رجل والله ما يأتي علينا أمير إلا وهو شر من الماضي، قال أبو سعيد فقلت: لولا شيء سمعته من رسول الله لقلت مثل ما يقول سمعت رسول الله يقول: "إن من أمرائكم أميرا يحثو المال حثوا ولا يعده يأتيه الرجل فيسأله فيقول خذ فيبسط ثوبه فيحثو فيه وبسط رسول الله ملحفة غليظة كانت عليه يحكى صنع الرجل ثم جمع عليه أكتافها قال فيأخذه ثم ينطلق".

تفرد به أحمد من هذا الوجه، وقال ابن ماجه: حدثنا هدبة بن عبد الوهاب، حدثنا سعد بن عبد الله الجنيد، عن جعفر، عن علي بن زياد اليماني، عن عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله يقول: "نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي" قال شيخنا أبو الحجاج المزي: كذا وقع في سنن ابن ماجه. في هذا الإسناد علي بن زياد اليماني، والصواب عبد الله بن زياد السحيمي. قلت وكذا أورده البخاري في التاريخ، وابن حاتم في الجرح والتعديل وهو رجل مجهول وهذا الحديث منكر، فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه حيث قال رحمه الله: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، حدثني محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، وما المهدي إلا عيسى ابن مريم"، فإنه حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعي، وقد روى عنه غير واحد أيضا وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم، بل قد روى عن ابن معين أنه وثقه، ولكن من الرواة من حدث به عنه أبان عن أبي عياش عن الحسن البصري مرسلا، وذكر شيخنا في التهذيب عن بعضهم أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: كذب علي يونس بن عبد الأعلى الصدفي ويونس من الثقات لا يطعن فيه بمجرد منام، وهذا الحديث فيما يظهر بادىء الرأي مخالف للأدحاديث التي أوردناها في إثبات أن المهدي غير عيسى ابن مريم، أما قبل نزوله فظاهر والله أعلم، وأما بعده فعند التأمل لا منافاة بل يكون المراد من ذلك أن يكون المهدي حق المهدي هو عيسى ابن مريم ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا، والله أعلم.

ذكر أنواع من الفتن وقعت وستكثر وتتفاقم في آخر الزمان

إذا كثر المفسدون هلك الجميع وإن كان فيهم الصالحون

قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يروي عن عروة عن زينب بنت أم سلمة، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش أنها قالت استيقظ النبي من النوم محمرا وهو يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد تسعين أو مائة قيل؟ أو نهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث".

وهكذا رواه مسلم، عن عمرو الناقد، عن سفيان بن عيينة، وقال: عقد سفيان بيده عشرة، وكذلك رواه عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس الزهري به. وقال: وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، ثم رواه عن أبي بكر، عن ابن أبي شعبة وسعيد بن عمرو وزهر بن حرب وابن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن زينب، عن حبيبة، عن أم حبيبة، عن زينب فاجتمع فيه تابعيان وزينبان وزوجتان أربع صحابيات رضي الله عنهن.

وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد وهيب به تسعين". وروى البخاري من حديث الزهري، عن هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة زوج النبي قالت استيقظ النبي فزعا يقول: "سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ وماذا أنزل الله من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة".

إشارة نبوية إلى تغلغل الفتن في الأوساط الإسلامية

ثم روى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد قال: أشرف النبي على أطم من أطام المدينة فقال: "هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا، قال: فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر".

وروي من حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "يتقارب الزمان وينقص العلم ويبقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج. قالوا يا رسول الله إيما هو؟ قال: القتل القتل".ورواه أيضا عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة، ثم رواه من حديث الأعمش، عن سفيان، عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى.

كل زمن يمضي هو خير من الذي يليه

وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الزبير، عن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي على الناس زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم ". وروي عن الترمذي من حديث الثوري فقال حسن صحيح، وهذا الحديث يعبر عنه العوام فيما يوردونه بلفظ آخر كل عام ترذلون.

إشارة نبوية إلى ما سيكون من فتن شديدة تقتضي الحذر منا والبعد عنها

وروى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي من يشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعد به". ولمسلم عن أبي بكرة نحوه بالبسط منه.

رفع الأمانة من القلوب

وقال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا قال: "إن الأمانة نزلت في جذور قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت"، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا ليس فيه شيء فيصبح الناس فيتبايعون ولا يكاد أحد يؤذي الأمانة، فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا، ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفة وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، فإن كان مسلما رده علي الإسلام، وإن كان نصرانيا أو يهوديا رده علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا".ورواه مسلم من حديث الأعمش به، ورواه البخاري من حديث الزهري عن سالم عن أبيه.

إشارة نبوية إلى أن الفتنة ستظهر من جهة المشرق

ومن حديث الليث، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله قام إلى جنب المنبر وهو مستقبل المشرق فقال: "ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس".ورواه مسلم من حديث الزهري وغيره، عن سالم به، ورواه أحمد من طريق عبد الله بن دينار، والطبراني من رواية عطية كلاهما عن عبد الله.

إشارة نبوية إلى أن الفساد سيكثر حتى ليغبط الأحياء الأموات

وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه".

إشارة نبوية إلى عودة الصنمية قبل قيام الساعة إلى بعض أحياء العرب

قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري. أخبرني سعيد بن المسيب أنا أبا هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة، وذو الخلصة طاغية دوس الذي كانوا يعبدون في الجاهلية".

إخبار الرسول عليه السلام بما ستتفجر عنه الأرض العربية من ثروات هائلة وما سيكون لهذه الثروات من إثارة الشقاق وأسباب النزاع والقتال بين الناس

وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، عن عقبة بن خالد، حدثنا عبيد الله عن حبيب بن عبد الرحمن، عن جده حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضر فلا يأخذ منه شيئا".

قال عقبة: وحدثنا عبد الله: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي مثله إلا أنه قال: "يحسرعن جبل من ذهب".

وكذلك رواه مسلم من حديث عقبة بن خالد من الوجهين، ثم رواه عن قتيبة، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو".

ثم روى من حديث عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: كنت واقفا مع أبي بن كعب في ظل أجم حسان فقال: لا يزالط الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا قلت أجل قال: إني سمعت رسول الله يقول: "يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فإذا اسمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، قال فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون".

إشارة نبوية إلى ظهور كثير من الدجالين قبل قيام الساعة وإلى مفاجأة الساعة للناس وهم عنها لاهون غافلون

وقال البخاري: حدثنا أبواليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال حتى يهم رب المال من يقبل صدقتة وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضة عليه لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، ولكن حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها".

وقال مسلم: حدثني حرملة بن التجيبي، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا ابن يونس عن ابن شهاب أن أبا إدريس الجولاني قال: قال حذيفة بن اليمان: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي أن لا يكون رسول الله أسر لي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن فقال: قال رسول الله وهو يعد الفتن منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياج الصيف منها صغار ومنها كبار، فقال حذيفة فذهب أولئك الرهط كلهم غيري، وروى مسلم من حديث نفير، عن سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها، ودينارها، ومنعت مصر إردبها، ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد ذلك لحم أبي هريرة ودمه".

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا الحريري، عن أبي نصرة قال: كنا عند جابر فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم دينار ولا مدى، قلنا من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذلك: قال: ثم سكت هنيهة ثم قال: قال رسول الله : "يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا لا يعده عدا"، قال الحريري فقلت لأبي نصرة وأبي العلاء كأنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا. رواه مسلم من حديث الحريري بنحوه.

وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عامر، حدثنا أفلح بن سعيد الأنصاري شيخ من أهل قباء من الأنصار، حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله يقول: "إن طالت بكم مدة أوشك أن تدني قوما يغدون في سخط الله ويروحون في الفتنة في أيديهم مثل أذناب البقر". وأخرجه مسلم، عن محمد بن عبد الله بن عين، عن زيد بن الحباب، عن أفلح ابن سعيد به:

إشارة نبوية إلى ما سيكون من ظهور صنفين من أهل النار والعياذ بالله رب العالمين

ثم روي، عن زهر بن حرب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا".

بعض مبررات ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وقال أحمد: حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي، حدثنا أبو سعيد، حدثنا أبو مكحول عن أنس بن مالك قال: قيل يا رسول الله متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم مثل ما ظهر في بني إسرائيل؟ إذا كانت الفاحشة في كباركم والعلم في أراذلكم والملك في صغاركم". رواه ابن ماجه، عن العباس بن الوليد، عن زيد بن يحيى بن عبيد، عن الهيثم بن حيد، عن أبي معبد حفص بن عيلان مكحول، عن أنس فذكر نحوه.

إشارة نبوية إلى ما سيكون من خروج الناس أفواجا من الدين

وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمر، حدثنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، حدثنا أبو عمار، حدثني جار جابر بن عبد الله قال: قدمت من سفر فجاءنا جابر ليسلم علي فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا فجعل جابر يبكي ثم قال سمعت رسول الله يقول: "إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا".

إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بنشوب فتن مهلكة تجعل القابض على دينه أثناءها كالقابض على الحجر

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لميعة، حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة، وقال حسن حدثنا أبو لميعة، حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ويل للعرب من شر قد اقترب فتن كقطيع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال على الشوك".

إشارة نبوية إلى ما سيكون من تجمع الأمم ضد المسلمين استضعافا لهم وطمعا فيهم مع كثرة المسلمين ووفرة عددهم حينئذ

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو جعفر المدايني، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي، عن أبيه حبيب عبد الله، عن سبيل، عن عوف، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول لثوبان: "كيف أنت يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله أمن قلة بنا؟ قال: لا بل أنتم يومئذ كثير ولكن يلقي في قلوبكم الوهن، قال: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال".

إشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن فتنة مهلكة ستحدث وإن النجاة منها في البعد عنها وتجنب طريقها

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن رجل عن عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه قال: إني بالكوفة في داري إذ سمعت على باب الدار السلام عليكم إلي فقلت عليكم السلام فلج، فلما دخل فإذا هو عبد الله بن مسعود، فقلت أبا عبد الرحمن أية ساعة زيارة هذه؟ وذلك في نحر الظهر فقال: طال علي النهار فذكرت من أتحدث إليه قال فجعل يحدثني عن رسول الله يقول: "تكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي؟ والماشي خير من الراكب، والراكب خير من الساعي؟ قتلاها كلها في النار: قلت يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: أيام الهرج حين لا يأمن الرجل جليسه، قال: فما تأمرني إن أدركت ذلك. قال اكفف نفسك ويدك وادخل دارك. قال قلت يا رسول الله أرايت إن دخل رجل علي داري؟ قال فأقفل بيتك: قال افرأيت إن دخل على بيتي؟ قال فادخل مسجدك واصنع هكذا وق ف لسانك ويدك وكن حلسا من أحلاس بيتك. قال يعني وابصه فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره".

فركبت حتى أتيت دمشق فلقيت حذيم بن فاتك الأسدي فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد سمعته من رسول الله .

إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ضروب من الفتن ستكون وإن النجاة منها من اعتزال المجتمع

كما حدثنا ابن مسعود، وقال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن عثمان السحام، حدثني مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله "إنها ستكون فتنة المضطجع فيها خير من الجالس والجالس خير من القائم؟ والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي. قال يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه. قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك فليعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج ما استطاع النجاء". وقد رواه مسلم من حديث عثمان السحام بنحوه.

وقال أبو داود: حدثنا الفضل عن عياش عن بكير عن بشر بن سعيد عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي أنه سمع سعد بن أبي وقاص يروي عن النبي في هذا لحديث قال: قلت يا رسول الله أرأيت إن دخل على بيتي وبسط يده ليقتلني؟ فقال رسول الله : "كن كابن آدم وتلا: "لئن بسطت إلي يدك". انفرد به أبو داود من هذا الوجه.

وقال أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث بن سعد عن عياش بن عباس عن بكر بن عبد الله عن بشر بن سعيد أن سعد بن أبي وقاص "قال عند فتنة عثمان بن عفان أن رسول الله قال: "إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي. قال: أرأيت إن دخل على بيتي فبسط يده أي ليقتلني قال كن كابن آدم.

وهكذا رواه الترمذي عن قتيبة عن الليث عن عياش بن عباس القنياني عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسرة بن سعيد الحضرمي عن سعيد بن أبي وقاص فذكره وقال هذا حديث حسن، ورواه بعضهم عن الليث فزاد في الإسناد رجلا يعني الحسين، وقيل الحلبي بن عبد الرحمن، ويقال عبد الرحمن بن الحسين عن سعد، كما رواه أبو داود فيما تقدم آنفا.

نصح الرسول عليه السلام بتحمل الأذى عند قيام الفتن والبعد عن المشاركة في الشر

ثم قال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث بن سعد، عن محمد بن حجارة، عن عبد الرحمن بن نزوان، عن هذيل، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : "إن بين يدي الساعة فتنا كقطيع الليل المظلم يصبح فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا: القاعد خيرمن القائم والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل يعني على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم".

ثم قال الإمام أحمد: حدثنا أم حرام، حدثني أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: ركب رسول الله وأردفني خلفه فقال: "يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع معه أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: اصبر، قال يا أبا ذر: أرأيت إن أصاب الناس موت شديد كيف تصنع قلت الله ورسوله أعلم. قال: اصبر. قال يا أبا ذر: أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا يعني حتى تغرق حجاره البيت من الدماء كيف تصنع قال الله ورسوله أعلم. قال: اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك. قال: فإن لم أترك أفأخذ سلاحي؟ قال: إذا تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فالق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك".

هكذا رواه الإمام أحمد، وقد رواه أبو داود عن مسدد وابن ماجه وعن أحمد بن عبدة كلاهما عن حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر بنحوه، ثم قال أبو داود: ولم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد، وقال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم الأحول عن أبي لبيبة قال: سمعت أبا موسى يقول قال: قال رسول الله : "إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قال فما تأمرنا؟ قال: كانوا أحلاس بيوتكم".

إشارة الرسول عليه السلام إلى ما سيكون من ردة بعض المسلمين إلى الصنمية

وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله : "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي منها، وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي أن لا يهلكوا بسنة بعامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي عز وجل قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كل يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى ياتي أمر الله عز وجل". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن أبي أسماء عمرو بن مزيد، عن ثوبان بن محمد بنحوه، وقال الترمذي حسن صحيح.

فتنة الأحلاس

وقال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا أبو داود، حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي، حدثنا أبو المغيرة، حدثني عبد الله بن سالم، حدثني العلاء بن عتبة عن عمر بن هانىء العنسي سمعت عبد الله بن عمر يقول: "كنا قعودا عند رسول الله فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال هي حرب وهرب، ثم فتنة السراء دخلها أو دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه ابني وليس مني إنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته حتى إذا قيل انقضت عادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده". وتفرد به أبو داود، وقد رواه أحمد في مسنده عن أبي المغيرة بمثله.

وقال أبوداود: حدثنا القعنبي، حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم عن أبيه عن عمارة بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: "كيف بكم وزمان أوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة والناس قد مرجت عهودهم واختلفوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه؟ قالوا كيف بنا يا رسول الله؟ قال: تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون تقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم". قال أبو داود: هكذا روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي من غير وجه، وهكذا رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ومحمد بن الصباح عن عبد العزيز بن أبي حازم به.

فقد رواه الإمام أحمد عن حسين بن محمد عن مطرف عن أبي حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فذكر مثله أو نحوه، ثم قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا يونس يعني ابن أبي إسحاق عن هلال بن حباب أبي العلامة، حدثنا عكرمة، حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده فقال: "ورأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه، قال فقمت اليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة.

وهكذا رواه أحمد عن أبي نعيم والفضل بن دكين به، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أحمد ابن بكار عن مخلد بن مزيد عن يونس بن أبي إسحاق فذكر بإسناده نحوه.

إشارة نبوية إلى أنه ستكون فتنة وقع اللسان فيها أشد من وقع السيف

وقال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا الليث عن طاووس عن رجل يقال له زياد عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله  : "إنه ستكون فتنة وستصيب العرب قتلاها في النار، وقع اللسان فيها أشد من وقع السيف ".

وقد رواه أحمد عن أسود بن عامر عن حماد بن سلمة، والترمذي وابن ماجه من حديثه عن الليث عن طاووس عن زياد وهو الأعجم، ويقال له زياد سمين كوش، وقد حكى الترمذي عن البخاري أنه ليس لزياد حديث سواه، وأن حماد بن زيد رواه عن الليث موقوفا، وقد استمرك ابن عساكر على البخاري هذا فإن أبا داود من طريق حماد بن زيد مرفوعا فالله أعلم، وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع، وقال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبدالله بن عمر وكنت جالسأ معه في ظل الكعبة وهو يحدث الناس قال: كنا مع رسول الله في سفر فنزلنا منزلأ إذ نادى منادي رسول الله الصلاة جامعة قال فانتهيت إليه وهو يخطب الناس ويقول: لا أيها الناس إنه لم يكن شيء قبلي إلا كان حقا على الله أن يدل عباده منه على ما يعلمه خيرا لهم وينذرهم ما يعلمه شرا لهم، ألا وإن عافية هذه الأمة في أولها وسيصيب آخرها بلاء وفتن يرافق بعضها بعضا تجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه مهلكتي ثم تنكشف، ثم تجيء فيقول هذه هذه ثم تجيء فيقول هذه هذه ثم تنكشف، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه ميتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليات إلى الناس ما يحب أن يوتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن أستطاع وقال مرة ما استطاع ". قال عبد الرحمن: فلما سمعتها أدخلت رأسي بين رجلي وقلت فإن ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموال الناس بالباطل وأن نقتل أنفسنا وقد قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" النساء: 29،. قال: فجمع يديه فوضعهما على جبهته ثم نكس هنيهة ثم رفع رأسه فقال أطعه في طاعة في طاعة الله واعصه في معصية الله. قلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله ؟ قال: نعم سمعته أذناي ووعاه قلبي ".

رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الأعمش به، وأخرجه مسلم من حديث الشعبي عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة بن عبدالله بن عمر وبنحوه.

وقال أحمد: حدثنا ابن نميرحدثنا الحسن بن عمرو عن أبي الزبيرعن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول: "إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك ظالم فقد تودع منهم ".

وقال رسول الله : "يكون في أمتي قذف وخسف ومسخ".

وقال أبو داود: حدثنا عبد الملك بن شعيب، حدثنا ابن وهب، حدثني الليث عن يحيى بن سعيد قال: قال لي خالد بن عمران، عن عبد الرحمن بن السلماني، عن عبد الرحمن أبي هند، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرف له، وقع اللسان فيها أشد من وقع السيف".

إشارة نبوية إلى القسطنطينية ستفتح قبل رومية

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني أبو قتيل قال: كنا عند عبد الله بن عمر وسئل أي المدينتين تفتح القسطنطينية أو رومية. قال: قال فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله بينا نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل رسول الله أي المدينتين نفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله : "مدينة هرقل تفتح أولا" يعني القسطنطينية.

إشارة منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما سيكون من خراب بعض البلدان وأسباب خراب كل بلد وهي إشارة تضمنها حديث بين الوضع

وقال القرطبي في التذكرة، وروي من حديث حذيفة بن اليمان عن النبي أنه قال: "ويبدأ الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة، وخراب البصرة من الغرق، وخراب مصر من جفاف النيل، وخراب مكة وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد، وخراب الأبلة من الحصار، وخراب فارس من الصعاليك، وخراب الترك من الديلم، وخراب الديلم من الأرمن، وخراب الأرمن من الخزر، وخراب الخزر من الترك، وخراب الترك من الصواعق، وخراب السند من الهند، وخراب الهند من الصين، وخراب الصين من الرمل، وخراب الحبشة من الرجفة، وخراب الزوراء من السفياني، وخراب الروحاء من الخسف وخراب العراق من القتل". ثم قال ورواه أبو الفرج بن الجوزي قال وسمعت أن خراب الأندلس بالريح العقيم.

فصل تعدد الآيات والأشراط

قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا خلف يعني ابن خليفة، عن جابر، عن أبيه، عن عبد الله ابن عمر وقال: "دخلت على عبد الله بن عمر وهو يتوضأ منكسا فرفع رأسه فنظر إلي فقال ست فيكم أيتها الأمة موت نبيكم قال فكأنما انتزع قلبي من مكانه".

قال رسول الله : "واحدة قال ويفيض المال فيكم حتى إن الرجل ليعطى عشرة آلاف يظل يسخطها".

قال رسول الله : "اثنتين قال وفتنة تدخل بيت كل رجل منكم".

قال رسول الله : "ثلاث قال وموت كقصاص الغنم".

قال رسول الله : "أربع وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيجمعون لكم تسعة أشهر كقدر حمل المرأة ثم يكونون أولى بالعدل منكم".

قال رسول الله : "اثنتان خمس".

قلت يا رسول الله أي مدينة تفتح القسطنطينية أو رومية؟ قال: قسطنطينية، وهذا الإسناد فيه نظر من جهة رجاله ولكن له شاهد من وجه آخر صحيح، فقال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن يزيد، سمعت يزيد بن عبد الله أنه سمع أبا إدريس يقول سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: أتيت رسول الله وهو في غزوة تبوك وهو في قبة أدم فقال: "أعدد ستا بين يدي الساعة موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذكم كقصاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا تبقي بيتا من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغمون فيأتونكم تحت ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشرألفا". ورواه أبو داود وابن ماجه والطبراني من حديث الوليد بن مسلم ووقع في رواية الطبراني، عن الوليد، عن بشر بن عبد الله فالله أعلم.

علامات بين يدي الساعة

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نظير، عنأبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت النبي فسلمت عليه فقال: "عوف؟ فقلت نعم فقال أدخل: قال قلت كلي أو بعضي؟ فقال: كلك، فقال: اعدد يا عوف ستا بين يدي الساعة أولهن موتي قال فاستبكيت حتى جعل رسول الله يسكتني قال قل واحدة قلت واحدة، والثانية فتح بيت المقدس قال قل اثنتين قلت اثنتين، والثالثة موتان يكون في أمتي يأخذهم مثل قصاص الغنم قل ثلاثا، والرابعة فتنة تكون في أمتي أعظمها قل أربعا، والخامسة يفيض المال فيكم حتى إن الرجل ليعطى مائة دينار فيسخطها قل خمسا، والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيسيرون إليكم على ثمانين غاية. قلت: وما الغاية: قال: الراية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا وفسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة في مدينة يقال لها دمشق".

تفرد به أحمد من هذا الوجه، وقال أبو داود: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا أبو جابر، حدثني زيد بن أرطأة، سمعت جبير بن نفير، عن أبي الدرداء أن رسول الله قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام".

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن النهاش بن فهم، حدثني شداد أبو عمار، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : "ست من أشراط الساعة. موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ في الناس كقصاص الغنم، وفتنة يدخل حريمها بيت كل مسلم، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها، وأن يغمر الروم فيسيرون بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا".

طلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبادر المؤمنون بالأعمال الصالحة ستة أمور قبل وقوعها

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن زياد بن رباح، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، ودابة الأرض، وخويصة أحدكم، وأمر العامة، وكان قتادة يقول إذا قال وأمر العامة قال يعني أمر الساعة".

وهكذا رواه مسلم من حديث شعبة وعبد الصمد كلاهما عن همام به، ثم رواه أحمد منفردا به عن أبي داود، عن عمران القطان، عن قتادة، عن عبد الله بن رباح بن أبي هريرة مرفوعا مثله.

وقال أحمد: حدثنا سليمان، حدثنا إسماعيل، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، والدابة، وخاصة أحدكم، وأمر العامة". ورواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المدني به.

عشر آيات قبل قيام الساعة

وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن فرات، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسد قال: اطلع النبي علينا ونحن نتذاكر الساعة فقال: "ما تذكرون؟ قلنا نذكر الساعة، فقال: إنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من قبل المشرق تسوق الناس إلى محشرهم".

النار التي تخرج من قعر عدن هي نار من نار الفتن

قال أبو عبد الرحمن عبد الله ابن الإمام أحمد سقط كلمة، ثم رواه أحمد عن حديث سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، عن حذيفة بن أسيد، عن ابن شريحة الغفاري فذكره وقال فيه: "ونار تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا".

قال شعبة: وحدثني بهذا الحديث رجل عن أبي الطفيل، عن أبي شريحة ولم يرفعه إلى النبي فقال أحد هذين الرجلين: نزول عيسى ابن مريم، وقال الآخر: ريح تلقيهم في البحر، وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وشعبة عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد موقوفا ورواه أهل السنن الأربعة من طرق فرات عن القزاز به.

ذكر قتال الملحمة مع الروم الذي آخره فتح القسطنطينية

وعنده يخرج المسيح الدجال فينزل عيسى ابن مريم من السماء الدنيا إلى الأرض على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق وقت صلاة الفجر، كما سيأتي بيان ذلك كله بالأحاديث الصحيحة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب هو القرقساني، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن ذي مخمر، عن النبي : "تصالحون الروم صلحا آمنا وتقهرون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم الرجل من الروم فيرفع الصليب ويقول الأغلب الصليب، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم فيجمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف".

ثم رواه أحمد عن روح عن الأوزاعي به وقال فيه: "فعند ذلك تغمر الروم ويجمعون الملحمة" وهكذا رواه أبو داود، وابن ماجه من حديث الأوزاعي به. وقد تقدم في حديث عوف بن مالك في صحيح البخاري: "فيأاتونكم تحت ثمانين غاية كل غاية اثنا عشرألفا".

وهكذا في حديث شداد أبي عمار عن معاذ: "يسيرون إليكم بثمانين بندا تحت كل بند إثنا عشر ألفا".

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة، عن أسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري إلا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، وكان عبد الله متكئا فجلس فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، قال: ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، وقال عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام قلت: "الروم تعني؟ قال: نعم ويكون عند ذاكم القتال ردة شديدة".

قال: فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيبقى هؤلاء كل غير غالب تفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون ثم يبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدائرة عليهم فيقتتلون مقتلة إما قال لا ندري مثلها، وإما قال لا يرى مثلها حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا فيعاد بنو الأرب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم. قال: فبينما هم كذلك إذا سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك قال فجاءهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة قال رسول الله : "إني لأعلم أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ".

تفرد بإخراجه مسلم، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر كلاهما عن إسماعيل بن علية من حديث حماد بن زيد كلاهما عن أيوب، ومن حديث سليمان بن المغيرة كلاهما عن حميد بن هلالي العدوي، عن أبي قتادة العدوي، وقد اختلف في اسمه والأشهر ما ذكره، ابن معين أنه يهم ابن نذير، وقال ابن منده وغيره كانت له صحبة فالله أعلم.

وتقدم من رواية جبير بن نفير، عن عوف بن مالك في تعداد الأشراط بين يدي الساعة أن النبي قال: "والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيسيرون إليكم في ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا، وفسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة في مدينة يقال لها دمشق" رواه أحمد. وروى أبو داود من حديث جبير بن نفير أيضا، عن أبي الدرداء أن رسول الله قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام". وتقدم حديث أبي خذم، عن عبد الله بن عمر في فتح القسطنطينية، وكذا حديث أبي قبيل عنه في فتح رومية بعدها أيضا.

لا تقوم الساعة حتى يقتل المسيح عليه السلام الدجال عليه لعنة الله أو حتى ينتصر الخير ونوره على الباطل وظلامه

وقال مسلم بن الحجاج، حدثني زهير بن حرب، حدثنا يعلى بن منصور، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخر فنزل عيسى ابن مريم فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته".

لا إله إلا الله والله أكبر بعزم شديد وايمان صادق تدك الحصون وتفتح المدائن

وقال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد، عن ثور وهو ابن زيد الديلي، عن أبي المغيث، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا نعم يا رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، وإنما قالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها. قال ثور: ولا أعلمه إلا قال الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون".

فبينما هم يقسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون.

إشارة نبوية إلى فتح المسلمين لبلاد الروم واستيلائهم على كثير من الغنائم

وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن ميمون الرقي، حدثنا أبو يعقوب الحبيبي، عن الكثير بن عبد الله بن عمرو بن عون، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى شيوخ المسلمين يتولى، ثم قال يا علي يا علي يا علي: قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين نم بعدكم حتى يخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم، فيفتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة، ويأتي آت فيقول إن المسيح قد خرج في بلادكم ألا وهي كذبة فالأخذ نادم والتارك نادم".

إشارة نبوية إلى ما سيكون من فتح المسلمين لبعض الجزر البحرية ولبلاد الروم وبلاد فارس ومن انتصار حقهم على باطل الدجال

وقال مسلم: حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن. عمر، عن جابر بن سمرة، عن نافع بن عيينة أن رسول الله قال: "تغزون جزيرة البحر فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله".

بعض خصال الروم الحسنة

وقد روى مسلم من حديث الليث بن سعد، حدثني موسى بن علي، عن أبيه قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله يقول: "تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو: أبصر ما تقول: قال أقول ما سمعت من رسول الله . قال: لئن قلت ذاك فإن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحكم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصية، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك".

تقوم الساعة والروم أكثر الناس

ثم قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد القرشي قال: سمعت رسول الله يقول: "تقوم الساعة والروم أكثر الناس قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص فقال: ما هذه الأحاديث التي يذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله ؟ فقال له المستورد: قلت الذي سمعت من رسول الله فقال عمرو: "إن قلت ذاك إنهم لأحكم الناس عند فتنة ، وأجبر الناس عند مصيبة، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم".

وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، فمنهم أولاد عم بني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق، فالروم يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل، فإن الدجال يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان فهم أنصار الدجال، وهؤلاء أعني الروم قد مدحوا في هذا الحديث فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم والله أعلم.

وقال إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده أن رسول الله قال: "ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم من بعدكم من المؤمنين أهل الحجاز حتى يفتح الله عليهم القسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير قيتهدم حصنها فيصيبون ما لم يصيبوا مثله قط حتى إنهم يقتسمون بالأترسة، ثم يصرخ صارخ يا أهل الإسلام المسيح الدجال في بلادكم وذراريكم، فينفض الناس عن المال منهم الآخذ ومنهم التارك الآخذ نادم والتارك نادم يقولون: من هذا الصارخ؟ ولا يعلمون من هو، فيقولون ابعثوا طليعة إلى إيلياء فإن يكن المسيح قد خرج يأتوكم بعلمه. فيأتون فينظرون ولا يرون شيئا ويرون الناس ساكنين، ويقولون ما صرخ الصارخ إلا لنبأ عظيم فاعزموا ثم ارفضوا فيعزمون أن نخرج بأجمعنا إلى إيلياء، فإن يكن الدجال خرج نقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه، وإن تكن الأخرى فإنها بلادكم وعشائركم إن رجعتم إليها".

إشارة إلى أن المدينة المنورة ستتعرض للضعف حين يعمر بيت المقدس

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن بحار، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : "عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال قال ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ثم قال: "إن هذا لحق مثل ما إنك ها هنا أو كما أنك قاعد".

وهكذا رواه أبو داود، عن عباس العنبري، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به، وقال هذا إسناد جيد وحديث حسن وعليه نور الصدق وجلالة النبوة، وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك في آخر الزمان كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة، بل تكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها يمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيديهم السيوف المصلتة.

عصمة المدينة المنورة من الطاعون ومن دخول الدجال

وفي صحيح البخاري من حديث مالك، عن نعيم المحمر، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال".

وفي جامع الترمذي أن المسيح عيسى ابن مريم يدفن إذا مات في الحجرة النبوية.

إشارة نبوية الى ما سيكون من امتداد عمران المدينة المنورة

وقد قال مسلم: حدثني عمرو بن الناقد، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا زهير، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "تبلغ المساكن إهاب أو يهاب".

قال زهير، قلت لسهيل: وكم ذلك من المدينة؟ قلت: كذا وكذا مثلا، فهذه العمارة إما أن تكون قبل عمارة بيت المقدس وقد تكون بعد ذلك بدهر، ثم تخرب بالكلية كما دلت على ذلك الأحاديث التي سنوردها.

إشارة نبوية إلى خروج أهل المدينة منها في بعض الأزمة المستقلة

وقد روى القرطبي من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر يقول سمعت رسول الله وسلم يقول: "يخرج أهل المدينة منها ثم يعودون إليها فيعمرونها حتى تمتلىء ثم يخرجون منها ثم لا يعودون إليها أبدا".

وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعا مثله وزاد الوليد عنها: "وهي خير ما تكون مربعة".

قيل: فمن يأكلها. قال: الطير والسباع.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال: "يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير، ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشى، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما".

وفي حديث حذيفة سألت رسول الله عن أشياء إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها؟ وفي حديث آخر عن أبي هريرة: "يخرجون منها ونصف ثمرها رطب. قال: ما يخرجهم منها يا أبا هريرة؟ قال: امرؤ السوء".

وقال أبو داود: حدثنا ابن مقيل، حدثنا عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن الوليد بن سفيان الغساني، عن يزيد بن قطيب السلواني، عن أبي بحر، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : "الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر".

ورواه الترمذي، عن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن الحكم بن أبان، عن الوليد بن مسلم به. وقال: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن مصعب بن حبابة، وعبد الله بن بسر، وعبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري، ورواه ابن ماجه، عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم به.

وقال الإمام أحمد، وأبو داود واللفظ له، حدثنا حيوة بن شريح الحمصي، حدثنا بقية، عن بحر بن سعد، عن خالد هو ابن معدان، عن أبي بلال، عن عبد الله بن بسر أن النبي قال: "بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة".

وهكذا رواه ابن ماجه، عن سويد بن سعيد، عن بقية بن الوليد، وهذا مشكل مع الذي قبله اللهم إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين، ويكون بين آخرها وفتح المدينة وهي القسطنطينية مدة قريبة بحيث يكون ذلك مع خروج الدجال في سبعة أشهر والله تعالى أعلم.

قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: "فتح القسطنطينية مع قيام الساعة".

قال محمود: هذا حديث غريب، والقسطيطينية مدينة الروم تفتح عند خروج الدجال، والقسطنطينية فتحت في زمان الصحابة بعد النبي هكذا قال إنها فتحت في زمن الصحابة وفي هذا نظر، فإن معاوية بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري ولكن لم يتفق أن فتحها وحاصرها مسلمة بن عبد الملك بن مروان في زمان دولتهم ولم تفتح أيضا، ولكن صالحهم على بناء مسجد بها كما قدمنا ذلك مبسوطا.

مقدمة فيما ورد من ذكر الكذابين الدجالين وهم كالمقدمة بين يدي المسيح الدجال

خاتمتهم قبحه الله وإياهم وجعل نار الجحيم متقلبهم ومثواهم

إشارة نبوية إلى أنه سيكون بين يدي الساعة كذابون يدعون النبوة

روى مسلم من حديث شعبة وغيره، عن سماك، عن جابر بن سمرة سمعت رسول الله يقول: "إن بين يدي الساعة كذابين".

قال جابر: فاحذروهم.

وقال الإمام أحمد، حدثنا موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال سمعت رسول الله يقول: "إن بين يدي الساعة كذابين منهم صاحب اليمامة وصاحب صنعاء العبسي، ومنهم صاحب حمير، ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة".

قال جابر: "وبعض أصحابي يقول قريبا من ثلاثين رجلا" تفرد به أحمد.

وثبت في صحيح البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله". وذكر تمام الحديث وطوله.

وفي صحيح مسلم من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي قال: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله".

حدثنا محمد بن زامع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي غير أنه قال: "ينبعث".

وقال الإمام أحمد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "لا تقوم الساعة حتى يظهر دجالون ثلاثون كلهم يزعم أنه رسول الله ويفيض المال فيكثر وتظهر الفتن ويكثر الهرج والمرج قال: قيل أي الهرج.؟ قال القتل القتل القتل ثلاثا". تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم.

وقد رواه أبو داود عن القعنبي عن الدراوردي عن العلاء به. ومن حديث محمد بن عمرو عن علقمة عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كذابون، كلهم يكذب على الله وعلى رسوله".

وقال أحمد، حدثنا يحيى بن عوف، حدثنا جلاس، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "بين يدي الساعة قريب من ثلاثين دجالين كلهم يقول أنا نبي".وهذا إسناد جيد حسن تفرد به أحمد أيضا.

وقال أحمد، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، أخبرنا سلامان بن عامر، عن أبي عثمان الأصبحي قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن رسول الله قال:" سيكون في أمتي دجالون كذابون يأتونكم ببدع من الحديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يغشونكم ".

وفي صحيح مسلم من حديث أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله :وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي" الحديث بتمامه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبدالله بن أياد بن لقيط، حدثنا أبار، عن عبد الرحمن بن أنعم أو نعيم الأعرجي مثله: أبو الوليد قال: سأل رجل ابن عمرعن المتعة وأن عنده متعة النساء؟ فقال: والله ما كنا على عهد رسول الله مرتابين ولا مسافحين ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله يقول: "ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر".

اشارة نبوية إلى أنه سيكون في الأمة الاسلامية دعاة إلى النار

ورواه الطبراني من حديث مورق العجلي عن ابن عمر بنحوه. تفرد به أحمد.

قال الحافظ أبو يعلى، حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن سعيد بن عامر، عن ابن عمرقال: سمعت رسول الله يقول: "إن في أمتي لنيفا وسبعين داعيا كلهم داع إلى النار لوأشاء لأنبأتكم بأسمائهم وقبائلهم ". وهذا إسناد لا بأس به.

وقد روى ابن ماجه به حديثا في الكرع والشرب باليد، وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو كريبط،حدثنا محمد بن الحسن الأسدي، حدثنا هارون بن صالح الهمداني، عن الحرص بن عبد الرحمن، عن أبي الجلاس قال: سمعت عليا يقول لعبد الله بن سبأ، ويلك والله ما أفضي إلي بشيء كتمته أحدا من الناس، ولقد سمعت رسول الله يقول: "إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا " وإنك لأحدهم. ورواه أيضا عن أبي بكر بن شيبة، عن محمد بن الحسين به.

وقال أبو يعلى: حدثنا زهرة، حدثنا جرير، عن ليث، عن بشر، عن أنس قال: قال رسول الله  :"يكون قبل الدجال نيف وسبعون دجالا". فيه غرابة والذي في الصحاح أثبت والله أعلم.

وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبدالله، عن عوف، عن أبي بكرقال: وافى مسيلمة قبل أن يقول رسول الله فيه شيئا فقام رسول الله خطيبا فقال: "أما بعد ففي بيان هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه أنه كذاب من ثلاثين كذابا يخرجون بين يدي الساعة وأنه ليس بلد إلا يبلغهارعب المسيح ".

وقد رواه أحمد أيضا، عن حجاج، عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شسهاب، عن طلحة، عن عبد الله بن عوف، عن عياض بن نافع، عن أبي بكرة فذكره وقال فيه: "فإنه كذاب من ثلاثين كذابا يخرجون قبل الدجال، وإنه ليس بلد إلا سيدخله رعب المسيح". تفرد به أحمد من الوجهين.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو جعفر المدايني وهو محمد بن جعفر، أخبرنا عباد بن العرام، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنمدر، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "إن أمام الدجال سنين خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب، فيخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة؟ قال الفويسق يتكلم في أمر العامة" وهذا إسناد جيد. تفرد به أحمد من هذا الوجه.

الكلام على أحاديث الدجال

بعض ما ورد من الآثار في ابن صياد

قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن التجيبي، أخبرني ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن سلم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده؟ ثم قال رسول الله لابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ فنظر ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين: وقال ابن صياد لرسول الله : أتشهد أني رسول الله؟ فقال له رسول الله : آمنت باللة ورسله؟ ثم قال له رسول الله : ماذا ترى؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب؟ فقال له رسول الله : خلط عليك الأمر؟ ثم قال له رسول الله : "إني قد خبأت إليك خبأ، فقال ابن صياد: هو الدخ فقال رسول الله : "اخسأ فلن تعدو وقدرك".

وقال عمر بن الخطاب مرني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال له رسول الله : "إن يكنه فلن تسلط [عليه] وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله".

وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله وأبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله النخل طفق يتقي بجذع النخل وهو يختل أنه يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة فرأت أم ابن صياد رسول الله وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: يا صاف وهو اسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله : "لو تركته بين" قال سالم، قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو له أهل ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه ما من نبي إلا وقد أنذر قومه لقد أنذره نوح قومه ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلموا أنه أعور وإن الله ليس بأعور".

قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله أن رسول الله قال يوما يحذر الناس الدجال: "إنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن، وقال تعلموا أنه لن يرى أحد منكم لربه حتى يموت".

تحذير الرسول من الدجال وذكر بعض أوصافه

وأصل الحديث عند البخاري هو حديث الزهري عن سالم عن أبيه بنحوه، وروى مسلم أيضا من حديث عبيد الله بن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: "إن الله ليس بأعور إلا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية".

وسملم من حديث شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله : " ما من نبي إلا قد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر". رواه البخاري من حديث شعبة بنحوه.

قال مسلم، وحدثني زهير بن حرب، حدثنا عثمان، حدثنا عبد الوارث، عن سعيد بن الحجاب، عن أنس قال: قال رسول الله : "الدجال ممسوخ العين مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجاها كافر يقرؤها كل مسلم ".

ولمسلم من حديث الأعمش، عن سفيان، عن حذيفة قال: قال رسول الله : "لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج فإما أدركن أحدكم فليأت الذي رآه نارا وليغمض ثم ليطاطىء رأسه فيشرب فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب".

نار الدجال جنة وجنته نار

ثم رواه من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عمرو، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي بنحوه. قال ابن مسعود وأنا سمعته من رسول الله . ورواه البخاري من حديث شعبة بنحوه. وروى البخاري ومسلم من حديث شيبان، عن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ألا اخبركم عن الدجال حديثا ما حدثه نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذرتكم به كما انذر به نوح قومه ".

تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من أن تغتر بما مع الدجال من أسباب القوة والفتنة

وروى مسلم من حديث مسلم بن المنكدر قال: رأيت جابر عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد هو الدجال، فقلت: تحلف بالله؟ فقال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي .

وروي من حديث نافع أن ابن عمر لقي ابن صياد في بعض طرق المدينة، فقال له ابن عمر قولا أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة، وفي رواية أن ابن صياد نخر كأشد نخير حمار يكون، وأن ابن عمر ضربه حتى تكسرت عصاه، ثم دخل على أخته أم المؤمنين حفصة فقالت: ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله قال: "إنما يخرج من غضبة يغضبها"؟.

ليس ابن صياد هو الدجال الأكبر وإنما هو أحد الدجالة الكبار الكثار

قال بعض العلماء: إن ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال، وهو ليس به إنما كان رجلا صغيرا.

وقد ثبت في الصحيح أنه صحب أبا سعيد فيما بين مكة والمدينة، وأنه تبرم إليه بما يقول الناس فيه إنه الدجال، ثم قال لأبي سعيد ألم يقل رسول الله : "إنه لا يدخل المدينة وقد ولدت بها، وإنه لا يولد له وقد ولد لي، وإنه كافر وإني قد أسلمت ".

قال: ومع هذا فإني أعلم الناس به وأعلمهم بمكانه ولو عرض علي أن أكون إياه لما كرهت ذلك.

وقال أحمد، حدثنا عبد المتعال بن عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا المجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال: ذكر ابن صياد عن النبي فقال عمر: إنه يزعم أنه لا يمر بشيء إلا كلمه والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعا، وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية فإنه فيصل في هذا المقام والله أعلم.

حديث فاطمة بنت قيس في الدجال

قال مسلم، حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما

عن عبد الصمد، واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين ابن ذكوان، حدثنا ابن بريدة، حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، سمعت حمدان يسأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأول فقال: "حدثيني حديثا سمعته من رسول الله لا تستندين فيه إلى أحد غيره، فقالت: نكحت المغيرة وهو من خيار شباب قريش يومئذ ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله ، فلما مات خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد وخطبني رسول الله على مولاه أسامة، وقد كنت حدثت أن رسول الله قال: من أحبني فليحب أسامة، فلما كلمني رسول الله قلت أمري بيدك فأنكحني من شئت؟ فقال: انتقلي إلى أم شريك وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل.

فقال: لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان وإني أكره أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكثوم وهو رجل من بني فهر فهر قريش من البطن الذي هي منه، فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت المنادي منادي رسول الله ينادي الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم.

ما روي عن تميم الداري من رؤية الجساسة والدجال

فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب البحر في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرسوا إلى جزيرة في البحر حيث تغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيهم شيء أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ قال: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل بالدير فإنه

إلى خبركم بالأشواق قال: فلما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر ما ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالت: أعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليكم سراعا وفرغنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان فقلنا عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل بيثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه قال: قال لهم قد كان ذاك؟ قلنا: نعم. قال: أما إنه خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني يوشك أن تؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو إحداهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها قال: قال رسول الله : "وطعن بمخصرته في المنبر هذه: طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. قال: إنه أعجبني حديث تميم إنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمين لا بل من قبل المشرق وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله ".

حديث فاطمة بنت قيس

رواه مسلم من حديث سيار، عن الشعبي، عن فاطمة قالت: فسمعت النبي وهو على المنبر يخطب فقال: إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر وساق الحديث، ومن حديث غيلان بن جرير، عن الشعبي عنها فذكرته أن تميما الداري ركب البحر فتاهت به السفينة فسقط إلى جزيرة فخرج إليها يلتمس الماء فلقي إنسانا يجر شعره فاقتص الحديث، وفيه فأخرجه رسول الله إلى الناس يحدثهم فقال: "هذه طيبة وذلك الدجال".

حدثني أبو بكر بن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا المغيرة يحيى الحرامي، عن أبي الزناد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله قعد على المنبر فقال: أيها الناس حدثني تميم الداري أن ناسا من قومه كانوا في البحر وساق الحديث.

وقد رواه أبو داود، وابن ماجه من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد، عن الشعبي عنها بنحوه. ورواه الترمذي من حديث قتادة؟ عن الشعبي عنها وقال: حسن صحيح غريب من حديث قتادة عن الشعبي: وروراه النسائي من حديث حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي عنها بنحوه، وكذلك رواه الإمام أحمد عن عفان وعن يونس بن محمد المؤدب كل منهما.

وقال الإمام أحمد، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد عن عامر قال: قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس فحدثتني: أن زوجها طلقها على عهد رسول الله : فبعثه رسول الله في سرية فقال أخوه: اخرجي من الدار، فقلت له: إن لي فيها نفقة وسكنى حتى يحل الأجل. قال: لا. قالت: فأتيت رسول الله فقلت: إن فلانا طلقني وإن أخاه أخرجني ومنعني السكنى والنفقة فأرسل إليه فقال: ما لك ولابنة آل قيس؟ قال يا رسول الله: إن أخي طلقها ثلاثا جميعا، فقال رسول الله: انظري يا ابنة قيس إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى اخرجي فانزلي على فلانة، ثم قال: إنه يتحدث إليها إنزلي على ابن أم مكثوم فإنه أعمى لا يراك، ثم لا تنكحي حتى أكون أنا أنكحك، قالت: فخطبني رجل من قريش فأتيت رسول الله استأمره، فقال: ألا تنكحين من هو أحب إلي منه؟ فقلت: بلى يا رسول الله فأنكحني من أحببت. قالت: فأنكحني من أسامة بن زيد. قالت: فلما أردت أن أخرج قالت اجلس حتى أحدثك حديثا عن رسول الله . قالت: خرج رسول الله يوما من الأيام فصلى صلاة الهاجرة ثم قعد ففرغ الناس، ثم قال: اجلسوا أيها الناس فإني لم أقم مقامي هذا لفزع ولكن تميم الداري أتاني فأخبرني خبرا فمنعني من القيلولة من الفرح وقرة العين، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم، أخبرني أن رهطا من بني عمه ركبوا البحر فأصابتهم عواصف فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها فقعدوا في قويرب سفينة حتى إذا خرجوا إلى جزيرة فإذا هم بشيء أهلب كثير الشعر لا يدرون أرجل هو أم امرأة، فسلموا عليه فرد عليهم السلام، فقالوا له: ألا تخبرنا. فقال: ما أنا بمخبركم ولا بمستخبركم، ولكن هذا الدير الذي قد رأيتموه فيه من هو إلى خبركم بالأشواق أن يخبركم ويستخبركم، قال: قلنا: ما أنت؟ قال: الجساسة؟ فانطلقوا حتى أتوا الدير فإذا هم برجل موثق شديد الوثاق يظهر الحزن كثير الشكر فسلموا عليه فرد عليهم قال: فمن أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب. قال: ما فعلت العرب اخرج نبيهم؟ قالوا: نعم. قال: فما فعلوا؟ قالوا: خيرا آمنوا به وصدقوه. قال: ذاك خير لهم. قالوا: لقد كانوا له أعداء فأظهره الله عليهم. قال: فالعرب اليوم إلههم واحد ونبيهم واحد وكلمتهم واحدة؟ قالوا نعم: قال: فما عملت عين زغر؟ قالوا: صالحة يشرب منها أهلها تسقيهم ويسقون منها زرعهم. قال: فما فعل نخل بين عمان وبيسان. قالوا: صالح مطعم جناه كل عام. قال: ما فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا: ملأى. قال: فزفر ثم حلف لو خرجت من مكاني هذا ما تركت أرضا من الله إلا وطئتها غير طيبة ومكة ليس لي عليهما سلطان. قال: فقال رسول الله : "لا يدخل الدجال طيبة".

إلى هنا إنتهى فرحي إن طيبة المدينة إن الله حرمها على الدجال أن يدخلها ثم حلف رسول الله : "والله الذي لا إله إلا هو ما لها طريق ضيق ولا واسع ولا سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر السيف إلى يوم القيامة ما يستطيع الدجال أن يدخلها على أهلها".

قال عامر: فلقيت المحرز بن أبي هريرة فحدثته بحديت فاطمة بنت قيس فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة غير أنه قال قال : "إنه في بحر الشرق".

قال: ثم لقيت القاسم بن محمد فذكرت له حديث فاطمة فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة غير أنها قالت: "الحرمان عليه حرام مكة والمدينة".

وقد رواه أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل أبي خالد، عن مجالد عن عامر الشعبي، عن فاطمة بنت قيس بسطه ابن ماجه وأحاله أبو داود على الحديث الذي رواه قبله ولم يذكر متابعة أبي هريرة وعائشة كما ذكر ذلك الإمام أحمد.

وقال أبو داود، حدثنا النفيلي، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ثم خرج فقال: " إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل في جزيرة من جزائر البحر، فإذا أنا بإمرأة تجر شعرها فقال: ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة اذهب إلى ذلك القصر فأتيته فإذا رجل يجر شعره موثق بالأغلال ينزو فيها بين السماء والأرض فقلت من أنت؟ قال: أنا الدجال. قال: ما فعلت العرب؟ أخرج نبيهم؟ قلت: نعم. قال: أطاعوه أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوة. قال: ذلك خير لهم".

فهذه رواية لعامر بن شراحيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس بطوله كنحو ما تقدم.

ثم قال أبو داود، حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر قال: قال رسول الله ذات يوم على المنبر: "إنه بينما أناس يسيرون في البحر فنفد طعامهم فرفعت لهم جزيرة فخرجوا يريدون الخبز فلقيتهم الجساسة قلت لأبي سلمة: وما الجساسة؟ قال: امرأة تجر شعرها شعر جلدها ورأسها".

وقال في هذا القصر وذكر هذا الحديث، وسأل عن نخل بيسان، وعن زغر قال هو المسيح فقال لي ابن سلمة: أن في الحديث شيئا ما حفظته. قال: شهد جابر أنه ابن صياد. قلت: فإنه قد مات قلت: فإنه أسلم. قلت: وإن أسلم قلت: فإنه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة تفرد به أبو داود وهو غريب جدا.

وقال الحافظ أبو يعلى، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا أبو عاصم سعد بن زياد، حدثني نافع مولاي، عن أبي هريرة أن رسول الله استوى على المنبر، فقال: حدثني تميم فرأى تميما في ناحية المسجد، فقال يا تميم: حدث الناس ما حدثني قال: "كنا في جزيرة فإذا نحن بدابة لا ندري ما قبلها من دبرها فقالت: تعجبون من خلقي وفي الدير من يشتهي كلامكم؟ فدخلنا الدير فإذا نحن برجل موثق في الحديد من كعبه إلى أذنه، وإذا أحد منخريه مسدود وإحدى عينيه مطموسة قال: فمن أنتم؟ فأخبرناه، فقال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: كعهدها. قال: فما تفعل نخل بيسان؟ قلنا: كعهده. قال: لأطأن الأرض بقدمي هاتين إلا بلدة إبراهيم وطيبة.

فقال رسول الله : "طيبة هي المدينة". وهذا حديث غريب جدا، وقد قال أبو حاتم ليس هذا بالمتين.

ابن صياد من يهود المدينة

وقال أحمد، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: "إن إمرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه طالعة نابه، فأشفق رسول الله أن يكون الدجال فوجده تحت قطيفة يهمهم، فأدنته أمه فقالت يا عبد الله: هذا أبو القاسم قد جاء فاخرج إليه من القطيفة فقال رسول الله : "ما لها. قاتلها الله لو تركته لبين ثم قال: يا ابن صياد ما ترى؟ قال: أرى حقا وأرى باطلا وأرى عرشا على الماء. قال: فليس، فقال: أتشهد أني رسول الله، فقال هو: أتشهد إني رسول الله: قال رسول الله : "آمنت بالله ورسله، ثم خرج وتركه، ثم أتاه مرة أخرى في نخل لهم فأدنته أمه فقالت يا عبد الله: هذا أبو القاسم قد جاء فقال رسول الله : "ما لها قاتلها الله لو تركته لبين".

قال: وكان رسول الله يطمع أن يسمع من كلامه شيئا ليعلم أهو هو أم لا. قال: يا ابن صياد ما ترى؟ قال: أرى حقا وأرى باطلا وأرى عرشا على الماء. قال: أتشهد إني رسول الله؟ قال هو: أتشهد إني رسول الله؟ قال رسول الله : "آمنت بالله ورسله فلبس عليه، ثم خرج فتركه، ثم جاء في الثالثة والرابعة ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه، قال: فبادر رسول الله بين أيدينا ورجا أن يسمع من كلامه شيئا فسبقته أمه إليه فقالت يا عبد الله: هذا أبو القاسم قد جاء فقال رسول الله : "ما لها قاتلها الله لو تركته لبين؟ فقال: يا ابن صياد ما ترى؟ قال: أرى حقا وأرى باطلا أرى عرشا على الماء. قال: تشهد أني رسول الله. فقال رسول الله: آمنت بالله ورسوله؟ يا ابن صياد إنا قد خبأنا لك خبأ، قال: فما هو؟ قال: الدخ، فقال رسول الله : "أخسأ أخسأ. قال عمر بن الخطاب: ائذن لي فأقتله يا رسول الله، فقال رسول الله : "إن يكنه فلست بصاحبه إنما صاحبه عيسى ابن مريم، وإلا يكنه فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد. قال: يعني جابر فلم يزل رسول الله مشفقا أنه الدجال وهذا سياق غريب جدا.

وقال الإمام أحمد، حدثنا يونس حدثنا المعتمر، عن أبيه عن سليمان الأعمش، عن شفيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله إذ مر بصبيان يلعبون فيهم ابن صياد فقال رسول الله "تربت يداك أتشهد أني رسول الله؟ فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال عمر: دعني فلأضرب عنقه، فقال رسول الله: "إن يكن الذي يخاف فلن تستطيعه".

مرويات مرفوضة لأنها لا تصدق عقلا وليس بمعقول صدورها عن الرسول عليه السلام

والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها التوقف في أمره على هو الدجال أم لا. فالله أعلم، ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى رسول الله في شأن الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك وهو فاصل في هذا المقام، وسنورد من الأحاديث ما يدل على أنه ليس بابن صياد والله تعالى أعلم وأحكم.

فقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال: "بينا أنا قائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه، فقلت: من هذا؟ فقيل: ابن مريم ثم التفت فإذا رجل جسيم أحمر أجذ الرأس أعور العين أقرب الناس به شبها ابن قطن رجل من خزاعة".

وقال الإمام أحمد، حدثنا محمد بن سابق، أخبرنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله : "يخرج الدجال في خفة من الدين وإدبار من العلم وله أربعون ليلة يسبحها في الأرض اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر. واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، فيقول للناس: أنا ربكم وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كفر بهجاء يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه وقامت الملائكة بأبوابهما، ومعه جبال من خبز والناس في جهد الأمن اتبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منهما نهر يقول له الجنة ونهر يقول له النار، فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهي النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهي الجنة قال: وسمعت معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس، ويقول للناس: هل يفعل مثل هذا إلا الرب؟ قال فيفد المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى ابن مريم فينا من السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل حي فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريم فتقام الصلاة، فيقال له تقدم يا روح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم ليصل بكم فإذا صلوا صلاة الصبح خرجوا إليه، قال فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه فيقتله حتى إن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله. تفرد به أحمد أيضا. وقد رواه غير واحد عن إبراهيم.

حديث النواس بن سمعان الكلابي في معناه وأبسط منه

قال مسلم: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني ابن جبير، عن أبيه ابن نفير الحضرمي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي، وحدثني محمد بن مهران الرازي واللفظ له، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر الطائي، عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع يتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: "ما شأنكم؟ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرىء حجيج نفسه والله خليفتي على كل امرىء مسلم. إنه شاب قطط عينه طافية إني أشبهه بعبد العزى ابن قطن من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج في خلة بين الشام والعراق فعائث يمينا وعائث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال: أربعون يوما؟ يوم كسنة، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم من أموالهم شيء، ويمر بالخربة فيقول أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه وهو يضحك؟ فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في مهروذتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم عن درجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة الطبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله إليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرس كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت ولا وبر، فيغسل الله الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة".

حدثني علي بن حجر السعدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والوليد بن مسلم قال ابن حجر: دخل حديث أحدهما في حديث الآخر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإسناد نحو ما ذكرناه وزاد بعد قوله: "لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلما فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم لى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماء".

وفي رواية ابن حجر: "فإني قد أنزلت عبادا لي لا يد لأحد بقتالهم" انتهى.

رواه مسلم إسنادا ومتنا، وقد تفرد به عن البخاري، ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن الوليد بن مسلم بإسناده نحوه، وزاد في سياقه بعد قوله: فيطرحهم الله حيث شاء. قال ابن حجر: فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي عن كعب أو غيره قال: "فيطرحهم بالمهبل قال ابن جابر وأين المهبل؟ قال: مطلع الشمس".

ورواه أبو داود، عن صفوان بن عمرو المؤذن، عن الوليد بن مسلم ببعضه. ورواه الترمذي، عن علي بن حجر وساقه بطوله وقال غريب حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث ابن جابر، ورواه النسائي في فضائل القرآن عن علي بن حجر مختصر، ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن عن زيد بن جابر بإسناده قال: "سيوقد الناس من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وتروسهم سبع سنين".

وذكره قبل ذلك بتمامه عن هشام بن عماد ولم يذكر فيه هذه القصة، ولا ذكر في إسناده عن جابر الطائي حديث عن أبي أمامة الباهلي صدى بن عجلان في معنى حديث النواس بن سمعان.

قال أبو عبد الله بن ماجه، حدثنا علي بن محمد بن ماجه، حدثنا عبد الرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو، عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال: "إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر من الدجال، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا وشمالا،. يا عباد الله أيها الناس فاثبتوا، وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي، إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم، ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وإن من فتنته أن معه جنة ونارا. فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم، وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت إن بعثث لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول له: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك، وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ينشرها بالمنشار ثم يلقيها شقتين، ثم يقول انظروا إلى عبدي فإني أبتعثه الآن، ثم يزعم أن له ربا غيري، فيبعثه الله فيقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم". قال أبو الحسن - يعني علي بن محمد - فحدثنا المحاربي حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصالي، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "ذاك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة". قال: قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله. قال المحاربي ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال: من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح عليهم مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه، وأمده خواصر، وأدره ضروعا وإنه لا يبقى من الأرض شيئا إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الطريب الأحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه فينقى الخبث منها كما ينقي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص، فقالت أم شريك ابنة أبي العسكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدم فصلى الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم، فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم بهم عيسى يصلي، فيضع عيسى عليه الصلاة والسلام يده بين كتفيه فيقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى: أقيموا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا ويقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها؟ فيدركه عند باب الدار الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء بها خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله، قال رسول الله : "وإن أيامه أربعون سنة السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه قصيرة يصبح أحدكم على باب المدينة فما يصل إلى بابها الآخر حتى يمسي، فقيل له يا رسول الله: كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: تقدرون فيها للصلاة كما تقدرونه في هذه الأيام الطوال ثم صلوا". قال رسول الله : "ليكونن عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا وإماما قسطا يدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة فلا تسعى على شاة ولا بعير، ويرفع الشحناء والتباغض وينزع جمة كل ذي جمة حتى يدخل الوليد يده في فم الحية فلا تضره، وينفر الوليد الأسد فلا يضره ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الاناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش فلكها وتكون الأرض كعاثور الفضة ينبت نباتها كعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فليشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات. قيل يا رسول الله: وما يرخص الفرس؟ قال: لا يركب لحرب أبدا قيل له: فما يغلي الثور؟ قال: لحرث الأرض كلها: وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نداتها كلها فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، فقيل: ما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام".

بعض العجائب الغرائب التي وردت نسبة قولها إلى الرسول عليه السلام

قال ابن ماجه سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول، سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب انتهى سياق ابن ماجه، وقد وقع تخبيط في إسناده لهذا الحديث، فكما وجدته في نسخة كتبت إسناده، وقد سقط التابعي منه وهو عمرو بن عبد الله الحضرمي أبو عبد الله الجبار الشامي المرادي عن أبي أمامة. قال شيخنا الحافظ المزي: ورواه ابن ماجه في الفتن عن علي بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن أبي عمرو الشيباني زرعة. عن أبي أمامة بتمامه كذا قال، وكذا رواه سهل بن عثمان عن المحاربي، وهو وهم فاحش. قلت: وقد جرد إسناده أبو داود فرواه عن عيسى بن محمد، عن ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عمرو بن عبد الله، عن أبي أمامة نحو حديث النواس بن سمعان.

وقد روى الإمام أحمد بهذا الإسناد حديثا واحدا في مسنده فقال أبو عبد الرحمن عبد الله ابن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده حدثني مهدي بن جعفر الرملي، حدثنا ضمرة، عن الشيباني واسمه يحيى بن أبي عمر، وعن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على عدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: في بيت المقدس وأكتاف بيت المقدس".

حديث يجب صرفه عن ظاهره إلى التأويل

وقال مسلم: حدثنا عمرو بن الناقد والحسن الحلواني وعبيد بن حميد وألفاظهم متقاربة والسياق بعيد قال حدثني وقال الآخران: حدثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا سعيد الخدري قال، حدثنا رسول الله يوما حدثنا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: "يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول له: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله حديثه فيقول الدجال: أرايتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. قال: فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن. قال: فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه".

قال أبو إسحاق: "يقال إن هذا الرجل هو الخضر".

قال مسلم: وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري في هذا الإسناد بمثله.

وقال مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن فهران من أهل مرو، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن أبي حمزة، عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه؟ قال: فينطلقون إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله . قال: فيأمر الدجال به فيشج فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا قال فيقول: أما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم فيستوي قائما. قال: ثم يقول له أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة قال: ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس مثل الذي فعل بي. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيحول ما بين رقبته إلى ترقوته نحاس فلا يستطيع إليه سبيلا، قال فيأخذ بيديه ورجليه ليقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة قال رسول الله : "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين".

ذكر أحاديث منثورة عن الدجال

حديث عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي التياح، عن المغيرة بن سبيع، عن عمرو بن حريب أن أبا بكر الصديق أفاق من مرض له فخرج إلى الناس فاعتذر بشيء وقال: ما أردنا إلا الخير، ثم قال: حدثنا رسول الله : "أن الدجال يخرج في أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة".

ورواه الترمذي، وابن ماجه من حديث روح بن عبادة به، وقال الترمذي: حسن صحيح. قلت: وقد رواه عبيد الله بن موسى العبسي، عن الحسن بن دينار، عن أبي التياح فلم ينفرد به روح كما زعمه بعضهم ولا سعيد بن عروبة، فإن يعقوب بن شعبة قال: لم يسمعه ابن أبي عروبة من أبي التياح إنما سمعه من ابن شوذب عنه.

حديث علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه

قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن جابر بن عبد الله بن عبد الله بن يحيى، عن علي، عن النبي قال: ذكرنا الدجال عند النبي وهو نائم فاستيقظ محمر اللون فقال: "غير ذلك أخوف لي عليكم". وذكر كلمة. تفرد به أحمد.

حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن داود بن عامر، عن سعد، عن مالك، عن أبيه أن جده قال: قال رسول الله : "إنه لم يكن نبي إلا وصف الدجال لأمته ولأصفنه صفة لم يصفها أحد كان قبلي، إنه أعور والله عز وجل ليس بأعور". تفرد به أحمد.

حديث أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه

قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا حماد بن سلمة عن خالد بن الحذاء، عن عبد الله بن شفيق، عن عبد الله بن سراقة، عن أبي عبيدة بن الجراح قال: سمعت رسول الله يقول: "إنه لم يكن نبي إلا أنذر قومه الدجال وأنا أنذركموه فوصفه لنا رسول الله فقال: لعله سيدركه بعض من رأى وسمع كلامي؟ قالوا يا رسول الله: كيف قلوبنا يومئذ؟ قال: مثلها. يعني اليوم أو خير".

ثم قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن بسر وعبد الله بن معقل وأبي هريرة وهذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الحذاء، وقد روى أحمد بن عفان وعبد الصمد، وأخرجه أبو داود، عن موسى بن إسماعيل كلهم عن جمال بن سلمة له، وروى أحمد عن غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء ببعضه.

حديث عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه

روى أحمد عن غندر وروح وسليمان بن داود ووهب بن جرير كلهم عن شعبة عن حبيب بن الزبير، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل، سمع عبد الرحمن بن ابزى، سمع عبد الله بن خباب، سمع أبي بن كعب يحدث عن رسول الله وقد ذكر عنده الدجال فقال: "إحدى عينيه كأنها زجاجة، وتعوذوا؟ بالله من عذاب القبر". تفرد به أحمد

حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه

قال عبد الله ابن الإمام أحمد: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده، حدثني عبد المتعال بن عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا مجالد عن أبي الوداك قال: قال أبو سعيد: هل يلتقي الخوارج بالدجال؟ قلت: لا. فقال: قال رسول الله : "إني خاتم ألف أو أكثر، وما بعث نبي يتبع إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني قد بين لي من أمره ما لم يبين لأحد، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأانها نخامة على حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، معه من كل لسان ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء وصورة النار سوداء تدخن".

تفرد به أحمد، وقد روى عبد بن حميد في مسنده، عن حماد بن سلمة، عن الحجاج، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعا نحوه.

حديث عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن عبد الله عن ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "يجيء الدجال فيطا الأرض إلا مكة والمدينة فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقة فترجص المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة".

رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد المؤدب، عن حماد بن سلمة بنحوه.

طريق أخرى عن أنس

قال أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد عن أنس عن النبي قال: "أن الدجال أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كفر أو كافر".

هذا حديث ثلاثي الإسناد وهو على شرط الصحيحين.

طريق أخرى عن أنس

قال أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن ربيعة، عن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفا من اليهود عليهم التيجان"، تفرد به أحمد.

قال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثني أبي، حدثنا شعيب هو ابن الحجاب، عن أنس أن رسول الله قال: "الدجال ممسوح العين، بين عينيه مكتوب كافر، ثم تهجاها ك ف ر يقرؤه كل مسلم".

حدثنا يونس، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، عن حميد وشعيب بن الحجاب، عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب".

ورواه مسلم، عن زهير بن عفان، عن شعيب به بنحوه.

طريق أخرى عن أنس

قال أحمد: حدثنا عمرو بن الهيثم، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله : "ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب إلا أنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر". ورواه البخاري ومسلم من حديث شعبة به.

حديث عن سفينة رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا سعيد بن جهمان، عن سفينة مولى رسول الله قال: خطبنا رسول الله فقال: "ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد حذر أمته الدجال، هو أعور عينه اليمنى بعينه اليمنى ظفرة غلظة مكتوب بين عينيه كافر، يخرج معه واديان أحدهما جنته والآخر ناره فناره جنة وجنته نار. معه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء، ولو شئت أن أسميهما بأسمائهما وأسماء آبائهما لفعلت، واحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وتلك فتنة. يقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين: كذبت فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه فيقول له صدقت فيسمعه الناس فيظنون أنما يصدق الدجال وذلك فتنة ثم يسير حتى يدخل المدسنة فلا يؤذن له بدخولها فيقول: هذه قرية ذاك الرجل: ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق".

تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به ولكن في متنه غرابة ونكاره والله أعلم.

حديث عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه

قال يعقوب بن سليمان الفسوي في مسنده، حدثنا يحيى بن بكير، حدثني خنيس بن عامر بن يحيى المعافري، عن أبي ليلى جبارة بن أبي أمية أن قوما دخلوا على معاذ بن جبل وهو مريض فقالوا له: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله لم تنسه؟ فقال: أجلسوني فأخذ بعض القوم بيده، فجلس بعضهم خلفه فقال: سمعت رسول الله يقول: "ما من نبي وقد حذر أمته الدجال وإني أحذركم أمره إنه أعور وإن ربي عز وجل ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه الكاتب وغير الكاتب معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار". قال شيخنا الحافظ الذهبي: تفرد به خنيس، وما علمنا به جرحا وإسناده صحيح.

وقال شيخنا الذهبي من كتابه- في الدجال-: عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعا: "الدجال أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة".

قلت: وليس هذا الحديث من هذا الوجه في المسند ولا في شيء من الكتب الستة، وكان الأولى لشيخا أن يسنده أو يعزوه إلى كتاب مشهور والله الموفق.

حديث عن سمرة بن جنادة بن جندب رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا زهير عن الأسود بن قيس، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة، قال: شهدت يوما خطبة سمرة فذكر في خطبته حديثا في صلاة الكسوف أن رسول الله خطب بعد صلاة الكسوف خطبة قال فيها: "والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى. وأنه متى يخرج أو قال متى ما يخرج فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله، وقال الحسن بشيء من عمله سلف، وإنه سوف يظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس وإنه يحصر المؤمنون في بيت المقدس ويزلزلون زلزالا شديدا ثم يهلكه الله حتى إن هدم الحائط وأصل الشجرة لينادي يا مؤمن هذا يهودي، وقال هذا كافر فقال فاقتله ولكن لا يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم، فتسألون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها؟ ذكرا وحتى تزول جبال عن مراتبها".

ثم شهد خطبة سمرة مرة أخرى فما قدم كلمة ولا أخرها عن موضعها، وأصل هذا الحديث في صلاة الكسوف عند أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم في مستدركه أيضا.

حديث آخر عن سمرة

قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد وعبد الوهاب، أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جنادة بن جندب أن رسول الله كان يقول: "إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمال عليها ظفرة غلظة وإنه يبرىء الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، ويقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي فقد فتن، ومن قال ربي الله حتى يموت فقد عصم من فتنته ولا فتنة عليه ولا عذاب، فيلبث في الأرض ما شاء الله ثم يجيء عيسى ابن مريم من قبل المغرب مصدقا بمحمد وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة" وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا مروان بن جعفر السهري، حدثنا محمد بن إبراهيم بن حبيب بن سليمان، عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن حبيب، عن أبيه، عن جدة سمرة أن رسول الله كان يقول: "إن المسيح الدجال أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة وإنه يبرىء الأكمه والأرص ويحيي الموتى ويقول أنا ربكم، فمن اعتصم بالله فقال ربي الله ثم أبى ذلك حتى يموت فلا عذاب عليه ولا فتنة ومن قال أنت ربي فقد فتن وإنه يلبث في الأرض ما شاء الله أن يلبث ثم يجيء عيسى ابن مريم من المشرق مصدقا بمحمد وعلى ملته ثم يقتل الدجال"، حديث غريب.

حديث عن جابر رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الملك بن عمرو بن دينار، حدثنا زهير، عن زيد يعني ابن أسلم، عن جابر بن عبد الله قال: أشرف رسول الله على فلق من أفلاق الحرة ونحن معه فقال: "نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال، على كل نقب من أنقابها ملك لا يدخلها فإذا كان ذاك رجفت المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه وأكثر يعني من يخرج إليه من النساء وذلك يوم التخليص يوم تنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد يكون معه سبعون ألفا من اليهود على كل رجل ساج وسيف محلى، فيضرب رواقه بهذا الطرف الذي عند مجتمع السلول ثم قال رسول الله : ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال، وما من نبي إلا وقد حذره أمته لأخبرنكم بشيء ما أخبرة نبي أمته ثم وضع يده على عينيه ثم قال: "أشهد أن الله ليس بأعور". تفرد به أحمد وإسناده جيد وصححه الحاكم.

طريق أخرى عن جابر

قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول الله : "إني لخاتم ألف نبي أو أكثر وإنه ليس منهم نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإنه قد تبين لي ما لم يتبين لأحد منهم وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور".

وتفرد به البزار وإسناده حسن ولفظه غريب جدا.

وروى عبد الله بن أحمد في السنة من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر أن رسول الله ذكر الدجال فقال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور".

ورواه ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن مجالد به أطول من هذا.

طريق أخرى عن جابر

قال أحمد: حدثنا روح، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال النبي : "الدجال أعور وهو أشد الكذابين".

وروى مسلم من حديث ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم".

وتقدمت الطريق الأخرى عن أبي الزبير عنه، عن أبي سلمة عنه في الدجال.

حديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي قال فى الدجال: "أعور هجين أزهر كأن رأاسه أصلة أشبه الناس بعبد العزى ابن قطن وإن ربكم ليس بأعور".

قال شعبة: فحدثت به قتادة فحدثني بنحو من هذا تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وروى أحمد والحارث أبي أسامة وابن معلى من طريق هلال عن عكرمة عن ابن عباس في حديث الإسراء قال: "ورأى الدجال في صورته رأي عين لا رؤيا منام وعيسى وإبراهيم فسئل عن الدجال فقال: "رأيته إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري كأن شعره أغصان شجرة".

ليس في الدنيا فتنة أعظم من فتنة الدجال وذكر تمام الحديث حديث عن هشام بن عامر

قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد يعني ابن هلال، عن هشام بن عامر الأنصاري سمعت رسول الله يقول: "ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من الدجال".

وقال أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن بعض أشياخهم قال: قال هشام بن عامر لجيرانه: إنكم تتخطوني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله ولا أوعى لحديثه مني وإني سمعت رسول الله يقول: "ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبرمن الدجال".

ورواه الإمام أحمد أيضا، عن أحمد بن عبد الملك، عن حماد، عن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، عن هشام بن عامر أنه قال: إنكم لتجاوزوني إلى رهط من أصحاب رسول الله ما كانوا أحضر ولا أحفظ لحديثه مني وإني سمعت رسول الله يقول: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال".

وقد رواه مسلم من حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن رهط منهم أبو الدهماء وأبو قتادة عن هشام بن عامر فذكر نحوه.

وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هشام بن عامر قال: قال رسول الله : "إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك فمن قال أنت ربي افتتن ومن قال: كذبت. ربي الله عليه توكلت، فلا يضره أو قال فلا فتنة عليه".

حديث عن ابن عمر

قال أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله "منزل الدجال في هذه السبخة فيكون أكثرمن يخرج إليه النساء حتى إن الرجل ليرجع إلى زوجته وإلى أمه وابنته واخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه فيسلط الله المسلمين عليه فيقتلونه ويقتلون شيعته حتى إن اليهودي ليختبىء تحت الشجرة والحجر، فيقول الحجر والشجرة للمسلمين هذا يهودي تحتي فاقتله".

طريق أخرى عن سالم

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور".

إشارة نبوية إلى أن المسلمين سيقاتلون اليهود وينتصرون عليهم حتى أن اليهودي لا يجد له مخبأ يحميه من سيف المسلم

وقد تقدم هذا في الصحيح مع حديث ابن صياد وبهذا الإسناد إلى ابن عمر أن رسول الله قال: "تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله".

وأصله في الصحيحين من حديث الزهري بنحوه.

طريق أخرى عن ابن عمر

قال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا عاصم ابن أخيه، عن عمر بن محمد، عن محمد بن زيد يعني أبا عمر بن محمد قال: قال عبد الله بن عمر: كنا نتحدث بحجة الوداع ولا ندري أنه الوداع من رسول الله ، فلما كان في حجة الوداع خطب رسول الله فذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره قال: "ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته لقد أنذره نوح أمته وأنذره النبيون من بعده أممهم. ألا إن ما خفي عليهم من شأنه فلن يخفين عليكم إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور". تفرد به أحمد من هذا الوجه.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله قال: "إنه لم يكن نبي إلا وصفه لأمته ولأصفنه صفة لم يصفها من كان قبلي، إنه أعور وإن الله ليس بأعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافية" وهذا إسناد جيد حسن.

وقال الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي أنه سئل عن الدجال فقال: "ألا إن ربكم عز وجل ليس بأعور وإن الدجال أعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافية".

قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن سعد وحذيفة وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي بكرة وعائشة وأنس بن مالك وابن عباس والتلبان بن عاصم.

حديث عبد الله بن عمر

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه عوف البكالي فجئته فجاء رجل فأسدل الناس عليه خميصة، وإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص فلما رآه عوف أمسك عن الكلام فقال عبد الله: سمعت رسول الله يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم لا يبقى في الأرض إلا شرار الناس تلفظهم أرضوهم تحشرهم النار مع المردة والخنازير وتبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلف".

قال: وسمعت رسول الله يقول: "سيخرج ناس من أمتي من قبل الشرق يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج منهم قرن قطع حتى عد زيادة على عشر مرات كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال من بقيتهم".

ورواه أبو داود من حديث قتادة عن شهر من طريق أخرى عنه.

حديث غريب السند والمتن

قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا جعفر بن أحمد الثنائي، حدثنا أبو كريب، حدثنا فردوس الأشعري، عن مسعود بن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي أنه قال في الدجال: "إنه أعور وإن الله ليس بأعور، يخرج فيكون في الأرض أربعين صباحا يرد كل منهل إلا الكعبة وبيت المقدس والمدينة الشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار معه جبل من خبز ونهر من ماء ة يدعو برجل لا يسلطه الله على أحد إلا عليه فيقول: ما تقول في فيقول: أنت عدو الله، وأنت الدجال الكذاب فيدعو بمنشار فيضعه فيشقه ثم يحييه فيقول له: ما تقول؟ فيقول: والله ما كنت أشد بصيرة مني فيك الآن، أنت عدو الله عز وجل الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله فيهوي إليه بسيفه فلا يستطيعه فيقول أخروه عني".

قال شيخنا الذهبي: هذا حديث غريب فردوس ومسعود لا يعرفان وسيأتي حديث يعقوب بن عاصم عنه في مكث الدجال في الأرض ونزول عيسى ابن مريم.

التسبيح والتهليل والتكبير لا تطعم الأجساد

حديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت: كان رسول الله في بيتي فذكر الدجال فقال: "إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث مطرها والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي مطرها والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء مطرها كله والأرض نباتها كله، ولا تبقى ذات ضرس ولا ذات خف من البهائم إلا هلكت، وإن من أشد فتنته أن يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت أخاك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه قالت ثم خرج رسول الله لحاجته ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم قالت: فأخذ بحلقتي الباب وقال: مه مه أسماء، قالت: قلت يا رسول الله وسلم خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال: فإن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن قالت أسماء: يا رسول الله والله انا لنعجنن عجيننا فما نختبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ. قال: يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس" .

وكذلك رواه أحمد أيضا، عن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن عبادة، عن شهر عنها بنحوه وهذا إسناد لا بأس به، وقد تفرد به أحمد وتقدم له شاهد في حديث أبي أمامة الطويل، وفي حديث عائشة بعده شاهد له من وجه أيضا والله أعلم.

وقال أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثني أسماء أن رسول الله قال في حديث: "فمن حضر مجلسي وسمع قولي فليبلغ الشاهد منكم الغائب واعلمو، أن الله صحيح ليس بأعور ممسوح العين مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب".

وسيأتي عن أسماء بنت عميس نحوه والمحفوظ هذا، والله أعلم.

حديث عائشة

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن الحسن، عن عائشة أن رسول الله ذكر جهدا بين يدي الدجال فقالوا أي المال خير يومئذ قال: غلام أسود يسقي أهله الماء وأما الطعام فليس". قالوا فما طعام المؤمنين يومئذ قال: التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: قليل". تفرد به أحمد وإسناده فيه غرابة وتقدم في حديث أسماء وأبي أمامة شاهد له والله تعالى أعلم.

طريق أخرى عنها

قال أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني الحضرمي بن لاحق أن ذكوان أبا صالح أخبره أن عائشة أخبرته قالت: دخل علي رسول الله وأنا أبكي فقال: "ما يبكيك؟ قلت يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت".

فقال رسول الله : "إن يخرج الدجال وأنا حي كفيتكموه وإن يخرج بعدي فإن ربكم ليس بأعور إنه يخرج من يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها ولها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها حتى يأتي الشام بمدينة فلسطين باب لد، فينزل عيسى ابن مريم فيقتله ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة إماما عادلا وحكما مقسطا" تفرد به أحمد.

لا يدخل الدجال مكة المكرمة ولا المدينة المنورة

وقال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي؟ عن داود بن عامر، عن عائشة أن النبي قال: "لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة".

ورواه النسائي، عن قتيبة، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، والمحفوظ رواية عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس كما تقدم.

وثبت في الصحيح من حديث هشام بن عروة، عن زوجته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت في حديث صلاة الكسوف: إن رسول الله قال في خطبته يومئذ: "وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون قريبا أو قبل فتنة المسيح الدجال لا أدري أي ذلك قال". قالت أسماء الحديث بطوله.

وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أم شريك أن رسول الله قال: "لينفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا برؤوس الجبال قلت يا رسول الله: أين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل".

حديث عن أم سلمة

قال ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عروة قالت أم سلمة ذكرت المسيح الدجال ليلة فلم يأتني نوم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله فأخبرته فقال: "لا تفعلي فإنه إن يخرج وأنا فيكم يكفيكم الله بي وإن يخرج بعد أن أموت يكفه الله الصالحين" ثم قام فقال: "ما من نبي إلا قد حذر أمته يعني منه وإني احذركموه إنه أعور وإن الله تعالى ليس بأعور". قال الذهبي: إسناده قوي.

حديث ابن خديج، رواه الطبراني، من رواية عطية بن عطية بن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج، عن النبي في ذم القدرية وأنهم زنادقة هذه الأمة، وفي زمانهم يكون ظلم السلطان، وحيفه، وكبره، ثم يبعث الله طاعونا، فيفنى عامتهم، ثم يكون الخسف. فما أقل من ينجو منهم، المؤمن يومئذ قليل فرحه، شديد غمه، ثم يكون المسيح فيمسخ الله عامتهم، قردة، وخنازير، ثم يخرج الدجال على إثر ذلك قريبا، ثم بكى رسول الله ، حتى بكينا لبكائه، وقلنا: ما يبكيك؟ قال: رحمة لأولئك القوم، لأن فيهم المقتصد، وفيهم المجتهد، الحديث بتمامه.

حديث عن عثمان بن أبي وقاص

قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة، لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه، فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا، ثم أتينا بطيب فتطيبنا، ثم جئنا المسجد فجلسنا إلى رجل يحدثنا عن الدجال، ثم جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا فجلس فجلسنا فقال: سمعت رسول الله يقول: "يكون للمسلمين ثلاثة أمصار مصر بملتقى البحرين ومصر بالجزيرة ومصر بالشام فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال في أعراض الناس فيهزم من قبل المشرق، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقيم بالشام وتنظر ما هو وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدجال سبعون ألفا عليهم التيجان وأكثر من معه اليهود والنساء، ثم يأتي المصر الذي يليهم فيصير أهله ثلاث فرق فرقة تقيم بالشام وتنظر ما هو وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغربي الشام، وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق فيبعثون سرحا لهم فيصاب سرحهم فيشتد ذلك عليهم وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر يا أيها الناس: أتاكم الغوث ثلاثا فيقول بعضهم لبعض: إن هذا الصوت صوت رجل شبعان وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر فيقول له أميرهم: يا روح الله تقدم فصل، فيقول هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض فيتقدم أميرهم فيصلي، فإذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته فذهب نحو الدجال فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص فيضع حربته تحت ثندوته فيقتله وينهزم أصحابه فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا حتى إن الشجرة لتقول يا مؤمن هذا كافر ويقول الحجر يا مؤمن هذا كافر".

تفرد به أحمد، ولعل هذين المصرين هما البصرة والكوفة بدليل ما رواه الإمام أحمد.

حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا الحشرح بن نباته القيس الكوفي، حدثني سعيد بن جهمان، حدثنا عبد الله بن أبي بكرة، حدثنا أبي في هذا المسجد يعني مسجد البصرة قال: قال رسول الله : "لينزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها البصرة يكثر بها عددهم ويكثر بها نخلهم ثم يجيء بنو قنطورا صغار العيون حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له دجلة فيفرق المسلمون ثلاث فرق، فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل يلحقون بالبادية وهلكت وأما فرقة فتتأخر خائفة على أنفسها وهذه وتلك سواء وأما فرقة فيجعلون عيالهم خلف ظهورهم وهؤلاء يكون فضلاوهم شهداء ويفتح الله على بقيتها".

ثم رواه أحمد، عن يزيد بن هارون وغيره عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جهمان، عن ابن أبي بكرة عن أبيه فذكره بنو قنطورا هم الترك، ورواه أبو داود، عن محمد بن يحيى بن فارس، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن سعيد بن جهمان، عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه فذكره نحوه.

وروى أبو داود من حديث بشر بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي في حديث: "يلونكم صغار الأعين يعني الترك قال ليسوقنهم ثلاث مرار حتى يلحقوا بهم بجزيرة العرب، فأما في السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما في الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون" أو كما قال لفظ أبي داود.

وروى الثوري، عن سلمة بن كفيل، عن الزهر، عن ابن مسعود قال: "يفترق الناس عند خروج الدجال ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض بها منابت الشيح، وفرقة تأخذ بشط العراق يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام ويبعثون طليعة فيهم فارس فرسه أشقر أو أبلق فيقتلون فلا يرجع منهم بشر".

حديث عن عبد الله بن بسر

قال حنبل بن إسحاق: حدثنا رحيم، حدثنا عبد الله بن يحيى المعافري هو المريسي أحد الثقات، عن معاوية بن صالح، حدثني أبو الزارع أنه سمع عبد الله بن يسر يقول سمعت يقول: "ليدركن الدجال من رأى". أو قال ليكونن قريبا من قولي قال شيخنا الذهبي أبو الزارع لا يعرف والحديث منكر. قلت: وقد تقدم في حديث أبي عبيدة شاهد له.

حديث عن سلمة بن الأكوع

قال الطبراني: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا يزيد بن الحريش، حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، حدثنا موسى بن عبيدة.، حدثني يزيد بن عبد الرحمن، عن سلمة بن الأكوع قال: أقبلت مع رسول الله من قبل العقيق حتى إذا كنا مع الثنية قال: "إني لأنظر إلى مواقع عدو الله المسيح إنه يقبل حتى ينزل من كذا حتى يترسل يخرج إليه الغوغاء ما من نقب من أنقاب المدنة إلا عليه ملك أو ملكان يحرسانه، معه صورتان صورة الجنة وصورة النار وشياطين يتشبهون بالأبوين يقول أحدهم للحي: أتعرفني؟ أنا أبوك أنا أخوك أنا ذو قرابة منك ألست قد مت هذا ربنا فاتبعه، فيقضي الله ما شاء منه ويبعث الله له رجلا من المسلمين فيسكته ويبكته، ويقول هذا الكذاب ياأيها الناس: لا يغرنكم فإنه كذاب ويقول باطلا وإن ربكم ليس بأعور، ويقول الدجال له: هلا أنت متبعي؟ فيأتي فيشقه شقتين ويفصل ذلك ويقول أعيده لكم فيبعثه الله أشد ما كان تكذيبا وأشد شتما فيقول: أيها الناس إنما رأيتم بلاء ابتليتم به وفتنة افتتنتم بها ألا إن كان صادقا فليعدني مرة أخرى ألا هو كذاب فيأمر به إلى هذه النار وهي الجنة ثم يخرج قبل الشام" موسى بن عبيدة اليزيدي ضعيف في هذا السياق.

حديث محجن بن الأدرع

قال أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شفيق، عن محجن بن الأدرع أن رسول الله خطب يوما الناس فقال: "يوم الخلاص وما يوم الخلاص؟ ثلاثا فقيل وما يوم الخلاص؟ قال: يجيء الدجال فيصعد أحدا فينظر إلى المدينة فيقول لأصحابه: هل تدرون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد، ثم يأتي المدينة فيجد على كل نقب من أنقابها ملكا مصلتا سيفه فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه فذلك يوم الخلاص". تفرد به أحمد.

خير دينكم أيسره

ثم رواه أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي رجا، عن محجن بن الأدرع قال: أخذ رسول الله بيدي فصعد على أحد وأشرف على المدينة فقال: "ويل: إنها قرة عيني أدعها خير ما تكون أو كأخير ما تكون، فيأتيها الدجال فيجد على كل باب من أبوابها ملكا مصلتا سيفه فلا يدخلها. قال: ثم نزل وهو آخذ بيدي فدخل المسجد فإذا رجل يصلي فقال لي: من هذا؟ فأثنيت عليه خيرا، فقال: اسكت لا تسمعه فتهلكة، قال: ثم أتى حجرة امرأة من نسائه فنفض يده من يدي وقال: "إن خير دينكم أيسره إن خير دينكم أيسره".

حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا اليهودي من خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه شجر اليهود". وقد روى مسلم عن قتيبة بهذا الإسناد.

"لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك" الحديث. وقد تقدم هذا الحديث بطرقه وألفاظه. والظاهر والله أعلم، أن المراد أن الترك هم اليهود أيضا والدجال من اليهود كما تقدم في حديث أبي بكر الصديق الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "لينزلن الدجال بحوران وكرمان في سبعين ألفا كأن وجوههم المجان المطرقة". إسناده جيد قوي حسن.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال حنبل بن إسحاق: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح، عن الحارث بن النفيل، عن زياد ابن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله خطب الناس فذكر الدجال فقال: "إنه لم يكن نبي إلا حذره أمته وسأصفه لكم بما لم يصفه نبي قبلي إنه أعور مكتوب بين عينيه كافر بقرؤه كل مؤمن يكتب أو لا يكتب". وهذا إسناد جيد لم يخرجوه من طريق أخرى.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال حنبل بن إسحاق: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح، عن الحارث بن النفيل، عن زياد ابن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله خطب الناس فذكر الدجال فقال: "إنه لم يكن نبي إلا حذره أمته وسأصفه لكم بما لم يصفه نبط قبلي؟ إنه أعور مكتوب بين عينيه كافر بقروه كل مؤمن يكتب أو لا يكتب ". وهذا إسناد جيد لم يخرجوه من طريق أخرى.

المدينة المنورة ومكة المكرمة في حراسة من الملاكة بأمر الله

قال أحمد: حدثنا شريح، حدثنا فليح عن عمرو بن العلاء الثقفي عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: " المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منهما ملائكة لا يدخلها الدجال ولا الطاعون".

هذا غريب جدا؟ وذكر مكة في هذا ليس محفوظا وكذلك ذكر الطاعون والله تعالى أعلم، والعلاء الثقفي هذا إن كان مزيدا فهو أقرب.

حديث عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه

قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا بقية، حدثنا بجيرعن خالد عن جنادة بن أمية عن عبادة ابن الصامت أنه حدثهم أن رسول الله قال: "إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تفعلوا؟ إن المسيح الدجال رجل قصير أبح جعذ أعور مطموس العين فإن لبس عليكم فاعلموا أن ربكم عز وجل ليس بأعور".

ورواه أحمد، عن حيوة بن شريح أو يزيد بن عبد ربه، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم كلهم عن بقية بن الوليد به.

شهادات نبوية كريمة بفضل بني تميم

وقال البخاري ومسلم: حدثنا زهر، حدثنا جرير عن أببما زرعة عن أبي هريرة قال: ما زلت أحب بني تميم من أجل ثلاث؟ سمعت رسول الله يقول: "هم أشد امتي على الدجال." وجاءت صدقاتهم فقال: "هذه صدقات قومي ". وكانت سبية منهم عند عائشة. فقال رسول الله  : "أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل ".

حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جرير، حدثنا حميد بن هلال عن أبي الدهماء قال: سمعت عمران بن حصين يحدث قال: قال رسول الله  : من سمع من الدجال فلسنا منه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه بما يبعث به من الشبهات أو ولما يبعث به من الشبهات". قال: هكذا تفرد به أبو داود.

وقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام بن حسان، حدثنا حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، عن عمران بن حصين، عن النبي قال: "من سمع من الدجال فلسنا منه من سمع من الدجال فلسنا منه؟ فإن الرجل يأتيه يحسسب إنه مؤمن فما يزال به لما معه من الشبه حتى يتبعه".

وكذلك رواه عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان وهذا إسناد جيد وأبو الدهماء واسمه فرقة ابن بهير الدوي ثقة.

وقال سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن عمران بن حصين قال رسول الله : "لقد أكل الطعام ومشى في الأسواق". يعني الدجال.

حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه الدجال أهون على الله

قال مسلم: حدثنا شهاب بن عباد العبدي، حدثنا إبراهيم بن حميد الوارسي، عن إسماعيل، عن أبي خالد عن قيس بن حازم عن المغيرة عن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألت قال:وما يضرك منه؟ إنه لا يضرك: قلت يا رسول الله إنهم يقولون إن معه الطعام والأنهار قال هو أهون على الله من ذلك".

حدثنا شريح بن يونس، حدثنا هشام بن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألته: قال وما سؤالك؟ قال: إنهم يقولون إن معه جبالا من خبز ولحم ونهرا من ماء، قال: "هو أهون على الله من ذلك".

ورواه مسلم أيصا في الاستئذان من طرق كثيرة، عن إسماعيل عن قيس عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألته، قال: وما سؤالك؟ قال: إنهم يقولون إن معه جبالا من خبز ولحم ونهرا من ماء؟ قال: "هو أهون على الله من ذلك".

ورواه مسلم أيضا في الاستئذان من طرق كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد، وأخرجه البخاري، عن مسدد، عن يحيى القطان، عن إسماعيل، وقد تقدم حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد وإنما ذلك في رأي العين وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق مموه لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه بل كلها خيالات عند هؤلاء.

وقال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة: "لا يجوز أن يكون كذلك حقيقة لئلا يشتبه خارق الساحر بخارق النبي وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية وذلك مناف للبشرية فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه والحالة هذه. وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية وردوا الأحاديث الواردة فيه فلم يصنعوا شيئا وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله كما تقدم، وإنما أوردنا بعض ما ورد في هذا الباب، لأن فيه كفاية ومقنعا وبالله المستعان.

والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه كما تقدم أن من استجاب له يأمر السماء لتمطرهم والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم سمانا ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والعلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وأنه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، ويقتل ذلك الشاب ثم يحييه، وهذا كله ليس بمخرفة بل له حقيقة امتحن الله به عباده في ذلك الزمان فيضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيمانا، وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث. "هو أهون على الله من ذلك".

أي هو أقل من أن يكون معه من يضل به عباده المؤمنين، وما ذاك إلا لأنه ظاهر النقص والفجور والظلم، وإن كان معه ما معه من الخوارق، وبين عينيه مكتوب كافر كتابة ظاهرة وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله ك ف ر، وقد دل ذلك على أنه كتابة حسية لا معنوية كما يقوله بعض الناس، وعينه الواحدة عوراء شنيعة المنظر ناتئة، وهومعنى قوله "كأنها عنبة طافية" أي طافية على وجه الماء ومن روى ذلك طافية فمعناه لا ضوء فيها، وفي الحديث الآخر "كأنها نخامة على حائط مجصص" أي بشعة الشكل، وقد ورد في بعض الأحاديث أن عينه اليمنى عوراء رحا اليسرى فإما أن تكون إحدى الروايتين غير محفوظة أو أن العور حاصل في كل من العينين ويكون معنى العور النقص والعيب.

ويقوي هذا الجواب ما رواه الطبراني، حدثنا محمد بن محمد التمار وأبو خليفة قالا: حدثنا أبو الوليد، حدثنا زائدة، حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "الدجال جعد هجين أخن كأن رأسه غصن شجرة مطموس عينه اليمنى، والأخرى كأنها عنبة طافية" الحديث. وكذلك رواه سفيان الثوري عن سماك بنحوه، لكن قد جاء في الحديث المتقدم وعينه الأخرى كأنها كوكب دري، وعلى هذا فتكون الرواية الواحدة غلطا، ويحتمل أن يكون المراد أن العين الواحدة عوراء في نفسها، والأخرى عوراء باعتبار انبرازها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

لماذا لم يذكر الدجال صراحة في القرآن الكريم

وقد سأل سائل سؤالا فقال: ما الحكمة في أن الدجال مع كثرة شره وفجوره وانتشار أمره ودعواه الربوبية وهو في ذلك ظاهر الكذب والافتراء، وقد حذر منه جميع الأنبياء لم يذكر في القرآن ويحذر منه ويصرح باسمه وينوه بكذبه وعناده؟ والجواب من وجوه: أحدهما: أنه قد أشير إلى ذكره في قوله تعالى: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا". أ الأنعام: 158، الآية.

قال أبو عيسى الترمذي عند تفسيرها: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يعلى بن عبيد، عن فضيل بن غزوان " عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبى قال: ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفمسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل اوكسبت في إيمانها خيرا الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب او من مغربها". ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.

الثاني: أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا فيقتل الدجال كما تقدم وكما سيأتي، وقد ذكر في القرآن نزوله في قوله تعالى: )وقولهم إنا قتلنا ألمسيح عيسى أبن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شئبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا".النساء: 157- 159.

وقد قررنا في التفسير أن الضمير في قوله: قبل موته عائد على عيسى أي سينزل إلى الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافا متباينا، فمن مدعي الإتهية كالنصارى ومن قاثل فيه قولا عظيما وهوأنه ولد ريبة وهم اليهود، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه فيه من الافتراء وسنقرر هذا قريبا.

وعلى هذا فيكون ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى ذكر المسيح الدجال شيخ الضلال وهو ضد مسيح الهدى، ومن عادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر كما هو مقرر في موضعه.

الثالث: أنه لم يذكر بصريح اسمه في القران احتقارا له حيث يدعي الإتهية وهو ليسر ينافي حالة جلال الرب وعظمته وكبريائه وتنزيهه عن النقص، فكان أمره عند الرب أحقر من أن يذكر وأصغر وأدخر من أن يحكي عن أمر دعواه ويحذر، ولكن انتصر الرسل بجناب الرب عز وجل فكشفوا لأممهم عن أمره وحذروهم ما معه من الفتن المضلة والخوارق المضمحلة فاكتفى بإخبار الأنبياء، وتواترذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكرأمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله في القران العظيم ة ووكل بيان أمره إلى كل نبي كريم.

فإن قلت: فقد ذكر فرعون في القرآن، وقد ادعى ما دعاه من الكذب والبهتان حيث قال: "أنا ربكم الأعلى". النازعات: 24،. وقال: "يأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري". القصص. والجواب: أن أمر فرعون قد انقضى وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل؟ وهذا أمر سيأتي وكائن فيما يستقبل فتنة واختبارا للعباد فترك ذكره في القرآن احتقارا له وامتحانا به إذ الأمر في كذبه أظهر من أن ينبه عليه ويحذر منه، وقد يترك الشيء لوضوحه، كما قال النبي في مرض موته وقد عزم على أن يكتب كتابا بخلافة الصديق من بعده ثم ترك ذلك وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".

فترك نصه عليه لوضوح جلالته وظهور كبر قدره عند الصحابة وعلم عليه الصلاة والسلام منهم أنهم لا يعدلون به أحدا بعده، وكذلك وقع الأمر، ولهذا يذكر هذا الحديث في دلائل النبوة كما تقدم ذكرنا له غير مرة في مواضع من الكتاب، وهذا المقام الذي نحن فيه من هذا القبيل وهو أن النبي قد يكون ظهوره كافيا عن التنصيص عليه، وأن الأمر أظهر وأوضح وأجلى من أن يحتاج معه زيادة على ما هو في القلوب مستقر، فالدجال واضح الذم ظاهر النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدعيه وهو الربوبية، فترك الله ذكره والنص عليه لما يعلم تعالى من عباده المؤمين أن مثل هذا لايهدهم ولا يزيدهم إلا إيمانا وتسليما لله ورسوله وتصديقا بالحق وردا للباطل ولهذا يقول ذلك المؤمن الذي يسلط عليه الدجال فيقتله ثم يحييه، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة. أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا فيه رسول الله شفاها وقد أخذ بظاهره إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الصحيح عن مسلم، فحكى عن بعضهم أنه الخضر وحكاه القاضي عياض عن معمر في جامعه.

وقد قال أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، والترمذي في جامعه بإسنادهم إلى أبي عبيدة أن رسول الله قال: "لعله يدركه من رآني وسمع كلامي".

وهذا مما قد يتقوى به بعض من يقول بهذا ولكن في إسناده في غرابة، ولعل هذا كان قبل أن يبين له من أمر الدجال ما بين في ثاني الحال والله تعالى أعلم.

وقد ذكرنا في قصة الخضر كلام الناس في حياته ودللنا على وفاته بأدلة أسلفناها هنالك، فمن أراد الوقوف عليها فليتأملها في قصص الأنبياء من كتابنا هذا والله تعالى أعلم بالصواب.

ذكر ما يعصم من الدجال

الاستعاذة المخلصة بالله تعصم من فتنة الدجال فمن ذلك الاستعاذة من فتنته، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح من غير وجه أن رسول الله كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة وأنه أمر أمته بذلك أيضا فقال: "اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن فتنة القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال".

ذلك من حديث أنس وأبي هريرة وعائشة وابن عباس وسعد وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وغيرهم:

حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف حفظا عمليا يعصم من فتنة الدجال

قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي والاستعاذة من الدجال متواترة عن النبي كما قال أبو داود، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، عن قتادة، حدثنا سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن أبي الدرداء يرويه عن النبي قال: "من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال".

قال أبو داود: كذا قال هشام عن دستواي عن قتادة إلا أنه قال من حفظ من خواتيم، وقال شعبة عن قتادة من آخر الكهف، وقد رواه مسلم من حديث همام وهشام وشعبة عن قتادة بألفاظ مختلفة، وقال الترمذي: حسن صحيح وفي بعض روايات الثلاث: "آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال". وكذلك رواه عن روح عن سعيد عن قتادة بمثله، ورواه عن حسين عن شعبان عن قتادة كذلك، وقد رواه عن غندر وحجاج عن شعبة عن قتادة بمثله، ورواه عن حسين شعبان عن قتادة كذلك، وقد رواه عن غندر وحجاج عن شعبة عن قتادة وقال: "من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال".

وكذلك الابتعاد منه كما تقدم في حديث عمران بن حصين: "من سمع من الدجال فلسنا منه".

وقول رسول الله : "إن المؤمن ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعت به من الشبهات".

سكنى المدينة ومكة المشرفتين تعصم من فتنة الدجال

ومما يعصم من فتنة الدجال الذي سكن المدينة ومكة شرفهما الله تعالى، فقد روي في البخاري ومسلم من حديث الإمام مالك عن نعيم المجمر عن نعيمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "على انقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال".

وقال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعيد عن أبيه، حدثني أبو بكر، عن النبي قال: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان".

وقد روي هذا من غير وجه عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة، وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع ومحجن بن الأدرع كما تقدم.

وقال الترمذي: حدثنا عبده بن عبد الله الخزاعي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله : "يأتي الدجال المدينة فيجد الملائكة يحرسونها فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال إن شاء الله".

وأخرجه البخاري، عن يحيى بن موسى وإسحاق بن أبي عيسى عن يزيد بن هارون ومحجن وأسامة وسمرة بن جندب رضي الله عنهم أجمعين. وقد ثبت في الصحيح: "أنه لا يدخل مكة ولا المدينة تمنعه الملائكة" لشرف هاتين البقعتين فهما حرمان آمنان منه وإنما إذا نزل نزل عند سبخة المدينة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات إما حسا أو معنى على القولين فيخرج منها كل منافق ومنافقة ويومئذ تنفي المدينة خبثها ويسطع طيبها كما تقدم في الحديث والله أعلم.

تلخيص سيرة الدجال لعنه الله

هو رجل من بني آدم خلقه الله تعالى ليكون محنة للناس في آخر الزمان: "يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين".

وقد روى الحافظ أحمد بن علي الآبار في تاريخه من طريق مجالد، عن الشعبي أنه قال: كنية الدجال أبو يوسف، وقد روى عمر بن الخطاب وأبو داود جابر بن عبد الله وغيرهم من الصحابة وغيرهم كما تقدم أنه ابن صياد، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله : "يمكث أبوا الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما غلام ثم يولد لهما بعد الثلاثين غلام أعور أضر شيء وأقله نفعا تنام عيناه ولا ينام قلبه". ثم نعت أبويه فقال: "أبوه رجل مضطرب اللحم طويل الأنف كأن أنفه منقار وأمه امرأة عظيمة الثديين ثم بلغنا أن مولودا من اليهود ولد بالمدينة قال: فانطلقت والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه فوجدنا فيهما نعت رسول الله وإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة يهمهم فسألنا أبويه فقالا: مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا، ثم ولد لنا غلام أعور أضر شيء وأقله نفعا، فلما خرجنا مررنا به فقال: عرفت ما كنتما فيه. قلنا: وسمعت؟ قال: نعم. إنه تنام عيناي ولا ينام قلبي فإذا هو ابن صياد. وأخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة، وقال حسن قلت بل منكم جدا والله أعلم.

وقد كان ابن صياد من يهود المدينة ولقبه عبد الله، ويقال صاف، وقد جاء هذا وهذا وقد يكون أصل اسمه صاف ثم تسمى لما أسلم بابن عبد الله، وقد كان ابنه عمارة بن عبد الله من سادات التابعين، وروى عنه مالك وغيره، وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد وأن ابن صياد كان دجالا من الدجاجلة ثم تاب بعد ذلك فأظهر الإسلام والله أعلم بضميره وسيرته، وأما الدجال الأكبر فهو المذكور في حديث فاطمة بنت قيس الذي روته عن رسول الله عن تميم الداري وفيه قصة الجساسة ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان بعد فتح المسلمين مدينة الروم المسماة بقسطنطينية فيكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة منها يقال لها اليهودية وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي عليهم الأسلحة والتيجان وهي الطيالسة الخضراء، وكذلك ينصره سبعون ألفا من التتار وخلق من أهل خراسان فيظهر أولا في صورة ملك من الملوك الجبابرة ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية، فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم والطغام من الرعاع والعوام، ويخالفه ويرد عليه من هدى الله من عباده الصالحين وحزب الله المتقين، يأخذ البلاد بلدا بلدا وحصنا حصنا وإقليما إقليما وكورة كورة، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوما يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف شهر، وقد خلق الله تعالى على يديه خوارق كثيرة يضل بها من يشاء من خلقه ويثبت معها المؤمنون فيزدادون بها إيمانا مع إيمانهم، وهدى إلى هداهم، ويكون نزول عيسى ابن مريم مسيح الهدى فى أيام المسيح الدجال مسيح الضلالة، على المنارة الشرقية بدمشق فيجتمع عليه المؤمنون ويلتف به عباد الله المقتون، فيسير بهم المسيح عيسى ابن مريم قاصدا نحو الدجال، وقد توجه نحو بيت المقدس فيدركهم عند عقبة أفيق فينهزم منه الدجال فيلحقه عند مدينة باب لد، فيقتله بحربته وهو داخل إليها ويقول إن لي فيك ضربة لن تفوتني، وإذا واجهه الدجال ينماع كما يذوب الملح في الماء فيتداركه فيقتله بالحربة بباب لد، فتكون وفاته هناك لعنه الله كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه كما تقدم وكما سيأتي.

وقد قال الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن عمر بن شهاب أنه سمع عبد الله بن عبد الله ابن ثعلبة الأنصاري يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف سمعت عمي مجمع بن جارية يقول: سمعت رسول الله يقول: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد".

وقد رواه أحمد، عن أبي النضر، عن الليث به، وعن سفيان بن عيينة عن الزهري به. وعن محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن الزهري، وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فهو محفوظ من حديثه وإسناده من بعده ثقات، وكذا قال الترمذي بعد روايته له وهذا حديث صحيح قال: وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عتبة وأبي برزة وحذيفة بن أسيد وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاص وجابر وأبي أمامة وابن مسعود وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمرو بن عوف وحذيفة بن اليمان، وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن عمر سأل يهوديا عن الدجال فقال: "ولد يهوديا ليقتله ابن مريم بباب لد".

صفة الدجال قبحه الله

قد تقدم في الأحاديث أنه أعور وأنه أزهر هجين وهو كثير الشعر، وفي بعض الأحاديث أنه قصير وفي حديث أنه طويل، وجاء أن ما بين أذني حماره أربعون ذراعا كما تقدم، وفي حديث جابر ويروى في حديث آخر سبعون باعا ولا يصح وفي الأول نظر، وقال عبدان في كتاب معرفة الصحابة روى سفيان الثوري عن عبد الله بن ميسرة عن حوط العبدي عن مسعود قال: "إذن حمار الدجال يظل سبعون ألفا" قال شيخنا الحافظ الذهبي: خوط مجهول والخبر منكر وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن وإن رأسه ممن ورائه حبك حبك، وقال حنبل بن إسحاق: حدثنا حجاج، حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة قال: دخلت المسجد فإذا الناس قد تكابوا على رجل فسمعته يقول سمعت رسول الله يقول: "إن بعدي الكذاب المضل وإن رأسه من ورائه حبك حبك".

وتقدم له شاهد من وجه آخر، ومعنى حبك أي جعد حسن كقوله تعالى: "والسماء ذات الحبك".

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي وأبو النضر، حدثنا المسعودي المعنى عن عاصم ابن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "خرجت إليكم وقد تبينت ليلة القدر ومسيح الضلالة فكان يلوح بين رجلين بسدة المسجد فأنأيتهما لأحجز بينها فأنسيتهما، وأما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وترا، وأما مسيح الضلالة فإنه أعور العين أجلى الجبهة عريض النحر فيه دفا كأنه قطن بن عبد العزى قال: يا رسول الله، هل يضرني شبهه؟ قال: لا. أنت امرء مسلم وهو رجل كافر".

تفرد به أحمد وإسناده حسن، وقال الطبراني: حدثنا أبو أشعب الحراني حدثنا إسحاق بن موسى رحمه الله، وحدثنا محمد بن شعيب الأصبهاني، حدثنا سعيد بن عنبسة قالا: حدثنا سعيد بن محمد الثقفي، حدثنا خلاد بن صالح، أخبرني سليمان بن شهاب القيسي قال: نزل على عبد الله بن مغنم وكان من أصحاب النبي فحدثني عن النبي أنه قال: "الدجال ليس به خفاء إنه يجيء من قبل المشرق فيدعو إلى حق فيتبع، ويذهب للناس فيقاتلهم فيظهر عليهم، فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة، فيظهر دين الله، ويعمل به، فيتبع ويحب على ذلك، ثم يقول بعد ذلك إني نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، ويمكث بعد ذلك ثم يقول: أنا الله فيغمس الله عينيه، ويقطع أذنيه، ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ويكون من أصحابه اليهود والمجوس والنصارى وهذه الأعاجم من المشركين ثم يدعو برجل فيما يرون فيأمر به فيقتل ثم يقطع أعضاء كل عضو على حدة فيفرق بينهما حتى يراها الناس، ثم يجمع بينها ثم يضربه بعصاه فإذا هو قائم فيقول الدجال: أنا الله أحيي وأميت.

وذلك سحر يسحر به الناس ليس يصنع من ذلك شيئا.

قال شيخنا الذهبي ورواه يحيى بن موسى عن سعيد بن محمد الثقفي وهو واه. وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال في الدجال: "هو صافي بن صائد يخرج من يهودية أصبهان على حمار أبتر ما بين أذنيه أربعون ذراعا وما بين حافره إلى الحافر الأخصر أربع ليال يتناول السماء بيده أمامه جبل من دخان وخلفه جبل آخر مكتوب بين عينيه كافر يقول أنا ربكم الأعلى" أتباعه أصحاب الرياء وأولاد الزنا، رواه أبو عمرو الداني في كتاب الدجال ولا يصح إسناده.

خبر عجيب ونبأ غريب

قال نعيم بن حماد في كتاب الفتن: حدثنا أبو عمرو، عن عبد الله بن لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن الحارث، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي قال: "بين أذني الدجال أربعون ذراعا، وخطوة حماره مسيرة ثلاثة أيام، يخوض البحر كما يخوض أحدكم الساقية، ويقول: أنا رب العالمين وهذه الشمس تجري بإذني أفتريدون أن أحبسها؟ فيقولون: نعم فيحبسها حتى يجعل اليوم كالشهر واليوم كالجمعة ويقول: أتريدون أن أسيرها؟ فيقولون: نعم، فيجعل اليوم كالساعة؟ وتأتيه المرأة فتقول: يا رب أخي وابني وأخي وزوجي، حتى إنها تعانق شيطانا وبيوتهم مملوءة شياطين ويأتيه الأعراب فيقولون: يا رب إحي لنا إبلنا وغنمنا؟ فيعطيهم شياطين أمثال إبلهم وغنمهم سواء بالسن فيقولن: لو لم يكن هذا ربنا لم يحي لنا موتانا ومعه جبل من برق وعراق وجبل من لحم حار ولا يبرد ونهر جار، وجبل من جنان وخضرة وجبل من نار ودخان يقول: هذه جنتي وهذه نادري وهذا طعامي وهذا شرابي، واليسع عليه السلام معه، ينذر الناس فيقول: هذا المسيح الكذاب فاحذوره لعنه الله ويعطيه الله من السرعة والخفة ما لا يلحقه الدجال فإذا قال: أنا رب العالمين قال له الناس كذبت، ويقول اليسع: صدق الناس فيمر بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقول من أنت؟ فيقول: أنا جبريل. وبعثني الله لأمنعك من حرم رسوله فيمر الدجال بمكة فإذا رأى ميكائيل ولى هاربا ويصبح فيخرج إليه من مكة منافقوها ومن المدينة كذلك ويأتي النذير إلى الذين فتحوا قسطنطينية ومن تآلف من المسلمين ببيت المقدس قال: فيتناول الدجال منهم رجلا ثم يقول: هذا الذي يزعم أني لا أقدر عليه؟ فاقتلوه، فينشر ثم يقول: أنا أحييه، فيقول: قم فيقوم بإذن الله ولا يأذن لنفس غيرها فيقول: أليس قد أمتك ثم أحييتك؟ فيقول: الآن أزيد لك تكذيبا بشرني رسول الله أنك تقتلني ثم أحيا بإذن الله فيوضع على جلده صفائح من نحاس ثم يقول: اطرحوه في ناري، فيحول الله ذلك على النذير فيشك الناس فيه ويبادر إلى بيت المقدس فإذا صعد على عقبة أفيق وقع ظلمه على المسلمين ثم يسمعون أن جاءكم الغوث فيقولون: هذا كلام رجل شبعان وتشرق الأرض بنور ربها وينزل عيسى ابن مريم ويقول يا معشر المسلمين احذروا ربكم وسبحوه فيفعلون، ويريدون الفرار فيضيق الله عليهم الأرض فإذا أتوا باب لد وافقوا عيسى فإذا نظر إلى عيسى يقول: أقم الصلاة، قال الدجال: يا نبي الله قد أقميت الصلاة، فيقول: يا عدو الله زعمت أنك رب العالمين فلمن تصلي؟ فيضربه بمقرعة فيقتله فلا يبقى أحد من أنصاره خلف شيء إلا نادى يا مؤمن هذا دجال فاقتله، إلى أن قال فيمنعون أربعين سنة لا يموت أحد ولا يمرض أحد، ويقول الرجل لغنمه: اذهبي الى السرح ولدي به وأرعي وتمر الماشية بين الزرع ولا تأكل منه سنبلة والحيات والعقارب لا تؤذي أحدا والسبع على أبواب الدور لا يؤذي أحدا ويأخذ الرجل المؤمن القمح فيبذره بلا حرث فيجيء منه سبعمائة فيمكثون كذلك حتى يكسر سد يأجوج ومأجوج فيمرحون ويفسدون ويستغيث الناس فلا يستجاب لهم، وأهل طور سيناء هم الذين فتح الله لهم القسطنطينهة فيدعون فيبعث الله دابة من الأرض ذات قوائم فتدخل في آذانهم، فيصبحون موتى أجمعين وتنتن الأرض منهم، فيؤذون الناس بنتنهم أشد من حياتهم، فيستغيثون بالله فيبعث الله ريحا يمانية غبراء فتصير على الناس غما ودخانا ويقع عليهم الزكمة ويكشف ما بهم بعد ثلاث، وقد قذفت جيفهم في البحر، ولا يلبثون إلا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها وقد جفت الأقلام وطويت الصحف، ولا يقبل من أحد توبة، ويخر إبليس ساجدا ينادي إلهي مرني أن أسجد لمن شئت، ويجتمع إليه الشياطين فيقولون: يا سيدنا إلى من تفزع؟ فيقول: إنما سألت ربي أن ينظرني إلى يوم البعث وقد طلعت الشمس من مغربها، وهذا هو الوقت المعلوم، وتصير الشياطين ظاهرة في الأرض حتى يقول الرجل هذا قريني الذي كان يغريني فالحمد لله الذي أخزاه، ولا يزال إبليس ساجدا باكيا حتى تخرج الدابة فتقتله وهو ساجد، ويتمتع المؤمنون بعد ذلك أربعين سنة لا يتمنون شيئا إلا أعطوه، ويترك المؤمنون حتى يتم أربعون سنة بعد الدابة ثم يعود فيهم الموت ويسرع فلا يبقى مؤمن، ويقول الكافر: ليس تقبل منا توبة، يا ليتنا كنا من المؤمنين، فيتهارجون في الطرق تهارج الحمر، حتى ينكح الرجل أمه في وسط الطريق، يقوم واحد وينزل آخر، وأفضلهم من يقول لو تنحيتم عن الطريق كان أحسن، فيكونون على ذلك، ولا يولد أحد من نكاح ثم يعقم الله النساء ثلاثين سنة فيكونرن كلهم أولاد زنا شرار الناس عليهم تقوم الساعة".منين، فيتهارجون في الطرق تهارج الحمر، حتى ينكح الرجل أمه في وسط الطريق، يقوم واحد وينزل آخر، وأفضلهم من يقول لو تنحيتم عن الطريق كان أحسن، فيكونون على ذلك، ولا يولد أحد من نكاح ثم يعقم الله النساء ثلاثين سنة فيكونرن كلهم أولاد زنا شرار الناس عليهم تقوم الساعة".

كذا رواه الطبراني، عن عبد الرحمن بن حاتم المرادي، عن نعيم بن حماد فذكره.

حديث مرفوض

قال شيخنا الحافظ الذهبي إجازة إن لم يكن سماعا: أخبرنا أبو الحسن اليونيني، أخبرنا عبد الرحمن حضورا، أخبرنا عتيق بن مصيلاء، أخبرنا عبد الواحد بن علوان، أخبرنا عمرو بن دوسة، حدثنا أحمد بن سلمان النجاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا أبو سلمة النوذكي، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد عن الحسن قال: قال رسول الله : "الدجال يتناول السحاب ويخوض البحر الى ركبته ويسبق الشمس إلى مغربها وتسير معه الآكام وفي جبهته قرن مكسور الطرف، وقد صور في جسده السلاح كله حتى الرمح والسيف والدرق".

قلت للحسن: يا أبا سعيد ما الدرق؟ قال: الترس. قال شيخنا: هذا من مراسيل الحسن وهي ضعيفة.

حديث خرافة

قال ابن مندة في كتاب الإيمان: حدثنا محمد بن الحسين المدني، حدثنا أحمد بن مهدي، حدثنا سعيد بن سليمان بن سعدون، حدثنا خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله : "أنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران أحدهما نار تأجج في عين من يراه، والآخر ماء أبيض، فمن أدركه منكم فليغمض عينيه وليشرب من نهر النار الذي معه فإنه ماء بارد، وإياكم والآخر فإنه فتنة، واعلموا أنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كتب ومن لم يكتب، وأن إحدى عينيه ممسوحة عليها ظفرة، وأنه مطلع من آخر عمره على بطن الأردن على ثنية فيق، وكل أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن، وأنه يقتل من المسلمين ثلثا ويهزم ثلثا يبقى ثلث فيحجز بينهم الليل، فيقول بعض المؤمنين لبعض: ما تنظرون؟ ألا تريدون أن تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم؟ من كان عنده فضل طعام فليعد به على أخيه، وصلوا حين ينفجر الفجر وعجلوا الصلاة، ثم أقبلوا على عدوكم، قال: فلما قاموا يصلون نزل عيسى وإمامهم يصلي بهم، فلما انصرف قال هكذا: فرحوا بيني وبين عدو الله. قال: فيذوب كما يذوب الملح في الماء فيسلط عليهم المسلمين فيقتلونهم حتى إن الحجر والشجر ينادي يا عبد الله يا مسلم، هذا يهودي فاقتله، ويظهر المسلمون فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير وتوضع الجزية، فبينما هم كذلك إذ أخرج الله يأجوج ومأجوج، فيشرب أولهم، ويجيء آخرهم وقد انتشفوا فما يدعون منه قطرة، فيقولون: هاهنا أثر ماء، ونبي الله وأصحابه وراءهم حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها باب لد فيقولون ظهرنا على من في الأرض، فتعالوا نقتل من في السماء، فيدعو الله نبيه بعد ذلك فيبعث الله عليهم قرحة فى حلوقهم فلا يبقى منهم بشر، ويؤذي ريحهم المسلمين، فيدعو عيسى عليهم، فيرسل الله عليهم ريحا تقذفهم في البحر أجمعين".

قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: هذا إسناد صالح. قلت: وفيه سياق غريب وأشياء منكرة والله تعالى أعلم.

ذكر نزول عيسى ابن مريم رسول الله من سماء الدنيا إلى الأرض في آخر الزمان

قال الله تعالى: "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما".

قال ابن جرير في تفسيره: حدثنا بن يسار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته".

قال: قبل موت عيسى ابن مريم. وهذا اسناد صحيح وكذا ذكر العوفي عن ابن عباس.

هل مات عيسى عليه السلام أو رفع حيا إلى السماء

وقال أبو مالك: "إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" ذلك عند نزول عيسى ابن مريم، وإنه الآن حي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعين رواه بن جرير، وروى ابن أبي حاتم عنه أن رجلا سأل الحسن عن قوله تعالى: "وأن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" فقال: قبل موت عيسى إن الله رفع إليه عيسى وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر، وهكذا قال قتادة بن دعامة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد وهو ثابت في الصحيحين عن أبي هريرة كما سيأتي موقوفا وفي رواية مرفوعا والله تعالى أعلم.

والمقصود من السياق الإخبار بحياته الآن في السماء وليس كما يزعمه أهل الكتاب الجهلة أنهم صلبوه بل رفعه الله إليه، ثم ينزل من السماء قبل يوم القيامة كما دخلت عليه الأحاديث المتواترة مما سبق في أحاديث الدجال ومما سيأتي أيضا وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم العلي العظيم الذي لا إله إلا هو رب العرش الكريم.

وقد روي عن ابن عباس وغيره أنه أعاد الضمير في قوله قبل موته على أهل الكتاب، وذلك لو صح لكان منافيا لهذا، ولكن الصحيح من المعنى والإسناد ما ذكرناه وقد قررناه في كتاب التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.

ذكر الأحاديث الواردة في غير ما تقدم

قال مسلم: حدثنا عبد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة يقول: سمعت عبد الله بن عمرو وقد جاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال: سبحان الله أو لا إله إلا الله أو كلمة نحوها، لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمرا أعظما يحزن ويكون، ثم قال: قال رسول الله : "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قتبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلأ قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه قال: سمعت من رسول الله قال: فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثلهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يبقى أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله، قال: فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله أو قال: ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل- نعمان الشاك فينبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه مرة اخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم "وقفوهم إنهم مسئولون".

"ثم يقال أخرجوا من النار، فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون، قال: وذلك يوم يجعل الوالدان شيبا، ويوم يكشف عن ساق".

بعض العجائب قبل قيام الساعة

وقال الإمام أحمد: حدثنا شريح، حدثنا فليح، عن الحارث، عن فضيل، عن زياد بن سعد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ينزل ابن مريم إماما عادلا وحكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرجع السلم ويتخذ السيوف مناجل ويذهب جمة كل ذات جمة. وينزل من السماء رزقها، وتخرج من الأرض بركتها، حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره، وترعى الغنم والذئب ولا يضرها، ويرعى الأسد والبقر ولا يضرها". تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي صالح.

قبل قيام الساعة تقل العبادة وتكثر الأموال

وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وحتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها" ثم يقول أبو هريرة واقرءوا إن شئتم: "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا".

وكذلك رواه مسلم عن حسن الحلواني وعبد بن حميد كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم به وأخرجاه أيضا من حديث ابن عيينة والليث بن سعد عن الزهري به.

وروى أبو بكر بن مردويه من طريق محمد بن أبي حفص عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يوشك أن يكون فيكم ابن مريم حكما عدلا يقتل الدجال ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية، ويفيض المال، وثكون السجدة الواحدة لرب العالمين خيرا من الدنيا وما فيها" قال أبو هريرة واقرءوا إن شئتم "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" موت عيسى ابن مريم ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.

قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا سفيان وهو بن حصين عن الزهري عن حنظلة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج فينزل بالروحاء فيحج منهما أو يعتمر أو يجمعهما قال: وتلا أبوهريرة: "وإن من أهل الكتاب إلأ ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا".

فيزعم حنظلة أن أبا هريرة قال: يؤمن به قبل موت عيسى فلا أدري أهذا كان حديث النبي أو شيئا قاله أبو هريرة؟ وروى أحمد ومسلم من حديث الزهري عن حنظلة عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "ليمكثن عيسى ابن مريم بالروحاء فيقومن منها بالحج أو بالعمرة أو اثنتيهما جميعا".

الأنبياء إخوة أبناء علات

وقال البخاري: حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله : "كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامكم منكم" ثم قال البخاري تابعه عقيل الأوزاعي.

وقد رواه الإمام أحمد، عن عبد الرازق، عن معمر، عن عثمان بن عمر، عن أبي ذؤيب كلاهما عن الزهري به، وأخرجه مسلم من حديث يونس الأوزاعي وابن أبي ذؤيب عن الزهري به.

قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام أخبرنا قتادة عن عبد الرحمن وهو ابن آدم مولى أم برين صاحب السقاية عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "الأنبياء إخوة علات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، إنه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران كان رأسه يقطر ماء، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزى ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الأمم كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فيمكث أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون".

وهكذا رواه أبو داود عن هدبة بن خالد عن همام بن يحيى عن قتادة، ورواه ابن جرير ولم يورد عند تفسيرها غيره عن بسر بن معاذ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بنحوه وهذا إسناد جيد قوي.

النبي عليه السلام أولى الناس بعيسى ابن مريم

وروى البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة سمعت رسول الله يقول: "أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي".

ثم روي عن محمد بن سفيان، عن فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة الأنبياء إخوة علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد".

ثم قال: وقال إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن ابن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "فهذه طرق متعددة كالمتواترة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا هشام بن العوام بن حوشب، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمارة، عن ابن مسعود، عن رسول الله قال: "لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام قال فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم قال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى فقال أما حينها فلا يعلم به أحد إلا الله، وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج ومعه قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، قال: فيهلكه الله إذا رآني؟ حتى إن الحجر والشجر يقول يا مسلم إن تحتي كافرا تعال فاقتله؟ قال: فيهلكهم الله عز وجل؟ ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطؤون بلادهم؟ لا يأتون على شيء إلا أكلوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه؟ قال: ثم يرجع الناس يشكون فأدعو الله عليهم فيهلكهم؟ ويميتهم حتى تمتلىء الأرض من نتن ريحهم وينزل الله المطر فيغرق أجسادهم حتى يقذفهم في البحر ففيما عهد إلي ربي عز وجل: أن ذلك إذا كان كذلك فإن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجأهم".

ورواه ابن ماجه، عن محمد بن يسار، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب به نحوه.

صفة المسيح عيسى ابن مريم رسول الله عليه السلام

صفة أهل آخر الزمان

ثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ليلة أسري بي لقيت موسى فنعته فإذا رجل مضطرب أي طويل رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة؟ قال ولقيت عيسى فنعته، قال فرأيته أحمر كأنه خرج من ديماس يعني حماما".

وللبخاري من حديث مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "رأيت موسى وعيسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فأدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط ".

ولهما من طريق موسى بن عتيبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله : يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال: "إن الله ليس بأعور؟ ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى؟ كأن عينه عنبة طافية؟ وأراني الله عند الكعبة في المنام رجلا آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال يضرب لمته بين منكبيه؟ رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت فقلت: من هذا؟ قالوا: هو المسيح ابن مريم، ورأيت رجلا وراءه قططا أعور العين اليمنى كأشبه من رأيت بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: "المسيح الدجال". تابعه عبيد الله، عن نافع.

ثم روى البخاري، عن أحمد بن محمد المكي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سالم عن أبيه قال: لا والله ما قال رسول الله لعيسى أحمر، ولكن قال: "بينما أنا نائم أطوف بالكعبة وإذا رجل آدم سبط الشعر يهود بين رجلين ينطف رأسه ماء أو يهرق ماء فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا المسيح ابن مريم، فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمرجسيم جعد الرأس؟ أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية؟ قلت: من هذا؟ قالوا: الدجال: وأقرب الناس به شبها ابن قطن قال الزهري: ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية وتقدم في حديث النواس بن سمعان "فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين؟ إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات؟ ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ".

هذا هو الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق؟ وقد رأيت في بعض الكتب أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامع دمشق فلعل هذا هو المحفوظ، وتكون الرواية فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم، وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى شرق الجامع الأموي، وهذا هو الأنسب والأليق، لأنه ينزل وقد أقيمت الصلاة فيقول له: يا إمام المسلمين، يا روح الله، تقدم، فيقول: تقدم أنت فإنها أقيمت لك، وفي رواية بعضكم على بعض أمراء، يكرم الله هذه الأمة، وقد جدد بناء المنارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة من حجارة بيض، وكان بناؤها من أموال النصارى الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث قيض الله بناء هذه المنارة البيضاء من أموال النصارى حتى ينزل عيسى ابن مريم عليها فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل منهم جزية، ولكن من أسلم قبل من إسلامه وإلا قتل، وكذلك حكم سائر كفار الأرض يومئذ، وهذا من باب الإخبار عن المسيح بذلك، والتشريع له بذلك فإنه إنما يحكم بمقتضى هذه الشريعة المطهرة، وقد ورد في بعض الأحاديث كما تقدم أنه ينزل ببيت المقدس، وفي رواية بالأردن، وفي رواية بعسكر المسلمين وهذا في بعض روايات مسلم كما تقدم والله أعلم.

وتقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة: "وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب ويقتل الخنزيرة ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى يرتع الأسد مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبي بالحيات لا تضره، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون".

رواه أحمد وأبو داود هكذا وقع في الحديث أنه يمكث في الأرض أربعين سنة، وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر أنه يمكث في الأرض سبع سنين فهذا مع هذا مشكل، اللهم إلا إذا حملت هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله وتكون مضافة إلى مدة مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور والله أعلم.

وقد ثبت في الصحيح أن يأجوج ومأجوج يخرجون في زمانه ويهلكهم الله ببركة دعائه في ليلة واحدة كما تقدم. وكما سيأتي وثبت أنه يحج في مدة إقامته في الأرض بعد نزوله.

وقال محمد بن كعب القرظي في الكتب المنزلة "أن أصحاب الكهف يكونون حوارييه وأنهم يحجون معه ".

ذكر القرطبي في الملاحم في آخر كتابه التذكرة في أحوال الآخرة: "وتكون وفاته بالمدينة النبوية فيصلي عليه هنالك ويدفن بالحجرة النبوية أيضا" وقد ذكر ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر.

ورواه أبو عيسى الترمذي في جامعه، عن عبد الله بن سلام فقال في كتاب المناقب:

حدثنا زيد بن أحزم الطائي النضري، حدثنا أبو قتيبة مسلم بن قتيبة، حدثنا مودود المديني، حدثنا عثمان بن الضحاك، عن محمد بن يوسف، عن عبد الله بن سلام، عن أبيه عن جده قال: مكتوب في التوراة صفة محمد وأن عيسى ابن مريم يدفن معه قال، فقال أبو مودود: "وقد بقي في البيت موضع قبر" هذا حديث حسن غريب. هكذا قال عثمان بن الضحاك والمعروف الضحاك بن عثمان المديني التجيبي ما ذكره الترمذي رحمه الله تعالى.

ذكر خروج يأجوج ومأجوج

ذلك في أيام عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال فيهلكهم الله أجمعين في ليلة واحدة ببركة دعائه عليهم قال الله تعالى: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين" الأنبياء: 96-97.

وقال تعالى في قصة ذي القرنين: "ثم أتبع سببا، حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا، قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا، قال ما مكني فيه ر بي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا، فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا، قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا، وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا" الكهف: 92-99.

وقد ذكرنا في التفسير في قصة ذي القرنين وخبر بنائه للسد من حديد ونحاس بين جبلين فصار ردما واحدا، وقال: هذا رحمة من ربي أن يحجز به بين هؤلاء القوم المفسدين في الأرض وبين الناس، فإذا جاء وعد ربي أي الوقت الذي قدر انهدامه فيه جعله دكا أي مساويا للأرض وكان وعد ربي حقا أي وهذا شيء لا بد من كونه، وتركنا بعضهم يموج في بعض، يعني بذلك يوم انهدامه، يخرجون على الناس فيمرحون فيهم وينسلون، أي يسرعون المشي من كل حدب ثم يكون النفخ في الصور للفزع قريبا من ذلك الوقت كما قال في الآية الأخرى "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة" الأنبياء: الآية 96. وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في خروج الدجال ونزول المسيح طرفا صالحا في ذكرهم من رواية النواس بن سمعان وغيره:

إشارة نبوية إلى شر قد اقترب من العرب

وثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش: "أن رسول الله نام عندها ثم استيقظ محمرا وجهة وهو يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين أصبعيه، وفي رواية وعقد سبعين أو تسعين قالت: قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث".

خروج يأجوج ومأجوج

وفي الصحيحين أيضا من حديث وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وعقد تسعين".

وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدثنا أبو رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كانوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا، فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كانوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: اغدوا فتحفرون غدا إن شاء الله، ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها". قال رسول الله : "والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم ودمائهم ".

ثم رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من غير وجه عن قتادة به.

وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم، عن كعب الأحبار قريبا من هذا والله أعلم.

قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن أبي إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: "تفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله تعالى "من كل حدب ينسلون" فيفش الناس وينحازون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، فيضربون ويشربون مياه الأرض حتى أن بعضهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان هاهنا ماء مرة، حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أخذ في حصن أو مدينة قال قائلهم هؤلاء أهل الأرض، قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء. قال: ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليهم مخضبة دماء للبلاء والفتنة، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عليهم داء في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس، فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو؟ قال: فينجرد رجل منهم محتسبا نفسه، قد أوطنها على أنه مقتول ، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين ألا أبشروا، إن الله قد كفاكم عدوكم، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم فما يكون لها مرعى إلا لحومهم فتشكر عنهم كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته؟".

وهكذا أخرجه ابن ماجه من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق به وهو إسناد جيد.

وفي حديث النواس بن سمعان بعد ذكر قتل عيسى الدجال عند باب لد الشرقي قال: "فبينما كذلك إذ أوحى الله الى عيسى ابن مريم عليه السلام إني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يدان لك بقتالهم فحرز عبادي الى الطور، فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى: "وهم من كل حدب ينسلون" فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل، فيرسل الله عليهم نغفا في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل الله عليهم طيرا كأعناق البخت فيحملهم فيطرحهم حيث شاء الله تعالى. قال كعب الأحبار- بمكان يقال له المهيل عند مطلع الشمس- ويرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر أربعين يوما على الأرض حتى يدعها كالرلفة ويقال للأرض أنبتي ثمريك وردي بركتك؟ فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحفها" الحديث إلى أن قال: "فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم فيقبض روح كل مسلم أو قال مؤمن ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة".

وفي حديث مدبر بن عبادة، عن ابن مسعود في اجتماع الأنبياء يعني محمد وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام، وتذاكرهم أمر الساعة وردهم أمرهم إلى عيسى وقوله: "أما حينها فلا يعلم به إلا الله، وفيما عهد إلى ربي أن الدجال خارج ومعه قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص قال: فيهلكه الله إذا رآني حتى إن الحجر والشجر ليقول: يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله؟ قال: فيهلكهم الله، ويرجع الناس إلى أوطانهم؟ قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطؤون بلادهم، لا يمرون على شيء إلا أهلكوه؟ ولا يمرون على ماء إلا شربوه؟ قال: ثم يرجع الناس يشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم الله ويميتهم حتى تمتلىء الأرض من نتن ريحهم؟ وينزل الله المطر فيجرف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر، ففيما عد إلي ربي أن ذاك إذا كان كذلك فإن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجأهم بولادتها ليلا أو نهارا".

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن ابن حرملة، عن خالته، قالت: خطب رسول الله وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب فقال: "إنكم تقولون لا عدو لكم؟ إنكم لا تزالون تقاتلون عدوا حتى يخرج يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون صهب من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة".

قلت: يأجوج ومأجوج طائفتان من الترك من ذرية آدم عليه السلام كما ثبت في الصحيح. يقول الله تعالى يوم القيامة "يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فينادي بصوت: ابعث بعث النار وسعديك فينادي بصوت أبعث بعث النار فيقول كم؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فيومئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، فيقال: أبشروا، فإن في يأجوج ومأجوج لكم فداء؟ وفي رواية فيقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج " وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه.

ثم هم من حواء عليها السلام، وقد قال بعضهم: إنهم من آدم لا من حواء، وذلك أن آدم احتلم فاختلط منيه بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج، وهذا مما لا دليل عليه لم يرد عن من يجب قبول قوله في هذا والله تعالى أعلم وهو من ذرية نوح عليه السلام، من سلالة يافث أبي الترك وقد كانوا يعيشون في الأرض ويؤذون، فحصرهم ذو القرنين في مكانهم داخل السد، حتى يأذن الله بخروجهم على الناس فيكون من أمرهم ما ذكرنا في الأحاديث.

يأجوج ومأجوج ناس من الناس

وهم يشبهون الناس كأبناء جنسهم من الأتراك المخرومة عيونهم الزلف أنوفهم الصهب شعورهم على أشكالهم وألوانهم، ومن زعم أن منهم الطويل الذي كالنخلة السحوق أو أطول، ومنهم القصير الذي هو كالشيء الحقير، ومنهم من له أذنان يتغطى بإحداهما ويتوطى بالأخرى، فقد تكلف ما لا علم له به، وقال ما لا دليل عليه، وقد ورد في حديث: "أن أحدهم لا يموت حتى يرى من نسله ألف إنسان " فالله أعلم بصحته، قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصبهاني، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: "إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولن يموت منهم رجل إلا ترك ألفا فصاعدا، وإن من ورائهم ثلاث أمم، تأويل ومارس ومنسك".

وهذا حديث غريب وقد يكون من كلام عبد الله بن عمرو والله أعلم.

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن مسمع، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي يزيد قال: رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون فقال ابن عباس: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج.

ذكر تخريب الكعبة شرفها الله على يدي ذي السويقتين الأفحج قبحه الله

وروينا عن كعب الأحبار في التفسير عند قوله تعالى: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج" أن أول ظهور ذي السويقتين في أيام عيسى ابن مريم عليه السلام، وذلك بعد هلك يأجوج ومأجوج، فيبعث إليهم عيسى عليه السلام طليعة ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة، فبينما هم يسيرون إليه إذ بعث الله ريحا يمانية طيبة فيقبض بها روح كل مؤمن، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم ثم قال كعب: وتكون الساعة قريبا حينئذ.

قلت: وقد تقدم في الحديث الصحيح: أن عيسى عليه السلام يحج بعد نزوله إلى الأرض.

سيبقى حجاج ومعتمرون بعد ظهور يأجوج ومأجوج

وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عقبة، عن أبي سعد، قال: قال رسول الله : "ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج". انفرد بإخراجه البخاري رواه عن أحمد بن حفص، عن عبد الله، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان، عن حجاج بن منهال، عن قتادة.

يهجر الحج قبيل قيام الساعة

وقال عبد الرحمن عن شعبة عن قتادة: "لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت".

قال أبو عبد الله: والأول أكثر، انتهى ما ذكره البخاري، وقد رواه البزار، عن محمد بن المثنى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن أبان، عن يزيد العطار، عن قتادة، كما ذكره البخاري، ورواية سليمان بن داود القطان عن عمران قد أوردها الإمام أحمد كما رأيت.

وقال أبو بكر البزار: حدثنا أبو بكر بن المثنى، حدثنا عبد العزيز، حدثنا شعبة عن قتادة سمعت عبد الله بن أبي عتبة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: "لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت".

قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعيد عن النبي ، إلا بهذا الإسناد.

قلت: ولا منافاة في المعنى بين الروايتين لأن الكعبة يحجها الناس،- يعتمرون بها بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وطمأنينة الناس وكثرة أرزاقهم في زمان المسيح عليه السلام، ثم يبعث إليه ريحا طيبة فيقبض بها روح كل مؤمن، ويتوفى نبي الله عيسى عليه السلام، ويصلي عليه المسلمون، ويدفن بالحجرة النبوية مع رسول الله ، ثم يكون خراب الكعبة على يدي ذي السويقتين بعد هذا، وإن كان ظهوره في زمن المسيح كما قال كعب الأحبار.

ذكر تخريبه إياها قبحه الله وشرفها

قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك وهو الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن المجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها حليها، ويجردها من كسوتهاة ولكأني أنظر إليه أصيلعا أفيدعا بضرب عليها بمساحيه ومعوله". وهذا إسناد جيد قوي.

وقال أبو داود: باب النهي عن تهيج الحبشة، حدثنا القاسم بن أحمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا زهير، عن موسى بن جبير، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي قال: اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن عبد الله بن الأخنس، أخبرني ابن أبي مليكة وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أن ابن عباس أخبره أن النبي قال: "كأني أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجرا حجرا يعني الكعبة". تفرد به البخاري، فرواه عن عمرو بن الغلاس عن بجير وهو ابن سعيد القطان.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا بأبو عامر، حدثنا عبد العزيز، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "ذو السويقتين من الحبشة يخرب بيت الله". ورواه مسلم عن قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد المراوردي به.

إشارة إلى ظهور ظالم من قحطان قبل قيام الساعة

وبهذا الإسناد أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه".

ورواه البخاري عن عبد العزيز بن عبد الله بن سليمان بن بلال، ومسلم عن قتيبة عن عبد العزيز المراوردي، كلاهما عن ثور بن يزيد الديلي، عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة عن النبي ، فذكر مثله سواء بسواء، وقد يكون هذا الرجل هوذا السويقتين، ويحتمل أن يكون غيره فإن هذا من قحطان، وذاك من الحبشة فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم الآنصاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له جهجاه".

ورواه مسلم عن محمد بن بشار، عن أبي بكر الحنفي به، فيحتمل أن يكون هذا اسم ذي السويقتين الحبشي والله تعالى أعلم.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر أن عمر بن الخطاب أخبر أنه سمع رسول الله يقول: "سيخرج أهل مكة ثم لا يمر بها أو لا يعبر بها إلا قليل، ثم تمتلىء ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبدا".

فصل لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة

وأما المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فقد ثبت في الصحيح كما تقدم أن الدجال لا يمكنه الدخول إلى مكة ولا إلى المدينة، وأنه يكون على أنقاب المدينة ملائكة يحرسونها منه لئلا يدخلها، وفي صحيح البخاري من حديث مالك عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "المدينة لا يدخلها المسيح الدجال ولا الطاعون".

وقد تقدم أنه يخيم بظاهرها، وأنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة، وفاسق وفاسقة، ويثبت فيها كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، ويسمى يومئذ يوم الخلاص، وهي كما قال رسول الله : "إنها طيبة تنفي خبثها ويضوع طيبها".

وقال الله تعالى: الخبيثات للخبثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون".

والمقصود أن المدينة تكون عامرة أيام الدجال، ثم تكون عامرة في زمان المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، حتى تكون وفاته بها ودفنه فيها ثم يخرج الناس منها بعد ذلك كما سبق.

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أخبرني عمر بن الخطاب قال: سمعت النبي يقول: "ليسيرن الراكب بجنبات المدينة ثم يقولن لقد كان في هذا حاضر من المسلمين كثير".

قال الإمام أحمد: ولم يخرجه حسن، إلا بثبت عن جابر، انفرد بهما أحمد.

خروج الدابة من الأرض تكلم الناس

قال الله تعالى: "وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون".

قد تكلمنا على ما يتعلق بهذه الآية الكريمة في التفسير، وأوردنا هنالك من الأحاديث المتعلقة بذلك ما فيه كفاية، ولو كانت مجموعة ها هنا كان حسنا كافيا ولله الحمد.

قال ابن عباس والحسن وقتادة: تكلمهم أي تخاطبهم مخاطبة، ورجح ابن جرير أنها تخاطبهم فتقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وحكاه عن عطاء وعلي، وفي هذا نظر، وعن ابن عباس تكلمهم، تخرجهم، يعني يكتب على جبين الكافر كافر، وعلى جبين المؤمن مؤمن، وعنه تخاطبهم وتخرجهم، وهذا القول ينتظم من مذهبين وهو قوي حسن جامع لهما والله تعالى أعلم.

عشر آيات قبل قيام الساعة

وقد تقدم الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم والدجال، وثلاثة خسوف خسفا بالمغرب وخسفا بالمشرق وخسفا بجزيرة العرب، ونارا تخرج من قعر عدن تسوق الناس أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا".

ولمسلم من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي قال: "بادروا بالأعمال الدجال والدخان ودابة الأرض وأمر العامة وخويصة أحدكم".

وروى ابن ماجه، عن حرملة، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحرص، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان، عن سعد، عن أنس، أن رسول الله قال: "بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها والدخان ودابة الأرض والدجال وخويصة أحدكم وأمر العامة". تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه.

وقال أبو داود الطيالسي عن طلحة بن عمرو وجرير بن حازم، فأما طلحة فقال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن عمر أن ابن الطفيل حدثه، عن حذيفة بن أسيد الغفاري أبي شريحة وأبي جرير فقال عن عبد الله بن عبيد عن رجل من آل عبد الله بن مسعود وحديث طلحة أتم وأحسن قال: ذكر رسول الله الدابة فقال: "لها ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خرجة من أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة، ثم تكمن زمنا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك فيعلو ذكرها في أهل البادية ويدخل ذكرها القرية يعني مكة".

قال رسول الله : "ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها، المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام، تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس عنها شتى ومعا، وبقيت عصابة المؤمنين، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها مثل الكوكب الدري وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب، حتى إن الرجل ليتعوذ فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان: الآن تصلي؟ فيقبل عليها فتسمه في وجهه، ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال، ويصطحبون في الأمصار، يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن ليقول: يا كافر اقضني حقي وحتى إن الكافر ليقول يا مؤمن اقضني حقي".

وهكذا رواه مرفوعا من هذا الوجه بهذا السياق، وفيه غرابة، ورواه ابن جرير عن اليمان، مرفوعا، وفيه أن ذلك في زمان عيسى ابن مريم، وهو يطوف بالبيت، ولكن في إسناده نظر والله تعالى أعلم.

وقد قال ابن ماجه: حدثنا أبو غسان محمد بن عمر، حدثنا أبو نميلة، حدثنا ابن عبيد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: ذهب بي رسول الله إلى موضع بالبادية قريب من مكة، فإذا أرض يابسة حولها رمل، فقال رسول الله : "تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا فتر في شبر". قال ابن بريدة: فحججت بعد ذلك بسنين فأرانا إياه، فإذا هو يقاس بعصاي هذه كذا وكذا، يعني أنه كلما مضى وقت يتسع حتى يكون وقت خروجها؟ والله تعالى أعلم.

وقال عبد الرزاق المعمر: عن قتادة، أن ابن عباس قال: هي دابة ذات زغب لها أربع قوائم تخرج من بعض أودية تهامة، ورواه سعيد بن منصور، عن عثمان بن مطر، عن قتادة عن ابن عباس بنحوه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن روحاء حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية قال: قال عبد الله تخرج الدابة من صدع من الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها، وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: تخرج الدابة من تحت صخرة فتستقبل المشرق فتصرخ صرخة تنفذه ثم تستقبل الشام فتصرخ صرخة تنفذه، ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه، ثم تروح من مكة فتصبح بعفسان قيل له: ثم ماذا؟ قال: ثم لا أعلم. وعنه أنه قال: تخرج الدابة من تحت السدوم يعني مدينة قوم لوط، فهذه أقوال متعارضة والله تعالى أعلم.

وعن أبي الطفيل أنه قال: تخرج الدابة من الصفا أو المروة رواه البيهقي.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح: كاتب الليث، حدثني معاوية بن صالح، عن أبي مريم، أنه سمع أبا هريرة يقول: "إن الدابة فيها كل لون، ما بين قرنيها فرسخ للراكب".

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: إنها دابة لها رأس وزغب وحافر، ولها ذنب، ولها لحية، وإنها تخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا وما خرج ثلثاها، رواه ابن أبي حاتم.

وقال ابن جريج، عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا، تخرج معها عصا موسى، وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمن إلا يكتب في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء، فتفشو تلك النكتة، حتى يبيض لها وجهه، ولا يبقى كافر إلا يكتب في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق فيقولون: بكم ذا يا مؤمن. بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت ليجلسون على مائدتهم فيعرفون مؤمنهم وكافرهم، ثم يقول لهم الدابة: يا فلان: أبشر أنت من أهل الجنة، ويا فلان: أنت من أهل النار، فذلك قول الله تعالى: "وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون".

وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن مسعود، أن الدابة من نسل إبليس الرجيم، وذلك فيما رواه أبو نعيم عن حماد، في كتاب الفتن والملاحم، تصنيفه، والله أعلم بصحته.

وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن عمرو، قال: حفظت من رسول الله حديثا لم أنسه بعد: سمعت رسول الله يقول: "إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا".

أي أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، فكل ذلك أمور مألوفة لأن أمر مشاهدته ومشاهدة أمثاله مألوف، فأما خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر، فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية.

ذكر طلوع الشمس من المغرب

لا تنفع توبة التائب بعد طلوع الشمس من مغربها

قال الله تعالى: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يَأْتِيَ ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل إنتظروا إنا منتظرون".

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا ابن أبي ليلى، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي : "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها".

قال: "طلوع الشمس من مغربها"، ورواه الترمذي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه به. وقال: غريب وقد رواه بعضهم فلم يرفعه.

وقال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها؟ فإذا رآها الناس آمن من عليها؟ فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل".

وقد أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة مرفوعا مثله.

ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها"، ثم قرأ هذه الآية.

وكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني بإخراجه من طريق العلاء ابن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة.

وقال أحمد: حدثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم سلمان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدخان ودابة الأرض".

ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب عن وكيع به. ورواه مسلم أيضا والترمذي وابن جرير من غير وجه عن فضيل بن غزوان نحوه.

من علم فليقل بعلمه ومن لم يعلم فليسكت

وقد ورد هذا الحديث من طرق، عن أبي هريرة وعن جماعة من الصحابة أيضا، فعن أبي شريحة حذيفة بن أسيد عن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها، والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم، والدجال وثلاثة خسوف خسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب ونارا تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا". رواه أحمد ومسلم وأهل السنن كما تقدم غير مرة.

ولمسلم من حديث العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، ومن حديث قتادة عن الحسن، عن زياد بن رباح، عن أبي هريرة عن رسول الله : "بادروا بالأعمال ستا، فذكر منهن طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة"، كما تقدم.

وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله : "أتدري أي تذهب هذه الشمس إذا غربت. قلت: لا، قال: إنها تنتهي فتسجد تحت العرش ثم تستأذن فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".

وقال الإمام أحمد: حدثنا اسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أبو حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال: جلس ست نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة فسمعوه يقول وهو يحدث في الآيات: إن أولها خروج الدجال. قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات فقال عبد الله: لم يقل مروان شيئا. قد حفظت من رسول الله قوله: "إن أول الآيات طلوع الشمس، وخروج الدابة ضحى فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالآخرى على إثرها قريبا".

ثم قال عبد الله وكان يقرأ الكتب: وأظن أولاهما خروجا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت فى الرجوع فأذن لها في الرجوع، حتى إذا أذن الله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل وأتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت في الرجوع فلا يرد عليها شيء ثم تستأذن في الرجوع فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه وإن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: رب ما أبعد المشرق من لي بالناس حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع، فيقال لها: ارجعي من مكانك فاطلعي، فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد الله هذه الآية: "لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".

وقد رواه مسلم في صحيحه، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله قوله: "إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا".

وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا الآيات التي ليست مألوفة، وهي مخالفة للعادات المستقرة فالدابة التي تكلم الناس، وتعيين الكافر منهم من المؤمن، وطلوع الشمس من مغربها، متقدم على الدابة وذلك محتمل ومناسب والله أعلم.

وقد ورد ذلك في حديث غريب رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه فقال: حدثني أحمد بن يحيى بن خالد بن حبان الرقي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن بريق الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحيلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله : "إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي ويجهر مرني أن أسجد لمن شئت قال فيجتمع إليه زبانيته" يقولون له يا سيدهم: ما هذا التفزع؟ فيقول: إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم. قال: ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا قال: فأول خطوة تضعها بإنطاكية، فيأتي إبليس فتلطمه".

وهذا غريب جدا ورفعه فيه نكارة ولا بد أنه من المزملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بأشياء غرائب.

وقد تقدم في خبر ابن مسعود الذي رواه أبو نعيم بن حماد في الفتن أن الدابة تقتل إبليس، وهذا من أغرب الأخبار، والله تعالى أعلم.

وفي حديث طالوت بن عباد، عن فضالة بن جبير، عن أبي أمامة صدى بن عجلان، قال: قال رسول الله : "إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها".

لا يزال في المسلمين من يقوم الليل عابدا حتى تطلع الشمس من مغربها

قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم ابن أبي غرزة، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا ابن فضيل، عن سليمان بن يزيد، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: سمعت رسول الله يقول: "ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك عرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام، فبينما هم كذلك، صاح الناس بعضهم في بعض، فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا هم بالشمس قد طلعت حتى صارت في وسط السماء، رجعت وطلعت من مطلعها، قال فحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها".

ثم سأل ابن مردويه من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، قال: سألت النبي ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ قال: "تطول تلك الليلة حتى تكون قمر ليلتين فيتنبه الذين كانوا يصلون فيها، يعملون كما كانوا يعملون قبلها، والنجوم لا ترى، قد باتت مكانها، يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون ثم يقومون، يتطاول الليل فيفزع الناس، ولا يصبحون، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم".

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في البعث والنشور: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أخبرنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي، حدثنا محمد بن عمران، حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى، عن إسماعيل بن رجاء، عن سعيد بن إياس، عن عبد الله بن مسعود أنه قال ذات يوم لجلسائه: أرأيتم قول الله: "تغرب في عين حمية". ماذا يعني بها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته، ثم كانت تحت العرش، فإذا حضرها طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته، ثم استأذنت، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته فيقال لها: تأتي فتحبس قدر ليلتين، قال: ويفزع المتهجدون، وينادي الرجل تلك الليلة جاره يا فلان ما شأننا الليلة؟ لقد نمت حتى شبعت، وصليت حتى اعييت؟ ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت، فذلك "يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل" الآية.

لا تقبل هجرة المهاجرين والعدو يقاتلهم

وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، يرده إلى مالك بن عامر، عن ابن السعدي، أن رسول الله قال: "لا تنفع الهجرة ما دام العدو يقاتل".

قال معاوية وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: "إن الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر الشر، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من الغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل". وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب.

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه والنسائي وابن ماجه، من طريق عاصم ابن أبي منجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، سمعت رسول الله يقول: "إن الله فتح بابا قبل المغرب عرضه سبعون أو أربعون ذراعا للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس".

فهذه الأحاديث المتواترة مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيمانا أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل منه، وإنما كان كذلك والله أعلم لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة كما قال تعالى: "هل ينطرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل".

وقال تعالى: "فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون".

وقال تعالى: "هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون".

وقد حكى البيهقي عن الحاكم أنه قال: أول الآيات ظهورا خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم فتح يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، قال: لأنها إذا طلعت من مغربها آمن من عليها، فلو كان نزول عيسى بعدها لم يكن كافرا، وهذا الذي قاله فيه نظر لأن إيمان أهل الأرض يومئذ لا ينفع جميعهم ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، فمن أحدث إيمانا أو توبة يومئذ لم تقبل حتى يكون مؤمنا أو تائبا قبل ذلك، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان: "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته".

أي قبل موت عيسى وبعد نزوله يؤمن جميع أهل الكتاب به إيمانا ضروريا بمعنى أنهم يتحققون أنه عبد الله ورسوله، فالنصراني يعلم كذب نفسه في دعواه فيه الربوبية والنبوة، واليهودي يعلم أنه نبي رسول من الله لا ولد ريبة كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك، فعليهم لعائن الله وغضبه المدرك.

ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة

قال تعالى: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون".

وقد تكلمنا على تفسير هذه الآيات في سورة الدخان بما فيه مقنع.

وقد نقل البخاري، عن ابن مسعود أنه فسر ذلك بما كان لقريش من شدة الجوع بسبب القحط الذي دعا عليهم به رسول الله فكان أحدهم يرى كأن فيما بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع، وهذا التفسير غريب جدا ولم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره.

وقد حاول بعض العلماء المتأخرين رد ذلك ومعارضته بما ثبت في حديث أبي شريحة حذيفة بن أسيد: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات فذكر فيهن الدجال والدخان والدابة، وكذلك في حديث أبي هريرة: "بادروا بالأعمال ستا" فذكر فيهن هذه الثلاث، والحديثان في صحيح مسلم مرفوعان، والمرفوع مقدم على كل موقوف.

وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى الناس، وهذا أمر محقق عام وليس كما روي عن ابن مسعود أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع قال الله تعالى: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين".

أي واضح جلي وليس خيالا من شدة الجوع. "ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون".

أي ينادي أهل ذلك الزمان ربهم بهذا الدعاء، يسألون كشف هذه الشدة عنهم، فإنهم قد آمنوا وارتقبوا ما وعدوا من الأمور الغيبية الكائنة بعد ذلك يوم القيامة، حيث يمكن رفعه، ويمكن استدراك التوبة والإنابة، والله أعلم.

وقد روى البخاري، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن الأعمش ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة قال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا، فأتينا ابن مسعود قال: وكان متكئا فغضب فجلس وقال: يا أيها الناسK من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه : "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلمين". إن قريشا أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم رسول الله اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، وحتى كان الرجل يرى بينه وبين الأرض الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وقومك قد هلكوا، فادع الله فقرأ هذه الآية: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون"، أفنكشف عنكم عذاب الآخرة إذا جاء؟ لقد كشف عنهم عذاب الدنيا ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله: "يوم نبطش البطشة الكبرى". فذلك يوم بدر، فسوف يكون لزاما: "الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون". قد مضى، فقد مضت الأربع.

وقد أخرجه البخاري أيضا، ومسلم، من حديث الأعمش، ومنصور به نحوه، وفي رواية فقد مضى القمر، والدخان، والروم، واللزام، وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة، بألفاظ متعددة، وقول هذا القاص: إن هذا الدخان يكون قبل يوم القيامة ليس بجيد، ومن هنا تسلط عليه ابن مسعود بالرد، بل قبل يوم القيامة وجود هذا الدخان، كما يكون وجود هذه الآيات نم الدابة والدجال، والدخان، ويأجوج ومأجوج، كما دلت عليه الأحاديث عن أبي شريحة، وأبي هريرة، وغيرهما من الصحابة، وكما جاء مصرحا به في الحديث الذي رواه، وأما النار التي تكون قبل يوم القيامة فقد تقدم في الصحيح أنها تخرج من قصر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلف منهم.

ذكر كثرة الصواعق عند اقتراب الساعة

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا عمارة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق قبلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان".

ذكر وقوع المطر الشديد قبل يوم القيامة

قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، حدثنا إسحاق، حدثنا خالد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء مطرا لا تكن منه بيوت المدر ولا تكن منه بيوت الشعر".

وقال الإمام أحمد: حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن خالد بن الحويرث، عن عبد الله قال: قال رسول الله : "الآيات خرزات منظومات في سلك، فانقطع السلك، فتبع بعضها بعضا". انفرد به أحمد.

ذكر أمور لا تقع الساعة حتى يقع منها ما لم يكن قد وقع بعد

وقد تقدم في الأحاديث السابقة من هذا شيء كثير، ولنذكر شيئا آخر من ذلك، ولنورد شيئا من أشراط الساعة، وما يدل على اقترابها، وبالله المستعان.

من علامات الساعة تطاول الناس في البنيان

تقدم ما رواه البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي : "لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، ولا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان وتكثر الفتن ويكثر الهرج، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، ولا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ليتني مكانك ولا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال حتى يهم رب المال من يقبله منه". ورواه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة.

وتقدم الحديث عن أبي هريرة، وأبي بريدة وأبي بكرة وغيرهم رضي الله عنهم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك عراض الوجوه ذلف الانوف كأن وجوههم المجان المطرقة ينتعلون الشعر". الحديث وهم بنو قنطورا وهي جارية الخليل عليه الصلاة والسلام.

من علامات الساعة قلة العلم وكثرة الجهل وانتشاره

وفي الصحيحين من حديث شعبة عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله : "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، وتشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد".

من علامات الساعة أن تفيض أرض العرب بالخير والثراء والذهب

وقال سفيان الثوري: عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة عن رسول الله قال: "لا تذهب الأيام والليالي حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا، وحتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، وبنحو واحد" وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل.

إشارة نبوية الى ردة بعض العرب عن الإسلام قبل قيام الساعة

وروى البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، وأخرج مسلم من حديث معمر كلاهما عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات النساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس الذي كانوا يعبدون في الجاهلية".

وفي صحيح مسلم من حديث الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى". فقلت يا رسول الله: إن كنت لأظن حين أنزل الله: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون". أن ذلك تام، فقال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة يتوفى بها كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم".

روى جزء الأنصاري، عن حميد، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله : "ما أول أشراط الساعة؟ فقال: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". الحديث بتمامه.

ورواه البخاري من حديث حميد، عن أنس، وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة، أن رسول الله كان يوما بارزا للناس إذ أتاه أعرابي فسأله عن الإيمان، الحديث إلى أن قال: يا رسول الله فمتى الساعة؟ فقال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربتها. وإذا كان الحفاة العراة العالة رعاء الشاة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفسن بأي أرض تموت إن الله عليم خبير". ثم انصرف الرجل، فقال: "ردوه علي "، فلم يروا شيئا، فقال: "هذا جبريل جاء ليعلم الناس أمور دينهم". أخرجاه في الصحيحين.

وعند مسلم عن عمر بن الخطاب نحو من هذا بأبسط منه.

فقوله عليه الصلاة والسلام: "أن تلد الأمة ربتها"، يعني به أن الإماء تكون في آخر الزمان هن المشار إليهن بالحشمة فتكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر، ولهذا قرن ذلك بقوله: "وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان" يعني بذلك أنهم يكونون رؤوس الناس، قد كثرت أموالهم، وامتدت وجاهتهم، ليس لهم دأب ولا همة إلا التطاول في البناء.

من علامات الساعة تكثف الدنيا عند من لا خلق له ولا دين

وهذا كما في الحديت المتقدم: "لا تقوم الساعة حتى يكون أحظى الناس بالدنيا لكع بن لكع".

من علامات الساعة إسناد الأمور لغير أربابها

وفي الحديث الآخر: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

وفي الحديث الآخر: "لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة رذالها".

ومن فسر هذا بكثرة السراري لكثرة الفتوحات، فقد كان هذا في صدر هذه الأمة كبير جدا، وليس هذا بهذه الصفة من أشراط الساعة المتاخمة لوقتها، والله تعالى أعلم.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: حدثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، حدثنا سيف بن مسكين، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: خرجت في طلب العلم، فقدمت الكوفة فإذا أنا بعبد الله بن مسعود، فقلت: يا أبا عبد الرحمن هل للساعة من علم تعرف به فقال: سألت رسول الله عن ذلك فقال: "إن من أشراط الساعة أن يكون الولد غليظا والمطر قيظا وتفشو الأسرار، ويصدق الكاذب، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويسود كل قبيلة منافقوها وكل سوق فجارها، وتزخرف المحاريب، وتخرب القلوب، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها، وتظهر الفتنة، وأكل الربا، وتظهر المعازف والكنوز، وتشرب الخمر، وتكثر الشرط، والغمازون، والهمازون" ثم قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف إلا أن أكثر ألفاظه قد روي بأسانيد أخر متفرقة.

قلت: قد تقدم في أول هذا الكتاب فصل، فيه ما يقع من الشرور في آخر الزمان، وفيه شواهد كثيرة لهذا الحديث.

من علامات الساعة إضاعة الأمانة

وفي صحيح البخاري من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن أعرابيا سأل رسول الله متى الساعة فقال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: يا رسول الله: وكيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأحسبه رفعه إلى النبي قال: "بين يدي الساعة أيام الهرج أيام يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل". فقال أبو موسى: الهرج بلسان الجيش القتل.

وروى الإمام أحمد عن أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، عن شهر، عن أبي سعيد أن رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من عند أهله فيخبره شراك نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده".

وروى أيضا عن يزيد بن هارون، عن القاسم بن الفضل الحداي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله قال: "والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وتكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده".

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، هو ابن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: كنا نتحدث أنه لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الأرض، وحتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وحتى إن المرأة لتمر بالبعل، فينظر إليها فيقول: لقد كان لهذا المرأة رجل.

قال الإمام أحمد ذكره حماد مرة هكذا وقد ذكره عن ثابت، عن أنس عن النبي بلا شك فيه، وقد قال أيضا عن أنس عن النبي فيما يحسب إسنادا جيدا ولم يخرجوه من هذا الوجه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشام، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك يرفع الحديث: "لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويقل الرجال، وتكثر النساء، وحتى يكون قيم خمسين امرأة رجل واحد". تقدم له شاهد في الصحيح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما وذكر تمام الحديث.

إشارة نبوية الى نزع البركة من الوقت قبل قيام الساعة

وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، وأبو كامل، قالا: حدثنا زهير، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة" والسعفة الخوصة. زعم سهيل أن هذا الإسناد على شرط مسلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا كامل، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "لن تذهب الدنيا حتى تصير لكع بن لكع". إسناده جيد قوي.

من علامات الساعة نطق الرويبضة

وقال أحمد: حدثنا يونس، وشريح، قالا: حدثنا فليح، عن سعيد بن عبد الله بن السباق، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "قبل الساعة سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة".

قال شريح: وينظر فيها الرويبضة، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه.

وقال أحمد: حدثنا هودة، حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، أن النبي قال: "إن من أشراط الساعة أن يرى رعاء الشاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البناء، وأن تلد الأمة ربتها أو ربها". وهذا إسناد جيد لم يخرجوه من هذا الوجه.

وقال أحمد: حدثنا عمار بن محمد، عن الصلت بن قوتب، عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول: "لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء". تفرد به أحمد ولا بأس بإسناده.

وقال أحمد: حدثنا يحيى بن عجلان، سمعت أبي يحدث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الهرج، قيل وما الهرج؟ قال: القتل". تفرد به أحمد وهو على شرط مسلم.

وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل منه صدقة ماله، وحتى يقبض العلم، ويقترب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج" قالوا: الهرج أيما يا رسول الله؟ قال: القتل القتل".

قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة، وتكون بينهما مقتلة عظيمة".

وقال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله".

قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا". وهذا ثابت في الصحيح.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا القاسم بن الحكم، عن سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "والذي بعثني بالحق لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف، والقذف، والمسخ، قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا رأيت النساء ركبن الفروج، وكثرت القينات، وكثرت شهادة الزور، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء".

وروى الطبراني: من حديث كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: "إن من علامات الساعة أن تعزب العقول، وتنقص الأحلام".

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير بن سليمان، وهو أبو إسماعيل، عنسيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا فجاء رجل فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعا في مقدم المسجد، فكبر وركع. فكبرنا وركعنا، ثم سجد، وسجدنا، ثم سلم، وسلمنا، وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام يا أبا عبد الرحمن، فقال: صدق الله، وبلغ رسوله، فلما صلينا ورجعنا، دخل إلى أهله وجلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم رده على الرجل صدق الله وبلغ رسوله. أيكم يسأله. فقال طارق: أنا أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن النبي أنه قال: "إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة. حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور الجهل".

روى أحمد عن عبد الرزاق عن بشير عن يسار: أبو الحكم لم يرو عن طارق شيئا.

صفة أهل آخر الزمان

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريعته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا".

وحدثنا عفان، حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، يرفعه، وقال: "حتى يأخذ الله شريعته من الناس".

إن من البيان لسحرا

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا قيس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله يقول: "إن من البيان سحرا، وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون قبورهم مساجد". وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه.

الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس

وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثنا علي بن الأقمر، سمعت أبا الأحوص حدث عن عبد الله قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" ورواه مسلم، عن إبراهيم بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان.

قبيل قيام الساعة تهدر آدمية الإنسان

وقد تقدم في الأحاديث السابقة: "أنه تقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد يلذن به. وأنهم يتسافدون في الطرقات كما تتسافد البهائم".

وقد أوردناها بأسانيدها، وألفاظها، بما أغنى عن إعادتها ها هنا، ولله الحمد.

لا تقوم الساعة على موحد

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت عن أنس، قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله".

ورواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عفان به، ولفظه: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله". وكذا رواه مسلم، عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق وقال أحمد: وحدثنا ابن عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله : "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".

وهذا إسناد ثلاثي على شرط الصحيحين، وإنما رواه الترمذي، عن بندار، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، مرفوعا، وقال: حسن، ثم رواه محمد بن المثنى، عن خالد الحارث، عن حميد، عن أنس، موقوفا قال: وهذا أصح من الأول.

لا تقوم الساعة إلا على من لا ينكر منكرا ولا يأمر بمعروف

وفي معنى قوله : "حتى لا يقال في الأرض الله الله" قولان:

أحدهما: أن معناه أن أحدا لا ينكر منكرا، يعني لا يزجر أحد أحدا إذا رآه قد تعاطى منكرا، وعبر عن ذلك بقوله: "حتى لا يقال الله الله" كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو: "فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا".

والقول الثاني: حتى لا يذكر الله في الأرض، ولا يعرف اسمه فيها، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر، والفسق والعصيان، وهذا كما في الحديث الآخر: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله".

شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء

وكما تقدم في الحديث الآخر: "إن الشيخ الكبير يقول: أدركت الناس وهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم يتفاقم الأمر ويتزايد الحال، حتى يترك ذكر الله في الأرض، وينسى بالكلية، فلا يعرف فيها وأولئك شرار الناس وعليهم تقوم الساعة".

كما تقدم في الحديث: "ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس".

وفي اللفظ الآخر: "وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء".

وفي حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي : "لا يزداد الناس إلا شحا، ولا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلى على شرار الناس".

وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة، قالت: دخل رسول الله وهو يقول: "يا عائشة: قومك أسرع أمتي لحاقا بي، قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله: جعلني الله فداك، لقد دخلت وأنت تقول كلاما أذعرني قال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك لحاقا بك. قال: نعم قالت: وعم ذاك؟ قال: تستجلبهم المنايا. قالت: فقلت: وكيف الناس بعد ذلك؟ قال: "دبا يأكل شداده ضعافه، حتى تقوم عليهم الساعة".

والدبا الجنادب التي لم تنبت أجنحتها. تفرد به أحمد.

قرب الساعة

ذكر طرق حديث رسول الله "بعثت أنا والساعة كهاتين"

رواية عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله يعني بن أبي المهاجر الدمشقي قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت من رسول الله من كلام يذكر به الساعة؟ قال: سمعت رسول الله يقول: "أنتم والساعة كهاتين". تفرد به أحمد من هذا الوجه.

طريق أخرى عنه

قال أحمد: حدثنا هاشم عن شعبة، عن أبي التياح، وقتادة، وحمزة، وهو ابن عمرو الضبي، أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي "بعثت أنا والساعة هكذا". وأشار بالسبابة والوسطى. وأخرجه مسلم من حديث شعبة، عن حمزة الضبي، هذا وأبي التياح، كلاهما عن أنس به.

روى الإمام أحمد: عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق عن زياد بن أبي زياد المدني، عن أنس بن مالك أنه قال: سمعت رسول الله يقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين". ومد إصبعيه السبابة والوسطى. تفرد به أحمد.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت أنس بن مالك يروي أن رسول الله قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". وبسط إصبعيه السبابة والوسطى.

وأخرجاه في الصحيحين، من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، وزاد مسلم، وحمزة الضبي، عن أنس به.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". وأشار بالوسطى والسبابة.

وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، من حديث شعبة به.

وفي رواية لمسلم، عن شعبة، عن قتادة، وأبي التياح، كلاهما عن أنس به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

قال مسلم في صحيحه، حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن معبد بن بلال العزى، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". تفرد به مسلم.

رواية جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا جعفر، هو ابن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

ثم يرفع صوته، وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه، إذ ذكر الساعة، كأنه منذر جيش، ثم يقول: "أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا". وأشار بإصبعه السبابة والوسطى. "صبحتكم الساعة ومستكم". وقد رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن جعفر بن محمد به، وعند مسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".

رواية سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه

قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، واللفظ حدثنا يعقوب، عن ابن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه سمع سهلا يقول: رأيت النبي يشير بإصبعيه اللتين تليان الإبهام، وهما السبابة والوسطى، وهو يقول: "بعثت أنا والساعة هكذا". تفرد به مسلم.

رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر حدثنا ابن حصين، عن ابن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "بعثت أنا والساعة كهاتين" وضم أصابعه.

وقد روى البخاري: عن يحيى بن يوسف، عن أبي بكر بن عباس، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".

ثم قال البخاري: وتابعه إسرائيل: ورواه ابن ماجة عن هناد بن السري، وأبو هاشم الرفاعي، عن أبي بكر بن عياش. به، وقال: وجمع بين إصبعيه.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : "بعثت في قسم الساعة".

يقول: حين بدت في أول وقتها، وهذا إسناد جيد، وليس هو في شيء من الكتب، ولا رواه أحمد بن حنبل، وإنما روي لأبي جبيرة حديث آخر في النهي عن التنابز بالألقاب.

حديث في قرب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله وهو قائم على المنبر يقول: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطى أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا، ثم أعطى أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل التوراة والإنجيل، ربنا هؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا، فقال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا: لا، قال: فذاك فضلي أوليه من أشاء". وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان.

وللبخاري من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى". فذكر الحديث بتمامه وطوله.

طريق أخرى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين: حدثنا شريك، قال: سمعت سلمة بن كهيل يحدث عن مجاهد، قال: كنا جلوسا عند النبي والشمس على قعيقعان بعد العصر فقال: "ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه" تفرد به أحمد، وهذا إسناد حسن لا بأس به.

طريق أخرى عنه

قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه كان واقفا بعرفات، فنظر إلى الشمس حتى نزلت مثل الترس للغروب، فبكى، واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن قد وقفت معي مرارا فلم تصنع هذا؟ فقال: "أيها الناس لم يبق من دنياكم فيما مضى منها، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه". تفرد به أحمد.

طريق أخرى عن ابن عمر

قال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن حماد، يعني ابن عمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغيربان الشمس".

ورواه البخاري، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به نحوه بأبسط منه.

وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني، من حديث عطية العوفي، ووهب بن كيسان عن ابن عمر، عن النبي ، بنحو ذلك، وهذا كله يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير، لكن لا يعلم مقدار ما بقي إلا الله عز وجل. ولم يجىء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم، حتى يصار إليه، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جدا بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح، بل إن الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به، دون أحد من خلقه، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.

إشارة نبوية إلى أنه لن يبقى بعد مائة سنة أحد من الموجودين على ظهر الأرض وقتذاك

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده قائلا، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله، وأبو بكر بن أبي خيثمة أن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، قال عبد الله: فوهل الناس في مقالة النبي تلك إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي : "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدا، يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن".

وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء، ورواه مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان الحكم، عن نافع، عن شعيب به، فقد فسر الصحابي المراد من الحديث بما فهمه، وهو أولى بالفهم من كل أحد، من أنه يريد أنه يخرم قرنه ذلك فلا يبقى ممن هو كائن على وجه الأرض من ذلك الزمان أحد إلى مائة سنة، وقد اختلف العلماء هل ذلك خاص بذلك القرن أو عام في كل قرن لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة. على قولين، والتخصيص بذلك القرن المبين الأول أولى، فإنه قد شوهد بعض الناس جاوز مائة سنة، وذلك في طائفة من المعمرين، كما أوردنا في التاريخ، ولكنه قليل في الناس فالله أعلم، ولهذا الحديث طرق أخر عن النبي تسليما.

رواية جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك: حدثنا الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر فقال: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، والذي نفسي بيده ما أعلم اليوم نفسا يأتي عليها مائة سنة".

تفرد به أحمد: وهذا إسناد حسن جيد. رجاله ثقات، أبو النضر هاشم بن قاسم من رجال الصحيحين، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها.

طريق أخرى عن جابر

قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج: قال ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي قبل أن يموت بشهر يقول: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".

وكذلك رواه مسلم، عن هارون بن عبد ا لله، وحجاج بن الشاعر، عن حجاج بن محمد الأعور، عن محمد بن حاتم، عن محمد بن أبي بكرة، كلاهما عن ابن جريج عنه.

باب قرب قيام الساعة

وقال مسلم في الصحيح: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله سألوه عن الساعة، فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: "إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم ساعتكم". تفرد به مسلم رحمه الله.

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا سأل رسول الله متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال رسول الله : " إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة". تفرد به مسلم من هذا الوجه.

قال مسلم: وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد يعني ابن زيد، حدثنا معبد بن بلال العربي، عن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت النبي ، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال: "إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة". قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ. تفرد به مسلم أيضا من هذا الوجه.

قال مسلم: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي : "إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة". ورواه البخاري، عن عمرو بن عاصم، عن همام به.

وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال والجواب، وليس المراد تحديد وقت الساعة العظمى، إلى وقت هرم ذاك المشار إليه، وإنما المراد أن ساعتهم وهو انقراض قرنهم وعصرهم قصاراه أنهى إلى مدة عمر ذلك الغلام، كما تقدم. وفي الحديث: "تسألوني عن الساعة، فإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".

ويؤيد ذلك رواية عائشة: "قامت عليكم ساعتكم".

وذلك أن من مات فقد دخل في حكم القيامة فعالم البروج قريب من عالم يوم القيامة، وفيه من الدنيا أيضا، ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا، أمر الله بقيام الساعة، فيجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنة وبالله المستعان.

ذكر الساعة واقترابها وأنها آتية لا ريب فيها وأنها لا تأتي إلا بغتة ولا يعلم وقتها على التعيين إلا الله تعالى

قال الله تعالى: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون".

وقال تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه".

وقال تعالى: "يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا".

وقال تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم".

وقال تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا مساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين".

وقال تعالى: "الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما".

وقال تعالى: "قل كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون".

وقال تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

وقال تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها".

وقال تعالى: "إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى".

وقال تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون".

وقال تعالى: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".

ولهذا لما سأل جبريل عليه السلام رسول الله ، عن الساعة وهو في صورة أعرابي قال له : "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل".

يعني قد استوى فيها علم كل مسؤول وسائل، لأنه إن كانت الألف واللام في المسؤول والسائل للعهد عائدة عليه وعلى جبريل، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأخرى، وإن كانت للجنس عمت بطريق اللفظ والله سبحانه وتعالى أعلم قال:

ذكر شيء من أشراطها

"في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: "إن الله عنده علم الساعة".

وقال تعالى: "ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين".

وقال تعالى: "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم".

وقال تعالى: "زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير".

فهذه ثلاث آيات، يأمر الله فيها رسوله أن يقسم بالله على العباد وليس لهن رابعة مثلهن، ولكن في معناهن كثير. قال الله تعالى: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه ولبيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون".

وقال تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير".

وقال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكزون إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون".

وقال تعالى: "أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم".

وقال تعالى: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا و بكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما و رفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا".

وقال تعالى: "أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا".

وقال تعالى: "أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون".

وقال تعالى: "أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير".

وقال تعالى: "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون".

وقال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم".

وقال تعالى: "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم".

وقال تعالى: "ومن آياته أنك الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير".

وقال تعالى: { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقاكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وانه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور }.

وقال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين".

فيستدل بإحياء الأرض الميتة على إحياء الأجساد بعد فنائها وتمزقها وصيرورتها ترابا وعظاما ورفاتا، وكذلك يستدل ببدء الخلق على الإعادة كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم".

وقال تعالى: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير".

وقال تعالى: "والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون".

وقال تعالى: "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور".

وقال تعلى: "فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا".

وقال تعالى: "وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون".

وقال تعالى إخبارا عن الكافرين أنهم قالوا: "أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ".

وقال تعالى: "أفرأيتم ما تمنون أ أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون".

وقال تعالى: "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا".

وقال تعالى: "كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين".

وقال تعالى: "وقالوا أئذا كنا عظاما و رفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا".

وقال تعالى: "يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة".

وقد ذكر تعالى إحياء الموتى في سورة البقرة في خمسة مواضع في قصة بني إسرائيل في قتل بعضهم بعضا لما عبدوا العجل قال الله تعالى: "ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون".

وفي قصة البقرة: "فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون".

وفي قصة البقرة: "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون".

وفي قصة العزيز أو غيره حيث قال تعالى: "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير".

والخامسة قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم".

وذكرتعالى قصة أهل الكهف، وكيف كان إيقاظهم من نومهم الذي دام ثلاثمائة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين بالقمرية وقال فيها: "وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها".

ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة

أول شيء يطرق أهل الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع، فينظر لها فلا يبقى أحد من أهل الأرض إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى يستمع هذا الأمر العظيم، الذي قد هال الناس وأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا، وشغلهم بها، وفي وقوع هذا الأمر العظيم قال الله تعالى: "ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون".

وقال تعالى: "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق".

وقال تعالى: "فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير".

وقال تعالى: "قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير".

ثم بعد ذلك بمدة، يأمره تعالى فينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم يأمره، فينفخ فيه أخرى، فيقوم الناس لرب العالمين.

وقال تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".

وقال تعالى: "فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة".

وقال تعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".

وقال تعالى: "ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا".

وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا".

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان التميمي، عن أسلم العجلي، عن بشر بن سفيان، عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي يا رسول الله ما الصور؟ قال: "قرن ينفخ فيه"

توقع قيام الساعة بين لحظة وأخرى

ثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان بن طرخان التميمي، به. وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن سليمان التميمي، عن أسلم العجلي، به.

وقال الترمذي حسن ولا نعرفه إلا من حديث أسلم العجلي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا مطرف، عن عطية، عن ابن عباس. في قوله: "فإذا نقر في الناقور" قال: قال رسول الله : "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمرفينفخ؟". فقال أصحاب محمد: يا رسول الله: كيف نقول؟ قال: قولوا: "حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". انفرد به أحمد.

وقد رواه أبو كدينة عن يحيى بن المهلب، عن مطرف به، وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي قال: "كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر، متى يؤمر؟ قال المسلمون: يا رسول الله: فما نقول؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا".

وأخرجه الترمذي، عن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، وقال: حسن.

ثم رواه من حديث خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد به، وحسنه أيضا، وقال شيخنا أبو حجاج المزي في الأطراف، ورواه إسماعيل بن إبراهيم، أبو يحيى التميمي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، كذا قال رحمه الله.

وهكذا رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الأهوال فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول : "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فينفخ." قلنا: يا رسول الله: ما نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل".

وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسند أبي هريرة: روى أبو صالح، عن أبي هريرة، وعن عمران، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "كيف أنعم أو كيف أنتم- شك أبو صالح- وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه، وأصغى سمعه، وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر، فينفخ" قالوا: يا رسول الله: كيف نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا".

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: ذكر رسول الله صاحب الصور فقال: "عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل، عليهم الصلاة والسلام".

وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : "إن صاحبي الصور بأيدهما أو في أيديهما قرنان: يلاحظان متى يؤمران"؟.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن أسلم، عن أبي مرية، عن النبي ، وعن عبد الله بن عمر، عن النبي قال: "النفاخان في السماء الثانية، رأس أحدهما بالمغرب، ورجلاه بالمشرق، ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور فينفخان".

تفرد به أحمد. وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو العجلي، وليس بالمشهور، ولعل هذين الملكين أحدهما هو إسرافيل وهو الذي ينفخ في الصور، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله، والاخر هو الذي ينقر في الناقور، وقد يكون الصور، والناقور اسم جنس يعم أفرادا كثيرين، والألف واللام فيهما للعهد، ويكون لكل واحد منهما أتباع، يفعلون كفعله، والله أعلم بالصواب.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبد الله بن جرير، حدثنا موسى بن إسماعيل: أخبرنا عبد الواحد بن زياد، أخبرنا عبد الله بن عبد الله الأصم، أخبرنا يزيد بن الأصم، قال: قال ابن عباس: إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكل به، كأن عينيه كوكبان دريان، ينظرتجاه العرش مخافة أن يؤمرأن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه.

وحدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر، حدثنا مروان بن معاوية، عن عبد الله بن عبد الله بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ما أطرق صاحب الصور منذ وكل به، ينظرنحو العرش مخافة أن يؤمرقبل أن يرتد إليه طرفه، كأنه عينيه كوكبان دريان".

حديث الصور بطوله تصوير لمشاهد القيامة أو لبعض مشاهدها

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا عمرو بن الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة قال: حدثنا رسول الله وهو في طائفة من أصحابه قال: "إن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخصا إلى العرش ببصره، ينتظرمتى يؤمر؟ قال: قلت: يا رسول الله ما الصور؟ قال: قرن. قال: كيف هو؟ قال: عظيم. قال: والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه لعرض السموات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات والأرض، إلا من شاء الله، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله فيها: "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق". فتسير الجبال سير السحاب، فتكون سرابا، وترتج الأرض بأهلها رجا، فتكون كالسفينة في البحر، تضربها الأمواج، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش، ترجه الأرواح، ألا وهو الذي يقول الله تعالى فيه: "يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة". فتميد الأرض بأهلها، وتذهل المراضع، وتضع كل الحوامل، وتشيب الولدان، ويطير الناس هاربين من الفزع، فتلقاهم الملائكة، فتضرب وجوههم فيرجعون، ثم يولون مدبرين، ما لهم من الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضا، فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض بصدعين، من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما، لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، نظروا في السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء، فانتثرت نجومها، وخسفت شمسها، وقمرها، قال رسول الله : "الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك".

قال أبو هريرة: من استثناه الله حين يقول: "ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء، عند ربهم يرزقون، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو عذاب الله، يبعثه على شرار خلقه هو الذي يقول الله فيه يايها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله، إلا أنه يطول، ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الصعق؟ فيصعق أهل السموات والأرض؟ إلا من شاء الله؟ فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبارة فيقول: يا رب: مات أهل السموات والأرض إلا من شئت، فيقول الله: وهو أعلم بمن بقي؟ فمن بقي؟ فيقول: يا رب: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكاثيل، وبقيت أنا؟ فيقول الله: ليمت جبريل وميكائيل، فينطق الله العرش فيقول: يا رب يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول: اسكت، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل فيقول: يا رب: قد مات جبريل وميكائيل؟ وبقيت أنا وحملة العرش فيقول الله: فليمت حملة عرشي فيموتون، ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك فيقول: وهو أعلم بمن بقي، فمن بقي؟ فيقول يا رب: بقيت أنت الحي الذي لا تموت وبقيت أنا، فيقول الله: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت فمت، فيموت، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد كان آخرا كما كان أولا، طوى السموات والأرض كطي السجل للكتاب ثم دحاها ثم لفها ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار ثلاثا. ثم هتف بصوته: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: لله الواحد القهار، ويبدل الأرض غير الأرض والسموات، فيبسطها، ويسطحها، ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في مثل ما كانوا فيه في الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله عليكم من ماء من تحت العرش ثم يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت، فتنبت كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم، فكانت كما كانت، قال الله: "ليحيي جبريل وميكائيل، فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله: "وعزتي وجلالي، ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون. "مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسير". حفاة، عراة، غلفا غرلا، ثم تقفون موقفا واحدا، مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم، ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دماء وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم، أو يبلغ الأذقان، فتضجون، وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون إليه ذلك، فيأبى، فيقول: حفاة عراة غلفا غرلا ثم تقفون موقفا واحدا، مقدار سبعين عاما. ما أنا صاحب ذلك، ثم يسعون للأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم.

قال رسول الله : "حتى تأتوني، فأنطلق، حتى آتي الفحص، فأخر ساجدا. قال أبو هريرة: يا رسول الله: ما الفحص قال: موضع قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا، فيأخذ بعضدي، فيرفعني، فيقول لي: يا محمد: فأقول: نعم لبيك يا رب، فيقول ما شأنك؟- وهو أعلم- فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فاقض بينهم، فيقول شفعتك، أنا آتيكم، فأقضي بينكم"، قال رسول الله : "فأرجع فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف، إذا سمعنا حسا من السماء شديدا، فينزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا وهو آت، ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام والملائكة، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والأرض والسموات إلى حجرهم والعرش على مناكبهم، لهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول: يا معشر الجن والإنس، إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي أعمالكم، وصحفكم، تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم". ثم يقول: "وامتازوا اليوم أيها المجرمون". "ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون". فيميز الله الناس، وينادي الأمم داعيا لكل أمة إلى كتابها، والأمم جاثية من الهول قال الله تعالى: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون".

فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين، الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى أنه ليقيد الجماء من ذات القرن، فإذا فرغ الله من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله لها: كوني ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا، ثم يقضي الله بين العباد، فيكون أول ما يقضى فيه الدماء، فيأتي كل قتيل في سبيل الله، ويأمر الله من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول: يا رب فيم قتلني هذا؟ فيقول الله تعالى وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: قتلته يا رب لتكون العزة لك، فيقول الله: صدقت، فيجعل الله وجهه مثل نور السموات، ثم تسبقه الملائكة إلى الجنة، ثم يأتي كل من كان يقتل على غير ذلك ويأمر من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول يا رب فيم قتلني هذا؟ فيقول الله وهو أعلم: فيم قتلته فيقول: يا رب قتلته لتكون العزة لي، فيقول الله: تعست، ثم ما تبقى نفس قتلها قاتل إلا قتل بها، ولا مظلمة إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه، ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء أن يخلص اللبن من الماء، فإذا فرغ الله من ذلك، نادى مناد يسمع الخلائق كلهم، فقال: ليلحق كل قوم بآلهتهم وماكانوا يعبدون من دون الله، فلا يبقى أحد عبد من دون الله شيئا إلا مثلت له الهيئة بين يديه، فيجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى، فيتبع هذا اليهود، ويتبع هذا النصارى ثم قادتهم آلهتهم إلى النار فهذا الذي يقول الله تعالى: "لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون".

فإذا لم يبق إلا المؤمنون، فيهم المنافقون، جاءهم الله فيما شاء من هيئة، فقال: يا أيها الناس، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، ما كنا نعبد غيره، فينصرف عنهم- وهو الله- فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، وما كنا نعبد غيره، فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون به أنه ربهم، فيخرون سجدا على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رؤوسهم، ويضرب الله بالسراط بين ظهراني جهنم، كقد الشعر، أو كعقد الشعر، وكحد السيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، ودونه جسر دحض مزلة فيمرون كطرف البصر، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو كجياد الرجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوح على وجهه في جهنم، فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فيدخلنا الجنة فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ إنه خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول رسله إلى خلقه، فيؤتى نوح، فيطلبون ذلك إليه فيذكر شيئا ويقول: ما أنا بصاحبكم، عليكم بموسى، فيطلبون ذلك إليه فيذكر ذنبا، ويقول لست بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم، فيطلبون ذلك إليه، فيقول ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد . قال رسول الله : "فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدتهن، فانطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيي ويرحب بي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن الله لي من حمده ومجده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول لي الله: أرفع رأسك يا محمد واشفع تشفع، وسل تعط، فإذا رفعت رأسي قال الله وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة، يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة، فكان رسول الله يقول: "والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم". فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة كما ينشئهن الله، واثنتين آدميتين، لهما فضل على من شاء الله بعبادتهما الله في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سريرمن ذهب مكلل باللؤلؤ، له سبعون درجة من سندس واستبرق، ويضع يده بين كتفيها، ثم ينظر من صدرها ما وراء ثيابها من جلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى لحم ساقها، كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة، كبده لها مراة وكبدها له مرآة، فبينما هو عندها، لا يملها ولا تمله إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل، ولا تمل، إلا أن لك أزواجا غيرها، فيخرج، فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت والله ما في الجنة أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك، قال: وإذا وقع أهل النار في النار، وقع فيها خلق من خلق ربك، أوبقتهم أعمالهم، فمنهم من تأخذه إلى قدميه لا يجاوز ذلك منهم، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله، إلا وجهه قد حرم الله صوره عليها، قال رسول الله : فأقول: "يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي، فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم، فيخرج أولئك، حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يأذن الله لي في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع، فيقول الله: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا، فيخرج أولئك، حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يشفع الله فيقول أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار، ثم يقول: وثلث دينار، ثم يقول: قيراطا، ثم يقول: حبة من خردل، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط، وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له، ثم يقول الله: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين، فيدخل يده في جهنم، فيخرج منها ما لا يحصيه غيره، كأنهم حب فيبثهم الله على نهر يقال له نهر الحيوان، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، مما يلي الشمس أخضر، ومما يلي الظل منها أصفر، فينبتون حتى يكونوا أمثال الدر، مكتوبا في رقابهم الجهنميون عتقاء الرحمن عز وجل يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب، ما عملوا الله خيرا قط، فيبقون في الجنة.

إلى هنا كان في أصل أبي بكر العربي، عن أبي يعلى رحمه الله، وهو حديث مشهور، رواه جماعات من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، والطبراني في المطولات، والحافظ البيهقي في كتابه: البعث والنشور، والحافظ أبي موسى المديني في المطولات أيضا من طرق متعددة عن إسماعيل ابن رافع قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه وفي بعض سياقه نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء منفرد.

قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس في الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، فجمعه وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره ورواه عنه جماعة من الكبار كأبي عاصم النبيل والوليد بن مسلم، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن سابور، وعبده بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه، فتارة يقول: عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، وتارة يسقط الرجل، وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبده بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زيد، عن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، عن النبي بطوله: ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا الحافظ المزي، وهذا أقرب، قال: وقد رواه عن إسماعيل بن رافع عن الوليد بن مسلم، وله عليه مصنف، بين شواهده من الأحاديث الصحيحة، وقال الحافظ ابن موسى المديني بعد إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه فعامة ما فيه يروى مفرقا من أسانيد ثابتة ثم تكلم على غريبه.

قلت: ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا وبالله المستعان.

فصل نفخات الصور لا يبقي من الإنسان بعد موته إلا عجب ذنبه

النفخات في الصور ثلاث نفخات، نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله.

وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ما بين النفختين أربعون يوما، قال: أبيت. قال: أربعون شهرا. قال: أبيت. قال: أربعون سنة. قال: ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة".

ورواه البخاري من حديث الأعمش، وحديث عجب الذنب وأنه لا يبلى وأن الخلق بدؤوا منه ومنه يركبون يوم القيامة، ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة.

ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق.

ورواه أحمد، عن يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "كل ابن آدم يبلى ويأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب". انفرد به أحمد وهو على شرط مسلم.

ورواه أحمد أيضا من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه.

وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله قال: "يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه، قيل وما هو يا رسول الله؟ قال: مثل حبة خردل، منه ينبتون".

والمقصود هنا ذكر النفختين، وأن بينهما إما أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، وهاتان النفختان هما والله أعلم، نفخة، الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان ومنه يركب عند بعثه يوم القيامة، ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الصعق، ونفخة الفزع وهو الذي يريد ذكره في هذا المقام، وعلى كل تقدير، فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق، وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام.

من أهوال يوم القيامة

من ذلك زلزلة الأرض، وارتجاجها وميدانها، بأهلها يمينا وشمالا، قال الله تعالى: "إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها".

وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".

وقال تعالى: "إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة".

ولما كانت هذه النفخة، أعني نفخة الفزع أولى مبادىء القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقا على ذلك كله.

كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها".

وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة.

وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن نجومهما تتناثر، وتخسف شمسها وقمرها، والظاهر- والله أعلم- أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق.

قال تعالى: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار".

وقال تعالى: "إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت".

وقال تعالى: "فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره".

وسيأتي تقرير أن هذا كله كائن، بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض، وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة، وفرار الناس إلى أقطارها، وأرجائها، فمناسب أن يكون بعد نفخة الفزع وقبل الصعق، قال الله تعالى إخبارا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: "ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم".

وقال تعالى: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وقد تقدم الحديث، في مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد، أن رسول الله قال: "إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات" فذكرها إلى أن قال: "وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر". وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان من سائر أقصار الأرض إلى أرض الشام منها وهي بقعة المحشر والنشر.

ذكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام

ثبت في الصحيحين، من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يحشر الناس على ثلاث طرائق، راغبين، وراهبين، واثنان على بعير وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، فتقتل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث أمسوا". وروى أحمد، عن عفان، عن ثابت بن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله عن أول أشراط الساعة فقال: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". الحديث بطوله وهو في الصحيح.

يحشر الناس يوم القيامة أصنافا ثلاثة

وروى الإمام أحمد، عن حسن وعفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم، قالوا يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: "إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك".

وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، عن حماد بن سلمة بنحو من هذا السياق.

وقال الإمام أحمد: عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف".

ورواه الطبراني من حديث المهلب بن أبي صفرة، عن عبد الله بن عمرو بنحوه.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الخرقي ببغداد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان: حدثنا زيد بن الحباب: أخبرني الوليد بن جميع القرشي، قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا سعيد بن مسعود، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو الوليد، عن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد الغفاري، سمعت أبا ذر الغفاري وقد تلا هذه الآية: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما".

يقول: حدثني الصادق المصدوق : "إن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج، فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، قلنا: قد عرفنا هذين، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: يلقي الله الآفة على الظهر، حتى تبقى ذات ظهر، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالممارن ذات القتب" لفظ الحاكم.

وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، ولم يذكر تلاوة أبي ذر الآية وزاد في آخره فلا يقدر عليها.

وفي مسند الإمام أحمد، من حديث بهز، وغيره، عن أبيه حكيم بن معاوية، عن جده معاوية بن حميدة القشيري، عن رسول الله أنه قال: "يحشرون هاهنا- وأومأ بيده إلى نحو الشام- مشاة وركبانا، ويمرون على وجوههم ويعرضون على الله، وعلى أفواههم الفدام".

وقد رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، بنحوه. وقال: حسن صحيح.

فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا، من أقطار محلة الحشر، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة، فقسم يحشرون طاعمين كاسين راكبين، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، كما تقدم في الصحيحين اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، يعني يعتقبونه من قلة الظهر، كما تقدم، كما جاء مفسرا في الحديث الآخر، وتحشر بقيتهم النار، وهي التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم تسوقهم من كل جانب، إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم أكلته النار، وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الدنيا، حيث الأكل والشرب، والركوب على الظهر المستوي وغيره، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث، لم يبق موت ولا ظهر يسري، ولا أكل ولا شرب، ولا لبس في العرصات، والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث، حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة، وصحح ذلك، وضعف ما قلناه، واستدل على ما قاله بقوله تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا".

يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا

وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديت وفيه: "إن منهم اثنين على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير" وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر. هذا لا يلتثم مع هذا، والله أعلم، تلك نجائب من الجنة يركبها المؤمنون من العرصات إلى الجنات، على غير هذه الصفة كما سيأتي تقرير ذلك في موضعه.

فأما الحديث الآخر، الوارد من طرق أخر، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم. "إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا": "كما بدأنا أول خلق نعيده".

فذلك حشر غير هذا، هذا يوم القيامة، بعد نفخة البعث، يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، أي غير مختنين، وكذلك يحشر الكافرون إلى جهنم وردا أي عطاشا وقوله: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا".

فذلك حين يؤمر بهم إلى النار، من مقام الحشر، كما سيأتي بيان ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.

وقد ذكر في حديث الصور أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع، مما ذكر، بسبب نفخة الفزع، وإن الذين استثنى الله فيها، إنما هم الشهداء، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يشعرون بها، ولا يفزعون منها، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق.

وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال، أحدها: كما جاء مصرحا به، أنهم الشهداء، وقيل: بل هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، قيل: وحملة العرش أيضا، قيل: وغير ذلك، فالله أعلم.

وقد ذكر في هذا الحديت، أعني حديث الصور، أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام، فيموت بسبب ذلك جميع الموجودين، من أهل السموات، ومن في الأرض، من الإنس والجن، والملائكة، إلا من شاء الله، فقيل: هم حملة العرش، وجبريل، وميكائيل، وإسرا فيل، وقيل: هم الشهداء، وقيل: غير ذلك قال الله تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون".

وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربئك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

تقدم في حديث الصور: "إن الله تعالى يقول لإسرافيل: انفخ نفخة الصعق، فينفخ فيصعق من في السموات والأرض، إلا من شاء الله، فيقول الله لملك الموت: وهو أعلم بمن بقي فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل، فيأمره الله أن يقبض روح جبريل وميكائيل، ثم يأمر الله سبحانه وتعالى بقبض حملة العرش، ثم يأمره أن يموت، وهو آخر من يموت من الخلائق".

وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، من قوله فيما بلغه، وعنه، عن أبي هريرة عن النبي : "إن الله تعالى يقول لملك الموت: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت ثم لا تحيا".

وقال محمد بن كعب فيما بلغه فيقول له: مت موتا لا تحيا بعده أبدا فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السموات والأرض لماتوا فزعا.

قال الحافظ أبو موسى المديني: لم يتابع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة، ولم يقلها أكثر الرواة، قلت: وقد قال بعضهم في معنى هذا: مت موتا لا تحيا بعده أبدا، يعني ثم لا يكون بعد هذا ملك موت أبدا، لأنه لا موت بعد هذا اليوم، كما ثبت في الصحيح: "يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل النار خلود ولا موت". ويا أهل الجنة خلود ولا موت".

وسيأتي الحديث،.... فملك الموت فان حتى لا يكون بعد ذلك ملك موت أبدا، والله أعلم. وبتقدير صحة هذا اللفظ عن النبي فظاهر ذلك أنه لا يحيى بعد ذلك أبدا، وهذا التأويل بعيد بتقدير صحة الحديث، والله أعلم بالصواب.

فصل في حديث الصور

قال في حديث الصور: فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار، الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، كان اخرا كما كان أولا، طوى السموات والأرض، كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم لفهما ثلاث مرات، وقال: "أنا الجبار" ثلاثا ثم ينادي: لمن الملك اليوم. ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول مجيبا لنفسه: لله الواحد القهار وقد قال الله تعالى: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضتة يوم القيامة والسموات مطويات بيمييه سبحانه وتعالى عما يشركون".

وقال تعالى: "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيد وعدا علينا إنا كنا فاعلين".

وقال تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم".

وقال تعالى: "رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب".

وثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.

وفيهما أيضا من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله قال: "إن الله يقبض السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك". وفي مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم، من حديث عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، أن رسول الله قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون". ورسول الله يقول كذا بيده، يحركها، يقبل بها ويدير، يمجد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله المنبر حيث قلنا ليخرن به وهذا لفظ أحمد.

وقد ذكرنا الأحاديث المتعلقة بهذا المقام عند هذه الآية من كتابنا التفسير بأسانيدها وألفاظها بما فيه كفاية ولله الحمد.

فصل قال في حديث الصور ويبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي

قال تعالى: "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا".

ثم يزجر الله الخلائق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة وقد قال الله تعالى: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات و برزوا لله الواحد القهار".

وفي صحيح مسلم، عن عائشة، أن رسول الله ، سئل: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسموات. فقال: "في الظلمة دون الجسر".

وقد يكون المراد بذلك تبديل اخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين، نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال، وتميد الأرض، ويبقى الجميع صعيدا واحدا، لا اعوجاج فيها ولا روابي ولا أودية قال الله تعالى: "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا "فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا". أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع.

وقال تعالى: "وسيرت الجبال فكانت سرابا".

وقال تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش".

وقال تعالى: "وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة".

وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وتر ى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا".

فصل قال في حديث الصور ثم ينزل الله من تحت العرش ماء

فتمطرالسماء أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقكم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت، كنبات الطراثيت وهو صغار القثاء أو كنبات البقل.

وتقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد، ومسلم، من حديث يعقوب بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله قال: "ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه، فيصعق، ولا يسمعه أحد إلا صعق، ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل، أو الظل، فينبت منه أجساد الخلائق، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال: أيها الناس هلموا إلى ربكم".

وقال البخاري: حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "بين النفختين أربعون". قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت قالوا: أربعون شهرا قال: أبيت قالوا: أربعون سنة قال: أبيت. ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب منه يركب الخلق.

ورواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش به مثله، وزاد بعد قوله في الثالثة أبيت قال: ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال وليس شيء من الإنسان إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة.

قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب أهوال يوم القيامة: حدثنا أبو عمار الحسين بن حبيب المروزي، أخبرنا أبو الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، حدثني أبي بن كعب: قال: "ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت، واختلطت، وفزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والوحش والطير، فماج بعضهم في بعض، "وإذا الوحوش حشرت" قال: انطلقت. "وإذا العشار عطلت" وقال أهملها أهلها."وإذا البحار سجرت" قال الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر، فانطلق إلى البحر، فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك، اذ جاءتهم ريح فأماتتهم".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عمرو القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عطاء بن يزيد السكسكي، قال: "يبعث الله ريحا طيبة بعد قبض عيسى ابن مريم، وعند دنو من الساعة، فيقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الناس، يتهارجون تهارج الحمر، عليهم تقوم الساعة، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله على أهل الأرض الرجف فرجفت بهم أقدامهم ومساكنهم، فيخرج الإنس والجن والشياطين، كل يلتمس المخرج، فيأتون خافق المغرب فيجدونه قد سد، وعليه الحفظة ثم يرجعون إلى الناس، فبينما هم كذلك، إذ شرقت عليهم الساعة، ويسمعون مناديا ينادي: يا أيها الناس: أتى أمر الله فلا تستعجلوه، قال: فما المرأة بأشد استماعا من الوليد في حجرها، ثم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله".

وقال أيضا: حدثنا هارون بن شيبان: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن فضالة بن عبيد، عن النبي وحدث هشام بن سعيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حجرة، عن عقبة بن عامر، عن النبي قال: "تطلع عليكم سحابة سوداء مثل الترس من قبل المغرب، فما تزال ترتفع وترتفع حتى تملأ السحاب، وينادي مناد: أيها الناس إن أمر الله قد أتى، فوالذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليلوط حوضه فما يشرب منه، وإن الرجل ليحلب لقحته فما يشرب منها شيئا".

وقال محارب بن دثار: "إن الطير يوم القيامة لتضرب بأذنابها، وترمي ما في حواصلها من هول ما ترى وليس عندها طلبة".

رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحر، سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني، سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله : "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ: "إذا الشمس كورت" "وإذا السماء انفطرت". "وإذا السماء انشقت". ورواه أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن بجير.

نفخة البعث

قال الله تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون". وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا".

وقال تعالى: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا".

وقال تعالى: "فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة".

وقال تعالى: "ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".

وذكر في حديث الصور بعد نفخة الصعق، وقيام الخلائق كلها، وبقاء الحي الذي لا يموت، الذي كان قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، وأنه يبدل السموات والأرض، فيما بين النفختين، ثم يأمر بإنزال الماء الذي تخلق منه الأجساد في قبورها، وتتركب في أجداثها، كما كانت فى حياتها في هذه الدنيا من غير أرواح ثم يقول الله تعالى: "ليحيى حملة العرش: فيحيون، ويأمر إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيى جبريل وميكائيل: فيحييان ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها، تتوهج أرواح المؤمنين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، فيلقيها في الصور، ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ، فتخرج الأرواح كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله تعالى: "وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره في الدنيا، فتقبل الأرواح على الأجساد، فتدخل في الخياشم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنكم قال رسول الله : "وأنا أول من تنشق الأرض عنه". فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطيعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر حفاة عراة غرلا. وقد قال الله تعالى: "يوم يخرحون من الأحداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون".

وقال تعالى: "واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب، يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير".

قال تعالى: "فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرحون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر".

وقال تعالى: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى".

وقال تعالى: "فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون".

قال تعالى: "والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعر، عن عبد الله بن مسعود قال: "ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير، فلا تذر على الآرض مؤمنا إلا لفته تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فلا يبقى خلق من خلق السماء والأرض إلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الري ثم قرأ ابن مسعود: "كذلك النشور". ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه ويقومون قياما لرب العالمين.

وعن وهب بن منبه قال: يبلون في القبور فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح إلى الأبدان والمفاصل، بعضها إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية ذهب القوم قياما على أرجلهم، ينفضون التراب عن رؤوسهم، يقول المؤمنون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

ذكر أحاديث في البعث

وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، قال: ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير، فلا يبقى على الأرض مؤمن إلا لفته تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه لا يبقى خلق في السماء والأرض إلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ابن مسعود: "والله الذي أرسل الرياح فتثيرسحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور". ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه، ويقومون فيجيئون قياما لرب العالمين.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدي، عن عمه أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: "يا أبا رزين: أما مررت بوادي أهلك محلا ثم مررت به نهرا أخضر؟ قلت: بلى: قال: فكذلك يحيي الله الموتى، وذلك آيته في خلقه".

وقد رواه الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي وغندر كلاهما عن شعبة، عن يحيى بن عطاء به، نحوه أو مثله.

وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر فقال: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليمان بن موسى، عن أبي رزين العقيلي، قال: أتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال: مررت بأرض من أرضك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟ قال: قلت: نعم: قال: كذلك النشور: قال: قلت: يا رسول الله: ما الإيمان؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق في النار أحب إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله، فإن كنت كذلك، فقد أدخل حب الإيمان في قلبك كما أدخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ قلت: يا رسول الله: كيف بأن أعلم أني مؤمن" قال: "ما من أمتي أو من الأمة عبد يعمل حسنة، فيعلم أنها حسنة، وأن الله جازيه بها خيرا، ولا يعمل سيئة، فيعلم أنها سيئة، ويستغفر الله، ويعلم أنه لا يغفر إلا هو، إلا وهو مؤمن".

قال الوليد بن مسلم: وقد جمع أحاديث وأثارا تشهد لحديث الصور في متفرقاته، أخبرنا سعيد بن بشير: عن قتادة، في قوله تعالى: "واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب". قال: يقوم ملك على صخرة بيت المقدس، ينادي: "أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء. وعن قتادة قال: "لا يغيرعن أهل القبور عذاب القبر إلا فيما بين نفخة الصعق ونفخة البعث". فلذلك يقول الكافر حين يبعث: "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" يعني تلك الفترة فيقول له المؤمن: "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن الحسين بن أبي مريم، عن محمد بن الحسين حدثني صدقة بن بكر السعدي: حدثني معدي بن سليمان. قال: كان أبو محكم الجسري يجتمع إليه إخوانه وكان حكيما وكان إذا تلا هذه الآية: "ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا". بكى ثم قال: إن القيامة ذهبت فطاعتها بأوهام العقول، أما والله لئن كان القوم في رقدة مثل ظاهر قولهم، لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم، ولم يوقفوا بعد موقف عرض، ولا مسألة إلا وقد عاينوا خطرا عظيما، وحقت عليهم القيامة بالجلائل من أمرها، ولكن كانوا في طول الإقامة في البرزخ يألمون ويعذبون في قبورهم، وما دعوا بالويل عند انقطاع ذلك عنهم، إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه، ولولا أن الأمر على ذلك لما استصغر القوم ما كانوا فيه فسموه رقادا، وإن في القرآن لدليلا على ذلك. "فإذا جاءت الطامة الكبرى". قال: ثم يبكي حتى يبل لحيته.

وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني بشر عن عبد الله الحضرمي: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: اجتمع الناس إلى مشايخ، بين العراق والشام في الجاهلية، فقام فيهم شيخ فقال: أيها الناس: إنكم ميتون، ثم مبعثون إلى الإدانة والحساب، فقام رجل، فقال: والله لقد رأيت رجلا لا يبعثه الله أبدا، وقع عن راحلته في موسم من مواسم العرب، فوطئته الإبل بأخفافها، والدواب بحوافرها، والرجالة بأرجلها حتى رم فلم تبق منه أنملة.... فقال له الشيخ: إنكم من قوم سجينة أحلامهم، ضعيف يقينهم، قليل عملهم، لو أن الضبع أخذت تلك الرمة، فأكلتها، ثم ثلطتها، ثم عدت عليها الكلاب وأكلتها، وبعرتها، ثم عدت عليها الجلالة، ثم أوقدتها تحت قدر أهلها، ثم نسفت الريح رمادها لأمر الله يوم القيامة كل شيء أخذ منه شيئا أن يرده فرده، ثم بعثه للإدانة والثواب.

وقال الوليد: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أن شيخا من شيوخ الجاهلية القساة قال: يا محمد: ثلاث بلغني، أنك تقولهن لا ينبغي لذي عقل أن يصدقك فيهن، بلغني أنك تقول إن العرب تاركة ما كانت تعبد هي وآباؤها، وأنا نظهر على كنوز كسرى وقيصر، ولنموتن ولنبعثن " فقال له الرسول عليه السلام: "ثم لآخذن بيدك يوم القيامة، فلأذكرنك مقالتك هذه" قال: ولا تضلني في الموتى؟ ولا تنساني قال: ولا أضلك في الموتى، ولا أنساك، قال فبقي الشيخ حتى قبض رسول الله ورأى ظهور المسلمين على كسرى وقيصر، فأسلم وحسن إسلامه، وكان كثيرا ما يسمع عمر بن الخطاب يحييه في مسجد رسول الله ، لإعظامه ما كان واجه به رسول الله وكان عمر يأتيه ويقول: قد أسلمت ووعدك رسول الله أنه يأخذ بيدك، ولا يأخذ رسول الله بيد أحد إلا أفلح وسعد إن شاء الله.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، أخبرنا هشيم، عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله بعظم قد رم وقال: يا محمد: يبعث الله هذا؟ قال: نعم، يميتك والله، ثم يحييك، ثم يدخلك النار ونزلت: "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم".

وقال تعالى في قوله: "ولقد علمتم النشأة الأولى". قال خلق آدم، وخلقكم، قال: فلا تصدقون؟

وعن أبي جعفر الباقر قال: كان يقال: عجبا لمن يكذب بالنشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى يا عجبا كل العجب لمن يكذب بالنشر بعد الموت، وهو ينشر في كل يوم وليلة، ورواه ابن أبي الدنيا.

وقال أبو العالية في قوله: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه". قال: إعادته أهون عليه من ابتدائه وكل يسير، رواه ابن أبي الدنيا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "قال الله عز وجل كذبني عبدي ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله: فليعدنا كما بدأنا، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد". وهو ثابت في الصحيحين.

وفيهما قصة الذي أوصى إلى نبيه إذا مات أن يحرقوه ثم يذروا نصف رماده في البر، ونصفه في البحر، وقال: لئن قدر الله علي، ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، وذلك أنه لم يدخر عند الله حسنة واحدة، فلما مات، فعل ذلك بنوه، كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا رجل قائم، فقال له ربه: ما حملك على هذا قال: خشيتك، وأنت أعلم. قال رسول الله فغفر له.

وعن صالح المزي قال: دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنها قوم صموت، فقلت: سبحان الله: من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفريا صالح: "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون". قال: فخررت والله مغشيا علي.

ذكر أن يوم القيامة وهو يوم النفخ في الصور لبعث الأجساد من قبورها يكون يوم الجمعة

وقد وردت في ذلك أحاديث: قال الإمام مالك بن أنس: عن يزيد بن عبد الهادي، عن محمد بن الهادي، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقام الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه".

ورواه أبو داود واللفظ له، والترمذي من حديث مالك، وأخرجه النسائي عن قتيبة، عن بكر بن نصر عن أبي الهادية نحوه وهو أتم.

لحظة قيام الساعة

وقد رواه الطبراني في معجمه الكبير، من طريق آدم بن علي، عن ابن عمر، مرفوعا: "ولا الساعة تقوم إلا في الأذان".

قال الطبراني: يعني في أذان الفجر.

وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله بن عمر: أنه سمع أنس بن مالك يقول: "أتى جبريل بمرآة بيضاء متلألئة إلى النبي ، فقال النبي : "ما هذه قال: الجمعة. فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع، اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن، يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، قال النبي : "يا جبريل وما يوم المزيد فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك، فإذا كان يوم الجمعة، أنزل ما شاء من ملائكته، وحوله منابرمن نور عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر بمنابر من الذهب، مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب فيقول الله: أنا ربكم، قد صدقتكم وعدي، فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم، ولكن ما تمنيتم ولدي مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة، لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة".

ثم رواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد أيضا، حدثني أبوعمر، عن إبراهيم بن الجعد، عن أنس شبيها به قال: وزاد فيه أشياء.

قلت: وسيأتي ذكر هذا الحديث إن شاء الله تعالى في كتاب صفة الجنة بشواهده وأسانيده، وبالله المستعان.

أجساد الأنبياء لا تبليها الأرض

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الأنصاري، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول الله : "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعق، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي"، قالوا يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟- يعني بليت- قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث الحسين بن علي الجعفي مثله، وفي رواية لابن ماجه، عن شداد بن أوس، بدل أوس بن أوس، قال شيخنا وذلك وهم.

وقال أيضا: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن أبي أمامة بن عبد المنذر، أن رسول الله قال: "سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر، ويوم الأضحى، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهو يشفق من يوم الجمعة".

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن أبي بكر، عن زهر به.

وقد روى الطبراني عن ابن عمر مرفوعا: "أن القيامة تقوم وقت الأذان للفجر من يوم الجمعة".

وقد حكى أبو عبد الله القرطبي في التذكرة أن ذلك هو من يوم جمعة، للنصف من شهر رمضان، وهذا يحتاج إلى دليل.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن كثير، حدثنا قرط بن حريث أبو سهل، عن رجل من أصحاب الحسن، قال: قال الحسن: يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن، ليلة الميت مع أهل القبور، ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله، إما بالجنة، وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك، وإما بشمالك.

وهكذا روي عن عبد قيس وهرم بن حيان وغيرهما، أنهم كانوا يستعظمون الليلة التي يسفر صباحها عن يوم القيامة.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي، حدثني محمد بن سابق، حدثنا مالك ابن مغول، عن حميد، قال: بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد، وفي يده قليلة، وهو يمص ماءها، ثم يمجه، إذ تنفس تنفسا شديدا، ثم بكى، حتى أرعد متكأه ثم قال: لو أن بالقلوب حياة! لوأن بالقلوب صلاحا! يا ويلكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة! أي ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر عورة بادية، ولا عينا باكية من يوم القيامة.

ذكر أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا معقل يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار: حدثني عبيدالله بن مرواح: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع".

وقال هشيم: عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثم، أخبرنا حجير بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  : "ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من يبعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي". وفي الصحيح ما يقرب من هذا السياق، والحديث في صحيح مسلم: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور". فذكرموسى في هذا السياق، ولعله من بعض الرواة، دخل عليه حديث في حديث فإن الترديد هاهنا لا يظهر وجهه لا سيما قوله: "أم جوزي بصعقة الطور".

وقال ابن أبي الدنيا أيضا: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة عن عمرو، وهو ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بين أبي بكر ويهودي منازعة، فقال: والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه أبو بكر، فأتى رسول الله فقال: "يا يهودي: أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري، هل كان قبلي أو جوزي بالصعقة"؟.

وهذا مرسل من هذا الوجه. والحديث في الصحيحين من غير وجه بألفاظ مختلفة، وفي بعضها أن المقاول لهذا اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق رضي الله عنه فالله أعلم.

ومن أحسنها سياقا: "إذا كان يوم القيامة فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يصعق فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"؟.

وهذا كما سيأتي بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في القران، وكان سبب هذا الصعق في هذا الحديث لتجلي الرب تعالى، إذا جاء لفصل القضاء، فيصعق الناس، كما خر موسى صعقا يوم الطور، والله تعالى أعلم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله : "كأني أراني أنفض رأسي من التراب، فألتفت فلا أرى أحدا إلا موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري أهو ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة؟ أو بعث قبلي". وهذا مرسل أيضا وهو أضعف.

الرسول عليه السلام أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبيد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا عمرو بن الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، عن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض وأنا أول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد، حتى آدم فمن دونه" لم يخرجوه وإسناده لا بأس به.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أخبرنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال: عن أبي سلمة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة، فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين".

وقال أيضا: أخبرنا سعيد بن سلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكىء عليهما، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث، عن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن منبه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: "ما من فجر يطلع، إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم، ويصلون على النبي حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم، وصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض، خرج رسول الله في سبعين ألفا من الملائكة، يوقرونه ".

وأخبرنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرنا مروان بن سالم: عن يونس بن سيف، قال: قال رسول الله : "يحشر الناس رجالا، وأحشر راكبا على البراق، وبلال بين يدي على ناقة حمراء، فإذا بلغنا مجمع الناس، نادى بلال بالأذان، فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، صدقه الأولون والآخرون". وهذا مرسل من هذا الوجه.

ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلا وذكر أول من يكسى من الناس يومئذ

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله قال: "يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، قال: فقالت عائشة: يا رسول الله فكيف بالعورات فقال: "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه".

وأخرجاه في الصحيحين، من حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن عبد الله بن أبا مليكة، عن القاسم، عن عائشة بنحوه.

أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم خليل الله عليه السلام

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان شيخ من النخع. قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، قال: سمعت ابن عباس قال: قام فينا رسول الله بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة، عراة غرلا": "كما بدأنا أول خلق نعيده، وعدا علينا إنا كنا فاعلين". "ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيحيا ناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فلأقولن: أصحابي. وليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فلأقولن كما قال العبد الصالح: "وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم". فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم" أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة.

ورواه أحمد: عن سفيان بن عيينة، وهو في الصحيحين من حديثه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا: "إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا".

ورواه البيهقي من حديث هلال بن حيان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي قال: "تحشرون عراة حفاة، فقالت زوجته: أينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال: يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه".

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد محمد بن موسى. قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدلاني، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، قال: "يحشر الناس حفاة عراة غرلا، قياما أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، قال فيلجمهم الله العرق من شدة الكرب، ثم يقال اكسوا إبراهيم، فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة، قال: ثم ينادي لمحمد فيفجر له الحوض، وهو ما بين أيلة إلى مكة، قال: فيشرب ويغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش، ثم قال: قال رسول الله : "فأكسى من حلل الجنة، فأقوم عن أو على يمين الكرسي، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري، فيقال: سل تعط، واشفع تشفع، فقام رجل فقال أترجو لوالديك شيئا فقال: إني شافع لهما أعطيت أو منعت، ولا أرجو لهما شيئا" قال البيهقي: قد يكون هذا قبل نزول الوحي بالنهي عن الاستغفار للمشركين والصلاة على المنافقين.

قال القرطبي: وروى ابن مبارك، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن علي، قال: أول من يكسى الخليل قبطيتين، ثم محمد عليه السلام حلة، عن يمين العرش.

وقال أبو عبد الله القرظي في كتاب التذكرة، وروى أبو نعيم الحافظ يعني الأصبهاني، من حديث الأسود، وعلقمة، وأبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله قال: "أول من يكسى إبراهيم، يقول الله اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه قياما لا يقومه أحد غيري، يغبطني فيه الأولون والآخرون".

قال القرطبي: وقال الحليمي في منهاج الدين له، وروى عباد بن كثير عن أبي الزبير، عن جابر، قال: "إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة يؤذن المؤذن ويلبي الملبي، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد ثم النبيون ثم المؤذنون" وذكر تمامه. ثم شرع القرطبي يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ذلك فقال: من ذلك أنه أول من لبس السراويل مبالغة في التستر، أو أنه جرد يوم ألقي في النار فالله أعلم.

وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي قالت: قال النبي : "يبعث الناس حفاة عراة غرلا، قد ألجمهم العرق، فبلغ شحوم الأذان، فقلت يا رسول الله واسوءتاه!! ينظر بعضنا إلى بعض قال يشغل الناس عن ذلك لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه". إسناده جيد وليس هو في المسند ولا في الكتب.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبد الحميد بن سليمان، حدثني محمد بن أبي موسى، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سمعت النبي يقول: "يحشر الناس حفاة عراة غرلا كما بدئوا، قالت أم سلمة يا رسول الله ينظر بعضنا إلى بعض؟ قال: يشغل الناس: قلت: وما شغلهم؟ قال نشر الصحف فيها مثاقيل الذر، مثاقيل الخردل".

وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان يعني الثوري عن زبيدة، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله : "إنكم محشورون حفاة عراة غرلا".

قال البزار: أحسب أن عمر بن شبة غلط فيه فدخل عليه حديث من إسناد علي حديث من إسناد آخر، وإنما هذا الحديث عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال وليس لسفيان الثوري عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، حديث مسند، وهكذا رواه ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شبة به مثله، وزاد: "وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن عابد بن شريح، عن أنس، قال: سألت عائشة رسول الله فقالت يا رسول الله: كيف يحشر الرجال؟ فقال: "حفاة عراة: قالت: واسوءتاه من يوم القيامة!! قال: وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل علي أنه لا يضرك. كان عليك ثياب أم لا. قالت: وأي آية يا رسول الله قال: "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه".

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هيثم، عن كرز، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله "يحشر الناس كما ولدتهم أمهم، حفاة عراة غرلا". فقالت عائشة: النساء والرجال؟ بأبي أنت وأمي فقال: نعم، فقالت: واسوءتاه! فقال: ومن أي شيء تعجبين يا بنت أبي بكر؟ قالت: عجبت من حديثك: يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلا، ينظر بعضهم الى بعض؟ قال: فضرب على منكبها وقال يا بنت أبي قحافة: شغل الناس يومئذ عن النظر، وسموا بأبصارهم موقوفين، لا يأكلون ولا يشربون، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة، فمنهم من يبلغ العرق قدميه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بطنه، ومنهم من يلجمه العرق من طول الوقوف، ثم يرحم الله من بعد ذلك العباد، فيأمر الله الملائكة المقربين فيحملون عرشه من السموات إلى الأرض، حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم تعمل فيها خطيئة، كأنها الفضة البيضاء، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش، وذلك أول يوم نظرت عين إلى الله، فيأمر مناديا فينادي بصوت يسمعه الثقلان من الجن والإنس، أين فلان فلان بن فلان بن فلان؟ فيشرئب الناس لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادي من الموقف، فيعرفه الله للناس ثم يقال تخرج معه حسناته، يعرف الله أهل الموقف بتلك الحسنات، فإذا وقف بين يدي رب العالمين، قيل أين أصحاب المظالم فيجيبون رجلا، فيقال لكل واحد منهم أظلمت فلانا لكذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، فذلك اليوم الذي تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فتؤخذ حسنات الظالم فتدفع إلى من ظلمه، ثم لا دينار ولا درهم، إلا أخذ من الحسنات، ورد من السيئات، فلا يزال أصحاب المظالم يستوفون من حسنات الظالم حتى لا تبقى له حسنة، ثم يقوم من بقي ممن لم يأخذ شيئا فيقولون: ما بال غيرنا استوفى ومنعنا فيقال لهم: لا تعجلوا، فيؤخذ من سيئاتهم فترد عليه، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة، فيعرف الله أهل الموقف أجمعين ذلك، فإذا فرغ من حساب الظالم قيل: ارجع إلى أمك الهاوية، فإنه لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب، ولا يبقى يومئذ ملك، ولا نبي مرسل، ولا صديق، ولا شهيد، إلا ظن لما رآه من شدة الحساب أنه لا ينجو، إلا من عصمه الله عز وجل".

هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في الصحيح كما سيأتي بيانه قريبا، إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان.

الإنسان يبعث يوم القيامة في ثياب عمله من خير أو شر

قال الحافظ: فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد عبد الله بن إسحاق بن الخرساني المعدل، حدثنا محمد بن القاسم القاضي، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أنه لما حضره الموت دعا بثياب جديدة فلبسها، ثم قال سمعت رسول الله يقول: "إن المسلم يبعث في ثيابه التي يموت فيها".

فهذا حديث رواه أبو داود في كتاب السنن، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي مريم.

ثم شرع البيهقي يجيب عن هذا الحديث لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا بثلاثة أجوبة: أحدها: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة، ثم يلبسون من ثياب الجنة. الثاني: أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون ثم من بعدهم على مراتبهم، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة. الثالث: أن المراد بالثياب هاهنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر قال الله تعالى: "ولباس التقوى ذلك خير". وقال: "وثيابك فطهر". قال قتادة: عملك فأخلصه. ثم استشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله : "يبعث كل عبد على ما مات عليه". قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله أنه قال: "من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة".

وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، أخبرني سعيد بن هانىء، عن عمرو بن الأسود، قال: أوصاني معاذ بامرأته وخرج، فماتت، فدفناها، فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها فقال: في أي شيء هيأتموها؟ قلنا: في ثيابها، فأمر بها فنبشت، وكفنها في ثياب جدد وقال: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يحشرون فيها".

وقال أيضا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر، عن الوليد بن مروان، عن ابن عباس، قال: يحشر الموتى في أكفانهم، وكذا روي عن أبي العالية، وعن أبي صالح المزي، قال: بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان ذميمة، وأبدان بالية، متغيرة وجوههم، شعثة رؤوسهم، نهكة أجسامهم، طائرة من صدورهم وحناجرهم، لا يدري القوم مأواهم إلا عند انصرافهم من الموقف، فيصرف بهم إلى الجنة، أو يصرف بهم إلى النار، ثم صاح بأعلى صوته: واسوء منصرفاه إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة!! لقد ضاقت صدورنا من الذنوب العظام، والجرائم التي لا غافر لها غيرك.

ذكر شيء من أهوال يوم القيامة

بعض ما ورد من آيات الكتاب المبين

قال الله تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية، والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

وقال تعالى: "واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب، يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير، يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير".

وقال تعالى: "إن لدينا أنكالا وجحيما، وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا" إلى قوله: "فكيفت تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا" وقال تعالى: "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين".

وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا".

وقال تعالى: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضتة يوم القيامة والسموات مطويات بيمينيه سبحانه وتعالى عما يشركون ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظزون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون".

وقال تعالى: "يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى".

وقال تعالى: "فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة".

وقال تعالى: "فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثئوا إلا عشية أو ضحاها".

وقال تعالى: "كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".

قال تعالى: "هل أتاك حديث الغاشية وجوة يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ووجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت".

وقال تعالى: "إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم".

ثم ذكر جزاء كل من هذه الأصناف الثلاثة عند احتضارهم

كما ذكرنا في تفسيرآخر هذه السور الكريمة.

وقال تعالى: "فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر".

وقال تعالى: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات و برزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب".

وقال تعالى: "رفيع الدرجات ذو العرثس يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ليذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن لملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب".

وقال تعالى: "وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير".

وقال تعالى: "إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما، كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا، خالدين فيها وساء لهم يوم القيامة حملا، يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا، يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما، ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما، وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما".

وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون".

وقال تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس، ما كسبت وهم لا يظلمون". وقال تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون".

وقال تعالى: "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".

وقال تعالى: "ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين".

وقال تعالى: "ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون،وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون، وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون، وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون، الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون".

وقال تعالى: "الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا".

وقال تعالى: "فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون".

وقال تعالى: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب".

وقال تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون".

وقال تعالى: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وماعملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد".

وقال تعالى: "حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون".

وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا يعبدون، فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين، هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون".

وقال تعالى: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه".

وقال تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا".

وقال تعالى: "وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال، وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم".

وقال تعالى: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا، الملك يؤمئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا، ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذث مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا".

وقال تعالى: ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ماكان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا".

وقال تعالى: "هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون".

وقال تعالى: "ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شئركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين كلم فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون".

وقال تعالى: "هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين".

أي لا ينطقون بحجة تنفعهم.

وقوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين، انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون".

وكذلك قوله: "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".

فهذا يكون في حال آخر، كما قال ابن عباس في جواب ذلك في رواية البخاري عنه لمن سأله عن مثل ذلك. وهكذا قوله تعالى: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين، فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون " إنا كذلك نفعل بالمجرمين، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، ويقوولن أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين".

وقال تعالى: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينطرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون، قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون، فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".

وقال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون". وقال تعالى: "فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون".

قال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون، وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون، فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون".

وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولد ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور".

وقال تعالى: "إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ".

وقال تعالى: "إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواكب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينطر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا

وقال تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم: إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سئجرت وإذا النفوش زوجت وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وإذا الصحف نشرت وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت".

وقال تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم: إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله".

وقال تعالى: "إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا".

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا عبد الله بن يحيى الصنعاني القاضي أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره: أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله : "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ": "إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت" وأحسب أنه قال: وسورة هود.

وكذا رواه الترمذي، عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق به، ثم رواه أحمد، عن إبراهيم بن خالد، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الرحمن بن يزيد من أهل صنعاء، وكان أعلم بالحلال والحرام من وهب بن منبه، عن ابن عمر فذكر نحوه.

وفي الحديث الآخر: "شيبتني هود وأخواتها". والآيات في هذا كثيرة جدا في أكثر سور القرآن العظيم.

وقد ذكرنا في كتابنا التفسير ما عند كل آية من هذه الآيات الدالة على صفة يوم القيامة من الحديث والآيات المفسرة لذلك، ونحن نورد هاهنا ما يسره الله تعالى بحول الله وقوته وعونه وحسن توفيقه.

ذكر الأحاديث والآيات الدالة على أهوال يوم القيامة وما يكون فيها من الأمور الكبار

قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، حدثني أنس بن مالك، قال: قال: رسول الله : "يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم".

انفرد به أحمد وإسناده لابأس به، وفي معنى قوله عليه الصلاة والسملام تطش عليهم احتمالان، أحدهما: أن يكون ذلك من المطر يقال أصابهم طش من مطر وهو الخفيف منه، والثاني: أن يكون ذلك من شدة الحر، والله أعلم.

وقد قال الله تعالى: "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين".

وقد ثبت في الصحيح أنهم يقومون في الرشح إلى أنصاف آذانهم، وفي الحديث الآخر أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم.

وفي حديث الشفاعة كما سيأتي: "إن الشمس تدنو من العباد يوم القيامة فتكون منهم على مسافة ميل، فعند ذلك يعرفون بحسب الأعمال".

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور: عن أبي الغيث، عنأبي هريرة أن رسول الله قال: "إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين عاما، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم". شك ثور أيهما قال.

وكذا رواه مسلم، عن قتيبة، وأخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم بن الغيث، عن أبي هريرة، عن رسول الله مثله. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سعيد بن عمير الأنصاري، قال: جلست إلى عبد الله بن عمر وأبي سعيد فقال أحدهما لصاحبه: أي شيء سمعته من رسول الله يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما: إلى شحمته، وقال الآخر: يلجمه، فخط ابن عمر وأشار أبو سعيد بأصبعه: من شحمة أذنه إلى فيه، فقال: ما أدري ذلك إلا سواء. تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليمان بن عامر، قال: حدثني المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين". قال سليم: لا أدري أي الميلين؟ أمسافة الأرض؟ أم الميل الذي تكحل به العين؟ قال: قال فتغمرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه العرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما. قال: فرأيت رسول الله يشير بيده إلى فيه قال: "يلجمه إلجاما". وكذا رواه الترمذي، عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وقال: حسن صحيح، وأخرجه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن أبي جابر نحوه.

وقال ابن المبارك: عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العرار، قال: "إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن، والسعيد الذي يجد لقدميه موضعا يضعهما وإن الشمس لتدني من رؤوسهم حتى يكون بينها وبين رؤوسهم إما قال ميل أو ميلان، ويزاد في حرها تسعة وتسعين ضعفا".

وقال الوليد بن مسلم: عن أبي بكر بن سعيد عن مغيث بن سمي قال: "تركد الشمس فوق رؤوسهم على أذرع وتفتح أبواب جهنم فتهب عليهم رياحها وسمومها، وتجري عليهم نفحاتها حتى تجري الأنهار من عرقهم، أنتن من الجيف والصائمون في خيامهم في ظل العرش.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله : "إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول: يا رب إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب". إسناده ضعيف.

بعض من سيستظلون بظل الله يوم القيامة

وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي رواية إلا ظل عرشه، إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، واثنان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا على ذلك، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه".

السابقون إلى ظل الله يوم القيامة

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن ويحيى بن إسحاق قالا: حدثنا ابن لهيعة: قال: حدثنا خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة، أن رسول الله قال: "أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم".

تفرد به أحمد وإسناده فيه ابن لهيعة، وقد تكلموا فيه، وشيخه ليس بالمشهور.

هذا كله والناس موقوفون في مقام ضنك ضيق، حرج، شديد، صعب، إلا على من يسره الله عليه، فنسأل الله العظيم، أن يهون علينا ذلك، وأن يوسع علينا، قال الله تعالى: "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا".وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا الأصبغ هو ابن يزيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني زمعة: هو ابن عمرو الحرسي الشامي، قال: سألت عائشة فقلت ما كان رسول الله يقول: إذا قام من الليل؟ وبم كان يستفتح؟. فقالت: كان يكبر عشر ويحمد عشرا ويهلل عشرا ويستغفر عشرا أو يقول: "اللهم اغفر لي واهدني وارزقني". ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم القيامة".

وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن أبي داود الحراني عن يزيد ابن هارون بإسناد مثله وعنده: "من ضيق المقام يوم القيامة".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر، سمعت ابن السماك يقول: سمعت أبا واعظ الزاهد يقول: "يخرجون من قبورهم فيبقون في الظلمات ألف عام، والأرض يومئذ دكاء، إن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدميه موضعا".

وقال: حدثني هارون بن سفيان: أخبرنا ابن نفيل، عن النضر بن عربي، قال: بلغني أن الناس إذا خرجوا من قبورهم، كان شعارهم لا إله إلا الله، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم: ربنا ارحمنا".

وحدثنا حمزة بن العباس: أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان: عن أبي صالح، قال: بلغني أن الناس يحشرون هكذا ونكس رأسه، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى".

وحدثني عصمة بن الفضل: حدثني يحيى بن يحيى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، سمعت الشامي قال: يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون فينادي مناد: "يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون".

فيطمع فيها الخلق، فيتبعها: "الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين". فييأس منها الخلق غير الإسلام.

بشارة نبوية عظيمة للمؤمنين

وروي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا يوم نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن".

قلت: وله شاهد من القرآن العظيم:

قال الله تعالى: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أبو حفص الصفار، حدثنا جعفر بن سليمان، أخبرنا إبراهيم بن عيسى اليشكري: بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره، تلقاه ملكان، مع أحدهما ديباجة فيها برد ومسك، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة، فيه شراب، فإذا خرج من قبره خلط البرد بالمسك، فرشه عليه، وصب له الآخر شربة فيتناوله إياها، فيشربها، فلا يظمأ بعدها أبدا، حتى يدخل الجنة، فأما الأشقياء والعياذ بالله تعالى فقد قال الله تعالى في شأنهم: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشركون".

وذكرنا في التفسير: أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه، فيلزمه ولا يفارقه حتى يرمى بهما إلى النار، وقال تعالى: "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد".أي ملك يسوقه إلى المحشر، وآخر يشهد عليه بأعماله، وهذا عام في الأبرار والفجار، وكل بحسبه، "لقد كنت في غفلة من هذا" يعني أيها الإنسان "فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" أي نافذ قوي. "وقال قرينه هذا ما لدي عتيد" أي هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به، فيقول الله تعالى للسائق والشهيد: "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد".

بعض جزاء المتكبرين يوم القيامة

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يدخلوا سجنا من جهنم يقال له مويس، فتعلوهم نار الإسار، فيسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار".

ورواه الترمذي والنسائي جميعا، عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان به، قال الترمذي: حسن.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عثمان العقيلي، حدثنا محمد بن راشد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يحشر المتكبرون في صور من الذر يوم القيامة".

ثم قال: تفرد به محمد بن عثمان، عن شيخه الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد: عن هشام، أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله كان في بعض أسفاره، وقد تقارب بين أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم "يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".

فلما سمع ذلك أصحابه، حثوا المطي وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما باتوا حوله قال أتدرون أي يوم ذاك؟ يوم ينادي آدم: يناديه ربه يقول: يا آدم: ابعث بعث النار قال: يا رب: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال: فأبلس أصحابه ما ترى لأحدهم سن ضاحكة، فلما رأى ذلك، قال: اعلموا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده، إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس، قال: فسري عنهم ثم قال: اعلموا وابشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير والرقمة في ذراع الدابة".

وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا، عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان به.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

فصل

فإذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض على غير صفة الأرض التي فارقوها قد دكت جبالها، و زالت قلالها وتغيرت أحوالها، وانقطعت أنهارها، و بارت أشجارها، وسجرت بحارها، وتساوت مهادها ورباها، وخربت مدائنها وقراها، وقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال الإنسان ما لها، وكذلك السموات، ونواحيها، قد تشققت، وأرجاؤها قد تفطرت، والملائكة على أرجائها قد أحدقت وشمسها وقمرها مكسوفان، بل مخسوفان وفي مكان واحد مجموعان، ثم يكوران بعد ذلك، ثم يلقيان كما جاء في الحديث الذي سنورده في النيران كأنهما ثوران عقرا.

قال أبو بكر بن عياش: قال ابن عباس: يخرجون فينظرون إلى الأرض فيرونها غير الأرض التي عهدوا، وإلى الناس فيرونهم غير الناس الذين عهدوا، ثم تمثل ابن عباس يقول الشاعر:

فما الناس بالناس الذين عهدتهم........ولا الدار بالدار التي كنت أعرف

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار".وقال تعالى: "فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وقال تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا يخفى منكم خافية".

وقال تعالى: "إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت".

وقال: "إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت".

وثبت في الصحيح، من حديث أم حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي قال: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد".

وقال محمد بن قيس: وسعيد بن جبير: "إنه تبدل الأرض خبزة بيضاء، يأكل منها المؤمن من تحت قدميه".

وقال الأعمش: عن خيثمة عن ابن مسعود، قال: "الأرض كلها يوم القيامة نار، والجنة من ورائها، ترى كواعبها، وأكوابها، ويلجمهم العرق، ويبلغ أفواههم، ولم يبلغوا الحساب".

وكذا رواه الأعمش، عن المنهال بن. قيس بن سليمان، عن ابن مسعود فذكره وقال اسرائيل، وشعبة: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود، قال: "يوم تبدل الأرض غير الأرض". قال: أرض كالفضة، نقية لم يسفك عليها دم، ولم تعمل فيها خطيئة، يضمهم المحشر، ويناديهم الداعي، حفاة، عراة، كما خلقوا، أراه قال: قياما حتى يلجمهم العرق، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل، قال: قال الحسن: قالت عائشة: يا رسول الله: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات أين الناس؟" قال: "إن هذا الشيء ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك، الناس على الصراط".

تفرد به أحمد، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرنا القاسم بن الفضل: سمعت الحسن قال: قالت عائشة: فذكره ورواه قتادة، عن حسان بن بلال المزني، عن عائشة، بمثل هذا سواء.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبيد الله بن جرير العتكي، قال: حدثني محمد بن بكار الصيرفي، أخبرنا الفضل بن معروف القطيعي، أخبرنا بشر بن حرب، عن أبي سعيد، عن عائشة، قالت: بينما النبي واضع رأسه في حجري بكيت، فرفع رأسه، فقال: ما أبكاك قلت: بأبي أنت وأمي: ذكرت قول الله عز وجل: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار". فقال النبي : "الناس يومئذ على جسر جهنم والملائكة وقوف تقول: رب سلم: رب سلم: فمن بين زال وزالة". هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد من الستة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله عن هذه الآية: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار" قالت: قلت أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "على الصراط".

وأخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه، والترمذي، وابن ماجه، من حديث داود بن أبي هند، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه أحمد أيضا عن عفان، عن وهب، عن داود، عن الشعبي عنها، ولم يذكر مسروقا.

وروى أحمد أيضا من حديث حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن عائشة، أنها سألت رسول الله عن هذه الآية، ثم قالت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "هم على متن جهنم".

وروى مسلم من حديث أبي سلام، عن أسماء الرحبي، عن ثوبان، أن حبرا من اليهود سأل رسول الله عن هذه الآية: أين نكون يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فقال رسول الله : "في الظلمة دون الجسر".

وقال ابن جرير: حدثني ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا سعد بن ثوبان الكلاعي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: تأتى النبي حبر من اليهود، فقال أرأيت إذ يقول الله في كتابه: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات" فأين الخلق عند ذلك فقال: "أضياف الله، فلن يعجزهم ما لديه".

وكذا رواه ابن أبي حاتم: من حديث أبي بكر بن أبي مريم.

وقد يكون هذا التبديل بعد المحشر، ويكون تبديلا ثانيا إلى صفة أخرى بعد أولى، والله تعالى أعلم.

قال ابن أبي الدنيا: أخبرنا يوسف بن موسى، حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن مالك، عن رجل من بني مجاشع يقال له عبد الكريم، أو يكنى بأبي عبد الكريم، قال: أقمت عند رجل بخراسان، فحدثني أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات". قال: "ذكر لنا أن الأرض تبدل فضة والسموات تبدل ذهبا".

وكذا روى ابن عباس وأنس بن مالك ومجاهد بن جبير وغيرهم.

ذكر طول يوم القيامة وما ورد في تعداده

قال الله تعالى: "ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون".

قال بعض المفسرين هو يوم القيامة وقال تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله في المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا".

وقد ذكرنا في التفسير اختلاف السلف والخلف في هذه الآية، فروى ليث بن أبي سليم وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: "هو بعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة" قال ابن عباس: وقوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: هو بعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة. قال ابن عباس وقوله: "في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون".

يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض وصعوده من الأرض إلى السماء، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن مجاهد أيضا، وذهب إليه الفراء، وقاله أبو عبد الله الحليمي فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور، قال الحليمي: والملك يقطع هذه المسافة فى بعض يوم، ولو أنها مسافة يمكن أن تقطع لم يتمكن أحد من مسيرها إلا في مقدار خمسين ألف سنة، قال: وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل، ورجح الحليمي هذا بقوله: "من الله ذي المعارج" يعني العلو والعظمة كما قال تعالى: "رفيع الدرجات ذو العرش".

ثم فسر ذلك بقوله: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم" أي في مسافة "كان مقداره خمسين ألف سنة"، أي بعدها واتساعها هذه المدة.

فعلى هذا القول، المراد بذلك مسافة المكان، هذا قول والقول الثاني: أن المراد بذلك مدة الدنيا.

قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله تعالى: "كان مقداره خمسين ألف سنة". قال: الدنيا عمرها خمسون ألف سنة، ذلك عمرها يوم سماها تعالى يوما. فقال: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم" قال: اليوم الدنيا.

وقال عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل، وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور، عن معمر به، وهذا قول غريب جدا لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة والله أعلم.

القول الثالث: المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة، رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي وهو غريب أيضا.

القول الرابع: أن المراد بذلك يوم القيامة قال ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، قال: يوم القيامة إسناده صحيح، ورواه الثوري عن سماك، عن عكرمة من قوله وبه قال الحسن والضحاك وابن زيد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس، أخبرنا الحسن بن رافع أخبرنا ضمرة، عن شوذب، عن زيد الرشد، قال: يقوم الناس يوم القيامة ألف سنة ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.

وقال الكلبي في تفسيره: وهو يرويه عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: "لو ولي محاسبة العباد غير الله لم يفرغ في خمسين ألف سنة".

قال البيهقي: وفيما ذكر حماد بن زيد، عن أيوب قال: قال الحسن: ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى تقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا ثم انصرف بهم بعد ذلك إلى النار فسقوا من عين آنية قد أنى حرها واشتد نضجها وقد ورد هذا في أحاديث متعددة والله أعلم.

يوم القيامة على طوله وشدته أخف على المؤمن من أداء صلاة مكتوبة

قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول الله : "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم، فقال رسول الله : "والذي نفسي بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا".

ورواه ابن جرير في تفسيره عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به ودراج أبو السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العيواري ضعيفان. على أنه قد رواه البيهقي بلفظ آخر فقال: أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، وكان رجلا من الخائفين قال: سمعت دراجا أبا السمح يخبر من يحدثه، عن أبي سعيد الخدري، أنه أتى رسول الله فقال: أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى فيه: "يوم يقوم الناس لرب العالمين". فقال : "يخفف على المؤمن حتى يكون عليه كالصلاة المكتوبة".

وقال عبد الله بن عمرو: "إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور، يجلسون عليها، ويظلل عليهم الغمام، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار أو كأحد طرفيه". رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال.

بعض ما أعد من العذاب لمانعي الزكاة

وقال أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه، إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جبهته وجنباه وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار".

وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم والإبل أنه ينطح لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها، حتى يقضي بين العباد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار".

وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، أخبرنا وهيب بن خالد، وكان ثقة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي فذكر نحوه، وأخرجه مسلم، من حديث روح بن القاسم وعبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، به مثله، وأخرجه مسلم أيضا من حديث زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم.

وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، من حديث شعبة والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن ابن عمر الغداني، عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي يقول: "من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدها ورسلها يعني في عسرها ويسرها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغزر ما كانت، وأكثره، وأسمنه، وأسره حتى ينطح لها بقاع قرقر، فتطأه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله، وإن كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغد ما كانت، وأكبره، وأسمنه، وأسره وأكثره وأنشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطأه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، إذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله".قال البيهقي: وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين ألف سنة مما تعدون والله أعلم.

يوم القيامة طويل عسير على العصاة وهو على أهل التقوى غير طويل ولا عسير

ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين، فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الحسن بن محمد بن حكيم، أخبرنا أبو الموجه، أخبرنا عبدان، أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة قال: "يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر إلى العصر" ثم قال: هذا هو المحفوظ.

وقد روي مرفوعا أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثني عبد الله بن عمر، ابن علي الجوهري بمرو، حدثنا يحيى بن سويد بن عبد الكريم، حدثنا سويد بن نصر، حدثنا ابن المبارك، فذكره بإسناده مرفوعا.

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانىء، عن أبي عبد الرحمن الحلبي، عن عبد الله بن عمرو قال: "تلا رسول الله هذه الآية: "يوم يقوم الناس لرب العالمين". فقال: "كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم"؟ وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ: "إن مقيلهم لإلى الجحيم". قال ابن المبارك هكذا في قراءة ابن مسعود.

ثم قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ميسرة الهندي، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خيز مستقرا وأحسن مقيلا". قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء.

ذكر المقام المحمود الذي يخص به رسول الله صلى الله عليه وسلم

من بين سائر الأنبياء ومن ذلك الشفاعة العظمى في أهل الموقف ليجيء الرب عز وجل فيفصل بينهم ويريح المؤمنين من تلك الحال إلى حسن المآل قال الله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا".

قال البخاري: حدثنا علي بن عباس، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله قال: "من قال حين يسمع النداء: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة". انفرد به مسلم.

الشفاعة هي المقام المحمود

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا داود، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن المعافري عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي : "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". قال: الشفاعة" إسناده حسن. أعطي الرسول عليه الصلاة والسلام خمسا لم يعطهن أحد من أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم أجمعين.

وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وغيره، عن رسول الله أنه قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهرا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة".

فقوله وأعطيت الشفاعة. يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم فيقول: لست بصاحب ذاكم، اذهبوا إلى نوح، فيقول لهم كذلك، ويرشدهم إلى إبراهيم، فيرشدهم إلى موسى، ويرشدهم موسى إلى عيسى، فيرشدهم عيسى إلى محمد فيقول: "أنا لها أنا لها".

وسيأتي ذلك مبسوطا في أحاديث الشفاعة في إخراج العصاة من النار وقد ذكرنا طرق هذا الحديث بطوله عن جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية الكريمة من كتابنا التفسير بما فيه كفاية.

الرسول عليه السلام سيد ولد آدم يوم القيامة

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع".

ولمسلم أيضا عن أبي بن كعب رضي الله عنه، في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف، قال رسول الله فقلت: "اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إلى الخلائق حتى إبراهيم".

الرسول إمام الأنبياء يوم القيامة

وقال أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي: حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي كعب، عن أبيه، عن النبي قال: "إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء، وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر".

ورواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثني محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله قال: "يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود".

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن خبر، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله : "أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه، فأنظر من بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله كيف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ فقال : هم غر محجلون من أثر الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم بأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم يسعى بين أيديهم ذريتهم".

وقال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس قال: حدثني نبي الله قال: "إني لقائم أنتظر أمتي بعد الصراط، إذا جاءني عيسى عليه الصلاة والسلام فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد، يسألونك، أو قال: يجتمعون إليك، يدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث شاء الله. فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت فيه، فقال: انتظر حتى أرجع إليك، فذهب نبي الله فقام تحت العرش، فيلقى ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد وقل له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فتشفعت في أمتي، فأخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا، فما زلت أتردد إلى ربي، فلا أقوم فيه مقاما إلا شفعت، حتى أعطاني الله من ذلك أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من قال: أشهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك".

وروى الإمام أحمد من حديث علي بن الحكم البناني عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود فذكر حديثا طويلا وفيه أن رسول الله قال: "وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة".

فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله: وما ذاك المقام المحمود قال: "ذاك إذا جيء بكم حفاة، عراة، غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله سبحانه: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون" قال: "ويفتح لهم من الكوثر إلى الحوض". وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي قريبا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن مسلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله قال: "يطول على الناس يوم القيامة فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا، فيأتون إليه فيقولون اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين فيأتونه فيقولون يا نوح: اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول إنا لست هناكم ولكن ائتوا ابراهيم نبي الله وخليله، قال: فيأتونه فيقولون يا إبراهيم إشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا موسى كليم الله الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه فيأتونه فيقولون يا موسى: إشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا محمدا، فإنه خاتم النبيين وإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه هل كان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم فيقولون: لا فيقول إن محمدا خاتم النبيين قال رسول الله : "فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فأقول: نعم فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد فيفتح لي فأخر ساجدا فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد يكون بعدي، فيقول: ارفع رأسك وقل يسمع منك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. قال: فأخرجهم ثم أخر ساجدا".

وقد رواه البخاري ومسلم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به.

رواية أبي هريرة رضي الله عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حيان حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله بلحم فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهش منها نهشة ثم قال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينقدهم البصير وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه وما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة ليسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت المرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه كانت لي دعوة على قومي: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى عليه السلام فيقولون يا موسى: أنت رسول الله اصطفاك برسالاته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم موسى إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها. نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى عليه السلام فيقولون يا عيسى: أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه قال هكذا هو وكلمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا. فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد فيأتوني، فيقولون يا محمد: أنت رسول الله وخاتم النبيين غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فاشفع لنا الى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فأقوم فأقف تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي فيقال: يا محمد إرفع رأسك سل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي يا رب أمتي أمتي يارب أمتي أمتي فيقول: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سواه من أبواب، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة. لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى". أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن حبان يحيى بن سعيد بن حبان به، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال، عن أبي خيثمة، عن جرير، عن عمار بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي فذكر الحديث بطوله، وزاد في السياق: "وإني أخاف أن يطرحني في النار انطلقوا إلى غيري في قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى" وهي زيادة غريبة جدا ليست في الصحيحين ولا في أحدهما، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نصرة المنذر بن مالك بن قطعة قال: خطبنا ابن عباس رضي الله عنهم على منبر البصرة فقال: قال رسول الله : "إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد استجيبت في الدنيا وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر. آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر ويطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبينا فيشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول: إني لست هناكم أني قد خرجت من الجنة وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين فذكر الحديث كنحو ما تقدم إلى أن قال: فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا الى ربك فليقض بيننا فيقول: أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذا أراد الله أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته؟ فنحن الآخرون الأولون آخر الأمم وأول من يحاسب فتفرج لنا الأمم طريقا فنمضي غرا محجلين من الوضوء فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها فآتي باب الجنة".

وذكر تمام الحديث في الشفاعة في عصاة هذه الأمة، وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى في أن يأتي الرب لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور كما تقدم، وهو المقصود في هذا المقام، ومقتضى سياق أول الحديث أن الناس إنما يستغيثون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء طمعا في أن يفصل بين الناس ويستريحوا من مقامهم ذلك، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى المحشر فإنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكان مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها يذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم وموسى وعيسى، ثم يأتون رسول الله فيذهب فيسجد لله تحت العرش في مكان يقال له الفحص فيقول الله ما شأنك؟ وهو أعلم قال رسول الله : "فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول الله: قد شفعتك، قال: فأرفع رأسي فأقف مع الناس ثم ذكر انشقاق السموات وتنزل الملائكة والغمام ثم مجيء الرب تعالى لفصل القضاء والكروبيون والملائكة المقربون يسبحون بأنواع التسبيح قال: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرض ثم يقول: إني أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم وأرى أعمالكم فأنصتوا لي، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد منكم خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسن زين العابدين، قال: قال رسول الله : "إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه". قال رسول الله : "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن عز وجل، والله ما رآه قبلها فأقول أي رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته لي فيقول الله: صدق ثم اشفع، فأقول يا رب عبادك الذين عبدوك والذين لم يعبدوك في أطراف الأرض أي وقوف في أطراف الأرض أي الناس مجتمعون في صعيد واحد مؤمنهم وكافرهم فيشفع عند الله ليأتي فصل القضاء بين عباده ويميز مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير وفي الحال والمآل" ولهذا قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل في قوله تعالى: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". هو المقام الذي يقومه رسول الله يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.

وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، سمعت ابن عمر قال: إن الناس يسيرون يوم القيامة حثيثا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا.

قال: ورواه حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي

سؤال الناس يسبب سقوط لحم وجه السائل يوم القيامة

وقد أسند ما علقه هاهنا في موضع آخر من الصحيح فقال في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله : "لا يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعمة لحم" وقال: "إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الآذان فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد". زاد عبد الله ابن يوسف، حدثني الليث، عن أبي جعفر. "فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم".

وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب بن الليث، عن أبيه به نحوه والله سبحانه وتعالى أعلم.

ذكر ما ورد في الحوض المحمدي

سقانا الله منه يوم القيامة، من الأحاديث المشهورة المتعددة من الطرق المأثورة الكثيرة المتضافرة وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة المكابرة القائلين بجحوده المنكرين لوجوده وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها، ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها.

بعض الصحابة الكرام الذين صدقوا بالحوض وآمنوا بكونه يوم القيامة ورووا الأحاديث فيه

روي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، منهم أبي بن كعب، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وحارثة بن وهب، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعقبة بن عامر الجهمي، والنواس بن سمعان، وأبو أمامة الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعاد علينا من بركاتهم، وامرأة حمزة عم رسول الله ، وهم من بني النجار.

رواية أبي بن كعب الأنصاري سيد الفقراء رضي الله تعالى عنه من شرب من الحوض روي فلم يظمأ أبدا ومن حرم الشرب منه حرم الري أبدا

قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي. حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب أن رسول الله ذكر الحوض فقال أبي بن كعب: يا رسول الله ما الحوض؟ فقال: "أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا ومن صرف عنه لم يرو أبدا".

ورواه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، فذكر بإسناده نحوه. ولفظه: قيل يا رسول الله وما الحوض؟ قال: "والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك وآنيته أكثر عددا من النجوم لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدا".

لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ولا الإمام أحمد أيضا.

رواية أنس بن مالك رضي الله عنه الأنصاري خادم النبي

قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء".

وكذا رواه مسلم أيضا عن حرملة بن وهب رضي الله تعالى عنه.

طريق أخرى هن أنس بن مالك رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي قال: "ليردن علي الناس من أصحابي، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

ورواه مسلم: عن محمد بن حاتم عن عفان، عن وهيب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به.

الكوثر نهر في الجنة أعطيه رسول الله ، طريق أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أغفى رسول الله إغفاءة فرفع رسول الله رأسه مبتسما إما قال هو، وإما قالوا له: "لم ضحكت، فقال رسول الله : "إنه أنزلت علي آنفا سورة، فقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر". حتى ختمها ثم قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي، فيقال: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

وهذا ثلاثي الإسناد، ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث محمد بن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس به.

ولفظ مسلم: "هو نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة". والباقي مثله.

ومعنى ذلك أنه يشخب من الكوثر ميزابان إلى الحوض، والحوض في العرصات، قبل الصراط، لأنه يختلج عنه ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم ومثل هؤلاء لا يجازون الصراط، كما سيرد من طرق متعددة، وقد جاء مصرحا به أنه في العرصات، كما ستراه قريبا، إن شاء الله تعالى.

طريق أخرى عن أنس رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشيم، عن قتادة، أن رسول الله قال: "مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء، ومثل ما بين المدينة وعمان".

ورواه مسلم: عن أبي عامر، عن عبد الملك بن عمرو، وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأول، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس بنحوه.

طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله

قال أحمد: حدثنا يونس، وحسن بن موسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة رضي الله عنه، ورواه أحمد أيضا عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زياد، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه، أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره وقال: ما الحوض فبلغ ذلك أنسا رضي الله عنه، فقال: لا جرم والله لأفعلن فأتاه فقال: ذكرتم الحوض فقال عبيد الله: سمعت رسول الله يذكره، فقال: نعم سمعت رسول الله أكثر من كذا وكذا مرة يقول: "إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة، أو ما بين صنعاء ومكة، وإن آنيته لأكثر من عدد نجوم السماء" انفرد به أحمد.

وقد رواد يحيى بن محمد بن ساعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث بن عبد الله الحمراني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : "حوضي ما بين كذا إلى كذا، فيه من الآنية عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب لم يرو أبدا".

طريق أخرى عن أنس بن مالك خادم رسول الله

قال الحافظ أبو يعلى: حدثني عبد الرحمن هو ابن سلام، حدثنا أحمد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أن عبد الله بن زياد قال: يا أبا حمزة: هل سمعت رسول الله يذكر الحوض فقال: "لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد ".

طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله

قال أبو يعلى أيضا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي قال: قلت يا أبا حمزة: "إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك، فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة، قلت: ويكذبون بالحوض: فقال: سمعت رسول الله يقول: "إن لي حوضا كما بين إيلياء إلى الكعبة أو قال: صنعاء، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل فيه آنية عدد نجوم السماء ينبعث فيه عدة ميزابات من الجنة من كذب به لم يصب منه الشرب". صدق رسول الله .

طريق أخرى عنه رضي الله عنه

قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله : "حوضي من كذا إلى كذا، فيه من الآية عدد النجوم، أطيب ريحا من المسك، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا".

ثم قال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإسناد ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس رضي الله عنه سواه، ولا رواه إلا المسعودي، وهذا إسناد جيد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب، ولا أحمد بن حنبل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

طريق أخرى عن أنس أيضا خادم رسول الله

قال ابن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن الصباح، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس، عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "رأيت حوضي، فإذا على حافتيه آنية مثل نجوم السماء، فأدخلت يدي فإذا هو عنبر أذفر".

رواية بريدة رضي الله تعالى عنه ابن الخصيب الأسلمي

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن يمان، عن عائذ بن بشر البجلي، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "حوضي كما بين عمان إلى اليمن، فيه آنية عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا".

وهكذا رواه ابن صاعد، وابن أبي الدنيا، عن عبد الله بن وضاح الأزدي اللؤلؤي، عن يحيى بن يمان به.. ولفظه: "حوضي ما بين عمان واليمن فيه آنية عدد النجوم، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، واللبن من الزبد، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا". لم يخرجوه.

رواية ثوبان رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سالم بن معدان، عن ثوبان رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "أنا بعقر حوضي يوم القيامة، أذود عنه الناس لأهل اليمن وأضربهم بعصاي، حتى يرفض عنهم قال: قيل: يا رسول الله، ما سعته؟ قال: من مقامي إلى عمان يغت فيه ميزابان يمدانه".

ورواه أحمد أيضا عن عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة، وعن عبد الوهاب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة به فسئل رسول الله عن عرضه فقال: "من مقامي هذا إلى عمان".

وقال عبد الرزاق: "ما بين بصرى وصنعاء أو ما بين أيلة ومكة". أو قال: "من مقامي هذا إلى عمان".

وسئل عن شرابه فقال: "أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، ينبعث فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق".

وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر، هو ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان رضي، لله عنه، أن نبي الله قال: "أنا عند عقر حوضي، أذود عنه الناس لأهل اليمن، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفضوا". قال: وسئل نبي الله عن سعة الحوض فقال: "من مقامي هذا إلى عمان، ما بينهما شهر أو نحو ذلك". فسئل رسول الله عن شرابه فقال: "أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، بعث فيه ميزابان، مداده أو مدادهما من الجنة، أحدهما ورق والآخر ذهب".

وهكذا رواه مسلم عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار ثلاثتهم عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بنحوه.

من مظاهر خشية عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه

طريق أخرى عن ثوبان أيضا رضي الله تعالى عنه وأرضاه

قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم اللخمي، قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي، يسأله عن الحوض فحمل إليه على البريد، فقدم به عليه، فسأله فقال: سمعت ثوبان رضي الله عنه: سمعت رسول الله يقول: "إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين"، فقال عمر بن الخطاب من هم يا رسول الله؟ قال: "هم الشعث رؤوسا الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات المتمتعات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت المتنعمات وفتحت لي السدد إلا أن يرحمني الله والله لا أدهن رأسي حتى تشعث ولا أغسل ثوبي الذي بلى جسدي حتى يتسخ".

ورواه أيضا الترمذي في الزهد عن أنس بن إسماعيل، عن يحيى بن صالح. وابن ماجه فيه، عن محمود بن خالد الدمشقي، عن مروان بن محمد الطاطري كلاهما عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم عن أبي سلام به قال: شيخنا المزي في أطرافه، ورواه اليزيد بن مسلم عن يحيى بن الحارث وشيبة بن الأحنف وغيرهما عن أبي سلام، وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة. حدثنا زيد بن واقد، حدثني بشر بن عبيد الله، حدثنا أبو سلام الأسود، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "حوضي بين عدن إلى عمان أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك أكاويبه كنجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأكثر الناس عليه ورودا فقراء المهاجرين قلنا: ومن هم؟ قال: الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتمتعات ولا تفتح لهم أبواب السدد الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون الذي لهم" وهذه طريق جيدة أيضا، والله الحمد، والمنة.

رواية جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه الرسول فرط لأمته يوم القيامة على الحوض المورود

قال أبو يعلى: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا أبي، حدثنا زياد بن خيثمة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، عن رسول الله قال: "إني فرطكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيها النجوم" وهكذا رواه مسلم عن أبي همام، به وقال: "أنا فرط لكم على الحوض". والباقي مثله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

رواية جابر بن سمرة أيضا رضي الله سبحانه وتعالى عنه

قال مسلم: وحدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت الى جابر بن سمرة مع غلامي نافع، أخبرني بشيء سمعته من رسول الله قال: فكتب إلي إني سمعته يقول: "أنا الفرط على الحوض".

رواية جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما

وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله : "أنا على الحوض، أنظر من يرد علي، قال: فيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب هؤلاء مني ومن أمتي، قال: يقال: وما يدريك ما عملوا بعدك؟ ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم.

قال جابر رضي الله عنه: قال رسول الله : "الحوض مسيرة شهر، وزواياه يعني عرضه مثل طوله، وكيزانه مثل نجوم السماء، أطيب ريحا من المسك، وأشد بياضا من اللبن، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا".

هذا إسناد صحيح، على شرط مسلم، ولم يروه، وقد روي من طريق زكريا عن أبي الزبير، عن جابر، بستة أحاديث ليس هذا منها.

الرسول مكاثر بأمته يوم القيامة، وهو يأمرهم ألا يرجعوا كفارا بعده يقتل بعضهم بعضا

طريق أخرى عن جابر أيضا رضي الله تعالى عنه وأرضاه

قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرجي، حدثنا عبيدة بن الأسود، عن مجالد، عن عامر هو الشعبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: "إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم فلا ترجعوا بعدي كفارا، يقتل بعضكم بعضا، فقال رجل: يا رسول الله ما عرضه؟ قال: ما بين أيلة أحسبه قال: إلى مكة، فيه مكايل أكثر من عدد النجوم، لا يتناول مؤمن منها واحدا فيضعه من يده حتى يتناوله أخوه".

ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه، ورواه ابن أبي الدنيا، عن أبي عبد الرحمن القرشي، عن عبيدة بن الأسود به.

رواية جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك قال: سمعت جندبا يقول: سمعت النبي يقول: "أنا فرطكم على الحوض".

ورواه مسلم، من حديث شعبة، وزائدة، ومسعر، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن عمر به.

ورواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة ثم قال: قال سفيان: الفرط الذي يسبق.

رواية جارية بن وهب الخزاعي رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا جرير بن عمارة، حدثنا شعبة عن معبد بن خالد، أنه سمع جارية بن وهب يقول سمعت النبي يقول وذكر الحوض فقال: "كما بين المدينة وصنعاء". وزاد ابن أبي عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن جارية بن وهب سمع النبي وقال: "حوضه ما بين صنعاء والمدينة".

فقال له المستورد: "ألم تسمعه؟ قال: ألا وإني، قال: لا، فقال المستورد: نرى فيه: "الآنية مثل الكواكب".

وقال: رواه مسلم، عن محمد بن عرعرة، عن حرمي بن عمارة، عن شعبة، كما ساقه البخاري، ورواه عن محمد بن عبد الله، وهو ابن أبي عدي، عن شعبة كما ذكره البخاري سواء، والمستورد هذا هو ابن شداد بن عمرو الفهري، صحابي جليل، علق له البخاري، وأسند ذلك مسلم، وروى له أهل السنن الأربعة، وله أحاديث.

رواية حذيفة بن أسيد رضي الله عنه

عن أبي شريحة الغفاري، أنبأنا عن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله أنه قال في الجزء الذي جمعه في أحاديث الحوض: أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني بها: أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم قراءة عليه وهو حاضر، أخبرنا أحمد بن عبد الله يعني أبا نعيم الأصبهاني، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا زيد بن الحسن، حدثنا معروف بن خربوذ، حدثنا أبو الطفيل، عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: لما صدر النبي عن حجة الوداع قال: "أيها الناس إني فرطكم على الحوض، إنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى، وصنعاء فيه أكواب عدد النجوم" لم يروه من أصحاب الكتب أحد ولا أحمد أيضا.

رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنه العبسي

قال أبو القاسم البغوي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن سعد بن طارق، عن ربع بن حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، وهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال، كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه، قال قيل: يا رسول الله: تعرفنا يومئذ؟ قال: نعم، تردونه علي غرا محجلين من آثار الوضوء، وليست لأحد غيركم".

رواه مسلم، عن عثمان بن أبي شيبة، بنحوه، وعلقه البخاري فقال: حصين عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي والله سبحانه وتعالى أعلم.

رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه

قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال عمرو بن مرة، أخبرني قال: سمعت أبا حمزة يقول: إنه سمع زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله في سفر، فنزل منزلا فسمعته يقول: "ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض من أمتي". قلت لزيد: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة.

وكذا رواه عن أبي هاشم، عن شعبة، ورواه أبو داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة، قلت: وأبو حمزة هذا هو طلحة بن يزيد الأنصاري مولى قرظة بن كعب، والله سبحانه وتعالى أعلم.

النار جزاء من يتعمد الكذب على رسول الله رواية أخرى عن زيد بن أرقم أيضا رضي الله عنه

قال الحافظ البيهقي: أخبرنا عبد الله الحافظ أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا حفص بن عون، أخبرنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب، حدثنا يزيد بن حيان التيمي، قال: شهدت ابن أرقم وقد بعث إليه عبيد الله بن زياد فقال: ما أحاديث بلغني عنك أنك تحدث بها عن رسول الله تزعم أن له حوضا في الجنة فقال: حدثنا ذاك رسول الله ووعدناه، فقال: كذبت، لكنك شيخ قد خرفت، قال: أما إنه سمعته أذناي من رسول الله وسمعته يقول: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" وما كذبت على رسول الله .

وأما رواية سلمان الفارسي رضي الله عنه، فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله، من حديث زيد بن علي بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله آخر يوم من شعبان فقال: "يا أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم مبارك".

وذكر تمام الحديث بطوله في فضل شهر رمضان إلى أن قال: "من أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة".

فصل لكل نبي حوض يوم القيامة يتباهون أيهم أكثر ورادا

رواية سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- الفزاري

قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا إبراهيم بن المعتمر، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد هو ابن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي قال: "لكل نبي حوض، يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة".

وكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن محمد بن نيزك، عن محمد بن بكار بن بلال، عن سعيد بن بشير، وقال: هذا حديث غريب، والله سبحانه وتعالى أعلم.

رواية سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي : "إني فرطكم على الحوض، من مر علي يشرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم".

قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل فقلت: نعم، فقلت: أشهد على أبي سعيد الخدري أننا نسمعه وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي".

فقال ابن عياش: سحقا بعدا، ويقال: سحيق، بعيد، وأسحقه: أبعده. تفرد به من هذا الوجه والله أعلم.

رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المدني

ثبت في الصحيحين عنه أن رسول الله لما قسم غنائم حنين فأعطى من أعطى من صناديد قريش والعرب فغضب بعض الأنصار فخطب قال لهم فيما قال: "إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

قال أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، حدثنا الليث بن أبي سليم البزاز، عن عبد الملك بن صعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: "إني آخذ بحجزكم، أقول: إياكم وجهنم، وإياكم والحدود، ثلاث مرات، وإن أنا مت تركتكم، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح، ويؤتى بقوم فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب، أحسبه قال: فيقال إنهم ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم".

ثم قال: تفرد به ليث، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير.

وقال البخاري: في باب الحوض من صحيحه: حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "الكوثر هو الخير الكثير الذي أعطاه الله للرسول عليه الصلاة والسلام".

قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير إن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال: من الكوثر إلى الحوض ميزابان من ذهب وفضة".

طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما

قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا محمد بن عبد الواهب الحارثي، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي اله عنهما قال: قال رسول الله : "حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء، وأكوابه عدد نجوم السماء ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب يعني ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا".

طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال: "والذي نفسي بيده إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردن حياض الأنبياء ويبعث الله بسبعين ألف ملك في أيديهم عصى من نار، يذودن الكفار عن حياض الأنبياء".

رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع: عن بن عمر، عن النبي قال: "إن أمامكن حوضا كما بين جرباء وأذرح".

ورواه أحمد، عن يحيى القطان، ورواه مسلم من حديث عبيد الله وأيوب وموسى بن عقبة وغيرهم عن نافع، وفي بعض الروايات: "أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح، وهما قريتان بالشام فيه أباريق عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا".

طريق أخرى عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عمر بن عمرو أو عثمان بن عمرو الأحموسي، حدثنا المخارق بن أبي المخارق، عن عبد الله بن عمر، أنه سمعه يقول: إن النبي قال: "حوضي كما بين عدن وعمان، أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين، قال قائل: ومن هم يا رسول الله قال: الشعثة رؤوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا تفتح لهم أبواب السدد، ولا ينكحون المنعمات، الذي يعطون كل الذي عليهم، ولا يأخذون الذي لهم". تفرد به أحمد.

طريق أخرى عنه رضي الله تعالى عنه

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، حدثنا عطاء بن السائب قال: قال محارب بن دثار: ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت: كان سعيد بن جبير يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت: "إنا أعطيناك الكوثر" قال لنا رسول الله : "هو نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب ريحا من المسك، وطعمه أحلى من العسل، وماؤه أشد بياضا من الثلج".

ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

قال البخاري: حدثنا شعبة بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عبد الله بن عمرو: قال النبي : "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا".

ورواه مسلم عن داود بن عمر، عن نافع، عن عمر، به.

طريق أخرى أيضا عنه رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا حسين المعلم، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي سبرة، واسمه سالم بن سبرة، قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض، حوض محمد ، وكان يكذب به بعدما سأل أبا بريدة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمر، ورجلا آخر، وكان يكذب فقال أبو سبرة: أما أحدثك بحديث فيه شفاء هذا إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني بما سمع من رسول الله قال: "إن الله لا يحب الفحش والتفاحش، أو يبغض الفحش والمتفحش، ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم وسوء المجاورة وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وقال: ألا إن موعدكم حوضي عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكة، وهو مسيرة شهر، فيه مثل النجوم أباريق، شرابه أشد بياضا من الفضة، من شرب منه شرابا لم يظمأ بعده أبدأ". قال: فقال عبيد الله:ما سمعت في الحوض، حديثا أثبت من هذا وأصدق وأخذ الصحيفة فحبسها عنده.

طريق أخرى عنه

قال أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمود بن بكر، عن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن عمر الليثي، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: "إن لي حوضا في الجنة، مسيرته شهر، وزواياه سواء، ريحه أطيب من المسك، ماؤه كالورق، أقداحه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا".

ثم قال: يعلم بما روى عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر.

طريق أخرى أيضا

رواها الطبراني عن أبي برزة رضي الله عنه من رواية أبى الوازع جابر ابن عمرو عن أبي برزة، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة الى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه مرزابان ينبعثان من الجنة من ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأبرد من الثلج، فيه أباريق عدد نجوم السماء".

رواها الطبراني وابن حيان في صحيحه من رواية أبي الوازع واسمه جابر بن عمرو عن أبي برزة.

رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، عن النبي قال: "أنا فرطكم على الحوض".

قال البخاري: وحدثنا عمرو بن علي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن المعتمر، سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم يحتجزون دوني، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

تابعة عن أبي وائل وقال: حصين عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي .

طريق أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه في الحوض وغيره

قال الإمام أحمد: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي فقالا: "إن أمنا تكرم الزوج، وتعطف على الولد قال: وتقري الضيف، غير أنها ماتت في الجاهلية فقالا: أمكما في النار، قال: فأدبرا والسوء في وجوههما، فأمر بهما فردا، فرجعا والسرور يرى في وجوههما، رجيا أن يكون قد حدث شيء فقال: أمي مع أمكما، فقال رجل من المنافقين: ما يغني هذا عن أمه شيئا ونحن نطأ عقبيه، فقال رجل من الأنصار، ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه. يا رسول الله: هل وعدك ربك فيها أو فيهما؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه فقال: ما سألته ربي، وما أطمعني فيه، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة، فقال الأنصاري: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: ذاك إذا جيء بكم حفاة، غراة، غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فيقول الله: اكسوا خليلي: فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد فيستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد غيري، يغبطني به الأولون والأخرون، قال: ويفتح من الكوثر إلى الحوض، فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض، فقال الأنصاري: يا رسول الله : على حال أو رضراض فقال رسول الله : "حاله المسك ورضراضه التوم فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبته، فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له نبت؟ فقال: نعم. قضبان الذهب، فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما نبت قضيب إلا أورق، وإلا كان له ثمر، فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له ثمر قال: نعم ألوان الجوهر، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، إن من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده، وإن من حرمه لم يرو بعده". تفرد به أحمد وهو غريب جدا.

رواية عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام: أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: ما حوضك الذي تحدث عنه فقال: "كما بين البيضاء إلى بصرى، لا يدري إنسان ممن خلق الله أين طرفاه".

من رغب عن سنة الرسول عليه السلام ضربت الملائكة وجهه عن الحوض يوم القيامة

قال أبو عبد الله القرطبي: وخرج الترمذي يعني الحكيم في نوادر الأصول من حديث عثمان بن مظعون عن النبي أنه قال: "يا عثمان لا ترغب عن سنتي، فإنه من رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة".

خشية الرسول على أمته من التنافس في الدنيا رواية عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه

قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف، فصعد على المنبر، فقال: "إني فرط لكم على الحوض، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".

ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث من حديث يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به، وعنده: "إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا، أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم". قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله .

ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك

أسند البيهقي من طريق علي بن المديني: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن رسول الله رحم، ورحم أبو بكر، ورحمت، وسيكون قوم يكذبون بالرحم، والدجال، والحوض، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار".

رواية النواس بن سفيان العلابي رضي الله عنه أول من يرد الحوض يوم القيامة من يسقي العطاش في الدنيا

قال عمر بن محمد بن بحر البحيري: حدثنا سليمان بن سلمة حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سفيان، سمعت رسول الله يقول: "إن حوضي عرضه وطوله كما بين أيلة إلى عمان، فيه أقداح كنجوم السماء، أول من يرده من أمتي من يسقط كل عطشان".

أورده الضياء من هذا الوجه ثم قال: أرى أن هذا الحديث من صحاح البحيري والله أعلم.

من شرب من الحوض المورود حيل بينه وبين الظمأ وحفظ وجهه فلم يسود

رواية أبي إمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه

قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهورني، عن أبي أمامة أبي يزيد بن الأخنس: أنه سأل رسول الله فقال: ما سعة حوضك؟ فقال: "كما بين عدن إلى عمان- وأشار بيده وأوسع- فيه ضفتان من ذهب وفضة، قال: فما شراب حوضك؟ قال: أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ولم يسود وجهه".

طريق أخرى عن أبي أمامة

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي يحيى، عن أبي إمامة الباهلي قال: قيل يا رسول الله ما سعة حوضك؟ قال: ما بين عدن وعمان- وأشار بيده وأوسع- وفيه ضفتان من ذهب وفضة، قيل: يا رسول الله: فما شرابه؟ قال أبيض من اللبن وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، ولم يسود وجهه بعدها أبدا.

رواية أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت قال: شهدت أبابرزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان- سماه- مسلم، وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محدثكم هذا الدحداح ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أحسب أني أهان في قوم يعيروني بصحبة محمد !! فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد لك زين غير شين: ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله يذكر فيه شيئا. قال أبو برزة: نعم. لا مرة، ولا اثنتين، ولا ثلاثا، ولا أربع، ولا خمسا، فمن كذب به فلا سقاه الله منه ثم خرج مغضبا.

لا يسقى من الحوض من كذب به

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن مهرم العبدي، عن أبي طالوت العنزي، سمعت أبا برزة يقول: سمعت رسول الله يقول: "لي الحوض، فمن كذب به فلا سقاه الله منه".

وقد رواه البيهقي من طريق أخرى، عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن قرة بن خالد، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار، عن أبي برزة في دخوله على عبيد الله بن زياد بنحو ما تقدم.

طريق أخرى عن أبي برزة

قال أبو بكر بن عاصم: حدثنا عبده بن عبد الرحيم، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شداد بن سعيد قال: سمعت أبا الوازع وهو جابر يزعم أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول: سمعت رسول الله يقول: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه ميزابان يعبان من الجنة، من ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، فيه أباريق عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، ومن كذب به فلا سقاه الله" يعني منه.

رواية أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه

قال أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله قال: "أنا فرطكم على الحوض".

رواية أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه

قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر المكي، واللفظ لأبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد: عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال: "والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة لا المصحية، من آنية الجنة، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل" هذا لفظه إسنادا ومتنا.

الرسول أكثر أنبياء الله تابعين يوم القيامة

رواية أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه

قال ابن أبي عاصم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا زكريا، عن عطية العوني، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي قال: "إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أبيض من اللبن، وآنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة".

ورواه ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية عن أبي سعيد، أن رسول الله قال: "إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضا من اللبن آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان، ومنهم من يأتيه الرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: قد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة".

بين قبر الرسول عليه الصلاة والسلام ومنبره روضة من رياض الجنة

وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة، عن مالك، عن حبيب، عن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، أن رسول الله قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".

ثم قال: ورواه البخاري من وجه آخر عن مالك، وأخرجاه من حديث عبد الله بن عمر عن حبيب بدون ذكر سعيد.

رواية أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله بن حبيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي".

ورواه البخاري أيضا ومسلم من طرق، عن عبيد الله بن عمر، وأخرجه البخاري من حديث مالك، كلاهما عن حبيب بن عبد الرحمن به، والله تعالى أعلم.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، حدثنا أبي، حدثنا هلال، عن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "بينا أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم. فقال لهم: هلم، قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة أخرى، حتى إذا عرفتهم، خرج رجل بيني وبينهم، فقال: هلم قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم" انفرد به.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال مسلم: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثني الربيع يعني ابن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي قال: "لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل".

وحدثنيه عبد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، أنه سمع أبا هريرة قال: قال رسول الله مثله.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد وابن أبي عمر جميعا، عن مروان الفزاري، قال ابن أبي عمر، حدثنا مروان الفزاري، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن، هو أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه، قالوا: يا رسول الله: أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم. لكم سيماء ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء".

هذا لفظه أخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة به، والله سبحانه وتعالى أعلم.

طريق أخرى عن أبي هريرة

روى الحافظ الضياء أيضا: من حديث يحيى بن صالح، حدثنا سليمان بن هلال، حدثنا إبراهيم ابن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "إذا أنا هلكت فأنا فرطكم على الحوض، قيل يا رسول الله وما الحوض؟ قال: عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح، بياضه بياض اللبن، وهو أحلى من العسل والسكر، آنيته مثل نجوم السماء، من ورد على شرب، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا، وإياكم أن يرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، فيحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: بعدا أو سحقا لمن بدل".

ثم قال الحافظ الضياء: لا أعلم أني سمعت بلفظ السكر عن النبي إلا في هذا الحديث.

قلت: بل قد ورد لفظ السكر في حديث رواه البيهقي في باب الوليمة والنثار: "أن رسول الله حضر عقدا فأتى بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم ويخاطفونه". الحديث بتمامه، وهو غريب جدا.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال البخاري: وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الخيطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله قال: "يرد علي يوم القيامة رهط. من أصحابي، فيجفلون من الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تعلم بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى".

قال: قال شعيب، عن الزهري، كان أبو هريرة يحدث عن النبي ، فيجفلون وقال عقيل: فيجلون. وقال الزبيري: عن أبي هريرة، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي .

وهذا كله تعليق ولم أر أحد أسنده بشيء من هذا الوجه، عن أبي هريرة إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن المسيب، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي فيقول: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد وغيره، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم امام مسجد بني قشير، عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبى هريرة قال: "كأني بكم صادرين على الحوض، يلقى الرجل الرجل فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم، ويلقى الرجل الرجل فيقول: واعطشاه".

رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع، عن ابن عمر، حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قال النبي : "إني على الحوض، حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب: مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت بما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.

ورواه مسلم: عن داود بن عمر، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء مثله.

رواية أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما

قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدثنا إبراهيم بن الحسين، حدثنا آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر فقالت: "هو نهر أعطيه نبيكم في الجنة، حافتاه در مجوف، عليه من الآنية عدد النجوم".

رواه البيهقي، ورواه البخاري، عن خالد بن يزيد الكاهلي، عن إسرائيل واستشهد برواية مطرف.

وقال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا يحيى بن أبي أسلم، عن ابن خيثم، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله وهو بين ظهراني أصحابه يقول: "إني على الحوض انتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب، مني، ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم". تفرد به مسلم، والله تعالى الموفق للصواب.

رواية أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها

قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمر وهو ابن الحارث، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد الله بن نافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله فلما كنت يوما، والجارية تمشطني، سمعت رسول الله يقول: "أيها الناس: فقلت للجارية: استأخري عني، فقالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس، فقال رسول الله : "إني فرط لكم على الحوض، فأنا انتظر من يرد علي منكم، لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذاب البعير الضال، فأقول فيم هذا، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا".

ثم رواه مسلم، والنسائي، من حديث أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع عنها، فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم، والمورد الكريم، من شراب الجنة، من نهر الكوثر، الذي هو أشهد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك وهو في غاية الإشباع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر، وأنه ينبت في حال من المسك، ورضراض من اللؤلؤ، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء، لا إله إلا هو، ولا معبود سواه.

ذكر أن لكل نبي حوضا وأن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم عظمها وأجلها وأكثرها ورادا

قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الأهوال: حدثنا محمد ابن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد أن رسول الله قال: "إن لي حوضا ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر ومنهم من يأتيه الرجلان، والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: لقد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة".

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن بشر، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عطية بن سعيد العوني، عن أبي سعيد، عن النبي بنحوه والله أعلم بالصواب.

أولياء الله يردون حياض أنبياء الله عليه الصلاة والسلام حديث آخر

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا الحسن بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن أبي عثمان، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال: "إي والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء".

وهذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة، وتقدم ما رواه الترمذي وغيره من حديث شعبة بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سميرة بن جندب أن رسول الله قال. "إن لكل نبي حوضا، يتباهون أيهم أكثر وارده، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم وارده".

ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد رواه أشعث بن عبد الملك عن الحسن مرسلا وهو أصح.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن حراش، حدثنا حزم بن أبي حزم، سمعت الحسن البصري يقول: قال رسول الله : "إذا فقدتموني فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضا، وهو قائم على حوضه، بيده عصا يدعو من عرف من أمته، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا، والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا".

وذكر تمام الحديث، وهذا مرسل عن الحسن، وهو حسن، صححه يحيى بن سعيد القطان، وغيره، وقد أفتى شيخنا المزي بصحته من هذه الطرق.

فصل الحوض المورود قبل الصراط الممدود وما أفهم عكس ذلك ضعيف أو مردود أو مؤول

إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده قلت: إن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط، لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم إنهم لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم، فإن كان هؤلاء كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه، وإن كانوا عصاة فهم من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض لا سيما وعليهم سيما الوضوء، وقد قال : "أعرفكم غرا محجلين من آثار الوضوء".

ثم من جاوز لا يكون إلا ناجيا مسلما فمثل هذا لا يحجب عن الحوض فالأشبه والله أعلم أن الحوض قبل الصراط، فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: سألت رسول الله أن يشفع لي يوم القيامة قال: "أنا فاعل قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت: فإن لم ألقك؟ قال: فاطلبني عند المنبر، قال: فإن لم ألقك؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطىء هذه الثلاثة المواطن يوم القيامة" ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر وابن ماجه في تفسيره من حديث عبد الصمد كلاهما عن حرب بن ميمون بن أبي الخطاب الأنصاري البصري، من رجال مسلم، وقد وثقه علي بن المديني، وعمرو بن علي الغلاس وقوفا بينه وبين حرب بن ميمون بن أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضا صاحب الأدعية وضعفا هذا، وأما البخاري فجعلهما واحدا، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال: هذا أكذب الخلق وأنكر الدارقطني على البخاري ومسلم جعلهما هذين حديثا واحدا وقال شيخنا المزي: جمعهما غير واحد، وفرق بينهما غير واحد، وهو الصحيح.

قلت: وقد حررت هذا في التكميل بما فيه كفاية، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمقصود أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضا، وهذا لا أعلم به قائلا، اللهم إلا أن يكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل وإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي للفصل أو بعد ذلك

هذا مما يحتمل كلا من الأمرين؟ ولم أر في ذلك شيئا فاصلا، فالله أعلم أي ذلك يكون.

صحيح العلماء أن الحوض قبل الميزان

وقال العلامة أبو عبد الله القرطبي في التذكرة أيضا، واختلف في كون الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل، قال القرطبي: والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم كما تقدم، فيقدم على الميزان والصراط، قال أبوحامد الغزالي في كتاب علم كشف الآخرة، حكى بعض السلف من أهل التصنيف: أن الحوض يورد عبد الصراط، وهو غلط من قائله، قال القرطبي: هو كما قال، ثم أورد حديث منع المرتدين على أعقابهم القهقرى عنه، ثم قال: وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط، لأن الصراط من جاز عليه سلم، كما سيأتي، قلت: وهذا التوجيه قد أسلفناه ولله الحمد.

اختلاف تحديد الرسول عليه السلام لحجم الحوض طولا وعرضا لاختلاف المخاطبين فحدد لكل بالأمكنة التي يعرف

قال القرطبي: وقد ظن بعض الناس أن في تحديد الحوض تارة بجرباء وأذرح، وتارة بما بين الكعبة إلى كذا وتارة بغير ذلك اضطرابا، قال: وليس الأمر كذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام حدث أصحابه مرات متعددة، فخاطب في كل مرة القوم بما يعرفون من الأماكن، وقد جاء في الصحيح تحديده بشهر في شهر، قال: ولا يخطر في بالك أنه في هذه الأرض، بل في الأرض المبدلة، وهي أرض بيضاء كالفضة، لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط، تطهر لنزول الجبار جل جلاله لفصل القضاء، قال: ورد في الحديث: أن على كل جانب منه واحدا من الخلفاء الأربعة، فعلى الركن الأول أبو بكر، وعلى الثاني عمر، وعلى الثالث عثمان، وعلى الرابع علي، رضي الله عنهم، قلت: وقد رويناه في الغيلانيات، ولا يصح إسناده، لضعف بعض رجاله.

فصل مجيء الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة لفصل القضاء

ذكر في حديث الصوم المتقدم: أنه إذا ذهب رسول الله ليشفع عند الله ليفصل بين عباده بعدما يسأل في ذلك آدم فمن بعده، فكل يقول لست بصاحب ذاكم، حتى ينتهي الأمر إليه صلوات الله وسلامه عليه، فيشفع عند ربه، وتنزل الملائكة تنزيلا، فينزل أهل السماء الدنيا، وهم قدر هل الأرض من الجن والإنس، فيحيطون بهم دائرة، ثم تنشق السماء الثانية وتنزل ملائكتها، وهم قدر أهل الأرض، فيحيطون بهم دائرة، ثم كذلك السماء الثالثة والرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فكل سماء تحيط بمن قبلهم دائرة، ثم تنزل الملائكة الكروبيون، وحملة العرش المقربون، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم، يقولون سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى، رب الملائكة والروح، سبحان ربنا الأعلى، يميت الخلائق ولا يموت.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال: حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عوف، عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي، حدثنا شهر بن حوشب، حدثني ابن عباس، قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا، وجمع الخلائق في صعيد واحد، جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قبضت هذه السماء الدنيا عن أهلها نشورا على وجه الأرض، ولأهل هذه السماء وحدهم أكبر من جميع أهل الأرض، جنهم وإنسهم، بالضعف، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم يقولون: أفيكم ر بنا فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا، ليس فينا، وهو آت، ثم يقبض السموات سماء سماء، كلما قبضت سماء كانت أكثر من أهل السماء التي تحتها، ومن جميع أهل الأرض، بالضعف، جنهم وإنسهم، كلما مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهلها يقولون مثل ذلك، ويرجعون إليهم مثل ذلك، حتى تقبض السماء السابعة، ولأهلها وحدهم أكبر من أهل ست سموات، ومن أهل الأرض بالضعف ويجيء الله تعالى فيهم والأمم صفوف فينادي مناد: ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون". فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي ثانية ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار". فيقومون، فيسرحون إلى الجنة فإذا أخذ هؤلاء، خرج عنق من النار فأشرف على الخلائق، له عينان بصيرتان ولسان فصيح فيقول: إني وكلت بثلاثة وكلت بكل جبار عنيد، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم فيحبس بهم في جهنم ثم يخرج الثانية فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس في جهنم، ثم يخرج الثالثة فيقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ هؤلاء، وهؤلاء نشرت الصحف، ووضعت الموازين، وعيت الخلائق للحساب.

وقد قال الله تعالى: "كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى". وقال تعالى: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور".

وقال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا".

وقال في حديث الصور: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه يعني بذلك كرسي فصل القضاء، وليس هذا بالكرسي المذكور في الحديث المروي في صحيح ابن حبان: "ما السموات السبع، والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن، وما الكرسي، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وما الكرسي في العرش إلا كتلك الحلقة بتلك الفلاة، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل".

وقد يطلق على هذا الكرسي اسم العرش وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث كما في الصحيحين: "سبعة يظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" الحديث بتمامه.

وثبت في صحيح البخاري من حديث الزهري، عن أبي سلمة، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "إذا كان يوم القيامة، فإن يصعقون وأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فأفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"؟.

فقوله: أم جوزي بصعقة الطور يدل على أن هذا الصعق الذي يحصل للناس يوم القيامة، سببه تجلي الرب تعالى لعباده لفصل القضاء فيصعق الناس من العظمة والجلال، كما صعق موسى يوم الطور، حين سأل الرؤية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا، وخر موسى صعقا فموسى عليه الصلاة والسلام يوم القيامة إذا صعق الناس، إما أن يكون جوزي بتلك الصعقة الأولى فما صعق عند هذا التجلي، وإما أن يكون صعق أخف من غيره، فأفاق قبل الناس كلهم، والله أعلم.

وقد ورد في بعض الأحاديث: "أن المؤمنين يرون الله عز وجل في عرصات القيامة".

كما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري من بشر بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته " وفي رواية للبخاري: "إنكم سترون ربكم عيانا".

وجاء أنهم يسجدون له تعالى، كما قال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس الجمالي، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله : "إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون له طويلا، ثم يقال: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدتكم فداكم من النار".

له شواهد من وجوه أخر كما سيأتي.

وقال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة عن الأعمش، عنأبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "حتى إن أحدكم ليلتفت فيكشف عن ساق، فيقعون سجودا، وترجع أصلاب المنافقين حتى تكون عظما، كأنها صياصي البقر" ثم قال: لا تعلم من حدث به عن الأعمش إلا أبا عوانة قلت: وسيأتي له شاهد من وجه آخر، وذكر في حديث الصور: "أن الله ينادي العباد يوم القيامة فيقول: إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم لي يومكم هذا، أرى أعمالكم، وأسمع أقوالكم فأنصتوا إلي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وروى الإمام أحمد: من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، أنه اشترى راحلة فسار إلى عبد الله بن أنيس شهرا، ليسمع منه حديثا بلغه عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "يحشر الناس يوم القيامة- أو قال العباد- عراة، غرلا، بهما قال، قلنا: وما بهما قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت، يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق إلا قضيته له منه، حتى اللطمة، قال: قلنا: وكيف وإننا إنما نأتي الله بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات".

وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي في الحديث الإلهي الطويل: "يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وقد قال الله تعالى: "إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد".

ثم ذكر ما أعده للأشقياء وما وعد به السعداء، وقال تعالى: "رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا "يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا".

وثبت في الصحيح: ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، وقد عقد البخاري رحمه الله بابا في ذلك، في كتاب التوحيد في صحيحه.

كلام الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء

ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، وقد عقد البخاري رحمه الله بابا في ذلك فقال في باب التوحيد من صحيحه في باب كلام الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم.

ثم أورد فيه حديث أنس في الشفاعة بتمامه وسيأتي، وحديث: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان".

وسيأتي حديث ابن عمر في النجوى أيضا، ونحن نورد في هذه الترجمة أحاديث أخر مناسبة له أيضا، وبالله المستعان وقد قال تعالى: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب".

وقال تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون".

وقال تعالى: "فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون".

شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم يوم القيامة

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا رشدين بن سعد، أخبرنا ابن أرقم المغافري، عن جبلان بن أبي جبلة، بسنده إلى النبي قال: "إذا جمع الله عباده يوم القيامة، كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم قد بلغت، فيخلي عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي. فيقول: نعم قد بلغت الرسل، فيقول الله عز وجل لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم، فيخلي عن جبريل، ويقال للرسل: ما فعلتم فعهدي فيقولون: بلغنا أممنا، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغكم الرسل عهدي فيقولون: بلغناهم فمنهم المكذب ومنهم المصدق، وإن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك، فيقول: من يشهد لكم فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد فيقول الله تعالى لهم: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليهم فيقولون: نعم يا ربنا شهدنا أن قد بلغوا. فتقول تلك الأمم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب: كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون: ربنا بعثت إلينا رسولا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب: صدقوا فذلك قوله تعالى: "وكذلك جعلنهم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".

قال ابن أرقم: فبلغني أنه يشهد أمة أحمد إلا من كان في قلبه إحنة.

كلامه سبحانه وتعالى مع آدم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة

أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود

قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "أول من يدعى يوم القيامة آدم، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: رب لبيك وسعديك، فيقول له ربنا: أخرج نصيب جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب وكم؟ فيقول: من كل مائة تسعة وتسعين، فقلنا: يا رسول الله أرأيت إذا أخذ من كل مائة تسعة وتسعين فماذا يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود".

أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه الصلاة والسلام

ورواه البخاري، عن إسماعيل بن عبد الله، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد الديلمي، عن سالم أبي الغيث مولى بن معطيع، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "أول من يدعى يوم القيامة آدم فتراه ذريته فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك فيقول، أخرج بعث جهنم من ذريتك". وذكر تمامه مثل ما تقدم.

رجاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون أتباعه نصف أهل الجنة

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "يقول الله يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك يا رب وما بعت النار فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. قال: فيومئذ يشيب المولود". وقد قال تعالى: "وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد". قال: فيقولون أين ذلك الواحد فقال رسول الله : "تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومآجوج ومنكم واحد قال: فقال الناس الله أكبر، فقال رسول الله : "والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة"، قال: فكبر الناس، فقال رسول الله : "ما أنتم في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض".

ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش به، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، وأخرجاه من طرق آخر عن الأعمش به، وفي صحيح البخاري، عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع رسول الله في فيد فقال: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر".

كلام الرب سبحانه وتعالى مع نوح عليه الصلاة والسلام وسؤاله إياه عن البلاغ كما قال تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين"

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، قال: فيقال لنوح من يشهد لك فيقول: محمد وأمته": وذلك قوله: "وكذلك جعلنهم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس". قال: والوسط العدل. قال رسول الله : "فتدعون، فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم، وقال: وهكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن الأعمش، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقد رواه الإمام أحمد بلفظ أعم من هذا فقال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك فيقول: نعم، فيقال: من يشهد لك فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد فيقال له: هل بلغ هذا قومه. فيقول: نعم، ثم تدعى أمة محمد فيقال لهم: هل بلغ هذا أمته فيقولون: نعم، فيقال لهم: ومن أعلمكم فيقولون جاءنا محمد نبيا، وأخبرنا أن الرسل قد بلغوا. قال: فذلك قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا". قال: يقول عدلا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا".

وهكذا رواه ابن ماجه، عن أبي كريب، وأحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية.

شهادة أمة محمد عليه الصلاة والسلام على جميع الأمم يوم القيامة دليل عدالة هذه الأمة وشرفها

قلت: شهادة أمة محمد على جميع الأمم يوم القيامة برهان على عدالة هذه الأمة وشرفها، ومضمون هذا، أن هذه الأمة يوم القيامة يكونون عدولا عند سائر الأمم، ولهذا يستشهد بهم سائر الأنبياء على أممهم، ولولا اعتراف أممهم بشرف هذه الأمة لما حصل إلزامهم بشهادتهم، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده أن رسول الله قال: "إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله سبحانه وتعالى".

تشريف إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة على رؤوس الأشهاد

قال الله تعالى: "وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين".

قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله يخطب فقال: "إنكم تحشرون حفاة عراة". ثم تلا قوله تعالى: "كما بدأنا أول خلق نعيده". وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: كما قال العبد الصالح: "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم" إلى قوله: "إنك أنت العزيز الحكيم". قال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم.

ذكر موسى عليه الصلاة والسلام وذكر شرفه وجلالته يوم القيامة وكثرة أتباعه وانتشار أمته

ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام وكلام الرب عز وجل معه يوم القيامة

قال الله تعالى: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أفول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمتة تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم".

وهذا السؤال من الله تعالى لعيسى ابن مريم، مع علمه تعالى أنه لم يقل شيئا من ذلك، إنما هو على سبيل التقريع والتوبيخ لمن اعتقد فيه ذلك من ضلال النصارى وجهلة أهل الكتاب، فبرأ إلى الله تعالى من هذه المقالة، كما تتبرأ الملائكة ممن اعتقد فيهم شيئا من الإلهية حيث يقول الله تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أ أنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أوليآء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا".

وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاءكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون".

مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الله يوم القيامة لا يدانيه مقام

فلا يساويه بل ولا يدانيه أحد فيه، ويحصل له من التشريفات ما يغبطهذا بها كل الخلائق من العالمين، من الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وقد تقدم ما ورد في المقام المحمود من الأحاديث والآثار، وأنه أول من يسجد بين يدي الله يوم القيامة، وأول من يشفع فيشفع، وأول من يكسى بعد الخليل، يكسى الخليل ريطتين. بيضاوين، ويكسى محمد حلتين خضراوين، ويجلس الخليل بين يدي العرش، ومحمد عن يمين العرش فيقول: "يا رب إن هذا- ويشير إلى جبريل- أخبرني عنك أنك أرسلته إلي، فيقول الله عز وجل صدق جبريل".

وقد روى ليث بن أبي سليم، وأبو يحيى القتات، وعطاء بن السائب وجابر الجعفي، عن مجاهد أنه قال في تفسير المقام المحمود: إنه يجلسه معه على العرش، وروي نحو هذا عن عبد الله بن سلام، وجمع فيه أبو بكر المروزي جزءا كبيرا، وحكاه هو وغيره وغير واحد من السلف وأهل الحديث كأحمد وإسحاق بن راهويه وخلق وقال ابن جرير: وهذا شيء لا ينكره مثبت ولا ناف، وقد نظمه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في صيدة له.

قلت: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا عن معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه، ولا يصار بسببه إليه، وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة بمفرده، ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا شريح بن يونس، أخبرنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين أن النبي قال: "إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، حتى لا يكون للإنسان إلا موضع قدميه. قال النبي : "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: يا رب: إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي، فيقول الله: صدق، ثم أشفع، فأقول: يا رب عبادك في أطراف الأرض" فهو المقام المحمود.

ذكر في كلام الرب تعالى مع العلماء في فصل القضاء

إكرام الله عز وجل للعلماء يوم القيامة القضاء

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا العلاء بن سالم، حدثنا إبراهيم الطالقاني، حدثنا المبارك، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله "يقول الله تعالى للعلماء إذا جلس على كرسيه لفصل القضاء إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم ولا أبالي".

أول كلامه عز وجل للمؤمنين

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن رجاء، عن خالد بن أبي عمران، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : "إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة، وبأول ما تقولون له؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: فإن الله تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي. فيقولون: نعم يا ربنا فيقول: وما حملكم على ذلك؟ فيقولون: عفوك ورحمتك ورضوانك، فيقول: "فإني قد أوجبت لكم رحمتي".

فصل لا خلاق في الآخرة لمن يخون أمانة الله وعهده

قال الله تعالى: "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم".

وقال تعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطويهم إلا النار ولا يكلفهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد".

والمراد من هذا أنه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم كلاما ونظرا يرحمهم به، كما أنهم عن ربهم يومئذ محجوبون بقوله تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم".

وقال تعالى: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين". وقال تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".

وقال تعالى: "يوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون".

وقال بعد هذا: "ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون".

والآيات في هذا كثيرة جدا.

وثبت في الصحيحين كما سيأتي من طريق خيثمة، عن عدي بن حاتم، أن رسول الله قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فيلقى الرجل فيقول له: ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، أذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فاليوم أنساك كما نسيتني". فهذا فيه صراحة عظيمة في تكلم الله تعالى ومخاطبته لعبده الكافر.

وأما العصاة ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين كما سيأتي عن رسول الله قال: "يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ثم يقرره بذنوبه فيقول: عملت في يوم كذا كذا وكذا؟ وفي يوم كذا كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، حتى إذا ظن أنه قد هلك قال الله تعالى": "إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم".

فصل إبراز النيران والجنان ونصب الميزان ومحاسبة الديان

قال تعالى: "إذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت".

وقال تعالى: "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد "وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد".

وقال تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسن شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

وقال تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا".

وقال تعالى فيما أخبر به عن لقمان أنه قال: "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير".

والآثار في هذا كثيرة جدا، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل.

ذكر إبداء عين من النار على المحشر فتطلع على الناس

قال الله تعالى: "وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى".

وقال مسلم في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن العلاء بن خالد الكاهل، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها".

وكذا ر واه الترمذي مرفوعا، ورواه من وجه آخر هو ابن جرير موقوفا.

يخرج عنق من النار يتكلم يقذف في جهنم الجبارين والمشركين والقائلين بغير حق

وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا شيبة، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه، عن رسول الله أنه قال: "يخرج عنق من النار يتكلم، فيقول: وكلت بثلاثة، بكل جبار، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم".

تفرد به من هذا الوجه، وسيأتي في باب الميزان عن خالد، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها نحوه.

وقال الله تعالى: "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا".

قال الشعبي: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا، من شدة حنقها وبغضها لمن أشرك بالله، واتخذ معه إلها آخر، وفي الحديث: "من كذب علي، أو ادعى إلى غير أبيه، أو أنتمى إلى غير مواليه، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا بعيدا" قالوا يا رسول الله: وهل لها من عينين؟ قال: "أما سمعتم بقول الله إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا". رواه ابن أبي حاتم.

وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب: ما كان هذا ظني بك، فيقول الله: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة الى البعير، وتزفر زفرة لا تبقي أحدا إلا أخفته، وإسناده صحيح.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن المنصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير قال: إن جهنم تزفر زفرة لا يبقى معها ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لا أسألك إلا نفسي اليوم.

وقال في حديث الصور: ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ثم يقول: "ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين أن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون".

فيمر الله بين الخلائق، وتجثو الأمم، وذلك قوله: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون".

ذكر الميزان

قال الله تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

وقال تعالى: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون".

وقال تعالى: "والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون".

وقال تعالى: "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية".

وقال تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا".

وزن الأعمال بعد القضاء والحساب

قال أبو عبد الله القرطبي: قال العلماء: إذا انقضى الحساب، كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لنفس الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها، فيكون الجزاء بحسبهما، قال: وقوله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

بيان كون الميزان له كفتان حسيتان

وبيان أن "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يثقل عليها شيء

قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن ليث بن سعد، حدثني عامر بن يحيى، حدثني عبد الرحمن الجيلي واسمه عبد الله بن يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله : "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر، ثم يقول الله له: أتنكرمن هذا شيئا؟ ظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب: فيقول الملك: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول: أخبروه، فيقول: يا رب: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، قال: فتطيش السجلات، وتثقل البطاقة، ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم".

وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا، من حديث الليث، ورواه الترمذي وابن لهيعة كلاهما عن عامر بن يحيى به، وقال الترمذي: حسن غريب.

سياق آخر لهذا الحديث: هل يوزن العامل يوم القيامة مع عمله؟

قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله : "توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان قال: فيبعث به إلى النار قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن تبارك وتعالى يقول: لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله الا الله" فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان".

وهذا السياق فيه غرابة، وفيه فائدة جليلة، وهو أن العامل يوزن مع عمله.

شهادة ألا إله الا الله وأن محمدا رسول الله ترجح بالذنوب في الميزان يوم القيامة

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد بن البراء المقري، حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد الرحمن بن زياد عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رفعه قال: "يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فيها ذنوبه وخطاياه، فتوضع في كفة، ثم يخرج له قرطاس مثل الأنملة فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فتوضع في كفة أخرى، فترجح بخطاياه".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا حجاج، عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: لما حضر أبا بكر الموت أرسل إلى عمر فقال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.

الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة

وقال أحمد: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دنيا، عن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي قال: "أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن".

وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها كما فى صحيح مسلم من طريق أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله : "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".

فقوله والحمد لله تملأ الميزان، فيه دلالة على أن العمل نفسه وإن كان عرضا قد قام بالفاعل، يحيله الله يوم القيامة فيجعله ذاتا يوضع في الميزان، كما ورد في الحديث الذي رواه ابن أبي الدنيا. حدثنا أبوخيثمة ومحمد بن سليمان وغيرهما قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي قال: "أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن".

وكذا رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو به ورواه أحمد عن غندر ويحيى بن سعيد، عن شعبة عن القاسم، عن أبي مرة، عن عطاء الكيخاراني، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أن رسول الله قال: "ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن".

وقد رواه أحمد أيضا من حديث الحسن بن مسلم، عن عطاء، وأخرجه أبو داود من حديث شعبة به، والترمذي من حديث مطرف، عن عطاء بن نافع الكيخاراني به، وقال أحمد. حدثنا عفان، حدثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن مولى لرسول الله قال: "بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان؟ لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح، يتوفى فيحتسبه والده".

وقال: "بخ بخ لخمس: من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة، يؤمن بالله، وباليوم الآخر، وبالجنة، وبالنار، وبالبعث بعد الموت، وبالحساب". انفرد به أحمد.

وكما ثبت في الحديث الآخر: "تأتي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيابتان من طير يحاجان عن صاحبهما".

والمراد من ذلك أن ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك.

الأمر الثاني يوضع الصحيفة التي كتب فيها كما تقدم في حديث البطاقة والله أعلم، وقد جاء أن العامل يوزن كما قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرني المغيرة، حدثني أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة". وقال: "اقرأوا إن شئتم: "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا".

قال البخاري: وعن يحيى بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد مثله، وقد أسند مسلم ما علقه البخاري، عن أبي بكر محمد بن إسحاق، عن يحيى بن بكير، فذكره.

وقد روى وجه آخر عن أبي هريرة فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن صالح مولى التومة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم، فيوزن بحبة، فلا يزنها".

قال: ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن ابن الصلت، عن أبي الزناد، عن صالح، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ البخاري سواء.

وقد قال البزار: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا هشام بن حسان، عن واصل، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله ، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة ما، فلما قام على النبي قال: "يا أبا بريدة هذا ممن قال الله فيهم: فلا نقيم له يوم القيامة وزنا". ثم قال: تفرد به عن عمارة، وليس بالحافظ ولم يتابع عليه.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد وحسن بن موسى، حدثنا حماد، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، أنه كان دقيق الساقين فجعلت الريح تلقيه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله : "مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله من رقة ساقيه. قال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد"، تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي.

فقد جاءت الروايات بهذه الصفات، وفي رواية الإمام أحمد بن حنبل من طريق ابن لهيعة في حديث البطاقة، أنه يوزن مع عمله في الكتاب، وهذه الرواية تجمع الأقوال كلها بتقدير صحتها، والله تعالى أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل قال: قال الحسن: قالت عائشة يا رسول الله: هل تذكرون أهليكم يوم القيامة. قال: "أما في مواطن ثلاث فلا: الكتاب، والميزان، والصراط".

فقوله الكتاب يحتمل أن يكون حين يوضع كتاب الأعمال ليشهد على الأمم بأعمالها، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحف حين تطاير، والناس بين من أخذ بيمينه، وأخذ بشماله.

قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المعري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، أن عائشة بكت، فقال لها رسول الله : "ما يبكيك يا عائشة؟ قالت: ذكرت أهل النار فبكيت، هل يذكرون أهليهم يوم القيامة؟ قال: أما في ثلاثة فلا يذكر أحد أحدا، حيث يوضع الميزان حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف، وحيث يقول هاؤم اقرءوا كتابيه، حيث تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم". قال يونس أشك الحسن قال: خافيته كلاليب وحسك، ويحبس الله به من يشاء من خلقه، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو؟

ثم قال البيهقي: أنبأنا الروزباري، أنبأنا ابن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا يعقوب، عن إبراهيم وحميد بن مسعدة، أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت، وذكر الحديت بنحوه إلا أنه قال: "وعند الكتاب، حين يقال: هاؤم اقروا كتابيه: حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه؟ أم في شماله من وراء ظهره؟ وعند الصراط، إذا وضع بين ظهراني جهنم"، قال يعقوب عن يونس: وهذا لفظ حديثه.

طريق أخرى عن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: أيا عائشة: أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأما عند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه، أو يعطى بشماله فلا، ثم حين يخرج عنق من النار، فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة، وكلت بمن ادعى مع الله إلها آخر، وكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، وكلت برجل جبار عنيد، قال: فينطوي عليهم، ويرمى بهم في غمرات جهنم، ولجهنم جسر أدق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله والناس عليه كالطرف، وكالبرق، وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، والملائكة يقولون: رب سلم، رب سلم فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه".

وتقدم من رواية حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، أنه قال: أتشفع لي يا رسول الله؟ قال: "أنا فاعل: قال: أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: فإن لم ألقك؟ قال: فعند الحوض. قال: فإن لم ألقك؟ قال: فعند الميزان قال: فإني لا أخطىء هذه المواطن يوم القيامة". رواه أحمد والترمذي.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني، حدثنا أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا داود بن المحمر، حدثنا صالح المزي، عن جعفر بن زيد، عن أنس بن مالك، عن النبي قال: "يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن خفت موازينه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا"، ثم قال: إسناده ضعيف.

وقد روى الحافظان البزار وابن أبي الدنيا، عن إسماعيل بن أبي الحارث وداود بن المحمر: حدثنا صالح المزي، عن علي بن ثابت البناني، وجعفر بن زيد، زاد البزار ومنصور بن زاذان، عن أنس بن مالك يرفعه بنحوه، وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا مالك بن مغول، عن عبيد الله بن أبي الغرار قال: عند الميزان ملك، إذا وزن العبد نادى: ألا إن فلان ابن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، ألا إن فلان ابن فلان خفت موازينه وشقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا يوسف بن صهيب، حدثنا موسى بن أبي المختار، عن بلال العبسي، عن حذيفة، قال: صاحب الميزان يوم القيامة جبريل، يرد بعضهم على بعض، ولا ذهب يومئذ ولا فضة قال: فيؤخذ من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات المظلوم، فردت على الظالم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن العباس بن محمد، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي، حدثنا أبو الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان، فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم يؤتى بالميزان، فإن ثقلت موازيني فأنا كريم، لكني وإن خفت فأنا لئيم.

قال أبو الأحوص: أتدري من أي شيء نجا؟ إذا ثقل ميزان عبد، نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون ألا إن فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإذا خف ميزانه نودي: ألا إن فلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.

وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقا، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا أيوب بن محمد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن معمر، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب في حديث الإيمان، قال يا محمد ما الإيمان؟ قال: " الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالجنة، والنار، والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: فإذا فعلت هذا فأنت مؤمن قال: نعم. أو قال: قال صدقت".

وقال شعبة: عن الأعمش، عن سمرة بن عطية، عن أبي الأخوص، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: "للناس عند الميزان تجادل وزحام".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان المدني، عن سلمان الفارسي قال: يوضع الميزان وله كفتان، لو وضع في إحداهما السموات والأرض وما فيهما لوسعتهما، فتقول الملائكة: يا ربنا من يوزن بهذا؟ فيقول: من شئت من خلقي فيقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أبو حنيفة، عن حماد بن إبراهيم في قوله تعالى: "ونضغ الموازين القسط ليوم القيامة".

قال: يجاء بعمل رجل فيوضع في كفة ميزانه، ويجاء بشيء مثل الغمامة أو مثل السحاب كثرة فيوضع في كفة أخرى في ميزانه، فترجح فيقال: أتدري ما هذا؟ هذا العلم الذي تعلمته، وعلمته الناس، فعلموه، وعملوا به بعدك.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك؟ عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير وهو يحدثه ذاك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم تلا: قول الله تعالى: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون". ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة خردل أو يرجح.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا السهمي، حدثنا عمار بن شيبة، عن سعيد بن أنس، عن الحسن، قال: يعتذر الله يوم القيامة إلى آدم ثلاث معاذير يقول: "يا آدم: لولا أني لعنت الكاذبين، وأبغض الكذب والحلف، لرحمت ذريتك اليوم من شدة ما أعددت لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي وعصى أمري لأملأن جهنم منهم أجمعين، ويا آدم: اعلم أني لم أعذب بالنار أحدا من ذريتك ولم أدخل النار أحدا إلا من قد سبق في علمي أنه لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان عليه، ولن يرجع، ويا آدم: أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، فقم عند الميزان، فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة، حتى يعلم أني لا أعذب إلا كل ظالم".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبى عبد الرحمن، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق، نورهم كنور الشمس، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق، نورهم كنور القمر ليلة البدر، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى فيقول: "هذا لك مني يا محمد، وهذا لك مني يا محمد، ثم يوضع الميزان ويؤخذ في الحساب".

فصل أقوال العلماء في تفسير الميزان الذي يكون يوم القيامة

نقل القرطبي عن بعضهم أن الميزان له كفتان عظيمتان، لو وضعت السموات والأرض في واحدة لوسعتهما، فأما كفة الحسنات فنور، وأما الأخرى فظلمة، وهو منصوب بين يدي العرش، وعن يمينه الجنة، وكفة النور من ناحيتها، وعن يساره جهنم، وكفة الظلمة من ناحيتها، قال: وقد أنكرت المعتزلة الميزان وقالوا: الأعمال عراض لا جرم لها فكيف توزن؟ قال: وقد روي عن ابن عباس: أن الله يخلق الأعراض أجساما فتوزن قال: والصحيح أنه توزن كتب الأعمال. قلت: وقد تقدم ما يدل على الأول وعلى الثاني وعلى أن العامل نفسه يوزن. قال القرطبي: وقد روى مجاهد، والضحاك، والأعمش، أن الميزان هاهنا العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل كما يقال: هذا الكلام في وزن هذا، قلت: لعل هؤلاء إنما فسروا هذا عند قوله: "والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان".

فالميزان في قوله: ووضع الميزان، أي العدل، أمر الله عباده أن يتعاملوا به فيما بينهم، فأما الميزان المذكور في زنة القيمة، فقد تواترت بذكره الأحاديث كما رأيت، وهو ظاهر القرآن. فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه، وهذا إنما يكون للشيء المحسوس.

ليس الميزان لكل فرد من أفراد الناس يوم القيامة

قال القرطبي: فالميزان حق، وليس هو في حق كل أحد بدليل قوله تعالى: "يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام".

وقوله فيقول الله: "يا محمد: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سواه".

قلت: وقد تواترت الأحاديث في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لكن يلزم من هذا أن لا توزن أعمالهم، وفي هذا نظر والله أعلم، وقد توزن أعمال السعداء وإن كانت راجحة، لإظهار شرفهم على رؤوس الأشهاد، والتنويه بسعادتهم ونجاتهم، وأما الكفار فتوزن أعمالهم وإن لم تكن لهم حسنات تنفعهم، يقابل بها كفرهم، لإظهار شقائهم وفضيحتهم على رؤوس الخلائق، وقد جاء في الحديث: "أن الله لا يظلم أحدا حسنة" أما الكافر فيطعمه بحسناته في الدنيا، حتى يوافي الله وليس له حسنة يجزى بها، وقد اختار القرطبي في التذكرة أن الكافر قد يوافي بصدقة وصلة رحم فيخفف بها عنه من العذاب، واستشهد بقضية أبي طالب حين جعل في ضحضاح من نار، يغلي منه دماغه، وفي هذا نظر، وقد يكون هذا خاصا به خلصه رسول الله بسبب نصرته له، وقد استدل القرطبي على ذلك بقوله تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

قلت: وقصارى هذه الآية العموم فيخص من ذلك الكافرون، وقد سئل رسول الله عن عبد الله بن جدعان، وذكر أنه كان يقري الضيف، ويصل الرحم، ويعتق، فهل ينفعه ذلك؟ قال: لا، إنه لم يقل يوما من الدهر لا إله إلا الله، وقال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا".

وقال: "حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب".

وقال: "مثل الذين كفزوا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف".

وقال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبة الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب".

فصل

قال القرطبي وغيره من ثقلت حسناته على سيئاته ولو بزوانة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أثقل ولو بزوانة دخل النار، إلا أن يغفر الله، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.

وروي مثل هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه.

قلت: يشهد لذلك قوله تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما".

لكن ما أعلم: من ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات، هل يدخل الجنة ويرتفع في درجاتها بجميع حسناته. ويكون قد أحبطت السيئات التي قابلتها؟ أو يدخلها مما يبقي له من الحسنات الراجحة على السيئات وتكون الحسنات قد أسقطت ما وراءها من السيئات؟

ذكر العرض على الله عز وجل وتطاير الصحف ومحاسبة الرب تعالى عباده

قال الله تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا".

وقال تعالى: "قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم".

وقال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون".

وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون".

والآيات في هذا كثيرة جدا، وسيأتي في كل موطن ما يتعلق به من آيات القرآن.

وتقدم في صحيح البخاري، عن ابن عباس، عن رسول الله أنه قال: "إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده".

وعن عائشة وأم سلمة، وغيرهما نحو ما تقدم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا عقبة الأصم، عن الحسن. قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله : "يعرض الناس ثلاث عرضات، فعرضتان جدال ومعاذير، وعرضة تطاير الصحف، فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابا يسيرا، ودخل الجنة، ومن أوتي كتابه بشماله دخل النار".

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا علي بن علي بن رفاعة، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله : "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تطير الصحف إلى الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله".

وكذا رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، والعجب أن الترمذي روى هذا الحديث عن أبي كريب، عن وكيع، عن علي بن علي، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي فذكر مثله ثم قال الترمذي: ولا يصح هذا من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة قال: وقد رواه بعضهم عن علي بن علي، عن الحسن بن أبي موسى. عن النبي .

قلت: الحسن قد روى له البخاري عن أبي هريرة، وقد وقع في مسند أحمد التصريح بسماعه منه والله أعلم، وقد يكون الحديث عنده عن أبي موسى وأبي هريرة، والله أعلم، وأما الحافظ البيهقي فرواه من طريق مروان الأصفر، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، من قوله مثله سواء، وقد روى ابن أبي الدنيا، عن ابن المبارك أنه أنشد في ذلك شعرا:

وطارت الصحف في الأيدي منشرة..........فيها السرائر والأبصار تطلع

فكيف سهوك والأنباء واقعة..........عما قليل ولا تدري بما يقع

أفي الجنان ونور لا انقطاع له..........أم الجحيم فلا يبقى ولا يدع

تهوى بساكنها طورا وترفعهم..........إذا رجوا مخرجا من عمقها قمعوا

طال البكاء فلم يرحم تضرعهم..........فيها ولا رقة تغني ولا جزع

لينفع العلم قبل الموت عامله..........قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أؤتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا".

من نوقش الحساب هلك

قال البخاري في صحيحه: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حاتم بن أبي صفرة، حدثنا عبد الله بن أبي مليكة، حدثني القاسم بن محمد، حدثتني عائشة: أن رسول الله قال: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك" فقلت يا رسول الله. أليس قد قال الله تعالى: "فأما من أؤتي كتابة بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا"؟ فقال رسول الله : "إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب".

يعني أنه تعالى إذا ناقش في حسابه عبيده عذبهم، وهو غير ظالم لهم، ولكنه تعالى يعفو، ويغفر، ويستر في الدنيا والآخرة، كما سيأتي في حديث ابن عمر: "يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، ثم يقرره بذنوبه، حتى إذا ظن أنه قد هلك قال الله تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم".

قال الله تعالى: "وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم". الآيات. فإذا نصب كرسي فصل القضاء إنماز الكافرون عن المؤمنين في الموقف إلى ناحية الشمال، وبقي المؤمنون عن يمين العرش، ومنهم من يكون بين يديه، قال الله تعالى: "وامتازوا اليوم أيها المجرمون".

وقال تعالى: "ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاءكم فزيلنا بينهم".

وقال تعالى: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون".

وقال تعالى: "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا".

فالخلق قيام لرب العالمين، بين يديه، والعرق غمر أكثرهم، وبلغ منهم كل مبلغ، والناس فيه بحسب الأعمال كما تقدم في الأحاديث، خاضعين، صامتين، لا يتكلم أحد إلا بإذنه تعالى، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، والأنبياء حول أممهم، وكتاب الأعمال قد اشتمل على أعمال الأولين والآخرين، موضوع لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ذلك ما كانت تعمل الخلائق، وتكتبه عليهم الحفظة في قديم الدهر وحديثه، قال الله تعالى: "ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر".

وقال تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا".

قال البصري: لقد أنصفك يا ابن آدم من جعلك حسيب نفسك، والميزان منصوب لوزن أعمال الخير والشر فيه كما تقدم، والصراط قد مد على متن جهنم، والملائكة محدقون ببني آدم والجن، وقد برزت الجحيم، وأزلفت دار النعيم، وتجلى الرب تعالى لفصل القضاء بين عباده، وأشرقت الأرض بنور ربها، وقرئت الصحف، وشهدت على بني آدم الملائكة بما فعلوا، والأرض بما وقع على ظهرها، فمن اعترف منهم وإلا ختم على فيه، ونطقت جوارحه بما عمل بها في أوقات عمله من ليل أو نهار قال الله تعالى: "يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها".

وقال تعالى: "حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين".

وقال تعالى: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله ذو الحق المبين".

وقال تعالى: "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون".

وقال تعالى: "وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما".

أي لا ينقص من حسناته شيء، وهو الهضم، ولا يحمل عليه شيء من عمل غيره، وهو الظلم.

فصل فأول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات

غير الإنس والجن وهما الثقلان، والدليل على حشر بقية الحيوانات يوم القيامة قوله تعالى: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون".

وقال تعالى: "وإذا الوحوش حشرت".

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثنا عباس بن محمد، وأبو يحيى البزار قالا: حدثنا حجاج بننصر، حدثنا شعبة، عن العوام بن مزاح بن قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله قال: "إن الجماء لتقص من القرناء يوم القيامة".

وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، عن شعبة، سمعت العلاء يحدث، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقتص للشاة الجماء، من الشاة القرناء بنطحها".

هذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "يقتص للخلق بعضهم من بعض، حتى للجماء من القرناء، وحتى للذرة من الذرة". تفرد به أحمد.

وقال عبد الله بن أحمد: وحدث هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ليث، عن عبد الرحمن بن مروان، عن الهذيل بن شرحبيل، عن أبي ذر، أن رسول الله كان جالسا، وشاتان تعتلفان فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله ، فقيل له: مايضحكك يا رسول الله؟ فقال: عجبت لها؟ والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة".

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد جعفر، حدثنا شعبة، عن سليمان هو الأعمش، عن منذر بن يعلى الثوري، عن أشياخ لهم، عن معاوية، حدثنا الأعمش، عن منذر بن يعلى عن أشياخه، عن أبي ذر: فذكر ما معناه أن رسول الله رأى شاتين تنتطحان فقال: "يا أبا ذر: هل تدري فيم تنتطحان؟ قال: لا. قال: لكن الله يدري وسيقضي بينهما".

وإسناده جيد حسن، قال القرطبي: ورواه عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي بمثله. قال القرطبي: ورواه الليث بن سليم، عن إبراهيم بن مروان، عن الهذيل، عن أبي ذر أن رسول الله مر بشاتين تنتطحان فقال: "ليقضين الله يوم القيامة لهذه الجماء من هذه القرناء".

قال: وذكر ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، أن أبا سالم الحساني حدثه: أن ثابت بن ظريف استأذن على أبي ذر، فسمعه رافعا صوته يقول: أما والله لولا يوم الخصومة لسؤتك، فدخلت، فقلت: ما شأنك يا أبا ذر؟ وما عليك أن يضربها؟ فقال: أما والذي نفسي بيده أو قال: والذي نفس محمد بيده، لتسألن الشاة فيما نطحت صاحبتها، وليسألن الجماد فيما. نكب إصبع الرجل.

وقال أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية، أخبرنا أبوحيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله يوما فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يارسول الله أغثني: فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك".

وأخرجاه من حديث أبي حيان، واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي به، وتقدم في حديث أبي هر يرة: "ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر، فتطأه بأخفافها كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها". وذكر تمام الحديث في البقر والغنم. فهذه الأحاديث مع الآيات فيها دلالة على حشر الحيوانات كلها..

وقد تقدم في حديث الصور: "فيقضي الله بين خلقه، إلا الثقلين الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن، حتى إذا فرغ من ذلك، فلم يبق لواحدة عند أخرى حق، قال الله لها: كوني ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا".

وقد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا سيار، أخبرنا جعفر بن سليمان، سمعت أبا عمران الجوني يقول، إن البهائم إذا رأت بني آدم يوم القيامة وقد تصدعوا من بين يدي الله صنفا إلى الجنة، وصنفا إلى النار، نادت: الحمد لله يا بني آدم الذي لم يجعلنا اليوم مثلكم، فلا جنة مرجوة، ولا عقاب يخاف.

وذكر القرطبي عن أبي القاسم القشيري في شرح الأسماء الحسنى عند قوله المقسط الجامع قال: وفي خبر: أن الوحوش والبهائم تحشر يوم القيامة، فتسجد لله سجدة، فتقول الملائكة: ليس هذا يوم سجود، هذا يوم الثواب والعقاب، فتقول للبهائم أن الله لم يحشركم لثواب ولا لعقاب وإنما حشركم تشهدون فضائح بني آدم، وحكى القرطبي أنها إذا حشرت وحوسبت تعود ترابا ثم يحثى بها في وجوه فجرة بني آدم قال وذلك قوله: "ووجوه يومئذ عليها غبرة".

فصل أول ما يقضي فيه يوم القيامة الدماء

قال في حديث الصور: ثم يقضي الله بين العباد، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء، وهذا هو الواقع يوم القيامة، وهو أنه بعد أن يفرغ الله من الفصل بين البهائم، يشرع في القضاء بين العباد كما قال الله تعالى: "ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون". ويكون أول الأمم.

أمة محمد صلى الله عليه وسلم أول الأمم حسابا يوم القيامة

ثم يقضي بين هذه الأمة، لشرف نبيها، كما أنهم أول من يجوز على الصراط، وأول من يدخل الجنة، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" وفي رواية: "المقضي لهم قبل الخلائق".

وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو سلمة، حدثنا عمار بن سلمة، عن سعيد بن أياس الحريري، عن أبي نصرة، عن ابن عباس أن النبي قال: "نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، يقال أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون" والله سبحانه وتعالى أعلم.

ذكر أول ما يقضي بين الناس فيه يوم القيامة ومن يناقش الحساب، ومن يسامح فيه

قد تقدم في الحديث: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء".

وفي رواية يحيى بن عقيل، عن أبي هريرة: "حتى للذرة من الذرة" والمراد بالذرة هاهنا النملة، والله أعلم.

وإذا كان هذا حكم الحيوانات التي ليست مكلفة، فتخليص الحقوق من الآدميين، وإنصاف بعضهم من بعض، أولى وأحرى.

وقد ثبت في الصحيحن، ومسند أحمد، وسنن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث سليمان بن مهران، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: "أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء".

وقد تقدم في حديث الصور "أن المقتول يأتي يوم القيامة تشخب أوداجه دماء، وفي بعض الأحاديث ورأسه في يده فيتعلق بالقاتل حتى ولو كان قتله في سبيل الله فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله تعالى: لم قتلت هذا؟ فيقول: يا رب قتلته لتكون العزة لك، فيقول الله: صدقت. ويقول المقتول ظلما: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله تعالى: لم قتلته. فيقول: لتكون العزة لي، وفي رواية لفلان فيقول الله: تعست، ثم يقتص منه لكل من قتله ظلما، ثم يبقى في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء رحمه.

وهذا دليل على أن القاتل لا يتعين عذابه في نار جهنم، كما ينقل عن ابن عباس وغيره من السلف، حتى نقل بعضهم: إن القاتل لا توبة له، وهذا إذا حمل على أن القتل من حقوق الآدميين، وهي لا تسقط بالتوبة صحيح، وإن حمل على أنه لا بد من عقابه فليس بلازم، بدليل حديث الذي قتل تسعة وتسعين، ثم أكمل المائة، ثم سأل عالما من بني إسرائيل: هل له من توبة. فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ إيت بلد كذا وكذا فإنه يعبد الله فيها، فلما توجه نحوها، وتوسط بينها وبين التي خرج منها، أدركه الموت فمات، فتوفته ملائكة الرحمة الحديث بطوله.

وفي سورة الفرقان نص على قبول توبة القاتل، قال تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب". الآية والتي بعدها، وموضع تقرير هذا في كتاب الأحكام وبالله المستعان وقال الأعمش: عن شهر ابن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء قال: يجيء المقتول يوم القيامة، فيجلس على الجادة، فإذا مر به القاتل قام إليه، فأخذ بتلابيبه فقال: يا رب: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: أمرني فلان، فيؤخذ الأمر والقاتل فيلقيان في النار.

قال في حديث الصور: ثم يقضي الله بين خلقه حتى لا يبقى مظلمة لأحد عند أحد حتى أنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء.

وقد قال الله تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".

من ظلم قطعة أرض طوق بها من سبع أرضين يوم القيامة

وفي الصحيحين، عن سعد بن زيد، وغيره، عن النبي أنه قال: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضين"

عذاب المصورين المجسمين يوم القيامة

وفي الصحيحين: "من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" وفي رواية: "يعذبون، يقال أحيوا ما خلقتم".

وفي الصحيح: من تحلم بحلم لم يره كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين، وليس يفعل، تقدم حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة في تعظيم أمر الغلول، وقوله : "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، وعلى رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، أو فرس له حمحمة، فيقول: يا محمد، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك"، وهو في الصحيحين بطوله.

خمس لا تزول قدما العبد عن أرض المحشر يوم القيامة حتى يسأل عنها

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن بكار الصيرفي، حدثنا أبو محصن حصين بن نمير، عن حصين بن قيس، عن عطاء، عن ابن عمر، عن ابن مسعود قال: لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمرك فيم أفنيت وعن شبابك فيم أبليت وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته وما عملت فيما علمت.

وروى البيهقي: من طريق عبد الله عن شريك بن عبد الله، عن هلال، عن عبد الله بن عليم قال: كان عبد الله بن مسعود إذا حدث بهذا الحديث قال: "ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا عبدي ما غرك بي؟ ماذا عملت فيما علمت؟ ماذا أجبت المرسلين؟ ". هكذا رواه الحافظ البيهقي بعد الحديث الذي رواه هو من طريق محمد بن خليفة، عن عدي بن حاتم، عن رسول الله أنه قال: "وليقفن أحدكم بين يدي الله تعالى ليس بينه وبينه حجاب يحجبه، ولا ترجمان يترجم له، فيقول: ألم أوتك مالا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أرسل إليك رسولا؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة" . وقد رواه البخاري في صحيحه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا همام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذ بيد ابن عمر فجاءه رجل فقال: كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله يقول: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول له: أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أن قد هلك، قال الله تعالى: "فإني سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه، وأما الكفار والمتملقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين". وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة.

وقال أحمد: حدثنا بهز، وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم، حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك ترأس وترتع، فأين شكر ذلك؟".

روى مسلم من حديث سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي في حديث طويل قال فيه: "فيلقى الله العبد فيقول: أي قل: ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفطنت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي قل: ألم أكرمك، وأزوجك، وأسودك، وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذرك ترأس وتربع. فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفطنت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، يا رب، فيقول: إني أنساك، كما نسيتني، ثم يلقى الثالث، فيقول له: مثل ذلك، فيقول يا رب آمنت بك، وبكتابك، و برسولك وصليت، وصمت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، قال: فيقول فها هنا إذا، قال: ثم يقال: الآن نبعث شاهدنا عليك، فيذكر في نفسه: من الذي يشهد علي. فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه، فتنطق، فخذه، ولحمه، وعظامه بعمله ما كان، ذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه، ثم ينادي مناد: أتبعت كل أمة ما كانت تعبد. وسيأتي الحديث بطوله.

وقد روى البزار، عن عبد الله بن محمد الزهري، عن مالك، عن سعيد بن الحسن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد رفعاه إلى رسول الله ، فذكر مثله.

وقد روى مسلم والبيهقي واللفظ له من حديث سفيان الثوري، عن عبيد، عن فضيل بن عمرو، عن عامر الشعبي، عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله فضحك وقال: هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة. يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول بلى قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال: فيقول الله: "كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم الله على فيه ويقول لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل". وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا الحسن، حدثنا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله قال: "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله، فجحد، وخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك: فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك، عشيرتك فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمتهم الله، وتشهد عليهم ألسنتهم، ويدخلهم النار".

وروى أحمد والبيهقي من حديث يزيد بن هارون، عن الحريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي قال: "تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفه"..

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان، أخبرنا محمد محمد بن الحسن المحزومي، حدثني عبد الله بن عبد العزيز الليثي، عن ابن شهاب الله بن عبد العزيز الليثي، عن ابن شهاب، عن عطاء ابن زيد، عن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته، والله ما يتكلم لسانها، ولكن يداها، ورجلاها، يشهدان عليها بما كانت تعيب لزوجها، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها، ثم يدعي بالرجل وخدمه مثل ذلك، ثم يدعى بأهل الإسراف، فما يؤخذ منهم دوانيق، ولا قراريط، ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم، وتدفع سيئات هذا إلى الذي ظلمه، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد، فيقال: ردوهم إلى النار، فما أدري أيدخلوها، أم كما قال الله تعالى؟ "وإن منكم إلا واردها، كان على ر بك حتما مقضيا ثم تنجي الذين اتقوا، ونذر الظالمين فيها جثيا".

ثم قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح، والحسن بن يعقوب، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثنا يحيى بن أبى سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول الله هذه الآية: "يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها". قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بكل ما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا، وكذا، في يوم كذا وكذا، فذلك أخبارها، رواه الترمذي والنسائي، من حديث عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب، وقال الترمذي حسن غريب صحيح.

وروى البيهقي من حديث الحسن البصري، حدثنا خصفة عم الفرزدق، أنه قال: قدمت على رسول الله فسمعته يقرأ هذه الآية: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". فقال: والله لا أبالي أن لا أسمع غيرها، حسبي حسبي.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا الوليد بن أبي الوليد، أبي عثمان المديني: أن عقبة بن مسلم حدثه، أن سيفا حدثه، أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس. فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، فدنوت منه، حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، وخلا قلت له: أنشدك بحق وحق إلا ما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله عقلته وعلمته ثم نشع أبو هريرة نشعة، فمكث طويلا، ثم أفاق، ثم قال: لأحدثتك حديثا حدثنيه رسول الله ؟ في هذا البيت، ما معنا أحد غيري، وغيره، ثم نشع أبو هريرة نشعة أخرى، فمكث كذلك، ثم مسح وجهه، ثم قال أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله في هذا البيت، ما معنا، أحد غيري وغيره، ثم نشع أبو هريرة نشعة شديدة، ثم مال حادا على وجهه، وأسند خده طويلا، ثم أفاق، فقال: قال رسول الله : إن الله تعالى، إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعى رجل القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تعالى للقارىء، ألم علمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى، يا رب، قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم أثناء الليل النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: إنما أردت أن يقال: فلان قارىء، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال: بلى، يا رب، قال: فما عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقيل فيك ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: فيما ذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذلك، قال أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله على ركبتي فقال: يا أبا هريرة: أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة.

قال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة أن سيفا وكان سياقا لمعاوية دخل على معاوية، فأخبره بحديث أبي هريرة هذا، فقال معاوية: فقد فعل هؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا، حتى ظننا أنه هالك، ثم أفاق، ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون".

الصلاة أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة فإن صلحت صلح عمله كله وإن فسدت فسد سائر عمله

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عثمان، أخبرنا محمد بن بكار بن بلال قاضي دمشق، أخبرنا سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن، عن حريث بن قبيصة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "أول ما يحاسب به الرجل صلاته، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، ثم يقول الله عز وجل: انظروا هل لعبدي نافلة؟ فإن كانت له نافلة أتمت بها الفريضة، ثم الفرائض كذلك". رواه الترمذي والنسائي من حديث همام، عن قتادة، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه النسائي من حديث عمران بن داود بن العوام، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك هو ابن فضالة، عن الحسن، عن أبي هريرة أراه ذكره، عن النبي : "إن العبد المملوك ليحاسب بصلاته، فإذا نقص منها قيل له: لم نقصت منها؟ فيقول: يا رب: سلطت علي ملكا شغلني عن صلاتي، فيقول: قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك، فهلا سرقت لنفسك من عملك أو عمله؟ قال: فيتخذ الله عليه الحجة" وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد أخبرنا مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن قال: قال رسول الله : "أول ما تسأل عنه المرأة يوم القيامة صلاتها، ثم عن بعلها، كيف فعلت إليه؟ ". وهذا مرسل جيد.

قال أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عباد بن راشد، قال: حدثنا الحسن، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة قال: قال رسول الله : "تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب: أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول: يا رب: أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ويجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال، كل ذلك يقول الله: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام، فيقول: يا رب: إنك السلام وإني الإسلام فيقول الله: إنك على خير، اليوم بك آخذ، وبك أعطي. قال الله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبده بن عبد الرحيم المروزي: أخبرنا بقية بن الوليد الكلاعي: أخبرنا سلمة بن كلثوم، عن أنس بن مالك، سمعت رسول الله يقول: "يؤتى بالحكام الظالمين يوم القيامة، بمن قضى قبلي، ومن يجيء بعدي، فيقول الله: أنتم خزان أرضي، ورعاة عبادي، وعندكم بغيتي فيقول للذي قضى قبلي: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: الرحمة، فيقول الله جل جلاله: أنت أرحم بعبادي مني؟ ويقول: للذي بعدي: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: غضبت لك فيقول الله: أنت أشد غضبا مني؟ فيقول الله: انطلقوا بهم، فسدوا بهم ركنا من أركان جهنم".

وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: لما رجعت مهاجرة الحبشة، فقال فتية منهم: يارسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، وانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه، وقالت: سوف تعلم يا غدر، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين، والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا، قال: يقول رسول الله : صدقت كيف يقدس الله قوم لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم، وقد تقدم في حديث عبد الله بن أنيس: أن الله تعالى ينادي العباد يوم القيامة، فيقول: أنا الملك الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقضيها منه، حتى اللطمة. رواه أحمد، وعلقه البخاري في صحيحه.

وقال الإمام مالك رضي الله عنه، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "من كانت له مظلمة عند أخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم من قبل أن يؤخذ من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه"، ورواه البخاري، ومسلم.

وروي ابن أبي الدنيا من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار فقال: بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقتضي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الوليد بن شجاع اليشكري، أنبأنا القاسم بن مالك المزني، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "لا تموتن وعليك دين، فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم، إنما هي الحسنات جزاء بجزاء، ولا يظلم ربك أحدا"، وروي من وجهين آخرين، عن ابن عمر مرفوعا مثله.

الاقتصاص من الظالمين يوم القيامة

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا ابن أبي شيبة، أخبرنا بكر بن يونس بن بكير، عن موسى بن علي بن رباح، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله : "إنه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرته حسناته، فيجيء الرجل فيقول: يا رب ظلمني هذا، فيؤخذ من حسنانه، فيجعل في حسنات الذي سأله، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة، فإذا جاء من يسأله نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل، فلا يزال يستوفي منه حتى يدخل النار".

الشرك بالله لا يغفر ومظالم العباد يقتص بها حتما يوم القيامة

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن ناموس، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك". قال الله تعالى: "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة". وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك، ويتجاوز إن شاء الله، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة".

وروى البيهقي من طريق زائدة، عن أبي الزناد، عن زياد النميري، عن أنس، مرفوعا: الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وهو الشرك، وظلم يغفره، وهو ظلم العباد فيما بينهم، وبين ربهم، وظلم لا يترك الله منه شيئا وهو ظلم العباد بعضهم بعضا، حتى يدين بعضهم من بعض، ثم ساقه من طريق يزيد الرقاش، عن أنس، مرفوعا بنحوه، وكلا الطريقين ضعيف.

القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الأمانة

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبد الله تميم بن المنتصر، أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: "القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الأمانة قال: يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي، حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها فيحملها، فيضعها على عاتقه، فيصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت، فهوت فهوى في أثرها أبد الأبدين". قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الوضوء، والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع، قال: فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله؟ قال: صدق.

قال شريك: وحدثنا عباد العامري، عن زاذان، عن عبد الله، عن النبي بمثله، ولم يذكر الأمانة في الصلاة، والأمانة في كل شيء، إسناده جيد... ولم يروه أحمد ولا من الستة أحد.

وله شاهد من الحديث الذي رواه مسلم ، عن أبي سعيد: "أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، صابرا، محتسبا، مقبلا، غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم إلا الدين".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن عمر، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير قال لما نزلت: "إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون". قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا من خواص الذنوب؟ قال: نعم، ليكررن عليكم، حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه، فقال الزبير: والله إن الأمر لشديد.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا إسحاق بن سليمان، أخبرنا أبو سنان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود قال: الأمم جاثون للحساب، فهم يومئذ أشد تعلقا بعضهم ببعض منهم في الدنيا، الأب بابنه، والابن بأبيه، والأخت بأختها، والزوج بامرأته، والمرأة بزوجها، ثم تلا عبد الله: "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون".

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الفضل بن يعقوب، حدثنا عبيد بن مسلمة، عن ليث، عن نافع، عن عمر، عن النبي قال: "يؤتى بالمليك والمملوك، والزوج والزوجة، فيحاسب المليك والمملوك والزوج والزوجة، حتى يقال خطبت فلانة مع خطاب، فزوجتكها وتركتهم".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عمرو بن حيان مولى بني تميم، حدثنا عبدة بن حميد، عن إبراهيم ابن مسلم، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "إن الله يدعو العبد يوم القيامة، فيذكره ويعد دعوتني يوم كذا وكذا حتى يعد عليه فيما بعد، وقلت زوجني فلانة ويسميها باسمها فزوجناكها".

وروى من حديث ليث بن سليم، عن أبي برذة، عن عبد الله بن سلام، مرفوعا بنحوه.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثني الفضل بن عيسى، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله : "إن العار ليلزم العبد يوم القيامة حتى يقول: لإرسالك بي الى النار، أيسر علي مما ألقى، والله إنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب".

يسأل العبد عن النعيم يوم القيامة

قال تعالى: "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم".

وفي الصحيح، أن رسول الله لما أكل هو وأصحابه في حديقة أبي الهيثم بن المنهال من تلك الشاة التي ذبحت له، وأكلوا من الرطب، وشربوا من ذلك الماء، قال: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه" أي عن القيام بشكره، وماذا عملتم في مقابلة ذلك.

كما ورد في الحديت: "آدموا طعامكم بذكر الله وبالصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، أخبرنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن ثابت، أن رجلا دخل مسجد دمشق، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، وارزقني جليسا صالحا، فسمعه أبو الدرداء فقال: لئن قلت صادقا لأنا أسعد بما قلت منك، سمعت رسول الله يقول: "فمنهم ظالم لنفسه قال: الظالم الذي يؤخذ منه في مقامه ذلك، وذلك الحزن والغم، ومنهم مقتصد، يحاسب حسابا يسيرا، ومنهم سابق بالخيرات قال: يدخل الجنة بغير حساب" وستأتي الأحاديث فيمن يدخل بغير حساب وكم عدتهم.

حديث فيه أن الله تعالى يصالح عن عبده الذي له عناية ممن ظلمه، بما يريه من قصور الجنة ونعيمها

قال أبو يعلى: حدثنا مجاهد بن موسى، حدثنا عبد الله بن بكير، حدثنا عباد الحنطي، عن سعيد بن أنس، عن أنس قال: بينا رسول الله جالس، إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر. ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي. فقال: رجلان من أمتي، جثوا بين يدي الله عز وجل، رب العزة، تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته، قال: يارب لم يبق من حسناتي شيء. قال الله تعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك لم يبق من حسناته شيء. قال: يا رب فليحمل عني من أوزاري. قال. وفاضت عينا رسول الله بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، وقصورا من ذهب، مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال. يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: ماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك. قال: يا رب فإني قد عفوت عنه. قال الله تعالى: خذ بيد أخيك، فأدخله الجنة، قال رسول الله عند ذلك: "فإن الله يصالح بين المؤمنين يوم القيامة".

إسناد غريب، وسياق غريب، ومعنى حسن عجيب، وقد رواه البيهقي من حديث عبد الله بن أبي بكر به.

وحكى البخاري أنه قال: حديث سعيد بن أنس، عن أبيه في المظالم، لا يتابع عليه، ثم أورده البيهقي من طريق زياد بن ميمون البصري، عن أنس مرفوعا بنحوه، وفيه نظر أيضا.

وقد يستشهد له بما رواه البخاري في صحيحه، من أن رسول الله قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".

وقد روى أبو داود الطيالسي، عن عبد القاهر بن السري، ورواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، من حديثه عن ابن لكنانة بن العباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس، أن رسول الله دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأ اجابه الله: إني قد فعلت، إلا ظلم بعضهم بعضا، فقال: يا رب، إنك قادر أن تثبت لمظلوم خيرا من ظلمه، وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة، أعاد الدعاء، فأجابه الله: إني قد غفرت لهم، فتبسم رسول الله ، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله صلى الله عليك: "تبسمت في ساعة لم تكن تبسم فيها؟ فقال: تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن الله استجاب لي في أمتي، أهوى يدعو بالويل، والثبور، ويحثو التراب على رأسه".

قال البيهقي: وهذا الغفران يحتمل أن يكون بعد عذاب يمسهم، ويحتمل أن يكون خاصا ببعض الناس، ويحتمل أن يكون عاما في كل أحد.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد أو زيد بن قيس، عن قاضي المصرين شريح، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أن رسول الله قال: "إن الله يدعو صاحب الدين يوم القيامة، فيقول: يا ابن آدم: فيم أضعت حقوق الناس؟ فيم اذهبت أموالهم؟ فيقول: يا رب لم أفسد، ولكنني أصبت، فيقول: أنا أحق من قضى عنك اليوم، فتربح حسناته على سيئاته فيؤمر إلى الجنة".

وثبت في صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي في الرجل الذي يقول الله تعالى: أعرضوا عليه صغار ذنوبه، واتركوا كبارها، فيقال له: هل تنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقول الله تعالى: إنا قد بدلناك مكان كل سيئة حسنة فأقول: يا رب إني قد عملت ذنوبا لا أراها هنا؟ قال: وضحك رسول الله حتى بدت نواجذه.

وتقدم في حديث عبد الله بن عمر في حديث النجوى: يدني الله العبد يوم القيامة، حتى يضع عليه كنفه ويقرره بذنوبه، حتى إذا ظن أنه قد هلك، قال سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ويعطي كبار حسناته بيمينه.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عبد الله: حدثنا سيار بن حاتم، أخبرنا جعفر بن سليمان، أخبرنا أبو عمران الجوني، عن أبي هريرة قال: "يدني الله العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، فيمر بالحسنة فيسر بها قبله، فيقول الله تعالى له: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد تقبلتها. قال: فيخر ساجدا قال: فيقول ارفع رأسك، وعد إلى كتابك، فيمر بالسيئة فيسود لها وجهه، ويحزن بها قلبه، وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، فيقول الله تعالى: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب أعرف، فيقول فإني قد غفرتها لك، فلا يزال بين حسنة تقبل فيسجد، وسيئة تغفر فيسجد، لا يرى الخلائق منه إلا ذاك السجود، حتى ينادي الخلائق بعضها بعضا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين الله تعالى مما قد وقف عليه".

وقال ابن أبي الدنيا، وقال ابن أبي ياسر، عمار بن نصر: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة أو غيره قال: من أوتي كتابه بيمينه أتى بكتاب في باطنه سيئاته، وظاهره حسناته، فيقال له: إقرأ كتابك فيقرأ باطنه فيساء بما فيه من سيئاته، حتى إذا أتى على آخرها قرأ فيه: هذه سيئاتك، وقد سترتها عليك في الدنيا، وغفرتها لك اليوم، ويغبطه الأشهاد، أو قال أهل الجمع، بما يقرأون في ظاهر كتابه من حسناته، ويقولون: سعد هذا، ثم يؤمر بتحويله وقراءة ما في ظاهره، فيحول الله ما كان في باطنه من سيئاته، فيجعلها الله حسنات، ويقرأ حسناته، حتى يأتي على آخرها، ثم يقول: هذه حسناتك، وقد قبلتها، فعند ذلك يقول لأهل الجمع: "هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه".

قال: ومن أوتي كتابه وراء ظهره، يأخذه بشماله، يقال له: اقرأ كتابك، فيقرأ كتابه، في باطنه حسناته، وفي ظاهره سيئاته، فيقرؤه أهل الجمع، ويقولون: هلك هذا، فإذا أتى على آخر حسناته، قيل: هذه حسناتك، وقد رددتها عليك، ويؤمر بتحويله، ويقرأ سيئاته حتى يأتي على آخرها، فعند ذلك يقول لأهل الجمع: "يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول الله : "يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج والبذج ولد الشاة، فيقول له ربه: أين ما خولتك؟ أين ما ملكتك؟ أين ما أعطيتك؟ فيقول: يا رب جمعته وثمرته، وتركته أكثر ما يكون فيقول: ما قدمت فيه؟ فينظر فلا يرى قدم شيئا، فليس يراجع الله بعده".

وحدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، وقتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي بنحوه، وزاد فيه فيقول: يا رب ارجعني آتك به كله، فإذا أعيد لم يقدم شيئا فيمضي به إلى النار، ثم ساقه من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس عن النبي بنحوه، وقد قال الله تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم".

وفي الصحيح لمسلم: أن رسول الله قال: يقول ابن آدم: مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست، فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس، وقال الله تعالى: "يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا شريح بن يونس، حدثنا سيف بن محمد، ابن أخت سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن عدي بن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله : "لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره، فيم أفناه؟ وعن جسده، فيم أبلاه؟ وعن علمه، ما عمل فيه؟ وعن ماله، من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وقد تقدم عن ابن مسعود نحوه. وروي عن أبي ذر قريب منه، والله أعلم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سريج بن يونس، حدثنا الوليد بن مسلم، عن المنصور بن عتيق عن مكحول، قال: قال رسول الله : "يا غريم يا أبا الدرداء، كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة: علمت أو جهلت؟ فإن قلت: علمت فيقول: ماذا عملت فيما علمت؟ وإن قلت: جهلت، قيل: فماذا كان عذرك فيما جهلت؟ ألا تعلمت". وقد روي من وجه آخر موقوف على أبي الدرداء فالله أعلم.

فصل قال البخاري رحمه الله باب يدعى الناس بآبائهم

ثم أورد حديث عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله : "يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، ومحمد بن بكار، قالا. حدثنا هشيم، عن داود بن عمرو، وعن عبد الله بن أبي زكريا، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله : "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم".

وقال البزار: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا محمد بن فضيل، حدثني أبي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال النبي : "تلقى الأرض أفلاذ كبدها، فيمر السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ويجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع الرحم، فيقول: في هذا قطعت رحمي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيا".

فصل قال الله تعالى يوم تبيض وجوه

قال الله تعالى: "يوم تبيض وجوه، وتسود وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون".

وقال تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة".

وقال تعالى: "وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئد عليها غبرة قي ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة".

وقال تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم، كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، ومحمد بن عثمان، ابن كرامة، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي في قوله تعالى: "يوم ندعو كل أناس بإمامهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا".

قال: يدعى آخرهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسده، ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ، يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد، فيقولون: اللهم ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، فيأتيهم، فيقول: أبشروا، فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه، ويمد له في جسمه، فيراه أصحابه، فيقولون: نعوذ بالله من هذا، من شر هذا، اللهم لا تأتنا به، فيأتيهم، فيقولون: اللهم أخزه، فيقول: أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا، ثم قال: لا نعرفه إلا بهذا الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، عن العباس بن محمد، بن عبيد الله، بن موسى، العبسي به.

وروى ابن أبي الدنيا: عن بعض السلف، وهو الحسن البصري، أنه قال: إذا قال الله تعالى للعبد: خذوه فغلوه، ابتدره سبعون ألف ملك، فتسلسل السلسلة من فيه، فتخرج من دبره، وينظم في سلسلة كما ينظم الخرز في الخيط، ويغمس في النار، غمسة، فيخرج عظاما، فيقع، ثم تسجر تلك العظام في النار، ثم يعاد غضا طريا.

وقال بعضهم: إذا قال الله: خذوه، ابتدره أكثر من ربيعة ومضر، وعن معتمر بن سليمان، عنأبيه، أنه قال: لا يبقى شيء إلا ذمه، فيقول: ما ترحمني؟ فيقول: كيف أرحمك، ولم يرحمك أرحم الراحمين؟!

فصل

قال ابن ماجه في كتاب الرقائق من سننه: ما يرجى من رحمة الله تعالى يوم القيامة

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هارون، حدثنا عبد الملك بن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إن لله مائة رحمة، أنزل منها واحدة بين جميع الخلق، فبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة".

ورواه مسلم: عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ابن أبي رباح، عن أبي هريرة، عن النبي بنحوه.

وقال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن أبى هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار". انفرد به البخاري عن هذا الوجه.

ثم قال ابن ماجه: حدثنا أبو كريب، وأحمد بن سنان، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله "خلق الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، فجعل في الأرض منها رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والبهائم بعضها على بعض، والطير، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة"، انفرد به، وهو على شرط الصحيحين، وورد من طرق عن أبي هريرة: أن الله كتب كتابا يوم خلق السموات والأرض: إن رحمتي تغلب غضبي، وفي رواية سبقت غضبي، وفي رواية: فهو موضوع عنده فوق العرش.

وقد قال الله تعالى: "كتب ربكم على نفسه الرحمة".

وقال: "ورحمتي وسعت كل شيء فسسأكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، والذين هم بآياتنا. يؤمنون".

ثم أورد ابن ماجه حديث ابن أبي مليكة، عن معاذ: أتدري ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم قال. أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم، وهو ثابت في صحيح البخاري، من طريق الأسود بن هلال، وأنس بن مالك، عن معاذ.

وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا سهيل بن عبد الله أخو حزم القطيعي، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله تلا هذه الآية: "هو أهل التقوى وأهل المغفرة".

ثم قال الله تعالى: "أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل معي إله آخر، فمن اتقى أن يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له".

ثم قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إبراهيم بن أعين، حدثنا اسماعيل بن يحيى الشيباني، عن عبد الله بن عمر بن حفص، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كنا مع النبي في بعض غزواته فمر بقوم، فقال: من القوم؟ فقالوا: نحن المسلمون: وامرأة تحصب تنورها، ومعها ابن لها، فإذا ارتفع وهج التنور نجت به، فأتت النبي فقالت: أنت رسول الله؟ قال: نعم: قالت: بأبي أنت وأمي، أليس الله بأرحم الراحمين؟ قال: بلى. قالت: أو ليس الله أرحم بعباده من الأم بولدها. قال: بلى. فأتى بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم، ويخاطفونه". والحديث بتمامه وهو غريب جدا.

طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه

قال البخاري: وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحنطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله قال: "يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجعلون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تعلم ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى".

قال شعيب: عن الزهري، كان أبو هريرة يحدث عن النبي "فيحملون" وقال عقيل: "فيجلون" وقال الزبيدي: عن أبي هريرة، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي ، وهذا كله تعليق ولم أر أحدا أسنده بشيء من هذا الوجه، عن أبي هريرة، إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أنه كان يحدث: فيجلون عنه: فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أجدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد وغيره: عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم إمام مسجد قشير، عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، قال: كأني بكم صادرين عن الحوض، يلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم، ويلقى الرجل الرجل فيقول: أشربت؟ فيقولا: لا، واعطشاه.

رواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع، عن ابن عمر، حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، قالت: قال النبي : "إني على الحوض، حتى أنظر من يرد منكم علي، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب، هؤلاء مني ومن أمتي؟ فيقال: هل شعرت بما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك.

قال رسول الله : "إن الأم لا تلقي ولدها في النار، فأكب رسول يبكي ثم رفع رأسه إلينا، فقال: إن الله عز وجل لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد، الذي يتمرد على الله، ويأبى أن يقول لا إله الله". إسناده فيه ضعف، وسياقه فيه غرابة.

وقد قال تعالى: "لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى" الليل. وقال: "فلا صدق ولا صلى، ولكن كذب وتولى" القيامة.

الله عز وجل أرحم بعباده من المرضعة بوليدها

وقد قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قدم على النبي سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها، تسعى، فإذا وجدت صبيا في السبي أخذته، فأرضعته، فقال النبي : " أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي لا تقدر أن تطرحه، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها". ورواه مسلم، عن حسن الحلواني، ومحمد بن سهل بن عسكر، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم، عن أبي غسان محمد بن مطرف به، وفي رواية: "والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها".

ثم قال ابن ماجه: حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي، حدثنا عمرو بن هاشم، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن سعيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا يدخل النار إلا شقي، قيل: يا رسول الله: ومن الشقي؟ قال: من لم يعمل لله بطاعة، ولم يترك له معصية" إسناد هذا ضعف.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول الله : "إذا كان يوم القيامة دفع إلى كل مسلم يهودي، أو نصراني، فيقال: هذا فكاكك من النار".

وفي رواية: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه الى النار يهوديا أو نصرانيا" قال: فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله قال: فحلف له، وفي رواية: لمسلم أيضا، قال رسول الله : "يجيء ناس من المسلمين يوم القيامة بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، وضعها على اليهود والنصارى".

وقال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول الله : "إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون طويلا، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار".

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا سعد أبو عيدان الشيباني، عن حماد بن سليمان، عن إبراهيم، عن صلة بن زغر، عن حذيفة، قال: قال رسول الله : "والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه، الأحمق في مغيشته، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه ".

ذكر من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب

قال! البخاري: حدثنا عمران بن ميسرة، حدثنا ابن فضيل، حدثنا حصين، وحدثنا أسيد بن زيد، حدثنا هشيم عن حصين قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: حدثني ابن عباس قال: قال النبي : "عرضت علي الأمم، فأجد النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي معه العشرة، والنبي معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت، فإذا سواد كثير، فقال قائل: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم، لا حساب عليهم، ولا عقاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال: اللهم اجعله منهم: ثم قال رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم: فقال: سبقك بها عكاشة". ورواه مسلم، عن سعيد بن منصور، عن هشيم به بنحوه وهو أطول من هذا ثم أورد البخاري، ومسلم أيضا من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي بنحوه وقال فيه: "ثم قام رجل من الأنصار فقال: ادع الله أن يجعلني منهم: فقال: سبقك بها عكاشة"

حديث آخر

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكر، حدثنا زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "سألت ربي عز وجل، فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا، فقلت: أي رب: إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي؟ قال: إذا أكملهم لك من الأعراب".

قال أحمد: حدثنا يزيد إسماعيل: عن زياد المخزومي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، أول زمرة من أمتي تدخل الجنة سبعون ألفا، لا حساب عليهم، صورة كل رجل منهم على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد ضوء كوكب من السماء، ثم هم بعد ذلك منازل".

ثم رواه أحمد عن حسن، عن ابن لهيعة، عن أبي هريرة، عن النبي بنحو ما تقدم، وكذا رواه أحمد، عن ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد عن أبي أمامة كما سيأتي.

حديث آخر

ثم قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل ابن سعد، قال: قال رسول الله : "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا، أو سبعمائة ألف، -شك في إحداهما- متماسكين آخذا بعضهم ببعض، حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، ووجوههم على ضوء القمر ليلة البدر". وقد رواه البخاري، ومسلم عن قتيبة، عن عبد العزيز بن أبي حازم، به.

حديث آخر

وقال الإمام أحمد. حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا المسعودي، حدثني بكير بن الأخنس، عن رجل، عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله : "أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني جمع كل واحد سبعين ألفا". وقال أبو بكر: فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى، ومضيت فأتيت البوادي.

طريق آخر

وقال أحمد: حدثنا عبد الصمد: حدثنا حماد: عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود. "أن رسول الله أري الأمم في النوم، فمرت عليه أمته، قال. فأعجبته كثرتهم، قد ملأوا السهل والجبل، قال. فقيل لي: إن لك مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، فقام رجل آخر من الأنصار فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال : سبقك بها عكاشة". قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط مسلم.

طريق أخرى عنه

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر: عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، عن ابن مسعود قال: أكثرنا الحديث عند رسول الله ذات ليلة، ثم غدونا إليه فقال: "عرضت علي الأنبياء الليلة بأممها، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي ومعه العصابة، والنبي ومعه النفر، والنبي ليس معه أحد، حتى مر على موسى، معه كبكبة من بني إسرائيل، فأعجبوني، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: هذا أخوك موسى، معه بنو إسرائيل، قال: قلت: فأين أمتي؟ فقيل لي: انظر عن يمينك، فنظرت، فإذا الظراب قد سد بوجوه الرجال، ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال، فقيل لي: أرضيت؟ فقلت: رضيت يا رب، رضيت يا رب، قال: فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي : فداء لكم أبي وأمي: إن استطعتم أن تكونوا من السبعين ألفا فافعلوا؟ فإن قصرتم فكونوا من أهل الظراب، فإن قصرتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت ثم ناسا يتهاوشون، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله يا رسول الله أن يجعلني من السبعين ألفا، فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم، فقال: قد سبقك بها عكاشة" قال: ثم تحدثنا فقلنا. من ترون هؤلاء السبعين ألفا؟ فقيل: قوم ولدوا في الإسلام، لم يشركوا بالله شيئا، حتى ماتوا: فبلغ ذلك النبي فقال: "هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".

حديث آخر

قال الطبراني: حدثنا محمد بن محمد الجذوعي: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله : "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، ولا عذاب، قيل: من هم يا رسول! الله. قال: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون".

رواه مسلم عن يحيى بن خلف، عن المعتمر بن سليمان، عن هشام بن حسان، من غير ذكر عكاشة، وليس عنده في هذه الرواية يتطيرون، قال الحافظ الضياء: وقد روي عن عمران من غير طريق.

حديث آخر

قال أحمد: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سصر جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله فذكر حديثا وفيه: "فينجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم، كأضواء نجم في السماء ثم كذلك " وذكر بقيته.

ورواه مسلم من حديث روح فلم يرفعه، وقد روى البزار، عن عمر بن إسماعيل، عن مجالد، عن أبيه، عن جده، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله عن النبي نحو الذي قبله سواء.

حديث آخر

قال البزار: حدثنا محمد بن مرداس، حدثنا مبارك، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي ، أنه قال: "سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ".

طريق آخر

قال البزار: حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا أبو عاصم العيلاني، عن أنس، قال: قال رسول الله : "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل واحد من السبعين سبعون ألفا" وهذا يحتمل أن يكون مع كل واحد من الألوف، ويحتمل أن يكون مع كل واحد من الآحاد، وهو أشمل وأكثر.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر: عن قتادة، عن أنس أو عن النضر بن أنس، عن أنس قال: قال رسول الله : "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف، فقال أبو بكر رضي الله عنه: زدنا رسول الله قال: وهكذا -وجمع كفيه- فقال: زدنا يا رسول الله قال: وهكذا. فقال عمر: حسبك يا أبا بكر. فقال أبو بكر: دعني يا عمر، وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا؟ فقال عمر: إن شاء أدخل خلقه الجنة برحمته بكف واحد". فقال النبي "صدق عمر".

طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثنا حميد، عن أنس، عن النبي قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، قالوا: زدنا- وكان على كثيب- فحثا بيده، قالوا: زدنا يا رسول الله: فقال: هكذا، وحثا بيده، قالوا: يا نبي الله: أبعد الله من دخل النار بعد هذا".

قال الحافظ الضياء: لا أعلمه روي عن أنس إلا بهذا الإسناد، وقد سئل ابن معين عن عبد القاص فقال: صالح.

حديث آخر غريب

قال الطبراني: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي ومحمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني قالا: حدثنا أبو حفص عمر بن علي، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي بكر بن أنس، عن أبي بكر بن عمير، عن أبيه، عن النبي قال: "إن الله وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمائة ألف الجنة، فقال عمير: يا رسول الله: زدنا. فقال: هكذا بيده، فقال عمير: يا رسول الله: زدنا. فقال عمر: حسبك يا عمير، فقال عمير: ما لنا ولك يا ابن الخطاب؟ وما عليك أن يدخلنا الله الجنة؟ فقال عمر: إن شاء الله أدخل الناس الجنة بحثية واحدة، فقال رسول الله : "صدق عمر".

قال الحافظ الضياء: لا أعرف لعمير حديثا غيره.

حديث آخر غريب

قال البزار: حدثنا محمود بن بكر، حدثنا أبي، عن عيسى، عن ابن أبي ليلى عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله : "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم، فقام عكاشة فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، فقال رجل آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، فسكت القوم، ثم قال بعضهم لبعض: لو قلنا يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا منهم. فقال : سبقكم بها عكاشة وصاحبه، أما إنكم لو قلتم لقلت، ولو قلت لوجبت ".

حديث آخر

قال أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا إسماعيل بن عباس، سمعت محمد بن زياد يحدث عن أبي أمامة الباهلي. عن النبي ، وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري قالا: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا أبي إسماعيل بن عياش، أخبر محمد بن زياد، سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ولا عتاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل". واللفظ لابن أبي شيبة، وليس عند الطبراني مع كل ألف سبعون ألفا.

طريق أخرى عنه

قال أبو بكر بن أبي عاصم. حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي أمامة، عن رسول الله قال: "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب".

قال أبو يزيد بن الأخنس: والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله إلا مثل الذباب الأصهب في الذباب، فقال رسول الله : "فإن الله قد وعدني سبعين ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، وزادني ثلاث حثيات ".

قال الضياء: رجاله رجال الصحيح إلا الهوزني، واسمه عامر بن عبد الله بن لحي، وما علمت فيه جرحا.

حديث آخر

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو توبة، حدثنا محمد بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن يزيد البكالي: أن سمع عقبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله : "إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا، وزادني ثلاث حثيات، فكبر عمر، وقال: إن السبعين الأولى يشفعهم الله في آبائهم، وأبنائهم، وعشائرهم، وأرجو أن يجعلني الله في أحد الحثيات الأواخر". قال الضياء: لا أعلم لهذا الإسناد علة، والله تعالى أعلم.

حديث آخر

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام يعني الدستوائي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، أن رفاعة الجهني حدثه قال: أقبلنا مع رسول الله ، حتى إذا كنا بالكديد أو قال: بقديد: فذكر حديثا قال فيه: "وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب وإني لأرجو أن يدخلها أحد من الأمم حتى تتبوأوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذراريكم مساكنكم في الجنة".

ورواه يعقوب بن سفيان: عن آدم بن أبي إياس، عن شيبان، عن يحيى بن كثير، قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح، والله تعالى أعلم.

حديث آخر أيضا

قال الطبراني: حدثنا عمرو بن إسحاق بن زريق الحمصي، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبي، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان قال: سمعت رسول الله يقول: "إن ربي وعدني من أمتي سبعين ألفا لا يحاسبون، مع كل ألف سبعون ألفا".

حديث آخر

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو توبة معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله بن عامر: أن قيسا الكندي حدث: أن أبا سعيد الأنماري حدثه: أنه سمع رسول الله قال: "إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، ويشفع كل ألف لسبعين ألفا، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه".

قال قيس: فقلت لأبي سعيد: أنت سمعت هذا من رسول الله قال: نعم بأذني، ووعاه قلبي، قال أبو سعيد: فقال رسول الله : "وذلك- إن شاء الله- يستوعب مهاجري أمتي، ويوفي الله بقيته من أعرابها ".

قال الطبراني: لم يرو عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإسناد، وقد تفرد به معاوية بن سلام، وقال الحافظ الضياء، وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر، عن أبي ثوبة الربيع بن نافع بإسناده، قال أبو سعيد: فحسب ذلك عند رسول الله فبلغ أربعة آلاف ألف ألف وسبعمائة ألف قال: فقال رسول الله : "إن ذلك يستوعب- إن شاء الله- مهاجري أمتي ".

حديث آخر

قال البزار: حدثنا محمود بن بكر، حدثنا أبي، عن عيسى، عن ابن أبي يعلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله : "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم، فقام عكاشة: فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رجل آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، فسكت القوم، ثم قال بعض لبعض، أو قلنا: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنا منهم، قال: سبقكم بها عكاشة وصاحبه، إما أنكم لو قلتم لقلت، ولو قلت لوجبت".

حديث آخر

رواه البيهقي في كتاب البعث والنشور، من حديث الضحاك بن نبراس، حدثني ثابت بن أسلم البناني، عن أبي يزيد المديني، عن عمرو بن حزم الأنصاري، قال: تغيب عنا رسول الله ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة، ثم يرجع، فلما كان اليوم الرابع خرج إلينا، فقلنا: يا رسول الله، احتبست عنا حتى ظننا أنه قد حدث حدث؟ فقال: "إنه لم يحدث إلا خير، إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا لا حساب عليهم، وإني سألت ربي في هذه الأيام الثلاثة المزيد، فوجدت ربي واحدا، ماجدا، كريما، أعطاني مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا، قال قلت: يا رب وتبلغ أمتي هذا. قال: أكمل لك العمد من الأعراب". الضحاك هذا قد تكلموا فيه، وقال النسائي: متروك.

حديث آخر

قال الطبراني: حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثنا أبي، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك قال: قال رسول الله : "أما والذي نفس محمد بيده، ليبعثن الله بكم يوم القيامة إلى الجنة مثل الليل الأسود، زمرة جميعا، يحيطون بالأرض، تقول الملائكة، لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع الأنبياء".

ذكر كيفية تفرق العباد عن موقف الحساب وما إليه أمرهم ففريق من الجنة وفريق من السعير

قال الله تعالى: "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون" [مريم]

وقال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون" وقال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يصدعون" [الروم]

قال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين، وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين، وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين، وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون، وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين، ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون، فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم".

وقال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتيكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين".

وقال تعالى: "يوم يأت لا تكلم نفسن إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ".

وقال تعالى: "يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير".

وقال تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا".

وقال تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوة فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون".

والآيات في هذا كثيرة جدا، لو سردناها كلها لطال الحديث جدا، فلنذكر من الأحاديث ما يناسب هذا المقام، وهي مشتملة على مقاصد كثيرة غير هذا الفصل، وسنشير إليها.

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن عثمان العجلي، حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن مقول، عن القاسم بن الوليد في قوله تعالى: "فإذا جاءت الطامة الكبرى". قال: يساق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار.

إيراد الأحاديث في ذلك آخر أهل الجنة دخولا اليها

قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد: أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي ، وحدثني محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله : "هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس له دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه يوم القيامة، كذلك يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، من كان يعبد الشمس فليتبع الشمس، من كان يعبد القمر فليتبع القمر، من كان يعبد الطواغيت فليتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، حتى إذا جاء ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم... قال رسول الله : "فأكون أول من يمر، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفيه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوكة السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخذول ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله في القصاص بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه. ممن كان يشهد أن لا إله الا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم وقد انحبسوا، فيصب ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار فيقول: يا رب، قد مستني ريحها، وأحرقني حرها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول الله: لعلك إن أعطيتك ذلك لا تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة، فيقول الله: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ فيقول: وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من العهود والمواثيق أن لا يسأل غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب أدخلني الجنة، فيقول: أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك؟ فيقول:. يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل له: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني، فيقال: لك هذا ومثله".

قال أبو هريرة رضي الله عنه: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا في الجنة: قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة، لا يغير عليه شيئا من حديثه، حتى انتهى إلى قوله "لك هذا ومثله" قال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت رسول الله يقول: "ولك عشرة أمثاله"، قال أبو هريرة: ومثله معه. وهكذا رواه البخاري: من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري به، وزاد فقال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله قوله وله عشر أمثاله. وهذا الإثبات من أبي سعيد مقدم على ما لم يحفظه أبو هريرة، حتى ولو نفاه أبو هريرة قدمنا إثبات أبي سعيد لما معه من زيادة الثقة المقبولة، لا سيما وقد تابعه غيره من الصحابة كابن مسعود، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.

وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس إذا كانت صحوا. قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم، إلا كما تضارون في رؤيتها، قال: ثم ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله، من بر أو فاجر، من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم، تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون. قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم. لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. قال: فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن مريم، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، ثم يقال: ما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تستقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله عز وجل، من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم؟ فقد ذهب الناس، فيقال: فارقنا ونحن أحوج إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنا ننتظر ربنا تعالى عز وجل، قال: فيأتيهم الجبار تعالى، عز وجل، في صورة غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا. حتى يأتينا ربنا، حتى إذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، غير الصورة التى رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، لا يكلمه إلا الأنبياء، فيقال: هل بينكم وبينه علامة تعرفونها؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه كما قال تعالى عز وجل: "يوم يكشف عن ساق". ويسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا، ثم يؤتى بالجسر، فيجعل بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسول الله: الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخر يسحب سحبا، فما أنتم بأشد منها شدة في الحق، قد تبين لكم من المؤمن يومئذ، يقولون للجبار: إذا رأوا أنهم قد نجوا، شافعين في إخوانهم، فيقولون: ربنا إخواننا كانوا يقاتلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوهم، ويحرم الله صورهم على النار، وبعضهم، قد غاص في النار إلى قدميه، وبعضهم قد غاص إلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول الله: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا... قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرءوا إن شئتم: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها".

فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، فيقول الجبار عز وجل: "بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة، فيخرج أقواما قد انحبسوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له نهر الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى الظل منها كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل الله في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه،. ثم يقال لهم: لكم ما رأيتم، ومثله معه".

وقال مسلم: حدثنا عبيد الله بن سعيد، وإسحاق بن منصور، كلاهما عن روح، قال عبيد الله: حدثنا روح بن عبادة القيسي، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال: "نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد، الأول فالأول. ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنتظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا. فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم، ويتبعونه، ويعطى لكل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا يتبعه، وعلى جسر جهنم كلاليب، وحسك، يأخذ من شاء الله، ثم ينطفىء نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فينجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البر سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوء نجم في السماء، كذلك، ثم تحل الشفاعة، فيشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة. ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء، حتى ينبتون نبات الحب في السبل، ويذهب خوفه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها".

وقال مسلم: حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وأبو مالك، عن ربعي، عن حذيفة قالا: قال رسول الله : "يجمع الله الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا أبواب الجنة. فيقول: هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى إبراهيم خليل الله قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء، اعمدوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدا، فيقوم، ويؤذن له، وترسل الأمانة والرحمة فيقومان جنبي الصراط يمينا وشمالا، فيمر بكم كالبرق قال: قلت بأبي أنت وأمي، كيف يمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ويمر كمر الريح، ثم كمر المطر، وشد الرحال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم، رب سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفا".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خيثمة، حدثنا عثمان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمارة القرشي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله : "يحشر الله الأمم في صعيد واحد، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه، مثل لكم قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم، حتى يقحموهم النار، ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان رفيع فيقول: ما أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا، فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون نعم. فيقول: وكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: إنه لا عدل له، فيتجلى لنا ضاحكا، فيقول: أبشروا معشر المسلمين، فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا".

وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد وعفان، عن حماد بن سلمة به مثله، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه، ولكن روى مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله أنه قال: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا".

فصل ذكر الصراط غير ما ذكر آنفا من الأحاديث الشريفة

ثم ينتهي الناس بعد مفارقتهم مكان الموقف، إلى الظلمة التي دون الصراط وهي على جسر جهنم كما تقدم عن عائشة أن رسول الله سئل أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال: "هم في الظلمة دون الجسر".

وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحالبينهم وبينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم كما قال تعالى: "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغزور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير".

وقال تعالى: "يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم يقولون ر بنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير".

وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هانىء، والحسن بن يعقوب، وإبراهيم بن عصمة. قالوا: حدثنا المزي بن خزيمة، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا عبد السلام بن حرب، أخبرنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني، حدثنا المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله، قال: يجمع الله الناس يوم القيامة، فينادي مناد، يا أيها الناس: ألا ترضون من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوركم أن يولي كل إنسان منكم إلى من كان يتولى في الدنيا؟ قال: فيتمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، حتى تتمثل لهم الشجرة، والعود، والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثوما، فيقال لهم: ما لكم لم تنطلقوا كما ينطلق الناس. فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد. قال: فيقال: أتعرفون ر بكم إن رأيتموه. فيقولون: بيننا و بينه علامة إن رأيناه عرفناه. قالوا: وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق. قال: فيكشف عند ذلك عن ساق، قال: فيخر- أظنه قال- من كان يعبده ساجدا، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر. يريدون السجود، قال: فلا يستطيعون، ثم يؤمرون، فيرفعون رؤوسهم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره مثل النخلة، بيمنيه ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة، وينطفىء مرة، إذا أضاء قدم قدمه، وإذا انطفأ قام قال: فيمرون على الصراط، كحد السيف، دحض مزلة، فيقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرحل ويرمل رملا، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخريد، وتعلو يد، وتخر رجل، وتعلو رجل، وتصيب جوانبه النار، تقال: فيخلصون، فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن رأيناك، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا، قال مسروق. فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديت إلا ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن: لقد حدثت هذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان من الحديث ضحكت، فقال عبد الله: سمعت رسول الله يحدثه مرارا، فما بلغ هذا المكان من الحديث إلا ضحك، حتى تبدو لهاته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه، يقول الإنسان: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول: لا، ولكني على ذلك،... فضحك ابن مسعود ثم ذكره.

وقد أورده البيهقي بعد هذا من حديث حماد بن سلمة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود فذكره موقوفا، وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله بن أبي مزاحم، حدثنا أبو سعيد المؤذن، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك، سمعت النبي يقول: "الصراط كحد الشعرة، وكحد السيف، وإن الملائكة تحجز المؤمنين والمؤمنات، وأن جبريل عليه الصلاة والسلام يحجزني، وإني لأقول: يا رب: سلم سلم: فالزالون والزالات يومئذ كثير".

وروى البيهقي من حديث سعيد بن زيد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعا نحو ما تقدم بأبسط منه، وإسناده ضعيف، ولكن يتقوى بما قبله والله أعلم.

وقال الثوري: عن حصين، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية قال: إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم، وسيماكم، وحلاكم، ونجواكم، ومجالسكم فإذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان هذ ا نورك، يا فلان لا نور لك، وقرأ: "يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم".

وقال الضحاك: ليس أحد إلا يعطي يوم القيامة نورا، فإذا انتهوا إلى الصراط أطفىء نور المنافقين، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم، كما أطفىء نور المنافقين فقالوا: "ربنا أتمم لنا نورنا".

وقال إسحاق بن بشير أبو حذيفة، حدثني ابن جريج، عن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم، سترا منه على عباده، فأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورا، وكل منافق نورا، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: انظرونا نقتبس من نوركم، وقال المؤمنون: ر بنا أتمم لنا نورنا: ولا يذكر عند ذلك أحد".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله بن وهب، أخبرنا عمي أبو يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بن مسعود، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران، عن النبي قال: "أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود، وأول من يؤذن له فيرفع رأسه، فأنظر من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فأعرف أمتي من بين الأمم، فقال له رجل: يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك. قال: أعرفهم غرا محجلين من أثر الوضوء، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم، يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم، ووجوههم، وأعرفهم بنورهم، يسعى بين أيديهم وأيدي ذريتهم".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبده بن سليمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر. قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق، ومعنا أبو أمامة الباهلي، فلما صلى على الجنازة، وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: أيها الناس، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر، وهو هذا- يشير إلى القبر- بيت الوحدة، وبيت الظلمة، وبيت الدود، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله، ثم تنقلون منه إلى مواطن يوم القيامة، في بعض تلك المواطن يغشى الناس أمر من أمر الله، فتبيض وجوه، وتسود وجوه، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر، فيغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور، فيعطى المؤمن نورا، ويترك الكافر والمنافق، فلا يعطيان شيئا وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه: "ومن لم يجعل الله لة نورا فما له من نور".

لا يستضيء الكافر والمنافق، كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير ويقول المنافقون للذين آمنوا: "انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا".

وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقون حيث قال: "يخادعون الله وهو خادعهم".

فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئا، فيصرفون إليهم وقد: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب".

قالا: هو حائط بين الجنة والنار، وهو الذي قال الله تعالى فيه: "وبينهما حجاب".

وهذا هو الصحيح، وما روي عن عبد الله بن عمرو وكعب الأحبار عن كتب الإسرائيليين أنه سور بيت المقدس ضعيف جدا، فإن كان أراد المتكلم بهذا الكلام ضرب مثال وتقريبا للمغيب بالشاهد فذاك، ولعله مرادهم والله أعلم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني الربيع بن ثعلب، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن المطعم بن المقدام الصنعاني وغيره، عن أحمد قال. كتب أبو الدرداء إلى سلمان: يا أخي إياك أن تجمع من الدنيا ما لا تؤدي شكره، فإني سمعت رسول الله يقول: "يجاء بصاحب الدنيا الذي أطاع الله فيها وماله بين يديه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: امض، فقد أديت حق الله في؟، قال: ثم يجاء بصاحب الدنيا الذي لم يطع الله فيها، ماله بين كتفيه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: ألا أديت حق الله في؟ فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور".

وعن عبيد بن عمير، أنه كان يقول: "أيها الناس إنه جسر مجسور، أعلاه دحض مزلة، والملائكة على جنبات الجسر يقولون: رب سلم قال: وإن الصراط مثل السيف على جسر جهنم، وإن عليه كلاليب وحسكا، والذي نفسي بيده، إنه ليؤخذ بالكلاب الواحد أكثر من ربيعة ومضر".

وعن سعيد بن أبي هلال قال: "بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو على الجسر يكون على بعض الناس أدق من الشعر، وعلى بعض الناس مثل الوادي الواسع" ر واه ابن أبي الدنيا.

وقال أيضا: حدثني الخليل بن عمرو، حدثنا ابن السماك، عن أبي واعظ الزاهد قال: "بلغني أن الصراط ثلاثة آلاف سنة. ألف سنة يصعد الناس عليه، وألف سنة يستوي الناس، وألف سنة يهبط الناس".

وقال أيضا، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شريك عن أبي قتادة، عن سالم بن أبي الجعد قال: إن جهنم ثلاثة قناطر: قنطرة عليها الأمانة، وقنطرة عليها الرحم، وقنطرة عليها الله، وهي المرصاد فمن نجا من هاتين لم ينج من هذه ثم قرأ: "إن ربك لبالمرصاد".

وقال عبيد الله بن الفراء: "يمد الصراط يوم القيامة بين الأمانة والرحم، وينادي مناد: ألا من أدى الأمانة، ووصل الرحم، فليمض آمنا غير خائف". رواه ابن أبي الدنيا.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن إدريس، حدثنا أبو ثوبة الربيع بن نافع الحلبي، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الرحمن، حدثني رجل من كندة قال: دخلت على عائشة وبيني وبينها حجاب، فقلت: إن في نفسي حاجة لم أجد أحدا يشفيني منها، قالت لي: مم أنت؟ قلت: من كندة، قالت: من أي الأجناد أنت؟ قلت: من أهل حمص، قالت: ما حاجتك؟ قلت: أحدثك رسول الله أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد شفاعة؟ قالت: نعم، لقد سألته عن هذا، وأنا وهو في شعار واحد، فقال: نعم حين يوضع الصراط، لا أملك لأحد شيئا، حتى أعلم أين يسلك بي، ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، حتى أنظر ما يفعل بي، وعند الجسر حين يستحد ويستحر قال: وما يستحد ويستحر؟ قال: يستحد حتى يكون مثل شعرة السيف، ويستحر حتى يكون مثل الجمر، فأما المؤمن فيجتازه ولا يضره، وأما المنافق فيتعلق حتى يبلغ أوسطه حر في قدميه، فيهوي بيده إلى قدميه، قالت: هل رأيت من يسعى حافيا فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ من قدميه؟ فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه وقدميه، فيضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه، فيقذف به في جهنم، يهوي فيها مقدار خمسين عاما، فقلت: ما مثل الرجل؟ قالت: مثل عشر خلفات سمان، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم، فيؤخذ بالنواصي والأقدام.

قال الله تعالى: "فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".

أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة، أنه سيجمع بني آدم، ممن كان يطيع الشياطين في جهنم جثيا، أي جلوسا على الركب كما قال: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها".

وعن ابن مسعود: قياما وهم يعاينون هولها، ومكاره منظرها، وقد جزموا أنهم داخلوها لا محالة كما قال تعالى: "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ر بك وعدا مسئولا".

وقال تعالى: "لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم".

ثم أقسم الله تعالى أن الخلائق كلهم سيرون جهنم فقال تعالى: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا".

قال ابن مسعود: قسما واجبا. وفي الصحيحين من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم". وروى الإمام أحمد، عن حسن، عن ابن لهيعة، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ، بن أنس، عن أبيه: أن رسول الله قال: "من حرس من وراء المسلمين متطوعا، لا بأجر سلطان، لم ير النار بعينه، إلا تحلة القسم".

قال الله تعالى: "وإن منكم إلا واردها" وقد ذكر تمام الحديث، وقد اختلف المفسرون في المراد بالورود، وما هو، والأظهر كما قررناه في التفسير أنه المرور على الصراط ".

قال الله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".

وقال مجاهد: الحمى حظ كل مؤمن من النار: "وإن منكم إلا واردها".

وقد روى ابن جرير: حدثنا بشبه هذا فقال، حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عبد الرحمن، عن تميم، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله يعود رجلا من أصحابه وعكا وأنا معه ثم قال: "إن الله تعالى يقول: "هي نار أسلطها على عبدي المؤمن، لتكون حظه من النار، في الآخرة". وهذا إسناد حسن.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن إسرائيل، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، في تفسير قول الله تعالى: "وإن منكم إلا واردها" قال: قال النبي : "يرد الناس كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم".

وهكذا رواه الترمذي من حديث إسرائيل، عن السدي به مرفوعا، ثم رواه من حديث شعبة، عن السدي، به فوقفه، وهكذا رواه أسباط عن السدي، عن مرة، عن ابن مسعود قال: "يرد الناس جميعا الصراط، وورودهم قيامهم حول النار، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر كمر البرق، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمر كأجاويد الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه، ثم يتكفأ به الصراط، والصراط دحضا مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه عليهما ملائكة، معهم كلاليب من نار، يخطفون بها الناس". وذكر تمام الحديث، وله شواهد مما مضى، ومما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزهراء، عن ابن مسعود قال: يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم، أولهم كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كأسرع البهائم كذلك، حتى يمر الرجل سعيا، حتى يمر الرجل ماشيا، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه، ثم يقول: يارب: لم أبطأت بي؟ فيقول: لم أبطىء بك، إنما أبطأ بك عملك.

وروي نحوه من وجه آخر، عن ابن مسعود مرفوعا، والوقوف أصح والله أعلم، وقال الحافظ أبو نصر الوائلي في كتاب الإنانة: أخبرنا محمد بن محمد بن الحجاج، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الربعي، حدثنا علي بن الحسين أبو عبيد الله، حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا أبو همام الفرسي، عن سليمان بن المغيرة، عن قيس بن قيس بن مسلم، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "علم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة، فلا تحدثن في دين الله حدثا برأيك". ثم قال: وهذا غريب الإسناد، والمتن حسن أورده القرطبي.

وقال الحسن بن عرفة: حدثنا مروان بن معاوية، عن بكار بن أبي مروان، عن خالد بن معدان قال: قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار؟ فيقال: قد مررتم عليها وهي خامدة.

وقد ذهب آخرون إلى أن المراد بالورود الدخول، قاله ابن عباس وعبد الله بن رواحة، وأبو ميسرة، وغير واحد.

وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا غالب بن سليمان، عن كثير بن زياد البرساني، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين آمنوا، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعا. وقال سلمان: يدخلونها جميعا، وأهوى بإصبعه إلى أذنيه وقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله يقول: "لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم، حتى إن للناس ضجيجا من ورودهم، ثم تلا قول الله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".

لم يخرجوه في كتبهم، وهو حسن.

وقال أبو بكر أحمد بن سليمان النجار: حدثنا أبو الحسن محمد ابن عبيد الله بن إبراهيم بن عبدة السليطي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشتجي، حدثنا سليم بن منصور بن عمار، حدثني منصور بن عمار، حدثني بشير بن طلحة الخزامي، عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه، عن رسول الله قال: "تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جزيا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي". وهذا حديث غريب جدا..

وقال ابن المبارك: عن سفيان، عن رجل، عن خالد بن معدان قال: قالوا ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار؟ فيقال: إنكم مررتم عليها وهي خامدة.

وفي رواية عن خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا إنا نرد النار؟ فيقال: إنكم وردتموها فألفيتموها رمادا.

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي السليل، عن غنيم بن قيس قال: ذكروا ورود النار، فقال: تمسك النار بالناس بأنها تحتف إهالة، حتى تشوى عليها أقدام الخلائق، برهم وفاجرهم، ثم يناديها مناد: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، قال: فيخسف بكل ولي لها والله أعلم بهم من الرجل بولده- ويخرج المؤمنين بيديه، وروى مثله عن كعب الأحبار.

وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن إدريس حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم ميسرة امرأة زيد بن حارثة قالت: كان رسول الله في بيت حفصة، فقال: "لا يدخل النار أحد شهد بدرا، والحديبية، فقالت حفصة: أليس الله يقول: "وإن منكم إلا واردها". فتلا رسول الله قول الله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".

ورواه أحمد أيضا، عن معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عن أم ميسرة، عن حفصة، عن النبي فذكر مثله، ورواه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير سمع عن جابر، عن أم ميسرة، فذكر نحوه وقد تقدم، وستأتي في أحاديث الشفاعة كيفية جواز المؤمنين على الصراط وتفاوت سيرهم عليه، بحسب أعمالهم، وقد تقدم أنه أول الأنبياء إجازة بأمته على الصراط.

وعن عبد الله بن سلام: محمد أول الرسل إجازة، ثم عيسى، ثم موسى، ثم إبراهيم، حتى يكون آخرهم إجازة نوح عليه السلام، فإذا خلص المؤمنون من الصراط تلقتهم الخزنة، يهدونهم إلى الجنة. وثبت في الصحيح: "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها- وللجنة ثمانية أبواب-: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الزكاة دعي من باب الزكاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: يا رسول الله: ما على امرء يدعى من أيها شاء من ضرورة، فهل يدعى أحد منها كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر..." وإذا دخلوا إلى الجنة هدوا إلى منازلهم، فهم أعرف بها من منازلهم التي كانت في الدنيا، كما سيأتي بيانه في الصحيح عند البخاري رحمه الله.

وقد قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عطاء بن يسار، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله : "لا يدخل الجنة إلا بجواز: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله، لفلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية"..

وقد رواه الحافظ الضياء من طريق سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، أن رسول الله قال: "يعطى المؤمن جوازا على الصراط: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، لفلان، أدخلوه جنة عالية، قطوفها دانية".

وروى الترمذي في جامعه: عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله : "شعار المؤمن على الصراط: رب سلم سلم: ثم قال: غريب.

وفي صحيح مسلم: "نبيكم يقول: رب سلم سلم". وجاء: أن الأنبياء تقول ذلك، وكذلك الملائكة كلهم يقولون ذلك وثبت في صحيح البخاري من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: "إذا خلص المؤمنون من الصراط، حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن بدخول الجنة، فلأحدهم أهدى إلى منزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا".

وقد تكلم القرطبي في التذكرة على الحديث، وجعل هذه القنطرة صراطا ثانيا للمؤمنين خاصة، وليس يسقط منه أحد في النار.

قلت : هذه بعد مجاوزة النار، فقد تكون هذه القنطرة منصوبة على هول آخر، مما يعلمه الله، ولا نعلمه، وهو أعلم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا مؤيد بن سعيد، حدثنا صالح بن موسى، عن ليث، عن عثمان، عن محمد بن أنس بن مالك، قال. قال رسول الله : "يقول الله تعالى يوم القيامة: جوزوا النار بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بفضائل أعمالكم".

وهذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن قتادة. عن عبد الله من قوله مثله، وهو منقطع، بل معضل، وقد قال بعض الوعاظ فيما حكاه القرطبي في التذكرة: "توهم نفسك يا أخي إذا سرت على الصراط، ونظرت إلى جهنم تحتك سوداء مدلهمة، وقد تلظى سعيرها، وعلا لهيبها وأنت تمشي أحيانا، وتزحف أحيانا أخرى، ثم أنشد:

أبت نفسي تثوب فما احتيالي.......إذا برز العباد لذي الجلال؟

وقاموا من قبورهم حيارى........بأوزار كأمثال الجبال

وقد نصب الصراط لكي يجوزوا........فمنهم من يكب على الشمال

ومنهم من يسير لدار عدن.........تلقاه العرائس بالغزالي

يقول له المهيمن: ياوليي.........غفرت لك الذنوب فلا تبالي

قال الله تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا".

ورد في الحديث: كما سيأتي: "أنهم يؤتون بنجائب من الجنة يركبونها". وفي الحديث: "أنهم يؤتون بها عند قيامهم من قبورهم".

وفي صحة ذلك نظر، إذ قد تقدم في حديث: "إن الناس كلهم يحشرون مشاة، ورسول الله راكب ناقة، وبلال ينادي بالأذان بين يديه، فإذا قال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله: صدقه الأولون والآخرون".

فإذا كان هذا من خصائص رسول الله ، فإنما يكون إتيانهم بالنجائب بعد الجواز على الصراط، وهو الأشبه والله أعلم. وقد ورد في حديث الصور: "أنه يضرب لهم حياض، بعد مجاوزة الصراط، وأنهم إذا وصلوا إلى باب الجنة يستشفعون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى ثم محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيكون رسول الله هو الشفيع لهم في ذلك".

كما ثبت في الصحيح عند مسلم، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم، ورواه ابن الإمام أحمد عنه، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، عن رسول الله أنه قال. "آتي باب الجنة، فأستفتح، فيقول خازنها: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك ". وقال مسلم: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن المختار ابن فليفل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "أنا أكثر الأنبياء تبعا ليوم القيامة وأول من يقرع باب الجنة".

وفي صحيح مسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا اشفع لنا، فيقول لهم: أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك".

وذكر تمام الحديث، وهو شاهد قوي لما ذكر في حديث الصور، من ذهابهم إلى الأنبياء مرة ثانية، يستشفعون بهم إلى الله، ليستأذنوه لهم في دخولهم الجنة، ويتعين لها رسول الله ، كما تعين للشفاعة الأولى العظمى، كما تقدم. والله أعلم.

وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثنا سويد بن سعيد قال: كنا جلوسا عند علي فقرأ هذه الآية: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا". فقال: "والله ما على أرجلهم يحشرون، ولا يحشر الوفد على أرجلهم ولكن بنوق لم تر الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب، ليركبوا عليها حتى يضربوا أبواب الجنة".

ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وزاد بعدها: "رحائل من ذهب أين منها الزبرجد" والباقي مثله.

وقال ابن حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو غسان، حدثنا مالك إسماعيل النهدي: حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي: سمعت أبا معاذ البصري قال: إن عليا كان يوما عند رسول الله فقرأ علي هذه الآية: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا". فقال: ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله؟ فقال النبي : "والذي نفسي بيده إنهم إذ يخرجون من قبورهم يستقبلوق، أو يؤتون بنوق بيض، لها أجنحة، وعليها رحال الذهب، شراك نعالهم نور يتلألأ، كما خطوة منها مد البصر، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما، فيغسل ما في بطونهم من دنس، ويغتسلون من الأخرى، فلا تشعث أبشارهم بعدها أبدا، وتجري عليهم نضرة النعيم، فينتهون، أو فيأتون باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فيضربون باب الحلقة على الصفائح، فسمع لها طنين، بأعلى، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتبعث قيمها فيفتح له، فإذا رآه خر له. قال مسلمة: أراه قال: ساجدا فيقول: ارفع رأسك؟ إنما أنا قيمك، وكلت بأمرك، فيتبعه ويقفو أثره، فيستخف الحوراء بالعجلة، فتخرج من خيام الدر والياقوت، حتى تعتنقه، ثم تقول: أنت حبي. وأنا حبك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا المقيمة التي لا أظن، فيدخل بيتا من أسه إلى سقفه مائة ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ، طرائقه أحمر وأخضر وأصفر، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها، وفي البيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون حشية على كل حشية سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الحلل، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه، الأنهار من تحتهم تطرد، أنهار من ماء غير آسن قال: صاف لا كدر فيه، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من ضروع الماشية، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم يعصرها الرجال بأقدامهم، وأنهار من عسل مصفى، لم يخرج من بطون النحل، فيستحلى الثمار، فإن شاء أكل قائما، وإن شاء متكئا ثم تلا: "ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا". فيشتهي الطعام، فيأتيه طير أبيض قال: وربما قال: أخضر، فيرفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء، ثم تطير، فيذهب، فيدخل الملك، فيقول سلام عليكم: "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون". ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض، لصارت الشمس معها سوادا في نور"، وقد رويناه في الجعديات من كلام علي موقوفا عليه، وهو أشبه بالصحة والله أعلم.

وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي قال: ذكر النار فعظم أمرها ذكرا لا أحفظه ثم تلا قول الله تعالى: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا". ثم قال: حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها، وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما، كأنما أمروا بها، فشربوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من قذى، أو أذى، أو بأس، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتطهروا منها، فجرت عليهم نضرة النعيم، ولم تتغير أشعارهم بعدها أبدا، ولا تشعث رؤوسهم، كأنما دهنوا بالدهان، ثم إذا انتهوا إلى الجنة، فقال لهم خزنتها: "سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين". ثم يلقاهم الولدان: فيطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم، يقدمون عليهم فيقولون: أبشر بما أعد الله لكم من الكرامة، ثم ينطلق غلام من تلك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين، فيقول: جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا، قالت: أنت رأيته؟ قال: أنا رأيته، وهو ما رآني، فيستخف إحداهن الفرح، حتى يكون، على أسكفة الباب، فإذا انتهى إلى منزلة نظر إلى أساس بنيانه، فإذا جندل اللؤلؤ، فوقه صرح أحمر، وأخضر، وأصفر، من كل لون، ثم رفع رأسه، فنظر إلى سقفه، فإذا مثل البرق، ولولا أن الله قدره لذهب بصره، ثم طأطأ رأسه، فإذا أزواجه، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، و زرابي مبثوثة، ثم اتكأ فقال: "الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله". لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون... ثم ينادي مناد: تحيون فلا تموتون أبدا، وتقيمون فلا تظعنون أبدا، وتصحون فلا تمرضون أبدا.

وهذا لا يقتضي تغير الشكل من الحال التي كان الناس عليهم في الدنيا، إلى طول ستين ذراعا، وعرض ستة أذرع، كما هي صفة كل من دخل الجنة، كما ورد به الحديث، يكون عند العينين اللتين يغتسلون من إحداهما، فيغسل ما في بطونهم من الأذى، ومن الأخرى، فتجري عليهم نضرة النعيم، وكلهم أنسب وأقرب مما جاء في الحديث المتقدم: "أن ذلك يكون في العرصات " لضعف إسناده.

وقد أبعد من زعم أن ذلك يكون عند المقام من القبور، لما يعارضه من الأدلة القائمة على خلاف ذلك، والله تعالى أعلم.

وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: ذكر لنا أن الرجل اذا دخل الجنة، وصور صورة أهل الجنة، وألبس لباسهم، وحلى حليهم، وأري أزواجه وخدمه، يأخذه سوار فرح. ولو كان ينبغي أن يموت لمات من سوار فرحه، فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه؟ فإنها قائمة لك أبدا"..

وقال ابن المبارك: أخبرنا رشدين بن سعد، عن زهرة، عن معد القرشي، عن أبي عبد الرحمن الجيلي قال: إن العبد أول من يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ.

قال ابن المبارك: وأنبأنا يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن زحر، عن محمد بن أيوب، عن أبي عبد الرحمن المعافري، قال: "إنه ليصنف للرجل من أهل الجنة سماطان، لا يرى طرفاهما من غلمانه، حتى إذا مر مشوا وراءه".

وروى أبو نعيم عن مسلمة، عن الضحاك بن مزاحم، قال: "إذا دخل المؤمن الجنة، دخل أمامه ملك، فيأخذ به في سككها، فيقول له: انظر، ماذا ترى؟ فيقول: أرى أكثر القصور التي رأيتها من ذهب وفضة، فيقول الملك: إن هذا لك، حتى إذا ظهر لمن فيها، استقبلوه من كل باب، ومن كل مكان، قائلين: نحن لك، ثم يقول: امش. فيقول: ماذا ترى؟ فيقول: خيام هي أكثر خيام رأيتها عساكر، وأكثرها أنيسا، فيقول: "إن هذا أجمع لك، فإذا ظهر لمن فيها استقبلوه قائلين: نحن لك.

وقال أحمد بن أبي الحواري: عن أبي سليمان الدارني في قوله تعالى: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا". إن الملك ليأتي بالتحفة إلى ولي الله عز وجل، فما يصل إليه إلا بإذن، فيقول لحاجبه: استأذن لي على ولي الله، فيعلم ذلك الحاجب حاجبا آخر، وحاجبا بعد حاجب، ومن داره إلى دار السلام، باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا إذن، ورسول رب العزة لا يدخل عليه إلا بإذن".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الملك بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، قال: كنا جلوسا الى عبد الله بن سلام فقال: "إن أكرم خليقة الله على الله- سبحانه وتعالى- هو أبو القاسم : "وإن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض، فإذا كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة أمة، ونبيا نبيا، ثم يوضع جسر على جهنم، ثم ينادي مناد: أين أحمد وأمته؟ فيقوم وتتبعه أمته، برها، وفاجرها، فيأخذون الجسر، ويطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون فيها، من شمال ويمين، وينجو النبي ، والصالحون معه، وتتلقاهم الملائكة، وبناء بيوتهم ومنازلهم من الجنة على يمينك، وعلى يسارك، حتى ينتهي إلى ربه، فيلقى له كرسي من الجانب الآخر، ثم يتبعهم الأنبياء والأمم، حتى يكون آخرهم نوح عليه الصلاة والسلام". وهذا موقوف على ابن سلام رضي الله عنه.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: "يوضع الصراط يوم القيامة، وله حد كحد الموسى، فتقول الملائكة: ربنا: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: ربنا: ما عبدناك حق عبادتك".

فصل ذكر بعض صفات أهل الجنة وبعض ما أعد من نعيم لهم

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون فيها، ولا يتغوطون فيها، وأمشاطهم الذهب والفضة، ومجامرهم من الألوة، وريحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشية".

وهكذا رواه مسلم: عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، وأخرجه البخاري، عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك كلاهما عن معمر به.

وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على صورة أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، وريحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، وأخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم، ستون ذراعا" رواه مسلم: عن أبي خيثمة، واتفقا عليه من حديث جرير.

ذكر بعض ما ورد في سن أهل الجنة

وروى الإمام أحمد، والطبراني: واللفظ له، من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "يدخل أهل الجنة جردا، مردا، بيضا، جعادا، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، على خلق آدم، ستون ذراعا، في عرض سبع أذرع".

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن إسماعيل العدوي، حدثنا عمر بن مرزوق، أخبرنا عمران القطان، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله قال: "يدخل أهل الجنة جردا، مردا، مكحلين، بني ثلاث وثلاثين".

ورواه الترمذي: من حديث عمران بن داود القطان، ثم قال: هذا حديث حسن غريب.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هشام، حدثنا صفوان بن صالح، حدثني جرد بن جراح العسقلاني، حدثنا الأوزاعي، عن هارون بن رياب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم، ستين ذراعا بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى، ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد جردا، مردا، مكحلين".

وقد رواه أبو بكر بن أبي داود، حدثنا محمود بن خالد، وعباس بن الوليد، قالا: حدثنا عمر، عن الأوزاعي، عن هارون بن رياب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "يبعث أهل الجنة على صورة آدم، ميلاد ثلاث وثلاثين سنة، جردا، مردا، مكحلين، ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة، فيكتسون منها، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم".

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن دراجا أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال: "من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير، يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة، لا يزيدون عليها أبدا، كذلك أهل النار".

ورواه الترمذي: عن سويد بن نضر، عن ابن المبارك، عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث.

كتاب صفة النار وما فيها من العذاب الأليم

أجارنا الله تعالى منها برحمته، إنه جواد كريم

قال الله تعالى: "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين".

وقال تعالى: "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

وقال تعالى: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار".

وقال تعالى: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين".

وقال تعالى: "إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما".

وقال تعالى: "إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا".

وقال تعالى: "إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم".

وقال تعالى: "إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين".

وقال تعالى: "وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون".

وقال تعالى: "ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون".

وقال تعالى: "لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد".

وقال تعالى: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا و بكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا".

وقال تعالى: "هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوفوا عذاب الحريق".

وقال تعالى: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون وومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ألم تكن آياتين تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا". وقال تعالى: "بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيطا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا".

وقال تعالى: "فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن تالله إن كنا لفي مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم".

وقال تعالى: "أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون".

وقال تعالى: "نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ".

وقال تعالى: "وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون".

وقال تعالى: "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا

يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا".

وقال تعالى: "والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير".

وقال تعالى: "هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون".

وقال تعالى: "احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون".

وقال تعالى: "هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق، وآخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار".

وقال تعالى: "وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين".

وقال تعالى: "إن الذين كفزوا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير".

قال تعالى: "فوقاهم الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وإذ يتجاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار".

وقال تعالى: "الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون، إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم أين ماكنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفرحون ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين".

وقال تعالى: "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون وقال الذين كفروا ر بنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين".

وقال تعالى: "إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون".

وقال تعالى: "إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون".

وقال تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهاز من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم".

وقال تعالى: "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد".

وقال تعالى: "يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصر ون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ماكنتم تعملون".

وقال تعالى: "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".

وقال تعالى: "يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام فبأي آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وقال تعالى: "وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكنا ترابا وعظاما أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما نخرة أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون".

وقال تعالى: "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير".

وقال تعالى: "يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".

وقال تعالى: "وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير".

وقال تعالى: "كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون".

وقال تعالى: "وأما من أؤتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوة فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس لة اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون".

وقال تعالى: "يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى".

وقال تعالى: "سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب و يزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر".

وقال تعالى: "كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين".

وقال تعالى: "إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا".

وقال تعالى: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذ للمكذبين".

وقال تعالى: "إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقأ أنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناة كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا". وقال تعالى: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين".

وقال تعالى: "فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى".

وقال تعالى: "إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا".

كما قال تعالى: "وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع".

وقال تعالى: "كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد".

وقال سبحانه وتعالى: "والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار موصدة".

وقال تعالى: "ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة".

قال ابن المبارك: عن خالد بن أبي عمران بسنده، أن رسول الله قال: "إن النار تأكل أهلها، حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت، ثم يعود كما كان، ثم يستقبله أيضا، فيطلع على فؤادهم، فهم كذلك أبدا".

فذلك قوله: "نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة".

وقد تركنا إيراد آيات كثيرة خوف الإطالة، وفيما أوردناه إشارة إلى ما تركنا إيراده و بالله المستعان وستأتي الأحاديث الواردة في صفة جهنم- أجارنا الله تعالى منها، بحوله وقوته آمين- مرتبة على ترتيب حسن وبالله التوفيق.

وقال ابن المبارك: أخبرنا معمر: عن محمد بن المنكدر، قال: لما خلقت النار، فزعت الملائكة، وطارت أفئدتها، فلما خلق آدم سكن ذلك عنهم، وذهب ما كانوا يحذرون.

فتى من الأنصار يميته خوف النار

وقال ابن المبارك: أخبرنا محمد بن مطرف، عن الثقة، أن فتى من الأنصار داخلته من النار خشية، فكان يبكي عند ذكر النار، حتى حبسه ذلك في البيت، فذكر ذلك للنبي ، فجاءه في البيت، فلما دخل نبي الله اعتنقه الفتى، وخر ميتا، فقال رسول الله : "جهزوا صاحبكم، فإن الفرق من النار فلذ كبده".

وقال القرطبي: وروي أن عيسى عليه السلام مر بأربعة آلاف امرأة متغيرات الألوان، وعليهن مدارع الشعر والصوف، فقال عيسى: ما الذي غير ألوانكن معاشر النسوة؟ قلن: ذكر النار غير ألواننا يا ابن مريم: إن من دخل النار لا يذوق فيها بردا ولا شرابا. ذكره الخرائطي في كتاب التنور.

سلمان الفارسي وخشيته من عذاب النار

وروي أن سلمان الفارسي لما سمع قوله تعالى: "وإن جهنم لموعدهم أجمعين". فر ثلاثة أيام هاربا من الخوف، لا يعقل، فجيء به إلى النبي فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية: "وإن جهنم لموعدهم أجمعين".

فو الذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبي، فأنزل الله تعالى: "إن المتقين في ظلال وعيون". ذكره الثعالبي.

ذكر جهنم وشدة سوادها أجارنا الله منها

قال تعالى: "وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون".

قال الله تعالى: "وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية".

وقال تعالى: "تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع".

وقال تعالى: "يطوفون بينها وبين حميم". أي حار، قد تناهى حره، وبلغ الغاية في ذلك.

جهنم والعياذ بالله تعالى أشد سبعين مرة من نار الدنيا

وقال مالك في الموطأ: عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال. "نار بني آدم التي توقدون، جزء من سبعين جزء من نار جهنم، فقالوا: يا رسول الله. إن كانت لكافية، فقال. إنها فضلت عليها بتسعة وتسعين جزء".

ورواه البخاري: عن إسماعيل بن أبي إدريس، عن مالك، وأخرجه مسلم: عن قتيبة، عن المغيرة بن عبد الرحمن الخزامي، عن أبي الزناد، به نحوه.

وقال أحمد: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي : "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم، وقد ضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد". على شرط الصحيحين.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم يقول: "نار ابن آدم التي توقدون، جزء من سبعين جزء من نار جهنم".

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله- : "ناركم هذه التي يوقدها بنو آدم جزء واحد من سبعين جزء من حر جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافية. قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزء، كلهن مثل حرها".

قال أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن خالد العسكري، حدثنا سعيد بن مسلمة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إن ناركم هذه، وكل نار أوقدت، أو هم يوقدونها، جزء من سبعين جزء من نارجهنم".

طريق أخرى بلفظ آخر

قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز، عن سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم".

وهذا الإسناد على شرط مسلم، وفي لفظه غرابة، وأكثر الروايات عن أبي هريرة جزء من سبعين جزء. وقد ورد الحديث عن غيره كذلك، من طريق عبد الله بن مسعود.

كما قال البزار: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا عبيد الله بن إسحاق العطار، حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن معمر بن ميمون، عن عبد الله، قال: قال رسول الله : "الرؤيا الصالحة بشرى، وهي جزء من سبعين جزء من النبوة، وإن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من سموم جهنم، وما دام العبد ينتظر الصلاة فهو في صلاة، ما لم يحدث". قال البزار: وقد روي موقوفا من طريق أبي سعيد.

كما قال البزار أيضا: حدثنا محمد بن الليث، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا شيبان، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم، لكل جزء منها حرها".

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال، حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزاعي، حدثنا معن بن عيسى القزاز، عن مالك بن أنس، عن عمه أبي سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم. هي أشد دخانا من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفا". قال الحافظ الضياء: وقد رواه ابن مصعب، عن مالك، فوقفه، وهو عندي على شرط الصحيح.

أوقد على نار جهنم ثلاثة آلاف عام حتى أصبحت سوداء مظلمة

وروى الترمذي، وابن ماجه: كلاهما عن ابن عباس الدوري، عن يحيى بن أبي بكير، عن شريك عن عاصم، عن أبي عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله "أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى أبيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة".

قال الترمذي: ولا أعلم أحدا رفعه غير يحيى بن بكير، عن شريك، كذا قال الترمذي رحمه الله.

وقد روى أبو بكر بن مردويه الحافظ عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن الحسن بن مكرم، عن عبيد الله بن سعد، عن عمه، عن شريك مثله.

نار جهنم لا ينطفىء حرها ولا يصطلى بلهيبها

وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبيد الله الحافظ أبو سعيد، عن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن سلمان، قال: قال رسول الله : "النار لا يطفأ حرها، ولا يصطلى بلهيبها، قال: ثم قرأ: "ونقول ذوقوا عذاب الحريق".

قال البيهقي: ورفعه ضعيف، ثم رواه من وجه آخر موقوفا.

وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن يونس بن عنان الدلال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس، قال: تلا رسول الله قول الله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاط شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".

وقال: "أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى اسودت، فهي سوداء لا يضيء لهبها".

وقال ابن مردويه: حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلمة، حدثنا الحكم بن مروان، حدثنا سلام الطويل، عن الأجلح بن عبد الله الكندي، عن عدي بن عدي، قال: قال عمر بن الخطاب: "أتى جبريل النبي في حين لم يكن يأتي فيه، فقال: يا جبريل: ما لي أراك متغير اللون؟ فقال: إني لم آتك حتى أمر الله بفتح النار، فقال النبي : "يا جبريل: صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال: إن الله أمر بها، فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها. وقال: والذي بعثك بالحق، لو أن حلقة من حلق السلسلة التي نعت الله تعالى في كتابه، وضعت على جبال الدنيا لأذابتها، فقال النبي : "حسبي يا جبريل، لا يتصدع قلبي، فنظر النبي فوجد جبريل عليه السلام يبكي، فقال: يا جبريل: تبكي وأنت من الله بالمكان الذي أنت به من الله؟ فقال: وما يمنعني أن أبكي، وأنا لا أدري أن أكون في علم الله على غير هذه الحال، فقد كان إبليس مع الملائكة، وقد كان هاروت وماروت من الملائكة، فلم يزل النبي يبكي هو وجبريل، حتى نودي: يا محمد: ويا جبريل، إن الله قد أمنكما أن تغضبا. قال: فارتفع جبريل، وخرج النبي ، فمر بقوم من أصحابه يتحدثون ويضحكون، فقال: تضحكون وجهنم من ورائكم؟ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى، فأوحى الله تعالى يا محمد: إني بعثتك مبشرا قال: فقال رسول الله : "أبشروا وسددوا وقاربوا". وقال الضياء، قال الحافظ أبو القاسم: يعني إسماعيل بن محمد بن الفضل. هذا حديث حسن، وإسناده جيد.

أبو طالب أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة

وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد، عن عبد الله بن حباب عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح يبلغ كعبه، تغلي منه أم دماغه" .

وقد رواه مسلم من حديث يزيد بن أبي حبيب به: عن مهيل بن أبي صالح، عن النعمان بن المنذر ابن أبي عباس، عن أبي سعيد، أن رسول الله قال: "أدنى أهل النار عذابا ينتعل بنعل من نار، يغلي دماغه من حرارة نعليه".

وقال أحمد: حدثنا حسن وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي سعيد الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : "أهون أهل النار عذابا رجل في رجليه نعلان، يغلي منهما دماغه". وساق أحمد تمام الحديث.

وقال البخاري: حدثنا محمد بن يسار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، سمعت أبا إسحاق، سمعت النعمان، سمعت النبي يقول: "إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه". ورواه مسلم من حديث شعبة.

وقال البخاري: وحدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا عن أبي إسحاق، عن النعمان بن بشير، سمعت النبي يقول: "إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ويغلي القمقم".

وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن عباس، أن رسول الله قال: "أهون أهل النار عذابا أبو طالب، ينتعل بنعلين يغلي منهما دماغه".

وقال أحمد: حدثنا يحيى عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي : "أهون أهل النار عذابا عليه نعلان، يغلي منهما دماغه". وفي هذا الإسناد، أن رسول الله قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا".

وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا زائدة، عن المختار بن فلفل، عن أنس، قال: قال رسول الله : "والذي نفس محمد بيده، لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا، قالوا: يا رسول الله وما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار".

ورواه أحمد: من حديث شعبة، عن موسى بن أنس، عن أبيه، عن رسول الله قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا".

وقال أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا ابن عباس، عن عمارة بن عربة الأنصاري، أنه سمع حميد ابن عبيد مولى بني المعلى يقول: سمعت ثابتا البناني يحدث، عن أنس بن مالك، عن النبي أنه قال لجبريل: "ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟ فقال: ما ضحك منذ خلقت النار".

شكوى النار إلى ربها من كل بعضها بعضا

وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب: أكل بعضي بعضا فنفسي: فأذن لها في كل عام بنفسين، فأشد ما تجدون من البرد، من زمهرير جهنم، وأشد ما تجدون من الحر، من حرجهنم". وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري.

أشد ما يكون الحر من قيح جهنم

وقال أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن النبي قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما يكون الحر من فيح جهنم".

وفي هذا الإسناد إلى رسول الله ، أنه عليه السلام قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وقال الله تعالى: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذ للمكذبين".

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، عن خديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس، سمعت ابن مسعود يقول: في قول الله تعالى: "إنها ترمي بشرر كالقصر" أما إنه ليس مثل الشجر والجبل، ولكن مثل المدائن والحصون.

قال الطبراني: حدثنا طالب بن عمرة، حدثنا محمد بن عيسى الطباع، حدثنا حسن بن إسماعيل، عن تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أنس، قال: قال النبي : "لو أن شررة بالمشرق، لوجد حرها بالمغرب".

أنعم أهل الدنيا من أهل النار إذا غمس فيها نسي ما ذاق من نعيم وأشد أهل الدنيا بؤسا من أهل الجنة إذا دخلها نسي ما ذاق من بؤس

وقال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم: هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يارب؟ ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مرت بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط".

لو أن للكافر ملء الأرض ذهبا وافتدى به نفسه من العذاب يوم القيامة ما تقبل منه

قال أحمد : حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، أن نبي الله قال: "يجاء بكافر يوم القيامة، فيقال له: أرأيت لو كان لك مثل الأرض ذهبا، أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم. قال: فيقال لقد سلبت أكثر من ذلك: فذلك قوله تعالى: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به". والله تعالى أعلم.

طريق أخرى: قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك، عن النبي قال: "يقال لرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ قال: فيقول: نعم. قال: فيقول له الله- عز وجل- قد أردت منك أهون من ذلك. قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت لا أن تشرك بي".

طريق أخرى

تمنى المؤمن يوم القيامة أن يرد إلى الدنيا، ليقاتل في سبيل الله، فيقتل، لما يرى من فضل الشهادة والشهداء قال أحمد: حدثنا روح وعفان، قالا: حدثنا حماد: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقال: يا ابن آدم: كيف وجدت منزلتك؟ سل وتمن، فيقول: ما أسأل وأتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا، وأقتل في سبيل الله عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة، ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له: يا ابن آدم: كيف وجدت منزلتك؟ فيقول: أي رب شر منزل، فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهبا؟ فيقول: أي رب نعم، فيقول: كذبت. قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار".

وقال البزار: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله، ومحمد بن الليث، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "لم ير مثل النار؟ نام هاربها، ولم ير مثل الجنة؟ نام طالبها".

وروى الحافظ أبو يعلى وغيره: من طريق محمد بن شبيب، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "لو كان في قعر المسجد مائة ألف أو يزيدون، وفيهم رجل من أهل النار، فتنفس، فأصابهم نفسه، لأحرق المسجد ومن فيه". وهذا حديث غريب جدا.

ذكر وصف جهنم واستاعها وضخامة أهلها أجارنا الله تعالى منها بفضله وكرمه وإحسانه آمين إنه على ما يشاء قدير

قال الله سبحانه وتعالى: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا".

وقال تعالى: "وأما من خفت موازينه " فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حاميه".

وقال تعالى: "لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها".

وقال تعالى: "يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون".

وقال تعالى: "ألقيا في جهنم كل كفار".

وقال تعالى: "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد".

كلمة السوء تقال بغير رؤية تهوي بصاحبها في نار جهنم أبعد مما بين المشرق والمغرب

وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه، عن رسول الله أنه قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رب العزة قدميه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، وعزتك".

وقال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".

وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا الزبير بن سعد عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة، يضحك بها جلساءه، يهوي بها أبعد من الثريا". غريب، والزبير فيه لين.

وقال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أي حازم، عن أبي هريرة، قال: كنا عند رسول الله يوما، فسمعنا وجبة فقال : "أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفا، والآن انتهى إلى قعرها".

ورواه مسلم: عن محمد بن عباد، وابن عمر، عن مروان، عن يزيد بن كيسان، به نحوه وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف السقطي، حدثنا أحمد ابن يحيى حدثنا أبو أيوب الأنصاري، حدثنا أحمد بن عبد الصمد، حدثنا إسماعيل بن قيس، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: سمع رسول الله صوتا، فهاله ذلك، فأتاه جبريل فقال: "ما هذا الصوت يا جبريل؟ قال: هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين عاما، فهذا حين بلغت قعرها، أحب الله أن يسمعك صوتها".

وقد روى البيهقي، من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي عن أنس، عن النبي ، نحوا من هذا السياق.

وثبت في صحيح مسلم عن عتبة بن غزوان، أنه قال في خطبة: "إن الحجر يلقى من شفير جهنم، فيهوي فيها سعبين عاما، ولا يدرك لها قعرا، والله لتملأن أفعجبتم؟ وقد ذكر لنا: "أن ما بين مصراعين من أبواب الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام" الحديث.

جعلنا الله تعالى من هؤلاء برحمته وكرمه ومنه.

عمق جهنم مسافة هوى حجر مقذوف سبعين سنة

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن عطاء بن السايب، عن أبي بكرة، عن أبيه، أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله : "لو أن حجرا قذف به في جهنم، لهوى سبعين خريفا قبل أن يبلغ قعرها".

روى الترمذي، والنسائي، والبيهقي، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني، واللفظ له من حديث عبد الله ابن المبارك، حدثنا عنبسة، عن حبيب، عن أبي غمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "أتدرون ما سعة جهنم؟ فقلنا: لا. قال: أجل والله ما تدرون إن ما بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفا قال: قلنا: لا، قال: أجل والله ما تدرون، حدثتني عائشة: أنها سألت النبي عن قوله تعالى: "والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه". فقالت: أين الناس يومئذ؟ فقال: "على جسرجهنم".

روى منه الترمذي والنسائي المرفوع فقط، وقال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه.

وثبت في صحيح مسلم: من حديث العلاء بن خالد، عن أبي وائل شفيق بن سلمة، عن ابن مسعود مرفوعا: "يجاء بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها".

وروي موقوفا عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والله أعلم.

عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا: "هل تدرون ما تفسير هذه الآية "إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى". قال: "إذا كان يوم القيامة، تقاد جهنم بسبعين ألف زمام، كل زمام بيد سبعين ألف ملك قال: فنشرت شريرة لولا أن الله حبسها لأحرقت السموات والأرض".

وقال أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، حدثنا سعيد بن يزيد، حدثنا أبو السمح؟ عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله : "لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى جمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة، لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين سنة، الليل والنهار، قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها". رواه الترمذي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثني محمد بن جني، حدثني صفوان عن معقل، عن أبيه، أن النبي قال: "الحر هو جهنم".

تعظيم خلقتهم في النار أعاذنا الله تعالى من من حالهم

قال الله تعالى: "إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما".

وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثني أبو يحيى الطويل، عن أبي يحيى الصبان، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي قال: "يعظم أهل النار في النار، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا، وإن ضرسه مثل أحد".

كذا رواه أحمد : في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو الصحيح وكذا رواه البيهقي.

ثم رواه من طريق عمران بن زيد عن أبي يحيى الصبان، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، مرفوعا، فذكر مثله، ثم صحح البيهقي الأول كما ذكرنا والله أعلم.

وهذا الحديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد من وجوه أخر، عن أبي هريرة،.. والله أعلم.

بشاعة الكافر وضخامة جسمه في نار جهنم يوم القيامة

قال الإمام أحمد: حدثنا ربعي عن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وعرض جلده سبعون ذراعا، وفخذه مثل ورقان، ومقعده من النار مثل ما بيني وبين الربذة".

ورواه البيهقي: من طريق بشر بن الفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، وزاد فيه: "وعضده مثل البيضاء".

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن يعني ابن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار كما بين قديد ومكة، وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا الجبار".

طريق أخرى

قال البزار: حدثنا محمد بن الليث الهدادي، وأحمد بن عثمان بن حكيم، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا شيبان يعني ابن عبد الرحمن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده أربعون ذراعا".

قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو عامر، حدثنا محمد بن عمار، عن أبي صالح مولى التومة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ضرس الكافر مثل أحد، ومقعده من النار مسيرة ثلاث".

طريق أخرى

قال الحسن بن سفيان: حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا الفضل بن موسى، عن الفضل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول: "ما بين منكبي الكافر مسيرة خمسة أيام للراكب المسرع".

قال الحسن: وحدثنا محمد بن طريف البجلي، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رفعه قال: "ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام، للراكب المسرع".

قال البيهقي: رواه البخاري، عن معاذ بن أسد، عن الفضل بن موسى، ورواه مسلم، عن أبي كريب، وغيره، عن ابن فضيل، ولم يقل: رفعه.

قال الزار: حدثنا الحسين بن الأسود، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل الورقان، وغلظ جلده أربعون ذراعا".

ثم قال البزار: لا يروى عن أبي هريرة أحسن من هذا الإسناد، ولم يسمعه إلا من الحسين بن الأسود...

قلنا: الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن ابن عجلان، عن عمرو بن شبيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يعلوهم سجن في جهنم يقال له بوليس، فتعلوهم نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار".

وكذا رواه الترمذي والنسائي: عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن ابن عجلان به، وقال الترمذي: حسن.

فالمراد أنهم يحشرون يوم القيامة في العرصات كذلك، فإذا سيقوا إلى النار دخلوها، وقد عظمت خلقهم، كما دلت عليه الأحاديث التي أوردناها ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم، كما قال شديد العقاب: "ليذوقوا العذاب".

ذكر أن البحر يسعر في جهنم ويكون من جملة جهنم

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثنا محمد بن حسين حدثنا صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، أن النبي قال: "البحر هو جهنم". قال يعلى: ثم قال: ألا ترون أن الله يقول: "نار أحاط بهم سرادقها".

"والذي نفسي بيده لا أدخلها أبدا حتى أعرض على الله، ولا يصيبني منها قطرة حتى ألقى الله عز وجل".

وقد رواه البيهقي من طريق يعقوب بن شيبان: حدثنا أبو عاصم، حدثني محمد بن يحيى وفي المسند كما تقدم: بينهما عبد الله بن أمية، وكذلك رواه أبو مسلم الكجي، عن أبي عاصم، عن عبد الله بن أبي أمية، حدثني رجل، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى، قال: قال رسول الله : "البحر هو جهنم".

وقال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن مطرف، عن بشر بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله : "لا يركب البحر إلا حاج، أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحر".

ذكر أبواب جهنم وصفة خزنتها وزبانيتها أجارنا الله تعالى منها

قال الله تعالى: "وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا، قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين".

وقال تعالى: "لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم".

وصف الصراط وبيان تفاوت سرعة الناس في مرورهم عليه

وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس الأصم، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا بشر بن بكر، حدثني عبد الرحمن بن يزيد، حدثني أبو سعيد، سمعت أبا هريرة يقول، قال رسول الله : "إن الصراط بين ظهري جهنم دحض مزلة والأنبياء يقولون: اللهم سلم، والناس كلمح البرق، وكطرف العين، وكأجاويد الخيل، والبغال، والركاب، شدا على الأقدام، فناج مسلم، ومخدوش مسلم ومطروح فيها، ولها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم".

وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا معمر، عن الخليل بن مرة، أن رسول الله ، كان لا ينام حتى يقرأ تبارك، وحم السجدة، وقال: "الحواميم سبع، وأبواب جهنم سبع، جهنم، والحطمة، ولظى، وسعير، وسقر، والهاوية، والجحيم". قال: تجيء كل حم منها يوم القيامة- أحسبه قال-: تقف على باب من هذه الأبواب، فتقول: اللهم لا يدخل هذه الأبواب من كان يؤمن بي ويقرأني.

ثم قال البيهقي: وهذا منقطع، والخيل بن مرة فيه نظر.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا أبو شهاب الخياط، عن عمرو بن قيس المدني، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: "إن أبواب جهنم بعضها فوق بعض "- وأشار أبو شهاب بأصابعه- فيملأ هذا، ثم يملأ هذا، ثم هذا، ثم هذا".

حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا حجاج، أخبرنا ابن جريج في قوله لها سبعة أبواب قال: "أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم- وفيها أبو جهل- ثم الهاوية". وروى الترمذي من حديث مالك بن مغول عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : "لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل السيف على أمتي".

ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول، وقال أبي بن كعب: لجهنم سبعة أبواب باب منها للحرورية.

وقال وهب بن منبه: "بين كل بابين مسيرة سبعين سنة، كل باب أشد من الذي فوقه بسبعين ضعفا".

وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعضون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".

أي لهم قوة على إبراز ما أمروا به، من العزم، إلى الفعل، فلهم عزم صادق، وأفعال عظيمة، وقوة بليغة، وشدة باهرة.

وقال تعالى: "عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة". أي لكمال طاعتهم وقوتهم.

وقال تعالى: "وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا".

أي اختبارا وامتحانا، وكأن هؤلاء التسعة عشر كالمقدمين، الذين لهم أعوان وأتباع، وقد روينا هذا عند الكلام على قوله تعالى: "خذوه فغلوه".

ثم إن الرب تعالى، إذا أمر بذلك، يبتدره سبعون ألفا من الزبانية.

وقد قال الله تعالى: "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد".

وروى الحافظ الضياء: من حديث محمد بن سليمان بن أبي داود، عن أبيه، عن زيد البصري، عن الحسن البصري، عن أنس، مرفوعا: "والذي نفسي بيده، لقد خلقت ملائكة جهنم، قبل أن تخلق جهنم بألف عام، فهم كل يوم يزدادون قوة إلى قوتهم، حتى يقبضوا على من يقبضون عليه بالنواصي والأقدام".

ذكر سرادق النار وهو سورها المحيط بها وما فيها من المقامع والأغلال والسلاسل والأنكال

قال الله تعالى: "إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا".

وقال تعالى: "إنها عليهم موصدة في عدد ممددة".

مؤصدة: أي مطبقة، وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من طريق شريك عن عاصم بن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعا.

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن أسعد الأحسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قوله، وقوله تعالى: "إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما".

وقال تعالى: "إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يمسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون".

وقال تعالى: "يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمزنا إلا واحدة كلمح بالبصر".

وقال تعالى: "لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عبادده يا عباد فاتقون".

وقال تعالى: "لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين".

وقال تعالى: "هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد".

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا حسن، عن ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله أنه قال: "لسرادق أهل النار أربع جدر، كنف كل جدار مسيرة أربعين سنة". ورواه الترمذي: عن سويد، عن ابن المبارك، عن رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به نحوه.

وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله قال: "لو أن مقمعا من حديد من مقامع أهل النار، وضع في الأرض، فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض".

وقال ابن وهب: عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، أبي سعيد، أن رسول الله قال: "لو ضرب بمقمع من حديد الجبل، لفتته فعاد غبارا".

ألوان من عذاب أهل النارأجارنا الله عز وجل منها

وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: من طريق بشر بن طلحة، عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه، عن النبي قال: "ينشىء الله لأهل النار سحابة مظلمة، فإذا أشرفت عليهم، نادتهم: يا أهل النار: أي شيء تطلبون؟ وما الذي تسألون؟ فيذكرون بها سحائب الدنيا، والماء الذي كان ينزل عليهم، فيقولون: نسأل يا رب الشراب، فتمطرهم أغلالا، تزداد في أعناقهم، وسلاسل، تزداد في سلاسلهم، وجمرا يلهب النار عليهم".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا بشر بن الوليد الكندي، حدثنا سعيد بن زربي، عن حميد بن هلال، عن أبي الأحوص، قال ابن مسعود: أي أهل النار أشد عذابا؟ فقال رجل: المنافقون، قال: صدقت. قال: فهل تدري كيف يعذبون. قال: يجعلون في توابيت من حديد، تطبق عليهم، ثم يجعلون في الدرك الأسفل من النار، في تنانير أصغر من الرخ، يقال له جب الحزن، فيطبق على أقوام بأعمالهم آخر الأبد.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني علي بن حسن، عن محمد بن جعفر المدائني، حدثنا بكر بن خنيس، عن أبي سلمة الثقفي، عن وهب بن منبه قال: "إن أهل النار الذين هم أهلها، هم في النار، لا يهتدون ولا ينامون، ولا يموتون، يمشون على النار، يجلسون على النار، ويشربون من صديد أهل النار، ويأكلون من زقوم أهل النار، لحفهم نار، وفرشهم نار، وقمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها، يجذبونهم مقبلين ومدبرين، فيسيل صديدهم إلى حفير في النار، فذلك شرابهم".

قال: ثم بكى وهب حتى سقط مغشيا عليه، قال: وغلب بكر بن خنيس البكاء حتى قام فلم يقدر أن يتكلم، وبكى محمد بن جعفر بكاء شديدا.

وهذا الكلام عن وهب بن منبه اليماني، وقد كان ينظر في كتب الأوائل، وينقل في صحف أهل الكتاب، الغث والسمين، ولكن هذا له شواهد من القرآن العظيم وغيره من الأحاديث، قال الله تعالى: "إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون".

وقال تعالى: "لو يعلم الذين كفزوا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون".

وقال تعالى: "والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير".

وقال تعالى: "وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال".

وقال تعالى: "ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا".

وتقدم في الصحيح: أن أهل النار الذين هم أهلها، لا يموتون فيها، ولا يحيون، وفي الحديث المتقدم في ذبح الموت بين الجنة والنار ثم يقال: "يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت".

وكيف ينام من هو في عذاب متواصل لا يفتر عنه ساعة واحدة ولا لحظة؟ وقال تعالى: "كلما خبت زدناهم سعيرا".

وقال تعالى: "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق".

وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة، عن النبي قال في أهل النار: "إن الحميم ليصب على رأس أحدهم، فينفذ من الجمجمة، حتى يخلص إلى جوفه، فيسلب ما في جوفه، ثم يمرق من قدميه".

وروى الترمذي، والطبراني: واللفظ له من حديث قطبة بن عبد العزيز، عن الأعمش، عن شهر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله : "يلقى على أهل النار الجوع، فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون بالطعام فيؤتون بطعام ذي غصة، فيذكرون أنهم كانوا يستغيثون في الدنيا بالشراب، فيستغيثون بالشراب، فيؤتون بالحميم، في أكواب من نار، فإذا أدنيت من وجوههبم قشرت وجوههم، فإذا أدخلت بطونهم قطعت بطونهم، فيستغيثون عند ذلك، فيقال لهم: "أو لم تك تآتيكم رسلكم بالبينات".

فيقولون: بلى: "فيقال: "فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال". فيقولون: ادعوا لنا مالكا.

فيقولون: "يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون".

فيقولون: "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين".

فيقال: "اخسئوا فيها ولا تكلمون".

رواه الترمذي: عن الدارمي، وحكي عنه أنه قال: الناس لا يعرفون هذا الحديث. قال الترمذي: إنما يروى عن أبي الدرداء.

طعام أهل النار وشرابهم

قال الله تعالى: "ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع".

والضريع: شوك بأرض الحجاز يقال له: الشبرق، وفي حديث الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: "الضريع: شيء يكون في النار، يقال: يشبه الشوك. أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار، إذا طعمه صاحبه لا يدخل البطن، ولا يرتفع إلى الفم، فيبقى بين ذلك، ولا يسمن ولا يغني من جوع"، وهذا حديث غريب جدا.

وقال تعالى: "إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما".

وقال: "واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويئسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ".

وقال تعالى: "ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين".

وقال تعالى: "أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم".

وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بشر اليحصبي، عن أبي أمامة، عن رسول الله ، في قول الله تعالى: "ويسقى من ماء صديد يتجرعه" قال: "يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه فيه، فإذا شربه قطع أمعاءه. حتى يخرج من دبره".

قال الله تعالى: "وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم".

ويقول الله تعالى: "وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب".

رواه الترمدي: عن سويد بن نضر، عن المبارك، به نحوه وقال: حسن غريب... وفي حديثأبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله تلا هذه الآية. "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

فقال: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه".

رواه الترمذي: عن محمود بن غيلان، عن أبي داود، قال: حسن صحيح.. ورواه النسائي، وابن ماجه، من حديث شعبة به وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج أبو السمح، أن أبا الهيثم حدثه: عن أبي سعيد، عن رسول الله قال: "لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا".

ورواه الترمذي: من حديث دراج، وعن كعب الأحبار أنه قال: "إن الله لينظر إلى عبده يوم القيامة وهو غضبان، فيقول: خذوه، فيأخذه مئة ألف ملك، أو يزيدون، فيجمعون بين ناصيته وقدميه، غضبا لغضب الله، فيسحبونه على وجهه إلى النار، فالنار أشد غضبا منهم بسبعين ضعفا، فيستغيث بشربة، فيسقى شربة يسقط منها لحمه وعصبه، ويكدس في النار، فويل له من النار".

وعنه أيضا أنه قال: "هل تدرون ما غساق؟ قالوا: لا، قال: إنه عين في جهنم، تسيل إليها حمة كل ذي حمة، من حية أو عقرب، أو غير ذلك، يستنقع، يؤتى بالآدمي فيغمس فيه غمسة واحدة، فيخرج وقد سقط جلده عن العظام، ويعلق جلده ولحمه في كعبه، فيجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه".

ذكر أحاديت وردت بأسمائها وبيان صحيح ذلك من سقيمه

الهاوية: قال ابن جريج: أسفل درك في النار، قال الله تعالى: "وأما من خفت موازينه، فأمه هاوية"، قيل: فأم رأسه هاوية: أي ساقطة، من الهوى في النار.

كما ورد في الحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، يهوي بها في النار سبعين خريفا" وفي رواية: "أبعد ما بين المشرق والمغرب".

وقيل: المراد بقوله: فأمه هاوية: أي الدرك الأسفل من النار، أو صفة النار من حيث هي وقد ورد الحديث بما يقوي هذا المعنى والله أعلم.

قال أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه: حدثنا عبد الله بن خالد بن محمد بن رستم، حدثنا محمد بن طاهر بن أبي الدميك، حدثنا إبراهيم بن زياد، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا روح بن المسيب: أنه سمع ثابت البناني يحدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "إذا مات المؤمن يسألونه ماذا فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فإن كان مات ولم يأتهم، قالوا: خولف به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية، حتى يقولوا: ما فعل فلان؟ هل تزوج؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فيقولون: دعوه يستريح فقد خرج من مركب".

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن مسور، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى، قال: "إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين، فيقولون: زوجوا أخاكم، فإنه كان في غم الدنيا، قال: ويسألونه ما فعل فلان؟ فيقول: مات، أو ما جاءكم؟ فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية".

وروى الحافظ الضياء: من طريق شريك القاضي، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، قال قال رسول الله : "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها أو قال: يكفر كل ذنب إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أنى يا رب، وقد ذهبت الدنيا؟- ثلاث مرات- فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك، كهيئتها، فيحملها، فيضعها على عاتقه، ثم يصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت وهوت، وهوى في أثرها أبد الآبدين، قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الوضوء، والأمانة في الحديث، وأشد من ذلك الودائع: قال:- يعني زاذان- فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع ما يقول أخو عبد الله؟ فقال: "صدق".

وهذا الحديث ليس هو في المسند، ولا في شيء من الكتب الستة.

سجن في جهنم له بولس أعاذنا الله عز وجل منه

تقدم ذكره في حديث رواه الإمام أحمد: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي .

جب الحزن

قال علي بن حرب: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا عمار بن سيف، عن أبي معاذ، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "استعيذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله: وما جب الحزن. قال: واد في جهنم، تستعيذ جهنم منه كل يوم أربعمائة مرة، أعد للقراء المرائين بأعمالهم، وإن من أبغض القراء الى الله الذين يراءون الأمراء الجورة" .

ورواه الترمذي، وابن ماجه: من حديث عمار بن سيف، عن أبي معاذ وهو الصواب اختصره الترمذي، وقال: غريب، وعنده- مائة مرة-. و بسط ابن ماجه وعنده: يراءون الأمراء الجورة".

ذكر نفر فيها هو منها بمنزلة الأوساخ والأقذار والنتن في الدنيا أعاذنا الله سبحانه وتعالى منه بمنه وكرمه

لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا قاطع رحم ولا مصدق بسحر

قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: قرأت عن الفضل بن ميسرة، من حديث أبي جرير، أن أبا بردة حدثه من حديث أبي موسى، أن النبي قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة. قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن".

ذكر وادي لملم

قال الحسن بن سفيان: حدثنا حبان بن موسى، حدثنا ابن المبارك، حدثنا يحيى بن عبيد الله، سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : "إن في جهنم لواديا يقال له لملم، وإن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره" هذا حديث غريب.

ذكر واد وبئر فيها يقال له هبهب

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا الأزهر بن سفيان، حدثنا محمد بن واسع، قال: دخلت على بلال بن أبي بردة، فقلت له: يا بلال، إن أباك حدثني، عن أبيه، عن النبي أنه قال: "إن في جهنم واديا يقال له هبهب، حق على الله أن يسكنه كل جبار، فإياك يا فلان أن تكون ممن يسكنه".

وقد رواه الطبراني: من حديث سعيد بن سليمان، عن أزهر بن سنان، عن محمد بن واسع: أنه دخل على بلال بن أبي بردة بن أبي موسى، فقال له: إن أباك حدثني، عن جدك، عن رسول الله أنه قال: "إن في جهنم واديا في الوادي بئر يقال لها هبهب، على الله أن يسكنه كل جبار". تفرد به أزهر بن سنان، وقد تكلم فيه بعض الحفاظ ولينه.

ذكر ويل وصعود معنى الويل

قال الله تعالى: "ويل يومئذ للمكذبين".

وقال: "سأرهقه صعودا".

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله قال: "ويل: واد في جهنم، يهوي فيه الكفار أربعين خريفا، قبل أن يبلغ قعره، والصعود: جبل من نار، يتصعد فيه سبعين خريفا، ثم يهوي به كذلك، فيه أبدا".

وكذلك رواه الترمذي، عن عبد بن حميد، عن الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، عن دراج ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من طريق ابن لهيعة، وقد رواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به. وبكل حال فهو حديث غريب بل منكر.

والأظهر في تفسير ويل، أنه ضد السلامة والنجاة، كما تقول العرب: ويل له: ويا ويله، وويله.

معنى صعود

وقد روى البزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه: من حديث شريك القاضي، عن عمار الذهبي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله في قوله: صعودا: "هو جبل في النار، يكلف الكافر أن يصعده، فإذا وضع يده عليه ذابت، فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله عليه ذابت، فإذا رفعها عادت".

وقال قتادة: قال ابن عباس: صعود صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه، وقال السدي: صعود: صخرة ملساء في جهنم، يكلف الكافر أن يصعدها.

وقال مجاهد: سأرهقه صعودا: أي مشقة من العذاب، وقال قتادة: عذابا لا راحة فيه، واختاره ابن جرير.

ذكر حياتها وعقاربها أعاذنا الله منها

قال الله تعالى: "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة".

وثبت في صحيح البخاري: من طريق عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته، إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنزك".

وفي رواية: "يفر منه، وهو يتبعه، ويتقي منه فيلقم يده، ثم يطوقه". وقرأ هذه الآية، وقد روي مثله عن ابن مسعود مرفوعا.

وقال الأعمش: عن عبد الله بن مروة، عن مسروق، عن عبد الله بن دينار في قوله تعالى: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون". قال: عقارب لها أذناب، كالنحل الطوال.

وروى البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق، عن أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن دراجا حدثه: أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، عن النبي : "إن في النار لحيات، أمثال أعناق البخت، يلسعن اللسعة أحدهم، فيجد حموها أربعين خريفا".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهير، عن إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن يوسف، وعن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، حدثني الحجاج بن عبد الله الثمالي- وكان قد رأى النبي وحج معه حجة الوداع- أن نصر بن نجيب- وكان من أصحاب النبي وقدمائهم- حدثه: أن في جهنم سبعين ألف واد ، في كل واد سبعون ألف شعب، في كل شعب سبعون ألف بيت، في كل بيت سبعون ألف شق، في كل شق سبعون ألف ثعبان، في شق كل ثعبان سبعون ألف عقرب، لا ينتهي الكافر والمنافق حتى يوافق ذلك كله.

وهذا موقوف، غريب جدا، بل منكر نكارة شديدة، وسعيد بن يوسف الذي حدث عنه به إسماعيل ابن عياش مجهول، والله أعلم، وبتقدير إسماعيل بن عياش له، عن يحيى بن أبي كثير، فهو حجازي، وإسماعيل من الشاميين، وهو غير مقبول.

وقد ذكر هذا الأثر في تاريخه الكبير بنحو من هذا السياق، والله أعلم.

وقد ذكر بعض المفسرين في غي وأثام: أنهما واديان من أودية جهنم... أجارنا الله منها..

وقال بعضهم في قوله تعالى: "وجعلنا بينهم موبقا". هو نهر من قيح ودم.

وقال عبد الله بن عمرو، ومجاهد: هو واد من أودية جهنم، وزاد عبد الله بن عمرو: يفرق يوم القيامة بين أهل الهدى، وأهل الضلالة.

وروي البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن العباس الدوري، عن ابن معين، عن هشيم بن العوام بن حوشب، عن عبد الجبار الخولاني، قال: "قدم علينا رجل من أصحاب النبي دمشق، فرأى ما في الناس فقال: وما يغني عنهم. أليس من ورائهم الغلق؟ قيل: وما الغلق؟ قال: جب في جهنم، إذا فتح هرب منه أهل النار". هكذا قال يحيى هرب منه أهل النار ولم يقل فر منه.

خطبة واعظة ترغب وترهب من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

وروي البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم، عن إبراهيم بن مرزوق، بمصر، عن سعيد بن عامر، عن شعبة. قال: كتب إلى منصور، وقرأته عليه، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يزيد بن شجرة رجلا من الزهاد، وكان معاوية يستعمله على الجيوش، فخطبنا يوما، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، اذكروا نعمة الله عليكم، لو ترون ما أرى، من بين أحمر وأصفر، ومن كل لون- وفي الرحال ما فيها- إنه إذا أقيمت الصلاة، فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة، وزين الحور العين، وإذا أقبل أحدكم على القتال بوجهه، زينته الحور العين، وانطلقن يقلن: اللهم ثبته، اللهم انصره، فإذا أدبر، احتجبن عنه، وقلن: اللهم عليه فانهلوا من دماء القوم فداكم أبي وأمي، فإن أول قطرة تقطر من دمائكم، يحط الله بها عنكم خطاياكم، كما يحط ورق الشجر عن الغصن، وتبتدره اثنتان من الحور العين، ويمسحان التراب عن وجهه، ويقولان: نحن لك فداء، ويقول هو: أنا لكما فداء، فيكسي مائة حلة، لو وضعت بين إصبعي هاتين لوسعتاهن، ليست من نسج بني آدم، ولكنها من ثياب الجنة، إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم، وسيماكم، ونجواكم، وحلالكم، وحرامكم، ومجالسكم، فإذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان هذا نورك، يا فلان هذا نورك، يا فلان لا نور لك، وإن لجهنم ساحلا كساحلا البحر، فيه هوام وحيات، كالبخاتي البزل، فإذا سأل أهل النار التخفيف قيل: اخرجوا إلى الساحل، فتأخذهم تلك الهوام بشفاههم، وجنوبهم، وبما شاء من ذلك، فيسلطها عليهم، فيرجعون فيتأدون إلى معظم النار، ويسلط عليهم الجرب، حتى إن أحدهم ليحك جلده حتى يبدو العظم، فيقال: يا فلان: هل يؤذيك هذا؟ فيقول: نعم، فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين.

وقال الترمذي: بإسناده عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : "من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاثا، قالت النار: اللهم أجره من النار".

رحمة الله قريب ممن يستجير به مخلصا من حر النار وزمهريرها

وروى البيهقي: عن أبي سعيد، عن أبي حجيرة، والأكثر عن أبي هريرة، أن أحدهما حدثه: عن رسول الله قال: "إذا كان يوم حار، ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل السماء، وأهل الأرض، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد حر هذا اليوم؟ اللهم أجرني من حر نار جهنم. قال الله لجهنم: إن عبدا من عبادي قد استجار بي منك، وإني أشهدك أني قد أجرته، وإذا كان يوم شديد البرد، ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل السماء، وأهل الأرض، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد برد هذا اليوم؟ اللهم أجرني من برد زمهرير جهنم، قال الله لجهنم: إن عبدا من عبادي قد استجار بي من زمهريرك، وإني أشهدك أني قد أجرته". قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: "حيث يلقي الله الكافر، فيتميز من شدة بردها بعضه من بعض".

فصل دركات جهنم نستعيذ بالله من عذابها

قال القرطبي: قال العلماء: "أعلى الدركات جهنم، وهي مختصة بالعصاة من أمة محمد وهي التي تخلي من أهلها فتصفق الرياح أبوابها، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية".

وقال الضحاك: في الدرك الأعلى المحمديون، وفي الثاني النصارى، وفي الثالث اليهود، وفي الرابع الصابئون، وفي الخامس، المجوس، وفي السادس مشركو العرب، وفي السابع المنافقون قلت: هذه المراتب وتخصيصها بهؤلاء، مما يحتاج إثباته إلى سند صحيح إلى المعصوم الذي: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى".

ومعلوم أن هؤلاء كلهم يدخلون النار، ولكن كونه على هذه الصفة والترتيب الله أعلم بذلك...

فأما المنافقون: ففي الدرك الأسفل من النار بنص القرآن لا محالة.

قال القرطبي: "ومن هذه الأسماء ما هو علم للنار كلها لجملتها، نحو جهنم، وسعير، ولظى، فهذه أعلام، وليست لباب دون باب". وصدق فيما قال، رضي الله عنه.

ذكر بعض أفاعي جهنم والعياذ بالله تعالى

وقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرني عمرو، بأن دراجا أبا السمح حدثه: أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يحدث عن النبي أنه قال: "إن في النار لحيات، أمثال أعناق البخت، يلسعن أحدهم اللسعة، فيجد حموها أربعين خريفا".

وقال الطبراني: حدثنا أبو يزيد القراطيسي، حدثنا أسد بن موسى حدثنا إسماعيل بن عباس، عن الربيع، عن البراء بن عازب، أن رسول الله سئل عن قول الله تعالى: "زدناهم عذابا فوق العذاب". فقال: عقارب أمثال النحل الطوال تنهشهم في جهنم.

وقد رواه الثوري: عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا شجاع بن أشرس، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن كعب الأحبار قال: "حيات جهنم أمثال الأودية، وعقاربها كأمثال القلاع، وإن لها أذنابا كأمثال الرماح، يلقى أحدها الكافر، فيلسعه، فيتناثر لحمه على قدميه".

ذكر بكاء أهل النار فيها أجارنا الله عز وجل منها

قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خراش، حدثنا محمد بن حمير، عن ابن المبارك، عن عمران بن زيد، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله يقول: "يا أيها الناس: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون في النار، حتى تسيل دموعهم في وجوههم، كأنها جداول، وحتى تنقطع الدموع، فتقرح العيون، فلو أن سفنا أرسلت فيها لجرت".

ورواه ابن ماجه: من حدبث الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس به نحوه، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثني محمد بن العباس، حدثنا حماد الحريري، عن زيد بن رفيع، رفعه: قال: "أهل النار إذا دخلوا النار، بكوا الدموع زمانا، ثم بكوا القبح زمانا".

فيقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء: تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ قال: فيرفعون أصواتهم. يا أهل الجنة: يا معشر الآباء والأمهات، والأولاد: خرجنا من القبور عطاشا، وكنا طول الموقف عطاشا، ونحن اليوم عطاش، فأفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله، قال فيودعون أربعين سنة، لا يجيبهم أحد، ثم يجابون: إنكم ماكثون. قال: فييأسون من كل خير.

قوله تعالى: "تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون".

قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، هو ابن المبارك، أخبرنا سعيد بن يزيد أبو شجاع، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن النبي قرأ: "وهم فيها كالحون". ثم قال: "تشويه النار، فتتقلص شفته العليا وسط رأسه، وتسترخي شفته الدنيا، حتى تبلغ سرته".

ورواه الترمذي: عن سويد، عن المبارك به، وقال: حسن صحيح غريب، وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى الفزار: حدثنا الخضر بن علي بن يوسف القطان: حدثنا عم الحارث بن الخضر القطان، حدثنا سعيد بن سعد المقري، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله في قول الله: "تلفح وجوههم النار". قال: "تلفحهم لفحة، فتسيل لحومهم على أعقابهم".

أحاديث شتى في صفة النار وأهلها

قال: أبو القاسم الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبو الشعثاء، عن أبي الحسن الواسطي، حدثنا خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله : "إذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى قالوا: فما أغنى عنكم الإسلام، وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا؟ فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة، فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار: "قالوا يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا". ثم قرأ رسول الله : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم آلر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين".

وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا إسحاق بن راهويه، قال: قلت لأبي أمامة: أحدثكم أبو روق عطية بن الحارث، حدثني صالح بن أبي طريف، سألت أبا سعيد الخدري، قلت له هل سمعت رسول الله يقول في هذه الآية: "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين". قال: نعم: سمعته يقول: "يخرج الله أناسا من النار، ما يأخذ نقمته منهم". وقال: "لما أدخلهم الله النار مع المشركين، قال لهم المشركون: تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا، فما بالكم معنا في النار. فإذا سمع الله ذلك منهم، أذن في الشفاعة لهم، فشفع الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، حتى يخرجوا بإذن الله، فإذا رأى المشركون ذلك، قالوا: ليتنا كنا مثلهم، لتدركنا الشفاعة، فنخرج معهم". قال فذلك قول الله تعالى: "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين". فيسمون في الجنة الجهنميين، من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: يا رب أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم، فيغتسلون في نهر الجنة، فيذهب ذلك الاسم عنهم". فأقر به أبو أسامة وقال: نعم...

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن العباس- هو الأخزم، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا صالح بن إسحاق، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا معروف بن واصل، عن يعقوب بن أبي نباتة، عن عبد الرحمن الأغر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "إن ناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قولكم لا إله إلا الله، وأنتم معنا في النار؟ فيغضب الله لهم فيخرجهم، فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من كسوفه فيدخلون الجنة، ويسمون فيها الجهنميين". فقال رجل: يا أنس: أنت سمعت رسول الله يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، فهل سمعت رسول الله يقول هذا؟ فقال أنس: سمعت هذا من رسول الله الجهبذ. قال الطبراني: لم يروه عن معروف بن واصل، إلا صالح بن إسحاق.

أثر غريب وسياق عجيب

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا عبد الرحمن القرشي، حدثنا طلحة بن سنان، حدثنا عبد الملك بن أبي، عن الشعبي، عن أبي هريرة، قال: "يؤتى بجهنم يوم القيامة، تقاد بسبعين ألف زمام، آخذا بكل زمام سبعون ألف ملك، وهي تمايل عليهم، حتى يوقف عن يمين العرش، ويلقي الله عليها الذل يومئذ فيوحي الله إليها، ما هذا الذل؟ فتقول: يا رب: أخاف أن تكون لك في نقمة، فيوحي الله إليها: إنما خلقتك نقمة، وليس لي فيك نقمة، فيوحي الله إليها، فتزفر زفرة لا تبقى دمعة في عين إلا جرت، قال: ثم تزفر أخرى، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا صعق، إلا نبيكم، نبي الرحمة، يقول: يا رب، أمتي أمتي".

أثر آخر من أغرب الأخبار

وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البغداري، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة، حدثنا مسلم الخواص، عن فرات بن السائب، عن زاذان، قال: سمعت كعب الأحبار يقول: "إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأولين والآخرون في صعيد واحد، فنزلت الملائكة، فصاروا صفوفا، فيقال: يا جبريل ائتني بجهنم، فيأتي بها جبريل، تقاد بسبعين ألف زمام، حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام، زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت ثانيا، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا جثا على ركبتيه، ثم زفرت الثالثة، فبلغت القلوب الحناجر، وذهلت العقول، فيفزع كل امرىء الى عمله، حتى إبراهيم الخليل، يقول: بخلتي لا أسألك إلا نفسي، وإن عيسى ليقول: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي. لا أسألك لمريم التي ولدتني، أما محمد فيقول: لا أسألك اليوم نفسي، إنما أسألك أمتي. قال: فيجيبه الجليل: أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فوعزتي وجلالي لأقرن عينك في أمتك. قال: ثم تقف الملائكة بين يدي الله عز وجل، ينظرون ما يؤمرون به، فيقول لهم الرب تعالى وتقدس: معاشر الزبانية: انطلقوا بالمصرين من أهل الكبائر من أمة محمد إلى النار، فقد اشتد غضبي بتهاونهم بأمري في دار الدنيا، واستخفافهم بحقي، وانتهاكهم حرمتي، يستخفون من الناس، ويبارزوني، مع كرامتي لهم، وتفضيلي إياهم على الأمم، لم يعرفوا فضلي، وعظم نعمتي، فعندها تأخذ الزبانية بلحى الرجال، وذوائب النساء، فينطلق بهم إلى النار، وما من عبد يساق إلى النار من غير هذه الأمة إلا مسودا وجهه، وقد وضعت الأنكال في قدمه، والأغلال في عنقه، إلا ما كان من هذه الأمة، فإنهم يساقون بأوانهم، فإذا وردوا على مالك قال لهم: معاشر الأشقياء أي أمة أنتم؟ فما ورد على أحسن وجوها منكم، فيقولون: يا مالك: نحن أمة القرآن، فيقول لهم: معاشر الأشقياء: أو ليس القرآن أنزل على محمد ؟ قال: فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء، وامحمداه. يا محمد اشفع لمن أمر به إلى النار من أمتك. قال: فينادي مالك: يا مالك؟ من أمرك بمعاتبة الأشقياء ومحاكمتهم والتوقف عن إدخالهم العذاب؟ يا مالك: لا تسود وجوههم، فقد كانوا يسجدون لله رب العالمين، في دار الدنيا، يا مالك: لا تثقلهم بالأغلال، فقد كانوا يغتسلون من الجنابة، يا مالك: لا تقيدهم بالأنكال، فقد طافوا حول بيتي الحرام، يا مالك: لا تلبسهم القطران، فقد خلعوا ثيابهم للإحرام، يا مالك: قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم، وبمقادير استحقاقهم، من الوالدة بولدها، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه إلى صدره، قال: فإذا انتقم الله منهم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم، فتح بينهم وبين المشركين بابا، وهم في الدرك الأعلى من النار، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا، يبكون، ويقولون: يا محمداه: ارحم من أمتك الأشقياء، واشفع لهم، فقد أكلت النار لحومهم، وعظامهم، ودماءهم، ثم ينادون: يا رباه: يا سيداه: ارحم من لم يشرك بك في دار الدنيا، وإن كان قد أساء، وأخطأ، وتعدى، فعندها يقول المشركون: ما أغنى عنكم إيمانكم بالله وبمحمد؟ فيغضب الله لذلك فيقول: يا جبريل: انطلق، فأخرج من في النار من أمة محمد فيخرجهم ضبائر قد امتحشوا، فيلقيهم على نهر على باب الجنة، يقال له نهر الحياة، فيمكثون حتى يعودوا أنضر ما كانوا، ثم يأمر الملائكة بإدخالهم عتقاء الرحمن من أمة محمد فيعرفون من بين أهل الجنة بذلك، فيتضرعون إلى الله أن يمحو عنهم تلك السمة، فيمحوها الله عنهم، فلا يعرفون بها بعد ذلك من بين أهل الجنة". لبعض هذا الأثر شواهد من أحاديث أخر، والله تعالى أعلم.

وسيأتي بعد ذكر أحاديث الشفاعة، آخر من يخرج من النار، ويدخل الجنة، إن شاء الله تعالى.

ذكر الأحاديث الواردة في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة و بيان أنواعها وتعدادها

الشفاعة العظمى

فالنوع الأول منها: شفاعته الأولى، وهي العظمى، الخاصة به، من بين سائر إخوانه من المؤمنين، والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم، حتى الخليل إبراهيم، وموسى الكليم، ويتوسل الناس إلى آدم. فمن بعده من المرسلين، فكل يحيد عندها، ويقول: لست بصاحبها، حتى ينتهي الأمر إلى سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، محمد رسول الله دائما، فيقول: "أنا لها، أنا لها" فيذهب، فيشفع عند الله- عز وجل- في أن يأتي للفصل بين عباده، ويريحهم من مقامهم ذلك، ويميز بين مؤمنهم وكافرهم بمجازاة المؤمنين بالجنة، والكافرين بالنار، وقد ذكرنا ذلك عند تفسير سورة سبحان: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا".

وقد قدمنا الأحاديث الدالة على هذا المقام، بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة.

ما خص به رسول الله دون جميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله أجمعين

وثبت في الصحيحين: من طريق هشام، عن سيار، عن يزيد، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله : "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة".

وقد رواه أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن سعيد، عن واصل، عن مجاهد، عن أبي ذر.

فقوله: وأعطيت الشفاعة، يعني بذلك الشفاعة العظمى، وهي الأولى، التي يشفع فيها عند الله عز وجل، ليأتي لفصل القضاء، وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم، حتى الخليل إبراهيم، وموسى الكليم، وسائر النبيين، والمرسلين، والمؤمنين، ويعترف بها الأولون، والآخرون، فهذه هي الشفاعة التي اختص بها دون غيره، فأما الشفاعة في العصاة، فكما ثبتت لغيره من الأنبياء، وكذلك ثبتت للملائكة وسائر النبيين كما سيأتي بيانه، فيما نورده من الأحاديث الصحيحة، إن شاء الله تعالى.

وقال الأوزاعي: عن أبي عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع".

وكذلك رواه البيهقي، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، عن عبد الله بن سلام، قال قال رسول الله : "أنا سيد ولد آدم، ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع ومشفع، وبيدي لواء الحمد، حتى آدم، فمن دونه".

وفي صحيح مسلم: من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، أن رسول الله قال: "إن ربي أرسل إلي: أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه: يا رب: هون على أمتي، فرد علي الثانية: أن أقرأه على حرف، قال: قلت: يا رب: هون على أمتي، فرد علي الثالثة: أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، وأخرجت الثانية إلى يوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم".

النوع الثاني والثالث من الشفاعة، شفاعته في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار، أن لا يدخلوا.

قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه الأهوال: حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا أبو عبيدة الحداد، حدثنا محمد بن ثابت البناني، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله : "ينصب للأنبياء يوم القيامة منابر من ذهب، فيجلسون عليها، قال: ويبقى منبري، لا أجلس عليه، قائما بين يدي الله عز وجل، منتصبا بأمتي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة، ويبقى أمتي بعدي، فأقول: يا رب: أمتي، فيقول الله: يا محمد: وما تريد أن أصنع بأمتك؟ فأقول: يا رب: عجل حسابهم، فيدعو بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله تعالى، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي، وما أزل أشفع، حتى أعطى صكاكا برجال قد بعث بهم إلى النار، حتى إن مالكا خازن جهنم ليقول: يا محمد: ما تركت لغضب ربك على أمتك من نقمة".

وحدثنا إسماعيل بن عبيد بن عمير بن أبي كريبة، حدثني محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "يحشر الناس عراة، فيجتمعون شاخصة أبصارهم إلى السماء، يبصرون فصل القضاء، قياما أربعين سنة، فينزل الله عز وجل من العرش إلى الكرسي فيكون أول من يدعى إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، فيكسى قبطيتين من الجنة، ثم يقول الله عز وجل: ادعوا إلى النبي الأمي محمدا، قال: فأقوم، فأكسى حلة من ثياب الجنة. قال: ويفجر لي الحوض، وعرضه كما بين أيلة إلى الكعبة. قال: فأشرب، وأغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق من العطش، ثم أقوم عن يمين الكرسي، ليس أحد قائم ذلك المقام غيري، ثم يقال: سل تعطه، واشفع تشفع، فقال رجل: أترجو لوالديك شيئا يا رسول الله؟ قال: إني لشافع لهما، أعطيت أو منعت، وما أرجو لهما شيئا".

ثم قال المنهال، حدثني عبد الله بن الحارث أيضا أن نبي الله قال: "أمر بقوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار فيقولون: يا محمد: ننشدك الشفاعة، قال: فآمر الملائكة أن يقفوا بهم، قال: فأنطلق واستأذن على الرب عز وجل، فيؤذن لي، فأسجد، وأقول: رب: قوم من أمتي قد أمرت بهم الى النار، قال: فيقول: انطلق فأخرج من شاء الله أن تخرج، ثم ينادي الباقون يا محمد: ننشدك الشفاعة، فأرجع إلى الرب، فأستأذن، فيؤذن لي، فأسجد، فيقول: ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع. فأقول فأثني على الله بثناء لم يثن عليه أحد، ثم أقول: قوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار، فيقول: انطلق فأخرج منهم من قال لا إله إلا الله، فأقول: ومن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان. قال: فيقول: يا محمد ليست تلك لك، تلك لي، قال: فأنطلق فأخرج من شاء الله أن أخرج قال: ويبقى قوم فيدخلون النار، فيعيرهم أهل النار، فيقولون: أنتم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به، وقد أدخلكم إلى النار قال: فيحزنون لذلك، قال: فيبعث الله ملكا بكف من ماء، فينضح بها في النار، فلا يبقى أحد من أهل لا إله إلا الله، إلا وقعت في وجهه قطرة قال: فيعرفون بها، ويغبطهم أهل النار، ثم يخرجون، فيدخلون الجنة، فيقال لهم: انطلقوا، فيضيفون الناس، فلو أن جميعهم نزلوا برجل واحد، كان لهم عنده سعة، ويسمون المجردين".

وهذا السياق يقتضي تعدد الشفاعة، فيمن أمر بهم إلى النار ثلاث مرات أن لا يدخلوها، ويكون معنى قوله: فأخرج: أنقذ: بدليل قوله بعد ذلك: ويبقى قوم فيدخلون النار، والله تعالى أعلم: النوع الرابع من الشفاعة، شفاعته في رفع درجات من يدخل الجنة فيها، فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم، وقد وافقت المعتزلة على هذه الشفاعة خاصة، وقد خالفوا فيما عداها من المقامات مع تواتر الأحاديث فيها، على ما ستراه قريبا إن شاء تعالى، وبه الثقة، وعليه التكلان.

فأما دليل هذا النوع، فهو ما ثبت في الصحيحين، وغيرهما: من رواية أبي موسى الأشعري، لما أصيب عمه أبو عامر، في غزوة الأوطاس وأخبر أبو موسى رسول الله ورفع يديه وقال: "اللهم اغفر لعبيد، أبي عامر، واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك".

وهكذا حديث أم سلمة: أن رسول الله دعا لأبي سلمة بعدما توفي، فقال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله، يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه". وهو في صحيح مسلم.

من الشفاعة ما يدخل من شفع له الجنة بغير حساب ومنها ما يخفف عن المذنب من العذاب

وقد ذكر القاضي عياض، وغيره نوعا آخر من الشفاعة، وهو الخامس، في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب، ولم أر لهذا شاهدا فيما علمت، ولم يذكر القاضي فيما رأيت مستند ذلك، ثم تذكرت حديث عكاشة بن محصن حين دعا له رسول الله أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب.

والحديث مخرج في الصحيحين، كما تقدم، وهو يناسب هذا المقام.

وذكر أبو عبد الله القرطبي في التذكرة نوعا آخر سادسا من الشفاعة، وهو شفاعته في عمه أبي طالب، أن يخفف عذابه...

واستشهد بحديث أبي سعيد في صحيح مسلم: أن رسول الله ذكر عنده أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه". ثم قال: فإن قيل: فقد قال الله تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين". قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار، كما تنفع عصاة الموحدين، الذين يخرجون منها، ويدخلون الجنة.

النوع السابع من الشفاعة: شفاعته لجميع المؤمنين قاطبة في أن يؤذن لهم في دخول الجنة: كما ثبت في صحيح مسلم: عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: "أنا أول شافع في الجنة". وقال في حديث الصور بعد ذكر مرور الناس على الصراط: "فإذا أفضى أهل الجنة إلى أبواب الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا، فندخل الجنة، فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ إنه خلقه الله بيده. ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول رسل الله، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، عليكم بموسى، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد. قال رسول الله : فيأتون إلي، ولي عند ربي عز وجل ثلاث شفاعات وعدنيهن، فأنطلق فآتي الجنة، فأخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح، فيفتح لي، فأحيي، ويرحب بي، فإذا دخلت فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن الله من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع يا محمد رأسك، واشفع تشفع، وسل تعطه، فإذا رفعت رأسي، قال الله:- وهو أعلم- ما شأنك؟ فأقول: يا رب: وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة، يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة، فكان رسول الله يقول: "والذي بعثني بالحق، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم، من أهل الجنة بأزواجهم ومسا كنهم". فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله عز وجل، واثنتين من بنات آدم، لهما فضل على من يشاء الله، بعبادتهما الله في الدنيا ثم ذكر بعد هذا الشفاعة في أهل الكبائر وهو النوع الثامن.

النوع الثامن من الشفاعة، شفاعته في أهل الكبائر من أمة محمد ممن دخل النار، فيخرجون منها وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث.

خفي علم الشفاعة على الخوارج والمعتزلة فأنكروها، وعاند بعضهم فرفضوا القول بها

وقد خفي علم ذلك على الخوارج والمعتزلة، فخالفوا في ذلك، جهلا منهم بصحة الأحاديث، وعنادا ممن علم ذلك، واستمر على بدعته، وهذه الشفاعة يشاركه فيها الملائكة، والنبيون، والمؤمنون أيضا، وهذه الشفاعة تتكرر منه صلوات الله وسلامه عليه.

بيان طرق الأحاديث وألفاظها ومن الأحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين لأهاليهم

رواية أبي بن كعب

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله بن وضاح، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله : "أنا خطيب الأنبياء يوم القيامة، وإمامهم، وصاحب شفاعتهم".

رواية أنس بن مالك رضي الله عنه

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا سعيد بن سليمان، عن منصور بن أبي الأسود، عن ليث، عن الربيع، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "أنا أولهم خروجا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، والكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على الله عز وجل، يطوف على ألف خادم، كأنهم بيض مكنون، أو كأنهم لؤلؤ منثور".

ثم رواه عن خلف، عن هشام، عن جبير بن علي العري، عن ليث بن أبي سليم، عن عبيد الله بن زحر، عن الربيع بن أنس، عن أنس فذكره مرفوعا كما تقدم.

طريق أخرى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا بسطام بن حرب، عن أشعث الحذاء، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" .

وهكذا رواه أبو داود: عن سليمان، عن بسطام، عن أشعث بن عبد الله، عن جابر الحماني، عن أنس.

طريق أخرى

قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو داود، حدثنا الخزرج بن عثمان، عن أنس، قال: قال رسول الله : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

ثم قال: لم يروه عن ثابت إلا الخزرج بن عثمان.

وهكذا روى أبو يعلي من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي أنه قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

طريق أخرى

قال الإمام أحمد: حدثنا عارم، عن معتمر، سمعت أبي يحدث، عن أنس، أن رسول الله قال: "كل نبي سأل سؤالا أو قال: لكل نبي دعوة قد دعاها، فاستجيب له، وقد استجاب الله تعالى دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". أو كما قال.

ورواه البخاري تعليقا فقال: وقال معتمر: عن أبيه، وأسنده مسلم، فرواه عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر، عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي، عن أنس به نحوه:

طريق أخرى

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد، عن أنس ابن مالك، قال: قال رسول الله : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يزيد العجلي، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله : "إن كان يوم القيامة أوتيت الشفاعة، فأشفع لمن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، حتى لا يبقى أحد في قلبه من الإيمان مثل هذا" وحرك الإبهام والمسبحة.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا بهز، وعفان، قالا: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله قال: "لكل نبي دعوة قد دعاها، واستجيب له، وإني قد خبأت دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". على شرطيهما، ولم يخرجوه من حديث همام، وإنما أخرجه الشيخان من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الملك اليشكري، عن قتادة.

ثم رواه مسلم: من حديث سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله : "يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون بذلك، أو يهمون لذك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله تعالى بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا عند ربك، ليريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي من ربه منها" بمثل حديث أبي عوانة وقال في الحديث: "ثم آتيه الرابعة، أو أعود الرابعة، فأقول: يا رب: ما بقي إلا من حبسه القرآن".

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله قال: "يحبس المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبونا، خلقك الله تعالى بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، أكله من الشجرة، وقد نهي عنها، ولكن أتوا نوحا، أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، قال: فيأتون نوحا، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، بسؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: لست هناكم: ويذكر خطيئته التي أصاب، ثلاث كذبات، كذبهن، قوله "إني سقيم" وقوله: "بل فعله كبيرهم هذا" وأتى على الجبار النمرود ومعه امرأته فقال: أخبريه أني أخوك، فإني مخبره أنك أختي، ولكن ائتوا موسى، عبدا كلمه الله تكليما، وأعطاه التوراة، قال: فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي هي قتله الرجل، ولكن ائتوا عيسى، عبدا هو كلمة الله وروحه. قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا، عبدا غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فيأتون فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأخرجهم، فأدخلهم الجنة، قال: ثم استأذن على ربي الثانية، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، قال همام: وأيضا سمعته يقول: فأخرجهم من النار، فأدخلهم الجنة قال: ثم استأذن على ربي الثالثة، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، فأرفع رأسي فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمينه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، قال همام: وسمعته يقول: فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة فما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود. ثم تلا قتادة: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". قال هو المقام المحمود الذي وعد الله تعالى نبيه .

وقد رواه البخاري في كتاب التوحيد معلقا فقال: وقال حجاج بن منهال، عن همام، فذكره بنحوه.

طرق آخر متعددة

قال البخاري في كتاب التوحيد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا معبد بن هلال البغوي، قال: اجتمعنا مع ناس من البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهب معنا ثابت البناني، ليسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في منزله يصلي الضحى، فوقفنا حتى انتهى من صلاته، فاستأذناه، فأذن لنا، وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أولى من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة: هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاءوا يسألونك عن الشفاعة، فقال: حدثنا محمد قال: "إذا كان يوم القيامة، ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم. فيقولون: اشفع لنا إلى ر بك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى، فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد، فيأتوني، فأقول: أنا لها، فأستأذن على ر بي، فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها، لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخر له ساجدا، فيقال يا محمد، ارفع رأسك وقل يسمع لك، واشفع تشفع، وسل تعط، فأقول: يا رب: أمتي، فيقال: انطلق، فأخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق، فأفعل، ثم أعود، فأحمد الله بتلك المحامد، ثم آخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، واشفع تشفع وسل تعط، فأقول: يا رب: أمتي أمتي، فيقال، انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل". قال: فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابي لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثناه أنس بن مالك، فلم ير مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه: فحدثناه بالحديث، فانتيهنا إلى هذا الموضع، فقال: لم يرو على هذا، فقال: لقد حدثني بهذا الحديث منذ عشرين سنة، فما أدري أنسي أم كره أن تتكلموا؟ فقلنا: يا أبا سعيد: فحدثنا، فضحك، وقال: "وكان الإنسان عجولا". ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم قال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم آخر له ساجدا، فيقال: يا محمد: ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب: ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي، وكبريائي، وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله.

وهكذا رواه مسلم: عن أبي الربيع الزهراني، وسعيد بن منصور، كلاهما عن حماد بن زيد، به نحوه.

وقد رواه أحمد: عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن النبي ، فذكر الحديث بطوله وقال: "فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي، قال: فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة، ثم يعود فيقال: مثقال ذرة" ولم يذكر الرابعة.

وهكذا رواه البزار: عن محمد بن بشار، ومحمد بن معمر، كلاهما عن حماد بن مسعدة، عن محمد بن عجلان، عن جونة بن عبيد المدني، عن أنس بن مالك، فذكر الحديث بطوله، وذكر فيه الشفاعة ثلاثا، ثم قال: لم يرو عن جونة بن عبيد إلا ابن عجلان.

وهكذا رواه أبو يعلى: من حديث الأعمش، عن زيد الرقاشي، عن أنس فذكر الحديث بطوله، فذكر ثلاث شفاعات، وقال في آخرهن: فأقول: أمتي، فيقال: "لك من قال لا إله إلا الله مخلصا".

طريق أخرى

قال البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عمرو بن مسعدة، عن عمران العمي، عن الحسن، عن أنس، قال: قال رسول الله : "لا أزال أشفع وأشفع- أو قال: ويشفعني ربي عز وجل، حتى أقول: أي رب: شفعني فيمن قال: لا إله إلا الله". ثم قال: لا نعلمه يروي إلا بهذا الإسناد. ورواه ابن أبي الدنيا: عن أبي حفص الصيرفي، عن حماد بن مسعدة به.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: حدثنا نبي الله قال "إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط، إذ جاءني عيسى، فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون، أو قال: يجتمعون إليك، لتدعو الله أن يفرق بين جميع الأمم، إلى حيث يشاء لهم، فيخرجهم مما هم فيه، والخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت، قال: فأقول: يا عيسى: انتظر حتى أرجع إليك، قال: فأذهب حتى أقوم تحت العرش، فألقي ما لم يلق نبي مصطفى، ولا نبي مرسل، فيوحي الله إلى جبريل: اذهب إلى محمد فقل: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، قال: فأشفع في أمتي، أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا، قال: فما أزال أتردد على ربي، فلا أقوم بين يديه مقاما إلا شفعت، حتى يعطيني الله عز وجل من ذلك أن يقول سبحانه وتعالى: يا محمد: أدخل من أمتك من شهد أن لا إله إلا الله، يوما واحدا مخلصا، ومات على ذلك". تفرد به أحمد، وقد حكم الترمذي بالحسن لهذا الإسناد.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو يوسف العلوي: حدثنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا حرب بن ميمون، حدثني النضر بن أنس، عن أنس، قال: "جاء جبريل إلى النبي ، وقد حضر من أمر العباد منا حضر، فقال: أستأذن إلى ربك، فسل لأمتك الشفاعة، قال: فدنوت من العرش، فقصت عند العرش، فلقيت ما لم يلق نبي، ولا ملك مقرب، فقال: سل تعطه، واشفع تشفع، فقلت: أمتي". وذكر الحديث كنحو سياق الإمام أحمد.

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن معبد، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا أبو إسرائيل، عن الحارث ابن حصيرة، عن ابن أبي بريدة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله يقول: "إني لأرجو أن أشفع في عدد كل حجر ومدر لأمتي".

رواية جابر بن عبد الله

قال الإمام أحمد: حدثنا معمر، حدثنا عبد الله، حدثنا هشام، سمعت الحسن يذكر عن جابر بنعبد الله، قال: قال رسول الله: "إن لكل نبي دعوة قد دعا بها، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة".. تفرد به أحمد من هذا الوجه.

طريق أخرى: شفاعة الرسول يوم القيامة تكون لمن أوثق نفسه وأثقل ظهره:

قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أنبأنا محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، أخبرنا أبو نصر الغازي، حدثنا عبد الله بن حماد الأيلي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد، حدثنا زهر بن محمد، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله : "شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي". فقلت: ما هذا يا جابر؟ قال: نعم يا محمد، إنه من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حسابا يسيرا، ثم يدخل الجنة، وإنما شفاعة رسول الله لمن أوثق نفسه وأعلق ظهره.

وقد رواه البيهقي أيضا: عن الحاكم، عن أبي بكر محمد بن جعفر بن أحمد المزكي، عن محمد بن إبراهيم العبدي، عن يعقوب بن كعب الحلبي، عن الوليد بن مسلم، عن زهر بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أن رسول الله تلا: "ولا يشفغون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون". ثم قال : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". قال الحاكم: هذا حديث صحيح.

قال البيهقي: وظاهره يوجب أن تكون الشفاعة في أهل الكبائر، تختص برسول الله ، فالملائكة إنما يشفعون في أهل الصغائر، واستزادة الدرجات، وقد يكون المراد من الآية، بيان كون المشفوع فيه مرتضى بإيمانه، وإن كانت له كبائر وذنوب، دون الشرك، فيكون المراد بالآية، نفي الشفاعة للكفار، لأن الله تعالى لم يأذن بها، ولم يرض اعتقاد جوازها.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا ابن جرير، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله: "لكل نبي دعوة مستجابة قد دعاها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". ورواه مسلم: عن محمد بن أحمد بن أبي خلف، عن روح بن عبادة.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا زهر، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله- : "إذا ميز أهل الجنة، وأهل النار، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قامت الرسل، فشفعوا، فيقال: انطلقوا واذهبوا، فمن عرفتموه فأخرجوه، فيخرجونهم قد امتحشوا فيلقونهم في نهر-أو على نهر- يقال له نهر الحياة. قال: فيسقط امتحاشهم على حافتي النهر، ويخرجون بيضا، كالقوارير ثم يشفعون، فيقال: اذهبوا وانطلقوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة قيراط من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون سراعا، ويشفعون، فيقال: اذهبوا وانطلقوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، ثم يقول الله: أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا، وأضعافه، فيكتب في رقابهم عتقاء الله، ثم يدخلون الجنة، فيسمون فيها الجهنميين". تفرد به أحمد.

حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه

قال أحمد: حدثنا إبراهيم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود الصنعاني، عن عبد الرحمن بن حسان، عن روح بن زنباع، عن عبادة بن الصامت، قال: فقد النبي ليلة أصحابه، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالى اختار له أصحابا غيرهم، فإذا هم بخيال النبي فكبروا حين رأوه، وقالوا: يا رسول الله، أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحابا غيرنا، فقال رسول الله : "لا، بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة، إن الله تعالى أيقظني، فقال: يا محمد، إني لم أبعث نبيا، ولا رسولا إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه، فاسأل يا محمد تعطه، فقلت: مسألتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الشفاعة؟ قال: أقول: يا رب شفاعتي التي اختبأت لأمتي عندك، فيقول الرب تبارك وتعالى نعم، فيخرج الله بقية أمتي من النار فينبذهم في الجنة، تفرد به أحمد.

طريق أخرى

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني، حدثني سعيد بن المهلب، قال: قال طلق بن حبيب: "كنت من أشد الناس تكذيبا بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها، فيها ذكر خلود أهل النار في النار، فقال لي: يا طلق: أتراك أقرأ لكتاب الله، وأعلم بسنة نبيه مني؟ قال: إن الذي قرأت هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوبا عذبوا بها، ثم أخرجوا من النار- ثم أومأ بيده إلى أذنيه- ثم قال: صمتا، إن لم أكن سمعت رسول الله يقوله: "ونحن نقرأ الذي نقرأ".

قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن أبي نضرة، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال: قال رسول الله : "إنه لم يكن نبي إلا له دعوة، قد أنجزها في الدنيا، وإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، ولا فخر، بيدي لواء الحمد، ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي، ولا فخر، ويطول على الناس يوم القيامة، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فيشفع لنا إلى ربنا، ليقضي بيننا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم: أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا، فيقول إني لست هناكم، إني قد أخرجت من الجنة بخطيئتي، وإني لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا إبراهيم الخليل، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات والله إن حاول بهن إلا الدفاع عن دين الله، قوله: "إني سقيم" وقوله: "بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون" وقوله لامرأته حين أتى على على الملك: أختي، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا موسى، اصطفاه الله برسالته، وبكلامه، فيأتون موسى، فيقولون اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: لست هناكم، إني قتلت نفسا بغير نفس، وإنه لا يهني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا عيسى، روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقولون: اشفع لنا ربنا فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، إني اتخذت إلها من دون الله، وإنه لا يهمني إلا نفسي، ولكن أرأيتم لو كان متاع في وعاء مختوم عليه، أكان يقدر على ما في جوفه حتى يفض الخاتم؟ قال، فيقولون: لا، قال: فيقول: إن محمدا خاتم النبيين، وقد حضر اليوم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال رسول الله ، فيأتون، فيقولون: يا محمد، اشفع إلى ربك، فليقض بيننا، فأقول: أنا لها، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته. فنحن الآخرون الأولون، آخر الأمم، وأول من يحاسب، فتفرج لنا الأمم طريقا، فنمضي غرا محجلين، من أثر الوضوء، فيقال: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها، فآتي باب الجنة، فآخذ بحلقة، الباب فأقرع الباب، فيقال من أنت؟ فأقول: أنا محمد، فيفتح، فأرى ربي عز وجل وهو على كرسيه، أو سريره- شك حماد- فأخر له ساجدا، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، وليس يحمده بها أحد بعدي، فيقال: يا محمد: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع لك، واشفع تشفع. قال: فأرفع رأسي، فأقول: أي رب، أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا- لم يحفظ حماد- ثم أعود فأسجد فأقول ما قلت، فيقول: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي رب. أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا. دون الأول، ثم أعود فأسجد وأقول مثل ذلك، فيقال لي: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع فأقول: أي رب، أمتي أمتي؟ فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون ذلك".

وقد روى ابن ماجه بعضه: من رواية حماد بن سلمة، عن سعيد بن إياس الجوهري عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطنة، عن ابن عباس، به، وتقدم في الصنف الثاني والثالث من أنواع الشفاعة، في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها.

رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا "هنا بياض بالأصل إلى العنوان الآتي"

طريق أخرى

وقد روى الطبراني في معجمه الكبير، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

طريق أخرى

قال الإمام أحمد: حدثنا معمر بن سليمان الرقي أبو عبد الله، حدثنا زياد بن خيثمة، عن علي بن النعمان بن قراد، عن رجل، عن عبد الله بن عمر، عن النبي قال: "خيرت بين الشفاعة، وبين أن يكون نصف أمتي في الجنة فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفأ، أترونها للمتقين؟ لا، ولكنها للمتأوبين الخطائين" قال زياد: أما إنها الحق، لكن هكذا الذي حدثنا.

ورواه ابن أبي الدنيا، عن الحسن بن عرفة، عن عبد السلام بن حرب، عن نعمان بن قراد، عن عبد الله، فذكره بنحوه.

هكذا رأيته في كتاب الأهوال، وكذا رواه البيهقي في البعث والنشور، من طريق الحسن بن عرفة.

رواية عبد الله بن عمرو بن العاص

قال مسلم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن بكر بن سوادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله تلا قول الله حكاية لسان إبراهيم: "رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم". وقول الله تعالى حكاية على لسان عيسى: "إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم". وقول الله تعالى حكاية على لسان نوح: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا". فرفع يديه، وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد- وربك أعلم- فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل، فسأله، فأخبره رسول الله بما قال، فأخبر جبريل ربه بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل: اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.

رواية عبد الله بن مسعود

قد تقدمت رواية علقمة في الحوض والمقام المحمود وفيه ذكر الشفاعة.

رواية عبد الرحمن بن أبي عقيل

قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو خالد يزيد الأسدي، حدثنا عون بن أبي جحيفة السوائي، حدثنا عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل، قال: "انطلقت إلى النبي في وفد، فأتيناه، فأنخنا بالباب،- وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه- فلما خرجنا، خرجنا وما في الناس أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منهم: يا رسول الله: سألت ر بك كملك سليمان؟ فضحك رسول الله ثم قال: فلعل قضاء حوائجكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعاها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها، وإن الله أعطاني دعوة، فاختبأتها عند ربي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". قلت: إسناد غريب، وحديث غريب.

رواية أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: الشفعاء يوم القيامة هم الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء:

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إسحاق، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة القرشي، عن علاف بن أبي مسلم، عن أبان بن عثمان، عن عثمان، قال: قال رسول الله : "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء".

وقال البزار: حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن علاف بن أبي مسلم، قال: ورايته في موضع آخر عندي، عن عبد الملك بن علاف، عن أبان عن عثمان، عن النبي قال: "أول من يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم المؤمنون ".

قال البزار: وعنبسة هذا لين الحديث، وعبد الملك بن علاف لا يعلم من روى عنه غير عنبسة.

رواية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه

قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن زيد المداري، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حرب بن شريح البزار، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق، أحق هي؟ قال: شفاعة ماذا؟ قلت: شفاعة محمد ، قال: حق: إي والله: والله لقد حدثني عمي محمد بن علي بن الحنفية: عن علي، أن رسول الله قال: "أشفع لأمتي حتى يناديني ربي عز وجل فيقول: أرضيت يا محمد. فأقول: رب رضيت". ثم قال: لا نعلمه يروى هذا، إلا بهذا الإسناد.

رواية عوف بن مالك

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش بن خلف بن هشام، قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله قال: "أتاني الليلة آت من ربي، فخبرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة. قالوا: يا رسول الله: ننشدك الله والصحبة، لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: فإني أشهد من حضر، أن شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله شيئا من أمتي".

وقد رواه يعقوب بن سفيان: عن يحيى بن صالح الوحاظي، عن جابر بن غانم، عن سليم بن عامر، عن معدي كرب بن عبد بلال، عن عوف بن مالك، قال: "أتاني جبريل عليه السلام، من قبل ربي، فخيرني بين خصلتين، أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة".

وقد رواه البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم بن بحر بن نصر، عن بشر بن بكر، عن أبي جابر، عن سليم بن عامر، سمعت عوف بن مالك: فذكر الحديث وفيه: ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، يرد الحديث إلى عوف بن مالك.

رواية كعب بن عجرة

قال البيهقي: أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، أخبرنا محمد بن عبد الله الصفار، حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن واصل مولى أبي عيينة، عن أبي عبد الرحمن، عن الشعبي، عن كعب بن عجرة، قال: قلت: يا رسول الله: الشفاعة الشفاعة، فقال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

رواية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه

قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثني النضر بن شميل المازني، حدثنا أبو نعامة، حدثنا أبو هنيدة البراء بن نوفل، عن وألان العدوي عن حذيفة، عن أبي بكر الصديق قال: أصبح رسول الله ذات يوم، فصلى الغداة، ثم جلس، حتى إذا كان من الضحاة ضحك، ثم جلس مكانه، حتى صلى الأولى، والعصر، والمغرب، كل ذلك لا يتكلم، حتى صلى العشاء الآخرة، ثم قام إلى أهله، فقال الناس لأبي بكر الصديق: ألا تسأل رسول الله ما شأنه. صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط، فسأله، فقال: "نعم: عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا، وأمر الآخرة، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فقطع الناس كذلك، حتى انطلقوا إلى آدم، والعرق يلجمهم، فقالوا: يا آدم: أنت أبو البشر، أنت اصطفاك الله، اشفع لنا إلى ربك، فقال: قد لقيت مثل الذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح عليه السلام: "إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين". قال: فينطلقون إلى نوح عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فأنت الذي اصطفاك الله، واستجاب لك في دعائك، ولم يدع أحد من الأنبياء بمثل دعوتك. فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم، فإن الله اتخذه خليلا، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى موسى، فإن الله كلمه تكليما، فيقول موسى: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى سيد ولد آدم، فإنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمد، فيشفع لكم إلى ربكم، قال: فينطلقون، فيأتون إلي، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول الله. ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع: قال: فأرفع رأسي، فإذا نظر إلي ربي عز وجل، خررت ساجدا قدر جمعة أخرى، فيقول الله: ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع. قال: فأرفع رأسي، فإذا نظر إلي ربي عز وجل، خررت ساجدا قدر جمعة أخرى، فيقول الله: ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع. قال: فأذهب لأقع ساجدا، فيأخذ جبريل بضبعي ويفتح علي من الدعاء شيء لم يفتحه على بشر قط، فأقول: أي رب: خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، ولا فخر، حتى إنه ليرد علي الحوض من أمتي أكثر مما بين صنعاء وأيلة، ثم يقال: ادعوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال: فيجيء النبي ومعه العصابة، والنبي ومعه الخمسة، والستة، والنبي ليس معه أحد ثم يقال: ادعوا الشهداء، فيشفعون فيمن أرادوا، قال: فإذا فعلت الشهداء ذلك، يقول الله: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بالله شيئا، قال: فيدخلون الجنة، ثم يقول الله: انظروا إلى النار، هل تلقون من أحد عمل خيرا قط؟ قال: فيجدون في النار رجلا، فيقال له: هل عملت خيرا قط. فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع، فيقول الله: أسمحوا إلى لعبدي، كإسماحه إلى عبادي، ثم يخرجون من النار رجلا، فيقال له: هل عملت خيرا قط؟ فيقول: لا غير أني قد أمرت ولدي فقلت لهم: إذا مت فأحرقوني في النار، ثم اطحنوني، حتى إذا صرت مثل الكحل، فأذهبوا بي إلى البحر، فذروني في الريح، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا، فيقول الله له: لم فعلت ذلك. فيقول: من مخافتك، قال: فيقول الله: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإن لك مثله وعشرة أمثاله. قال: فيقول: لم تسخر مني وأنت الملك؟ قال رسول الله : "فذاك الذي ضحكت منه من الضحى" .

وقد تكلمنا على هذا الحديث في آخر مسند الصديق بكلام طويل.

رواية أبي سعيد الخدري

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المغيرة، عن معيقب، عن سليمان بن عمرو بن عبد العتواري قال أحمد: -وهو أبو الهيثم- قال. حدثني ليث- وكان في حجر أبي سعيد الخدري قال: سمعت أبا سعيد يقول: سمعت رسول الله يقول: "يوضع الصراط بين ظهري جهنم، عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فناج مسلم، ومجروح به ناج، ومحتبس فمكدوس فيها، فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد، تفقد المؤمنون رجالا، كانوا معهم في الدنيا، يصلون كصلاتهم، ويزكون كزكاتهم، ويصومون كصيامهم، ويحجون كحجهم، ويغزون كغزوهم، فيقولون: أي ربنا، عباد من عبادك، كانوا معنا، يصلون في الدنيا صلاتنا، ويزكون زكاتنا ويصومون صيامنا، و يحجون حجنا، و يغزون غزونا، لا نراهم؟ فيقول: اذهبوا إلى النار، فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوهم. قال: فيجدونهم، وقد أخذتهم النار على قدر أعمالهم، فمنهم من أخذته قدميه ومنهم من أخذته الى نصف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه، ومنهم من أخذته إلى أزرته، ومنهم من أخذته إلى ثدييه، ومنهم من أخذته إلى عنقه، ولم تغش الوجوه، فيستخرجونهم منها، فيطرحونهم في ماء الحياة، قيل: يا رسول الله: وما ماء الحياة. قال: غسل أهل الجنة، فينبتون نبات المزرعة، وقال: مرة تنبت المرزعة في غثاء السيل، ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله، مخلصا، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتجلى الله برحمته على من فيها، فلا يترك فيها عبدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان، إلا أخرجه الله منها" . تفرد به أحمد.

ورواه ابن أبي الدنيا: من حديث إسحاق به، قال: موضع الصراط جهنم، قال محمد: لا أعلمه إلا كحد السيف، وذكر تمام الحديث.

قال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن سليمان،- يعني التيمي-، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : "أهل النار الذي هم أهلها، لا يموتون، ولا يحيون، وأما من يريد الله بهم الرحمة فإنه يميتهم في النار، ثم يدخل ضبارة فيهم، فيبثهم أو قال: فيبثون على نهر الحياة، أو قال: نهر الجنة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، قال: فقال النبي : أما ترون الشجرة تكون خضراء، ثم تكون صفراء، ثم تكون خضراء. قال فقال بعضهم: كأن النبي كان بالبادية".

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن سعيد بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها، ولا يحيون، ولكن هم أناس أو كما قال: يصلون النار بذنوبهم -أو قال: بخطيئاتهم- فتميتهم إماتة، حتى إذا صاروا فحما أذن الله في الشفاعة، فجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، فيقول: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل. فقال رجل من القوم: كأن رسول الله كان بالبادية". وهذا إسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وهو صحيح من هذا الوجه.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عثمان بن عاد، حدثني أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري، قال: لايعرض الناس على جسر جهنم، عليه كلاليب، وحسك، وخطاطيف تخطف الناس، قال: فيمر ناس مثل البرق، وآخرون مثل الريح، وآخرون مثل الفرس المجري، وآخرون يزحفون زحفا، فأما أهل النار، فلا يموتون ولا يحيون، وأما أهل الذنوب فيؤخذون بذنوبهم، فيحرقون، فيكونون فحما، ثم يأذن الله في الشفاعة، فيؤخذون ضبارات ضبارات، فيقذفون على نهر، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل. قال: قال رسول الله : "فيخرج أدنى رجل من النار، فيكوق على شفتها، فيقول: يا رب اصرف وجهي عنها، قال: فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسلك غيرها، فيصرف وجهه عنها، قال: فيرى شجرة فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها، وآكل من ثمرها. قال، فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها؟ فيقول: وعهدي وذمتي لا أسألك غيرها، فيدنيه منها، قال: فيرى شجرة أخرى أحسن منها، قال: فيقول: يا رب حولني إلى هذه الشجرة، أستظل بظلها، وآكل من ثمرها. قال: فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسألك غيرها، فيحوله إليها، قال: فيرى الثالثة، فيقول: رب حولني إلى هذه الشجرة، أستظل بظلها وآكل من ثمرها قال: فيقو ل: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسلك غيرها، فيحوله، قال: فيرى سواد الناس، ويسمع أصواتهم، فيقول: يا رب أدخلني الجنة".

قال أبو سعيد: ورجل آخر من أصحاب النبي اختلفا، فقال أحدهما: "فيدخل الجنة ويعطى الدنيا ومثلها".

وقال الآخر: "فيدخل الجنة ويعطى الدنيا وعشرة أمثالها".

وقد رواه النسائي، من حديث عثمان بن غياث، به نحوه.

رواية أبي هريرة

قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان- يعني ابن داود- حدثنا إسماعيل، حدثنا عمرو بن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قلت للنبي : "من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة. فقال النبي : "لقد ظننت يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله خالصة من نفسه" . هذا إسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه من هذا الوجه.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا أبو معاوية، ويعلى بن عبيد، قالا: حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "إن لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي، نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئا".

قال- يعني شفاعته- ورواه مسلم: من حديث أبي معاوية محمد بن حازم الضرير، عن الأعمش به.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا هاشم، والخزاعي- يعني أبا سلمة- قالا: حدثنا ليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن سالم بن أبي سالم، عن معاوية بن معتب الهذلي، عن أبي هريرة، أنه سمعه يقول: سألت رسول الله : ماذا أراد إليك ربك في الشفاعة؟ فقال: والذي نفس محمد بيده، لقد ظنت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي، لما رأيت من حرصك على العلم، والذي نفس محمد بيده، لما يهمني من وقوفهم على أبواب الجنة، أهم عندي من تمام شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله، مخلصا، فصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه.

تفرد به أحمد من هذا الوجه.

طريق أخرى

قال أحمد: قرأت على عبد الرحمن بن مالك، حدثنا إسحاق، حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة".

قال إسحاق: فأردت أن أختبىء". وقد رواه البخاري: من حديث مالك به.

طريق أخرى

قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب، حدثني يونس، عن ابن شهاب، أن عمرو بن أبي سفيان بن أبي أسيد بن حارثة الثقفي أخبره: أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار: إن رسول الله قال: "لكل نبي دعوة يدعو بها، فأنا أريد- إن شاء الله- أن أختبىء دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". قال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله قال: "نعم". تفرد به مسلم.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني القاسم بن محمد، قال: اجتمع أبو هريرة، وكعب، فجعل أبو هريرة يحدث كعبا عن النبي ، وكعب يحدث أبا هريرة عن الكتب، قال أبو هريرة: قال النبي : "لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".

انفرد به أحمد وإسناده صحيح على شرطهما، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا يحيى عن شعبة ومحمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال غندر في حديثه. قال: سمعت أبا هريرة عن النبي قال: "إن لكل نبي دعوة دعا بها، وإني أريد أن أدخر دعوتي إن شاء الله شفاعة لأمتي يوم القيامة، قال ابن جعفر: في أمتي". وقد رواه مسلم من حديث شعبة به.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله : "لكل نبي دعوة تستجاب له، فأريد إن شاء الله أن أدخردعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". وهذا إسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجوه.

طريق أخرى

قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن عمارة، وهو ابن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، فيستجاب له، فيؤتاها، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". انفرد به مسلم.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا أبو أويس قال: قال الزهري: أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله : "لكل نبي دعوة، وأريد إن شاء الله أن أختبىء دعوتي ليوم القيامة شفاعة لأمتي".

تفرد به أيضا من هذا الوجه، ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري وقد رواه البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة، ومسلم من طريق مالك، كلاهما عن الزهري به.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا داود الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله في قوله: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا".

قال: هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه.

ورواه الترمذي عن أبي كريب، عن وكيع، عن داود، وقال: حسن.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا ابن جريج، حدثني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيدارة مولى عثمان، قال: "إنا بالبقيع مع أبي هريرة إذ سمعناه يقول: أنا أعلم الناس بشفاعة محمد يوم القيامة، قال: فتدارك الناس عليه، فقالوا: إيه يرحمك الله. قال: يقول رسول الله : "اللهم اغفر لكل عبد لقيك، يؤمن بك، لا يشرك بك". تفرد به أحمد من هذا الوجه.

رواية أم حبيبة

قال البيهقي: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو داود الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا شعيب، عن الزهري، عن أنس، عن أم حبيبة، عن رسول الله أنه قال: "أرأيت ما تلقى أمتي من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، سبق ذلك من الله، كما سبق في الأمم قبلهم، فسألت الله أن يوليني منهم شفاعة، ففعل". قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.

ذكر شفاعة المؤمنين لأهاليهم

تقدم حديث أبي هريرة، عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، عن النبي قال: "أول من يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم المؤمنون".

رواه البزار، وابن ماجة، ولفظه: "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء".

فأما ما أورده القرطبي في التذكرة من طريق أبي عمرو السماك، حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان، أخبرنا على عاصم، حدثنا خالد الخزاعي، عن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، قال: قال ابن مسعود: "يشفع نبيكم رابع أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى، أو عيسى ثم نبيكم، ثم الملائكة، ثم الصديقون، ثم الشهداء". وقد رواه أبوداود الطيالسي، عن أبي سلمة بن كهيل، عن أبيه به، وزاد أبو داود في روايته: "لا يشفع بعده أكبر منه" وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". فإنه حديث غريب جدا، ويحيى بن سلمة بن كهيل ضعيف، وفي الصحيح: من طريق عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، مرفوعا: "إذا أخلص المؤمنون من الصراط، وراوا أنهم قد نجوا، فما أنتم بأشد منهم شدة في الحق، بعدما تبين منهم لربهم في إخوانهم الذين في النار، يقولون: يا ربنا: إخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويقرأون معنا، فيقول الله: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار". قال أبو سعيد: اقرأوا إن شئتم. "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما". قال: فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، فيقولون: هؤلاء عتقاء الله، أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ر بنا، أي شيء أفضل من هذا؟ أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقال لهم: عندي أفضل من هذا، فيقولون: ربنا: أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضائي، فلا أسخط عليكم أبدا.

يشفع المؤمنون يوم القيامة إلا اللعانين فلا شفاعة لهم

وفي حديث إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي بعد ذكر دخول الجنة: "ثم أقول: يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي، فيقول: نعم. أخرجوا من النار من كان في قلبه ثلثي دينار، نصف دينار، ثلث دينار، ربع دينار حتى بلغ قيراطين. أخرجوا من لم يعمل خيرا قط. قال: ثم يؤذن في الشفاعة، فلا يبقى أحد إلا شفع، إلا اللعان، فإنه لا يشفع، حتى إن إبليس ليتطاول يومئذ في النار، رجاء أن يشفع له، مما يرى من رحمة الله، حتى إذا لم يبق أحد إلا شفع، قال: بقيت أنا أرحم الراحمين، فيخرج منها ما لا يحصى عدتهم غيره، كأنهم الخشب المحترقة، فيطرحون على شط نهر على باب الجنة، يقال له نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل" رواه ابن أبي الدنيا... وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا يوسف بن خالد، هو السمني، عن الأعمش، عن أنس، أن رسول الله قال: "يعرض أهل النار صفوفا، فيمر بهم المؤمنون، فيرى الرجل من أهل النار الرجل من المؤمنين قد عرفه في الدنيا فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم استعنتني على حاجة كذا؟ ويقول: أما تذكر يوم أعطيتك قال، أراه قال: كذا وكذا-؟ فيذكر ذلك المؤمن، فيعرفه، فيشفع له إلى ربه، فيشفعه فيه" في إسناده ضعف.

طريق أخرى عن أنس

قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمر، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا لأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "يصف الناس يوم القيامة صفوفا، وقال ابن نمير: أهل الجنة فيمر الرجل من أهل النار على الرجل، فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم استسقيتني فسقيتك شربة؟ قال: فيشفع له، ويمر الرجل على الرجل، فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهورا؟ فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول: أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له". ورواه الطحاوي بلفظ آخر قريب من هذا المعنى.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن عبد الله بن موسى، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن الحسن، قال: قال رسول الله : "يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: يا رب: إن فلانا سقاني شربة من ماء في الدنيا، فشفعني فيه، فيقول الله. اذهب فأخرجه من النار، فيتحسس، يخرجه منها". وهذا مرسل من مرسلات الحسن الحسان.

ومن الأحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين لأهاليهم

حكى بعضهم عن زبور داود عليه السلام: أنه مكتوب فيه: يقول الله: "إن عبادي الزاهدين، أقول لهم يوم القيامة: عبادي: إني لم أزو عنكم الدنيا لهوانكم علي، ولكن أردت أن تستوفوا نصيبكم موفورا اليوم، فتخللوا الصفوف، فمن أحببتموه في الدنيا، أو قضى لكم حاجه، أو رد عنكم غيبة، أو أطعمكم لقمة ابتغاء وجهي، وطلب مرضاتي، فخذوا بيده، وأدخلوه الجنة".

وروى الترمذي، والبيهقي: من طريق مالك بن مغول، عن عطية، عن أبي سعيد، قال. قال رسول الله : "إن من أمتي لرجالا يشفع الرجل منهم في الفئام من الناس، فيدخلون الجنة بشفاعته، ويشفع الرجل للقبيلة، فيدخلون الجنة بشفاعته، ويشفع الرجل منهم للرجل وأهله، فيدخلون الجنة بشفاعته". وروى البزار: بسنده، مرفوعا. "إن الرجل ليشفع للاثنين والثلاثة".

وله من حديث سفيان الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "يقال للرجل: قم يا فلان: واشفع، فيقول الرجل، فيشفع للقبيلة، ولأهل البيت، وللرجل، والرجلين، على قدرعمله".

ومن حديث الحسين بن واقد: عن أبي غالب، أن أبا ثمامة حدثه، قال: سمعت رسول الله يقول: "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من عدد مضر، ويشفع الرجل في أهل بيته، ويشفع على قدرعمله".

وروي عن الحاكم، عن الأصم، عن الحسن بن مكرم، عن يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن عبد الرحمن أو عبد الله بن أبي ميسرة، عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس مثل الحسين أو مثل الحسن، مثل ربيعة ومضر، فقال رجل: يا رسول الله، وما ربيعة من مضر؟ قال: إنما أقول ما أقول".

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، قال: جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء، فقال أحدهم: سمعت رسول الله يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم، قلنا: سواك يا رسول الله؟: قال: سواي". قلت: أنت سمعته؟ قال: نعم، فلما قام، قلت: من هذا؟: قالوا ابن أبي الجدعاء.

ثم رواه أحمد: عن غندر عن شعبة، وعن عفان، عن وهب، كلاهما عن خالد الحذاء، به ونحوه. ورواه أبو عمر بن السماك، عن يحيى بن جعفر، عن سنان، عن جرير بن عثمان، عن عبد الله بن ميسرة، وحبيب بن عدي الرحبي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله : "يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل أحد الحيين، ربيعة ومضر". قيل يا رسول الله: وما ربيعة ومضر؟ قال: "إنما أقول ما أقول". قال: فكان الصحابة يرون أنذلك الرجل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان الثوري، عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق العقيلي، فقال: جلست إلى نفر من أصحاب النبي فيهم عبد الله بن أبي الجدعاء، فقال: سمعت رسول الله يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم". قالوا: سواك يا رسول الله؟ قال: سواي، قال الفريابي: يقال إنه عثمان بن عفان رضي الله عنه...

رواه الترمذي، والبيهقي، وابن ماجه، وغيرهم: من طرق متعددة، عن خالد الحذاء، به. وقال الترمذي: حسن صحيح، وليس لابن أبي الجدعاء حديث سواه.

وله من حديث أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عبد الله بن قيس الأسدي، عن الحارث بن قيس، قال: قال رسول الله : "إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر، وإن من أمتي من سيعظم للنار حتى يكون أحد زواياها" وكذا رواه أحمد وابن ماجة، من غير وجه عن داود بن أبي هند، وفي لفظ لأحمد: "إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر، وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون ركنا من أركانها".

وروى البيهقي من حديث أبي بكر بن عياش، عن الحسن، قال: قال رسول الله : "يدخل بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، قال هشام: أخبرني حوشب، عن الحسن: أنه أويس القرني، قال أبو بكر بن عياش: قلت لرجل من قومه: أويس بأي شيء يبلغ هذا؟ قال: فضل الله يؤتيه من يشاء".

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا سليمان العصري، حدثني عقبة بن صهبان، سمعت أبا بكرة، عن النبي قال: "يحصل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع الناس بهم جنبتا الصراط، تقادع الفراش في النار، قال فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء قال: ثم يؤذن للملائكة، والنبيين، والشهداء أن يشفعوا، فيشفعون ويخرجون ويشفعون، ويخرجون وزاد عفان مرة أخرى فقال: ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان".

وقال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ أبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، يعني ابن سليمان، حدثنا أبو طلال، حدثنا أنس بن مالك، حدثنا، رسول الله قال: "سلك رجلان مفازة، أحدهما عابد، والآخر به رهق، رفع الذي به رهق إداوة فيها ماء، وليس مع العابد ماء، فعطش العابد، فقال: أي فلان، اسقني فهو ذا أموت، فقال: إنما معي إداوة، ونحن في مفازة، فإن سقيتك هلكت، فسلكا، ثم إن العابد اشتد به العطش فقال: أي فلان، اسقني فهو ذا أموت فقال: إنما معي إداوة ونحن في مفازة، فإن سقيتك هلكت، فسلكا، ثم إن العابد سقط، فقال: أي فلان اسقني فهو ذا أموت، قال الذي به رهق، والله إن هذا العبد الصالح يموت ضياعا، لا يبلني عند الله أبدا، فرش عليه من الماء وسقاه، ثم سلكا إلى المفازة، فقطعاها، قال: فيوقفان للحساب يوم القيامة، فيؤمر بالعابد إلى الجنة، ويؤمر بالذي به رهق إلى النار، قال فيعرف الذي به رهق العابد، ولا يعرف العابد الذي به رهق، فيناديه: أي فلان، أنا الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة، وقد أمر بي الى النار، فاشفع إلى ربك، فيقول: أي رب، إنه قد آثرني على نفسه، أي رب هبه لي اليوم، فيوهب له، فيأخذه بيده فينطلق به إلى الجنة، زاد فيه: فيقول: يا فلان، لشد ما غرتك نعمة ربي عز وجل. ثم قال البيهقي: هذا الإسناد وإن كان غير قوي فله شاهد من حديث أنس بن مالك، حدثنا أبو سعيد الزاهد، إملاء، حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا علي بن أبي سارة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن رسول الله : "أن رجلا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على النار، فيناديه رجل من أهل النار، فيقول: يا فلان، هل تعرفني، فيقول: لا، والله ما أعرفك، من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء فسقيتك، قال: قد عرفت، قال: فاشفع بها عند ربك، قال: فيسأل الله عز وجل فيقول إني أشرفت على النار فناداني رجل من أهلها، فقال: هل تعرفني؟ قلت: لا والله، ما أعرفك، من أنت؟ قال: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء. فسقيتك فاشفع لي عند ربك، فشفعني، فيشفعه الله، فيأمر به فيخرج من النار.

أنبأنا أبو طالب طاهر الفقيه، أنبأنا أبو عبد الله الصفار، الأصبهاني، أبو قبيصة، محمد بن عبد الرحمن بن عمارة، بن القعقاع الضبي، الأصبهاني البغدادي، حدثنا أحمد بن عمران الأحبشي، سمعت أبا بكر بن عياش يحدث صالحا الخزاز، عن سليمان التيمي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "يجمع الله أهل الجنة صفوفا، وأهل النار صفوفا، فينظر الرجل من صفوف أهل النار إلى رجل من صفوف أهل الجنة، فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم اصطنعت إليك في الدنيا معروفا؟ فيقول: يا رب إن هذا اصطنع إلي معروفا، فيقال: خذ بيده، وأدخله الجنة"، قال أنس: أشهد أني سمعت رسول الله يقوله، قال: وكذا رواه الصنعاني، عن أحمد بن عمران، تفرد به أحمد بن عمران، والله أعلم.

حديث فيه شفاعة الأعمال لصاحبها

قال عبد الله بن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، عن حيي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن الصيام، والقرآن ليشفعان للعبد، يقول الصيام: رب منعته الطعام والشراب، والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه.

وروى نعيم بن حماد، عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن أبي قلابة، قال: إن ابن أخي يتعاطى الشراب، فمرض، فبعث إلي ليلا أن ألحق بي فأتيته، فرأيت أسودين قد دنيا منه، فقلت: إنا لله هلك ابن أخي، فاطلع أبيضان من الكوة التي في البيت، فقال أحدهما لصاحبه: أنزل إليه، فلما نزل تنحى عنه الأسودان، فشم فاه، فقال: ما أرى فيها ذكرا. ثم شم بطنه، فقال: ما أرى فيها صياما، ثم شم رجليه فقال: ما أرى فيهما صلاة فقال له صاحبه: إنا لله وإنا إليه راجعون. رجل من أمة محمد ليس له من الخير شيء. ويحك، عد فانظر، فعاد فلم يجد شيئا، فنزل الآخر، فشم، فلم يجد شيئا، ثم عاد فإذا في طرفي لسانه تكبيرة في سبيل الله، قالها ابتغاء وجه الله بأنطاكية، فقبضوا روحه، فشموا في البيت رائحة المسك وشهد الناس جنازته، حديث غريب جدا.

قال العلامة أبو محمد القرطبي في التذكرة: وخرج أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم، بن محمد الختلي في كتاب الديباج له، حدثنا أحمد بن أبي الحارث، حدثنا عبد المجيد بن أبي داود، عن معمر بن راشد، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله: "إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه أخرج كتابا من تحت العرش: إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين قال: فيخرج من أهل النار مثل أهل الجنة، أو قال: مثلي أهل الجنة، قال: ظني أنه قال: مثل أهل الجنة، مكتوب بين أعينهم: عتقاء الله".

وروى الترمذي، عن أنس، مرفوعا: يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من ذكرني يوما، أو خافني في مقام، وقال: حسن غريب.

وله عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: "إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما، فقال الرب تعالى: أخرجوهما، فلما أخرجا قال لهما: لأي شيء اشتد صياحكما؟ فقالا: فعلنا ذلك لترحمنا، قال: إن رحمتي لكما أن تنطلقا، فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار، فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها عليه بردا وسلاما، ويقوم الآخر، فلا يلقي نفسه، فيقول الرب تعالى: "ما منعك أن تلقي بنفسك، كما ألقى صاحبك؟ فيقول: رب إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني منها فيقول الرب: لك رجاؤك، فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله". وفي إسناده ضعف لحال رشدين بن سعد، عن ابن أبي نعم وهما ضعيفان، ولكن يغتفر رواية هذا في هذا الباب من الترغيب والترهيب. والله أعلم.

وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، حدثنا أبو هانىء الخولاني، عن عمرو بن مالك الخشني: أن فضالة بن عبود، وعبادة الصامت حدثاه: أن رسول الله قال: "إذا كان يوم القيامة، وفرغ الله من قضاء الخلق فيبقى رجلان، فيؤمر بهما إلى النار، فيلتفت أحدهما، فيقول الجبار: ردوه، فيردونه، فيقول له: لم التفت؟ فيقول: كنت أرجو أن تدخلني الجنة، فيؤمر به إلى الجنة، فيقول: لقد أعطاني ربي حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك مما عندي شيئا، وكان رسول الله إذا ذكره يرى السرور في وجهه".

فصل أصحاب الأعراف

قال الله تعالى: "و بينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون، وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين".

قال ابن عباس وغيره: الأعراف سور بين الجنة والنار: وقال العتبي: عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: "أصحاب الأعراف، قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة". "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين". فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم ربك، فقال: قوموا فادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم.

ورواه البيهقي: من وجه آخر، عن الشعبي، عن حذيفة، مرفوعا وفيه نظر. وقال سفيان الثوري: عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: "أصحاب الأعراف رجال تستوي حسناتهم وسيئاتهم، فيذهب بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة- تربته ورس وزعفران، وحافتاه، قصب من ذهب، مكلل باللؤلؤ فيغتسلون منه، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، ثم يغتسلون، فيزدادون بياضا، ثم يقال لهم: تمنوا ما شئتم، فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وأضعافه سبعين مرة، فأولئك مساكين الجنة".

وقد وردت أحاديث فيها غرابة، في شأن أصحاب الأعراف، وصفاتهم، تركناها لضعفها.

ذكر أول من يخرج من النار فيدخل الجنة

ثبت في صحيح مسلم: من حديث الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره: أن أناسا قالوا لرسول الله: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله : "هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة، فيها منافقوها، فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ر بكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا، حتى يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ر بكم، فيقولون: أنت ر بنا، فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من نجتاز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المجازي، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار يأمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يقول لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، فيخرجون من النار، قد امتحشوا، فيصب عليهم من ماء الحياة، فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل، ويفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، وهو آخر أهل النار دخولا الجنة، فيقول: أي رب، اصرف وجهي عن النار، فإنه قد مسني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله ما شاء أن يدعوه، ثم يقول الله: هل عسيت إن أعطيت ذلك، أن تسألني غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة، ورآها، سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول: أي رب: قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، لا تسألني شيئا غير الذي أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم: ما أغدرك؟ فيقول: أي رب، ويدعو الله، حتى يقول: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك، ويعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة، انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب: أدخلني الجنة، فيقول الله تعالى: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ ويحك يا ابن آدم؟ ما أغدرك؟ فيقول: أي رب، لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله، حتى يضحك الله منه، ثم يقول له: ادخل الجنة، فيدخلها فيقول الله: تمنه، فيسأل الله ويتمنى. حتى إن الله ليذكره، من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني، قال الله، لك ذلك ومثله معه". قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة، لا يرد عليه شيئا من حديثه، حتى إذا قال أبو هريرة: إن الله قال لذلك الرجل: ومثله معه. قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: لك ذلك مثله معه، فقال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله قول: لك ذلك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا".

هذا لفظ مسلم، من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، ثم أورد الحديث من رواية عطاء بن يسار، وغيره: عن أبي سعيد، فساقه بطوله نحوه، وفيه: "إنه يعطى ذلك وعشرة أمثاله" وفي بعض سياقاته: "أنه ينتقل من النار إلى باب الجنة في ثلاث مراحل، كل مرحلة يجلس تحت شجرة كل واحدة هي أحسن من أختها التي قبلها".

وكذلك رواه مسلم أيضا: من حديث ابن مسعود وفيه: "وعشرة أمثاله" كما حفظه أبو سعيد، والله سبحانه أعظم وأكرم.

وكذا رواه البخاري: عن ابن مسعود، وفيه: "وعشرة أمثاله" فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال النبي : "إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة، رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنه، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا- فيقول: تسخربي- أو تضحك مني- وأنت الملك؟ فلقد رأيت رسول الله يضحك حتى بدت نواجذه وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة".

روى الدارقطني في كتابه: الرواة عن مالك، والخطيب البغدادي، من طريق غريبة، عن عبد الملك بن الحكم، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة، يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة. عند جهينة الخبر اليقين، سلوه: هل بقي من الخلائق أحد"؟ وهذا الحديث لا تصح نسبته إلى الإمام مالك، لجهالة رواته عنه، ولو كان محفوظا عنه من حديثه لكان في كتبه المشهورة عنه، كالموطإ وغيره مما رواه عنه الثقات. والعجيب أن أبا عبد الله القرطبي ذكره في التذكرة، وجزم به، فقال: قال ابن عمر: قال رسول الله : "آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة، يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة: وعند جهينة الخبر اليقين.

وكذلك ذكره السهيلي، ولم يضعفه، وحكى عن السهيل قول آخر: أن اسمه هناد فالله أعلم إلى هنا.

وقال مسلم: حدثنا محمد بن مسعود بن نمير، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله : "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال له: عملت يوم كذا، كذا وكذا. وعملت يوم كذا، كذا وكذا. فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر، وهومشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: إن لك مكان كل سيئة حسنة. فيقول: رب: عملت أشياء لا أرها هاهنا، فلقد رأيت رسول الله ضحك، حتى بدت نواجذه ".

وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى المزكي، حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي، حدثني أبي، عن أبيه، حدثني أبو يحيى الكلاعي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله : "إن آخر رجل يدخل الجنة، رجل يتقلب على ظهر الصراط ظهرا لبطن، كالغلام يضربه أبوه، وهو يفر منه، يعجز عنه عمله أن يسعى، فيقول: يا رب: بلغ بي الجنة، ونجني من النار، فيوحي الله إليه: عبدي إن أنا نجيتك من النار، وأدخلتك الجنة، أتعترف لي بذنوبك، وخطاياك؟ فيقول العبد: نعم يا رب: وعزتك إن نجيتني من النار لأعترف لك بذنوبي وخطاياي، فيجوز الجسر، ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه: لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي، ليردني إلى النار، فيوحي الله إليه: عبدي: اعترف بذنوبك، وخطاياك، أغفرها لك، وأدخلك الجنة، فيقول العبد: لا وعزتك وجلالك ما أذنبت ذنبا قط، ولا أخطأت خطيئة قط، فيوحي الله إليه، عبدي: إن لي عليك بينة، فيلتفت العبد يمينا وشمالا فلا يرى أحدا: فيقول: يا رب: أرني بينتك، فيستنطق الله جلده بالمحقرات، فإذا رأى ذلك العبد، يقول: يا رب: عندي وعزتك العظائم، فيوحي الله إليه: عبدي: أنا أعرف بها منك، اعترف لي بها أغفرها لك، وأدخلك الجنة، فيعترف العبد بذنوبه، فيدخله الجنة، ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه، فقال: هذا أدنى أهل الجنة منزلة، فكيف بالذي فوقه؟".

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا سلام:- يعني ابن مسكين- عن طلال، عن أنس بن مالك، عن النبي قال: "إن عبدا في جهنم لينادي ألف سنة: يا حنان، يا منان. قال: فيقول الله لجبريل: اذهب فائتني بعبدي هذا، فينطلق جبريل، فيجد أهل النار مكبين يبكون فيرجع إلى ربه فيخبره، فيقول: ائتني به، فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به، فيوقفه على ربه، فيقول له: يا عبدي، كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ فيقول: يا رب، شر مكان، وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي، فيقول: ما كنت أرجو إذا أخرجتني منها، أن تردني فيها، فيقول الله تعالى: دعوا عبدي" . تفرد به أحمد.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان بن سلمة، أخبرنا ثابت، وأبو عمران الجوني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: "يخرج أربعة من النار- قال أبو عمران: أربعة، وقال ثابت: رجلان- فيعرضون على الله، ثم يؤمر بهم- أو بهما- إلى النار، فيلتفت أحدهم، فيقول: أي رب قد كنت أرجو إذا أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها، فينجيه الله منها" . هكذا رواه مسلم: من حديث حماد بن سلمة: به.

وقال عبد الله بن المبارك: حدثني رشيد بن سعيد، حدثني ابن أنعم عن أبي عثمان، أنه حدثه، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "ن رجلين ممن دخل النار، يشتد صياحهم، فيقول الرب جل جلاله: أخرجوهما، فيخرجان، فيقول الله لهما: لأي شيء اشتد صياحكما؟ فيقولان: فعلنا ذلك لترحمنا، فيقول عز وجل: رحمتي لكما بأن تنطلقا إليها، فيلقي أحدهما نفسه فيها، فيجعلها عليه الله بردا وسلاما، أما الآخر، فلا يلقي نفسه، فيقول له الرب: ما منعك أن تلقي نفسك كما فعل صاحبك؟ فيقول: رب: إني أرجو أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها: فيقول الرب: لك رجاؤك، فيدخلان جميعا الجنة، برحمة الله عز وجل".

وذكر بلال بن سعد في خطبته: "إن الله تعالى إذا أمرهما بالرجوع إلى النار، ينطلق أحدهما في أغلاله، وسلاسله، حتى يقتحمها، ويتلكأ الاخر، فيقول الله للأول: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: إني خررت من وبال معصيتك في العذاب الأليم، فلم أكن أتعرض لسخطك ثانيا، وأما الآخر، فيقول: حسن ظني بك، إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني إليها، فيرحمهما الله، ويدخلهما الجنة".

فصل إذا خرج أهل المعاصي منها فلم يبق فيها غير الكافرين فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون

كما قال تعالى: "فاليوم لا يخرجون منها". ولا محيد لهم عنها، بل هم خالدون فيها أبدا، وهم الذين حبسهم القرآن، وحكم عليهم بالخلود، كما قال تعالى: "ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا "حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا".

وقال تعالى: "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا".

وقال تعالى: "إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا".

فهذه ثلاث آيات، فيهن الحكم عليهم بالخلود أبدا، ليس لهن رابعة مثلهن في ذلك، فأما قوله تعالى: "قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم".

وقوله تعالى: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد".

فلقد تكلم ابن جرير وغيره من المفسرين على هذه الآية بكلام طويل بسطه، وجاءت آثار عن الصحابة غريبة، ووردت أخبار عجيبة، وللكلام على ذلك موضع آخر، ليس هذا موطنه، والله أعلم وأحكم.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك عمرو بن محمد بن زيد، حدثني أبي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "إذا صار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، جيء بالموت حتى يوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادي: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت فازداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، وازداد أهل النار حزنا على حزنهم" .

وهكذا رواه البخاري: عن معاذ بن أسد بن عبد الله بن المبارك، به، مثله، وقال أحمد، حدثنا حسان بن الربيع الموصلي، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "يؤتى بالموت كبشا أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقول: يا أهل الجنة: فيشرئبون وينظرون، ويقول: يا أهل النار، فيشرئبون، وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح ويقال: خلود لا موت". وهذا إسناد غريب من هذا الوجه.

وقال أحمد: حدثنا يزيد وابن نمير، قالا: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة: فيطلعون خائفون، وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا. فيقولون: نعم ربنا، هذا الموت، ثم يقال: يا أهل النار: فيطلعون فرحين، مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كليهما: خلود فيما تجدون، لا موت أبدا".

إسناده جيد قوي، على شرط الصحيح، ولم يخرجه أحد من هذا الوجه.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن آدم، حدثنا نافع بن خالد الطاحي، حدثنا نوح بن قيس الطاحي، عن أخيه خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس، عن النبي قال: "يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح، فيقال: يا أهل الجنة: خلود ولا موت، ويا أهل النار: خلود ولا موت". ثم قال البزار: لا نعلمه يروى عن أنس، إلا من هذا الوجه.

كتاب صفة أهل الجنة وما فيها من النعيم نسأل الله عز وجل أن يدخلنا برحمته

ذكر ما ورد في عدد أبوابها واتساعها وعظمة جناتها

وقال الله تعالى: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين".

وقال تعالى: "جنات عدن مفتحة لهم الأبواب".

وقال: "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب و سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".

وقد سلف فيما تقدم من الأحاديث: أن المؤمنين إذا انتهوا إلى باب الجنة، وجدوه مغلقا، فيشفعون إلى الله عز وجل ليفتح لهم.

وقد ذكر في حديث الصور: "أنهم يأتون آدم، ثم نوحا، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، فكل يحيد عن ذلك- كما تقدم في الصحاح- ثم يأتون رسول الله ، فيذهب، فيقعقع حلقة باب الجنة، فيقول الخازن: من؟ فيقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، فيدخل فيشفع عند الله في دخول المؤمنون دار الكرامة، فيشفعه، فيكون هو أول من يدخل الجنة من الأنبياء، وأمته أول من يدخلها من الأمم".

وثبت في الصحيح: "أنا أول شافع في الجنة، وأول من يقعقع". وسيأتي في الحديث أيضا: "مفتاح الجنة، لا إله إلا الله".

وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن؟ من رواية عقبة بن عامر، وغيره: عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله : "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا بشر بن الفضل، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله : "إن بالجنة بابا يدعى الريان، يدعى إليه الصائمون يوم القيامة، يقال: أين الصائمون؟ فإذا دخلوه أغلق، فلم يدخل منه غيرهم". قال بشر: فلقيت أبا حازم، فسألته، فحدثني به، غير أني لحديث عبد الرحمن أحفظ وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله قال: "في الجنة ثمانية أبواب، باب منها يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون" وقد رواه البخاري: عن سعيد بن أبي مريم، به.

ورواه أيضا مسلم: من حديث سليمان بن بلال، عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل، به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله، دعي من أبواب الجنة، وللجنة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان" فقال أبو بكر: والله يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي، من أيها دعي، فهل يدعى منها كلها أحد، يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم" . وأخرجاه في الصحيحين: من حديث الزهري: به.

ولهما من حديث سفيان: عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي مثله: وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد بن نمير: حدثنا إسحاق بن سليمان: حدثنا جرير بن عثمان: عن شرحبيل بن شفعة، قال: لقيني عتبة بن عبد الله السلمي، فقال: سمعت رسول الله يقول: "ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية، من أيها شاء". وروراه ابن ماجه: عن أبي نمير أيضا.

وروى البيهقي: من حديث الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي المثنى المليكي، أنه سمع عتبة بن عبد الله السلمي يروي عن النبي ، في حديث ذكره في قتال المخلص والمذنب والمنافق قال فيه: "وللجنة ثمانية أبواب، وإن السيف محاء للذنوب، و يمحو النفاق". الحديث بطوله. وتقدم الحديث المتفق عليه من حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة، في حديث الشفاعة، قال فيه: "فيقول الله: يا محمد: أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر، والذي نفس محمد بيده: إن بين المصراعين من مصاريع الجنة،- أو ما بين عضادتي الباب- كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى".

وفي صحيح مسلم: عن خالد بن عمير العدوي، أن عتبة بن غزوان خطبهم فقال: بعد حمد الله والثناء عليه: "أما بعد: فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت جريا، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء، يصبها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا فناء لها، فانتقلوا بخيرمن عملكم، فلقد ذكر لنا: أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام".

وفي المسند: من حديث حماد بن سلمة، عن الحريري، عن حكيم، عن معاوية، عن أبيه، أن رسول الله قال: "أنتم توفون سبعين أمة، آخرها، وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيط".

ورواه البيهقي: من طريق علي بن عاصم، عن سعيد الحريري بن معاوية، وقال: "مسيرة سبع سنين".

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا الفضل بن الصباح أبو العباس، حدثنا معن بن عيسى: حدثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله : "باب أمتي الذي تدخل منه الجنة، عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا، ثم إنهم ليضغطون عليه، حتى تكاد مناكبهم تزول".

وقد رواه الترمذي من حديث خالد هذا. قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه.

وقال خالد بن أبي بكر: حدثنا كشذ، عن سالم، قال البيهقي: وحديث عتبة بن غزوان "أربعين سنة" أصح.

وقد روى عبد بن حميد في مسنده: عن الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، عن دراج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله قال: "إن للنار سبعة أبواب، ما منها باب إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما". فإنه حديث مشهور، وحمله بعض العلماء على بعد ما بين كل باب وباب، لا أنه بعد المصراعين، لئلا يتعارض هذا وما تقدم، والله أعلم.

وقد ادعى القرطبي: أن للجنة ثلاثة عشر بابا، ولكن لم يقم على ذلك دليلا قويا أكثر من أن قال: ومما يدل على أنها أكثر من ثمانية، حديث عمر: "من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وفي آخره قال: فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب، يدخل من أيها شاء". أخرجه الترمذي وغيره.

وروى الآجري في كتاب النصيحة، عن أبي هريرة، مرفوعا: "إن في الجنة بابا يقال له باب الضحى، ينادي مناد: أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوا".

أسماء أبواب الجنة

قال: وقال الحليمي: أبواب الجنة منها باب محمد ، وهو باب التوبة، وباب الصلاة، وباب الصوم، وباب الزكاة، وباب الصدقة، و باب الحج، و باب العمرة، و باب الجهاد، و باب الصلة.

وزاد غيره: باب الكاظمين، وباب الراضين، والباب الأيمن الذي يدخل منه الذين لا حساب عليهم.

وجعل القرطبي الباب الذي عرضه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المجود- كما وقع عند الترمذي- بابا ثالث عشرة، والله تعالى أعلم.

مفتاح الجنة شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والأعمال الصالحة هي أسنان هذا المفتاح

وقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عباس، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي جبير، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله : "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله".

وفي صحيح البخاري، قال: قيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن إن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك. يعني لا بد وأن يكون مع التوحيد أعمال صالحة، من فعل الطاعات، وترك المحرمات.

ذكر تعداد محال الجنة وارتفاعها واتساعها

قال الله تعالى: "ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأي آلأء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام"..

وثبت في الصحيحين: من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، أن رسول الله قال: "جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل، إلا رداء الكبرياء، على وجهه، في جنة عدن".

وروى البيهقي: من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن ثابت، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله قال: "جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين". وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس بن مالك، أن أم حارثة أتت رسول الله وقد هلك حارثة يوم بدر، أصابه غرب معهم، فقالت: يا رسول الله: قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإلا فسوف ترى ما أصنع فقال لها: "أجنة واححة هي، أم جنان كثيرة؟ وإنه في الفردوس الأعلى".

قليل العمل في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وأقل شيء في الجنة خير من الدنيا وما فيها

وقال: "غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، وقاب قوس أحدكم، وموضع قده خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء الجنة اطلعت على أهل السموات والأرض لأضاءه ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها- يعني الخمار- خير من الدنيا وما فيها".

وفي رواية عن قتادة أنه قال: "الفردوس ربوة الجنة، وأوسطها، وأفضلها".

وقد رواه الطبراني: من حديث سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن بن سمرة، مرفوعا.

وقال الله تعالى: "في جنة عالية".

وقال تعالى: "فأولئك لهم الدرجات العلى".

وقال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ر بكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين".

وقال تعالى: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح، عن هلال بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، فإن حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها".

قالوا: يا رسول الله: أفلا تخبر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر- أو تنفجر- أنهار الجنة"- شك أبو عامر.

ورواه البخاري، عن إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن أبيه، بمعناه.

الفردوس أعلى درجات الجنة والصلاة والصيام يقتضيان مغفرة الله عز وجل

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد الرحمن، حدثنا أبو همام الدلال، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله يقول: "من صلى هؤلاء الصلوات الخمس، وصام رمضان- لا أدري ذكر الزكاة أم لا؟- كان حقا على الله أن يغفر له، هاجر، أو قعد حيث ولدته أمه، قلت: يا رسول الله: ألا أخرج فأؤذن الناس؟ فقال: لا. ذر الناس يعملون، فإن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين، مثل ما بين السماء والأرض، وأعلى درجة منها الفردوس، وعليها يكون العرش، وهي أوسط شيء في الجنة، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس".

وهكذا رواه الترمذي: عن قتيبة، وأحمد بن عبده الدراوردي، عن زيد بن أسلم به.

وأخرجه ابن ماجه، عن سويد، عن حفص بن ميسرة، عن زيد مختصرا.

من الفردوس تتفجر أنهار الجنة

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبادة بن الصامت، عن النبي قال: "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام".

وقال ابن عفان: "كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرج الأنهار الأر بعة، والعرش فوقها، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس" .

ورواه الترمذي: عن أحمد بن منيع، عن زيد بن هارون، عن همام بن يحيى به.

قلت: ولا تكون هذه الصفة إلا في المقبب، فإن أعلى القبة هو وسطها، والله تعالى أعلم.

درجات الجنة متفاوتة وليس يعلم مقدار تفاوتها إلا الله رب العالمين

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شريك، عن محمد بن جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام".

ورواه الترمذي: عن عباس العنبري، عن يزيد بن هارون، وعنده: "ما بين كل درجتين مائة عام". وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، عن حسن، عن أبي لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله قال: "الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم". ورواه الترمذي: عن قتيبة، عن ابن لهيعة، ورواه أحمد أيضا.

ذكر ما يكون لأدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من اتساع الملك العظيم

قال الله تعالى: "وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا".

وقد تقدم في الحديث المتفق عليه من رواية منصور: عن إبراهيم، عن علقمة بن مسعود، عن النبي في ذكر آخر من يدخل الجنة من أمته يقول له: "أما ترضى أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها"؟ وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا اسرائيل، عن ثوير هو ابن أبي فاختة، عن ابن عمر، رفعه إلى النبي قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة، الذي ينظر إلى جناته، ونعيمه، وخدمه، وسرده، من مسيرة ألف سنة، وإن أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية".

ثم تلا هذه الآية: "وجوة يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة".

وقال أيضا: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الملك بن أبجر، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملك ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر أزواجه، وخدمه، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين".

ورواه الترمذي عن عبد، عن شبابة، عن إسرائيل، عن ثوير، به قال: وقد روى من غير وجه، عن إسرائيل، عن يزيد، عن عبد الله بن عمر مرفوعا قال: ورواه الثوري عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، قوله، قال: ورواه عبد الله بن أبجر، عن ثوير، عن ابن عمر، موقوفا كذا قال: وقد تقدمت رواية أحمد لهذا الطريق مرفوعا.

وروى مسلم، والطبراني: وهذا لفظه من حديث سفيان بن عيينة: حدثنا مطرف بن طريف، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة،- رفعه ابن أبجر، ولم يرفعه مطرف- قال: قال موسى: يا رب: أخبرني عن أدنى أهل الجنة منزلة، قال: نعم، هو رجل يجيء بعدما نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب، وكيف أدخلها وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقول له: أما ترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب، فيقول، لك مثله ومثله:- وعقد سفيان أصابعه الخمس- فيقول: رضيت يا رب. قال: فيقول موسى: يا رب: فأخبرني عن أعلى أهل الجنة منزلة، قال: نعم. أولئك الذين أردت، وسأخبرك عنهم، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر". مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".

وثبت في الصحيحين: واللفظ لمسلم: من حديث سفيان. بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "قال الله عز وجل: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". مصداق ذلك في كتاب الله: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".

وقال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ابن وهب، حدثني أبو صخر، أن أبا حازم حدثه، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: شهدت من رسول الله مجلسا، وصف فيه الجنة، حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". ثم قرأ هذه الآية: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".

ورواه مسلم: عن هارون بن معروف.

ذكر غرف الجنة وارتفاعها واتساعها وعظمها نسأل الله من فضله أن يمنحنا إياها من فيض فضله

قال الله تعالى: "لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد".

وقال الله تعالى: "فأوتثك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون".

وثبت في الصحيحين: واللفظ من حديث مالك: عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عنأبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال: "إن أهل الجنة ليتراءون داخل الغرف من فوقهم كما يتراءون- أو ترون- الكوكب الغائر في الأفق، من المشرق، أو المغرب، لتفاضل ما بينهم"؟ قالوا: يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: لا، والذي نفسي بيده إنها منازل الأنبياء، ومنازل رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين" .

وفي الصحيح أيضا: من حديث أبي حازم، عن سهل بن سعيد، أن رسول الله قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تتراءون- أو ترون- الكوكب الدري الغائر في أفق السماء".

قال أحمد: حدثنا فزارة، أخبرني فليح، عن هلال- يعني ابن عطاء-، عن أبي هريرة، أن رسول الله : قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تتراءون- أو ترون- الكوكب الدري الغائر في الأفق، من تفاضل الدرجات. قالوا: يا رسول الله: أولئك النبيون. قال: بلى والذي نفسي بيده، وأقوام آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين" ، حدثنا الحافظ أيضا هذا على شرط البخاري.

منازل المتحابين بجلال الله في الجنة

وقال أحمد: حدثنا علي بن عباس، حدثنا محمد بن مطرف، أخبرنا أبو حازم، عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله : "إن المتحابين في الله لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع، الشرقي، أو الغربي، فيقال: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله".

وفي حديث عطية: عن أبي سعيد، مرفوعا: "إن أهل عليين ليراهم من سواهم كما يرون الكوكب في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم".

ذكر أعلى منزلة في الجنة وهي الوسيلة فيها مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثبت في صحيح البخاري: عن علي بن عباس، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله أنه قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته: حلت له الشفاعة يوم القيامة".

وفي صحيح مسلم: عن محمد بن سلمة، عن ابن وهب، عن حيوة، وسعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله تعالى لي الوسيلة فإن من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة".

الوسيلة أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن ليث، عن كعب، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "إذا صليتم علي، فسلوا الله لي الوسيلة، قالوا: يا رسول الله: وما الوسيلة؟ قال: أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو".

وقال أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، سمعت أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "الوسيلة درجة عند الله، ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة".

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني، حدثنا موسى بن أعين، عن ابن أبي ذؤيب، عن محمد بن عمر بن عطاء، عن بن عباس، قال: قال رسول الله : ""سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا، إلا كنت له شفيعا- أو شهيدا- يوم القيامة. قال الطبراني: لم يروه عن ابن أبي ذؤيب إلا موسى بن أعين.

ذكر بنيان قصور الجنة مم هو

قال أحمد: حدثنا أبو النضر، وأبو كامل، قالا: حدثنا زهير، حدثنا سعد أبو مجاهد الطائي، حدثنا أبو مدله المدني مولى أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، أنه سمع أبا هريرة يقول: قلنا: يا رسول الله: إذا رأيناك رقت قلوبنا، وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك، أعجبتنا الدنيا، وشمنا النساء والأولاد، فقال: لو تكونوا أو قال: لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون لكي يغفر لكم، قال قلنا: يا رسول الله، حدثنا عن الجنة: ما بناؤها؟ قال: لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم، ولا يبأس، ويخلد، ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه".

ورواه الترمذي: من حديث عبد الله بن نمير، عن سعدان التيمي- وكان ثقة- عن سعد أبي مجاهد الطائي،- وكان ثقة- وقال: حسن، ووقع توثيق هذين الرجلين في رواية ابن نمير.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن المثنى البزار، حدثنا محمد بن زياد الكلبي، حدثنا نفيس بن حنين، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله : "خلق الله جنة عدن بيده، لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران، ثم قال لها: انطقي: فقالت: "قد أفلح المؤمنون". فقال الله: "وعزتي وجلالي، لا يجاورني فيك بخيل". ثم قرأ رسول الله : "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا القاسم بن المغيرة الجوهري، حدثنا عفان بن سعيد المقري، حدثنا علي بن صالح، عن أبي ربيعة، عن الحسن، عن ابن عمر، قال: سئل رسول الله عن الجنة فقال: "من يدخل الجنة يحيى ولا يمت، وينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه قيل: يا رسول الله: كيف بناؤها؟ قال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها مسك أذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران".

وقال البزار: حدثنا بشر بن آدم، حدثنا يونس بن عبيد الله العمري، حدثنا عيسى بن الفضل، حدثنا الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي قال: "خلق الله الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك، ثم قال لها: تكلمي فقالت: "قد أفلح المومنون".. فقالت الملائكة: "طوباك منزلة الملوك".

وقد رواه البيهقي: وغيره: فقال الله: "طوباك منزلة الملوك".

وقد رواه وهب، عن الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، موقوفا..

وفي حديث داود بن أبي هند، عن أنس، مرفوعا "إن الله بنى الفردوس بيده، وحظرها على كل مشرك وكل مدمن خمر، سكير".

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا علي بن عاصم، عن عمر بن ربيعة، عن الحسن، عن ابن عمر، قال: قيل: يارسول الله كيف بناء الجنة. فقال: "لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران".

الملاط: هو الطين الذي يجعل بين الأحجار في البناء، ليجتمع بعضها إلى بعض.

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، حدثنا صفوان بن عمر، عن مهاجر بن ميمون، عن فاطمة رضي الله عنها، أنها قالت للنبي : أين أمنا خديجة؟ قال: "في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب، بين مريم، وآسية امرأة فرعون". قالت: أمن هذا القصب؟ قال: "لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت".

قال الطبراني: لا يروى عن فاطمة إلا بهذا الإسناد. تفرد به صفوان بن عمرو.

وقلت: وهو حديث غريب. وله شاهد في الصحيح: "إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب".

قال بعض العلماء: إنما كان بيتها من قصب اللؤلؤ، لأنها حازت قصب السبق في تصديق رسول الله ، حين بعثه الله عز وجل، كما يدل عليه حديث أول البعثة، فإنها أول من آمن، حيث قالت- وقد أخبرها خبر ما رأى- وقال: "لقد خشيت على عقلي" قالت: "كلا: والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر".

وأما ذكر مريم وآسية في هذا الحديث، ففيه إشعار أن رسول الله يتزوج بهما في الدار الآخرة، وقد حاول بعضهم أن يأخذ ذلك من القرآن في سورة: "يا أيها النبي لم تحرم". في قوله: "ثيبات وأبكارا". ثم ذكرت آسية ومريم في آخر السورة. يروى مثل هذا عن البراء بن عازب، أو عن غيره من السلف، والله أعلم.

فضل قيام الليل وإطعام الطعام وكثرة الصيام

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا ابن المنذر الطريفي، حدثنا ابن فضيل، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله : "إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فقيل لرسول الله: لمن هي؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام".

ورواه الترمذي: عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديثه.

وروى الطبراني: من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا معاوية بن سلام، عن يزيد بن سلام، حدثني أبو سلام، حدثني أبو موسى الأشعري، حدثني أبو مالك الأشعري، أن رسول الله قال: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام".

وروى الطبراني أيضا: من حديث ابن وهب، حدثني حيي، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي قال: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها".

قال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، و بات قائما والناس نيام".

قال الحافظ الضياء: هذا عندي إسناد حسن، وذكر أبي مالك فيه مما يدل على صحته، لأنه قد رواه وإسناد حديثه أيضا.

وقد ورد في بعض الأحاديث أن القصر يكون من لؤلؤة واحدة، أبوابه ومصاريعه وسقفه.

وفي حديث آخر: "سقوف الجنة نور، تتلالأ كالبرق اللامع، لولا أن الله يثبت أبصارهم لأوشك أن يخطفها".

وقال البيهقي: أخبرنا أبو الخبر بن بشران، أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور، حدثنا أبي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن، سمعت محمد بن واسع يذكر عن جابر بن عبد الله قال: قال لنا رسول الله : "ألا أحدثكم بغرف الجنة؟ قال: قلنا: بلى يا رسول الله: بأبينا أنت وأمنا. قال: إن في الجنة غرفا من أصناف الجوهر كله، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها من النعيم واللذات والشفوف مالا عين رأت ولا أذن سمعت. قال: قلنا يا رسول الله: ولمن هذه الغرف؟ قال: لمن أفشى السلام وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". قال: قلنا: يا رسول الله: ومن يطيق ذلك. قال: أمتي تطيق ذلك، وسأخبركم عن ذلك، من لقي أخاه فسلم عليه، ورد عليه فقد أفشى السلام، ومن أطعم عياله، وأهله، حتى يشبعهم، فقد أطعم الطعام، ومن صام رمضان، ومن كل شهر ثلاثة أيام، فقد أدام الصيام، ومن صلى العشاء الأخيرة وصلى الغداة في جماعة، فقد صلى بالليل والناس نيام، اليهود والنصارى والمجوس".

ثم قال البيهقي: وهذا الإسناد غير قوي، إلا أنه بالإسنادين يقوى بعضه ببعض، والله أعلم.

قال: وروي بإسناد آخر عن جابر.

ثم أورده من طريق علي بن حرب، عن حفص بن عمرو، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عطاء، عن ابن عباس، مرفوعا بنحوه.

وروى البيهقي: من حديث حسن بن فرقد، عن الحسن البصري، عن عمران بن حصين، وأبي، قالا: سئل رسول الله عن هذه الآية: "ومساكن طيبة في جنات عدن". فقال: "قصر من لؤلؤ، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سرير، على كل سريرسبعون فراشا، من كل لون، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطي المؤمن ما يأتي على ذلك كله أجمع".

قلت: وهذا الحديث غريب فإن هذا الجسر ضعيف جدا، وإذا كان الجسر ضعيفا فلا يملك الاتصال..

وقال عبد الله بن وهب: أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال رسول الله : "إنه ليحاز الرجل الواحد بالقصر من اللؤلؤة الواحدة، في ذلك القصر سبعون غرفة، في كل غرفة زوجة من الحور العين، في كل غرفة سبعون بابا، تدخل عليه من كل باب رائحة من رائحة الجنة سوى الرائحة التي تدخل عليه من الباب الآخر". ثم قرأ: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".

قلت: وقد رواه الإمام أحمد، عن حسن، عن ابن لهيعة. حدثني حيي بن عبد الله بن شريح المعافري، فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: فقال أبو موسى الأشعري، لمن هي يا رسول الله. والله أعلم.

وذكر القرطبي: من طريق أبي هدية بن إبراهيم بن هدية، عن أنس بن مالك، مرفوعا: "إن في الجنة غرفا ليس فيها معاليق من فوقها، ولا عمد من تحتها، قيل يا رسول الله: وكيف يدخلها أهلها؟ قال: يدخلونها أشباه الطير. قيل: يا رسول الله: لمن هي؟ قال: لأهل الأسقام، والأوجاع، والبلوى".

ذكر الخيام في الجنة

قال الله تعالى: "حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وثبت في الصحيحين: واللفظ لمسلم: من حديث أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، قال: قال رسولى الله : "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا" . وفي رواية للبخاري: "ثلاثون ميلا" وصح. "ستون ميلا".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن حفص، حدثنا منصور، حدثنا يوسف بن الصباح، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: "الخيمة من درة مجوفة، طولها فرسخ، وعرضها فرسخ، ولها ألف باب من ذهب، حولها سرادق دورة خمسون فرسخا، يدخل عليه من كل باب بهدية من الله عز وجل، وذلك قوله: "والملائكة يدخلون عليهم من باب".

وقال ابن المبارك: أخبرنا همام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "الخيمة درة، من درة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب".

وقال قتادة: عن خالد العصري عن أبي الدرداء قال: "الخيمة لؤلؤة واحدة، لها سبعون بابا كلها من در".

ذكر تربة الجنة

ثبت في الصحيحين: من حديث الزهري، عن أنس بن مالك، عن أبي ذر، في حديث المعراج، قال رسول الله : "أدخلت الجنة فإذا فيها جنادل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك". وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد، حدثنا الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله سأل ابن صائد عن تربة الجنة فقال: "هي در مكة بيضاء، مسك خالص". فقال رسول الله : "صدق".

هكذا رواه الإمام أحمد: ورواه مسلم: من حديث أبي سلمة، عن أبي نضرة بنحوه، وقد رواه مسلم أيضا: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أمامة، عن الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن ابن صياد سأل النبي عن تربة الجنة فقال: "هي درمكة بيضاء مسك خالص".

وقال أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله في اليهود: "إني سائلهم عن تربة الجنة، وهي درمكة بيضاء، فسألهم، فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله : "الخبز من الدر".

وتقدم في حديث أبي هريرة، وابن عمر، وغيرهما: في صفة بناء الجنة، أن: "ملاطها المسك، وحصباءها اللؤلؤ، والياقوت، وترابها الزعفران".

والملاط في اللغة: عبارة عن الطين الذي يجعل بين ساقي البناء، يملط به الحائط، فلعل بعض بقاعها ترابه المسك، وبعضها ترابه الزعفران، والله أعلم.

ومع هذه العظمة والاتساع، فقد تقدم في الصحيح عن أنس: أن رسول الله قال: "وقاب قوس أحدكم أو موضع قده خير من الدنيا وما فيها".

وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن تمام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "لقيد سوط أحدكم من الجنة خير من السماء والأرض". على شرط الشيخين.

وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث أن سليمان بن جنيد حدثه: أن عامر بن سعد بن أبي وقاص- قال سليمان: لا أعلم ألا أنه حدثني عن أبيه- عن رسول الله قال: "لو أن أقل نور من الجنة ظهر للدنيا، لزخرف له ما بين السماء والأرض".

ذكر أنهار الجنة وأشجارها وثمارها

قال الله تعالى: "تجري من تحتها الأنهار".

وقال: "من تحتهم الأنهار".

وقال الله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم".

وقال تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار".

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الحريري، عن حكيم بن معاوية بن أبي بهز، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله يقول: "في الجنة بحر اللبن، وبحر الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار منها بعد".

رواه الترمذي، عن بندار، عن يزيد بن هارون به، وقال: حسن صحيح، وقال أبو بكر بن مردويه، حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم، حدثنا عبد الله بن محمد بن السمان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الإيادي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن قيس، عن أبيه، قال: قال رسول الله : "تظنون أن لأنهار الجنة حدودا في الأرض. لا والله، إنها لسابحة على وجه الأرض، حافاتها اللؤلؤ، وقبابها اللؤلؤ، وطيبها المسك الأذفر".

وقد قيل: يا رسول الله: وما الأذفر؟ قال: " الذي لا خلط له".

وقد رواه ابن أبي الدنيا: عن يعقوب بن عبيد، عن يزيد بن هارون، به، موقوفا، وروى البيهقي: عن الحاكم، وغيره، عن الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن أبي ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبداللة بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة، فليتركه في الدنيا، ومن سره أن يكسيه الله الحرير في الآخرة، فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجر من تحت تلال- أو جبال- المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعا، لكانت حلية أدنى أهل الجنة، أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا".

وروي من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن مرة، عن عبد الله، قال: "أنهار الجنة تفجر من جبل مسك".

قلت: وهذا بالموقوف أصح.

صفة الكوثر

وهو أشهر أنهار الجنة سقانا الله تعالى منه بمنه وكرمه

قال الله تعالى: "إنا اعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر".

وثبت في صحيح مسلم: من حديث محمد بن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس، أن رسول الله حين أنزلت عليه هذه السورة قال: "أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو نهر وعدنيه الله عز وجل، عليه خير كثير".

وفي الصحيحين: من حديث سنان، عن قتادة، عن أنس، في حديث المعراج، قال رسول الله : "أتيت على نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل".

ورواه أحمد: عن ابن عدي، عن حميد، عن أنس، به.

وفي رواية: "فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر".

ولهذا طرق كثيرة: عن أنس، وغيره من الصحابة، وله ألفاظ متعددة.

قال أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس، عن النبي قال: "الكوثر نهر في الجنة، وعدنيه ربي عز وجل".

ورواه مسلم: عن أبي كريب، عن ابن فضيل.

وقال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله : "أعطيت الكوثر، فإذا نهر يجري على وجه الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفا، فضربت بيدي إلى ترتبه، فإذا ترابه مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ".

قال أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثني محمد بن عبيد الله ابن شهاب ابن أخي شهاب، عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله عن الكوثر فقال: "هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور". فقال أبو بكر: يا رسول الله: إنها لناعمة: فقال: "أكلها أنعم منها".

وقال الحاكم: أخبرنا الأصم، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا إدريس بن يحيى، حدثني الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن حصين بن محصن الخطمي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله : "إن في الجنة طيرا أمثال البخاتي".

فقال أبو بكر: إنها لناعمة يا رسول الله: "فقال: "أنعم منها من يأكلها، وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر".

ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة: عن قتادة، مرسلا.

وقال أحمد: حدثنا مسلمة الخراجي، حدثنا ثابت، عن يزيد بن المهاد، عن عبد الوهاب بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن مسلم، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله سئل عن الكوثر فقال: "نهر أعطانيه الله عز وجل، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وفيه طير أعناقها كأعناق الجزور". فقال عمر: يا رسول الله: إن تلك الطيور الناعمة؟ فقال: "أكلها أنعم منها يا عمر".

وكذلك رواه الدراوردي: عن ابن أخي ابن شهاب، عن أبيه، عن أنس.

رواية ابن عمر

قال أحمد: حدثنا ابن حفص، أخبرنا ورقاء، قال: وقال عطاء: عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ، إن ماءه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل".

وقد رواه إسماعيل بن علية، ومحمد بن فضيل: عن عطاء بن السائب، عن محارب، عن ابن عمر، مرفوعا: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه الذهب، مجراه الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، ماؤه أشد بياضا من الثلج".

وفي رواية: "أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، واللبن الزبد".

وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، من حديث محمد بن فضيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.

رواية ابن عباس

قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال في الكوثر: "هو الخير الذي أعطاه الله إياه". قال ابن بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة. فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه".

وقد روى ابن جرير: عن أبي كريب، حدثنا عمر بن عبيد؟ عن عطاء بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل".

كذا رواه العوفي، عن ابن عباس.

رواية عاثشة

قال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة، قال: سألتها عن قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" فقالت: "الكوثر نهر أعطيه نبيكم ، شاطئاه در مجوف آنيته كعدد النجوم".

ثم قال البخاري: وقد رواه زكريا، وأبو الأحوص، ومطرف، عن أبي إسحاق، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: "هو الجنة".

وقالت عائشة: "هو نهر في الجنة ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر".

وروى ابن جرير، عن أبي كريب، عن وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن عائشة قالت: "من أحب أن يسمع، خرير الكوثر- أي صوت سير مياهه- فإنه لا يسمعه بعينه، بل إن دويه كدوي ما يسمع إذا وضع الإنسان إصبعيه في أذنيه".

ذكر نهر البيدخ في الجنة

قال أحمد: حدثنا بهز، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: "كان رسول الله : تعجبه الرؤيا الحسنة فربما قال: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فإذا رأى الرجل رؤيا، يسأل عنه، فإذا كان ليس به بأس، أعجب برؤياه إليه، قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله: رأيت كأني دخلت الجنة، فسمعت وجبة انتحب لها أهل الجنة، فنظرت، فإذا قد جيء بفلان ابن فلان، وفلان ابن فلان، حتى عددت اثني عشر رجلا، وقد بعثت رسول الله سرية قبل ذلك، قال: فجيء بهم، عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل: اذهبوا بهم إلى البيدخ قال نهر البيدخ- قال: فغمسوا فيه، فخرجوا وجوههم كالقمر ليلة البدر، قالت: ثم أتوا بكراسي من ذهب، فقعدوا عليها، فأتى بصحفة أو مبكلة فيها بسر فأكلوا منها، فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم. قال: فجاء البشير من تلك السرية، فقال: يا رسول الله: كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان، حتى عد الاثني عشر الذين عدتهم المرأة، فقال رسول الله : علي بالمرأة، فجاءت، فقال: قضي على هذا رؤياك: فقصت، فقال: هو كما قالت يا رسول الله.

نهر بارق على باب الجنة

قال أحمد: حدثنا يعقوب: حدثنا أبي، عن ابن سحاق، عن الحارث بن فضيل الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "الشهداء على بارق نهر على باب الجنة في قبة خضراء، يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا".

في حديث الإسراء: في ذكر سدرة المنهى قال: "فإذا بها يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران، فالباطنان في الجنة والظاهران النيل والفرات".

وفي مسند أحمد، وصحيح مسلم، واللفظ له: من حديث عبيد الله بن عمر، عن حبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي بريزة، قال: قال رسول الله : "سيحان وجيحان والفرات والنيل وكل من أنهار الجنة".

وروى الحافظ الضياء: من طريق عثمان بن سعيد بن سابق، عن سلمة بن علي الخشني، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي قال: "أنزل الله من الجنة خمسة أنهار: سيحون، وهو نهر الهند، وجيحون، وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنيل، وهو نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة، من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل، فاستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس، من أصناف معايشهم، فذلك قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض". فإذا كان خروج يأجوج ومأجوج، أرسل الله جبريل، فرفع من الأرض القرآن العظيم، والعلم كله، والحجر الأسود، من ركن البيت بمقام إبراهيم، وتابوت موسى، بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة، فرفع كل ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى: "وإنا على ذهاب به لقادرون". "فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض، فقد حرم أهلها خير الدنيا والآخرة".

وهذا حديث غريب جدا، بل منكر، ومسلمة بن علي ضعيف الحديث عند الأئمة...

وقد وصف الله سبحانه وتعالى أنهار الجنة بكثرة الجريان، وأن أهل الجنة يجرونها حيث شاءوا أي يستنبطونها في أي المحال أحبوا، يبعث لهم العيون بفنون المسارب والمياه، وقد قال ابن مسعود: "ما في الجنة عين إلا تنبع من تحت جبل مسكة".

وروى الأعمش: عن عمر بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود، أنه قال: "أنهار الجنة تفجر من جبل مسك".

وقد جاء هذا الحديث مرفوعا، رواه الحاكم في مستدركه فقال: أخبرنا الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا أسد بن موسى، حدثنا ابن موسى، حدثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "من سره أن يسقيه الله من الخمرة في الآخرة، فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجر من تحت تلال- أو جبال- المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا".

فصل أشجار الجنة

قال الله تعالى: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا".

وقال تعالى: "ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان". والأفنان: الأغصان.

وقال تعالى: "مدهامتان". أي مائلتان إلى السواد، من شدة خضرتهما، واشتباك أشجارهما.

وقال تعالى: "متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان". أي قريب من التناول وهم على الفراش.

كما قال تعالى: "قطوفها دانية".

وقال تعالى: "وذللت قطوفها تذليلا".

وقال تعالى: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود "وظل ممدود وماء مسكوب "وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة "وفرش مرفوعة".

وقال تعالى: "فيهما فاكهة ونخل ورمان".

وقال تعالى: "فيهما من كل فاكهة زوجان".

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات الفرار، عن أبيه، عن جده، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب".

وكذا رواه الترمذي: عن أبي سعيد، عبد الله بن سعيد الكندي الأشج- وقال: حسن صحيح.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر، وفروعها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم، وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء. أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، واللبن من الزبد، ليس فيه عجم".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا ربعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "الظل الممدود شجرة في الجنة، على ساق، قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام، أي كل نواحيها قال: فيخرج إليها أهل الجنة، أهل الغرف، وغيرهم فيتحدثون في ظلها". قال: "فيشتهي بعضهم، ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحا من الجنة، فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا".

في الجنة شجرة يسير راكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها

ثبت في الصحيحن: من رواية وهب، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله : "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" . قال: فحدثت به النعمان بن أبي العباس الزرقي: فقال: حدثني أبوسعيد الخدري: عن النبي قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطعها".

وفي صحيح البخاري: من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي في قول الله تعالى: "وظل ممدود". قال: "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".

وقال أحمد: حدثنا شريح، حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة". اقرأوا إن شئتم: "وظل ممدود".

قال رسول الله : "لقاب قوس أو سوط في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب".

ورواه البخاري عن محمد بن سنان، عن فليح.

ولمسلم من طريق الأعرج: عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، لا يقطعها".

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا ليث بن سويد، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المدني عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة".

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة قال: سمعت أبا القاسم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة".

قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة قال: سمعت أبا القاسم يقول: "إن الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، وحجاج، عن عقبة، سمعت أبا الضحاك تحدث عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين- أو مائة- سنة هي شجرة الخلد".

شجرة طوبى

قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر، حدثنا هشام بن يوسف، حدثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبيد الله السلمي يقول: جاء أعرابي إلى النبي فسأله عن الحوض، وذكر الجنة، فقال الأعرابي: فيها فاكهة. قال: نعم. وفيها شجرة تدعى طوبى؟ فذكر شيئا لا أدري ما هو، قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئا من شجر أرضك، فقال النبي : أتيت الشام؟ قال: لا. قال: تشبه شجرة بالشام، تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحد، وينفرش أعلاها. قال: ما عظم أصلها؟ قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك، ما أحطت بأصلها حتى ينكسر عرقوبها هرما. قال: فيها عنب؟ قال: نعم. قال: فما عظم العنقود؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر. قال: فما عظم الحبة أنتخذ منها دلوا؟ قال: نعم. قال الأعرابي: فإن تلك الجنة لتسعني وأهل بيتي؟ قال: وعامة عشيرتك.

وقال حرملة عن عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو، أن دراجا حدثه، أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد، عن النبي أن رجلا قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك فقال: "طوبى لمن رآني، وآمن بي، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي، ولم يرني " فقال رجل: يا رسول الله: وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة، مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".

سدرة المنتهى

قال الله تعالى: "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى".

وذكرنا في التفسير: أنه غشيها نور الرب جل جلاله، وأنه غشيتها الملائكة، عليها مثل الغربان، يعني كثرة- وأنه غشيتها فراش من ذهب، وغشيتها ألوان متعددة.

قال رسول الله : "يغشاها الألوان، لا أدري ما هي، ما يستطيع أحد أن ينعتها".

وفي الصحيحين: عنه أنه قال في حديث المعراج: "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، في السماء السابعة، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، وإذا هي يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، قلت: يا جبريل: ما هذا؟ قال: أما النهران الباطنان ففي الجنة، وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات".

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله وذكر سدرة المنتهى- فقال: "يسير في ظل العين منها الراكب مائة سنة- أو قال-: يستظل في ظل العين منها مائة راكب، فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني حمزة بن العباس، حدثنا عبيد الله بن عثمان، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، قال: أصحاب رسول الله يقولون: "إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم: قال: أقبل أعرابي يوما فقال: يا رسول الله: ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها بشوكها". فقال رسول الله : "أليس الله يقول: "في سدر مخضود". خضد الله شوكه، فجعل الله مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمرا ينفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا، ما فيها لون يشبه الآخر".

وقد روى هذا الحديث من وجه آخر بلفظ آخر.

فقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا ثور بن يزيد، حدثنا حبيب بن عتبة بن عبد السلام قال: كنت جالسا مع رسول الله فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله: أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكبر شوكا منها:- يعني الطلح-: فقال رسول الله : "إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود، فيها سبعون لونا من الطعام، لا يشبه منها لون لونا آخر". والملبود: الذي يتلبد صوفه بعضه على بعض.

وروى الترمذي: عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله : "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد: اقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. ثم قال: حسن غريب.

وفي الباب عن أبي هريرة، وقد روى ابن ماجه: عن أبي هريرة، أن رسول الله مر عليه وهو يغرس غرسا، فقال: "ألا أدلك على غراس خير من هذا؟ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة".

وروى الترمذي عن جابر قال: قال رسول الله : "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له شجرة في الجنة" ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

فصل ثمار الجنة

نسأل الله تعالى أن يطعمنا منها بمنه وكرمه آمين

قال الله تعالى: "فيهما فاكهة ونخل ورمان".

وقال: "فيهما من كل فاكهة زوجان".

وقال: "متكئين على فرثس بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان". أي قريب من المتناول كما قال تعالى: "وذللت قطوفها تذليلا".

وقال تعالى: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة". أي لا تنقطع في بعض الأزمان، بل هي موجودة في كل أوان، كما قال تعالى: "أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا". أي ليس كالدنيا، التي تأتي ثمارها في بعض الفصول، وتفقد في وقت آخر، وتكتسي أشجارها الأوراق في وقت، وتخلعها في وقت آخر، ولا ممنوعة: أي من أرادها فإنها ليس دونها حجاب، ولا مانع، بل من أرادها فهي موجودة، سهلة، منالها قريب، حتى ولو كانت الثمرة في أعلى الشجرة، فأراد أخذها، اقتربت منه وتدلت إليه.

قال أبو إسحاق: عن البراء، "وذللت قطوفها تذليلا" أدنيت حتى يتناولوها وهم نيام.

وقال تعالى: "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون".

وقال تعالى: "إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إنا كذلك نجزي المحسنين".

وقال تعالى: "وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون".

وقد سبق فيما أوردناه من الأحاديث: أن تربة الجنة من مسك وزعفران، وأنه ما في الجنة شجرة إلا ولها ساق من ذهب فإذا كانت تربة الجنة هذه، والأصول كما ذكرنا، فما ظنك بما يتولد منها، من الثمرة الرائقة، الناضجة، الأنيقة، التي ليس في الدنيا منها إلا الأسماء؟ قال ابن عباس رضي الله عنه: "ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء".

وإذا كان السدر الذي في الدنيا وهو لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة وهو النبق، وشوكه كثير، والطلح الذي لا يراد منه في الدنيا إلا الظل، يكونان في الجنة في غابة من كثرة الثمار وحسنها، حتى إن الثمرة الواحدة منها تنفتق عن سبعين نوعا من الطعوم، والألوان، التي يشبه بعضها بعضا، فما ظنك بثمار الأشجار، التي تكون في الدنيا حسنة الثمار، كالتفاح، والنخل، والعنب، وغير ذلك؟ وما ظنك بأنواع الرياحين، والأزاهير؟ وبالجملة، فإن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله منها فضله.

وفى الصحيحين: من حديث مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، في حديث صلاة الكسوف. قالوا: يا رسول الله: رأيناك تناولت شيئا من مكانك هذا ثم رأيناك تكفكفت، فقال: "إني رأيت- أو أريت- الجنة، فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه، ما بقيت الدنيا".

وفي المسند: من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، لنقال: "إني عرضت على الجنة. وما فيها من الزهرة، والنضرة، فتناولت منها قطفا من عنب، لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به، لأكل منه من بين السماء والأرض ينقصونه". وفي صحيح مسلم: من رواية أبي الزبير، عن جابر، شاهد ذلك.

وتقدم في المسند: عن عتبة بن عبد الله السلمي، أن أعرابيا سأل رسول الله عن الجنة: فيها عنب؟ فقال: "نعم. فقال: فما عظم العنقود؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبفقع لا يفتر" وقال القاسم الطبراني: حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا علي بن المديني، حدثنا ريحان بن سعيد، عن عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله : "إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى". قال الحافظ أيضا: عبادتكم فيه بعض العلماء.

وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا عقبة بن مكرم العمي، حدثنا ربعي بن إبراهيم بن علية، حدثنا عون: عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله : "لما أهبط آدم من الجنة، علمه الله صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أنها تتغير، وتلك لا تغير".

قال الله تعالى: "وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون".

قال الحسن بن عرفة: حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن مسعود، قال: قال رسول الله : "إنك لتنظر إلى الطير فتشتهيه، فيخر بين يديك مشويا"..

وفي الترمذي:- وحسنه- عن أنس، سئل رسول الله عن الكوثر فقال: "نهر أعطانية الله عز وجل، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقه كأعناق الجزور". فقال عمر: إنها لناعمة: فقال رسول الله : "أكلها أنعم منها" وفي تفسير الثعلبي عن أبي الدرداء، مرفوعا: "إن في الجنة طيرا أعناقه كأعناق البخت، يصطف على يد ولي الله، فيقول أحدها: يا ولي الله رعيت في مروج تحت العرش، وشربت من عيون النسيم، فكل مني: فلا يزال يفتخر بين يديه حتى يخطر على قلبه أكل أحدها، فيخر بين يديه على ألوان مختلفة، فيأكل منه ما أراد، حتى إذا شبع، تجمعت عظام الطائر، فصار يرعى في الجنة حيث شاء، فقال عمر: يا نبي الله: إنها لناعمة؟ فقال: "أكلها أنعم منها". غريب: من رواية أبي الدرداء.

ذكر طعام أهل الجنة وأكلهم فيها وشرابهم وشربهم فيها نسأل الله من فضله أن يمن علينا بها

وقال الله تعالى: "كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية".

وقال: "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما".

وقال تعالى: "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا".

وقال تعالى: وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون".

وقال تعالى: "يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون".

وقال تعالى: "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا".

وقال تعالى: "ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا".. أي في صفاء الزجاج، وهي من فضة، وهذا مما لا نظير له في الدنيا، وهي مقدارة على قدر كفاية ولي الله في شربه، لا يزيد عليه، ولا ينقص من كفايته شيئا، وهذا يدل على الاعتناء والشرف.

وقال تعالى: "ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا".

وقال تعالى: "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها". أي كلما جاءتهم الخدم بشيء من ثمار وغيرها، حسبوه الذي أتوا به قبل هذا، لمشابهته له في الظاهر، وهو في الحقيقة خلافه، فتشابهت الأشكال واختلفت الحقائق، والطعوم، والروائح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا مسكين بن عبد العزيز، حدثنا الأشعث الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "إن أدنى أهل الجنة منزلة، من له سبع درجات، وثلاثمائة خادم، يغدون عليه ويروحون كل يوم بثلاثمائة صحفة، ولا أعلمه إلا قال: من ذهب صحفة لون، ليس في الأخرى، وإنه، ليلذ أوله، كما يلذ آخره، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء، في كل إناء لون، ليس في الآخر، وإنه ليلذ أوله، كما يلذ آخره، وإنه ليقول: يا رب: لو أذنت، لأطعمت أهل الجنة، وسقيتهم، لم ينقص ذلك مما عندي شيئا، وأنه له من الحور العين، اثنتين وسبعين زوجة، سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض". تفرد به أحمد، وهو غريب وفيه انقطاع.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم، قال: أتى النبي رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم: ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون؟ وكان قد قال لأصحابه: إن أقر لي بهذا خصمته- قال: فقال رسول الله : "بلى والذي نفسي بيده: إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع "، قال: فقال اليهودي: إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة: قال: فقال النبي : "حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك، فإذا البطن قد ضمر".

ثم رواه أحمد: عن وكيع، عن الأعمش، عن ثمامة، سمعت زيد بن أرقم، فذكره، وقد رواه النسائي: عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن الأعمش به، ورواه أبو جعفر الرازي: عن الأعمش، فذكره. قال اليهودي: فإن يأكل ويشرب تكن له الحاجة، وليس في الجنة أذى؟ فقال رسول الله : "تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك، فيضمر بطنه".

قال الحافظ الضياء: وهذا عندي على شرط مسلم، لأن ثمامة ثقة، وقد صرح بسماعه من زيد بن أرقم.

حديث آخر في ذلك

قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله : "أهل الجنة يأكلون فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يتمخطون، ولا يبزقون، طعامهم جشاء، ورشح كرشح المسك".

وقد رواه مسلم: من حديث أبي طلحة. عن نافع، عن جابر، فذكره قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشاء"، ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد".

وكذا أخرجه من حديث أبي جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، فذكره وقال: "طعامهم ذلك جشاء كريح المسك، ويلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس".

طريق ثالثة عن جابر

قال أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن صفوان بن عمرو، عن ماعز التيمي، عن جابر بن عبد الله، قال: سئل النبي : "أيأكل أهل الجنة؟ فقال: "نعم: ويشربون، ولا يبولون فيها، ولا يتغوطون، ولا يتنخمون، إنما يكون ذلك سحما ورشحا كرشح المسك، يلهمون التسبيح، والتحميد، كما يلهمون النفس".

طريق رابعة عن جابر

قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي، حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة- وهو يعرف بعبدان-، حدثنا أبو حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : "إن أهل الجنة يأكلون، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون، يلهمون التسبيح، والحمد، كما يلهمون النفس". عن أبي سفيان، ولم يصح سماعه منه وسماعه من أبي صالح صحيح.

أحاديث آخرى شتى

قال الحسن بن عرفة: حدثنا خلف بن خليفة، عن حمد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود، قال: قال لي رسول الله : "إنك لتنظر إلى الطير فتشتهيه، فيخر بين يديك مشويا".

يشتهي بعض أهل الجنة أن يزرع فيجيبه الله عز وجل إلى ما يطلب، وكلمة مستملحة من أعرابي بدوي يضحك لها رسول الله

وقال أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو، عن فليح بن هلال، عن علي بن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال يوما وهو يحدث وعنده رجل من أهل البادية: "إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه عز وجل في الزرع، فقال له ربه: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكن أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته، واستواؤه، واستحضاره، فكان أمثال الجبال، قال: فيقول له ربه عز وجل: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء، قال: فقال الأعرابي: ما نجده إلا قرشيا أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحابه، قال: فضحك رسول الله .

ورواه البخاري: من حديث أبي عامر العقدي: عن عبد الملك بن عمرو، به.

ذكر أول طعام يأكله أهل الجنة

وروى أحمد: عن إسماعيل بن علقمة، عن حميد. وأخرجه البخاري: من حديثه، عن أنس بن عبد الله بن سلام، قال: سئل رسول الله لما قدم المدينة، عن أشياء منها "وما أول شيء يأكله أهل الجنة؟ فقال: زيادة كبد حوت".

وفي صحيح مسلم: من رواية أبي أسماء، عن ثوبان، أن يهوديا سأل رسول الله قال: "فما تحفتهم حين يدخلون الجنة". قال: "زيادة كبد حوت". قال: فما غذاؤهم على أثرها؟ قال: "يخر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها". قال فما شرابهم عليه؟ قال: من عين تسمى سلسبيلا، قال: "صدقت".

وفي الصحيحين: من حديث عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفأها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود، فقال بارك الله فيك يا أبا القاسم: الأهل الجنة نزلا يوم القيامة؟ قال: بلى، قال: ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى. قال: تكون الأرض خبزة واحدة يوم القيامة، قال: ألا أخبرك بإدامهم. قال: بلى، قال: إدامهم بالام، ونون، قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زيادة كبد أحدهما سبعون ألفا".

وقال الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود، وفي قوله تعالى: "يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك". قال: "الرحيق: الخمر، مختوم: يجدون عاقبتها ريح المسك".

وقال سفيان بن عطاء بن السائب: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: "ومزاجه من تسنيم". قال "هو أشرف شراب أهل الجنة، يشربه المقربون صرفا ويمزج لأهل اليمين".

قلت: وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة بصفات جميلة حسنة، ليست في خمور الدنيا، فذكر أنها أنهار جارية، كما قال تعالى: "فيها عين جارية". وكما قال الله تعالى: "فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهاز من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى". فهذه الخمرة أنهار جارية، مستمدة من بحار كبار هناك، ومن عيون تنبع من تحت كثبان المسك، ومما يشاء الله عز وجل، وليست بأرجل الرجال في أسوأ الأحوال، وذكر أنها لذة للشاربين، لا كما توصف به خمرة الدنيا من كراهة المطعم، وسوء الفعل في العقل، ومغص البطن، وصداع الرأس وقد نزهها تعالى عن ذلك في الجنة فقال تعالى: "يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء". أي حسنة المنظر. "لذة للشاربين" طيبة الطعم "لا فيها غول" وهو وجع البطن "ولا هم عنها ينزفون" أي لا تذهب عقولهم. وذلك أن المقصود من الخمر: إنما هو الشدة المطربة، وهي الحالة البهجة التي يحصل بها السرور للنفس، وهذا حاصل في خمر الجنة، فأما إذهاب العقل، بحيث يبقى شاربها كالحيوان أو الجماد، فهذا نقص، إنما ينشأ من خمر الدنيا، فأما خمر الجنة فلا تحدث هذا، إنما يحصل عنها السرور والابتهاج ولهذا قال: "لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون". أي ولا هم عنها أي بسببها تنزف عقولهم، فتذهب بالكلية.

وقال في الآية الأخرى: "يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون". أي لا يورث لهم صداعا في رؤوسهم، ولا تنزف عقولهم.

وقال في الآية الأخرى: ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون".

وقد ذكرنا التفسير عن عبد الله بن عباس: "أن الجماعة من أصحاب الجنة، يجتمعون على شرابهم، كما يجتمع أهل الدنيا، فتمر بهم السحابة، فلا يسألون شيئا إلا أمطرت عليهم، حتى إن منهم من يقول: أمطرينا كواعب أتراب، فتمطرهم كواهب أترابا".

وتقدم أنهم يجتمعون عن شجرة طوبى، فيذكرون لهو الدنيا- وهو الطرب- فيبعث الله ريحا من الجنة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا.

وفي بعض الآثار: أن الجماعة من أهل الجنة يجتازون وهم ركبان على نجائب الجنة وهم صف بالأشجار، فتتفرق الأشجار عن طريقهم ذات اليمين، وذات الشمال، لئلا يفرق بينهم. هذا كله من فضل الله عليهم ورحمته بهم، فعله الحمد والمنة.

والأكواب: هي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم، والأباريق بخلافها من الوجهين، والكأس هو القدح فيه الشراب وقال تعالى: "وكأسا دهاقا". أي ملأى مترعة ليس فيها نقص.

وقال تعالى: "لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا". أي لا يصدر عنهم على شرابهم لشيء من اللغو، وهو الكلام الساقط، التافه ولا تكذيب. كما قال تعالى: "لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما".

وقال تعالى: "لا لغوؤ فيها ولا تأثيم"..

وقال تعالى: "لا تسمع فيها لاغية".

وقال: "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما".

وثبت في الصحيحين: عن حذيفة، قال: قال رسول الله : "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة".

ذكر لباس أهل الجنة وحليهم وثيابهم وجمالهم نسأل الله تعالى منها

قال الله تعالى: "عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا".

وقال تعالى: "جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير".

وقال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا".

وقد ثبت في الصحيحين: عن رسول الله قال: "تبلغ الحلة من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

وقال الحسن البصري: "الحلة في الجنة على الرجال أحسن منها على النساء".

وقال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة: عن عبيد بن خالد، عن الحسن، عن أبي هريرة، أن أبا أمامة حدثه: أن رسول الله حدثهم- وذكر أهل الجنة- فقال: "إنهم مسورون بالذهب، والفضة، مكللون بالدر، وعليهم أكاليل در، وياقوت وعليهم تاج كتاج الملوك، شباب، جرد، مكحولن".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن داود بن عامر بن سعد أبي وقاص، عن أبيه، عن جده، عن النبي قال: "لو أن رجلا من الجنة أطلع قيد سواره لطمس ضوءه الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم".

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "من يدخل الجنة ينعم، ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".

وأخرجه مسلم: من حديث زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، إلى قوله: "لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه".

وقال أحمد: حدثنا علي بن عبد الله؟ حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الجلاس، عن أبي رافع، أن نبي الله قال: "للمؤمن زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما".

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الحلواني، والحسن بن علي النسوي، قالا: حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون، عن عبد الله، عن النبي قال: "أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية كأحسن كوكب دري في السماء، لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء".

قال الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح.

وقال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الخزرج بن عثمان السعدي، حدثنا أبو أيوب- مولى لعثمان ابن عفان- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : قيد سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة الى الأرض، لملأت ما بينهما ريحا، ولطاب ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها". قال: قلت: يا أبا هريرة: وما النصيف في ذلك؟ قال: الخمار. قلت: الخزرج بن عثمان البصري تكلموا فيه، ولكن له شاهد في الصحيح، كما تقدم في صحيح البخاري، عن أنس، عن النبي ، وفيه: "لنصيفها- يعني الخمار- خير من الدنيا وما فيها".

وقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرنا عمر، أن دراجا أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي : "إن الرجل في الجنة ليتكىء سبعين سنة قبل أن يتحرك، ثم تأتيه زوجته- أراه قال-: فتضربه على منكبيه، فينظر وجهه فى خدها أصفى. من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتسلم عليه، فيرد السلام، ويسألها: من أنت؟ فتقول: أنا المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها التيجان، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب".

ورواه أحمد عن حسن، عن ابن لهيعة، عن دراج به بطوله.

وقال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله تلا قوله تعالى: "جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب". فقال: "إن عليهم التيجان، وإن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب".

وقد روى الترمذي في ذكر التيجان من حديث عمرو بن الحارث.

وروى الإمام أحمد: عن عبد الرحمن بن مهدي، عن جبار بن خارجة السلمي، عن عبد الله بن عمر، قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب الجنة: أخلق يخلق أم نسيج ينسج؟ فضحك بعض القوم. فقال رسول الله : "مم تضحكون؟ من جاهل يسأل عالما. ثم أكب رسول الله فقال: أين السائل؟ قال: هوذا أنا يا رسول الله. قال: لا، بل تنشق عنها ثمر الجنة". قالها ثلاث مرات.

ورواه أحمد أيضا عن أبي كامل، عن زياد بن عبد الله بن علاثة القاص أبو سهل، عن العلاء بن رافع، عن الفرزدق بن حنان القاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكر نحوه. في حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد: قال رجل: يا رسول الله وما طوبى؟ قال: "شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".

وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا عتبة، حدثنا أبو إسماعيل بن عباس، عن سعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن سلام الأسود، سمعت أبا أمامة يحدث عن رسول الله : قال: "ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى، فتفتح له أكمامها يأخذ من أي ذلك، إن شاء أبيض، وإن شاء أخضر، وإن شاء أصفر، وإن شاء أسود، مثل شقائق النعمان، وأرق وأحسن". غريب حسن.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سويد بن سعد، حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي، عن خاله الرميل بن سماك، أنه سمع أباه قال: قلت لابن عباس: ما حلل أهل الجنة؟ قال: فيها شجر فيها ثمر كأنه الرمان، فإذا أراد ولي الله كسوة، انحدرت إليه من غصنها، فانقلعت عن سبعين حلة، ألوانا بعد ألوان، ثم ينطلق فترجع كما كانت".

وتقدم عن الثوري، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال: نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر، وفروعها من ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم وحللهم".

صفة فرش أهل الجنة

قال الله تعالى: "متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان".

قال ابن مسعود: إذا كانت البطائن من إستبرق، فما بالك بالظهائر؟

وقوله تعالى: "وفرش مرفوعة".

روى أحمد: والترمذي: من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله تلا قول الله تعالى: "وفرش مرفوعة". ثم قال: "والذي نفسي بيده، إن ارتفاعها لكما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمسمائة عام".

ثم قال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين.- يعني عمرو بن الحارث- عن دراج.

قلت: ورواه حرملة، عن ابن وهب. ثم قال الترمذي: وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث: "إن معناه ارتفاع الفرش في الدرجات وما بين الدرجات كما بين السماء والأرض".

قلت: ومما يقوي هذا ما رواه عبد الله بن وهب، عن عمر، وعن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله في قوله تعالى: "وفرش مرفوعة" قال: "ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض". وهذا يشبه أن يكون محفوظا.

وقال حماد بن سلمة: عن علي بن زيد بن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن كعب الأحبار، في قوله نعالى: "وفرش مرفوعة". قال: مسيرة أربعين سنة.

يعني أن الفرش في كل محل وموطن موجودة مهيأة، لاحتمال الاحتياج إليها في ذلك الموضع، كما قال تعالى: "فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة". أي النمارق، وهي المخاد، مصفوفة مسومة هاهنا، وهاهنا في كل مكان من الجنة كما قال تعالى: "متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان".

والعبقري: هي عتاق البسط أي جيادها، وخيارها، وحسانها، وقد خوطب العرب بما هو عندهم أحسن، وفيها أعظم مما في النفوس وأجل، من كل صنف ونوع، من أجناس الملاذ والمناظر، وبالله المستعان.

والنمارق: جمع نمرقة بضم النون وحكى كسرها، وهي الوسائد، وهي المساند، وقد يعمها اللفظ.

والزرابي: البسط، والرفرف: قيل رياض الجنة، وقيل ضرب من الثياب، والعبقري، جياد البسط، والله أعلم.

حلية الحور العين وبنات آدم وشرفهن عليهن وكم لكل واحدة منهن

قال الله تعالى: "متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربنكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وقال تعالى: "فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام".

وقال تعالى: "لهم فيها أزواج مطهرة". أي من الحيض، والنفاس، والبول، والغائط والبزاق، والمخاط، لا يصدر منهن شيء من ذلك، وكذلك طهرت أخلاقهن وأنفاسهن وألفاظهن ولباسهن وسجيتهن.

وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا شعبة، حدثنا قتادة، عن أبي نضرة، عن أبيط سعيد، عن النبي في قوله تعالى: "ولهم فيها أزواج مطهرة". قال: "من الحيض والغائط والنخامة والبزاق".

وقال أبو الأحوص: عند قوله: "مقصورات في الخيام". "بلغنا فى الرواية أن سحابة أمطرت من تحت العرش فخلقن من قطراتها، ثم ضربت على كل واحدة خيمة على شاطىء الآنهار، سعتها أربعون ميلا، وليس لها باب، حتى إذا حل ولي الله بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب، ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة، والخدم، لم تأخذها، فهن مقصورات قد قصرت عن أبصار المخلوقين".

وقال تعالى: "وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون".

وقال في الآية الآخرى: "كأنهن بيض مكنون".

قيل: إنه بيض النعام المكنون في الرمل: وبياضه عند العرب أحسن ألوان البياض، وقيل: المراد به اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفة.

وقال تعالى: "إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين". أي أنشأهن الله بعد الكبر والعجز والضعف في الدنيا، فصرن في الجنة شبابا طريا أبكارا عربا أي: متحببات إلى بعولهن، أترابا لأصحاب اليمين أي: في مثل أعمارهم.

أسئلة من أم سلمة رضي الله عنها وأجوبة من رسول الله حول نساء أهل الجنة

قال الطبراني: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمر بن هاشم البروي، حدثنا سليمان بن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أبيه، عن أم سلمة: قالت: قلت يا رسول الله: أخبرني عن قول الله: "حور عين". فقال: حور عين: ضخام العيون أشفار الحور بمنزلة جناح النسر. قلت: أخبرني عن قوله: "كأمثال اللؤلؤ المكنون". قال: صفاء من صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي. قلت: يا رسول الله: أخبرني عن قوله: فيهن خيرات حسان. قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه. قلت: يا رسول الله: أخبرني عن قوله: كأنهن بيض مكنون. قال: رقتهن كرقة الجلد الذي يكون في داخل البيضة مما يلي القصرة وهو آخر الغرقى. قلت: يا رسول الله: أخبرني عن قوله: عربا أترابا. قال: هن اللواتي قد صرن فى دار الدنيا عجائز رمصا شمطا يصرن في الجنة متعشقات متحببات، أترابا على ميلاد واحد. قلت: يا رسول الله: أخبرني نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة. قلت: يا رسول الله، بماذا؟ قال: بصلاتهن وصيامهن، وعبادتهن الله، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلى، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، طوبى لمن كان لنا وكنا له. قلت: يا رسول الله: المرأة منا تتزوج الزوجين، والثلاثة، والأربعة، فتموت، فتدخل الجنة، ويدخلون معها، من يكون زوجها؟ قال: يا أم سلمة، إنها تخير، فتختار أحسنهم خلقا، فتقول: يا رب: إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة: ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن طارق، حدثنا مسعدة بن اليسع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، أن رسول الله أتته عجوز من الأنصار فقالت: يا رسول الله: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: إن الجنة لا يدخلها عجوز، فذهب رسول الله فصلى ثم رجع إلى عائشة، فقالت لقيت من كلمتك مشقة وشدة، فقال: إن ذلك كذلك، إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا..

وتقدم في حديث الصور في صفة دخول المؤمنين الجنة قال: "فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله، واثنتين من ولد آدم، لهما فضل على من يشاء الله تعالى، لعبادتهما الله تعالى في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ، فيه سبعون درجا من سندس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها ولحمها وجلدها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظرأحدكم إلى السلك من الفضة في الياقوت، فبينما هو كذلك إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، ألا إن لك أزواجا غيرها، فيخرج، فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت: "والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك" ولهذا الحديث شواهد من وجوه كثيرة تقدمت، وستأتي إن شاء الله تعالى وبه الثقة، وتقدم الحديث الذي رواه الإمام أحمد: من حديث شعيب الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، عن النبي "وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض وقال حرملة: عن ابن وهب، حدثنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه: عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله قال: أدنى أهل الجنة منزلة، الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، تنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد، وياقوت، كما بين الجابية وصنعاء". وأسنده أحمد: عن حسن، عن ابن لهيعة، عن دراج به.

ورواه الترمذي: عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن رشدين، عن عمرو بن الحارث، فذكر بإسناده نحوه.

وقال محمد بن جعفر الفريابي: حدثنا أبو أيوب، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن خالد بن معدان عن أبي أمامة، عن رسول الله قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا ويتزوج اثنتين وسبعين زوجة اثنتين من الحور العين وسبعين من أهل زمانه من أهل الدنيا".

وهذا حديث غريب جدا، والمحفوظ مما تقدم خلافه، وهو أن الاثنتين من بنات آدم، والسبعين من الحور العين، والله أعلم.

وراويه خالد بن يزيد بن أبي مالك هذا تكلم فيه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وغيرهما، ومثله قد يغلط ولا يتيقن.

وروى أحمد والترمذي، وصححه، وابن ماجه: من حديث مجالد بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله : "إن للشهيد عند الله ست خصال، يغفر الله له عند أول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويتزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه".

فأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: حدثني عمرو الناقد، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي جميعا، عن ابن علية،- واللفظ ليعقوب- قال: حدثنا ابن علية، أخبرنا أيوب بن محمد، قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أو لم يقل أبو القاسم : "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب".

وفي الصحيحين: من رواية همام، عن أبي هريرة، نحوه.

فالمراد من هذا أن هاتين من بنات آدم، ومعهما من الحور العين ما شاء الله عز وجل، كما تقدم تفصيل ذلك آنفا، والله أعلم.

وقال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا يونس، عن محمد بن سيرين، عن أبيهريرة، عن النبي قال: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما".

وهذه الأحاديث لا تعارض ما ثبت في الصحيحين: "واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء". إذ قد يكن أكثر أهل الجنة، وأكثر أهل النار، أو قد يكن أكثر أهل النار، ثم يخرج من يخرج منهن بالشفاعات. فيصرن إلى الجنة، حتى يكثر أهلها، والله أعلم.

وفي حديث دراج عن الهيثم، عن أبي سعيد، مرفوعا: "إن الرجل في الجنة ليتكىء سبعين سنة قبل أن يتحول، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، و إن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتسلم عليه فيرد السلام، ويسألها من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد، و إنه ليكون عليها سبعون ثوبا، أدناها مثل النعمان، فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك". رواه أحمد في المسند.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن طلحة، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قده- يعني سوطه- من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا، ولطاب ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".

ورواه البخاري: من حديث إسماعيل بن جعفر، وأبي إسحاق، كلاهما عن حميد، عن أنس، بمثله، وقد تقدم بتمامه في أول صفة الجنة.

وعند البخاري: "ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا سعيد بن أبزى، عن عبد الملك الجوني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس، لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض".

وذكر ابن وهب: عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر، فكيف الصورة؟ وما خلق الله شيئا يلبسه لابس هو أمثل مما عليها من الثياب والحلى".

وقال أبو هريرة: إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء، إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف، وهي تقول: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر؟" أوردهما القرطبي.

وقال القرطبي: حدثنا أحمد بن رشدين، حدثنا الحسن بن هارون الأنصاري، حدثنا الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم، عن مجاهد بن أبي أسامة عن النبي قال: "خلق الحور العين من الزعفران". هذا حديث غريب. وروي هذا عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين.

وفي مراسيل عكرمة: "إن الحور العين ليدعون لأزواجهن وهم في الدنيا، يقلن اللهم أعنه على دينك، وأقبل بقلبه على طاعتك، وبلغه إلينا بعزتك، يا أرحم الراحمين".

وفي مسند الإمام أحمد: من حديث كثير بن مرة، عن معاذ، مرفوعا، "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: قاتلك الله: إنما هو دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا".

وهذا ما ورد من غناء الحور العين في الجنة:

روى الترمذي: وغيره من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي قال: قال رسول الله : "إن في الجنة مجتمعا للحور العين، يرفعن أصواتا لم تسمع الخلائق بمثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له".

قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي سعيد، والحسن، وحديث علي غريب.

وروى ابن أبي ذؤيب، عن عون بن الخطاب، عن عبد الله بن رافع، عن ابن أنس بن مالك، عن أبيه، قال: قال رسول الله : "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط، وإن مما يغنين: نحن الخالدات فلا نموت، نحن الآمنات فلا نخاف، نحن المقيمات فلا نظعن".

وقال الليث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب، عن الوليد بن عبدة، قال: قال رسول الله لجبريل: "قف بي على الحور العين، فأوقفه عليهن، فقال: من أنتن؟ قلن: نحن جواري قوم حلوا فلم يظعنوا، وشبوا فلم يهرموا، واتقوا فلم يذنبوا".

وقال القرطبي بعد ما أورد الحديث المتقدم في غناء الحور العين، إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا. "نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن". قالت عائشة: "يغلبن" والله أعلم.

هكذا ذكره في التذكرة، ولم ينسبه إلى كتاب، والله أعلم.

ذكر جماع أهل الجنة نساءهم ولا أولاد إلا أن يشاء أحدهم

قال الله تعالى: "إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم".

قال ابن مسعود: وابن عباس: وغير واحد من المفسرين: في قوله "شغل" أي افتضاض الأبكار.

وقال تعالى: "إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم".

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا عمران هو ابن داود القطان، عن قتادة، عن أنس، عن رسول الله قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الرجال قلت: يا رسول الله: ويطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة". ورواه الترمذي: من حديث أبي داود، قال: صحيح غريب.

وروى الطبراني: من حديث الحسن بن علي الجعفي، عن زائدة، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، "قيل يا رسول الله: هل يفضي الرجل في الجنة؟، وفي رواية، هل نفضي إلى نسائنا؟ فقال: والذي نفسي بيده، إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء". قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح.

وقال البزار: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عمارة بن راشد، عن أبي هريرة، قال: سئل رسول الله : هل يمس أهل الجنة أزواجهم؟ فقال: نعم، بذكر لا يمل، وشهوة لا تنقطع".

ثم قال البزار: لا يعلم أحد يروي عن عمارة بن راشد سوى عبد الرحمن بن زياد، وقد كان عبد الرحمن هذا حسن العقل، ولكن وقع على شيوخ مجاهيل، فحدث عنه بأحاديث مناكير، فضعف حديثه، وهذا مما أنكر عليه..

وقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن دراج عن عبد الرحمن بن حميرة، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه سئل: "أنطأ في الجنة؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده دحما دحما، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا".

وقال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي، حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي، حدثنا شريك، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا". ثم قال: تفرد به معلى.

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة، أن رسول الله سئل: أيجامع أهل الجنة؟ فقال: "دحما دحما ولكن لا مني ولا منية".

لما كان المني يقطع لذة الجماع، والمنية تقطع لذة الحياة، كانا منفيين من الجنة.

قال الطبراني: أخبرنا عثمان بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم البرقي، أخبرنا عمرو بن أبي سلمة، أخبرنا صدقة، عن هاشم بن البريد، عن سليم أبي يحيى أنه سمع أبا أمامة يحدث: أنه سمع رسول الله وقد سئل- هل يتناكح أهل الجنة؟ قال: "نعم بذكر لا يمل، وشهوة لا تنقطع".

ما قيل من منح الأطفال ولادة لأهل الجنة

فأما إذا أراد أحدهم أن يولد له، كما كان في الدنيا حب الأولاد، فقد قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبيد، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن عامر الأحول ، عن أبي الصديق، عن أبي سعيد، أن نبي الله قال: "إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة، كان حمله، ووضعه، وسنه، في ساعة كما يشتهي".

وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، جميعا، عن محمد بن يسار، عن معاذ. وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الحافظ الضياء المقدسي: وهذا عندي على شرط مسلم.

وقد رواه الحاكم: عن الأصم، عن محمد بن عيسى، عن سلام بن سليمان، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، به، وضعفه البيهقي.

وقال سفيان الثوري، عن أبان، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد قال: يا رسول الله، أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور؟ فقال: "نعم: والذي نفسي بيده، ما هو إلا كقدر ما يتمنى أحدكم، فيكون حمله ورضاعه وشبابه".

وهذا السياق يدل على أن هذا أمر يقع، خلافا لما رواه البخاري، والترمذي: عن إسحاق بن راهويه، من أن ذلك محمول على أنه لو أراد ذلك، ولكنه لا يريده، ونقل عن جماعة من التابعين، كطاووس ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وغيرهم: "إن الجنة لا يولد فيها".

وهذا صحيح: وذلك أن جماعهم لا يقتضي ولدا كما هو الواقع في الدنيا، فإن الدنيا دار يراد منها بقاء النسل لتعمر، وأما الجنة فالمراد بقاء الملك، ولهذا لا يكون في جماعهم مني يقطع لذة الجماع، ولكن إذا أحب أحدهم الولد يقع كما يريد، قال الله تعالى: "لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين".

ذكر أن أهل الجنة لا يموتون فيها لكمال حياتهم وكما فهم في ازدياد من قوة الشباب

ونضرة الوجوه وحسن الهيئة وطيب العيش ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنهم لا ينامون لئلا يشتغلوا بالنوم عن الملاذ والحياة الهنية، جعلنا الله منهم قال الله تعالى: "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم".

وقال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا". أي لا يختارون غيرها، بل هم أرغب شيء فيها، وليس يعتريهم فيها ملل ولا ضجر، كما قد يسأم أهل الدنيا بعض أحوالهم، وإن كانت لذيذة.

وما أحسن ما قال فيها الشعراء، وفصحاء الأدباء:

فحلت سويدا القلب لا أنا باغيا.........سواها ولا عن حالها أتحول

ولقد تقدم حديث ذبح الموت بين الجنة والنار، وأنه ينادي مناد: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، كل خالد فيما هو فيه": وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا حمزة، حدثنا أبو إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، عن النبي قال: "فينادى مع ذلك: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، قال: ينادى بهذه الأربع".

وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، قال: قال الثوري: حدثنا أبو إسحاق: أن الأغر حدثه، عن أبي سعيد، وأبي هريرة، عن النبي ، قال: "ينادى مناد يوم القيامة: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وان لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا". قال: فذلك قوله تعالى: "ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون".

ورواه مسلم: عن إسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، بنحوه.

أهل الجنة لا ينامون

وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه، حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري، حدثنا المقدام بن داود، حدثنا عبد الله بن المغيرة، حدثنا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله : "النوم أخو الموت وإن أهل الجنة لا ينامون".

ورواه الطبراني: من حديث مصعب بن إبراهيم، عن عمران بن الربيع الكوفي، عن يحيى بنسعيد الأنصاري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: سئل رسول الله أينام أهل الجنة؟ فقال: "النوم أخو الموت، وإن أهل الجنة لا ينامون".

ورواه البيهقي: من حديث عبد الله بن حيلة بن أبي داود، عن سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، فذكره.

ثم روى البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن عباس الدوري، عن يونس بن محمد، عن سعيد بن أبزى، عن نفيع بن الحارث، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: "سأل رجل رسول الله فقال: النوم مما يقر الله به أعيننا في الدنيا: فهل ينام أهل الجنة؟ فقال رسول الله : "إن الموت شريك النوم، وليس في الجنة موت". قالوا: يا رسول الله؟ فما راحتهم؟ قال: "إنه ليس فيها لغوب، كل أمرهم راحة" فأنزل الله: "لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب". ضعيف الإسناد>

ذكر إحلال الرضوان عليهم وذلك فضل عما لديهم

قال الله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم".

وقال الله تعالى: "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم".

إحلال الله عز وجل رضوانه الدائم على أهل الجنة

وقال مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : "يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة: فيقولون: لبيك ربنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: إنما أعطيكم أفضل من ذلك: فيقولون: ياربنا: فأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا". وأخرجاه في الصحيحين: من حديث مالك، به.

وقال أبو بكر البزار: حدثنا سلمة بن شبيب، والفضل بن يعقوب، قالا: حدثنا الفريابي، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله : "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله: ألا أعطيكم- أحسبه قال:- أفضل؟ قالوا: يا ربنا: أي شيء أفضل مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر".

وهذا الحديث على شرط البخاري، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه.

ذكر نظر الرب وتقدس إليهم ونظرهم إليه سبحانه

قال الله تعالى: "تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما".

وقال تعالى: "سلام قولا من رب رحيم".

وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في كتاب السنة من سننه: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا أبو عاصم العباداني، حدثنا الفضل الرقاشي، عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله : "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فضله من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. قال: وذلك قول الله عز وجل: "سلام قولا من رب رحيم".قال: فينظر إليهم، وينظرون إليه، ولا يلتفتون الى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم". وقد رواه البيهقي مطولا من هذا الوجه فقال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، حدثنا أحمد بن عبيد، حدثنا الكريمي، حدثنا يعقوب بن إسماعيل بن يوسف السلال، حدثنا أبو عاصم العباداني: عن الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله : "بينما أهل الجنة في مجلس لهم، إذ سطع لهم نور على باب الجنة، فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف. فقال: يا أهل الجنة سلوني. فقالوا: نسألك الرضاء عنا. قال: رضائي أحلكم داري، وأنا لكم كرامتي، هذا أوانها فسلوني. قالوا: نسألك الزيادة. فيؤتون بنجائب من ياقوت أحمر، أزمتها زمرد أخضر وياقوت أحمر، فيجلسون عليها، تضع حوافرها عند منتهى طرفها، فيأمر الله فيجيء جوار من الحور العين وهن يقلن: "نحن الناعمات فلا نيأس، ونحن الخالدات فلا نموت، أزواج قوم مؤمنين كرام" ويأمر الله بكثبان من مسك أذفر أبيض، فينثر عليهم ريحا يقال لها المنثرة، حتى ينتهي بهم إلى جنة عدن-، وهي قصبة الجنة-، فتقول الملائكة: يا ربنا قد جاء القوم، فيقول: مرحبا بالصادقين، مرحبا بالطائعين، قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله عز وجل فيتمتعون بنور الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا فيقول: أرجعوهم إلى قصورهم بالتحف، فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضا. قال رسول الله : "وذلك قول الله عز وجل ": "نزلا من غفور رحيم" [فصلت: 132.]

ثم قال البيهقي: وقد مضى في هذا الكتاب أي في كتاب الرؤية ما يؤكد ما روي في هذا الحديث،والله أعلم.

وذكر أبو المعالي الجويني في الرد على السجزي:" أن الرب تبارك وتعالى إذا كشف لأهل الجنة الحجاب، وتجلى لأهل الجنة، تدفقت الأنهار، واصطفقت الأشجار، وتجاوبت السرر والغرفات بالصرير، والأعين المتدفقات بالخرير، واسترسلت الريح، وفاحت الحور والقصور بالمسك الأذفر والكافور، وغردت الطيور، وأشرفت الحور العين ".

والفضل بن عيسى ضعيف، ولكن روى للضياء: من حديث عبدالله بن عبدالله، عن محمد بن المنكمر، عن جابر، مرفوعا مثله.

ذكر رؤية أهل الجنة ربهم عز وجل في مثل أيام الجمع في مجتمع لهم معه لذلك هنالك

قال الله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ر بها ناظرة " [القيامة: 22.]

وقال تعالى: إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينطرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم". [المطففين: 22 24.]

وقد تقدم في حديث أبي موسى الأشعري: أن رسول الله-س!م قال: "جنتان من ذهب نبتهما وما فيهما، وجنتان من فضة نبتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنات عدن ".

أخرجاه في الحديث الآخرعن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر: "وأعلاهم من ينظر إلى الله في اليوم مرتين ".

وله شاهد في الصحيحين: عن جرير، مرفوعا، عند ذكر رؤية المؤمنين ربهم عز وجل يوم القيامة "كما يرون الشمس والقمر".

ثم بعد ذلك:"فإن استطعتم ألا تغفلوا عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".

ثم قرأ: "وسبح بحمدربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" [ق: 39.]

وفي صحيح البخاري: "إنكم سترون ربكم عيانا". فأرشد هذا السياق إلى أن الرؤية تقع في مثل أوقات العبادة، فكأن المريدين من الأخيار يرون الله عز وجل في مثل طرفي النهار غدوة وعشية، وهذا مقام عال، حتى إنهم يرون ربهم عز وجل وهم على أرائكهم وسررهم كما يرى القمرفي الدنيا في مثل هذه الأحوال، يرون الله تعالى أيضا في المجمع الأعم الأشمل، وهو في مثل أيام الجمع، حيث يجتمع أهل الجنة في واد أفيح- أي متسع- من مسك أبيض، ويجلسون فيه على قدر منازلهم، فمنهم من يجلسى على منابر من نور، ومنهم من يجلس على منابر من ذهب، وغير ذلك من أنواع الجواهر وغيرها، ثم تفاض عليهم الخلع، وتوضع بين أيديهم الموائد بأنواع الأطعمة والأشربة، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ثم يطيبون بأنواع الطيب كذلك، ويباشرون من أنواع الإكرام ما لم يخطر في بال أحد قبل ذلك، ثم يتجلى لهم الحق جل جلاله سبحانه وتعالى، ويخاطبهم واحدا واحدا، كما دلت على ذلك الأحاديث، كما سيأتي إيرادها قريبا إن شاء الله تعالى.

وقد حكى بعض العلماء خلافا في النساء: هل يرين الله عز وجل كما يراه الرجال فقيل: لا، لأنهن مقصورات في الخيام، وقيل: بلى، لأنه لا مانع من رؤيته تعالى في الخيام وغيرها: وقد قال تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون".

وقال تعالى: "هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون".

وقال رسول الله : "إنكم سترون ربكم عز وجل، كما ترون هذا القمر، لا تمارون في رؤيته، فإن استطعتم فداوموا على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها".

وهذا عام في الرجال والنساء، والله أعلم.

وقال بعض العلماء قولا ثالثا: وهو أنهن يرين الله في مثل أيام الأعياد، فإنه تعالى يتجلى في مثل أيام الأعياد لأهل الجنة تجليا عاما، فيرينه في مثل هذه الحال دون غيرها، وهذا القول يحتاج إلى دليل خاص عليه، والله أعلم.

وقال الله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".

وقد روي عن جماعة من الصحابة تفسير هذه الزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل، منهم أبو بكر الصديق، وأبي بن كعب، وكعب بن عجرة، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعكرمة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف، والخلف، رحمهم الله، وأكرم مثواهم أجمعين.

وقد روي حديث رؤية المؤمنين لربهم عز وجل في الدار الآخرة: عن جماعة من الصحابة، منهم أبو بكرالصديق رضي الله عنه وقد تقدم حديثه مطولا.

ومنهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وقد روى حديثه يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا سويد بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله : "يرى أهل الجنة الرب تعالى في كل جمعة"..وذكر تمام الحديث: وفيه "إذا كشف الحجاب كأنه لم ير قبل ذلك". وقوله تعالى: "ولدينا مزيد".

ومنهم أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وجابر بن عبد الله، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وسلمان الفارسي، وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري، وأبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي، وصهيب بن سنان الرومي، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبو موسى عبد الله بن قيس، وعبد الله بن مسعود، وعدي بن حاتم، وعمار بن ياسر. وعمارة بن رويبة، وأبو رزين العقيلي، وأبو هريرة رجل من الصحابة، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله عنهم أجمعين.

وقد تقدم كثير منها، وسيأتي ذكر شيء منها مما يليق بهذا المقام إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان.

يوم الجمعة يوم المزيد

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي سلمة، عن صهيب، أن رسول الله تلا هذه الآية: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".

وقال: "إذا أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة: إن لكم عند الله وعدا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم تثقل موازيننا، وتبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم. وهكذا رواه مسلم: من حديث حماد بن سلمة.

وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا أبو بكر الألقاني، أخبرني أبو تميمة الهجيمي، قال: سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة: يقول: "إن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة، فيقول: يا أهل الجنة: هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ فينظرون ويرون الحلى والحلل والأنهار والأزواج المطهرة، فيقولون: نعم، قد أنجزنا ما وعدنا، يقولون ذلك ثلاث مرات فيقول: قد بقي شيء: إن الله يقول: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة". ألا إن الحسنى الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل" وهذا موقوف.

وقد روى ابن جرير، وابن أبي حاتم: من حديث أبي تميمة الهجيمي، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله قال: "إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي: يا أهل الجنة- بصوت يسمع أولهم وآخرهم- إن الله وعدكم الحسنى وزيادة، الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن".

وروى أيضا: من حديث زهير: عمن سمع أبا العالية يقول: حدثنا أبي بن كعب: أنه سأل رسول الله ، عن قول الله عز وجل: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".

قال: "الحسنى الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل".

ورواه ابن جرير أيضا: عن ابن حميد، عن إبراهيم بن المختار، عن ابن جرير، عن عطاء، عن كعب بن عجرة، عن النبي ، في قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة". قال: "للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى، وهي الجنة، والزيادة، النظر إلى وجه الله عز وجل". مسلم وشيخه نوح متكلم فيهما، والله أعلم.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي في كتاب الحجة من مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة، عن عبيد، عن عمير، أنه سمع أنس بن مالك يقول: "أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها نكتة، إلى النبي فقال النبي : "ما هذه؟ فقال: هذه الجمعة، فضلت بها أنت وأمتك، والناس لكم فيها تبع، اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها من يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، فقال النبي : "يا جبريل: ما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح، فيه كثب مسك، فإذا كان يوم الجمعة نزل سبحانه وتعالى، وأنزل الله ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور، عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر بكراسي من ذهب، مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب، فيقول الله عز وجل: أنا ربكم أنا ربكم، وقد صدقتكم وعدي، فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم، ولكم علي ما تمنيتم، ولدي مزيد": "فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربهم على العرش، وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة".

وقد رواه البزار: من حديث جهضم بن عبد الله، عن أبي طيبة، عن عثمان بن عمير، عن أنس، قال: قال رسول الله : "أتاني جبريل في يده مرآة بيضاء، فيها نكتة سوداء، فقلت: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك، فتكون لك عيدا ولقومك من بعدك، تكون أنت الأول، ويكون اليهود والنصارى من بعدك، قال: ما لنا فيها؟ قال لكم فيها ساعة ما دعا فيها مؤمن ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه، وما دعاه بخير لم يقسم إلا ادخر له ما هو أعظم منه، وما تعوذ من شر هو عليه مكتوب إلا أعاذه من أعظم منه قال: قلت: ما هذه النكتة السوداء؟ قال: هي الساعة، تقوم يوم الجمعة، وهو سيد الأيام عندنا، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد: قال: وما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح، من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها، ثم حف المنابر بكراسي من ذهب، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب، فيتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول: أنا الذي صدقتكم وأتممت عليكم نعمتي، هذا محل كرامتي فسلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيبيح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم يبقى إلى مقدار منصرف الناس من يوم الجمعة، ثم يصعد تعالى على كرسيه، ويصعد معه الشهداء والصديقون- أحسبه قال:- ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم المخلوقة من درة بيضاء، أو ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، منها غرفها وأبوابها مطرزة، فيها أشجار متدلية فيها ثمارها، فيها أزواجها وخدمها، وليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، فيها أزواجها وخدمها، وليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا فيه كرامة، ويزدادوا نظرا إلى وجهه تعالى، ولذلك سمي يوم المزيد".

ثم قال البزار: لا نعلم أحدا رواه عن أنس عن عثمان بن عمير- أبو اليقظان- وعثمان بن صالح، هكذا قال.

وقد رويناه: من طريق زياد بن خيثمة، عن عثمان بن سلم، عن أنس: فذكر الحديث بطوله مثل هذا السياق أو نحوه.

وتقدم في رواية الشافعي عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عنه فقد اختلف الرواة فيه، وكان بعضهم يدلسه لئلا يعلم أمره، وذلك لما يتوهم من ضعفه، والله أعلم.

وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: عن شيبان بن فروخ، عن الصعق بن حزن، عن علي بن الحكم البناني، عن أنس، وذكر الحديث وهذه طرق جيدة عن أنس، شاهدة لرواية عثمان بن عمير.

وقد اعتنى بهذا الحديث الحافظ أبو حسن والدارقطني فأورداه من طرق.

قال الحافظ الضياء: وقد روي من طريق جيد: عن أنس بن مالك، ورواه الطبراني، عن أحمد بن زهير، عن محمد بن عثمان بن كرامة، عن خالد بن مخلد القطواني، عن عبد السلام بن حفص، عن أبي عمران الجوني، عن أنس، فذكره. وقد رواه غير أنس من الصحابة.

قال البزار: حدثنا ابراهيم بن المبارك، عن القاسم بن مطيب، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قال رسول الله : "أتاني جبريل فذكر يوم المزيد قال: فيوحي الله إلى حملة العرش أن هجوا الحجب فيما بينه وبينهم، فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ واتبعوا رسلي وصدقوا أمري؟ سلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، ويرجع في قوله: يا أهل الجنة: إني لو لم أرض عنكم لم أسكنتكم جنتي، هذا يوم المزيد فسلوني، فيجتمعون على كلمة واحدة، أرنا وجهك يا رب ننظر إليك. قال: فيكشف الله الحجب، فيتجلى لهم من نوره ما لولا أن الله قضى أن لا يموتوا لأحرقوا، ثم يقال لهم: ارجعوا إلى منازلكم، فيرجعون إلى منازلهم، ولهم في كل سبعة أيام يوم، وذلك يوم الجمعة".

ذكر سوق الجنة

قال الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: "اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة، فقال سعيد: أو فيها سوق؟ قال: نعم، أخبرني رسول الله : "أن أهل الجنة إذا دخلوها بفضل أعمالهم، فإنه يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون الله فى روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ياقوت، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم- وما فيهم أدنى- على كثبان المسك والكافور، ما يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلسا، فقال أبو هريرة: فقلت: يا رسول الله: هل نرى ربنا؟ قال: نعم هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا. قال: فكذلك لا تمارون فى رؤية ربكم، ما يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره محاضرة، فيقول: يا فلان ابن فلان: أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ فيذكر بعض غدارته في الدنيا- فيقول: بلى، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فبمغفرتي بلغت منزلتك هذه، قال: فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط، قال: ثم يقول ربنا عز وجل: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، قال: فيجدون سوقا قد حفت به الملائكة، ما فيه لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه ولا يشترى، في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا، فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه،- وما فيهم دني- فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، قال: ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحبا وأهلا وسهلا بحبنا، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه، فنقول: إنا جالسنا ربنا الجبار عز وجل فحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا".

وهكذا رواه ابن ماجه: عن هشام بن عمار، ورواه الترمذي: عن محمد بن إسماعيل، عن هشام بن عمار، ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا: عن الحكم ابن موسى، عن المعلى بن زياد، عن الأوزاعي.

قال سنان: سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة، فذكره..

وقال مسلم: حدثنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبار المصري: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: "إن في الجنة لسوقا يأتونه كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم، والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا".

وهكذا رواه أحمد: عن عفان، عن حماد، وعنده: "إن في الجنة لسوقا فيها كثبان المسك، فإذا خرجوا إليها هبت الريح" وذكر تمامه.

ما ورد في وصف أرض الجنة وطيب عرفها وانتشاره

وروى أبو بكر بن أبي شيبة: عن عمرو، عن عطاء بن وراد، عن سالم، عن أبي العنس، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "أرض الجنة بيضاء، عرصتها صخور الكافور، وقد أحاط به المسك، مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة، فيجتمع فيها أهل الجنة، فيتعارفون، فيبعث الله ريح الرحمة، فتهيج عليهم ريح المسك، فيرجع الرجل إلى زوجته وقد ازداد حسنا وطيبا، فتقول له: لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة، وأنا الآن بك أشد إعجابا".

فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو عيسى الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع، وهناد، قالا: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: قال رسول الله : "إن فى الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها". فإنه حديث غريب كما ذكره الترمذي رحمه الله، ويحمل معناه على أن الرجال إنما يشتهون الدخول في مثل صور الرجال، وكذلك النساء إنما يشتهين الدخول في مثل صور النساء، ويكون مفسرا بالحديث المتقدم، وهو الشكل والهيئة، والبزة واللباس كما ذكرنا في حديث أبي هريرة في سوق الجنة: "فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من دونه، فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها".

هذا الحديث، إن كان قد حفظ لفظ الحديث، والظاهر أنه لم يحفظ فإنه قد تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث، وهو أبو شيبة الواسطي، ويقال الكوفي روى عن أبيه، وخاله النعمان بن سعد، والشعبي وغيرهم، وعن جماعة، منهم حفص بن غياث، وعبد الله بن إدريس، وهشام. قال الإمام أحمد: ليس بشيء، وهو منكر الحديث، وكذبه في روايته عن النعمان بن سعد، عن المغيرة بن شعبة، في أحاديث رفعها، وكذلك ضعفه يحيى بن معين، ومحمد بن سعد، ويعقوب بن سفيان، والبخاري، وأبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وابن خزيمة، وابن عدي، وغيرهم. وقد استقصيت كلامهم فيه مفصلا في التكميل، فلله الحمد والمنة. ومثل هذا الرجل لا يقبل منه ما تفرد به، ولا سيما هذا الحديث، فإنه منكر جدا، وأحسن أحواله أن يكون قد سمع شيئا ولم يفهمه جيدا، وعبر عنه بعبارة ناقصة، ويكون أصل الحديث كما ذكرنا من رواية ابن أبي الحرير الدمشقي، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة في سوق الجنة والله أعلم.

وقد روي من وجه آخر غريب، فقال محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ المعروف بمطر: حدثنا أحمد بن محمد بن طريف البجلي، حدثنا محمد بن كثير، حدثني جابر الجعفي، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين، عن جابر بن عبد الله، قال: خرج علينا رسول الله ونحن مجتمعون فقال: "يا معاشر المسلمين إن في الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى إلا الصور، فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها". جابر بن يزيد الجعفي ضعيف الحديث، والله أعلم.

ذكر ريح الجنة وطيبه وانتشاره حتى إنه يشم من مسيرة سنين عديدة ومسافة بعيدة

قال الله تعالى: "والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم".

قال بعضهم: طيبها لهم، من العرف، وهو الريح الطيبة.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي : "من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين عاما". ورواه أحمد عن غندر، عن شعبة وقال: "سبعين عاما".

وقال أحمد: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد قال: أراد فلان أن يدعى جنادة بن أبي أمية، فقال عبد الله بن عمرو: قال رسول الله : "من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنه وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين- أو من مسيرة سبعين عاما- قال: ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".

قال البخاري: حدثنا قيس بن جعفر، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوحد من مسيرة أربعين عاما".

وهكذا رواه ابن ماجه: عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الحسن بن عمرو، به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن محمد أخبرنا إبراهيم المعقب، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن مجاهد، عن جنادة عن أبي أمية، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : "من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة عام". هذا لفظه.

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا معقل بن نفيل، حدثنا عيسى بن يونس، عن عوف الأعرابي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة، وإن ريح الجنة يوجد من مسيرة عام ".

وقد رواه أبو داود، والترمذي: من حديث محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا وقال: "سبعين خريفا". وقال حسن: صحيح، قال: وفي الباب عن أبي بكرة. وقال الحافظ الضياء: هو عندي على شرط الصحيح: يعني حديث أبي هريرة.

وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة، عن الحسن- أو غيره- عن أبي بكرة، قال: سمعت رسول الله يقول: "ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام".

وقال سعيد بن أبي عروبه: عن قتادة: "خمسمائة عام". وكذلك رواه حماد بن سلمة: عن يونس ابن عبيد، عن الحسن.

وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب صفة الجنة: من طريق الربيع بن بدر وهو ضعيف عن هارون بن رباب، عن مجاهد، عن أبي هريرة، مرفوعا: "رائحة الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام".

وقال مالك: عن مسلم بن أبي مريم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أنه قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة سنة".

قال الحافظ أبو عمرو بن عبد البر: وقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ: عن مالك، يرفعه إلى النبي ، وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن أحمد بن طريف، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن كثير، حدثني جابر الجعفي، عن أبي جعفر، عن محمد، عن علي، عن جابر، قال: قال رسول الله : "ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجدها عاق. ولا قاطع رحم".

وثبت في الصحيحين: "أن سعد بن معاذ مر بأنس بن النضر يوم أحد حين قتل، ولم يعرفه من كثرة الجراح، وما عرفته أخته الربيع بنت النضر إلا ببنانه، ووجد به بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف وطعنة ورمية" رضي الله عنه: فقال معاذ: "وجد أنس ريح الجنة". وهو في الأرض، وهي فوق السموات، اللهم إلا أن تكون قد اقتربت يومئذ من المؤمنين، والله تعالى أعلم.

ذكر نور الجنة وبهائها وطيب فنائها وحسن منظرها في صباحها ومسائها

قال الله تعالى: "إذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ر بهم شرابا طهورا".

وقال تعالى: "خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما".

وقال تعالى: "إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى".

وقال تعالى: "لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا عبد ربه الحنفي، عن خاله الرميل بن سماك، سمع أباه يحدث: "أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره، فقال: يا ابن عباس: ما أرض الجنة؟ فقال: هي مرمرة بيضاء من فضة، كأنها مرآة. قلت: ما نورها؟ قال: أما رأيت الساعة التي تكون قبل طلوع الشمس؟ فذلك نورها، إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير".

وذكرنا في الحديت: كما سيأتي إن شاء الله، وتقدم في سؤال ابن صياد عن تربة الجنة: "أنها درمكة بيضاء مسك أذفر".

وقال أحمد بن منصور الرمادي: حدثنا كثير بن هشام، حدثنا هشام بن زياد أبو المقدام، عن حبيب ابن الشهيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أن رسول الله قال: "خلق الله الجنة بيضاء، وأحب الزي إلى الله البياض، فليلبسه أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم".

ثم أمر برعاء الشاء فجمعوا، فقال: من كان ذا غنم فليخلطها بيضاء، فجاءته امرأة فقالت: يا رسول الله: إني اتخذت غنما سودا فلا أراها تزكو قال: "عفري" أي بيضي، معناه: اخلطي معها بيضاء.

وقال أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي حدثنا محمد بن مهاجر، عن الضحاك المعافري، عن سليمان بن موسى، حدثنا كريب: أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله : "ألا مشمر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا مثل لها وهي ورب الكعبة نور يتلالأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمر نضيج، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبد، في دار سليمة، وفاكهة وخضر، وجيرة ونعمة، في محلة عالية بهية. قالوا يا رسول الله: نحن المشمرون لها. قال فقولوا: إن شاء الله: فقال القوم: إن شاء الله. ثم قال البزار: لا نعلم له طريقا إلا هذا.

وقد رواه ابن ماجه: من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن مهاجر، بنحوه، ورواه أبو بكر بن داود، عن عمرو بن عثمان، عن أبيه، عن محمد بن مهاجر، وتقدم في الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن عمرو، عن عطاء، عن وراد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، مرفوعا: "أرض الجنة بيضاء، عرصتها صخور الكافور، وقد أحاط بها المسك مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة، فيجتمع فيها أهل الجنة، فيتعارفون، فيبعث الله ريح الرحمة، فتهيج عليهم ريح المسك، فيرجع الرجل إلى زوجته وقد ازداد حسنا وطيبا" فتقول له: "لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة، والآن أنا أشد بك إعجابا".

ذكر الأمر بطلب الجنة وترغيب الله تعالى عباده فيها وأمرهم بالمبادرة إليها

قال الله تعالى: "والله يدعوا إلى دار السلام".

وقال: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين".

وقال: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".

وقال تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله". وقد روى البخاري، وغيره: من حديث سعيد بن ميناء: عن جابر: "أن ملائكة جاءوا إلى رسول الله وهو نائم، فقال بعضهم: هو نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان: مثله كمثل رجل بنى دارا، واتخذ فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المائدة، فأولوها له، وقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: الدار الجنة، والداعي محمد، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس".

وروى الترمذي هذا الحديث: ولفظه: "خرج علينا رسول الله يوما فقال: "إني رأيت في المنام كأن جبريل كان عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع، سمعت أذنك، وأعقل عقل قلبك! إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا، ثم عمل فيها بيتا، ثم اتخذ مائدة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل أكل مما فيها". وللترمذي: عن ابن مسعود، نحوه، وصححه أيضا.

وقال حماد بن سلمة: عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله قال: "إن سيدا بنى دارا، واتخذ مائدة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المائدة، ورضي عنه السيد، ألا وإن السيد الله، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد".

من استجار بالله من النار أجاره ومن طلب الجنة من الله أدخله الجنة إذا صدقت النية وصح العمل

وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن يونس هو ابن خباب، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ما استجار عبد من النار ثلاث مرات، إلا قالت النار: يا رب: إن عبدك فلانا قد استجار مني فأجره، ولا سأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة: يا رب إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة". على شرط مسلم.

وروى الترمذي، والنسائي: عن ابن ماجه، عن هناد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي مريم، عن أنس، قال: قال رسول الله : "من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ومن استعاذ بالله من النار ثلاثا. قالت النار: اللهم أجره من النار".

الجنة والنار شافعتان مشفعتان

وقال الحسن بن سفيان: حدثنا المقدمي، حدثنا عمر، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "أكثروا مسألة الجنة، واستعيذوا به من النار، فإنهما شافعتان مشفعتان، وإن العبد إذا أكثر مسألة الجنة، قالت الجنة: يا رب: عبدك هذا الذي سألنيك فأسكنه إياي، وتقول النار: يا رب: عبدك هذا الذي استعاذ بك مني فأعذه".

اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم

وقال أبو بكر الشافعي: عن كليب بن حرب، سمعت رسول الله يقول: "اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره، وإن الدنيا محفوفة بالشهوات، فلا تلهينكم عن الآخرة".

ذكر أن الجنة حفت بالمكاره وهي الأعمال الشاقة من فعل الخيرات وترك المحرمات وأن النار حفت بالشهوات

قال الإمام أحمد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".

وهكذا رواه مسلم، والترمذي: من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، زاد مسلم وحميد كلاهما: عن أنس، به. وقال الترمذي: صحيح غريب.

وقال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن يحيى بن النضر، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" تفرد به أحمد: وإسناده جيد حسن، لما له من الشواهد.

وقال أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "لما خلق الله الجنة، أرسل جبريل، فقال: انظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها، فجاء، فنظر إليها، وإلى ما أعد الله لأهلها، فرجع إليه تعالى فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمرها فحجبت بالمكاره، ثم قال: ارجع إليها، فانظر إليها، فجاء فنظر إليها، فإذا هي قد حجبت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد". تفرد به أحمد: وإسناده صحيح.

وقال أحمد: حدثنا حسين، حدثنا المسعودي، عن داود بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "أكثر ما يلج به الإنسان النار الأجوفان الفرج والفم، وأكثر ما يلج به الإنسان الجنة تقوى الله وحسن الخلق".

ألا إن النار حفت بالشهوات، وداخلها كله مضرات وحشرات، والجنة محفوفة بالمكاره، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من اللذات والمسرات، كما أوردناه في الآيات المحكمات، والأحاديث الثابثات. فمن نعيمهم المقيم، ولذتهم المستمرة، الطرب الذي لم تسمع الآذان بمثله.

قال الله تعالى: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون".

قال الأوزاعي: عن يحيى بن أبي كثير: "هو السماع في الجنة":

غناء الحور في جنة الله

وقد ذكرنا ما رواه الترمذي: من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: قال رسول الله : "إن في الجنة لمجتمعا للحور العين، يغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد أبدا، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، طوبى لمن كان لنا وكنا له".

قال: وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وأنس.

قلت: وكذا روي من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وابن عمر وأبي أمامة: رضي الله عنهم أجمعين.

حديث أبي هريرة

قال جعفر الفريابي: حدثنا سعد بن حفص، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال، عن عمرو، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: "إن في الجنة نهرا طول الجنة، على حافتيه العذارى قياما متقابلات، يغنين بأصوات يسمعها الخلائق، ما يرون في الجنة لذة مثلها. قلت: يا أبا هريرة: وما ذاك الغناء؟ قال: إن شاء الله التسبيح، والتحميد، والتقديس وثناء على الرب عز وجل".

وروى أبو نعيم في صفة الجنة من طريق سليم بن علي، عن زيد بن واقد، عن رجل، عن أبي هريرة، مرفوعا: "إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ، تهب عليها ريح فتصطفق، فما يسمع السامعون بشيء قط ألذ منه".

وقد تقدم عن ابن عباس: "أنها تحركها الرياح، فتتحرك بصوت كل لهو كان في الدنيا".

حديث أنس

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا خيثمة، حدثنا إسماعيل، عن عمرو بن أبي ذؤيب، عن عبد الله بن رافع، عن أنس، قال: قال رسول الله : "إن الحور العين تغنين في الجنة: نحن الحور الحسان، خلقن لأزواج كرام ".

حديث عبد الله بن أبي أوفى، وهو حديث غريب جدا

قال الحافظ أبو نعيم محمد بن جعفر بن أصيلة، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا يونس بن محمد المؤدب، حدثنا الوليد بن أبي ثور، حدثني سعد الطائي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن ابن أبي أوفى، قال: قال رسول الله : "يزوج كل رجل من أهل الجنة أربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف أيم، ومائة حوراء، فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات حسان لم يسمع الخلائق بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، طوبى لمن كان لنا وكنا له".

حديث ابن عمر

قال الطبراني: حدثنا أبو رفاعة عمارة البصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا نموت، نحن الآمنات فلا نخاف، نحن المقيمات فلا نظعن".

حديث أبي أمامة

قال جعفر الفريابي: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا خالد بن زيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة، عن رسول الله قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه ورجليه ثنتان من الحور العين، يغنيانه بأحسن صوت يسمعه الإنس والجن، وليس بمزامير الشيطان".

وقال ابن وهب: حدثني سعيد بن أبي أيوب، قال: قال رجل من قريش لابن شهاب: هل في الجنة سماع؟ فإنه حبب إلي السماع، فقال: إي والذي نفس ابن شهاب بيده: إن في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد، تحته حور ناهدات يتغنين بالقرآن ويقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت، فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فأعجبت بصوت صفقه الجواري، فلا يدرى، أ أصوات الجواري أحسن، أم أصوات الشجر"؟ قال ابن وهب: حدثنا الليث عن خالد بن يزيد؟ أن الجواري يغنين أزواجهن فيقلن، نحن الخيرات الحسان، أزواج شباب كرام، ونحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، في صدر إحداهن مكتوب: أنت حبي، وأنا حبك، لم تر عيناي مثلك".

وقال ابن المبارك: حدثني الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير: أن الحور العين يتلقين أزواجهن عند باب الجنة فيقلن: طالما انتظرناكم، نحن الراضيات فلا نسخط، والمقيمات فلا نظعن، والخالدات فلا نموت: بأحسن أصوات سمعت.

وتقول الحورية لزوجها: "أنت حبي وأنا حبك، ليس دونك مقصد ولا وراءك معدل".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن سعيد، حدثني علي بن عاصم، حدثني سعيد بن أبي سعيد، قال: حدثنا أن في الجنة آجاما من قصب من ذهب، حملها اللؤلؤ، فإذا اشتهى أهل الجنة أن يسمعوا صوتا، بعث الله على تلك الآجام ريحا، فتأتيهم بكل صوت يشتهونه.

فرع آخر أعلى من الذي قبله

ذكر حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، وحجاج بن الأسود، عن شهر بن حوشب، قال: إن الله عز وجل يقول لملائكته: "إن عبادي كانوا يحبون الصوث الحسن في الدنيا، ويدعونه من أجلي، فأسمعوا عبادي: فيأخذون بأصوات، من تهليل، وتسبيح، وتكبير، لم يسمعوا بمثلها قط.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني داود بن عمرو الضبي، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن مالك بن أنس، عن محمد بن المنكدر، قال: "إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك، ثم يقول للملائكة: أسمعوهم تحميدي وتمجيدي".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا دهيم بن الفضل القرشي، حدثنا داود بن الجراح: عن الأوزاعي، قال: "بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل، فيأمره الله فيأخذ في الاسماع، فلا يبقى ملك في السموات إلا قطع عليه صلاته، فيمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، فيقول الله عز وجل: وعزتي لو تعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري".

وحدثني محمد بن الحسين، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، حدثنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، في قوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب".

قال: "إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فوضع في الجنة، ثم نودي: يا داود مجدني بذلك الصوت الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا، قال: فيرتفع صوت داود، يعم أهل الجنة، فذلك قوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب".

وهو سماعهم كلام الرب جل جلاله إذا خاطبهم في المجامع التي يجتمعون لها بين يديه- تعالى وتقدس- ليخاطب كل واحد، ويذكره بأعماله التي سلفت منه في الدنيا، وكذلك إذا تجلى لهم جهرة فسلم عليهم، وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى: "سلام قولا من رب رحيم".

وقد سبق حديث جابر في ذلك في سنن ابن ماجه وغيره.

وقد ذكر أبو الشيخ الأصبهاني: من طريق صالح بن حبان، عن عبد الله بن بريدة: قال: "إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار- جل جلاله- فيقرأ عليهم القرآن، وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه، على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد، فلم تقر أعينهم بشيء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى رحالهم بأعين قريرة، وأعينهم إلى مثلها من الغد".

وروى أبو نعيم: من حديث حسن بن فرقد السبخي، عن أبيه، عن الحسن، عن أبي برزة الأسلمي، مرفوعا: "إن أهل الجنة ليغدون في حلة ويروحون فى أخرى، كغدو أحدكم ورواحه إلى ملك من ملوك الدنيا، كذلك يغدون ويروحون إلى زيارة ربهم عز وجل، وذلك لهم بمقادير ومعالم، يعلمون تلك الساعة التي يأتون فيها ربهم عز وجل".

ذكر خيل الجنة

قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا المسعودي، عن عقبة بن علقمة بن خديج، عن سليمان بن أبي بريدة، عن أبيه أن رجلا سأل. رسول الله فقال: يا رسول الله: هل في الجنة من خيل؟ فقال: "إن الله إذا أدخلك الجنة فإنك لا تشاء أن تحمل فيها على فرس، إلا حملت على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك فى الجنة حيث شئت". قال: وسأله رجل: فقال: يا رسول الله، إني رجل حببت إلى الخيل، فهل في الجنة خيل؟ فقال رسول الله : "والذي نفسي بيده إن في الجنة لخيلا وإبلا هفافة مرهفة تسير خلال ورق الجنة، يتزاورون عليها حيث شاءوا".

وقال الترمذي: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، حدثنا أبو معاوية بن واصل بن السائب، عن أبي سورة، عن أبي أيوب قال: أتى النبي أعرابي فقال: يا رسول الله: إني أحب الخيل، أفي الجنة خيل؟ فقال رسول الله : "إذا دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة، له جناحان فحملت عليه، ثم طار بك حيث شئت".

ثم ضعف الترمذي هذا الإسناد من جهة أبي سورة ابن أخي أبي أيوب، فإنه قد ضعفه غير واحد، واستنكر البخاري حديثه هذا، والله أعلم.

قال القرطبي: وذكر ابن وهب، حدثنا ابن يزيد، قال الحسن البصري يذكر عن رسول الله : "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي يركب في ألف ألف من خدمه من الولدان المخلدين على خيل من ياقوت أحمر لها أجنحة من ذهب. ثم تلا قوله تعالى: "وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا".

قلت: فيه انقطاع بين عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف- وبين الحسن، ثم هو مرسل.

وروى أبو نعيم: من طريق جابر بن نوح، عن واصل بن السائب، عن أبي سورة، عن أبي أيوب مرفوعا: "إن أهل الجنة ليتزاورون على نجائب بيض كأنها الياقوت، وليس في الجنة بهائم إلا الخيل والإبل".

وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا همام، عن قتادة، عن عبد الله بن عمر، قال: "في الجنة عتاق الخيل، وكرام النجائب، يركبها أهلها".

وهذه الصيغة لا تدل على الحصر كما دلت عليه رواية أبي نعيم في حديث أبي أيوب ثم هو معارض بما رواه ابن ماجه في سننه، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: "الشاة من دواب الجنة" وهذا منكر.

وفي مسند البزار، عن النبي قال: "أحسنوا إلى المعزى، وأميطوا عنها الأذى، فإنها من دواب الجنة".

وقال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا القاسم بن زكريا، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا مروان بن معاوية، عن الحكم بن أبي خالد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله، عن النبي قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، جاءتهم خيول من ياقوت أحمر لها أجنحة، لا تبول، ولا تروث، فقعدوا عليها، ثم طارت بهم في الجنة. فيتجلى لهم الجبار، فإذا رأوه، خروا له سجدا، فيقول لهم الجبار: ارفعوا رؤوسكم فإن هذا اليوم ليس بيوم عمل، إنما هو يوم نعيم، وكرامة، فيرفعون رؤوسهم، فيمطر الله عليهم طيبا، ثم تمر بهم على كثبان المسك، فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا، فتهيجها عليهم، حتى إنهم ليرجعون إلى أهلهم، وإنهم لشعث غبر".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الفضل بن جعفر، حدثنا جعفر بن بشر، حدثنا أبي، عن الحسن بن علي، عن علي، سمعت رسول الله يقول: "إن في الجنة لشجرة، يخرج من أعلاها ومن أسفلها خيل من ذهب، مسرجة، ملجمة، من در، وياقوت، لا تروث ولا تبول، لها أجنحة، خطوها مد بصرها، يركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا، ويقول الذين أسفل منهم درجة، بم بلغ عبادك هذه الكرامة كلها؟ فيقول لهم: كانوا يصلون الليل، وكنتم تنامون، وكانوا يصومون، وكنتم تأكلون، وكانوا ينفقون، وكنتم تبخلون، وكانوا يقاتلون، وكنتم تخشون".

ذكر زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا واجتماعهم وتذاكرهم أمورا كانت منهم في الدنيا من طاعات وزلات

قال الله تعالى: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا سعد بن دينار، عن الربيع، عن صبيح، عن أنس، قال: قال رسول الله : "إذا دخل أهل الجنة، واشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض، يسير سرير هذا إلى سرير هذا، حتى يجتمعا جميعا، فيقول أحدهما لصاحبه: أتعلم متى غفر الله لنا؟ فيقول صاحبه: كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا".

وقال تعالى: "فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين "يقول أئنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون، قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون". وهذا الفوز، يشمل الجني، والإنسي. يقول: كان يوسوس إلي بالكفر واستبعاد أمر المعاد، فبرحمة الله نجوت منه، ثم أمر أصحابه ليطلعوا على النار، فرآه في غمراتها يعذب، فحمد الله على ما نجاه منه.

قال الله تعالى: "قال تالله إن كدت لتردين، ولولا نعمة ربي، لكنت من المحضرين". ثم ذكر الغبطة التي هو فيها، وشكر الله عليها وقال: "أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى، وما نحن بمعذبين"؟ أي إنا قد نجونا من الموت والعذاب، بدخولنا الجنة، إن هذا لهو الفوز العظيم وقوله: "لمثل هذا، فليعمل العاملون". يحتمل أن يكون من تمام مقالته، ويحتمل أن يكون من كلام الله عز وجل، لقوله: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". ولهذا نظائر كثيرة، قد ذكرنا بعضها في التفسير.

وذكر في أول البخاري: في كتاب الإيمان، في حديث حارثة بن سراقة، حين قال له رسولالله : "كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت مؤمنا بالله حقا، قال: فما حقيقة إيمانك؟ قال: صرفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يعذبون فيها، فقال: "عبد نور الله قلبه".

وقال سليمان بن المغيرة: عن حميد بن هلال: بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل منهم ولا يزور الأسفل الأعلى"

قلت: وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن صاحب الرتبة السافلة، لا يصلح له أن يتعداها، وليس فيه أهلية لذلك. الثاني: لئلا يرى فوق ما هو فيه من النعيم فيحزن لذلك، وليس في الجنة حزن، وقد ورد ما قاله حميد بن هلال في حديث مرفوع، وفيه زيادة على ما قال، فقال الطبراني: حدثنا الحسن بن إسحاق، حدثنا شريك بن عثمان. حدثنا المسيب بن شريك، عن بشر بن نمير، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: سئل رسول الله هل يتزاور أهل الجنة؟ فقال: "يزور الأعلى الأسفل ولا يزور الأسفل، الأعلى، إلا الذين يتحابون في الله يأتون منها حيث شاءوا على النوق، محتقبين الحشايا".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك، أن إسماعيل بن عياش قال: حدثني ثعلبة بن مسلم، عن أيوب بن بشير العجلي، عن شفي بن ماتع، أن رسول الله قال: "إن من نعيم الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والبخت، وأنهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة، لا تروث ولا تبول فيركبونها حتى ينتهوا إلى حيث شاء الله عز وجل، فيأتيهم مثل السحابة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فيقولون: أمطري علينا، فلا تزال تمطر عليهم حتى ينتهي ذلك، ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية، فتتسف كثبانا من مسك، عن أيمانهم، وعن شمائلهم، فيوجد ذلك المسك في نواصي خيلهم، وفي مفارقها، وفي رؤوسها، ولكل رجل منهم جهة على ما اشتهت نفسه، فيعلق المسك بهم، ويعلق بالخيل، ويعلق بما سوى ذلك من الثياب، ثم ينقلبون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله عز وجل، فإن المرأة تنادي بعض أولئك: يا عبد الله؟ أما لك فينا حاجة؟ فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا زوجتك، وحبك، فيقول: ما علمت بمكانك، فتقول أو ما علمت أن الله قال: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون". فيقول: بلى وربي، فلعله يشغل بعد ذلك الوقت، لا يلتفت، ولا يعود، ما يشغله عنها إلى ما هو فيه من النعمة والكرامة وهذا حديث مرسل غريب جدا.

وقال ابن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، حدثني ابن أنعم، عن أبي هريرة، قال: "إن أهل الجنة ليتزاورون على العيس الخور، عليها رحال المسك، على خياشمها غبار المسك، خطام- أو زمام- أحدها خير من الدنيا وما فيها".

وروى ابن أبي الدنيا: من طريق إسماعيل بن عياش، عن عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة، عن النبي أنه سأل جبريل عن هذه الآية: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله". فقال: هم الشهداء، يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فتأتيهم ملائكة من المحشر بنجائب من الياقوت الأبيض، برجال الذهب، أعنتها السندس، والإستبرق، ونمارق من الحرير، تمد أبصارها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على خيولهم يقولون عند طول النزهة: انطلقي بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه؟ فيضحك إليهم الله عز وجل، وإذا ضحك الله إلى عبد فلا حساب عليه". وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الهروي، حدثنا القاسم بن زيد الموصلي، حدثني أبو إياس، حدثني محمد بن علي بن الحسين.

وروى أبو نعيم: في حديث المعافى. بن عمران، حدثني: قال رسول الله : "إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، لو سخر الجواد الراكب أن يسير في ظلها لسار مائة عام، ورقها زمرد أخضر، وزهرها رياط صفر، وأفناؤها سندس، وإستبرق، وثمرها حلل، وصمغها زنجبيل، وعسل، و بطحاؤها ياقوت أحمر، وزمرد أخضر، وترابها مسك، وخشيشها زعفران، يفوح من غير وقود، ويتفجر من أصلها أنهار السلسبيل، والرحيق، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة، يألفونه، ويتحدث فيه جميعهم. فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها، إذا جاءتهم الملائكة يقودون نجائب من الياقوت، قد نفخ فيها الروح، مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها المصابيح، عليها رحائل ألواحها من الدر والياقوت، مفصصة باللؤلؤ والمرجان صفاقها من الذهب الأحمر، الملبس بالعبقري والأرجوان، فأناخوا إليهم بتلك النجائب، وقالوا لهم: إن ربكم يقرئكم السلام، ويستزيركم، لينظر إليكم، و تنظروا إليه، وتحيوه، ويحييكم، وتكلموه، ويزيدكم من سعة فضله، إنه ذو رحمة واسعة، وفضل عظيم. فيتحول كل رجل منهم إلى راحلته، ثم ينطلقون صفا واحدا معتدلا، لا يفوت منه أحد أحدا، ولا تفوت أذن الناقة أذن صاحبتها، ولا ركبة الناقة ركبة صاحبتها ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرتها، ورحلت لهم عن طريقهم، كراهة أن ينثلم صفهم، أو يفرق بين الرجل ورفيقه. فإذا رفعوا إلى الجبار أسفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمة العظيم وقالوا: ربنا أنت السلام، ومنك السلام، ولك حق الجلال والإكرام فيقول لهم ربهم عز وجل: "إني السلام ومني السلام، ولي حق الجلال والإكرام، مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصتتي، ورعوا حقي، وخافوني بالغيب فكانوا مني على كل حال مشفقين". قالوا: وعزتك، وعلو مكانك، ما قدرناك حق قدرك، وما أدينا إليك كل حقك، فأذن لنا بالسجود لك. فيقول لهم ربهم: "إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة، وأرحت لكم أبدانكم، فطالما أنصبتم لي الأبدان، وأعنيتم لي الوجوه، فالآن أفضيتم إلي روحي، ورحمتي، وكرامتي، فسلوني ما شئتم، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم، ولكن بقدر رحمتي، وكرامتي، وطولي، وجلالي، وعلو مكاني، وعظمة شأني". فما يزالون في الأماني والعطايا، والموابه، حتى إن المقتصر في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم إفنائها". فيقول لهم الله عز وجل: "قد قصرتم في أمانيكم، ورضيتم بدون ما يحق لكم، لقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم، وألحقت بكم ذريتكم، ودونكم ما قصرت عنه أمانيكم".

وهذا مرسل ضعيف، غرب، وأحسن أحواله أن يكون من كلام بعض السلف، فوهم بعض رواته فجعله مرفوعا، وليس كذلك، والله أعلم.

باب جامع لأحكام تتعلق بالجنة ولأحاديث شتى

قال الله تعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء".

ومعنى هذا: أن الله تعالى يرفع درجة الأولاد في الجنة، إلى درجة الآباء، وإن لم يعملوا بعملهم، ولا ينقص الآباء من أعمالهم، حتى يجمع بينهم وبين بنيهم، في الجنة التي يستحقها الآباء، فيرفع الناقص حتى يساويه مع العالي، ليجمع بينهم في الدرجة العالية: لتقر أعينهم لاجتماعهم وارتفاعهم".

قال الثوري عن عمر بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "إن الله ليرفع ذرية المؤمن إلى درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقربهم عينة ثم قرأ: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بآيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء".

كذا رواه ابن جبير، وابن أبي حاتم في تفسيرهما عن الثوري موقوفا، وكذا رواه ابن جرير، عن شعبة، عن عمرو، عن سعيد، عن ابن عباس موقوفا، وروراه البزار في مسنده، وابن مردويه في تفسيره، من حديث قيس بن الربيع، عن عمرو عن سعيد، عن ابن عباس، عن النبي .

ورواية الثوري وشعبة أثبت، والله أعلم.

وروى ابن أبي الدنيا، من طريق الليث، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية قال: "هم ذرية المؤمن، يموتون على الإيمان، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم، ألحقوا بآبائهم، ولم ينقص الأباء من أعمالهم التي عملوا شيئا".

وقال الطبراني: حدثنا حسين بن إسحاق التستري، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، حدثنا: شريك، عن سالم الأقطش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي قال: "إذا دخل الرجل الجنة، سأل عن أبويه، وزوحته، وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به". وقرأ ابن عباس: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان".

وقال العوفي: عن ابن عباس، في هذه الآية: يقول الله تعالى: "والذين أدرك ذريتهم الإيمان، فعملوا بطاعتي، ألحقتهم بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار تلحق بهم".

هذا التفسير هو أحد أقوال العلماء في معنى الذرية، أهم الصغار فقط؟ أم يشمل الصغار والكبار؟ كقوله: "ومن ذريته داود وسليمان". وقال: "ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا". فأطلق الذرية على الصغار، كما أطلقها على الكبار.

وتفسير العوفي عن ابن عباس، يشملهما، وهو اختيار الواحدي وغيره، والله أعلم.

وهو محكي عن الشعبي، وأبي مخلد، وسعيد بن جبير، وإ براهيم النخعي وأبي صالح، وقتادة، والربيع بن أنس. هذا فضله ورحمته على الأبناء ببركة عمل الآباء.

فضل الله عز وجل على الآباء ببركة عمل الأبناء

فأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء، فقد قال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي عاصم بن النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب: أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك".

وهذا إسناد صحيح: ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، ولكن له شاهد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

فصل الجنة والنار موجودتان

والجنة والنار موجودتان الآن، معدتان لأصحابهما، كما نطق بذلك القرآن؟ وتواترت بذلك الأخبار عن رسول الله وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة، المستمسكين بالعروة الوثقى، وهي السنة المثلى إلى قيام الساعة، خلافا لمن زعم أن الجنة والنار لم يخلقا بعد، وإنما يخلقان يوم القيامة، وهذا القول صدر ممن لم يطلع على الأحاديث المتفق على صحتها في الصحيحين وغيرهما من كتب الإسلام المعتددة المشهورة بالأسانيد الصحيحة والحسنة، مما لا يمكن دفعه، ولا رده، لتواتره، واشتهاره.

وقد ثبت في الصحيحين: عن رسول الله : "أنه رأى الجنة والنار ليلة الإسراء".

وقال : "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب: أكل بعضي بعضا، فأذن لها في نفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الزمهرير، من بردها، وأشد ما تجدون في الحر، من فيحها، فإذا كان الحر فأبردوا بالصلاة".

وثبت في الصحيحين: من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أؤثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم دون غيرهم؟ فقال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع قدمه عليها، فتقول: قط قط، فهنالك تمتلىء، وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم من خلقه أحدا، وأما الجنة فينشىء الله لها خلقا". لفظ مسلم.

وثبت في الصحيحين: من طريق سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول هل من مزيد، حتى يضع الجبار فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط. بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل، حتى ينشىء الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة".

فأما ما وقع في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، عن النبي من أنه سبحانه وتعالى ينشىء للنار من يشاء، فيلقى فيها، فتقول: هل من مزيد؟ وإشكال هذه الرواية، فقد قال بعض الحفاظ: هذا غلط من بعض الرواة، وكأنه اشتبه عليه، فدخل عليه لفظ في لفظ فنقل هذا الحكم من الجنة إلى النار: والله أعلم.

قلت: فإن كان محفوظا فيحتمل أنه تعالى امتحنهم في العرصات كما يمتحن غيرهم ممن لم تقم عليه الحجة في الدنيا، فمن عصى منهم أدخله النار، ومن استجاب أدخله الجنة، لقوله تعالى: "وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا".

ولقوله تعالى: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما".

فصل في بعض صفات أهل الجنة وبعض صفات أهل النار

وقد ذكرنا فيما سلف صفة أهل الجنة حال دخولهم إليها، وقدومهم عليها، وأنهم يحول خلقهم إلى طول ستين ذراعا في عرض سبعة أذرع، وأنهم يكونون جردا مكحلين في سن أبناء ثلاث وثلاثين.

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هاشم، حدثنا صفوان بن صالح، حدثني داود بن الجراح العسقلاني، حدثنا الأوزاعي، عن هارون بن رئاب عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم، ستين ذراعا بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى، ثلاث وثلاثين، وعلى لسان محمد".

وروى داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "لسان أهل الجنة عربي".

وروى البيهقي: من طريقين فيهما ضعف: عن أبي كريمة المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "ما من أحد من الناس يموت سقطا ولا هرما أو فيما بين ذلك، إلا بعث ابن ثلاثين. وفي رواية- ثلاث وثلاثين- سنة فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة وصورة يوسف، وقلب أيوب، مردا مكحلين، ومن كان من أهل النار عظموا وفخموا كالجبال".

وفي رواية: "حتى تصير جلدة يد أحدهم أربعين ذراعا وحتى يصير ناب من أنيابه مثل أحد".

وثبت: "أن أهل الجنة يأكلون، ويشربون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، وإنما ينصرف طعامهم بأنهم يعرقون عرقا، له رائحة كرائحة المسك الأذفر، وأنفاسهم تحميد وتكبير، وتسبيح".

وثبت: "أن أول زمرة منهم على صورة القمر، ثم الذين يلونهم في البهاء كأضواء كوكب دري في السماء، وأنهم يجامعون، ولا يتناسلون، ولا يتوالدون، إلا ما يشاؤون، وأنهم لا يموتون، ولا ينامون، لكمال حياتهم بكثرة لذاتهم، وتوالي طعامهم وشرابهم، وكلما ازدادوا خلودا ازدادوا حسنا، وجمالا، وشبابا، وقوة، وكمالا، وازدادت لهم الجنة حسنا، وبهاء، وطيبا، وضياء، وكانوا أرغب فيها، وأحرص عليها، فكانت لهم أعز وأغلى وألذ، وأحلى، قال الله تعالى: "خالدين فيها لا يبغون عنها حولا".

وقد ذكرنا: أن أول من يدخل الجنة من بني آدم على الإطلاق هو رسول الله وهو أعلاهم منزلة، وأن أول من يدخلها من الأمم أمته، وأول من يدخل من هذه الأمة، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتقدم، أن أفراد هذه الأمة يكثرون في الجنة، وأنهم فيها يعدلون ثلثي أهل الجنة، كما تقدم: "أهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الأمة ثمانون صفا".

يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة

وفي المسند، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، من حديث محمد بن عمرو: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعا: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسمائة عام". وإسناده على شرط مسلم.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

وروى الطبراني: من حديث الثوري، عن محمد بن زيد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، مرفوعا، مثله.

وروى الترمذي: من طريق الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، مرفوعا، مثله، ثم حسنه.

والذي رواه مسلم: من طريق أبي عبد الرحمن الجعلي، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا".

وروى الترمذي: عن جابر بن عبد الله، مرفوعا، مثله، وصححه. وله: عن أنس أيضا، نحوه، واستغربه.

قلت: وإن كان الأول محفوظا، فيكون باعتبار أول الفقراء وآخر الأغنياء، والله أعلم.

أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار

وروى الإمام أحمد: عن إسماعيل بن علية، وأبو بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، كلاهما عن هشام الدستوري، عن يحيى بن أبي كثير، عن عامر العقلي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار، قال: فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة: فشهيد، وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه، وفقير متعفف، ذو عيال، وأما أول ثلاثة يدخلون النار: فأمير مسلط، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله من ماله، وفقير فخور".

ورواه الترمذي: من طريق ابن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، وقال: حسن، ولم يذكر الثلاثة من أهل النار.

وثبت في صحيح مسلم: عن عياض بن حماد المجاشعي، عن النبي ، أنه قال: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى، ومسلم عفيف متعفف ذو عيال، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع- وإن دق- إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل- أو الكذب- والشنظير الفحاش".

وثبت في الصحيحين: من حديث سفيان الثوري، وشعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة بن وهب، عن النبي ، قال: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ متكبر".

وقال أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله، أخبرنا موسى بن علي بن رباح، سمعت أبي يحدث، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله قال: "أهل النار كل جعظري جواظ، مستكبر، جماع، مناع، وأهل الجنة الضعفاء، المغلوبون".

وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو هلال الراسي، حدثنا عقبة بن نبيت، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع". وكذا رواه ابن ماجه: من حديث مسلم بن إبراهيم.

وقال القاضي أبو عبيد علي بن الحسين، حدثنا محمد بن صالح، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "أخبركم برجالكم من أهل الجنة: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا الله في الجنة، ونساؤكم من أهل الجنة، العؤود الولود، التي إذا غضب زوجها جاءت حتى تضع يدها عليه: ثم تقول: لا أذوق غمضا حتى ترضى".

وروى النسائي بعضه من حديث خلف بن خليفة، عن أبي هاشم، عن يحيى بن دينار، به.

وتقدم في الأحاديث الصحيحة: عن رسول الله ، قال: "أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء".

الحمادون لله عز وجل في السراء والضراء هم أول من يدعى يوم القيامة لدخول الجنة

وتقدم الحديث الوارد من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد، عن ابن عباس: مرفوعا: "أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء".

فصل في أمة محمد عليه السلام أكثر أهل الجنة عددا وأعلاهم مكانا ومكانة

هذه الأمة أكثر أهل الجنة، وأغناهم فيها، وأعلاهم منازل، وهم صدورها كما قال الله تعالى في صفة المقربين: "ثلة من الأولين وقليل من الآخرين". وقال في صفة أهل اليمين: "ثلة من الأولين وثلة من الآخرين".

وثبت في الصحيحين: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم تحت الشمس- أو السماء- ينذرون ولا يفون، ويشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون".

الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة

وخيار الأمة، الصدر الأوائل من الصحابة، كما قال ابن مسعود: "فمن كان منكم مقتديا فليقتد بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد، آمن هذه الأمة قلوبا، وأعظمها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، فاعرفوا لهم قدرهم، واقتدوا بهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".

بعض الآثار الواردة في دخول أعداد كبيرة من هذه الأمة إلى الجنة بغير حساب

وتقدم أن هذه الأمة يدخل منهم إلى الجنة سبعون ألفا بغير حساب، وفي صحيح مسلم: "مع كل ألف سبعون ألفا".

وفي ر واية أحمد: "مع كل واحد سبعون ألفا". وإليك ذكر الحديث: وإشارة إلى طرقه وألفاظه.

سبقك بها عكاشة

ثبت في الصحيحين: من حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر". فقام عكاشة بن محصن الأسدي يدفع نمرة فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا له رسول الله أن يجعله الله منهم. فقام رجل من. الأنصار فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله : "سبقك بها عكاشة".

ولهما من رواية أبي حازم: عن سهل بن سعد، مثله.

ولهما من رواية حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ، قال: "عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل، والرجلان، والنبي ليس معه أحد، فرفع سواد، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب.

وفيه: "هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون". فقام عكاشة، فذكره.

ولمسلم من طريق محمد بن سيرين، وعمران بن الحصين، عن النبي قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، ولا عذاب، قيل من هم؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".

ولمسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، نحوه..

وروى عاصم عن رزين بن مسعود، نحوه. وإسناده على شرط مسلم بن الحجاج.

وقال هشام بن عمار خطيب دمشق: وأبو بكر بن أبي شيبة، واللفظ له. أخبرنا إسماعيل بن عباس: أخبرني محمد بن زياد الألهاني، سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل".

وكذا رواه أبو بكر بن عاصم: عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي سليم بن عامر، عن أبي اليمان عامر بن عبد الله بن يحيى الهوزي، عن أبي أمامة، فذكرمثله.

وروى الطبراني: من حديث عامر بن سعد البجلي، عن عتبة بن عبد السلمي، عن النبي مثله..

وروى الطبراني: من طريق أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، مثله... ولم يذكر ثلاث حثيات...

وله: من حديث قيس الكندي، عن أبي سعيد الأنصاري، مثله- بذكر الحثيات- وقد قدمنا بقية طرقه بألفاظها.

فصل في بيان وجود الجنة والنار وأنهما مخلوقان خلافا لمن زعم خلاف ذلك من أهل البطلان

قال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين".

وقال تعالى: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".

وقال تعالى: "واتقوا النار التي أعدت للكافرين".

وقال في حق آل فرعون: "النار يعرضون عليها عدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب".

وقال تعالى: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".

وثبت في الصحيحين: عن أبي هريرة، عن النبي ، أنه قال: "يقول الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا من بله ما أطلعتم عليه؟ ثم قرأ: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين".

وفي الصحيحين: من حديث مالك: أن رسول الله قال: "إن أحدكم إذا مات، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، فقيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".

وفي صحيح مسلم: عن أبي مسعود: "أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في العرش".

وروينا من حديث الإمام أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أن رسول الله قال: "إنما نسمة المؤمن في طائر معلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم يبعثه". وتقدم الحديث المتفق عليه: من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال.: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".

وذكر الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: "لما خلق الله الجنة قال يا جبريل: اذهب فانظر إليها" الحديث.

وتقدم الحديث الآخر: "لما خلق الله الجنة، قال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون".

وفي الصحيحين: عن أبي هريرة، وعند مسلم: عن أبي سعيد، عن النبي قال: "تحاجت الجنة والنار" الحديث.

وفيهما: عن ابن عمر، مرفوعا: "الحمى من فيح جهنم".

وفيهما: عن أبي ذر، مرفوعا: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وفي الصحيحين: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار".

وقد ذكرنا في حديث الإسراء: أن رسول الله رأى الجنة والنار ليلتئذ.

وقال الله تعالى: "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى".

وقال في صفة سدرة المنتهى: "إنه يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان، وذكر الباطنين في الجنة".

وفي الصحيحين: "ثم أدخلت الجنة، فإذا جنادل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".

وفي صحيح مسلم: من طريق قتادة، عن أنس، عن رسول الله ، قال: "بينا أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك".

وفي مناقب عمر أنه قال: "أدخلت الجنة فرأيت جارية تتوضأ عند قصر، فقلت: لمن أنت؟ قالت لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فذكرت غيرتك". فبكى عمر وقال: أو عليك أغار يا رسول الله"؟ والحديث في الصحيحين، عن جابر.

وقال لبلال: "دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك بين يدي في الجنة، فأخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فقال: ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي".

وأخبرني عن الرميصاء أنه رآها في الجنة". أخرجاه عن جابر بن عبد الله.

وأخبر في يوم صلاة الكسوف: "أنه عرضت عليه الجنة والنار، وأنه دنت منه الجنة، وأنه هم أن يأخذ منها قطفا من عنب. ولو أخذ ثمة لأكلتم منه ما بقيت الدنيا".

وفي الصحيحين: من طريق الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "رأيت عمرو بن عامر بن الخزاعي ابن قمعة بن خندف أخا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار".

وقال في الحديث الآخر: "ورأيت فيها صاحب المحجن".

وقال رسول الله : "دخلت امرأة النار، في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". ولقد رأيتها تحمشها".

وأخبر عن الرجل الذي ينحي غصن شوك عن طريق المارة. فقال: "فلقد رأيته يستظل به في الجنة".

وفي الحديث: في صحيح مسلم: عن أبي هريرة بلفظ أخر.

وفي الصحيحين: عن عمران بن حصين، أن رسول الله قال: "أطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء".

وفي صحيح مسلم: من طريق المختار بن فلفل المخزومي، عن أنس، عن رسول الله قال: "والذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، قالوا: يا رسول الله فما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار".

وأخبر أن المتوضىء إذا تشهد بعد وضوئه فإنه تفتح له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء".

وفي صحيح البخاري: من حديث شعبة، عن عدي بن حاتم، عن البراء بن عازب، قال: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله قال: "إن له لمرضعا في الجنة".

وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الأصم، حدثنا ابن عباس الرملي، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن الأصبهاني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "أولاد المؤمنين في جبل في الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة".

وكذا رواه وكيع: عن سفيان- وهو الثوري- والأحاديث في هذا كثيرة جدا، وقد أوردنا كثيرا منها بأسانيدها ومتونها فيما تقدم.

وقال الله تعالى: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة".

والجمهور على أن هذه الجنة جنة المأوى، وذهب طائفة آخرون إلى أنها جنة في الأرض، خلقها الله تعالى له، ثم أخرجه منها.

وقد ذكرنا ذلك مبسوطا في قصة آدم، من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته، وبالله المستعان.

وثبت في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله قال: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا".

كذا روى الترمذي: من حديث جابر، وصححه أنس واستغربه.

وللترمذي من حديث أبي هريرة، وصححه، وأ بي سعيد، وحسنه: "بنصف يوم، خمسمائة عام".

قلت: فإن كان محفوظا- كما صححه الترمذي- فتحصل أن ذلك باعتبار أول دخول الفقراء، وآخر الأغنياء، ويكون الأربعون خريفا، باعتبار ما بين دخول آخر الفقراء، وأول الأغنياء، والله أعلم.

وقد أشار إلى ذلك القرطبي في التذكرة حيث قال: "وقد يكون ذلك باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء" يشير الى ما ذكرناه.

قال الزهري: "كلام أهل الجنة عربي، وبلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة بالسريانية، فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية".

فصل في المرأة تتزوج في الدنيا بأزاواج وتكون في الجنة لمن كان في الدنيا أحسنهم خلقا

ذكر القرطبي في التذكرة: من طريق وهب، عن مالك، أن أسماء بنت أبي بكر شكت زوجها الزبير إلى أبيها فقال: "يا بنية، اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله يكون زوجك في الجنة". وقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر المرأة، تزوجها في الجنة.

وقال أبو بكر بن العربي: هذا حديث غريب.

وقد روي عن أبي الدرداء، وحذيفة بن اليمان. أن المرأة تكون لآخر أزواجها في الدنيا، وجاء: أنها تكون لأحسنهم خلقا.

قال أبو بكر النجاد: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن شاكر، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار، حدثنا يسار بن هارون، عن حميد بن أنس، أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله: المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا، فلأيهما تكون؟ فقال: "لأحسنهما خلقا كان معها في الدنيا".

ثم قال: "يا أم حبيبة: ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" .

وقد روي عن أم سلمة، نحو هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإليه المرجع والمآب.

.... انتهى بفضل الله وكرمه ....