الوسيط في المذهب/الجزء الثالث

​الوسيط في المذهب​ المؤلف أبو حامد الغزالي


بسم الله الرحمن الرحيم

= كتاب الْعدَد = وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام عدَّة الطَّلَاق وعدة الْوَفَاة وعدة الإستبراء فِي ملك الْيَمين أما عدَّة الطَّلَاق فَفِيهَا بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي عدَّة الْحَرَائِر وَالْإِمَاء وأصناف المعتدات وأنواع عدتهن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع الْأَقْرَاء وَالْأَشْهر وَالْحمل فالحرة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء إِذا طلقت بعد الْمَسِيس ومقصود هَذِه الْعدة بَرَاءَة الرَّحِم وَلَكِن يَكْتَفِي بِسَبَب الشّغل وَلَا يشْتَرط عينه لِأَن ذَلِك خَفِي لَا يطلع عَلَيْهِ وَلذَلِك تجب الْعدة بِوَطْء الصَّبِي وبمجرد تغييبه الْحَشَفَة وَحَيْثُ علق طَلاقهَا بِيَقِين بَرَاءَة الرَّحِم وَمن دأب الشَّرْع فِي مظان التباس الْمعَانِي الْمَقْصُودَة ربط الْأَحْكَام بالأسباب الظَّاهِرَة كَمَا علق الْبلُوغ بالاحتلام وَالسّن لخفاء الْعقل وعلق الْإِسْلَام بكلمتي الشَّهَادَة مَعَ الْإِكْرَاه لخفاء العقيدة وَاعْلَم أَن الْحرَّة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء وَالْأمة تَعْتَد بقرأين لِأَن الْقُرْء الْوَاحِد لَا

ينتصف فيكمل وَلَو عتقت قبيل الطَّلَاق فَهِيَ كَالْحرَّةِ وَإِن عتقت فِي الْقُرْأَيْنِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تستكمل إِذْ عتقت قبل الْفَرَاغ وَالثَّانِي لَا بل ينظر إِلَى حَالَة الْوُجُوب فيكفيها قرءان وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن كَانَت رَجْعِيَّة عدلت إِلَى عدَّة الْحَرَائِر وَإِن كَانَت بَائِنَة قنعت بقرأين فرع إِذا وطىء أمة على ظن أَنَّهَا حليلته الْحرَّة اعْتدت بِثَلَاثَة أَقراء على وَجه لِأَن للظن أثرا فِي الْعدة وعَلى وَجه يكفيها قرءان نظرا إِلَى حَقِيقَة الْحَال وَلَو وطىء حرَّة على ظن أَنَّهَا امة فَلَا خلاف أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء لِأَن الظَّن يُؤثر فِي الإحتياط وَاعْلَم أَن النسْوَة أَصْنَاف الْمُعْتَادَة والمستحاضة وَالَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا فِي أَوَان الْحيض وَالصَّغِيرَة والآيسة

الصِّنْف الأول الْمُعْتَادَة وعدتها ثَلَاثَة أَقراء على الْعَادة والأقراء هِيَ الْأَطْهَار عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هِيَ الْحيض وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ وَاسْتشْهدَ كل فريق بِدلَالَة وَالَّذِي صَحَّ عِنْد الْمُحَقِّقين أَن الشواهد متعارضة وَأَن الْقُرْء فِي اللُّغَة مُشْتَرك بَين الطُّهْر وَالْحيض كالجون مُشْتَرك بَين الضَّوْء والظلمة وَقد قَالَ الشَّاعِر ... لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء نسائكا

وَإِنَّمَا يضيع الطُّهْر وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك وَهِي أَيَّام الْحيض لَو كن تعلق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} فَقَالَ الْأَمر يتَنَاوَل الطَّلَاق السّني وَهُوَ الَّذِي فِي الطُّهْر فَيَنْبَغِي أَن يستعقب الإحتساب بالعدة وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذا طلقت فِي الطُّهْر لم تحتسب بَقِيَّة الطُّهْر كَمَا أَنَّهَا لَو طلقت فِي الْحيض لم تحتسب عندنَا مُدَّة الْحيض وَيشْهد لَهُ أَن مَقْصُود الْعدة الْعُزْلَة عَن الزَّوْج وَلَقَد كَانَت فِي مُدَّة الْحيض معتزلة فِي صلب النِّكَاح فجدير أَن يكون الطُّهْر هُوَ ركن الْعدة فَنَقُول لَو قَالَ أَنْت طَالِق قبيل آخر جُزْء من الطُّهْر فالجزء الْأَخير يحْسب قرءا وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول آخر أَن الْقُرْء هُوَ الإنتقال من الطُّهْر إِلَى الْحيض فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يجمع لكَون الإسم مُطلقًا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ولانه يُقَال قَرَأَ

النَّجْم إِذا طلع وَقَرَأَ إِذا عزب وَهُوَ مشْعر بالإنتقال والجديد هُوَ الأول وَتظهر فَائِدَة الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي آخر جُزْء من الطُّهْر حصل بالإنتقال قرء على هَذَا القَوْل وَلم يحصل على الْجَدِيد بل لَا بُد من ثَلَاثَة أطهار بعد الطَّلَاق وَهَذَا فِي طهر محتوش بدمين أما طهر الصَّغِيرَة هَل هُوَ قرء فِيهِ خلاف من حَيْثُ إِنَّه طهر وَلَكِن لم يتقدمه حيض فعلى هَذَا لَو طلق الصَّغِيرَة فَحَاضَت قبل الْأَشْهر فعلَيْهَا ثَلَاثَة أطهار بعد الْحيض وَلَو قَالَ للصغيرة أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل قرء طَلْقَة وَقعت فِي الْحَال وَاحِدَة إِن قُلْنَا إِنَّه قرء وَإِلَّا فَلَا يَقع حَتَّى تطهر بعد الْحيض وَكَذَلِكَ يظْهر أثر الْخلاف فِي دَعْوَاهَا انْقِضَاء الْعدة وَمُدَّة الْإِمْكَان فِيهِ وَمِمَّا لَا بُد من التنبه لَهُ أَن الطُّهْر الْأَخير إِنَّمَا يتَبَيَّن كَمَاله بِالشُّرُوعِ فِي الْحيض الَّذِي بعده وَالظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي بلحظة وَاحِدَة وَنقل الْبُوَيْطِيّ رَحمَه الله عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى يتَبَيَّن أَنه لَيْسَ بِدَم فَسَاد وَمن الْأَصْحَاب من حمل ذَلِك على الإحتياط وَقطع النّظر باللحظة وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن رَأَتْ على الْعَادة فاللحظة تَكْفِي وَإِن رَأَتْ قبل ذَلِك فَلَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ لَا خلاف أَنه لَيْسَ من الْعدة وَإِنَّمَا هُوَ للتبيين الصِّنْف الثَّانِي المستحاضات

وَلها ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن كَون مُمَيزَة أَو حافظة للْعَادَة وَالْوَقْت فَترد إِلَى التَّمْيِيز أَو الْعَادة وَلَا يخفى أمرهَا فَإِن كَانَت مُبتَدأَة أَو ناسية للْعَادَة وَالْوَقْت فيكتفي مِنْهَا بِثَلَاثَة أشهر إِذْ الشَّهْر الْوَاحِد يَدُور فِيهِ الْحيض وَالطُّهْر غَالِبا ثمَّ إِن طلقت فِي آخر الشَّهْر يكفيها ثَلَاثَة أشهر بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ فِي وسط الشَّهْر فَكَانَ الْبَاقِي أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا يكفيها بَقِيَّة الشَّهْر وشهران بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ أقل فَفِيهِ خلاف لأجل اضْطِرَاب النَّص وَمن لَا يحْتَسب بِهِ يَقُول يحْتَمل أَن يكون جَمِيع بَقِيَّة الشَّهْر حيضا وَمن يحْتَسب يَقُول أَن الطُّهْر يَقع آخر الشَّهْر وَالْحيض مَعَ أول الشَّهْر حَتَّى قَالُوا يحْسب بَقِيَّة الشَّهْر قرءا وَإِن لم يبْق إِلَّا يَوْم وَلَيْلَة وَهَذَا تحكم يُخَالف الْوُجُود فَإِن قيل على قَول الإحتياط فِي الْمُسْتَحَاضَة لم يكتف بِثَلَاثَة أشهر وَيحْتَمل أَن يزِيد الطُّهْر على ثَلَاثَة أشهر فَلم لَا يحْتَاط فِي الْعدة قُلْنَا ذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنَّهَا تُؤمر بالإحتياط والتربص إِلَى سنّ الْيَأْس أَو أَربع سِنِين أَو تِسْعَة أشهر كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْحيض وَهُوَ مُتَّجه إِذْ الِاحْتِيَاط للنِّكَاح أهم وَلَكِن رُبمَا يفرق بِأَن حكم الْعِبَادَات مَقْصُور عَلَيْهَا وَالْعدة تَقْتَضِي السُّكْنَى وَالرَّجْعَة فيبعد أَن تتمادى وَيُمكن أَن يُقَال لَا رَجْعَة وَلَا سُكْنى إِلَّا فِي ثَلَاثَة أشهر وَيبقى تَحْرِيم النِّكَاح تعبدا عَلَيْهَا وَلَكِن الضرار يعظم فِيهِ فَلذَلِك يبعد قَول الإحتياط هَا هُنَا من وَجه الصِّنْف الثَّالِث الصَّغِيرَة وعدتها بِالْأَشْهرِ إِلَى أَن تحيض وَلَا مبالاة برؤيتها

الدَّم قبل تَمام تسع سِنِين فَإِن ذَلِك لَيْسَ بحيض وَلَو طلقت فرأت الدَّم بعد مُضِيّ ثَلَاثَة أشهر فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإستئناف وَإِن كَانَ قبل تَمام الشَّهْر استأنفت الْعدة بِالْأَقْرَاءِ فَإِنَّهَا الأَصْل وَمَا مضى من الطُّهْر هَل يحْسب قرءا فعلى الْخلاف الْمَذْكُور فَأَما الآيسة إِذا حَاضَت فيحسب لَهَا بَقِيَّة الطُّهْر قرءا لِأَن طهرهَا محتوش بدمين وَإِن طَال بهَا الْعَهْد وَمهما انْكَسَرَ الشَّهْر الأول يتمم بِثَلَاثِينَ من الشَّهْر الْأَخير وَيَكْفِي شَهْرَان آخرَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَفِيه وَجه مثل مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه إِذا انْكَسَرَ شهر فقد انْكَسَرَ الْجَمِيع فَلَا بُد من تسعين يَوْمًا وَالْعدة بِالْأَشْهرِ لَا تكون إِلَّا فِي الصَّغِيرَة والأيسة وَهُوَ أحد نَوْعي الْعدة وَهَذَا كُله فِي الْحرَّة فَأَما الْأمة الْمَنْكُوحَة فَإِنَّهَا تَعْتَد بقرأين عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَن الْقُرْء لَا ينتصف كَمَا يملك العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَالْعدة بِالنسَاء فَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه تَعْتَد بِشَهْر وَنصف لِأَنَّهُ يقبل التجزئة وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بشهرين بَدَلا عَن الْقُرْأَيْنِ فَإِنَّهُمَا قد تأصلا فَلَا ينظر إِلَى السَّبَب

وَقد نَص فِي أم وَالْولد إِذا أعتقت على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يكفيها شهر وَاحِد بَدَلا عَن قرء وَاحِد فِي الإستبراء وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطبع من عَلامَة الْبَرَاءَة لَا يخْتَلف بِالرّقِّ فَيخرج من هَذَا قَول ثَالِث فِي الْمَنْكُوحَة أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر الصِّنْف الرَّابِع الَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا نظر فَإِن تَأَخَّرت حَيْضَتهَا من الصغر فَلم تَحض أصلا فعدتها بِالْأَشْهرِ لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {واللائي لم يحضن} وَإِن حَاضَت ثمَّ تَأَخّر إِن كَانَ بِمَرَض ظَاهر أَو رضَاع فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا تربص الْحيض أَو سنّ الْيَأْس فَعِنْدَ سنّ الْيَأْس تَعْتَد بِالْأَشْهرِ أما إِذا لم يكن الإنقطاع لعِلَّة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنَّهَا تصبر إِلَى سنّ الْيَأْس كَمَا إِذا كَانَ لعِلَّة لِأَن الْأَشْهر ورد فِي الْقُرْآن فِي اللائي لم يحضن واللائن يئسن من الْمَحِيض وَلَيْسَت من الْقسمَيْنِ وَلِأَن الْحيض لَا يَنْقَطِع إِلَّا لعِلَّة وَإِن خفيت وَفِي الْعلَّة تربص قطعا فَإِن فِيهِ مَذْهَب عُثْمَان وَزيد وَعلي رَضِي الله عَنْهُم فِي زَوْجَة حبَان بن منقذ فِي مثل هَذِه الْحَالة وَفِيه

أَيْضا مَذْهَب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا تستضر بِالصبرِ إِلَى سنّ الْيَأْس فتتربص تِسْعَة أشهر لتتبين عدم الْحمل ثمَّ تَعْتَد بعده بِثَلَاثَة أشهر للتعبد وَهُوَ قَول قديم قلد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ مَذْهَب عمر رضوَان الله عَلَيْهِ وَالْقَوْل الثَّالِث أَنَّهَا تَتَرَبَّص لنفي الْحمل أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَالْقَوْلَان الأخيران قديمان ويلتقيان على الْمصلحَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر ثمَّ ثَلَاثَة فَلَو فعلت ونكحت ثمَّ حَاضَت فَالنِّكَاح مُسْتَمر لاتصاله بِالْمَقْصُودِ وَلَو حَاضَت قبل تَمام التِّسْعَة بَطل التَّرَبُّص وانتقلت إِلَى الْأَقْرَاء وَإِن لم يعاودها وَجب عَلَيْهَا اسئتناف التِّسْعَة لِأَن مَا سبق كَانَ للإنتظار وَقد بَطل فَلَا يقنع حُصُول الْبَرَاءَة فَإِن التَّعَبُّد أغلب على الْعدة أما إِذا حَاضَت بعد الشُّرُوع فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة وَرَاء التِّسْعَة ثمَّ لم يعاودها الدَّم فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف التَّرَبُّص بالتسعة وَلَكِن مَا سبق من مُدَّة الْعدة فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة هَل تحسب حَتَّى

تبني عَلَيْهِ الْبَاقِي أَو تسْتَأْنف كَمَا تسْتَأْنف التِّسْعَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْبناء أَن الإنتظار هُوَ الَّذِي يبطل بطرآن الْحيض أما مَا وَقع الِاعْتِدَاد بِهِ من صلب الْعدة فَلَا التَّفْرِيع إِن أمرنَا باستئناف الْكل فَلَا كَلَام وَإِن قضينا بِالْبِنَاءِ فَفِي كيفيته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتم بِثَلَاثَة أشهر بِالْحِسَابِ وَالثَّانِي أَن مَا مضى يحْسب قرءا لِأَنَّهُ طَرَأَ الْحيض عَلَيْهِ ويكفيه شَهْرَان وَإِن لم يمض من الْأَشْهر قبل الْحيض إِلَّا يَوْم وَاحِد وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ جمع بَين الْبَدَل والمبدل فِي عدَّة وَاحِدَة وَهَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي الأبدال أما إِذا رَأَتْ الدَّم بعد مُضِيّ الْمَرَّتَيْنِ وَقبل النِّكَاح فالمنصوص أَنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن الْبَدَل لم يتَّصل بِالْمَقْصُودِ وَكَذَا تَتَرَبَّص فِي انْتِظَار الدَّم وَقد وجد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْحيض بعد الْفَرَاغ كالحيض بعد النِّكَاح فَلَا أثر لَهُ وكل هَذِه التفريعات جَارِيَة أَيْضا على قَوْلنَا إِنَّه تَتَرَبَّص أَربع سِنِين وَإِنَّمَا يخْتَلف الْمِقْدَار أما إِذا فرعنا على الْجَدِيد وَهُوَ التَّرَبُّص إِلَى سنّ الْيَأْس فَفِي سنّ الْيَأْس قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه أقْصَى مُدَّة يأس امْرَأَة فِي دهرها مِمَّا يعرف فِي الصرود والجروم الَّذِي يبلغ حَده فَإِن سَائِر الْعَالم لَا يُمكن طوفه وَالثَّانِي تعْتَبر نسَاء عشرتها من جَانب الْأُم وَالْأَب وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجْهَيْن ضعيفين أَحدهمَا النّظر إِلَى نسَاء الْعَصَبَات دون جَانب الْأُم كَمَا فِي مهر الْمثل وَالثَّانِي النّظر إِلَى نسَاء الْبَلدة لِأَن للهواء تَأْثِيرا فِيهِ فرع على هَذَا القَوْل لَو رَأَتْ الدَّم بعد الْوُصُول إِلَى سنّ الْيَأْس لَا يَخْلُو إِمَّا أَن ترى قبل مُضِيّ الْأَشْهر أَو بعْدهَا فَإِن كَانَ قبله انْتَقَلت إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن ذَلِك حيض بالإتفاق فَإِن لم يعاودها فترجع إِلَى الْأَشْهر وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تَعْتَد بِتِسْعَة أشهر ثمَّ بِثَلَاثَة أشهر لِأَن الْيَأْس قد بَطل بطرآن الْحيض وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يكفيها ثَلَاثَة أشهر فَإِنَّهَا الْآن آيسة إِذْ لم يعاودها الدَّم لَكِن نقطع على هَذَا القَوْل بِوُجُوب اسْتِئْنَاف تَمام الْأَشْهر الثَّلَاث دون الْبناء

لأَنا فِي هَذَا القَوْل نتشوف إِلَى الْيَقِين وَلَا يبْقى ذَلِك مَعَ طرآن الْحيض بِخِلَاف التَّفْرِيع على القَوْل الْقَدِيم أما إِذا رَأَتْ بعد الْأَشْهر فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن الْعدة بطلت سَوَاء رَأَتْ بعد النِّكَاح أَو قبله لِأَن مُطلق بِنَاء الْيَقِين على هَذَا القَوْل وَقد فَاتَ بِالْحيضِ وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ قبل النِّكَاح استأنفت الْأَشْهر وَإِن كَانَ بعد النِّكَاح فَلَا ينقص الحكم وَالثَّالِث أَنه لَا يجب الإستئناف فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَن الْأَشْهر قد تمت وَحصل الْحل فَلَا ينظر إِلَى مَا بعده ويلتفت هَذَا على الْخلاف فِي المعضوب إِذا حج عَنهُ ثمَّ زَالَ العضب نَادرا أَنه هَل يجب الإستئناف

النَّوْع الثَّانِي الْمُعْتَدَّة بِالْأَشْهرِ وَذَلِكَ فِي الصبية والآيسة وَقد ذَكرْنَاهُ

النَّوْع الثَّالِث عدَّة الْحَامِل وَفِيه فصلان الأول فِي شُرُوطه وَلَا تَنْقَضِي الْعدة إِلَّا بِوَضْع حمل تَامّ من الزَّوْج فهما شَرْطَانِ الأول أَن يكون من الزَّوْج أَو مِمَّن مِنْهُ الْعدة فَلَو مَاتَ الصَّبِي أَو فسخ نِكَاحه فَولدت زَوجته من الزِّنَا لم تنقض بِهِ الْعدة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ زَوْجَة الْمَمْسُوح وكل ولد منفي عَن الزَّوْج قطعا

أما الْحمل الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ فتنقضي الْعدة بِوَضْعِهِ لِأَن القَوْل فِي الْعدة قَوْلهَا وَهِي تَقول إِنَّه من الزَّوْج فرعان أَحدهمَا لَو قَالَ إِذا ولدت فَأَنت طَالِق فَولدت وشرعت فِي الْعدة فَأَتَت بِولد آخر بعد سِتَّة أشهر من الْولادَة الأولى فَفِي انْقِضَاء الْعدة بِهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا تَنْقَضِي لِأَنَّهُ منفي عَن الزَّوْج وَالثَّانِي تَنْقَضِي لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من وَطْء شُبْهَة من الزَّوْج بعد الْولادَة الأولى فَهُوَ كالمنتفي بِاللّعانِ وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن ادَّعَت وطئا مُحْتَرما على الزَّوْج بعد الْولادَة انْقَضتْ الْعدة وَإِن كَانَ القَوْل قَوْله فِي نفي الْوَلَد وَلَكِن الإحتمال لَا يَنْقَطِع بِهِ وَإِن لم تدع لم تنقض الثَّانِي إِذا نكح حَامِلا من الزِّنَا ثمَّ طَلقهَا وَهِي ترى الأدوار وَقُلْنَا إِن دم الْحَامِل دم فَسَاد فَلَا أثر لَهُ وَإِن قُلْنَا إِنَّه حيض فَهَل تَنْقَضِي الْعدة بِهِ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَن حمل الزِّنَا لَا يُؤثر فِي الْعدة فَينْظر إِلَى الْأَقْرَاء وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَقْرَاء تُؤثر حَيْثُ تدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا لَا يدل عَلَيْهِ فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد وضع الْحمل الشَّرْط الثَّانِي وضع الْحمل التَّام وَيخرج عَلَيْهِ ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت حَامِلا بتوأمين لَا تَنْقَضِي الْعدة بِوَضْع الأول حَتَّى تضع الثَّانِي وأقصى مُدَّة بَين التوأمين سِتَّة أشهر فَمَا جَاوز ذَلِك فَهُوَ حمل آخر الثَّانِيَة لَو انْفَصل بعض الْوَلَد لم تنقض الْعدة حَتَّى ينْفَصل بِكَمَالِهِ وَحكم الْمُنْفَصِل بعضه حكم الْجَنِين فِي الْغرَّة وَنفي الْإِرْث وتسرية الْعتْق إِلَيْهِ من الْأُم وَبَقَاء الرّجْعَة وَالْعدة والتبعية فِي الْهِبَة وَالْبيع وَغَيرهمَا وعزي إِلَى الْقفال أَنه إِذا صرخَ واستهل فقد تَيَقنا وجوده فَلهُ حكم الْمُنْفَصِل إِلَّا فِي الْعدة فَإِن بَرَاءَة الرَّحِم تحصل بانفصاله الثَّالِثَة لَو أجهضت جَنِينا ظهر عَلَيْهِ التخطيط وَالصُّورَة فَهُوَ تَامّ وتنقضي بِهِ الْعدة وَإِن كَانَت الصُّورَة بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهَا إِلَّا القوابل فَإِن كَانَت علقَة فَلَا حكم لَهَا إِذْ لَا نتيقن أَنه أصل الْوَلَد

وَإِن كَانَ لَحْمًا وَلم يظْهر عَلَيْهِ تخطيط للقوابل فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على انْقِضَاء الْعدة وَنَصّ على أَن الإستيلاد لَا يحصل بِهِ وَلَا غرَّة فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا بِأَن الْعدة فِي الْكتاب تتَعَلَّق بِوَضْع الْحمل وَهَذَا حمل والإستيلاد يتَعَلَّق بِالْوَلَدِ وَهَذَا لَيْسَ بِولد والغرة بدل مَوْلُود وَهَذَا لَيْسَ بمولود

الْفَصْل الثَّانِي فِي ظُهُور أثر الْحمل وَحَقِيقَته بعد الإعتداد بِالْأَقْرَاءِ وَفِيه مسَائِل الأولى الْمُعْتَدَّة بِالْأَقْرَاءِ إِذا ارتابت وتوهمت حملا بعد تَمام الْأَقْرَاء فَإِن كَانَت بِحَيْثُ يحكم فِي الظَّاهِر بِأَنَّهَا حَامِل فَيحرم عَلَيْهَا النِّكَاح وَلَو استشعرت ثقلا وتوهمت فَهِيَ المرتابة فَلَو نكحت قبل زَوَال الرِّيبَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُخْتَصر أَن النِّكَاح مَوْقُوف وَنَصّ فِي مَوضِع آخر أَنه بَاطِل فَمن أَصْحَابنَا من قطع بِالصِّحَّةِ إِذْ بَان الحيال لِأَنَّهُ بني على سَبَب ظَاهر وهوالعدة فَلَا أثر للتَّحْرِيم بريبة وَلَا أصل لَهَا وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَاخْتلفُوا فِي أَصله فَقيل إِن أَصله قولا وقف الْعُقُود كَمَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت وَقيل هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ غير مَبْنِيّ على أصل بل مأخذه الْقَوْلَانِ فِي أَن من شكّ فِي عدد الرَّكْعَات بعد الْفَرَاغ هَل يلْزمه التَّدَارُك وَهَذَا الْقَائِل يفرق بَين إِن شكّ قبل تَمام الْأَقْرَاء أَو بعده وَالْقَائِل الأول لَا يفرق

الثَّانِيَة إِذا اعْتدت بِالْأَقْرَاءِ وَلم تنْكح فَأَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الزَّوْج ألحق بِهِ وأقصى مُدَّة الْحمل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَربع سِنِين وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله سنتَانِ والأربع تحسب من وَقت الطَّلَاق إِن كَانَ بَائِنا وَإِن كَانَ رَجْعِيًا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا من وَقت الطَّلَاق وَالثَّانِي من وَقت انْقِضَاء الْعدة لِأَن الرَّجْعِيَّة فِي حكم زَوْجَة فعلى هَذَا لَو أَتَت بِولد لعشر سِنِين مثلا من وَقت الطَّلَاق لحق بِهِ لِأَن الْعدة يتَصَوَّر أَن تطول بتباعد الْمدَّة وَنحن نكتفي بالإحتمال وَمِنْهُم من استعظم هَذَا فَقَالَ لَا نزيد فِي الْعدة على ثَلَاثَة أشهر نضيفها إِلَى أَربع سِنِين فَإِنَّهُ الْغَالِب إِلَّا أَن مَا قَالَه لَا يَنْفِي

الإحتمال فَلَا وَجه لَهُ الثَّالِثَة إِذا نكحت ثمَّ أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الأول وَمن الثَّانِي جَمِيعًا ألحق بِالثَّانِي لِأَن فرَاش الثَّانِي نَاسخ للْأولِ فَلَا سَبِيل إِلَى إبِْطَال نِكَاح جرى على الصِّحَّة أما إِذا كَانَ النِّكَاح فَاسِدا بِأَن جرى فِي أثْنَاء الْعدة بِأَن ظن انقضاءها فَيعرض الْوَلَد على الْقَائِف فَإِن ذَلِك كَوَطْء شُبْهَة وَلَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال نِكَاح صَحِيح ثمَّ الْفراش الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ احْتِمَال الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هُوَ الْوَطْء أَو مُجَرّد العقد فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه بِالْوَطْءِ وَلَا يلْحقهُ بِمُجَرَّد العقد وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي انْقِطَاع هَذَا الْفراش بِالتَّفْرِيقِ أَو بآخر وَطْأَة ويلتفت هَذَا على أَن الْعدة هَل تَنْقَضِي مَعَ مجالسة الزَّوْج زَوجته وَعَلِيهِ يخرج أَن لُحُوق الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هَل يقف على الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَإِن أحوجناه إِلَى الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَالظَّاهِر أَنه لَا يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء بل بِاللّعانِ وَفِيه وَجه أَنه كملك الْيمن الرَّابِعَة فِي النزاع فَلَو قَالَ طلقت بعد الْولادَة فلي الرّجْعَة فَإنَّك مُعْتَدَّة فَقَالَت بل طلقت قبل الْولادَة فَالْقَوْل قَوْله فِي وَقت الطَّلَاق سَوَاء كَانَ وَقت الْولادَة معينا بالإتفاق أَو مُبْهما

وَلَو اتفقَا على وَقت الطَّلَاق وَاخْتلفَا فِي وَقت الْولادَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهَا مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا لَو اتفقَا على الْإِشْكَال فَالْأَصْل بَقَاء سُلْطَان الرّجْعَة واستمرار النِّكَاح وَإِن جزمت الدَّعْوَى فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلَيهِ أَن يحلف جزما أَو تنكل حَتَّى ترد الْيَمين عَلَيْهَا وَلَو جزم الدَّعْوَى وَقَالَت لَا أَدْرِي فالزوج على الإرتجاع وَهِي مدعية فَلَا تسمع الدَّعْوَى مَعَ الشَّك

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تدَاخل العدتين عِنْد تعدد سَببه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالسَّبَب إِمَّا الْوَطْء وَإِمَّا الطَّلَاق أما الْوَطْء فتعدده إِمَّا من شَخْصَيْنِ وَإِمَّا من شخص وَاحِد أما من شخص وَاحِد فَهُوَ أَن يطلقهَا ثمَّ يَطَؤُهَا بِالشُّبْهَةِ فتتداخل العدتان إِذا اتفقتا بِأَن لم يكن إحبال وَكَانَت من ذَوَات الْأَشْهر أَو الْأَقْرَاء فَتعْتَد بِثَلَاثَة أشهر أَو ثَلَاثَة أَقراء فتنقضي العدتان وَلَو كَانَ قد انْقَضى قرءان فَوَطِئَهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء واندرج الْقُرْء الثَّالِث فِي الْقُرْء الأول حَتَّى تتمادى الرّجْعَة إِلَى انْقِضَاء هَذَا الْقُرْء ثمَّ لَا رَجْعَة فِي الْقُرْأَيْنِ الباقيين لانهما من الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَمعنى التَّدَاخُل أَن الْقُرْء الأول الْمُشْتَرك تأدت بِهِ عدتان أما إِذا اخْتلفت العدتان بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَفِي تداخلهما وَجْهَان مشهوران أَحدهمَا أَن التَّدَاخُل كالمتفقتين وَالثَّانِي لَا لِأَن الإندراج والتداخل يَلِيق بالمتجانسات فَإِن قُلْنَا بالتداخل فَسَوَاء طَرَأَ الْحمل على الْوَطْء أَو طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل فتتمادى

الرّجْعَة وَالْعدة إِلَى وضع الْحمل وتنقضي الْعدة بِهِ وَإِن قُلْنَا لَا تتداخل نظر فَإِن طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل انْقَضتْ عدَّة الطَّلَاق بِالْوَضْعِ وانقطعت الرّجْعَة واستأنفت الْأَقْرَاء بعده للْوَطْء وعَلى هَذَا لَو كَانَت ترى الدَّم أَيَّام الْحمل قَالَ القَاضِي وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد تَنْقَضِي بهَا عدَّة الْوَطْء إِذا قُلْنَا إِنَّه حيض وَيُؤَدِّي إِلَى انْقِضَاء عدتين مختلفتين فِي زمَان وَاحِد لجَرَيَان الصُّورَتَيْنِ وعللوا بِأَن سَبَب لُزُوم الْأَقْرَاء مُجَرّد التَّعَبُّد وَلَا تشْتَرط الْبَرَاءَة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد كَونهَا فِي مَظَنَّة الدّلَالَة على الْبَرَاءَة لَا بُد مِنْهُ إِذْ بِهِ يحصل التَّعَبُّد فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد الْوَضع أما إِذا كَانَت حَائِلا فِي عدَّة الطَّلَاق فأحبلها بِالْوَطْءِ انْقَطع عدَّة الطَّلَاق لِأَن الْحَبل أقوى فَإِذا وضعت رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الطَّلَاق وَثبتت الرّجْعَة وَسَائِر أَحْكَامهَا من الْمِيرَاث وَغَيره فِي تِلْكَ الْبَقِيَّة وَهل تثبت قبل الْوَضع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهَا لَيست فِي عدَّة الطَّلَاق وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تعرض للرجعة وملتزمة لَهَا فِي الْمُسْتَقْبل فيبعد الْإِبَانَة فِي الْحَال ثمَّ الْعود إِلَى الرّجْعَة فعلى هَذَا لم يتَغَيَّر بِمَا طَرَأَ إِلَّا طول الْمدَّة وَإِلَّا فَهِيَ رَجْعِيَّة على الدَّوَام إِلَى انْقِضَاء العدتين

ثمَّ مهما رَاجعهَا أَو جدد النِّكَاح عَلَيْهَا انْقَطَعت العدتان جَمِيعًا أما إِذا كَانَ من شَخْصَيْنِ بِأَن طَلقهَا فَوَطِئَهَا بِالشُّبْهَةِ غَيره لم تتداخل العدتان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن التَّعَبُّد فِي حق الزَّوْج بالعدة يَتَعَدَّد عِنْد تعددهما ثمَّ ينظر فَإِن كَانَتَا متفقتين ينظر فَإِن سبق الطَّلَاق الْوَطْء استمرت عدَّة الزَّوْج وَالرَّجْعَة إِلَى تَمام ثَلَاثَة أَقراء ثمَّ بَانَتْ واستفتحت عدَّة الْوَطْء وَلم يكن لَهُ تَجْدِيد النِّكَاح بعد شروعها فِي عدَّة الشُّبْهَة وَهل لَهُ قبل ذَلِك إِن كَانَت بَائِنَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا فِي عدته وَالثَّانِي لَا لِأَن لُزُوم الْعدة عَن الشُّبْهَة كوجودها لِأَنَّهُ لَو نَكَحَهَا لم يحل لَهُ

وَطْؤُهَا وَالرَّجْعَة تحْتَمل ذَلِك وَلَا يحْتَملهُ النِّكَاح كَمَا فِي الْمُحرمَة وَأما إِذا وطِئت فشرعت فِي الْعدة وَطَلقهَا فَفِي الإنتقال إِلَى عدَّة الطَّلَاق وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تنْتَقل لِأَن عدَّة الطَّلَاق أقوى وَالثَّانِي تستمر لِأَن السَّابِق أولى فَإِن قُلْنَا بالإنتقال رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الشُّبْهَة عِنْد تَمام عدَّة النِّكَاح وَإِن قُلْنَا تستمر استأنفت عدَّة النِّكَاح بعد عدَّة الشُّبْهَة وَثبتت الرّجْعَة فِيهَا وَفِي ثُبُوتهَا قبل ذَلِك الْخلاف السَّابِق أما إِذا كَانَتَا مختلفتين بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَعِنْدَ هَذَا يبطل النّظر إِلَى السَّبق وَتقدم عدَّة الْحمل ثمَّ النّظر فِي كَيْفيَّة الرّجْعَة وَانْقِطَاع الْعدة والإنتقال مِنْهُمَا ذَكرْنَاهُ فِي العدتين المختلفتين من شخص وَاحِد حَيْثُ قُلْنَا إنَّهُمَا لَا يتداخلان نعم هَذَا يُفَارِقهُ فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَنه لَو رَاجعهَا وَكَانَت حَامِلا من الْأَجْنَبِيّ لم يحل الْوَطْء فَإِن كَانَت

حَامِلا مِنْهُ وَقد بقيت عَلَيْهَا عدَّة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ فَفِي جَوَاز الْوَطْء وَجْهَان جاريان فِي وَطْء الْحَامِل من النِّكَاح بعد أَن وطِئت بِالشُّبْهَةِ أَحدهمَا الْجَوَاز إِذْ لَيست فِي عدَّة الشُّبْهَة مَا لم تضع حمل الزَّوْج وَالثَّانِي لَا لوُجُوب الْعدة الْأَمر الثَّانِي أَنَّهَا لَو كَانَت ترى صُورَة الْأَقْرَاء مَعَ الْحمل فالمصير إِلَى انْقِضَاء الْعدة بهَا مَعَ تعدد الشَّخْص بعيد وَقيل يطرد ذَلِك هَا هُنَا كَمَا فِي شخص وَاحِد الْأَمر الثَّالِث أَنه لَو أَرَادَ أَحدهمَا نِكَاحهَا وَهِي مُلَابسَة عدَّة غَيره لم يجز وَإِن كَانَت حَامِلا من الزَّوْج فنكحها وَهِي متعرضة لعدة الشُّبْهَة لَكِن بعد الْوَضع فصحة النِّكَاح تبنى على حل الْوَطْء فِي مثل هَذِه الْحَالة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن قُلْنَا بِالْحلِّ فَذَلِك فِي دوَام النِّكَاح أما ابْتِدَاء النِّكَاح فَلَا يحل مَعَ لُزُوم عدَّة الشُّبْهَة هَذَا كُله فِي عدَّة الْمُسلمين أما الحربيون فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْحَرْبِيّ إِذا طلق زَوجته فَوَطِئَهَا حَرْبِيّ فِي نِكَاح وَطَلقهَا فَلَا يجمع عَلَيْهَا بَين العدتين فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ قَولَانِ وَوجه الْفرق أَن التَّعَبُّد فِي حق الْحَرْبِيّ لَا يتَأَكَّد فَكَأَن أهل الْحَرْب كلهم شخص وَاحِد فتتداخل وَمِنْهُم من قطع بِالْفرقِ وَفرق بِأَن حق الْحَرْبِيّ يتَعَرَّض للإنقطاع بالالستيلاد فاستيلاد الثَّانِي يقطع حق الْحَرْبِيّ الأول فَإِن قيل مَا ذكرتموه فِي عدَّة الْحمل إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا علم أَن الْحمل من أَحدهمَا فَإِن احْتمل أَن يكون مِنْهُمَا فَكيف السَّبِيل قُلْنَا إِذا وضع عرض

على الْقَائِف فَإِذا ألحق بِأَحَدِهِمَا حكم بِانْقِطَاع عدته دون الثَّانِي وَإِن لم يكن قائف أَو شكل عَلَيْهِ يقْضِي بِأَن إِحْدَى العدتين انْقَضتْ على الْإِبْهَام ويتصدى النّظر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن الرّجْعَة إِن جوزناها فِي حَال مُلَابسَة عدَّة الْغَيْر فَلهُ الرّجْعَة وَإِن لم نجوزها فَعَلَيهِ أَن يُرَاجع مرَّتَيْنِ مرّة قبل وضع الْحمل وَمرَّة بعده فَلَو اقْتصر على إِحْدَاهمَا لم يستفد بِهِ شَيْئا لتعارض الإحتمالين إِلَّا أَن يقْتَصر على رَجْعَة فيوافقها إِلْحَاق الْقَائِف فنتبين صِحَّته وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَن الرّجْعَة لَا تحْتَمل هَذَا الْوَقْف كَالنِّكَاحِ الثَّانِي تَجْدِيد النِّكَاح وَلَا فَائِدَة فِي نِكَاح وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يُفِيد حلا مَعَ الإحتمال وَلَكِن لَو عقد قبل الْوَضع وَبعده فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن النِّكَاح لَا يحْتَمل مثل هَذَا الْوَقْف وَإِن احتملته الرّجْعَة الثَّالِث النَّفَقَة إِذا كَانَت بَائِنَة فَإِنَّهَا تسْتَحقّ على الزَّوْج إِمَّا للْحَمْل وَإِمَّا للحامل فَإِن كَانَ من الواطىء بِالشُّبْهَةِ فتستحق عَلَيْهِ إِن قُلْنَا إِنَّهَا للْحَمْل وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا وَلَكِن لَا يطْلب وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْحَال للإشكال فَإِن وضعت وَألْحق الْقَائِف بِالزَّوْجِ فلهَا طلب النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَإِن ألحق بالواطىء لم

يُطَالب لِأَن نَفَقَة الْقَرِيب تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا نَفَقَة الْحمل فروع سِتَّة الأول قَالَ الْأَصْحَاب لَا تَنْقَضِي عدَّة الزَّوْج إِذا كَانَ يعاشرها معاشرة الازواج وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا خَارج عَن الْقيَاس فَإِن الْعدة لَا تستدعي إِلَّا انْقِضَاء الْمدَّة مَعَ عدم الْوَطْء وَلذَلِك تَنْقَضِي عدتهَا وَإِن لم تعرف الطَّلَاق وَالْمَوْت وَلم تأت بالحداد وملازمة الْمسكن وَقَالَ القَاضِي لَا نَص للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ على هَذَا وَأَنا أَقُول مُخَالطَة الْبَائِن لَا تمنع فَإِنَّهُ فِي حكم الزَّانِي ومخالطة الرَّجْعِيَّة تمنع لِأَن اعتدادها فِي صلب النِّكَاح فَلَا أقل من أَن تعتضد بالإعتزال وَترك المخالطة فعلا وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ فقه فَلَا يَخْلُو عَن إِشْكَال ثمَّ على هَذَا لَا يشْتَرط الْوَطْء وَلَا دوَام المجالسة وَلَكِن الْمُعْتَاد بَين الْأزْوَاج فَإِن طَالَتْ الْمُفَارقَة ثمَّ جرت مجالسات فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة فَيحْتَمل أَن تحسب أَوْقَات الْمُفَارقَة دون أَوْقَات المخالطة وَيحْتَمل أَن يُقَال يَنْقَطِع مَا مضى وَهُوَ خبط وحيرة وَلَا تَفْرِيع على مُشكل الثَّانِي عدَّة نِكَاح الشُّبْهَة تحسب من وَقت التَّفْرِيق أَو الْوَطْء فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا من الْوَطْء فَلَو اتّفق أَنه لم يَطَأهَا بعد ذَلِك مُدَّة الْعدة تبين انْقِضَاء الْعدة وَإِذا وَطئهَا انْقَطَعت وَإِن قُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا مبالاة بمخالطته بعد ذَلِك لِأَنَّهُ فِي حكم الزَّانِي وَلَا أثر لمخالطة الزناة فِي الْعدة وَهَذَا يدل على أَن مُخَالطَة الزَّوْج البائنة مَعَ

الْعلم لَا يُؤثر وَمَعَ الْجَهْل يُؤثر عِنْد الْأَصْحَاب ثمَّ يحْتَمل أَن يُقَال المُرَاد بِالتَّفْرِيقِ انجلاء الشُّبْهَة وَيحْتَمل أَن يُقَال إِنَّه الْمُفَارقَة بالجسد وَالظَّاهِر أَنه انجلاء الشُّبْهَة فالمخالطة بعده فِي حكم الزِّنَا الثَّالِث إِذا نكح مُعْتَدَّة على ظن الصِّحَّة وَوَطئهَا انْقَطع عدَّة النِّكَاح بِمَا طَرَأَ وَفِي وَقت انْقِطَاعه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه من وَقت العقد وَالْآخر من وَقت الْوَطْء لِأَن العقد فَاسد فَإِن قُلْنَا تَنْقَطِع بِالْعقدِ فَلَو لم تزف إِلَى الثَّانِي فَالصَّحِيح أَنا نتبين أَن الْعدة لم تَنْقَطِع لِأَنَّهُ مُجَرّد لفظ وَإِنَّمَا ينقدح ذَلِك على قَول إِذا أفْضى إِلَى الزفاف أما إِذا أفْضى إِلَى مُخَالطَة وزفاف وَلَكِن انجلت الشُّبْهَة قبل الْوَطْء فَهَذَا مُحْتَمل الرَّابِع من نكح مُعْتَدَّة بِالشُّبْهَةِ لم تحرم عَلَيْهِ على التَّأْبِيد وَفِيه قَول قديم تقليدا لمَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا تحرم للزجر عَن استعجال الْحل وخلط النّسَب ثمَّ لَا يجْرِي هَذَا القَوْل فِي الزَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَبْغِي الْحل الْخَامِس إِذا طلق الرَّجْعِيَّة طَلْقَة أُخْرَى بعد الْمُرَاجَعَة فتستأنف الْعدة أَو تبنى فِيهِ قَولَانِ مشهوران

أَحدهمَا الْبناء كَمَا إِذا طَلقهَا طَلْقَة بَائِنَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا بعد قرء ثمَّ طَلقهَا قبل الْمَسِيس فَإِنَّهُ يكفيها قرءان وَلَا تسْتَحقّ إِلَّا نصف الْمهْر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي الإستئناف فَإِنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى نِكَاح جرى فِيهِ وَطْء بِخِلَاف تَجْدِيد النِّكَاح أما إِذا طَلقهَا قبل الرّجْعَة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من قَالَ تسْتَأْنف فِي تِلْكَ الصُّورَة يلْزمه أَن تسْتَأْنف هَا هُنَا فَمنهمْ من قَالَ هُوَ تَفْرِيع فَيخرج هَذَا أَيْضا على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا تسْتَأْنف لِأَن الطَّلَاق الثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ فَلَا يقطع الْعدة فَإِن قُلْنَا بالإستئناف فَإِن كَانَت حَامِلا فيكفيها وضع الْحمل لِأَن هَذِه بَقِيَّة تصلح لِأَن تكون عدَّة مُسْتَقْبلَة وَلَو رَاجعهَا فَوضعت ثمَّ طَلقهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء على قَول الإستئناف وعَلى قَول الْبناء وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا عدَّة عَلَيْهَا إِذْ لَا وَجه بعد الطَّلَاق للإستئناف وَلَا للْبِنَاء

وَالثَّانِي أَنا نرْجِع إِلَى قَول الإستئناف إِذْ لَا سَبِيل إِلَى إِسْقَاط حَقهم عِنْد تعذر الْبناء أما إِذا رَاجع الْحَائِل فِي الطُّهْر الثَّالِث ثمَّ طَلقهَا قَالَ الْقفال هَذَا كالمراجعة بعد تَمام الْعدة لِأَن بعض الطُّهْر الثَّالِث قرء كَامِل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْقُرْء هُوَ الْبَعْض الْأَخير الْمُتَّصِل بِالْحيضِ وَهَذَا جرى فِي النِّكَاح وَالنّصف الأول لَا يعْتد بِهِ السَّادِس لَو خَالع زَوجته بعد الْمَسِيس ثمَّ جدد نِكَاحهَا وطلق بعد الْمَسِيس لم يكن عَلَيْهَا إِلَّا عدَّة وَاحِدَة وتندرج بَقِيَّة الأولى تَحت هَذِه وَلَو مَاتَ فَهَل تندرج تِلْكَ الْبَقِيَّة تَحت عدَّة الْوَفَاة مَعَ اخْتِلَاف نوع الْعدة فِيهِ وَجْهَان

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي عدَّة الْوَفَاة وَحكم السُّكْنَى وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مُوجب الْعدة وقدرها وكيفيتها وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الْمُوجب وَالْقدر فَنَقُول الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة ممسوسة كَانَت أَو لم تكن وَإِن كَانَت حَامِلا فمهما وضعت حلت وَلَو فِي السَّاعَة وَيحل لَهَا غسل الزَّوْج عندنَا بعد الْعدة وَبعد نِكَاح زوج آخر وَإِن كَانَت حَائِلا فَتعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَالْأمة تَعْتَد بشهرين وَخَمْسَة أَيَّام وتنقضي الْعدة وَإِن لم تَحض فِي هَذِه الْمدَّة خلافًا لمَالِك رَحمَه الله لِأَن الله تَعَالَى لم يتَعَرَّض للْحيض مَعَ تعرض النِّسَاء لَهُ وَمَالك رَحمَه الله يَقُول لَا أقل من حَيْضَة وَاحِدَة أَو وُقُوع الْحيض الْمُعْتَاد مرّة أَو مَرَّات

فرع لَو طلق إِحْدَى امرأتيه على الْإِبْهَام وَمَات قبل الْبَيَان فعلى كل وَاحِدَة أَرْبَعَة أشهر وَعشر للإحتياط إِن كَانَتَا حائلتين غير مَدْخُول بهما وَإِن كَانَتَا حاملتين فعلَيْهِمَا التَّرَبُّص إِلَى حِين الْوَضع وَإِن كَانَتَا حائلتين من ذَوَات الْأَشْهر فعلَيْهِمَا أَرْبَعَة أشهر وَعشر إِذْ تَنْقَضِي الْأَشْهر الثَّلَاث أَيْضا وَإِن كَانَتَا من ذَوَات الْأَقْرَاء فعلى كل وَاحِدَة التَّرَبُّص بأقصى الْأَجَليْنِ وَيَكْفِي غير الْمَدْخُول بهَا تربص أَرْبَعَة أشهر وَعشر

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَفْقُود زَوجهَا فَإِن وصل خبر مَوته بِبَيِّنَة فعدتها من وَقت الْمَوْت عندنَا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من وَقت بُلُوغ الْخَبَر وَإِن اندرس خَبره وأثره وَغلب على الظنون مَوته فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا زَوجته إِلَى أَن تقوم الْبَيِّنَة بِمَوْتِهِ وَهُوَ الْقيَاس لِأَن النِّكَاح ثَابت بِيَقِين فَكيف يقطع بِالشَّكِّ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بعد ذَلِك عدَّة الْوَفَاة وَقد قلد الشَّافِعِي فِيهِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْقَدِيم وَرجع عَنهُ فِي الْجَدِيد وَقَالَ لَو قضى بِهِ قَاض نقضت قَضَاءَهُ إِذْ بَان لَهُ أَن تَقْلِيد الصَّحَابَة لَا يجوز للمجتهد وَقد طول الْأَصْحَاب فِي التَّفْرِيع عَلَيْهِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط فَلَا معنى لَهُ مَعَ صِحَة الرُّجُوع عَنهُ ثمَّ على الْجَدِيد فلهَا طلب النَّفَقَة من مَال الزَّوْج أبدا فَإِن تعذر كَانَ لَهَا طلب الْفَسْخ بِعُذْر النَّفَقَة على أصح الْقَوْلَيْنِ

الْفَصْل الثَّالِث فِي الْإِحْدَاد وَذَلِكَ وَاجِب فِي عدَّة الْوَفَاة وَغير وَاجِب فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة وَفِي عدَّة البائنة قَولَانِ وَفِي المفسوخ نِكَاحهَا طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تجب كالمعتدة من شُبْهَة وكأم الْوَلَد إِذا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدهَا وَوجه حداد الْمُطلقَة البائنة الْقيَاس على عدَّة الْوَفَاة وَوجه الْفرق أَنَّهَا مجفوة بِالطَّلَاق وَإِنَّمَا يَلِيق الْإِحْدَاد بالمتفجعة بِالْمَوْتِ وَالْأَصْل فِي وَجه الْإِحْدَاد قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَأفَاد هَذَا جَوَاز الْحداد ثَلَاثَة أَيَّام على الْجُمْلَة وتحريمه بعد الثَّلَاث وَبعد الْعدة

وَمَعْنَاهُ ترك الزِّينَة وَالطّيب على قصد الْحداد وَإِلَّا فَلَا منع عَن ترك الزِّينَة فَإِن قيل وَمَا كَيْفيَّة الْحداد قُلْنَا مَعْنَاهُ ترك التزين والتطيب والحداد من الْحَد وَهُوَ الْمَنْع والتزين إِنَّمَا يكون بالتنظيف وَالثيَاب والحلي أما التنظف بالقلم والإستحداد وَالْغسْل وَإِزَالَة الْوَسخ فَلَا يحرم وَأما الثِّيَاب فالنظر فِي جِنْسهَا ولونها أما الْجِنْس فَتحل كلهَا سوى الإبريسم فَيحل الْخَزّ الدبيقي والكتان وَغَيره مِمَّا يحل للرِّجَال وَإِنَّمَا الإبريسم فَإِنَّمَا أحل لَهَا لأجل التزين للرِّجَال وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الإبريسم فِي حَقّهَا كالقطن فِي حق الرِّجَال وَإِنَّمَا عَلَيْهَا ترك المصبوغات من الثِّيَاب وَالْأول أصح وَأما الْحلِيّ فَيحرم مَا هُوَ من الذَّهَب لِأَنَّهَا خاصية النِّسَاء وَالظَّاهِر أَنه أَيْضا يحرم التحلي باللآلىء الْمُجَرَّدَة لِأَنَّهَا للزِّينَة وَأما التَّخَتُّم بِخَاتم يحل مثله للرِّجَال فَلَا يحرم وَأما الْمَصْبُوغ للتزين كالأحمر والأصفر والاخضر فَهُوَ حرَام من الْقطن والكتان وَغَيره

وَإِنَّمَا الْأسود والأكهب الكدر وَمَا لَا يتزين بِهِ فَهُوَ جَائِز وَلَا فرق بَين أَن يصْبغ بعد النسج أَو قبله وخصص أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله التَّحْرِيم بالمصبوغ بعد النسج أما الثَّوْب الخشن إِذا صبغ على خلاف الْعَادة صبغ الزِّينَة حكى صَاحب التَّقْرِيب فِيهِ قَوْلَيْنِ وَوجه الْمَنْع أَنه من الْبعد تظهر بِهِ الزِّينَة وَأما الزِّينَة فِي أثاث الْبَيْت والفرش فَلَا تحرم وَإِنَّمَا الْحداد فِي بدنهَا وَأما الطّيب فَيحرم عَلَيْهَا مَا يحرم على الْمحرم وَيحرم عَلَيْهَا أَن تدهن رَأسهَا ولحيتها إِن كَانَت لَهَا لحية كالمحرم وَلَا يحرم عَلَيْهَا أَن تدهن بدنهَا إِن لم يكن فِيهِ طيب وَإِنَّمَا يمْنَع فِي الشّعْر وَأما تصفيف الشّعْر وتجعيده بِغَيْر دهن فَفِيهِ تردد وَأما الإكتحال فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس بالإثمد فاتفقوا على أَنه أَرَادَ بِهِ العربيات فَإِنَّهُنَّ إِلَى السوَاد أميل فَلَا يزينهن الإثمد أما الْبَيْضَاء فَلَا يجوز ذَلِك لَهَا إِلَّا لعِلَّة الرمد وَعَلَيْهَا أَن تكتحل لَيْلًا وتمسح نَهَارا هَكَذَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَّا أَن تحْتَاج إِلَى ذَلِك نَهَارا أَيْضا فَيجوز وَعَلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن إِلَّا لحَاجَة

وَلَو تركت جَمِيع ذَلِك عَصَتْ رَبهَا وَانْقَضَت عدتهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي السُّكْنَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن تسْتَحقّ السُّكْنَى وتستحق الْمُطلقَة الْمُعْتَدَّة بَائِنَة كَانَت أَو رَجْعِيَّة لقَوْله تَعَالَى {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} وَلَا تسْتَحقّ الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء الشُّبْهَة وَنِكَاح فَاسد وَلَا الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت لِأَن الْآيَة وَردت فِي النِّكَاح نعم هَل تجب فِي عدَّة الْوَفَاة قَولَانِ وَفِي عدَّة بعد انْفِسَاخ النِّكَاح طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ إِن كَانَ الْفَسْخ مِنْهَا بِعَيْبِهِ اَوْ عتقهَا اَوْ كَانَ مِنْهُ وَلَكِن بعيبها أَو مَا يكون بِسَبَب مِنْهَا أما مَا ينْفَرد بِهِ الزَّوْج كردته وإسلامه فَفِيهِ قَولَانِ ومأخذ التَّرَدُّد أَن الْآيَة وَردت فِي فِرَاق الطَّلَاق وَهَذَا تردد فِي أَن فِرَاق الْمَوْت وَالْفَسْخ هَل هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَن إِيجَاب السُّكْنَى بعد الْبَيْنُونَة كالخارج عَن الْقيَاس وَأما الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تحْتَمل الْجِمَاع فَفِي سكناهَا من الْخلاف مَا فِي نَفَقَتهَا فِي صلب النِّكَاح وَكَذَلِكَ الْأمة إِذا طلقت فَإِن قُلْنَا الزَّوْج يسْتَحق تعْيين الْمسكن فِي صلب النِّكَاح فعلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن بعد النِّكَاح وَإِن قُلْنَا إِن السَّيِّد يبوئها

بَيْتا وَطلقت فِي ذَلِك الْبَيْت فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا يلْزمهَا مُلَازمَة الْمسكن لِأَن الْعدة تلْتَفت على النِّكَاح وَقيل إِنَّه يجب ذَلِك ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا مُلَازمَة الْمسكن فَفِي وجوب لُزُوم السُّكْنَى على الزَّوْج خلاف يلْتَفت على النَّفَقَة فِي صلب النِّكَاح فَحَيْثُ كَانَ يجب النَّفَقَة تجب السُّكْنَى بعد الطَّلَاق أما النَّاشِزَة إِذا طلقت فِي دوَام النُّشُوز قَالَ القَاضِي لَا سُكْنى لَهَا إِذْ لم يكن لَهَا نَفَقَة وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهَا إِن طَلقهَا فِي مسكن النِّكَاح فَيجب عَلَيْهَا شرعا لُزُوم الْمسكن فَإِن أطاعت فِي ذَلِك فبالحري أَن تسْتَحقّ السُّكْنَى

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْوَال الْمُعْتَدَّة وَهل يُبَاح لَهَا مُفَارقَة الْمسكن فَنَقُول يجب عَلَيْهَا لُزُوم الْمسكن حَقًا لله تَعَالَى فَلَا يسْقط بِرِضا الزَّوْج وَإِنَّمَا يُبَاح الْخُرُوج بِعُذْر ظَاهر والأعذار على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى مَا يرجع إِلَى طلب الزِّيَادَة كزيارة وَعمارَة واستنماء مَال وتعجيل حج الْإِسْلَام وَلَا يجوز الْخُرُوج لمثل ذَلِك الثَّانِيَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الضَّرُورَة كوجوب الْهِجْرَة والتمكين من إِقَامَة الْحَد أَو خَافت على زَوجهَا أَو مَالهَا لِأَن الْموضع غير حُصَيْن أَو كَانَت تتأذى بأحمائها أَو تؤذيهن وكل ذَلِك تسليط على الإنتقال لِأَن هَذِه الْمُهِمَّات أقوى فِي الشَّرْع من لُزُوم الْمسكن فِي الْعدة الثَّالِثَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الْحَاجة كالخروج للطعام وَالشرَاب أَو تدارك مَال أخْبرت بِأَنَّهُ أشرف على الضّيَاع فَذَلِك أَيْضا رخصَة فِي الْخُرُوج فِي حق من لَا كافل لَهَا وَنَحْو ذَلِك وَإِن كَانَ هَذَا الْعذر نَادرا وَكَذَلِكَ حكم مُلَازمَة الْمنزل فِي السّفر إِذا كَانُوا ينتجعون ويسافرون اعتيادا فلهَا المسافرة مَعَهم وَمهما خرجت لحَاجَة فَيَنْبَغِي أَن تخرج بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل مَظَنَّة الْآفَات

الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يجب على الزَّوْج وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا كَانَت الدَّار مَمْلُوكَة للزَّوْج لم يجز لَهُ إزعاجها وَلَا يجوز لَهُ مداخلتها لتَحْرِيم الْخلْوَة إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا أَن تكون هِيَ فِي حجرَة مُفْردَة بالمرافق وَعَلَيْهَا بَاب فَإِن لم يكن عَلَيْهَا بَاب أَو كَانَ مرافقها وَاحِدًا كالمطبخ والمستراح فِي الدَّار لم تجز المداخلة لِأَن التوارد على الْمرَافِق يُفْضِي إِلَى الْخلْوَة وَكَذَلِكَ تحرم المداخلة وَإِن كَانَت الدَّار فيحاء مهما لم تنفصل الْمرَافِق وَلم يحجب الْبَاب الثَّانِي أَن يكون مَعهَا فِي الدَّار محرم لَهَا فَلَا خلْوَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَعَ الرجل زَوْجَة أُخْرَى أَو جَارِيَة أَو محرم لَهُ وَلَو كَانَ مَعهَا أَجْنَبِيَّة أَو مُعْتَدَّة أُخْرَى فَهَل يمْنَع ذَلِك الْخلْوَة فِيهِ تردد مأخذه أَن النسْوَة المنفردات هَل لَهُنَّ السّفر عِنْد الامن بِغَيْر محرم وَلَو استخلى رجلَانِ بِامْرَأَة فَهُوَ محرم وَلَيْسَ ذَلِك كاستخلاء رجل بامرأتين وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَ مِمَّن يحتشم أَو يخَاف من جَانِبه حِكَايَة مَا يجْرِي من فجور إِن كَانَ فَهُوَ مَانع للخلوة وَإِلَّا فَلَا

فرع لَو أَرَادَ الزَّوْج بيع الدَّار وعدتها بِالْحملِ أَو الْأَقْرَاء لم ينْعَقد لِأَن الْمَنْفَعَة مُسْتَحقَّة لَهَا وَآخر الْمدَّة غير مَعْلُوم وَلَو كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَهُوَ كَبيع الدَّار الْمُسْتَأْجرَة إِلَّا إِذا كَانَ يتَوَقَّع طرآن الْحيض فِي الْأَشْهر فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من لم يلْتَفت إِلَى ذَلِك بِنَاء على الْحَال وَمِنْهُم من منع البيع لتوقع ذَلِك فَإِن صححنا وطرأ الْحيض كَانَ كَمَا لَو اخْتلطت الثِّمَار بِالْمَبِيعِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي البيع الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذْ كَانَت الدَّار مستعارة فعلَيْهَا الْمُلَازمَة إِلَى أَن يرجع الْمُعير فَإِن رَجَعَ فعلى الزَّوْج أَن يسلم إِلَيْهَا دَارا يَلِيق بهَا ويبذل الْأُجْرَة إِن لم يجد بعارية وَكَذَلِكَ إِذا انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة فَإِن مست الْحَاجة إِلَى الْأُجْرَة وأفلس الزَّوْج ضاربت الْغُرَمَاء بِأُجْرَة ثَلَاثَة أشهر إِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر وَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء وعادتها مُخْتَلفَة ضاربت بِالْأَقَلِّ وَإِن كَانَت مُسْتَقِيمَة فمقدار الْعَادة على الْأَصَح وَفِيه وَجه أَنَّهَا بِالْأَقَلِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن حصَّتهَا لَا تسلم إِلَيْهَا وَمَا يخص الْغُرَمَاء يسلم إِلَيْهِم فالإحتياط لجانبها أولى وَكَذَلِكَ الْحَامِل تضارب لتَمام تِسْعَة أشهر فَإِن الزِّيَادَة على ذَلِك نَادِر لَا يعْتَبر هَذَا إِذا كَانَ الزَّوْج حَاضرا فَإِن كَانَ غَائِبا اسْتقْرض القَاضِي عَلَيْهِ فَإِن اسْتَأْجَرت من مَالهَا بِغَيْر إِذن القَاضِي فَفِي رُجُوعهَا على الزَّوْج خلاف وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو كَانَت فِي دَار مَمْلُوكَة فَلَا تبَاع لحق الْغُرَمَاء لِأَنَّهَا كالمرهونة فَلَا تخرج مِنْهَا بِحَال الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا أسكنها فِي النِّكَاح ضيقا لَا يَلِيق بهَا ورضيت وَطَلقهَا فلهَا أَن لَا ترْضى فِي الْعدة وتطلب مسكنا لائقا بهَا وَكَذَلِكَ لَو أسكنها دَارا فيحاء فَلهُ أَن ينقلها

بعد الطَّلَاق إِلَى مَوضِع لَائِق بهَا لَكِن قَالَ القَاضِي يَنْبَغِي أَن يطْلب لَهَا أقرب مسكن يُمكن إِلَى مسكن النِّكَاح حَتَّى لَا يطول ترددها فِي الْخُرُوج وَمَا ذكره لَا يبعد أَن يسْتَحبّ وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يُخرجهَا عَن الْبَلدة الْمَسْأَلَة الرَّابِع إِن ألزمنا السُّكْنَى فِي عدَّة الْوَفَاة فَهِيَ من التَّرِكَة فَإِن لم يكن وتبرع بِهِ الْوَارِث وَأَرَادَ إسكانها كَانَ لَهَا ذَلِك وَإِن قُلْنَا لَا تسْتَحقّ فَلَو رَضِي الْوَارِث بملازمة مسكن النِّكَاح فَالظَّاهِر أَنه يجب عَلَيْهَا ذَلِك مُطلقًا وَقيل إِن كَانَت مَشْغُولَة الرَّحِم أَو متوهمة الشّغل فَلهُ ذَلِك مُطلقًا لأجل صِيَانة المَاء وَإِن لم تكن ممسوسة فَلَا يلْزمهَا ذَلِك بل يجب عَلَيْهَا مُلَازمَة أَي مسكن شَاءَت ثمَّ هَذَا التَّعْيِين للْوَارِث وَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك

الْفَصْل الرَّابِع فِي بَيَان مسكن النِّكَاح وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى دَار أُخْرَى ثمَّ طَلقهَا قبل الإنتقال لازمت الْمسكن الأول وَإِن طلق بعد الإنتقال لازمت الْمسكن الثَّانِي وَالْعبْرَة فِي الإنتقال بدنهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْعبْرَة بِنَقْل الْأَمْتِعَة وَإِن صادفها الطَّلَاق فِي الطَّرِيق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا تَرْجِيح الأول استصحابا وَالثَّانِي تَرْجِيح الثَّانِي لِأَنَّهَا انْتَقَلت عَن الأول وَالثَّالِث أَنَّهَا تتخير بَينهمَا للتعارض وَكَذَا الْكَلَام فِيمَا إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى بَلْدَة أُخْرَى فَفِي جَوَاز الإنصراف خلاف الثَّانِيَة لَو خرجت إِلَى سفر بِإِذْنِهِ فَطلقهَا بعد مُفَارقَة عمَارَة الْبَلَد فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإنصراف لِأَن إبِْطَال أهبة سفرها إِضْرَار فَإِن فَارَقت الْمنزل دون الْبَلَد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يجب الإنصراف لِأَنَّهَا بعد لم تَنْقَطِع عَن الوطن وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك إِضْرَار بِإِبْطَال الأهبة

وَلَا خلاف فِي أَن لَهَا الإنصراف ثمَّ إِذا مَضَت لوجهها فلهَا التَّوَقُّف إِلَى إنجاز حَاجَتهَا وَعَلَيْهَا الرُّجُوع لملازمة الْمسكن بَقِيَّة مُدَّة تَنْقَضِي فِي الطَّرِيق فَفِي وجوب الإنصراف خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب وَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا يكلفها التَّقَدُّم على الرّفْقَة لأجل ذَلِك وَإِن انْقَضتْ حَاجَتهَا قبل ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ لَهَا استكمال الثَّلَاث لِأَنَّهَا مُدَّة مكث الْمُسَافِر شرعا الثَّالِثَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي سفر تِجَارَة أَو مُهِمّ فَإِن كَانَ سفر نزهة أَو مَا لَا مُهِمّ فِيهِ وَقد أذن لَهَا عشرَة أَيَّام مثلا فَطلقهَا فِي أثْنَاء الْمدَّة فَفِي جَوَاز اسْتِيفَاء الْمدَّة قَولَانِ وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي وجوب الإنصراف إِن طَلقهَا فِي الطَّرِيق وَهَكَذَا فِي الْمدَّة الزَّائِدَة على حَاجَة التِّجَارَة فِي سفر التِّجَارَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُهِمّ وَلَكِن انْضَمَّ الْإِذْن فِي أهبة السّفر فَاحْتمل أَن يُقَال فِي الْمَنْع إِضْرَار وَلَو أذن لَهَا فِي الإعتكاف عشرَة أَيَّام فَطلقهَا قبل الْمدَّة فَإِن قُلْنَا لَو خرجت بِمثل هُنَا الْعذر جَازَ الْبناء على الإعتكاف الْمَنْذُور فعلَيْهَا الْخُرُوج وَإِن كَانَ الإعتكاف منذورا لِأَنَّهُ لَا ضَرَر وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد إِذن فَهُوَ كَمَا لَو أذن لَهَا فِي الْمقَام فِي دَار أُخْرَى عشرَة أَيَّام فطلاقها يبطل ذَلِك الْإِذْن وَإِن قُلْنَا إِن الإعتكاف يبطل فَيكون فِيهِ

ضرار كَمَا فِي أهبة السّفر وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو خرجت مَعَ الزَّوْج فَطلقهَا فِي الطَّرِيق لَزِمَهَا الإنصراف لِأَنَّهَا خرجت بأهبة الزَّوْج فَلَا تبطل عَلَيْهَا أهبتها وَالْخُرُوج لغَرَض التِّجَارَة غير جَائِز لِأَنَّهُ طلب زِيَادَة وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي الدَّوَام للضرار فِي فَوَات الأهبة الرَّابِعَة إِذا أذن لَهَا فِي الْإِحْرَام وَطَلقهَا قبل الْإِحْرَام لم تحرم وَإِن كَانَ بعد الْإِحْرَام وَكَانَ بِعُمْرَة يُمكن تَأْخِيرهَا فَفِي وجوب التَّأْخِير وَجْهَان وَلَعَلَّ الْأَصَح جَوَاز الْخُرُوج لِأَن فِي مصابرة الْإِحْرَام ضِرَارًا الْخَامِسَة منزل البدوية كمسكن البلدية لَكِن إِن رحلوا بجملتهم فلهَا الرحيل وَإِن رَحل غير أَهلهَا فعلَيْهَا الْمقَام فَإِن رَحل أَهلهَا وَهِي آمِنَة فِي الْمقَام فَفِيهِ وَجْهَان وَهُوَ رَاجع إِلَى أَن ضَرَر مُفَارقَة الْأَهْل هَل يعْتَبر وَلَو كَانُوا يرجعُونَ على قرب فعلَيْهَا الْمقَام إِذْ لَا ضَرَر وَلَو ارتحلت مَعَهم فَأَرَادَتْ الْمقَام بقرية فِي الطَّرِيق جَازَ فَإِن ذَلِك أحسن من السّفر بِخِلَاف المأذونة فِي السّفر فَإِن رُجُوعهَا إِلَى الوطن أولى من الْإِقَامَة فِي قَرْيَة السَّادِسَة إِذا صادفها الطَّلَاق فِي دَار أُخْرَى أَو بَلْدَة أُخْرَى فَقَالَ ارجعي فَقَالَت طلقت بعد الْإِذْن فِي النقلَة فَأنْكر الزَّوْج الْإِذْن نقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن القَوْل قَوْله وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن نقل أَنه إِن كَانَ النزاع مَعَ الْوَرَثَة

فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِلَى الْفرق ذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَابْن سُرَيج وَكَأن كَونهَا فِي غير مسكن النِّكَاح يشْهد لَهَا على الْوَرَثَة لَا على الزَّوْج وَمن أَصْحَابنَا من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَول وَمِنْهُم من جعلهَا على حَالين فَنَقُول إِنَّمَا جعل القَوْل قَوْله إِذا كَانَ النزاع فِي اصل اللَّفْظ وَإِن كَانَ فِي معنى اللَّفْظ بِأَن قَالَت أردْت بِالْإِذْنِ النقلَة وَقَالَ بل النزهة فَالظَّاهِر تصديقها فَيقبل قَوْلهَا

الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الإستبراء بِسَبَب ملك الْيَمين وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي قدر الإستبراء وَشَرطه وَحكمه أما قدره فَهُوَ قرء وَاحِد لِأَنَّهُ نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سبي أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض وللمستبرأة ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن تكون من ذَوَات الْأَقْرَاء واستبراؤها بقرء وَاحِد وَهُوَ الْحيض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى تحيض وَلِأَنَّهُ إِذا لم يعْتَبر إِلَّا قرء وَاحِد فليعتبر الْحيض فَإِنَّهُ دَلِيل على الْبَرَاءَة هَذَا هُوَ الْجَدِيد

وَفِيه وَجه آخر أَنه الطُّهْر قِيَاسا على الْعدة لِأَن التَّعَبُّد غَالب عَلَيْهِ وَلذَلِك يجب مَعَ يَقِين الْبَرَاءَة إِذا استبرأها من امْرَأَة أَو صبي التَّفْرِيع إِذا قضينا بِأَنَّهُ حيض فَلَا بُد من حيض كَامِل فَلَا يَكْفِي بقبة حيض وَإِن قُلْنَا إِنَّه طهر فَهَل يَكْفِي بَقِيَّة الطُّهْر فِيهِ خلاف لِأَن الْعدة تشْتَمل على عدد فَجَاز أَن يعبر عَن شَيْئَيْنِ وَبَعض الثَّالِث بِثَلَاثَة وَلِأَنَّهُ يجْرِي فِيهِ الْحيض مَرَّات وَلَو صَادف الْملك آخر الْحيض فانقضى طهر كَامِل بعده كفى على هَذَا القَوْل وَقيل إِنَّه لَا بُد من حيض كَامِل بعده لتحصل دلَالَة على الْبَرَاءَة فِي ملكه وَهَذَا رُجُوع إِلَى القَوْل الأول وَشَهَادَة تَضْعِيف هَذَا القَوْل الْحَالة الثَّانِيَة أَن تكون من ذَوَات الْأَشْهر وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَكْفِي شهر وَاحِد وَالثَّانِي أَنه لَا أقل من ثَلَاثَة أشهر لِأَنَّهُ أقل مُدَّة ضربت شرعا للدلالة على الْبَرَاءَة والأمور الطبيعية لَا تخْتَلف بِالرّقِّ وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُوجب على الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت ثَلَاثَة أَقراء أَو ثَلَاثَة أشهر نظرا إِلَى حريتها فِي الْحَال وَنحن نكتفي بقرء وَاحِد نظرا إِلَى جِهَة الْملك

الْحَالة الثَّالِثَة أَن تكون حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل وَإِن كَانَ من الزِّنَا لإِطْلَاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله حَتَّى تضع وَمِنْهُم من قَالَ لَا تَنْقَضِي بِالزِّنَا كَمَا فِي الْعدة وَقيل هَذَا يلْتَفت على أَن الْمُعْتَبر حيض أم طهر فَإِن اعْتبرنَا الْحيض من حَيْثُ إِنَّه دَلِيل الْبَرَاءَة فَكَذَلِك حمل الزِّنَا دَلِيل الْبَرَاءَة وَإِلَّا فَلَا أما حكمه فَهُوَ تَحْرِيم لوجوه الإستمتاع قبل تَمَامه إِلَّا فِي المسبية وَلِأَنَّهُ لَا يحرم فِيهَا إِلَّا الْوَطْء لِأَن الْمَانِع فِي الشِّرَاء توقع ولد من البَائِع يمْنَع صِحَة الشِّرَاء وَولد الْحَرْبِيّ لَا يمْنَع جَرَيَان الرّقّ وَإِنَّمَا استبراؤها لصيانة مَاء الْمَالِك عَن الإمتزاج بِالْحملِ فَيقْتَصر التَّحْرِيم على الْوَطْء وَمِنْهُم من سوى وَحرم استمتاع المسبية أَيْضا تبعا أما شَرطه فَإِنَّهُ يَقع بعد الْقَبْض وَلُزُوم الْملك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَلَو جرت حَيْضَة قبل قبض الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة فَفِيهِ خلاف لضعف الْملك وَالظَّاهِر أَنه يجزىء للُزُوم الْملك نعم لم يعْتد بهَا فِي الْمَوْهُوبَة قبل الْقَبْض وَفِي الْمُوصى بهَا قبل الْقبُول فَلَا أثر للقبض فِي الْوَصِيَّة وَفِي مُدَّة الْخِيَار لَا يجزىء إِذا قُلْنَا الْملك للْبَائِع وَإِن قُلْنَا للْمُشْتَرِي فَهُوَ كَمَا قبل الْقَبْض لضَعْفه وَلَو كَانَت مَجُوسِيَّة أَو مرتدة فَأسْلمت بعد انْقِضَاء الْحيض فقد انْقَضى فِي الْملك وَلَكِن لَا فِي مَظَنَّة الإستحلال فَفِيهِ وَجْهَان

وَمن خاصية الإستبراء أَنه لَيْسَ من شَرطه الإمتناع عَن الْوَطْء بل لَو وَطئهَا انْقَضى الإستبراء وَعصى بِالْوَطْءِ فَإِن أحبلها وَهِي حَائِض حلت فِي الْحَال إِذْ مَا مضى كَانَ حيضا كَامِلا وَانْقطع بِالْحيضِ فَإِن كَانَت طَاهِرا لم ينْقض الإستبراء إِلَى وضع الْحمل

الْفَصْل الثَّانِي فِي سَبَب الإستبراء وَهُوَ جلب ملك أَو زَوَاله الأول الجلب فَمن تجدّد لَهُ ملك على الْجَارِيَة هِيَ مَحل استحلاله توقف حلهَا على الإستبراء بعد لُزُوم ملكه بقرء سَوَاء كَانَ الْملك عَن هبة أَو بيع وَصِيَّة أَو إِرْث أَو فسخ أَو إِقَالَة وَسَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة أَو حَامِلا أَو حَائِلا وَسَوَاء كَانَ الْمَالِك مِمَّن يتَصَوَّر مِنْهُ شغل أَو لَا يتَصَوَّر كامرأة أَو مجبوب أَو صبي وَسَوَاء كَانَت قد استبرأت قبل البيع أَو لم تكن وَقَالَ دَاوُد لَا يجب اسْتِبْرَاء الْبكر وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تُوطأ لَا تستبرأ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب إِذا عَادَتْ بِخِيَار رُؤْيَة أَو رد بِعَيْب أَو رُجُوع فِي هبة أَو إِقَالَة قبل الْقَبْض وَأوجب فِي الْإِقَالَة بعد الْقَبْض وَألْحق أَصْحَابنَا بِزَوَال الْملك الْمُكَاتبَة إِذا عجزت وعادت إِلَى الْحل لِأَنَّهَا صائرة إِلَى حَالَة تسْتَحقّ الْمهْر على السَّيِّد وَلذَلِك تحل أُخْت الْمُكَاتبَة وَلَا خلاف فِي أَن التَّحْرِيم بِالصَّوْمِ وَالرَّهْن لَا يُؤثر أما زَوَال إحرامها

وإسلامها بعد الرِّدَّة وَطَلَاق زَوجهَا إِيَّاهَا فَفِيهِ خلاف لتأكيد هَذِه الْأَسْبَاب وَإِيجَاب ذَلِك فِي المزدوجة اولى لِأَن الزَّوْج قد اسْتحق مَنَافِعهَا ثمَّ يرجع الإستحقاق إِلَيْهِ أما إِذا اشْترى منكوحته الرقيقة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَن الْحل دَائِم من شخص وَاحِد وَالثَّانِي يجب لتبدل جِهَة الْحل وَلَو بَاعَ جَارِيَته بِشَرْط الْخِيَار ثمَّ رجعت إِلَيْهِ فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِن قُلْنَا لم يزل ملكه فَلَا اسْتِبْرَاء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَحرم الْوَطْء لزم الإستبراء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَلَكِن الْوَطْء جَائِز لِأَنَّهُ فسخ فها هُنَا يحْتَمل أَن يُقَال الْحل مطرد والجهة متحدة بِخِلَاف شِرَاء الزَّوْجَة فَلَا اسْتِبْرَاء وَيحْتَمل أَن ينظر إِلَى تجدّد الْملك وَبِه يُعلل اسْتِبْرَاء الْمَنْكُوحَة الْمُشْتَرَاة فرع لَو اشْترى مُحرمَة أَو مُعْتَدَّة أَو مُزَوّجَة فَفِي وجوب استبرائها بعد انْقِضَاء الْعدة أَو بعد طَلَاق الزَّوْج من غير دُخُول نُصُوص مضطربة للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقيل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب وَهُوَ الْقيَاس وَلَا يبعد أَن يتَأَخَّر الإستبراء عَن الْملك إِلَى وَقت الطَّلَاق ونزوال الْعدة

وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن الْمُوجب جلب الْملك وَلم تكن إِذْ ذَاك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَهُوَ كَشِرَاء الْأُخْت من الرَّضَاع لَا يُوجب الإستبراء وَلما حصل الْحل لم يَتَجَدَّد ملك حَتَّى يجب بِهِ السَّبَب الثَّانِي زَوَال الْملك فَنَقُول الْجَارِيَة الْمَوْطُوءَة مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لم تكن فَهِيَ فِي حكم مستفرشة فَإِذا اعتقت بعد موت السَّيِّد أَو بِالْإِعْتَاقِ فعلَيْهَا التَّرَبُّص بقرء وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أما الْمُسْتَوْلدَة فتتربص عِنْد الْعتْق وَلَكِن بِثَلَاثَة أَقراء نظرا إِلَى كمالها فِي الْحَال وَأما الْأمة فَلَا تربص عَلَيْهَا وَزَاد فَقَالَ لَو وَطئهَا السَّيِّد وَأَرَادَ فِي الْحَال تَزْوِيجهَا جَازَ من غير اسْتِبْرَاء وَهَذَا هجوم عَظِيم على خلط الْمِيَاه وَعِنْدنَا أَن كل جَارِيَة مَوْطُوءَة لَا يحل تَزْوِيجهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء وَكَأن هَذَا الإستبراء من نتيجة حُصُول ملك الزَّوْج فَإِن ملك السَّيِّد لم يزل إِلَّا أَنه يجب تَقْدِيمه على الْملك لِأَن النِّكَاح يقْصد لحل الْوَطْء فَلَا يُمكن عقده إِلَّا بِحَيْثُ يستعقب الْحل وَأما المُشْتَرِي فيستبرىء بعد الْملك لِأَن الشِّرَاء بِقصد الْأَغْرَاض الْمَالِيَّة فَلَا يقبل الْحجر بِسَبَب الْوَطْء نعم إِن عزم على الشِّرَاء قدم الإستبراء عَلَيْهِ

فروع الأول لَو اشْترى المستفرشة المستبرأة تسلط على التَّزْوِيج وَأعْتق قبل التَّزْوِيج أَو بَاعَ وَأَرَادَ المُشْتَرِي التَّزْوِيج أَو أعتق المُشْتَرِي قبل الْوَطْء فَأَرَادَ التَّزْوِيج فَفِي جَوَاز ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ الظَّاهِر أَنه يجوز إِذْ كَانَ يجوز قبل زَوَال الْملك فطرآن الْعتْق أَو الشِّرَاء لم يحرم تزويجا كَانَ ذَلِك جَائِزا وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لِأَن زَوَال ملك الْفراش سَبَب يُوجب عدَّة الإستبراء وَقد طَرَأَ فَامْتنعَ بِهَذَا الطارىء حَتَّى يَزُول وَالثَّالِث أَن ذَلِك يمْنَع فِي الْمُسْتَوْلدَة دون الرقيقة لِأَنَّهَا بالمستفرشة أشبه وَالثَّانِي الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا طَلقهَا زَوجهَا واعتدت فَأعْتقهَا السَّيِّد وَأَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل الْوَطْء فَهَل لَهُ ذَلِك فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ كَانَ يجوز قبل الْعتْق وَالثَّانِي لَا لِأَن عتقهَا هُوَ زَوَال ملك الْفراش وَقد صَارَت مستفرشة لَهُ بِانْقِضَاء عدتهَا وَإِن لم يَطَأهَا إِذْ عَادَتْ إِلَى فرَاشه أما إِذا قَالَ أَنْت حرَّة مَعَ آخر الْعدة فها هُنَا لم ترجع إِلَى فرَاشه فَمنهمْ من قطع بِجَوَاز التَّزْوِيج وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَجعل مُجَرّد زَوَال الْملك عَن الْمُسْتَوْلدَة سَببا للعدة الثَّالِث إِذا أعتق الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة وَهِي فِي صلب النِّكَاح أَو عدته فَالظَّاهِر

أَن الإستبراء لَا يجب لِأَنَّهُ لَيْسَ الزائل فراشا لَهُ بل هِيَ فرَاش للزَّوْج وَفِيه قَول آخر أَنه يجب لزوَال ملك السَّيِّد وَقد كَانَت مستفرشة من قبل فَإِن أَوجَبْنَا فِي الْعدة فَلَا يخفى أَنَّهُمَا لَا يتداخلان وَيبقى النّظر فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا سبق الرَّابِع إِذا أعتق مستولدته وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا فِي مُدَّة الإستبراء فَفِي جَوَازه خلاف وَالْأَظْهَر جَوَازه كَمَا لَو وَطئهَا بِالشُّبْهَةِ وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن زَوَال الْملك أوجب تعبدا بالإستبراء وَلذَلِك منع من التَّزْوِيج من الْغَيْر على وَجه مَعَ أَنه كَانَ جَائِزا قبل الْعتْق الْخَامِس الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا مَاتَ زَوجهَا وسيدها جَمِيعًا فَإِن مَاتَ السَّيِّد أَولا فعلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة أَرْبَعَة أشهر وَعشر فَإِن مَاتَ الزَّوْج أَولا فعلَيْهَا نصف ذَلِك وَإِن استبهم فعلَيْهَا الْأَخْذ بالأحوط وَذَلِكَ ظَاهر إِذا فرعنا على الصَّحِيح فِي أَنه لَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاء للسَّيِّد وَإِن أَوجَبْنَا فَبعد مُضِيّ عدَّة الْوَفَاة لَا بُد من شهر آخر إِلَّا إِذا كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء فتكفيها حَيْضَة وَإِن جرت فِي مُدَّة الْعدة لِأَن الْمَقْصُود وجود صُورَة الْحيض بعد موت السَّيِّد وَقد حصل وَإِن لم تجر فَلَا بُد مِنْهَا بعد الْعدة وَإِن مَاتَا مَعًا فَلَا اسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا مَا عَادَتْ إِلَى فرَاشه وَالظَّاهِر أَن عدتهَا شَهْرَان وَشَيْء بِخِلَاف مَا لَو تقدم موت السَّيِّد بلحظة على موت الزَّوْج وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَو عتقت فِي أثْنَاء الْعدة استكملت عدَّة الْحَرَائِر فَإِذا أعتقت مَعَ مَوته فَهُوَ أولى بذلك

قَاعِدَة يجوز اعْتِمَاد قَوْلهَا إِنِّي حِضْت فَلَا سَبِيل إِلَى تحليفها إِذْ لَا يرتبط بنكولها حكم فَإِن السَّيِّد لَا يُقرر على الْحلف وَلَا اطلَاع لَهُ على حَيْضهَا وَلَو امْتنعت عَن غشيانه وَرفعت إِلَى القَاضِي فَقَالَ قد أَخْبَرتنِي بِالْحيضِ فَالْأَوْجه تَصْدِيق السَّيِّد وتسليطه إِذْ لَوْلَا ذَلِك لَوَجَبَتْ الْحَيْلُولَة بَينهمَا كَمَا فِي وَطْء الشُّبْهَة فالإستبراء بَاب من التَّقْوَى فيفوض إِلَى السَّيِّد وَذكر القَاضِي أَنه لَا يبعد أَن يكون لَهَا الْمُخَاصمَة وَالدَّعْوَى حَتَّى إِن الْجَارِيَة الموروثة لَو ادَّعَت أَن الْمُورث وَطئهَا وطئا محرما على الْوَارِث فللوارث أَن لَا يصدقها وَهل لَهَا تَحْلِيفه فِيهِ خلاف فَكَذَلِك هَذَا ويتأيد بِوَجْه ذكر أَن لَهَا الإمتناع عَن وقاع السَّيِّد الأبرص فيشعر بِأَنَّهَا صَاحِبَة حق على الْجُمْلَة

الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا تصير بِهِ الْأمة فراشا فَنَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلَد للْفراش فَإِذا اسْتَبْرَأَ جَارِيَة فَأَتَت بِولد قبل أَن يَطَأهَا فَلَا يلْحق بِهِ إِذْ لَا فرَاش وَتصير فراشا بِالْوَطْءِ وَإِنَّمَا يلْحقهُ الْوَلَد إِذا اسْتَلْحقهُ أَو أَتَت بِهِ لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُ بعد الْوَطْء وَيثبت الْفراش بِأَن يقر بِوَطْء عري عَن دَعْوَى الإستبراء والعزل وَالصَّحِيح أَن دَعْوَى الْعَزْل لَا تَنْفِي الْوَلَد لِأَن المَاء سباق لَا يدْخل تَحت الإختيار وَالصَّحِيح أَن اعترافه بِالْوَطْءِ فِي غير المأتى لَا يلْحق الْوَلَد بِهِ أما إِذا قَالَ وطِئت واستبرأتها بعده بحيض فَالْمَذْهَب أَنه يَنْتَفِي عَنهُ الْوَلَد بِغَيْر لعان لِأَن فرَاش الْأمة

ضَعِيف وَمِنْهُم من قَالَ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِاللّعانِ فَإِن فرعنا على الْمَذْهَب فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله فكأنا نقُول لم يقر إِقْرَارا مُلْحقًا وَإِن كَانَت هِيَ المؤتمنة فِي رَحمهَا وَلَو ادَّعَت أُميَّة الْوَلَد فلهَا تَحْلِيفه ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يحلف أَنَّهَا حَاضَت بعد الْوَطْء وَمَا وَطئهَا بعد الْحيض وَالثَّانِي أَنه يضيف إِلَى ذَلِك أَن الْوَلَد لَيْسَ مني حَتَّى يَنْتَفِي وَلَو أَتَت بعد الْوَطْء لأكْثر من أَربع سِنِين فَمُقْتَضى قَوْلنَا إِنَّهَا صَارَت فراشا أَنه يلْحقهُ فَإِن قُلْنَا إِنَّه يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء فَهَذَا أظهر وَإِن قُلْنَا لَا يَنْتَفِي فَهَذَا فِيهِ تردد وعَلى الْجُمْلَة هَذَا بِالنَّفْيِ أولى من الإستبراء وَيقرب من هَذَا أَنَّهَا لَو أَتَت بِولد ثمَّ أَتَت بِولد آخر لأكْثر من سِتَّة أشهر من الْوَلَد الأول فَإِنَّهُ ولد بعد الإستبراء بِالْوَلَدِ الأول فَمنهمْ من قَالَ يلْحق إِذْ صَارَت فراشا وَمِنْهُم من قَالَ لَا إِذْ لَيْسَ يثبت لَهَا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حكم المستفرشة وعَلى هَذَا يلْتَفت أَن المستفرشة إِذا طَلقهَا زَوجهَا هَل تعود فراشا بِمُجَرَّد الطَّلَاق حَتَّى يجب الإستبراء بِعتْقِهَا قبل الْوَطْء فَإِن قُلْنَا تعود فراشا لحقه الْوَلَد من غير إِقْرَار جَدِيد بِالْوَطْءِ لَكِن الْأَصَح أَنَّهَا لَا تعود فراشا فرع إِذا اشْترى زَوجته وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون فِي النِّكَاح وَفِي ملك

الْيَمين فيلحقه الْوَلَد إِذْ الْأمة لَا تنحط عَن البائنة وَلَكِن لَا تصير أم ولد لَهُ إِذا لم يعْتَرف بِوَطْء فِي الْملك وَفِيه وَجه أَنَّهَا تصير أم ولد لَهُ لِأَنَّهَا ولدت مِنْهُ فِي ملكه وَهُوَ بعيد نعم لَو أقرّ بِالْوَطْءِ وَاحْتمل أَن يكون من النِّكَاح وَملك الْيَمين فَيحْتَمل ترددا فِي أُميَّة الْوَلَد وَوجه إثْبَاته أَن يُقَال ملك الْيَمين مَعَ الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ يثبت فراشا نَاسِخا لفراش النِّكَاح فيحال الْوَلَد على النَّاسِخ وَيُمكن أَن يُقَال ملك الْيَمين لَا يقوى على نسخ فرَاش النِّكَاح ويبتني عَلَيْهِ تردد فِي أَن زوج الْأمة إِذا طَلقهَا قبل الْمَسِيس وَأقر السَّيِّد بِوَطْئِهَا وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُمَا فَيحْتَمل أَن يلْحق بالسيد لِأَن فرَاشه نَاسخ وَيحْتَمل أَن يعرض على الْقَائِف

= كتاب الرَّضَاع = وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَفِي الْكتاب أَرْبَعَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الرَّضَاع وشرائطه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الْأَركان فَثَلَاثَة الْمُرْضع وَاللَّبن والمرتضع أما الْمُرْضع فَهُوَ كل امْرَأَة حَيَّة تحْتَمل الْولادَة فاحترزنا بِالْمَرْأَةِ عَن الْبَهِيمَة وَالرجل فَلَو ارتضع صغيران من بَهِيمَة فَلَا أخوة بَينهمَا لِأَن الْأُخوة تتبع الأمومة وَقَالَ عَطاء تثبت الْأُخوة وَلَو در لبن من ثدي الرجل فَلَا أثر لَهُ وَفِيه وَجه أَنه كلبن الْمَرْأَة والصبية بنت ثَمَان إِن در لَبنهَا فَلَا حكم لَهُ بل هُوَ كلبن الرجل وَفِي لبن الْبكر وَجْهَان أَحدهمَا يحرم لِأَنَّهَا فِي مَحل الْولادَة وَإِن لم تَلد قطعا وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالرّجلِ إِذْ اللَّبن فرع للْوَلَد وَلَا ولد أما لَو أجهضت جَنِينا فلبنها مُؤثر وَإِذا در لبن لصبية بنت سِنِين وَقُلْنَا يعْتَبر لبن الْبكر اعْتبر ذَلِك لاحْتِمَال الْبلُوغ ثمَّ لَا يحكم ببلوغها بِمُجَرَّد اللَّبن وَلَكِن كَمَا يلْحق الْوَلَد بِابْن تسع سِنِين وَلَا يحكم بِبُلُوغِهِ

وَأما الْمَرْأَة الْميتَة إِذا بَقِي فِي ضرْعهَا لبن فَلَا يُؤثر لَبنهَا لِأَنَّهَا جثة منفكة عَن الْحل وَالْحُرْمَة كالبهيمة نعم لَو حلب فِي حَيَاتهَا وارتضع بعد الْمَوْت كَانَ محرما على الْمذَاهب وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الْمَيِّت لَا يحْتَمل ابْتِدَاء الأمومة الرُّكْن الثَّانِي اللَّبن وَالْمُعْتَبر عندنَا وُصُول عينه إِلَى الْجوف وَإِن لم يبْق اسْمه حَتَّى لَو اتخذ مِنْهُ جبن أَو أقط أَو مخض مِنْهُ زبد فَأَكله الصَّبِي حرم فَلم يتبع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اسْم اللَّبن وَإِن اتبع اسْم الْإِرْضَاع وعول على الْخَبَر فِيهِ وَلَو اخْتَلَط بمائع وَهُوَ غَالب حرم وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا بِحَيْثُ لَا يظْهر لَهُ لون وَطعم فَإِن

اخْتَلَط بِمَا دون الْقلَّتَيْنِ وَشرب الصَّبِي جَمِيعه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحرم لِأَنَّهُ قد انمحق وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعين بَاقٍ فِيهِ وَقد وصل إِلَى الْجوف فعلى هَذَا لَو شرب بعضه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يحرم لانه مُثبت فِي الْجَمِيع وَالثَّانِي لَا فَلَعَلَّهُ فِي الْبَاقِي وَالْوَجْه الْقطع بِأَنَّهُ يعْتَبر يَقِين الْإِثْبَات فَإِن شكّ فَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم أما إِذا اخْتَلَط بقلتين فالترتيب على الْعَكْس وَهُوَ أَنه إِن شرب بعضه لم يحرم وَإِن شرب كُله فَقَوْلَانِ مرتبان على مَا دون الْقلَّتَيْنِ وَأولى بِأَن لَا يُؤثر ثمَّ لم نعتبر الْقلَّتَيْنِ فِي سَائِر الْمَائِعَات بل فِي المَاء خَاصَّة واعتباره بعيد وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد المغلوب يَعْنِي بِهِ الَّذِي لَا يُؤثر فِي التغذية لَا الَّذِي لَا يُؤثر فِي اللَّوْن الرُّكْن الثَّالِث الْمحل وَهُوَ جَوف الصَّبِي الْحَيّ فَلَا يُؤثر الإيصال إِلَى جَوف الْمَيِّت وَلَا إِلَى جَوف الْكَبِير ونعني بالجوف الْمعدة وَمحل التغذية لِأَن الرَّضَاع مَا انبت اللَّحْم وأنشر الْعظم فَلَو وصل إِلَى جَوف لَا يغذي كالمثانة والإحليل فَحَيْثُ لَا يفْطر لَا يُؤثر وَحَيْثُ

يحصل الْإِفْطَار فَفِي تَحْرِيم الرَّضَاع قَولَانِ وَفِي السعوط طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بالحصول لِأَن الدِّمَاغ لَهُ مجْرى إِلَى الْمعدة فينتهي إِلَيْهَا بِخِلَاف الحقنة أما الشَّرْط فَهُوَ اثْنَان الأول الْوَقْت فَلَا أثر للرضاع بعد الْحَوْلَيْنِ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رضَاع إِلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ وَلقَوْله تَعَالَى {حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} وَلَا حكم لما بعد التَّمام وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ثَلَاثُونَ شهرا وَقَالَ ابْن أبي ليلى

ثَلَاث سِنِين وَقَالا دَاوُد أبدا وَبِه قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا واستدلت بِأَن سهلة بنت سُهَيْل قَالَت كُنَّا نرى سالما ولدا وَكَانَ يدْخل علينا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرضعيه خمس رَضعَات فَفعلت وَكَانَ كَبِيرا وأبى سَائِر الصَّحَابَة ذَلِك وَقَالُوا كَانَ ذَلِك رخصَة لسالم فرع لَو شككنا فِي وُقُوع الرَّضَاع فِي الْحَوْلَيْنِ فَيقرب من تقَابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ الأَصْل بَقَاء الْحَوْلَيْنِ وَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم وَالْأَظْهَر أَنه لَا يحرم فَإِنَّهُ الأَصْل كالماسح إِذا شكّ فِي انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح قُلْنَا الأَصْل وجوب الْغسْل لَا بَقَاء الْمدَّة الشَّرْط الثَّانِي الْعدَد فَلَا يحرم إِلَّا خمس رَضعَات لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أنزلت عشر رَضعَات مُحرمَات فنسخن بِخمْس رَضعَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحرم برضعة وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن أبي ليلى يحصل بِثَلَاث رَضعَات

ثمَّ النّظر فِي أَمريْن أَحدهمَا فِي التَّعَدُّد وَإِنَّمَا يَتَعَدَّد بتخلل فصل بَين الرضعتين وَيتبع فِيهِ الْعرف كموجب الْيَمين وَلَا يَنْقَطِع التواصل بِأَن يلفظ الصَّبِي الثدي ويلهو لَحْظَة وَلَا بِأَن يتَحَوَّل من ثدي إِلَى ثدي لِأَن ذَلِك إتْمَام رضعة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بالإضراب سَاعَة وَالْعرْف هُوَ الْمُحكم وَعند الشَّك الأَصْل نفي التَّحْرِيم أما إِذا حلبت اللَّبن دفْعَة وَاحِدَة وشربه الصَّبِي فِي خمس رَضعَات فَقَوْلَانِ الْأَصَح حُصُول الْعدَد نظرا إِلَى تقطع الْوُصُول وَالثَّانِي أَنه ينظر إِلَى اتِّحَاد الْحُصُول والإنفصال وَإِن حلب خمس دفعات وتناوله الصَّبِي من إِنَاء وَاحِد دفْعَة وَاحِدَة فَهُوَ رضعة فَإِن تنَاوله بدفعات فطريقان مِنْهُم من قطع بِالْعدَدِ لتَعَدد الطَّرفَيْنِ وَمِنْهُم من قَالَ اللَّبن فِي حكم المتحد لما اخْتَلَط الْأَمر الثَّانِي أَن يَتَعَدَّد الْمُرْضع ويتحد الْفَحْل كَالرّجلِ لَهُ خَمْسَة مستولدات أَو أَربع نسْوَة ومستولدة أرضعن بلبانه صَغِيرَة كل وَاحِدَة مرّة لَا تحصل الأمومة وَهل تحصل الْأُبُوَّة للفحل فِيهِ وَجْهَان مشهوران

أَحدهمَا أَنه لَا تحصل لِأَن الأمومة أصل والأبوة تبع وَالثَّانِي تحصل لِأَن الْأُبُوَّة أَيْضا أصل وَقد حصل الْعدَد فِي حَقه وَلَو كَانَ بدلهن خمس بَنَات فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تحصل لِأَن اللَّبن لَيْسَ مِنْهُ حَتَّى نقُول كَأَنَّهُ الْمُرْضع وَهن كالظروف للبنه لِأَن الْبَنَات كَبِنْت وَاحِدَة من وَجه وَالْأَخَوَات كالبنات وَإِذا ثبتَتْ الْحُرْمَة مَعَ ابْنَتَيْهِ انجرت إِلَيْهِ وَلَو كن مختلفات كَأُمّ وَأُخْت وَبنت وَجدّة وَزَوْجَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يحرم لِأَن هَذَا الْمَجْمُوع لَا يحصل مِنْهُ قرَابَة وَاحِدَة يعبر عَنْهَا بِعِبَارَة وَقيل يحرم إِذْ لَو استتمت كل وَاحِدَة خمْسا لحرمت فرع يعْتَبر تخَلّل فصل بَين رَضعَات الزَّوْجَات فَلَو أرضعن دفْعَة وَاحِدَة على التواصل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَتَعَدَّد لتَعَدد الْمُرْضع وَالثَّانِي أَنه يتحد كتعدد الثدي من وَاحِدَة لِأَن الصَّبِي ارتضع دفْعَة وَاحِدَة فعلى هَذَا لَو عَادَتْ وَاحِدَة وأرضعت أَرْبعا حرم عَلَيْهَا لِأَنَّهَا كملت الْخمس وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الرضعة الأولى لم تحسب رضعة تَامَّة وَلَو حسبت لحصل التَّحْرِيم بالمجموع وَهَذَا ضَعِيف

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِيمَن يحرم بِالرّضَاعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيحرم بِالرّضَاعِ أصُول وفروع وَالْأُصُول ثَلَاثَة الْمُرضعَة وَهِي الْأُم وَزوجهَا وَهُوَ الْأَب والمرتضع وَهُوَ الْوَلَد وَمِنْهُم تَنْتَشِر الْحُرْمَة إِلَى الْأَطْرَاف حَتَّى يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب بَيَانه أَنه إِذا حرم على المرتضع الْمُرضعَة حرم عَلَيْهَا أمهاتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ جدات وَحرم عَلَيْهِ أخواتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ خالات وَلم تحرم عَلَيْهِ بَنَات أخواتها وإخوتها فَإِنَّهُنَّ بَنَات الخالات والأخوال وَحرمت بناتها عَلَيْهِ نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ أَخَوَات المرتضع وَحرمت أَوْلَاد بَنَات الْمُرضعَة قربن أَو بعدن من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُ خالهن وكما حرمت الْمُرضعَة على المرتضع حرمت على أَوْلَاده من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُم حوافدها وَلم تحرم على أَب المرتضع فَلَو تزوج بهَا أَبوهُ فَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الابْن وَلَا منع مِنْهُ وَلَو تزوج أَخُوهُ بهَا فَلَا منع وَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الْأَخ وَهُوَ جَائِز وَإِنَّمَا لَا يجوز فِي النّسَب لِأَنَّهَا زَوْجَة الْأَب وَذَلِكَ حرَام بِحكم الْمُصَاهَرَة وَهَذَا الْقيَاس بِعَيْنِه جَار بَين المرتضع والفحل فَإِذا كَانَ هُوَ للمرتضع أَبَا فأبوه جد وَأَخُوهُ عَم وَابْنه أَخ وعَلى هَذَا الْقيَاس

وَالْأَصْل فِي الْفَحْل أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا احْتَجَبت من أَفْلح فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلج عَلَيْك فَإِنَّهُ عمك وَكَانَت قد ارتضعت من زَوْجَة أَخِيه وَلَا يُخَالف الرَّضَاع النّسَب إِلَّا فِي أم الْأَخ من الرَّضَاع وَأم الإبن من الرَّضَاع فَإِنَّهُمَا لَا يحرمان من الرَّضَاع وَإِنَّمَا يحرمان من النّسَب للمصاهرة والزوجية

فصل فِي مسَائِل تتَعَلَّق بالفحل خَاصَّة فَنَقُول إِنَّمَا تثبت الْحُرْمَة من الْفَحْل إِذا أرضعت بلبانه وَنسب اللَّبن ينْسب الْوَلَد إِلَيْهِ وكل ولد منفي عَنهُ فاللبن الْحَاصِل بِسَبَبِهِ منفي عَنهُ كَوَلَد الزِّنَا وَالْولد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ وَأما لبن الْمَوْلُود من وَطْء الشُّبْهَة فَالصَّحِيح أَنه مَنْسُوب إِلَيْهِ كَالْوَلَدِ وَقد نقل فِيهِ قَول وَوَجهه أَن النّسَب يثبت للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الرَّضَاع وَكَذَا طردوا هَذَا القَوْل فِي الصهر فرعان أَحدهمَا أَنه لَو وطِئت الْمَنْكُوحَة بِالشُّبْهَةِ وَأَتَتْ بِولد بِحَيْثُ يعرض على الْقَائِف وفرعنا على الصَّحِيح فِي ثُبُوت الرَّضَاع بِوَطْء الشُّبْهَة فالرضاع تبع للنسب فَإِذا أرضعت صَغِيرا فَهُوَ ولد من ألحق الْقَائِف بِهِ الْمَوْلُود فَإِن لم يكن قائف وَبلغ الْمَوْلُود وانتسب إِلَى أَحدهمَا تبعه المرتضع فِي الرَّضَاع فَإِن مَاتَ قبل الإنتساب فَفِي الرَّضِيع ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه ينتسب بِنَفسِهِ كَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ تَابع والآن مَاتَ الْمَتْبُوع فَقَامَ مقَامه وَلَكِن هُوَ ينتسب عِنْد عدم الْوَلَد

وَالثَّانِي أَنه لَا ينتسب لِأَن الْوَلَد يَبْنِي على ميل فِي الطَّبْع تَقْتَضِيه الْخلقَة وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق فِي الرَّضَاع فعلى هَذَا نسبه فِي الرَّضَاع مُبْهَم بَينهمَا فَيحرم عَلَيْهِ مواصلتهما جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَالثَّالِث أَن الْأَمر مَوْقُوف وَالْحُرْمَة قَائِمَة وَعَلِيهِ أَن لَا يواصلهما جَمِيعًا وَلَكِن لَهُ مُوَاصلَة أَحدهمَا وَإِذا فعل تعين وَلم يجز لَهُ بعد ذَلِك مُوَاصلَة الثَّانِي وَإِن طلثق الأول وَفِيه وَجه أَن لَهُ مُوَاصلَة الثَّانِي مهما طلق الأول وَإِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ الْجمع لِأَن يتَيَقَّن التَّحْرِيم عِنْد الْجمع لَا عِنْد الْإِفْرَاد وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر أَنه يثبت نسبه فِي الرَّضَاع مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يحمل أَبَوَانِ من الرَّضَاع وَلَا يحمل من النّسَب وَهَذَا ضَعِيف إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ شُمُول التَّحْرِيم وَذَلِكَ صَحِيح الْفَرْع الثَّانِي إِذا طلق زَوجته ولبنها دَار فَهُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ أبدا وَكَذَلِكَ لَو انْقَطع وَعَاد مَا لم تضع حملا من واطىء آخر وَقيل إِنَّه يتَقَدَّر بِأَرْبَع سِنِين وَهُوَ أقْصَى مُدَّة الْحمل وَهُوَ فَاسد لِأَن اللَّبن لَا تتقدر مدَّته وَمهما وضعت حملا من واطىء لخر شُبْهَة أَو نِكَاح انْقَطع نِسْبَة اللَّبن عَنهُ اما فِي مُدَّة الْحمل فِي النِّكَاح الثَّانِي فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الأول إِن قَالَ أهل الْبَصَر لم يدْخل وَقت درور اللَّبن من الثَّانِي فَإِن قَالُوا دخل فَفِيهِ نظر فَإِن كَانَ اللَّبن لَا يَنْقَطِع فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه للْأولِ استصجابا وَالثَّانِي أَنه لَهما وَالثَّالِث أَنه إِن زَاد اللَّبن فَلَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ للْأولِ

وَأما إِذا كَانَ قد انْقَطع وَعَاد بِالْحملِ فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه للْأولِ إِذْ لم يطْرَأ قَاطع مَعْلُوم فَلَا نبالي بقول أهل الْبَصَر إِن ذَلِك جَائِز وَلَا بِانْقِطَاع اللَّبن وَالثَّانِي أَنه للثَّانِي لِأَن الْحمل نَاسخ وَالثَّالِث أَنه لَهما جَمِيعًا وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان الرَّضَاع الْقَاطِع للنِّكَاح وَحكم الْغرم فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويشتمل هَذَا الْبَاب على غوامض الْكتاب وَلَا بُد من تَقْدِيم أصلين أَحدهمَا فِي الْغرم وَالثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ الأول فِي الْغرم فَإِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة فأرضعتها أمه أَو امْرَأَته بلبانه حرمت زَوجته الصَّغِيرَة وَانْقطع النِّكَاح وعَلى الزَّوْج نصف الْمُسَمّى قبل الْمَسِيس وجميعه حَيْثُ يَنْقَطِع النِّكَاح بِمثلِهِ بعد الْمَسِيس وَأما الْمُرضعَة فقد فوتت ملك النِّكَاح عَلَيْهِ فَلَا بُد وَأَن تغرم وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عَلَيْهَا قبل الْمَسِيس نصف مهر الْمثل وَنَصّ فِي شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا أَنهم يغرمون جَمِيع مهر الْمثل فَقيل قَولَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى أَن المستقر هُوَ النّصْف توفّي الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَن الْملك بِكَمَالِهِ مُسْتَقر وَإِنَّمَا يسْقط الشّطْر بِالطَّلَاق فَيجب جَمِيع الْمهْر وَمِنْهُم من فرق بِأَن الشُّهُود لم يقطعوا بَاطِنا ملكه وَإِنَّمَا أوقعوا حيلولة والإرضاع قطع النِّكَاح وَالْقطع قبل الْمَسِيس لَا يُوجب إِلَّا النّصْف وَمِنْهُم من أقرّ النَّص فِي الشُّهُود وَخرج مِنْهُ قولا إِلَى الرَّضَاع أَنه يجب التَّمام وَهُوَ مُتَّجه فِي الْقيَاس وَذكر بعض أَصْحَابنَا قَوْلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا أَنه يغرم نصف الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي فَاتَ على الزَّوْج مُتَقَوّما أما الْبضْع فَلَا

يتقوم وَهُوَ مَذْهَب أببي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي كَمَال الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي بذل الزَّوْج إِذْ التشطير خاصية الزَّوْج وَفِي الشُّهُود قَول خَامِس أَن الزَّوْج إِن كَانَ بذل كَمَال الْمُسَمّى وَجب كَمَال الْمُسَمّى لِأَن الزَّوْج مُنكر للطَّلَاق فَلَا يُمكنهُ اسْتِرْدَاد شطر الْمُسَمّى أما إِذا جرى بعد الْمَسِيس بِأَن كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وصغيرة فأرضعت أم الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حَتَّى صارتا أُخْتَيْنِ فَحرم جميعهما اندفعا على الصَّحِيح وَفِيمَا تغرم لأجل الْكَبِيرَة الممسوسة قَولَانِ الصَّحِيح الْمَقْطُوع بِهِ أَنَّهَا تغرم كَمَال مهر الْمثل وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم شَيْئا لِأَن الزَّوْج بِالْوَطْءِ استوفى مَا يُقَابل الْمهْر وَكَذَلِكَ إِذا ارْتَدَّت بعد الْمَسِيس لم تغرم شَيْئا وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الرَّضَاع مِنْهَا قصدا فَلَو كَانَت الْمُرضعَة نَائِمَة فدبت الصَّغِيرَة إِلَيْهَا وامتصت فالفسخ محَال على الصَّغِيرَة حَتَّى يسْقط كَمَال الْمُسَمّى وَلَا تغرم الْمُرضعَة لعدم الْقَصْد وَلَا خلاف فِي أَن فعلهَا فِي الإرتضاع لَا يعْتَبر مهما كَانَت الْمُرضعَة قاصدة بل يُحَال على جَانب الْمُرضعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي النائمة وَجْهَيْن آخَرين أَحدهمَا أَنه يُحَال على الْمُرضعَة لِأَنَّهَا صَاحِبَة اللَّبن فتنسب إِلَيْهِ وَهَذَا ضَعِيف

وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم لِأَنَّهَا لم تقصد وتستحق الصَّغِيرَة نصف الْمُسَمّى إِذْ لَا عِبْرَة بِفِعْلِهَا أما إِذا قطرت قَطْرَة من اللَّبن فطيرها الرّيح إِلَى فَم الصَّغِيرَة فَلَا غرم على صَاحِبَة اللَّبن وَالصَّغِيرَة تسْتَحقّ شطر الْمهْر إِذْ لَا فعل لَهَا وَيرجع وَجه فِي النّظر إِلَى صَاحِبَة اللَّبن الأَصْل الثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ فَنَقُول إِذا أرضعت امْرَأَة صبية فنكح الصبية رجل حرم عَلَيْهِ الْمُرضعَة لِأَنَّهَا أم زَوجته والأمومة سَابِقَة على الزَّوْجِيَّة فَلَو نكح صبية وأبانها فأرضعتها كَبِيرَة حرمت الْكَبِيرَة على الْمُطلق لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة كَانَت زَوجته إِذْ لَا ينظر إِلَى التَّارِيخ والتقديم وَالتَّأْخِير وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ والمطلقة أَو الْمُسْتَوْلدَة إِذا نكحت صَغِيرا ثمَّ أَرْضَعَتْه بلبان الزَّوْج أَو السَّيِّد حرما على الْمُطلق وَالسَّيِّد لِأَن الرَّضِيع صَار ابْنا وَهِي كَانَت زَوجته قبل أَن صَار ابْنا فصارتا أم الزَّوْجَة وَكَذَلِكَ لَو نكح زيد كَبِيرَة وَعَمْرو صَغِيرَة ثمَّ طَلَّقَاهُمَا ونكح كل وَاحِد زَوْجَة صَاحبه فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حرمت الْكَبِيرَة عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة هِيَ زوجتهما وَأما الصَّغِيرَة فَإِن لم يكن زيد قد دخل بالكبيرة لما كَانَت تَحْتَهُ فنكاح الصَّغِيرَة بَاقٍ لِأَنَّهَا صَارَت ربيبة امْرَأَة لم يدْخل بهَا فَإِن كَانَ قد دخل بالكبيرة حرمت الصَّغِيرَة وانفسخ النِّكَاح لِأَنَّهَا ربيبة مَدْخُول بهَا فَإِن تمهد هَذَانِ الأصلان انشعب مِنْهُمَا صور

الصُّورَة الأولى إِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة وكبيرة فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة بلبان الزَّوْج حرمتا عَلَيْهِ على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة صَارَت ولد الزَّوْج فَإِن أرضعتها بلبان غَيره وَكَانَ بعد الدُّخُول بالكبيرة حرمتا على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة ربيبة مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبّدَة لما سبق وانفسخ نِكَاح الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا اجْتمعت مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح وَلَا يحرم تَجْدِيد نِكَاحهَا لِأَنَّهَا ربيبة غير مَدْخُول بهَا أما الْغرم فَإِن ظهر فعلهَا يسْقط مهرهَا قبل الدُّخُول وَغرم مهر الصَّغِيرَة كَمَا سبق الصُّورَة الثَّانِيَة لَو كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغَار فأرضعتهن دفْعَة بِأَن حلبت اللَّبن فأوجرتهن دفْعَة حرمت هِيَ على التأييد لِأَنَّهَا أم زَوْجَاته وانفسخ نِكَاح الصغار لمعنيين أَحدهمَا ثُبُوت الاخوة بَينهُنَّ وَالثَّانِي اجتماعهن مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح وَلم يحرمن مُؤَبَّدًا لِأَن تحريمهن بِسَبَب الإجتماع وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يكون الإرتضاع بلبان الزَّوْج وَأَن يكون قبل دُخُوله بالكبيرة حَتَّى لَا يصرن ربائب مَدْخُول بهَا وَإِن أرضعت الْأَوليين ثمَّ الثَّالِثَة انْفَسَخ نِكَاحهَا مَعَ الْأَوليين وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّالِثَة إِذْ لم يبْق فِي نِكَاحه امْرَأَة حَتَّى يمْتَنع الإجتماع فَلَو أرضعت وَاحِدَة فَوَاحِدَة على التَّرْتِيب انْفَسَخ نِكَاح الْكُبْرَى مَعَ الأولى وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة فِي الْحَال وَهل يَنْفَسِخ مَعَ نِكَاح الثَّالِثَة وَقد أرضعتها وَتَحْته الصَّغِيرَة الثَّانِيَة فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا نعم وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُمَا أختَان فَلَيْسَتْ إِحْدَاهمَا بالإندفاع أولى من الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنه تخْتَص الثَّالِثَة باندفاع نِكَاحهَا لِأَن سَبَب الْجمع وجد بإرضاعها وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أَجْنَبِيَّة صغيرتين تَحت زوج وَاحِد على التوالي انْدفع نِكَاح الثَّانِيَة وَفِي الأولى قَولَانِ وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أم إِحْدَى الصغيرتين الْأُخْرَى انْفَسَخ نِكَاح المرتضعة وَفِي الْأُخْرَى الْقَوْلَانِ وَالأَصَح فِي الْكل التدافع وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَلَو كَانَ تَحْتَهُ أَربع صغَار فجَاء ثَلَاث خالات للزَّوْج من جِهَة الْأَب وَالأُم وأرضعت كل وَاحِدَة وَاحِدَة لم يَنْفَسِخ نِكَاحهنَّ لِأَنَّهُنَّ صرن بَنَات الخالات فَلَو جَاءَت بعد ذَلِك أم أم الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب لأم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة حرمت هِيَ مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة للزَّوْج وَصَارَت خَالَة للصغائر الثَّلَاث إِذْ صَارَت اختا للخالة الَّتِي أرضعتهن وَأُخْت الْخَالَة خَالَة فينفسخ نِكَاحهَا وَفِي انْفِسَاخ نِكَاح الثَّلَاث وَهِي بَنَات أُخْتهَا وَقد اجْتَمعْنَ فِي النِّكَاح مَعهَا قَولَانِ لِأَن سَبَب الْجمع مُحَقّق مِنْهَا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو كَانَت الخالات متفرقات إِحْدَاهُنَّ للْأَب وَالْأُخْرَى للْأُم وَالْأُخْرَى للأبي وَالأُم وَجَاءَت أم أم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة انْفَسَخ نِكَاحهَا وَأما الصَّغَائِر الثَّلَاث فالتي أرضعتها الْخَالَة للْأَب لَا يَنْفَسِخ نِكَاحهَا لِأَن الخؤولة للرابعة حصلت من جِهَة أم أم الزَّوْج وَالْخَالَة للْأَب لَا تتصل بهَا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو جَاءَت امْرَأَة أَب أم الزَّوْج وأرضعت الرَّابِعَة بلبان أَب أم الزَّوْج يَنْفَسِخ

نِكَاحهَا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة الزَّوْج للْأَب وَهل يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّلَاث أما الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأَب أَو للْأَب وَالأُم فَفِي انْفِسَاخ نِكَاحهَا قَولَانِ وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأُم لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة مِنْهَا لِأَن الخؤولة ثبتَتْ لَهَا من جِهَة أَب أم الزَّوْج وَهِي خَالَة من جِهَة أم أم الزَّوْج وَيخرج على هَذِه الْقَاعِدَة ثَلَاث عمات مجتمعات أَو متفرقات وَفرض إِرْضَاع الرَّابِعَة من أم أَب الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب أَب الزَّوْج الصُّورَة الثَّالِثَة تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغائر وللكبيرة ثَلَاث بَنَات كبار فأرضعت كل بنت كَبِيرَة للكبيرة صَغِيرَة فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت جدة للصغائر وَحرمت الصَّغَائِر مُؤَبَّدًا لِأَنَّهُنَّ ربائب مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول انْفَسَخ نِكَاحهنَّ وَلم يحرم على التَّأْبِيد إِلَّا الْكَبِيرَة فَإِنَّهَا أم الزَّوْجَات وَإِنَّمَا يَنْفَسِخ إِذا جرى الْإِرْضَاع دفْعَة من غير توال وَإِن جرى على التوالي انْفَسَخ نِكَاح الأولى مَعَ الْأُم وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَإِن حلبن اللَّبن فِي ظرف وَاحِد وأرضعن دفْعَة انْدفع نِكَاح الْكل والمرضعات يشتركن فِي غَرَامَة مُهُور الصَّغَائِر فِي هَذِه الصُّورَة لامتزاج اللَّبن وَإِن انْفَرَدت كل وَاحِدَة بالإرضاع مَعًا انْفَرَدت كل وَاحِدَة بغرامة مهرهَا واشتركن فِي غَرَامَة مهر الْكَبِيرَة إِذْ كل وَاحِدَة أَتَت بعلة كَامِلَة فِي دفع نِكَاحهَا الصُّورَة الرَّابِعَة نكح كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كَبِيرَة بلبانه الصغيرتين على التَّرْتِيب وَكَذَلِكَ فعلت الْكَبِيرَة الثَّانِيَة حرمت الكبيراتان والصغيرتان على الْأَبَد غير أَن الْكَبِيرَة لما أرضعت الصَّغِيرَة الأولى أفسدت نِكَاح نَفسهَا وَنِكَاح تِلْكَ الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا صَارَت أم الزَّوْجَة وَصَارَت الصَّغِيرَة بِنْتا وَلما أرضعت الثَّانِيَة فسد نِكَاح الثَّانِيَة لِأَنَّهَا أَيْضا صَارَت بِنْتا فَسقط مهر الْكَبِيرَة إِن كَانَ قبل الدُّخُول وتغرم مهر الصغيرتين كَمَا سبق وَأما الْكَبِيرَة

الثَّانِيَة فَلم تفْسد إِلَّا نِكَاح نَفسهَا فَلَا مهر لَهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهَا أما إِذا لم يكن بلبان الزَّوْج فَلَا تصير الصَّغِيرَة بِنْتا بل ربيبة فَلَا يخفى حكمهَا قبل الدُّخُول وَبعده وَحكم الْآيَة قَائِم بِالْإِجْمَاع قبل الدُّخُول

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الدَّعْوَى وَالْحلف وَالشَّهَادَة أما الدَّعْوَى فَإِن توافقا على الرَّضَاع حكم باندفاع النِّكَاح وَلَا يجب إِلَّا مهر الْمثل إِن جرى مَسِيس وَإِن ادّعى أَحدهمَا قضي بِمُوجب قَوْله فِيمَا عَلَيْهِ وطولب بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا لَهُ فَإِن ادّعى الزَّوْج انْدفع النِّكَاح وَلم يسْقط مهرهَا بقوله وَإِن ادَّعَت الْمَرْأَة سقط مهرهَا إِن لم تكن قبضت وَإِن جرى الْقَبْض فَلَا يقدر الزَّوْج على الإسترداد لِأَنَّهُ مُنكر للرضاع أما التَّحْلِيف فالمنكر يحلف على نفي الْعلم بجريان الرَّضَاع لِأَن الرَّضَاع فعل الْغَيْر وَلَا نظر إِلَى فعلهَا فِي الْإِرْضَاع لِأَنَّهَا كَانَت صَغِيرَة فَإِن نكلت حلف الزَّوْج على الْبَتّ بجريان الرَّضَاع وَقَالَ الْقفال يحلف على الْعلم بجريان الرَّضَاع لتطابق الْيَمين الْمَرْدُودَة يَمِينهَا على الضِّدّ وَالصَّحِيح أَن ذَلِك ذكره على سَبِيل الإستحباب وَإِلَّا فَإِذا حلف على الرَّضَاع جزما كفى أما الشَّهَادَة فلهَا طرفان الأول عدد الشُّهُود وصفتهم فَلَا بُد من أَربع نسْوَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يَكْفِي اثْنَتَانِ وَتقبل شَهَادَة النسْوَة وحدهن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد من رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ

وَلَو شهِدت أم الْمَرْأَة وابنتها لم تقبل إِن كَانَت هِيَ المدعية وَإِن كَانَت مُنكرَة قبل عَلَيْهَا وَلَو ابْتَدَأَ الشَّهَادَة من غير دَعْوَى على سَبِيل الْحِسْبَة قبل إِذْ رُبمَا تكون عَلَيْهَا وَرُبمَا تكون لَهَا وَشَهَادَة الْحِسْبَة تقبل فِي الرَّضَاع كَمَا فِي الطَّلَاق وَتقبل شَهَادَة الْمُرضعَة وَإِن شهِدت على فعلهَا إِذْ لَيْسَ تقصد إِثْبَات الْفِعْل بل وُصُول اللَّبن إِلَّا إِذا كَانَ غرضها الْأُجْرَة فَلَا تقبل وَقَالَ الفوراني لَو شهِدت على أَنَّهَا ارتضعت مني قبل وَلَو قَالَت أشهد أَنِّي أرضعتها فَلَا تقبل لفساد الصِّيغَة الطّرف الثَّانِي فِي التَّحَمُّل وَيحصل ذَلِك بِأَن يُشَاهد الصَّغِير قد الْتَقم الثدي وَهُوَ يتجرع وتتحرك حنجرته مستجرا حَرَكَة يحصل لَهُ بهَا علم بوصول اللَّبن إِلَى جَوْفه من قرينَة الْحَال وَالظَّن الْغَالِب كَالْعلمِ كَمَا فِي الشَّهَادَة على الْملك وَلَكِن عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة يَنْبَغِي أَن يجْزم القَوْل بِأَن بَينهمَا رضَاعًا محرما فَإِن شهد على الْإِرْضَاع فليذكر شَرَائِطه من الْوَقْت وَالْعدَد وَهل يجب ذكر وُصُول اللَّبن إِلَى الْجوف فِيهِ خلاف وَلَا شكّ فِي أَن القَاضِي لَو استفضل فَعَلَيهِ ذَلِك وَلَكِن لَو مَاتَ الشَّاهِد قبل التَّفْصِيل فَهَل للْقَاضِي التَّوَقُّف فِيهِ وَجْهَان وَمن اكْتفى بِدُونِ ذَلِك علل بِأَن الْوُصُول إِلَى الْجوف لَا يرى بِخِلَاف ولوج الْآلَة فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ يرى وَلَا خلاف فِي أَنه لَو حكى الْقَرَائِن الَّتِي شَاهدهَا فِي الرَّضَاع لم يقبل إِن كَانَ ذَلِك مُسْتَند علمه

= كتاب النَّفَقَات = والأسباب الْمُوجبَة للنفقات ثَلَاثَة الزَّوْجِيَّة والقرابة وَملك الْيَمين

السَّبَب الأول الزَّوْجِيَّة وَيجب على الزَّوْج النَّفَقَة بالِاتِّفَاقِ وَهِي خَمْسَة أَشْيَاء الطَّعَام والإدام وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى وَآلَة التَّنْظِيف كالمشط والدهن وَالْخَادِم إِن كَانَت مِمَّن تخْدم ثمَّ الْخَادِم تسْتَحقّ الطَّعَام والأدم وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَة وتستحق الْخُف لترددها فِي الْخُرُوج وَالْمَرْأَة لَا تسْتَحقّ الْخُف بل المكعب للتردد فِي الْمسكن وَلَا تسْتَحقّ الخادمة آلَة التَّنْظِيف وَلَا تسْتَحقّ الزَّوْجَة المعالجة بالداء والفضد والحجامة وَشرح هَذِه الْأُمُور مَعَ مسقطات النَّفَقَة فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي قدر النَّفَقَة وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَشَرحه فِي فصلين الْفَصْل الأول فِي الْمِقْدَار وَالْكَلَام فِي هَذِه الاشياء الْمَذْكُورَة وَهِي سِتَّة أَشْيَاء الْوَاجِب الأول هُوَ الطَّعَام وَهُوَ مد على الْمُعسر ومدان على الْمُوسر وَمد وَنصف على الْمُتَوَسّط وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِنَّه لَا يقدر بل الْوَاجِب قدر الْكِفَايَة كَنَفَقَة الْقَرِيب وَنقل الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قولا غَرِيبا على مُوَافَقَته وَنقل صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن الزِّيَادَة على الْمَدّ لَا مرد لَهُ فَهُوَ إِلَى فرض القَاضِي وَالْمذهب هُوَ الأول ومستنده أَن اعْتِبَار الْكِفَايَة لَا يَصح مَعَ أَنَّهَا تسْتَحقّ فِي يَوْم مَرضهَا وشبعها فَإِذا بطلت

الْكِفَايَة فَأَقل طَعَام أوجبه الشَّرْع الْمَدّ فِي الْكَفَّارَات وَهُوَ الْقدر الَّذِي يجتزىء بِهِ الزهيد ويتبلغ بِهِ الرغيب وأقصاه مدان إِذْ أوجبهما الشَّرْع فِي الْفِدْيَة وَالْوسط مَا بَينهمَا وَقد ثَبت أَن ذَلِك يخْتَلف لقَوْله تَعَالَى {على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فتقدير الله تَعَالَى أولى من تَقْدِير القَاضِي وَأحسن مُسْتَند لتقدير القَاضِي تَقْدِير الشَّرْع وَإِنَّمَا ينظر إِلَى حَال الزَّوْج عندنَا فِي الْعَجز وَالْقُدْرَة لَا إِلَى حَالهَا والمعسر هُوَ الَّذِي لَا يملك شَيْئا أصلا فَعَلَيهِ مد وَلَا يزِيد فَإِن كَانَ قَادِرًا على كسب الزِّيَادَة فَإِن خرج عَن حد اسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين بِملك مَال نظر فَإِن كثر فَهُوَ مُوسر وَإِن كَانَ بِحَيْثُ لَو ألزمناه الْمَدِين أوشك أَن يرجع إِلَى حد الْمَسَاكِين فَهُوَ متوسط فَعَلَيهِ مد وَنصف وَلَيْسَ على الْمكَاتب وَالْعَبْد إِلَّا نَفَقَة المعسرين وَكَذَلِكَ من نصفه عبد وَنصفه حر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله عَلَيْهِ نصف نَفَقَة المعسرين وَنصف نَفَقَة الموسرين هَذَا حكم الْمِقْدَار أما جنس الطَّعَام فغالب قوت الْبَلَد فَإِن اخْتلف فَمَا يَلِيق بِالزَّوْجِ وَإِن كَانَ حَال

الزَّوْج يُخَالف الْغَالِب فَهُوَ فِي مَحل التَّرَدُّد الْوَاجِب الثَّانِي الْأدم وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مكيلة زَيْت أَو سمن وَهَذَا تقريب إِذْ لَا تَقْدِير فِي الشَّرْع فِيهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِب مَا يَكْفِي مَعَ الْمَدّ أَو الْمَدِين وَالرُّجُوع فِي الْجِنْس إِلَى الْغَالِب فِي الْبَلَد أَو إِلَى اللَّائِق بِحَال الزَّوْج وَأما اللَّحْم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رَطْل من اللَّحْم فِي الْأُسْبُوع إِن كَانَ الْوَاجِب مدا ورطلان للْمَدِين قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بنى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَذَا على عَادَة بَلْدَة ألفها فَإِن اقْتَضَت عَادَة بَلْدَة أُخْرَى زِيَادَة على ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يُزَاد وَقَالَ الْقفال رَحمَه الله لَا زِيَادَة عَلَيْهِ لأَنا نقتصر على الْأَقَل كَمَا فِي الطَّعَام فرعان أَحدهمَا لَو كَانَت تزجى الْوَقْت بالخبز القفار فَلَا يسْقط حَقّهَا من الْأدم كَمَا إِذا لم تَأْكُل أصل الطَّعَام فَإِنَّهَا تسْتَحقّ الطَّعَام الثَّانِي لَو تبرمت بِجِنْس وَاحِد من الْأدم فَيجب على الزَّوْج إِبْدَاله على وَجه وَلَا يجب فِي وَجه بل عَلَيْهَا الْإِبْدَال إِن شَاءَت الْوَاجِب الثَّالِث الخادمة وَتجب نَفَقَة خادمتها إِذا كَانَ منصبها يَقْتَضِي أَن تخْدم وَإِن كَانَ لَا يَلِيق بمنصبها وَإِنَّمَا تخْدم لمَرض فَلَا يجب إِذْ لَا تجب أَسبَاب المعالجة وَإِن كَانَ بهَا

زمانة وَمرض دَائِم فَهِيَ كَذَلِك تحْتَاج إِلَى الخادمة فَهَذَا يحْتَمل لِأَن هَذَا الْعذر الدَّائِم لَا ينقص عَن مُرَاعَاة الحشمة ثمَّ على الْمُعسر للخادمة مد وعَلى الْمُوسر مد وَثلث كَذَلِك قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ تقريب لَا تَقْدِير إِذْ لَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ نعم هُوَ رطلان وَهُوَ لَائِق بِالْعَادَةِ فِي حق الخادمة وَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَى كفايتها إِلَّا أَن هَذَا الْقدر قدر الْكِفَايَة فِي الْغَالِب وَفِي اسْتِحْقَاق الْأدم وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالمخدومة وَلَكِن يجوز أَن يكون أدمها فِي الْجِنْس أخسر وَفِي الْمِقْدَار مَا يَلِيق بِقدر طعامها وَالثَّانِي أَنه لَا تسْتَحقّ بل تكتفي بِمَا تفضله المخدومة فِي بعض الْأَحْوَال

فروع الأول إِذا لم تملك الخادمة فعلى الزَّوْج أَن يخدمها جَارِيَة أَو حرَّة بِأُجْرَة تقدر عَلَيْهِ وَعند ذَلِك لم يكن لَهَا دخل فِي مِقْدَار نَفَقَة الخادمة وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا كَانَت الخادمة لَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي لَهَا جَارِيَة بل لَو قَالَ أَنا اخدم بنفسي فِي الطَّبْخ والكنس فَلهُ ذَلِك لَكِنَّهَا تستحيي فِي الْحمام وَفِي بَيت المَاء وَفِي بعض الْمَوَاضِع فلهَا الإمتناع صِيَانة للمروءة فَيُفِيد ذَلِك جَوَاز نُقْصَان نَفَقَة الْخَادِم لنُقْصَان الْخدمَة وَعند ذَلِك يحْتَمل التشطير أَو النّظر إِلَى مقادير الْأَفْعَال أما إِذا قَالَت أَنا أخدم بنفسي فَأعْطِنِي نَفَقَة الخادمة فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم لِأَنَّهَا أسقطت مرتبتها وَإِنَّمَا تجب النَّفَقَة لضَرُورَة بَقَاء الْمرتبَة الثَّانِي لَو كَانَت لَهَا خادمة وَأَرَادَ الزَّوْج إبدالها بِسَبَب رِيبَة فَلهُ ذَلِك وَلَا يجوز بِغَيْر عذر لِأَن قطع الإلف إِضْرَار وَلَو كَانَ مَعهَا خدام فَلهُ إِخْرَاج الْجَمِيع إِلَّا وَاحِدَة وَلَا نبالي بِقطع الإلف لِأَن الدَّار ملكه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سكناهن بل لَهُ أَن يمْنَع أَبَاهَا وَأمّهَا عَن الدُّخُول عَلَيْهَا ويمنعها عَن الْخُرُوج لزيارتهما وَلَكِن الأولى أَن لَا يفعل ذَلِك الثَّالِث لَو نكح رقيقَة وَهِي تخْدم لجمالها ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه لَا تجب نَفَقَة الخادمة لِأَن الرّقّ يُنَافِي هَذَا المنصب وَالثَّانِي أَنه تجب لِأَن الْعَادة قد تَقْتَضِيه

الْوَاجِب الرَّابِع الْكسْوَة والأثاث وَلَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ فَإِن الْعَادة تخْتَلف فِيهِ اخْتِلَافا بَينا فَلَا بُد من الْكِفَايَة وَهُوَ خمار وقميص وَسَرَاويل ومكعب فِي الصَّيف وَمثل ذَلِك فِي الشتَاء مَعَ زِيَادَة جُبَّة أما جنسه فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْمُوسر لين الْبَصْرَة وعَلى الْمُعسر غليظ الْبَصْرَة وعَلى الْمُتَوَسّط مَا بَينهمَا وَأَرَادَ الكرباس قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَ من عَادَتهَا الْكَتَّان وَالْحَرِير لزم ذَلِك عَلَيْهِ وتتبع الْعَادة قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هِيَ لبسة أهل الدّين وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ رعونة فَلَا مزِيد عَلَيْهِ وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من ملحفة وشعار ومضربة وثيرة ومخدة ولبد تَحت المضربة أَو حَصِير وَهل لَهَا طلب زلية تفرشها بِالنَّهَارِ فِيهِ وَجْهَان واقتصروا فِي الْفراش على هَذَا الْقدر وَلم يردوه إِلَى الْعَادة وَهَذَا يدل على أَن الْكسْوَة لَا تزاد على مَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا بُد من ماعون الدَّار كجرة وكوز وَقدر ومغرفة ويكتفي فِي جَمِيع ذَلِك بالخزف والخشب وَالْحجر وَأما النحاسية فطلبتها ترفه وَقد يَلِيق بالشريفة فَهُوَ كالزيادة على لين الكرباس أما الخادمة فتستحق الْكسْوَة أَيْضا وَلَكِن تخَالف جنسية المخدومة وطعامها لَا يُخَالف فِي الْجِنْس وَفِي إدامها تردد الْوَاجِب الْخَامِس آلَة التَّنْظِيف وَهُوَ الْمشْط والدهن وَإِن طلبت مزيدا كالكحل

وَالطّيب لم يجب وَيجب المرتك لقطع الصنان إِن كَانَ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِع بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب وَإِن قَالَ الزَّوْج الدّهن للتجمل وَإِزَالَة الْوَسخ وَلَا أُرِيد التجمل وَإِزَالَة الْوَسخ بِغَيْرِهِ مُمكن فَهَذَا فِيهِ احْتِمَال وَلَا شكّ فِي أَن للزَّوْج منعهَا من تعَاطِي أكل الثوم وَمَا يتَأَذَّى برائحته الكريهة وَله منعهَا من تنَاول السمُوم الْمهْلكَة وَهل لَهُ منعهَا من الْأَطْعِمَة الممرضة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَرَض يُفْضِي إِلَى الْمَوْت كالسم وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك غيب لَا يعلم وتتبع ذَلِك يطول وَأما الخادمة فَلَا تسْتَحقّ آلَة التَّنْظِيف وَلَكِن إِن تلبد شعرهَا بِحَيْثُ تتأذى بِهِ فَلَا بُد من السَّعْي فِي الْإِزَالَة وَأما الدَّوَاء فِي المعالجات فَلَا تستحقه الخادمة والمخدومة جَمِيعًا الْوَاجِب السَّادِس السُّكْنَى وَيجب عَلَيْهِ أَن يسكنهَا دَارا تلِيق بهَا عَارِية أَو إِجَارَة أَو شِرَاء وَلم يعْتَبر فِي الْقُوت وَالْكِسْوَة مَا يَلِيق بهَا بل مَا يَلِيق بِهِ بِخِلَاف الْمسكن وَكَأن مَا لَا بُد فِيهِ من التَّمْلِيك فَيعْتَبر جَانِبه وَمَا يُرَاد بِهِ الإنتفاع فَيعْتَبر مَا يَلِيق بهَا وَالله أعلم

الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق أما الطَّعَام فَلَا بُد فِيهِ من تمْلِيك الْحبّ مَعَ مئونة الطَّحْن وَالْخبْز وَإِصْلَاح اللَّحْم من الْحَطب وَالْملح وَأُجْرَة الطباخ وَلها الإمتناع من قبُول الْخَبَر وَلَيْسَ لَهُ أَن يكلفها الْأكل مَعَه فَإِنَّهَا لَا تتسلط على التَّصَرُّف ونفقتها عوض كالمهر فروع الأول لَو أخذت الْحبّ واستعملته بذرا فَالظَّاهِر وجوب مئونة الْإِصْلَاح وَيحْتَمل أَن يُقَال الْإِصْلَاح تَابع وَلَيْسَ بِرُكْن مَقْصُود فَلَا يسْتَقلّ الثَّانِي لَو كَانَت تَأْكُل مَعَ الزَّوْج على الْعَادة فَفِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَجْهَان الْقيَاس أَنه لَا تسْقط لِأَنَّهُ لم يجر إِسْقَاط ولااعتياض صَحِيح لَكِن الْأَحْسَن الْإِسْقَاط إِذْ لَو جرى من امْرَأَة فِي عصر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم طلب النَّفَقَة للزمان الْمَاضِي لاستنكر الثَّالِث لَو اعتاضت عَن النَّفَقَة دَرَاهِم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كالإعتياض عَن الْمُسلم فِيهِ فَإِنَّهُ عوض وَالثَّانِي أَنه يجوز كقيم الْمُتْلفَات لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق عوضا وَلَو أخذت الْخبز بَدَلا عَن الْحبّ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ رَبًّا وَوجه التجويز أَنَّهَا كالقابضة لحقها لِأَنَّهَا تركت مئونة الْإِصْلَاح الرَّابِع لَهَا طلب النَّفَقَة صَبِيحَة كل يَوْم وَلَيْسَ عَلَيْهَا الصَّبْر إِلَى آخر الْيَوْم ثمَّ لَو مَاتَت فِي

أثْنَاء النَّهَار لَا تسترد بل هِيَ تَرِكَة لورثتها وَلَو نشزت فِي أثْنَاء الْيَوْم استردت فَلَو قدم إِلَيْهَا نَفَقَة أَيَّام فَهَل تَملكهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كتعجيل الدّين الْمُؤَجل وَالثَّانِي لَا لِأَن السَّبَب غير مستيقن فَرُبمَا تَمُوت ثمَّ إِذا مَاتَت وَقُلْنَا إِنَّهَا ملكت فَفِي الإسترداد وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يسْتَردّ وَلَا خلاف أَنه يسْتَردّ بالنشوز أما الْكسْوَة فَهَل يجب التَّمْلِيك فِيهَا فِيهِ وَجْهَان لترددها بَين النَّفَقَة والمسكن فروع الأول لَو سلم إِلَيْهَا كسْوَة الصَّيف فَتلفت فِي يَدهَا يجب الْإِبْدَال إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه لَا يجب الثَّانِي لَو أتلفت بِنَفسِهَا وَقُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَلَا تجب الْإِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع فَالظَّاهِر أَنه يجب وَلَكِن يجب عَلَيْهَا قيمَة الْمُتْلف الثَّالِث لَو مَاتَت فِي أثْنَاء الْمدَّة فيسترد ثِيَابهَا إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فالصنف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّوْب كَالْيَوْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّعَام فَهُوَ تَرِكَة وَلَا شكّ فِي أَنه يسْتَردّ بالنشوز

أما الخادمة فَلَا يجب شراؤها وَالتَّمْلِيك فِي رقبَتهَا أما التَّمْلِيك فِي نَفَقَتهَا فكالتمليك فِي نَفَقَة المخدومة وَلَا يتَصَوَّر هَذَا فِي الرقيقة فَإِنَّهَا لَا تملك وَلَا فِي المتسأجرة بِأُجْرَة فَإِنَّهَا لَا تسْتَحقّ سوى الْأُجْرَة بل فِي الَّتِي وعدت الْخدمَة بِالنَّفَقَةِ فتستحق التَّمْلِيك وَإِن لم يكن عقد لَازم وَيحْتَمل هَذَا لأجل الْحَاجة فِي هَذَا الْموضع

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي مسقطات النَّفَقَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومسقط النَّفَقَة مَا يمْنَع عَلَيْهِ الإستحقاق وَفِيمَا تجب بِهِ النَّفَقَة قَولَانِ مستنبطان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَحدهمَا أَنه تجب بِمُجَرَّد العقد بِشَرْط عدم النُّشُوز وَلَا تجب بالتمكين بِدَلِيل وُجُوبهَا للرتقاء والمريضة فَكَأَن العقد مُوجب والنشوز مسْقط وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب بالتمكين على حسب الْإِمْكَان لِأَن العقد قد أوجب الْمهْر فَتكون النَّفَقَة عوضا عَن التَّمْكِين والإحتباس فِي حبالته وَفَائِدَة الْقَوْلَيْنِ تظهر فِي النزاع فَإِذا تنَازعا فِي النُّشُوز فَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل عدم النُّشُوز وَإِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِثْبَات التَّمْكِين وَكَذَلِكَ إِذا لم يُطَالب بالزفاف وَالْمَرْأَة ساكتة إِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَلَا نَفَقَة لَهَا وَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَتجب إِذْ لَا نشوز مِنْهَا وَلَا خلاف أَنه تسْقط النَّفَقَة بامتناع الإستمتاع بِسَبَب من جِهَتهَا لَا تكون معذورة فِيهِ بِخِلَاف الْمَرَض والرتق والموانع أَرْبَعَة الأول النُّشُوز فَإِذا نشزت يَوْمًا لم تسْتَحقّ نَفَقَة ذَلِك الْيَوْم والنشوز فِي بعض الْيَوْم هَل يسْقط جملَة النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَن حكم الْيَوْم الْوَاحِد لَا يَتَبَعَّض وَالثَّانِي أَنه يوزع على مِقْدَار الزَّمَان إِلَّا إِذا كَانَت تنشز بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل أَو على الْعَكْس فَإِنَّهُ يتشطر وَلَا ينظر إِلَى مِقْدَار الْأَزْمِنَة فروع الأول لَو خرجت بِغَيْر إِذْنه فَهِيَ نَاشِزَة وَلَو خرجت فِي حَاجته بِإِذْنِهِ فَلَا وَلَو خرجت فِي حَاجَة نَفسهَا بِإِذْنِهِ فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ إِن قُلْنَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ وَتسقط بالنشوز فلهَا النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا بالتمكين فَلَا الثَّانِي مهما طلب الزفاف فامتنعت بِغَيْر عذر فَهِيَ نَاشِزَة وَإِن كَانَت مَرِيضَة يضر بهَا الْوَطْء فَهِيَ معذورة وَلها النَّفَقَة وَلَا تسْقط بِالْمرضِ لِأَنَّهُ دَائِم وَلَا تَقْصِير من جِهَتهَا فَإِن قَالَ الزَّوْج سلموها إِلَيّ وَلَا أطؤها فَلَا يُؤمن فِي ذَلِك وَإِن أنكر الزَّوْج كَون الْوَطْء مضرا فَشهد أَربع من النسْوَة ثَبت وَإِن شهِدت وَاحِدَة فَوَجْهَانِ مأخذه أَنه يَجْعَل إِخْبَارًا أم شَهَادَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة فلهَا أَن تحلف الزَّوْج على نفي الْعلم بذلك الثَّالِث إِذا نشزت فَغَاب الزَّوْج فَعَادَت إِلَى الْمسكن فَهَل تعود النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تعود بِمُجَرَّد رُجُوعهَا لزوَال الْمسْقط وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تعود إِلَى أَن ترفع إِلَى القَاضِي فَيحكم بطاعتها ويخبر الزَّوْج حَتَّى يرجع أَو تَنْقَضِي مُدَّة الرُّجُوع فَإِن لم يرجع بعد ذَلِك وَجَبت نَفَقَتهَا

أما إِذا ارْتَدَّت فَلَا نَفَقَة لَهَا فَإِن عَادَتْ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تعود النَّفَقَة لِأَن السَّبَب خَفِي لَا يجب فِيهِ الرّفْع وَقَالَ المراوزة هُوَ كالنشوز الْجَلِيّ والمجنونة إِذا نشزت شقطت نَفَقَتهَا وَإِن لم تأثم لتعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا الْمَانِع الثَّانِي الصفر وَفِيه ثَلَاث صور أَحدهَا أَن تزوج صَغِيرَة من بَالغ فَفِي وجوب النَّفَقَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تجب كالمريضة والرتقاء والمستحاضة وَهَذَا ينطبق على قَوْلنَا النَّفَقَة بِالْعقدِ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الصغر نوبَة مَعْلُومَة من الْعُمر تَنْقَضِي وَلَيْسَ هَذَا كالرتق الَّذِي لَا آخر لَهُ وَلَا كالمرض الَّذِي هُوَ تارات تضطرب الثَّانِيَة أَن تزوج بَالِغَة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الْمَنْع من جَانِبه وَفِيه قَول أَنَّهَا إِن كَانَت جاهلة بصغره اسْتحقَّت وَإِلَّا فَلَا الثَّالِثَة إِذا زوج صيغرة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تجب ونعني بالصغير أَن لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاع دون الْمُرَاهق الَّذِي لَيْسَ ببالغ ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا للصغيرة لم تخْتَلف بالإجابة إِلَى الزفاف أَو السُّكُوت إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْوَعْد نعم إِذا انْتَهَت إِلَى التهيؤ للاستمتاع يخرج من النَّفَقَة عِنْد السُّكُوت على الْقَوْلَيْنِ الْمَانِع الثَّالِث التَّلَبُّس بالعبادات كالإحرام وَالصَّوْم أما الْإِحْرَام فَإِذا أَحرمت بِإِذْنِهِ فقد سَافَرت فِي غَرَض نَفسهَا بِإِذْنِهِ وَقد ذكرنَا فِيهِ خلافًا

فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا لَا تسْتَحقّ فَفِي اسْتِحْقَاقهَا قبل الْخُرُوج وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الإستمتاع قد امْتنع وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تَحت يَده وَقد أَحرمت بِإِذْنِهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين أَن يَنْهَاهَا الزَّوْج عَن الْخُرُوج أَو يرضى بِهِ وَحكي عَن الْقفال رَحمَه الله أَنه إِذا نهاها عَن الْخُرُوج فَخرجت سَقَطت النَّفَقَة قطعا أما إِذا احرمت بِغَيْر إِذْنه فَفِي جَوَاز تحليلها خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يحللها فَهِيَ نَاشِزَة من وَقت الْإِحْرَام وَفِيه وَجه أَنه لَا تسْقط نَفَقَتهَا قبل الْخُرُوج وَهُوَ بعيد وَإِن قُلْنَا يحللها فَمَا دَامَت مُقِيمَة فلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهَا وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الزَّوْج وَإِن قدر على قهر النَّاشِزَة فَلَا يلْزمه وَرُبمَا ترتاع نَفسه من قطع الْإِحْرَام أما الصّيام فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا بِصَوْم رَمَضَان لِأَن اللَّيَالِي عتيدة وَهَذِه الْعِبَادَات تشْتَمل الزَّوْجَيْنِ لَا كالإحرام بِحجَّة الْإِسْلَام فَإِنَّهُ على التَّرَاخِي أما صَوْم النَّوَافِل فَللزَّوْج الْمَنْع والتحليل فَإِن لم يحلل فَفِي النَّفَقَة وَجْهَان مرتبان على الْإِحْرَام وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الإستمتاع مُبَاح سوى الْوَطْء وَله تَحْلِيل صَوْم نذرته بعد النِّكَاح وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة أما منعهَا من رواتب السّنَن والبدار إِلَى الْفَرْض فِي أول الْوَقْت فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَا تمنع ثمَّ صَوْم عَاشُورَاء وعرفة يجْرِي مجْرى الرَّوَاتِب أما صَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَلهُ منعهَا وَجها وَاحِدًا

الْمَانِع الرَّابِع الْعدة والمعتدات خمس الأولى الْمَنْكُوحَة إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ فَلَو حبلت وَقُلْنَا تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء فَلَا تسْتَحقّ على الزَّوْج وَحَيْثُ لَا تسْتَحقّ على الواطىء فَفِي سُقُوط نَفَقَة الزَّوْجِيَّة خلاف من حَيْثُ إِن تعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا وَلكنهَا معذورة وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَت نَائِمَة أَو مُكْرَهَة فلهَا النَّفَقَة وَإِن مكنت على ظن أَنه زَوجهَا فَلَا نَفَقَة لِأَن الظَّن لَا يُؤثر فِي الغرامات الثَّانِيَة الْمُعْتَدَّة عَن طَلَاق رَجْعِيّ فتستحق النَّفَقَة حاملة كَانَت أَو حَائِلا لِأَن سلطنة الزَّوْج فِي الرَّجْعِيَّة دائمة فَلَو أحبلها الواطىء بِالشُّبْهَةِ وتأخرت عدَّة الزَّوْج فَإِن قُلْنَا لَهُ الرّجْعَة فِي الْحَال فَعَلَيهِ النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَوَجْهَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَلَا نَفَقَة وَإِن قُلْنَا ترتجع فَوَجْهَانِ وَهَذَا أفقه لِأَنَّهَا صَارَت محبوسة لغيره فرع لَو قَالَ طَلقتك قبل وضع الْحمل فَأَنت الْآن بَائِنَة فَلَا نَفَقَة لَك فَقَالَت بل بعد الْوَضع ولي النَّفَقَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل بَقَاء النَّفَقَة وَهُوَ يَدعِي السُّقُوط فَعَلَيهِ الْإِثْبَات وَلَا رَجْعَة لِأَنَّهَا بَائِنَة بِزَعْمِهِ الثَّالِثَة الْمُطلقَة البائنة لَهَا السُّكْنَى فِي الْعدة وَلَا نَفَقَة لَهَا إِلَّا إِذا كَانَت حَامِلا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

وَالنَّفقَة للْحَمْل أَو للحامل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا للْحَمْل لِأَنَّهُ المتجدد فَهِيَ كالحاضنة وَالثَّانِي للحامل بِدَلِيل أَنه تجب مُقَدرا وَلَا تسْقط على الصَّحِيح بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا تخْتَلف بزهادتها ورغبتها فرع الْحر إِذا طلق زَوجته الْحَامِل الْمَمْلُوكَة فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن النَّفَقَة للْحَمْل أَو للحامل لِأَن الْحمل الْمَمْلُوك لَو انْفَصل فنفقته على السَّيِّد لَا على الْأَب وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو طلق الرَّقِيق زَوجته الْحَامِل الرَّابِعَة الْمُعْتَدَّة عَن فِرَاق الْفَسْخ الَّذِي لَا يسْتَند إِلَيْهَا كردته مثلا فَهِيَ كالمطلقة أما إِذا كَانَ الْفَسْخ باختيارها أَو بِسَبَب عيبها فَهَذَا الْفَسْخ لَا يشطر الْمهْر بل يسْقطهُ جَمِيعه فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ بِنَاء على أَنَّهَا للْحَمْل أَو للحامل أما الْفِرَاق عَن جِهَة اللّعان فَهَل يُضَاف إِلَيْهَا فِيهِ تردد لِأَنَّهَا مُنكرَة بِسَبَب اللّعان وَلَكِن لَهَا مدْخل فِي الْبَين وَإِنَّمَا تسْتَحقّ النَّفَقَة إِذا لم ينف الْحمل وَكَذَلِكَ الْخلاف جَار فِي أَن الْمهْر هَل يتشطر بِهِ فرع لَو أنفقت على الْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ ثمَّ أكذب نَفسه رجعت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بذلت على

ظن الْوُجُوب وَلها ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج لقصة هِنْد وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا ترجع وَلَيْسَ لَهَا ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج وقصة هِنْد مَحْمُولَة على قَضَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإذنه لَهَا الْخَامِسَة الْمُعْتَدَّة الْحَامِل عَن وَطْء الشُّبْهَة إِذا كَانَت خلية عَن النِّكَاح فَهَل تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء إِن قُلْنَا للْحَمْل فتستحق وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا تسْتَحقّ لأَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه للحامل جعلنَا بَقَاء علقَة الْحمل كبقاء علقَة الرّجْعَة فِي إِيجَاب نَفَقَة النِّكَاح واستمرارها وَكَذَلِكَ لَا توجب بِحمْل اللّعان قطعا لِأَن الزَّوْج يُنكر احتباسها بِحمْلِهِ التَّفْرِيع يتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ مسَائِل إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت لَا تكتفي بِالْقدرِ فِي مُدَّة الْحمل أَعنِي الْمُطلقَة فَهَل تزاد مِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا للْحَمْل فتزاد لِأَنَّهُ على الْكِفَايَة كالحاضنة وَإِن قُلْنَا للحامل فَوَجْهَانِ وَوجه الزِّيَادَة الحذر من الْإِضْرَار وَأَن الْحمل لَا بُد وَأَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن قُلْنَا للحامل فَلَا تزاد وَإِن قُلْنَا للْحَمْل فَوَجْهَانِ لأَنا لَا بُد وَأَن نلتفت فِي كل قَول على الْمَعْنى الآخر إِذْ الْحق أَنه كالمرتبط بهما جَمِيعًا

الثَّانِيَة أَنه إِن أنْفق عَلَيْهِمَا ثمَّ بَان أَنه لَا حمل فَهَذَا يَنْبَنِي على أَن التَّعْجِيل هَل كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ وَفِيه قَولَانِ مبنيان على أَن الْحمل هَل يعرف والمصير إِلَى أَنه لَا يجب التَّعْجِيل لَا أعرف لَهُ وَجها مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} بل الصَّحِيح أَن الْحمل يعرف بِالظَّنِّ الْغَالِب وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ تَسْلِيم الحلفات لوُرُود الْخَبَر وَكَذَلِكَ تَسْلِيم النَّفَقَة لِلْآيَةِ فعلى هَذَا لَهُ الإسترداد فَإِنَّهُ ظن أَنه وَاجِب وَمن قَالَ لَا يجب التَّعْجِيل فَيَقُول إِن عجل بِشَرْط الرُّجُوع رَجَعَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْجِيل الزَّكَاة أما إِذا أنْفق ثمَّ بَان فَسَاد النِّكَاح فَلَا يسْتَردّ النَّفَقَة وَإِن كَانَت حَائِلا لِأَنَّهَا كَانَت محبوسة على ظن النِّكَاح وَالنَّفقَة فِي مُقَابلَة حبس عَن نِكَاح وَالظَّن فِي هَذَا كالحقيقة الثَّالِثَة إِذا طَلقهَا وَهِي حَامِل ثمَّ مَاتَ لم تنْتَقل إِلَى عدَّة الْوَفَاة وَإِن كَانَ بَائِنا بل عدتهَا بِالْحملِ وَلَا يخرج نَفَقَة بعد ذَلِك من التَّرِكَة فَإِن قُلْنَا النَّفَقَة للْحَمْل فلاتجب النَّفَقَة للقريب بعد الْمَوْت وَإِن قُلْنَا للحامل فَهِيَ كالحاضنة فَلَا نَفَقَة لَهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِذا قُلْنَا للحامل تجب فَكَأَن الطَّلَاق أوجب ذَلِك دفْعَة وَلذَلِك تسْتَحقّ هَذِه الْمَرْأَة السُّكْنَى مَعَ أَن عدَّة الْوَفَاة لَا توجب السُّكْنَى على أحد الْقَوْلَيْنِ ويعتضد هَذَا بِأَن علقَة الْحمل جعلناها كعلقة النِّكَاح وَهِي بَاقِيَة بعد الْمَوْت

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي ثُبُوت حق الْفَسْخ بِهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كَمَا يثبت بِفَوَات الإستمتاع بالجب والعنة بل أولى لِأَن لَهَا طلب النَّفَقَة دون الوقاع وَلِأَن الْحَيَاة لَا تبقى بِغَيْر الْقُوت وَتبقى دون الوقاع وَالثَّانِي لَا لِأَن النَّفَقَة تَابِعَة ومقصود النِّكَاح الإستمتاع وَلَا يتَعَيَّن الزَّوْج للنَّفَقَة إِذْ يحل لَهَا مَالهَا وَلَا وَجه للإستمتاع إِلَّا من جِهَته فَإِن قضينا بِثُبُوت الْفَسْخ وَجب النّظر فِي أَطْرَاف الطّرف الأول فِي الْعَجز وَهُوَ أَن لَا يملك مَالا وَلَا يقدر على الْكسْب فَإِن ملك وَلَكِن منع وعجزت الْمَرْأَة وَالْقَاضِي عَن أَخذ مَاله فطريقان مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَن الضرار حَاصِل وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن هَذَا ظلم وَلَيْسَ بِعَيْب فَكَأَن منشأ الْخلاف أَن هَذَا الْفَسْخ لنَقص الزَّوْج وعيبه أَو لتضررها بِالنَّفَقَةِ وَإِن لم يملك شَيْئا وَلَكِن قدر على الْكسْب وَقُلْنَا يجب عَلَيْهِ الْكسْب لأجل الزَّوْجَة

على رَأْي فَهُوَ كالغني الْمُمْتَنع الطّرف الثَّانِي فِي المعجوز عَنهُ وَهُوَ الْقُوت بجملته فَأَما الْأدم فالعجز عَنهُ لَا يُسَلط على الْفَسْخ فِي الظَّاهِر وَفِي الْكسْوَة والمسكن وَجْهَان لِأَن النَّفس تبقى دونهمَا ولكنهما مقصودان لَا كالأدم فَإِنَّهُ تَابع وَكَذَلِكَ فِي الْإِعْسَار بِنَفَقَة الْخَادِم الْوَجْهَانِ والإعسار بِالْمهْرِ لَا يُوجب الْفَسْخ لَكِن لَهَا منع نَفسهَا إِن لم تمكن مرّة فَإِن مكنت سقط حق حَبسهَا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمهْر وَهُوَ بعيد أما الْإِعْسَار بِنَفَقَة مَا مضى فَلَا يُوجب الْفَسْخ بل هُوَ دين مُسْتَقر فِي ذمَّته فَرْضه القَاضِي أَو لم يفْرض أَعنِي بِهِ مَا يجب فِيهِ التَّمْلِيك فَإِن الإمتاع لَا يُمكن تدارك فائته وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله النَّفَقَة لَا تَسْتَقِر فِي الذِّمَّة إِلَّا بِفَرْض القَاضِي كَنَفَقَة الْأَقَارِب فرع لَو قدر كل يَوْم على مد فَلَا فسخ لِأَنَّهُ قوام وَلَو قدر على ثلث مد ثَبت الْفَسْخ وَلَو قدر على نصف مد فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي

الْإِثْنَيْنِ وَكَأن الإجتزاء بِنصْف الْمَدّ مُمكن وبثلثه لَا الطّرف الثَّالِث فِي حَقِيقَة هَذَا الدّفع وَلَا شكّ فِي أَن الدّفع بالجب والعنة فسخ وَالدَّفْع فِي الْإِيلَاء طَلَاق وَهَذَا دائر بَينهمَا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه طَلَاق فَلَا بُد من الرّفْع إِلَى القَاضِي حَتَّى يحْبسهُ ليطلق أَو ينْفق فَإِن لم يُطلق طلق القَاضِي طَلْقَة رَجْعِيَّة وَلَا بُد من الْعدة وَإِن لم تكن النَّفَقَة حَقًا لله تَعَالَى فَإِن رَاجعهَا طلق القَاضِي ثَانِيًا إِلَى أَن تتمّ الثَّلَاث فَإِن قُلْنَا إِنَّه فسخ فَلَا بُد من الرّفْع لإِثْبَات الْإِعْسَار فَإِنَّهُ مُتَعَلق بالإجتهاد ثمَّ إِذا ثَبت فلهَا تعَاطِي الْفَسْخ فَإِن فسخت دون الرّفْع لعلمها بإعساره لم ينفذ ظَاهرا وَهل ينفذ بَاطِنا حَتَّى لَو اعْترف الزَّوْج اَوْ قَامَت الْبَيِّنَة تبين نُفُوذه واحتساب الْعدة من ذَلِك الْوَقْت هَذَا فِيهِ تردد وَلَا خلاف أَنه ينفذ ظَاهرا إِذا لم يكن فِي النَّاحِيَة حَاكم أَو عجزت عَن الدّفع

الطّرف الرَّابِع فِي وَقت الْفَسْخ والطلبة بِالنَّفَقَةِ تتَوَجَّه صَبِيحَة الْيَوْم وَلَكِن لَو استمهل الْمُعسر فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى يتَحَقَّق عَجزه وَالثَّانِي أَنه لَا يُمْهل وعَلى هَذَا فَلَا خلاف أَنَّهَا لَا تبادر الْفَسْخ صَبِيحَة الْيَوْم فَإِن أَكثر النَّاس يَكْسِبُونَ قوت الْيَوْم فِي الْيَوْم وَلَكِن إِلَى مَتى التَّأْخِير يحْتَمل أَن يُقَال إِلَى وسط النَّهَار فَإِن تَأْخِير الطَّعَام عَنهُ غير مُعْتَاد وَيحْتَمل أَن يُقَال إِلَى اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار فيتسع للكسب وَيحْتَمل أَن يُقَال حَتَّى يَنْقَضِي يَوْم وَلَيْلَة إِذْ بِهِ يسْتَقرّ الْحق فَإِن النَّفَقَة لليوم وَاللَّيْلَة فَيرجع هَذَا إِلَى أَنه يُمْهل يَوْمًا وَاحِدًا نعم لَو أقرّ صَبِيحَة الْيَوْم بِأَنِّي عَاجز وَلست أتوقع الْيَوْم شَيْئا فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهَا الْمُبَادرَة بِالْفَسْخِ وَيحْتَمل أَن يُقَال يُمْهل إِلَى تحقق الْعَجز بِانْقِضَاء الْيَوْم فرع لَو كَانَ يعْتَاد الْإِتْيَان بِالطَّعَامِ لَيْلًا فلهَا الْفَسْخ لِأَن هَذَا صِيَام الدَّهْر نعم لَا يثبت بِوُقُوع ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلَيْسَ مَا يحْتَمل نَادرا يحْتَمل دَائِما وَيتَفَرَّع على قَول الْإِمْهَال مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه لَو جَاءَ النَّفَقَة صَبِيحَة الْيَوْم الرَّابِع لليوم الرَّابِع فَلَا فسخ وَمَا مضى دين فِي الذِّمَّة وَلَيْسَ لَهَا أَن تَقول أَقبض هَذَا عَن الْمَاضِي وأفسخ فِي الْحَال لِأَن التعويل على قصد الْمُؤَدِّي فَلَو عجز فِي الْيَوْم الْخَامِس فلهَا الْفَسْخ وَلَا تسْتَأْنف الْمدَّة على الظَّاهِر إِلَّا أَن يكون قد اسْتغنى بِمَال يَدُوم فِي الْغَالِب وَلَكِن تلف بِعَارِض فَيجْعَل كَأَن الْإِعْسَار الْمَاضِي لم يكن وَلَو

قدر فِي الْيَوْم الثَّالِث وَعجز فِي الرَّابِع فيكمل الثَّالِث بِالْيَوْمِ الرَّابِع وَلَا تسْتَأْنف وَقيل إِنَّه تسْتَأْنف لِأَن الْقُدْرَة الطارئة قطعت المهلة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الزَّوْج يتَّخذ ذَلِك عَادَة فينفق يَوْمًا وَيتْرك يَوْمَيْنِ الثَّانِيَة الْمُبَادرَة صَبِيحَة الرَّابِع جَائِز وَلَا يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار نعم الْيَوْم الْخَامِس يَجْعَل كَالْيَوْمِ الأول على قَول من ترك الْإِمْهَال حَتَّى يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار ثمَّ يفْسخ حَيْثُ يَقُول لَا تسْتَأْنف الْمدَّة الثَّالِثَة إِذا رضيت بعد انْقِضَاء الْمدَّة فلهَا الْعود إِلَى الطّلب قَالَ الصيدلاني تسْتَأْنف الْمدَّة بِخِلَاف امْرَأَة المؤلي لِأَن مُدَّة الْإِيلَاء مَضْرُوب شرعا وَهَذِه تضرب بطلبها فَتسقط بِرِضَاهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا الرُّجُوع بِخِلَاف زَوْجَة الْعنين فَإِن هَذَا صَبر على ضرار يتَوَقَّع زَوَاله والعنة عيب وَهِي فِي حكم خصْلَة وَاحِدَة والإعسار فِي كل يَوْم متجدد وَلَو قَالَت رضيت بِهِ أبدا فلهَا الرُّجُوع إِلَى الطّلب كَمَا لَو نكحته وَهِي عَالِمَة بإعساره فلهَا ذَلِك لِأَن هَذَا وعد بِالصبرِ على ضرار والضرار متجدد فَالْحق متجدد الطّرف الْخَامِس فِيمَن لَهُ حق الْفَسْخ وَهِي الزَّوْجَة خَاصَّة فَلَا يثبت لوَلِيّ الْمَجْنُونَة وَالصَّغِيرَة الْفَسْخ بالإعسار وَإِن كَانَت صانعة لِأَن الْفَسْخ رفع للنِّكَاح وَهُوَ مُتَعَلق بالطبع كَالطَّلَاقِ فَلَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة أما الْأمة فَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو مَجْنُونَة فَهَل لسَيِّد فسخ نِكَاحهَا بالإعسار فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن السَّيِّد ذُو حق فِي النَّفَقَة فَإِنَّهُ الَّذِي دخل فِي ملكه وَله وإبداله بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَت مُسْتَقلَّة فَهِيَ صَاحِبَة الْحق وَلها الْفَسْخ دون رضَا السَّيِّد فَإِن ضمن السَّيِّد النَّفَقَة لم يسْقط حَقّهَا كَمَا لَو تبرع أَجْنَبِي بِالنَّفَقَةِ وَفِي ضَمَان السَّيِّد احْتِمَال أما إِذا رضيت بإعساره فَلَيْسَ للسَّيِّد الْفَسْخ لَكِن يَقُول لِلْجَارِيَةِ افسخي أَو اصْبِرِي على الْجُوع وَلَيْسَ عَلَيْهِ النَّفَقَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجْهَيْن مرتبين على الصَّغِيرَة وَأولى بِأَن لَا

يفْسخ هَا هُنَا لاستقلالها ثمَّ اعْلَم أَن الْملك فِي النَّفَقَة للسَّيِّد وَلَكِن لَهَا حق التوثيق بهَا حَتَّى لَا يجوز للسَّيِّد النَّفَقَة إِلَّا بعد تَسْلِيم الْبَدَل وَلَا يجوز لَهُ الْإِبْرَاء عَن النَّفَقَة وَكَأَنَّهُ مَرْهُون بِحَقِّهَا ككسب عبد التِّجَارَة فَإِنَّهُ كالمرهون بِنَفَقَتِهِ لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وللأمة طلبَهَا من الزَّوْج فَإِذا أخذت دخل فِي ملك السَّيِّد لِأَنَّهَا كالمأذونة عرفا وَشرعا بِالتَّزْوِيجِ هَذَا كُله تَفْرِيع على قَوْلنَا إِن الْإِعْسَار يثبت الْفَسْخ فَإِن قُلْنَا لَا يثبت فَهَل يرْتَفع عَنْهَا حبس الْمسكن فِيهِ خلاف للأصحاب وَالْقِيَاس أَن لَا يرْتَفع إِلَّا إِذا عجزت عَن نَفَقَة نَفسهَا إِلَّا بِالْخرُوجِ وَلَكِن الْخَبَر يدل على الْجَوَاز إِذْ نقل فِي الْخَبَر أَنه فرق بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا الْمُعسر فَإِن لم يحمل على التَّفْرِيق فِي العقد فَلَا بُد من حمله على التَّفْرِيق فِي الْمنزل وَلها الْمَنْع من الْوَطْء إِن لم تكن قد مكنته من قبل وعَلى قَول ثُبُوت الْفَسْخ يبطل حق الْفَسْخ فِي مُدَّة الْإِمْهَال وَفِيه وَجه

السَّبَب الثَّانِي النَّفَقَة لِلْقَرَابَةِ وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} الْآيَة وقصة هِنْد مَعْرُوفَة وَلَا تسْتَحقّ عندنَا إِلَّا بِقرَابَة البعضية فَتجب للفروع وَالْأُصُول مَعَ اخْتِلَاف الدّين واتفاقه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تجب بالمحرمية وَأثبت للإخوة

ثمَّ يشْتَرط فِي الإستحقاق إعسار الْمُنفق عَلَيْهِ ويسار الْمُنفق أما الْمُنفق عَلَيْهِ فَهَل يشْتَرط مَعَ الْإِعْسَار عَجزه عَن الْكسْب إِن كَانَ طفْلا لم يشْتَرط وَإِن كَانَ بَالغا وَكَانَ فرعا فَفِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَ أَبَا أَو جدا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يشْتَرط لِأَن تَكْلِيف الإبن أَبَاهُ الْكسْب مَعَ الثروة غض من منصب الْأُبُوَّة وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط إِذْ يخرج بِالْقُدْرَةِ عَن المسكنة وَاسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين فَكَذَلِك النَّفَقَة

وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط كَمَا فِي الطِّفْل والمراهق وَلِأَن هَذَا مَبْنِيّ على المجاملة بِخِلَاف الزَّكَاة ويقبح تَكْلِيف الْكسْب مَعَ اتساع مَال الْأَب أَو الإبن فَإِن قُلْنَا يشْتَرط فَهَل يشْتَرط أَن يكون زَمنا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْقَادِر لَا يعجز عَن أَن يصير أَجِيرا وَإِن لم يعرف حِرْفَة فيكتسب بِوَجْه وَالثَّانِي لَا يشْتَرط ذَلِك بل يَكْفِي أَن لَا يقدر على حِرْفَة تلِيق بمنصبه أما مَا لَا يَلِيق بِهِ فَلَا يعْتَبر وَهَذَا أعدل وعَلى هَذَا إِذا قدر على اكْتِسَاب بعض النَّفَقَة فَلَا يسْتَحق إِلَّا الْقدر المعجوز عَنهُ وَأما حل السُّؤَال للكسوب فَفِيهِ خلاف للأصحاب وَظَاهر الْأَخْبَار تدل على تَحْرِيمه فقد ورد فِيهِ تشديدات وَبِالْجُمْلَةِ أَخذ المَال من الْقَرِيب أَهْون من السُّؤَال فعلى الْجُمْلَة إِذا سَأَلَ فَلَا يذل نَفسه وَلَا يُؤْذِي الْمَسْئُول وَلَا يلح فِي السُّؤَال وَأما يسَار الْمُنفق فنعني بِهِ أَن يفضل عَن قوت يَوْمه شَيْء حَتَّى يُبَاع فِي نَفَقَة الْقَرِيب كل

مَا يُبَاع فِي الدّين من عقار وَعبد وَإِن كَانَ بيع العَبْد يردهُ إِلَى أَن يتعاطى أعمالا لَا تلِيق بمنصبه وَلَكِن يجب عَلَيْهِ أَن ينْفق على أَبْعَاضه كَمَا ينْفق على نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُبَاع عقاره فِيهِ أما الْمُفلس الكسوب فَهَل يجب عَلَيْهِ الْكسْب والإنفاق على قَرِيبه الْعَاجِز الزَّمن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب كَمَا لَا يجب لأجل الدّين وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَن الدّين من الْعَوَارِض وحاجات الْأَبْنَاء منوطة بِالْآبَاءِ فَكيف يجوز تضييعهم مَعَ الْقُدْرَة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يعول وَهَذَا خلاف جَار فِي الْكسْب لأجل الزَّوْجَة وَأَنه هَل يجب ذَلِك

الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق وَلَا تَقْدِير فِي نَفَقَة الْقَرِيب بل هُوَ على الْكِفَايَة وَإِنَّمَا يجب مَا يدْرَأ ألم الْجُوع وَثقل الْبدن لَا مَا يزِيل تَمام الشَّهْوَة والنهمة وَكَذَلِكَ يجب فِي الْكسْوَة الْوسط مِمَّا يَلِيق بِهِ وَهُوَ إمتاع إِذْ تسْقط بمرور الزَّمَان إِذا لم يفرضه القَاضِي بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة وَفِي نَفَقَة الصَّغِير وَجه بعيد أَنه لَا تسْقط بمرور الزَّمَان تبعا للزَّوْجَة فَإِن عنايتها بِوَلَدِهَا كعنايتها بِنَفسِهَا فروع الأول يسْتَحق الْأَب مَعَ النَّفَقَة الإعفاف وَكَذَلِكَ لَو كَانَ كسوبا وَكَسبه لَا يَفِي إِلَّا بِنَفسِهِ فَيسْتَحق ذَلِك على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَلَكِن لَا يجب إِلَّا نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة فَإِن كَانَ لَهُ زوجتان سلم إِلَيْهِ نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة ثمَّ يقسم هُوَ عَلَيْهِمَا الثَّانِي إِذا منع الْأَب النَّفَقَة فَهَل للْأُم أَخذ النَّفَقَة من مَاله دون إِذْنه فِيهِ وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي أَن إِذن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِنْد كَانَ شرعا أَو قَضَاء وَلَو استقرضت عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَلَو أنفقت من مَال نَفسهَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ تكون مقرضة ومستقرضة وَلَو كَانَ للطفل مَال فَأَرَادَتْ الْإِنْفَاق عَلَيْهِ من مَاله من غير مُرَاجعَة القَاضِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ الثَّالِث الْقَرِيب يرفع أمره إِلَى القَاضِي وَلَا يستبد بالاستقراض فَإِن عجز عَن القَاضِي فَاسْتقْرض فِيهِ وَجْهَان

فَإِن كَانَ الْأَب الْمُوسر غَائِبا وَالْجد حَاضرا فعلى القَاضِي أَن يَأْمر الْجد بِالْإِنْفَاقِ بِشَرْط الرُّجُوع إِلَّا أَن يتَبَرَّع وَإِن اسْتَقل فَالظَّاهِر أَنه لَا يرجع إِلَّا إِذا عجز عَن القَاضِي فَفِي رُجُوعه وَجْهَان الرَّابِع يجب على الام أَن ترْضع وَلَده اللبأ إِذْ يُقَال إِنَّه لَا يعِيش دونه ثمَّ الْأُجْرَة على الْأَب إِن كَانَ لَهُ أُجْرَة وَكَذَلِكَ فِي الْإِرْضَاع لِأَن النَّفَقَة على الْأَب وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاع إِن وجد غَيرهَا وَإِن لم تُوجد إِلَّا وَاحِدَة وَلَو أَجْنَبِيَّة وَجب عَلَيْهَا لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَمهما رغبت فَهِيَ أولى فَلَا يقدم عَلَيْهَا الْأَجْنَبِيَّة رِعَايَة لجانبها وجانب الطِّفْل لزِيَادَة شفقتها فَإِن تبرعت الْأَجْنَبِيَّة وَطلبت الْأُم الْأُجْرَة فَقَوْلَانِ حاصلهما تردد فِي أَنه هَل يجب على الْأَب تَحْصِيل زِيَادَة هَذِه الشَّفَقَة للطفل وَدفع الضَّرَر عَنْهَا بِمَال هَذَا إِذا لم تكن فِي نِكَاحه فَإِن كَانَت فِي نِكَاحه فَللزَّوْج منعهَا من الْإِرْضَاع لأجل الإستمتاع وَفِيه وَجه أَن منعهَا من الْإِرْضَاع إِضْرَار بهَا وبالطفل فَيقدم حَقّهَا وَلَا يتَّجه هَذَا إِلَّا إِذا كَانَ الْوَلَد من الزَّوْج فَإِن كَانَ لغيره فَيقدم استمتاع الزَّوْج

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تَرْتِيب الْأَقَارِب عِنْد الإجتماع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف أَرْبَعَة الأول فِي اجْتِمَاع الْأَوْلَاد وَفِيه طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن التَّقْدِيم للقرب حَتَّى يقدم الْقَرِيب المحروم من الْمِيرَاث كَبِنْت الْبِنْت على الْبعيد الْوَارِث كَبِنْت ابْن الإبن فَإِن تَسَاويا فِي الْقرب وَأَحَدهمَا وَارِث كَبِنْت بنت وَابْنَة ابْن فَفِي تَقْدِيم الْوَارِث وَجْهَان فَإِن اعْتبرنَا الْإِرْث وتفاوتا فِي الْقدر فَهَل توزع على الْمَقَادِير أَو يُسَوِّي فِيهِ وَجْهَان ومثاله الإبن وَالْبِنْت الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن الْإِرْث مقدم فَلَو تَسَاويا فِي الْمِيرَاث وَقضي بالتساوي لتساويهما فِي أصل الْمِيرَاث لَا فِي قدره فِي كل مَوضِع ذكرنَا التَّسَاوِي فِيهِ كَبِنْت وَابْن ابْن فَعِنْدَ ذَلِك يقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن تَسَاويا فيهمَا يوزع عَلَيْهِمَا وَفِيه وَجه أَنه يقدم بالذكورة فَيقدم الإبن على الْبِنْت لِأَنَّهُ مكتسب وَالنَّظَر إِلَى الْإِرْث ضَعِيف مَعَ وُجُوبهَا على من لَا يَرث وَعند اخْتِلَاف الدّين الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْأَب مقدم على الْأُم فِي الصغر وَبعد الْبلُوغ وَجْهَان أَحدهمَا الْأَب استصحابا

وَالثَّانِي أَنَّهُمَا أصلان وَكَأن ذَلِك كَانَ من أثر الْولَايَة فِي الصغر وعَلى هَذَا هَل يتفاوتان كتفاوت الْإِرْث أم لَا فِيهِ وَجْهَان أما الأجداد والجدات فالقريب مقدم على الْبعيد المدلي بِهِ فَإِن اخْتلفت الْجِهَة فخمسة طرق طريقتان ذكرناهما فِي الْأَوْلَاد الثَّالِثَة أَن يقدم بِولَايَة المَال وَيدل عَلَيْهِ تَقْدِيم الْأَب على الْأُم فَإِن اسْتَويَا فَمن يُدْلِي بولِي فَهُوَ أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وَهُوَ اخْتِيَار المَسْعُودِيّ الرَّابِعَة تعْتَبر الذُّكُورَة فالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فالمدلي بِالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وعَلى هَذَا الْأَب الْيَهُودِيّ وَإِن لم يكن وليا فَهُوَ أولى إِذْ ترعى الْجِهَة المفيدة للولاية لَا نفس الْولَايَة الْخَامِسَة النّظر إِلَى الْإِرْث والإكتساب أَعنِي الذُّكُورَة فَإِن وجد فيهمَا أَو عدم أَو وجد فِي أَحدهمَا الذُّكُورَة وَفِي الآخر الوراثة اسْتَويَا وَبعد ذَلِك يقدم بِالْقربِ وخاصية هَذِه الطَّرِيقَة جبر الذُّكُورَة وَالْإِرْث كل وَاحِد لصَاحبه وَجَمِيع هَذِه الطّرق تجْرِي بَين الْأَوْلَاد إِلَّا اعْتِبَار الْولَايَة لِأَن المرجحات أَرْبَعَة الْولَايَة والقرب وَالْإِرْث والذكورة ولنذكر ثَلَاث صور لشرح هَذِه الطّرق صُورَة الأول أَب أَب وَأم من اعْتبر الْقرب قدم الْأُم وَمن اعْتبر الْإِرْث نصر عَلَيْهِمَا إِمَّا مُتَسَاوِيا أَو متفاوتا وَمن اعْتبر الْولَايَة أَو الذُّكُورَة قدم الْجد وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن أَب الْأَب أولى من الْأُم وَلم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة صُورَة الثَّانِيَة أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب سوى وَمن رَاعى الْإِرْث أَو الْولَايَة أَو

الذُّكُورَة والإدلاء بهَا قدم أَب أَب صُورَة الثَّالِثَة أم أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب أَو الذُّكُورَة قدم أَب الْأُم وَمن رَاعى الْإِرْث قدم أم أَب الْأَب الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا للْفَقِير أَب وَابْن موسران فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْأَب أولى لِأَنَّهُ ولي فَهُوَ أولى بالتربية إِذْ يستصحب حَال الصغر وَالثَّانِي الإبن أولى لِأَنَّهُ أولى بِالْخدمَةِ وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ ثمَّ هَل يتفاوتان لأجل الْإِرْث فِيهِ الْوَجْهَانِ الثَّانِيَة ابْن وجد قيل الْجد أولى لِأَنَّهُ كَالْأَبِ وَقيل الابْن أولى للْخدمَة والقرب الثَّالِثَة ابْن وَأم قيل هِيَ كَالْأَبِ لِأَنَّهَا أصل وَقيل الابْن أولى قطعا وعَلى الْجُمْلَة تعود الطّرق وَإِنَّمَا يزِيد هَا هُنَا أَن الْفَرْع بِالْخدمَةِ أولى وَالْأَصْل بالتربية أولى الطّرف الرَّابِع فِي ازدحام الآخذين للنَّفَقَة فَإِذا لم يفضل إِلَّا قوت وَاحِد اتَّفقُوا على أَن الزَّوْجَة مُقَدّمَة لِأَنَّهَا عِيَال كالأولاد وحقها آكِد إِذْ لَا يسْقط بمرور الزَّمَان وَلَا بغناها وَفِيه احْتِمَال إِذْ فِيهِ مشابه الدُّيُون وَنَفَقَة الْقَرِيب فِي مَال الْمُفلس مقدم عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَدَاء لَا فِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا أَن الزَّوْجَة عِيَال فَأَما المدلون ببعضية فتعود الطّرق كلهَا فِي التَّرْجِيح بِالْقربِ أَو الوراثة وَيزِيد هَا هُنَا شَيْئَانِ

أَحدهمَا أَن هُنَاكَ الذُّكُورَة جِهَة فِي التَّقْدِيم وَهَا هُنَا الْأُنُوثَة هِيَ المرعية إِذْ تشعر بِضعْف وَالْآخر أَنا فِي الإلتزام نَنْظُر إِلَى مقادير الْإِرْث على رَأْي وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ فِي الْأَخْذ لَا ينظر إِلَيْهِ فَإِن اسْتَووا وزع عَلَيْهِم وَإِن كَانَ لَا يسد التَّوْزِيع من كل وَاحِد مسدا أَقرع بَينهم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي أَحْكَام الْحَضَانَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الأول فِي الصِّفَات الْمَشْرُوطَة والحضانة عبارَة عَن حفظ الْوَلَد وتربيته وَتجب مئونة الْحَضَانَة على من عَلَيْهِ النَّفَقَة وَعند الإزدحام يسْلك بهَا مَسْلَك الْولَايَة لِأَنَّهَا سلطنة على الْحِفْظ والتربية لَكِن تفارق الْولَايَة فِي أَن الْإِنَاث أولى بالحضانة لِأَن الْأُنُوثَة تناسب هَذِه الْولَايَة لزِيَادَة الرقة والشفقة وَلَو عضل الْأَقْرَب أَو غَابَ انْتقل إِلَى الْأَبْعَد لَا إِلَى السُّلْطَان لِأَن هَذَا يعْتَمد الشَّفَقَة الْمُجَرَّدَة بِخِلَاف ولَايَة النِّكَاح وَلَو امْتنعت الْأُم فأمها أولى من أَب الطِّفْل لِأَن شفقتها كشفقة الْأُم وَقيل ينْتَقل الْحق بعضلها إِلَى الْأَب وَكَأَنَّهُ فِي دَرَجَة السلطنة فِي الْولَايَة وَهُوَ بعيد وَمهما اجْتمع الْأَب وَالأُم فالأم أَحَق بالحضانة بِشَرْط اتصاف الْأُم بِخمْس صِفَات الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْأَمَانَة بالفراغ أما الْإِسْلَام فَإِنَّمَا يشْتَرط فِي ولد الْمُسلم لِأَن تَسْلِيمه إِلَى الْكَافِر يعرض دينه للفتنة وَأما الْعقل فَهُوَ الأَصْل فَلَا ثِقَة بِحِفْظ المعتوهة

وَأما الْحُرِّيَّة فَلَا بُد مِنْهَا لِأَن هَذِه ولَايَة وَلَا ولَايَة مَعَ الرّقّ وَلَا يُؤثر رضَا السَّيِّد وَكَذَلِكَ من نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق إِذْ لَا ولَايَة لمثلهَا وَلَكِن عَلَيْهَا نَفَقَة الْقَرِيب لِأَن ذَلِك من قبيل الغرامات وَأما الْأَمَانَة فَلَا بُد مِنْهَا إِذْ الفاسقة لايؤمن من جَانبهَا وَأما الْفَرَاغ فنعني بِهِ أَن لَا تكون فِي نِكَاح غَيره فَإِذا نكحت سقط حَقّهَا من الْحَضَانَة لِأَنَّهُ نوع رق وَلَا يُؤثر رضَا الناكح إِلَّا إِذا نكحت من لَهُ حق الْحَضَانَة كعم الْوَلَد فَالْمَشْهُور أَنه لَا يسْقط حَقّهَا من الْحَضَانَة وَفِيه وَجه أَن الْأَب أولى من الْأُم وَإِن نكحت الْعم وَمهما طلقت قبل الْمَسِيس عَاد حَقّهَا كَمَا إِذا أفاقت من جُنُون أَو عتقت من رق أَو تابت من فسق أَو أسلمت بعد كفر فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة فالمنصوص رُجُوع حَقّهَا لِأَنَّهَا الْآن فارغة معتزلة وَفِيه قَول مخرج وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا حق لَهَا لاستمرار سلطنة الزَّوْج أما الْمُعْتَدَّة البائنة فَيَعُود حَقّهَا لَكِن إِن كَانَت فِي مسكن الزَّوْج فَللزَّوْج أَن لَا يرضى بِإِدْخَال الْوَلَد ملكه فَإِن رَضِي رَجَعَ حَقّهَا لَا كرضاه فِي صلب النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يُؤثر لِأَن هَذَا كرضا الْمُعير للدَّار

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَن يسْتَحق الْحَضَانَة وَهُوَ كل من لَا يسْتَقلّ إِمَّا لصِغَر أَو جُنُون لَكِن الْأُم أولى بِالصَّبِيِّ قبل التَّمْيِيز فَإِذا ميز خير بَينهَا وَبَين الْأَب وَسلم إِلَى من يختاره غُلَاما كَانَ أَو جَارِيَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْأَب بالغلام أولى وَالأُم بالجارية أولى وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير غُلَاما

وَلَا نَنْظُر إِلَى سبع سِنِين بل نتبع التَّمْيِيز فَإِن استمرت الغباوة إِلَى مَا بعد الْبلُوغ فالأم أولى وَكَذَلِكَ إِن اتَّصل بِهِ جُنُون وَكَأن حَقّهَا لَا يَنْقَطِع إِلَّا بِاخْتِيَار الصَّبِي عَن تَمْيِيز وَلَو اخْتَار أَحدهمَا ثمَّ رَجَعَ رد إِلَى الآخر لِأَن الْحَال قد يتَغَيَّر فِي الرِّفْق بِهِ إِلَّا إِذا كثر تردده حَتَّى دلّ على قلَّة التَّمْيِيز فَيرد إِلَى الْأُم وَكَذَلِكَ إِذا سكت عَن الإختيار هَذَا فِي حق الصَّبِي أما الْبَالِغ إِذا كَانَ غير رشيد فَهُوَ كَالصَّبِيِّ وَإِن كَانَ رشيدا وَهُوَ ذكر اسْتَقل وَإِن كَانَت جَارِيَة وَهِي بكر فَالظَّاهِر أَن للْأَب أَن يسكنهَا موضعا وَلَيْسَ لَهَا الإستقلال وَإِن كَانَت رَشِيدَة كَمَا يجبرها على حبس النِّكَاح وَهُوَ أعظم من حبس الْمسكن ثمَّ هَذَا يخْتَص بِالْأَبِ وَالْجد وَمن لَهُ ولَايَة الْإِجْبَار وَفِيه وَجه أَنَّهَا تستقل وَإِنَّمَا التَّزْوِيج بالجبر أما الْبِنْت فَإِنَّهَا تستقل إِذا تمّ رشدها بالممارسة لَكِنَّهَا إِن كَانَت تتهم بريبة فلعصباتها ولَايَة إسكانها وملاحظتها دفعا للعار عَن النّسَب وَلَا يثبت هَذَا إِلَّا لمن لَهُ ولَايَة التَّزْوِيج وَلَو ادّعى الرِّيبَة فأنكرت فتبعد مُطَالبَته بالإثبات بِالْبَيِّنَةِ فَإِن ذَلِك افتضاح يجر الْعَار والإحتكام على عَاقِلَة أَيْضا بِمُجَرَّد الدَّعْوَى بعيد وَلَكِن إِقَامَة الْبَيِّنَة أبعد مِنْهُ

فرعان أَحدهمَا هَل يجْرِي التَّخْيِير بَين الْأُم وَمن يَقع على حَاشِيَة النّسَب كالعم وَالْأَخ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَالْأَبِ وَالْجد وَالثَّانِي أَن الْأُم أولى وَإِنَّمَا التَّخْيِير مَعَ الْأَب وَالْجد لِأَن لَهُم دَرَجَة الْولَايَة والإجبار وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي التَّخْيِير بَين الْأَب وَالْأُخْت وَالْخَالَة إِذا قُلْنَا إِن الْأَب مقدم عَلَيْهِمَا فِي الْحَضَانَة الثَّانِي أَنه إِذا اخْتَار الْأَب لم يمْنَعهَا من الزِّيَارَة وَإِذا اخْتَار الام لم يسْقط عَن الْأَب مئونة الْحَضَانَة وَالْقِيَام بتأديبه وتسليمه إِلَى الحرفة أَو الْمكتب وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون الَّذِي لَا تستقل الْأُم بضبطه يجب على الْأَب رعايته وَمهما سَافر الْأَب سفر نقلة بَطل تَقْدِيم الْأُم وَكَانَ لَهُ اسْتِصْحَاب الْوَلَد كَيْلا يَنْقَطِع النّسَب سَوَاء كَانَ قبل التَّمْيِيز أَو بعده إِذْ فِيهِ ضرار نعم لَو رافقته الْأُم فَهِيَ أولى وَلَيْسَ لَهُ استصحابه فِي سفر النزهة وَلَا فِي سفر التِّجَارَة وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَفِيه وَجه لطول الْمدَّة وَلَو انْتقل إِلَى مَا دون مرحلَتَيْنِ فَفِي جَوَاز انتزاع الْوَلَد وَجْهَان لِأَن تتَابع الرفاق يمْنَع اندراس النّسَب

الْفَصْل الثَّالِث فِي التزاحم والتدافع وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف الأول فِي اجْتِمَاع النسْوَة فَإِن تدافعن فالحاضنة على من عَلَيْهَا النَّفَقَة وَإِن تزاحموا وَطلبت كل وَاحِدَة الْحَضَانَة فالنص فِي الْجَدِيد أَن الْأُم أولى ثمَّ أمهاتها المدليات بالإناث لَا بالذكور ثمَّ أم الْأَب وجداته المدليات بالإناث وَإِن علون ثمَّ أم الْجد وجداته على التَّرْتِيب الْمُقدم فِي الْأَب ثمَّ أم أَب الْجد وجداته كَذَلِك ثمَّ الْأَخَوَات ثمَّ الخالات ثمَّ بَنَات الْإِخْوَة لِأَن الْخَالَة أم وشفقتها أَكثر من شَفَقَة العمات وَهن بعد الخالات لِأَن قرَابَة الْأُم أقوى فِي الْحَضَانَة وَالْقَدِيم يُوَافق الْجَدِيد فِي جَمِيع هَذَا التَّرْتِيب إِلَّا أَنه فِي الْقَدِيم قدم الْأَخَوَات والخالات على أُمَّهَات الْأَب لإدلائهن بِالْأُمِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن شَفَقَة الْأُصُول أعظم

وَيبقى النّظر فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن الْأُخْت من الْأَب مُقَدّمَة على الْأُخْت من الْأُم فِي الْجَدِيد وَذكر وَجه فِي التَّخْرِيج على الْقَدِيم أَن الْأُخْت للْأُم مُقَدّمَة لقرابة الْأُم وَعلة الْجَدِيد أَنَّهُمَا يستويان فِي الشَّفَقَة وَلَا تُؤثر جِهَة الْأُم فِي زِيَادَة الشَّفَقَة لَكِن هَذِه لَهَا قُوَّة فِي الْمِيرَاث وَيصْلح ذَلِك فِي التَّرْجِيح لَكِن هَذَا لَا يطرد فِي خَالَة لأَب وَأُخْرَى لأم وَكَذَلِكَ لعمات إِذْ لَا مِيرَاث فَمنهمْ من قدم الْخَالَة للْأَب لِأَن الْمِيرَاث بَين لنا قُوَّة هَذِه الْجِهَة فَلَا يرْعَى غير الْمِيرَاث وَمِنْهُم من قدم الْخَالَة للْأُم إِذْ لَا مِيرَاث وقرابة الْأُم آكِد الثَّانِيَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا مدْخل فِي الْحَضَانَة لكل جدة سَاقِطَة فِي الْمِيرَاث وَهِي كل جدة تدلي بِذكر بَين الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت ساطقه فِي الْمِيرَاث فالخالة والعمة أَيْضا كَذَلِك وَلَعَلَّ سَببه أَن الذّكر الَّذِي لَيْسَ بوارث لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْحَضَانَة وَهِي تدلي بِهِ وَلِهَذَا الْإِشْكَال ذكر أَصْحَابنَا وَجْهَيْن آخَرين أَحدهمَا أَنَّهُنَّ لَو انفردن فَلَهُنَّ الْحَضَانَة ولكنهن مؤخرات عَن الخالات وَجَمِيع الْمَذْكُورَات وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مؤخرات عَن الْجدَّات الوارثات مُقَدمَات على الاخوات والخالات الثَّالِثَة الْقَرِيبَة الْأُنْثَى الَّتِي لَا محرمية لَهَا كبنات الخالات وَبَنَات العمات فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه لَا حضَانَة لَهُنَّ إِذْ الْحَضَانَة تستدعي خبْرَة ببواطن الْأُمُور فتستدعي الْمَحْرَمِيَّة وَالثَّانِي أَنه تثبت وَذكر الفوراني ذَلِك وَقَالَ الخالات مُقَدمَات على بَنَات الْإِخْوَة وَبَنَات الْإِخْوَة مُقَدمَات على العمات كَمَا يقدم ابْن الْأَخ فِي الْإِرْث على الْعم وَقَالَ بَنَات الخالات مُقَدمَات على بَنَات العمات الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وهم أَرْبَعَة أَقسَام الأول محرم وَارِث فَلهُ حق الْحَضَانَة ويترتبون ترَتّب الْعَصَبَات فِي الْولَايَة إِلَّا الْأَخ من الْأُم فَإِنَّهُ لَيْسَ بولِي وَهُوَ مُتَأَخّر عَن الْأُصُول وعو الْإِخْوَة للْأَب مَعَ أَنه محرم وَارِث وَهل يُؤَخر عَن الْعم فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من أخر للولاية وَمِنْه من قدم للقرب والشفقة وَهُوَ الْأَظْهر الثَّانِي الْوَارِث الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كبني الْأَعْمَام لَهُم حق حضَانَة فِي الصَّبِي وَفِي الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهي دون الَّتِي تشْتَهى الثَّالِث الْمحرم الَّذِي لَيْسَ بوارث كالخال وَأب الْأُم وَالْعم من الْأُم وَبني الْأَخَوَات فهم مؤخرون عَن الْوَرَثَة وَهل لَهُم حق عِنْد فقدهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تثبت للمحرمية كَمَا تثبت للخالة وَإِن لم تكن وارثة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْخَالَة أُنْثَى وانضمام الْأُنُوثَة إِلَى الْقَرَابَة مُؤثر ثمَّ لَا خلاف أَن الْمُسْتَحبّ للسُّلْطَان أَن يسلم إِلَيْهِم الرَّابِع قريب لَيْسَ بِمحرم وَلَا وَارِث كَابْن الْخَالَة وَالْخَال فَالصَّحِيح أَنه لَا حق لَهُم وَإِن ظهر الْخلاف فِي بَنَات الخالات لأجل الْأُنُوثَة وَفِيه وَجه الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا شكّ أَن الْأُم وأمهاتها مُقَدمَات إِذا كن من جِهَة الْإِنَاث ثمَّ بعدهن فِي الْأَب والجدات من قبل الْأَب قَولَانِ

ظَاهر النَّص تَقْدِيم الْأَب فَلَا يقدم على الْأَب إِلَّا الْأُم وأمهاتها كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مُقَدمَات وَإِن أدلين بِهِ لشفقة الْأُنُوثَة فعلى هَذَا فِي تَقْدِيم الْأَخَوَات على الْأَب ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا التَّقْدِيم للأنوثة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَب أصل وَالثَّالِث أَنه يقدم على الْأُخْت للْأَب فَإِنَّهَا فَرعه دون الْأُخْت للْأُم وَالْأُخْت للْأَب وَالأُم وَهَذَا الْوَجْه لَا يجْرِي فِي الْخَالَة لِأَنَّهَا لَيست فرعا وَلَكِن يجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَقْدِيم الْخَالَة على الْأَب بل تَقْدِيم الْخَالَة عَلَيْهِ أولى من تَقْدِيم الْأُخْت وكل جدة لَيست فَاسِدَة فَهِيَ مُقَدّمَة على كل عصبَة تقع على حَوَاشِي النّسَب وَأما الذُّكُور وَالْإِنَاث على الْحَوَاشِي إِذا اسْتَووا فِي الْقرب وَالْإِرْث فالأنثى أولى وَالْأُخْت أولى من الْأَخ وَلَو كَانَت الْأُنْثَى بعيدَة وَالذكر قَرِيبا فَوَجْهَانِ لتعارض الْأُنُوثَة والقرابة

السَّبَب الثَّالِث للنَّفَقَة ملك الْيَمين وَفِيه مسَائِل الأولى أَن نَفَقَة الْمَمْلُوك إمتاع وَهُوَ على الْكِفَايَة وَلَا تسْقط إِلَّا بِزَوَال الْملك أَو الْكِتَابَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يطعمهُ ويكسوه من جنس مَا يطعم ويكتسي وَلَكِن مَا يَلِيق بِهِ وَلَو اقْتصر من الْكسْوَة على مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة لم يجز ذَلِك فِي بِلَادنَا لِأَنَّهُ إِضْرَار وَإِن لم يكن يتَأَذَّى بَحر وَبرد وَهل يجب تَفْضِيل النفيس على الخسيس فِي الْكسْوَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب إِذْ الْعَادة تَقْتَضِي ذَلِك وَالثَّانِي لَا لِأَن الرَّقِيق يَلِيق بِهِ الخشن وَإِن كَانَ نفيسا وَالثَّالِث أَنه لَا يفرق فِي العبيد أما الْجَوَارِي فيفضل السّريَّة على الخادمة الثَّانِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كفى أحدكُم طَعَامه خادمه حره ودخانه فليجلسه مَعَه فَإِن أَبى فليروغ لَهُ لقْمَة وليناولها إِيَّاه فترددوا وَفِي ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَن ذَلِك وَاجِب على التَّرْتِيب وَالثَّانِي أَنه يجب إِمَّا الإجلاس اَوْ ترويغ اللُّقْمَة وَلَا يجب التَّرْتِيب وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَظْهر أَن ذَلِك مُسْتَحبّ وَهُوَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الثَّالِثَة الرقيقة أَو أم الْوَلَد إِذا أَتَت بِولد فعلَيْهَا الْإِرْضَاع بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا رقيقَة وَلَا يفرق بَينه وَبَينهَا وَلَا تكلّف أَن ترْضع غير وَلَدهَا مَعَ وَلَده فَإِنَّهُ إِضْرَار بهَا وَبِوَلَدِهَا نعم لَهُ أَن يسْتَمْتع بهَا وَيضم الْوَلَد إِلَى غَيرهَا فِي وَقت الإستمتاع الرَّابِعَة لَيْسَ لَهَا فطام وَلَدهَا قبل الْحَوْلَيْنِ وَلَا الزِّيَادَة على الْحَوْلَيْنِ إِلَّا بِرِضَاهُ والمتبع رضَا السَّيِّد فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ إِضْرَارًا بِالْوَلَدِ وَأما الْحرَّة فحقها مُؤَكد فِي إِرْضَاع وَلَدهَا فَيتَوَقَّف الْفِطَام على توافقهما فَإِن أَرَادَت الْفِطَام فَلهُ الْمَنْع وَإِن أَرَادَت الْإِرْضَاع بِالْأُجْرَةِ وَأَرَادَ الْأَب الْفِطَام فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع الْخَامِسَة لَا أصل للمخارجة وَهُوَ ضرب خراج مُقَدّر على العَبْد كل يَوْم بل على العَبْد بذل المجهود وعَلى السَّيِّد أَن يحملهُ على مَا يطيقه فَلَو امْتنع السَّيِّد عَن الْإِنْفَاق يُبَاع عَلَيْهِ فَإِن لم يرغب أحد فِي شِرَائِهِ فَهُوَ من محاويج الْمُسلمين السَّادِسَة يجب عَلَيْهِ علف الدَّوَابّ لِأَن أرواحها مُحْتَرمَة وَلذَلِك لَا يجوز تعذيبها وَلَا ذَبحهَا إِلَّا لمأكله وَكَذَلِكَ لَا ينزف أَلْبَانهَا بِحَيْثُ يستضر بنتاجها

وَيجوز غصب الْعلف والخبط لحاجتها إِذا أشرفت على الْهَلَاك على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَالْمُسَافر يقدم حَاجَة الدَّابَّة إِلَى المَاء على الْوضُوء فيتيمم وَإِذا أجدبت الأَرْض فَعَلَيهِ علف السَّائِمَة وَلَا يجب عَلَيْهِ عمَارَة دَاره وقناته وعقاره وَإِن أشرفت على الإنهدام لِأَن الْحُرْمَة لذِي الرّوح فَإِن امْتنع من الْعلف فللقاضي أَن يجْبرهُ على البيع أَو يَبِيع عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم وَأحكم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

كتاب الْجِنَايَات

عدل

اعْلَم أَن أَدِلَّة الشَّرِيعَة من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع متظاهرة على أَن الْقَتْل كَبِيرَة متفاحشة مُوجبَة للعقوبة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وموجباته فِي الدُّنْيَا ثَلَاثَة الْقصاص وَالدية وَالْكَفَّارَة أما الْقصاص فالنظر فِي حكمه عِنْد الْعَفو والإستيفاء وَفِي مُوجبه أما الْمُوجب فالنظر فِيهِ يتَعَلَّق بالطرف وَالنَّفس أما النَّفس فالنظر فِيهَا يتَعَلَّق بأركان وَهُوَ الْقَاتِل والقتيل وَنَفس الْقَتْل الرُّكْن الأول الْقَتْل نَفسه والموجب للْقصَاص مِنْهُ كل فعل عمد محص عدوان مزهق للروح وَقَوْلنَا مزهق يتَنَاوَل الْمُبَاشرَة وَالسَّبَب فَلَزِمَ تَمْيِيز الْعمد الْمَحْض عَن غَيره وتمييز السَّبَب عَن غَيره وينكشف بِالنّظرِ فِي أَطْرَاف خَمْسَة

الطّرف الأول فِي تَمْيِيز الْعمد عَن شبه الْعمد وَالْقَصْد لَهُ ثَلَاث متعلقات أَحدهَا بِالْفِعْلِ فَمن تزلق رِجْلَاهُ فَسقط على غَيره فَمَاتَ فَهُوَ خطأ مَحْض الثَّانِي التَّعَلُّق بالشخص فَمن رمى إِلَى صيد فَأصَاب إنْسَانا فَهُوَ خطأ مَحْض وَإِن كَانَ الْفِعْل بِاخْتِيَارِهِ الثَّالِث الْقَصْد الْمُتَعَلّق بزهوق الرّوح وَبِهَذَا يتَمَيَّز الْعمد عَن شبه الْعمد وَفِي ضَبطه طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن مَا علم حُصُول الْمَوْت بِهِ بعد وجود قصد الْفِعْل والشخص فَهُوَ عمد مَحْض سَوَاء كَانَ قصد الْفَاعِل إزهاق الرّوح أَو لم يكن قصد وَسَوَاء كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ غَالِبا أَو نَادرا كَقطع الْأُنْمُلَة الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن الضَّابِط مَا يقْصد بِهِ الْقَتْل غَالِبا فِي المثقل فَأَما فِي

الْجِرَاحَات فَكل جرح سَار ذِي غور لِأَن قطع الْأُنْمُلَة لَا يقْصد بِهِ الْقَتْل غَالِبا ثمَّ هُوَ مُوجب للْقصَاص وَهَذَا ضَعِيف لِأَن معنى الْعمد لَا يخْتَلف بِالْجرْحِ والمثقل وللمثقل أَيْضا تَأْثِير فِي الْبَاطِن وغور فِي الترضيص والطريقة الأولى أَيْضا مدخولة لِأَنَّهُ لَو ضرب كوعه بعصا فتورم ودام الْأَلَم حَتَّى مَاتَ علم حُصُول الْمَوْت بِهِ وَلَا قصاص فِيهِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل وَأي فرق بَينه وَبَين مَا لَو غرز إبرة فأعقبت ألما وورما حَتَّى مَاتَ إِذْ يجب الْقصاص بِهِ وَلَو أعقبت ألما دون الورم فَوَجْهَانِ فَإِن أمكن أَن يُقَال الْمَضْرُوب بالعصا لَعَلَّه مَاتَ فَجْأَة بِسَبَب فِي بَاطِنه أمكن ذَلِك فِي غرز الإبرة كَيفَ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أبان بعض الْأَصَابِع فتأكل الْبَاقِي فَلَا قصاص فِي الْبَاقِي وَقد علم حُصُول السَّرَايَة بِهِ وَنَصّ على أَنه لَو ضرب رَأسه فَأذْهب ضوء عَيْنَيْهِ وَجب الْقصاص فِي الضَّوْء لِأَن اللطائف تقصد بِالسّرَايَةِ دون الْأَجْسَام وَقد علم حُصُول السَّرَايَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَعَن هَذَا تصرف بعض الْأَصْحَاب فِي النصين بِالنَّقْلِ والتخريج وَقَالُوا فيهمَا قَولَانِ فَتخرج الطريقتان على الْقَوْلَيْنِ

وَلما عسر الضَّبْط على أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذْ رأى الْقَصْد خفِيا عول على الْجَارِح فَلَزِمَهُ إِسْقَاط الْقصاص فِي التَّفْرِيق والتخنيق وَالتَّحْرِيق فَالْأولى فِي تَعْلِيل مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن نَتْرُك الضَّبْط ونقول حُصُول الْمَوْت بِالسَّبَبِ إِمَّا أَن يكون نَادرا أَو كثيرا أَو غَالِبا وَلَيْسَ كل كثير غَالِبا فَإِن الْمَرَض كثير وَلَيْسَ بنادر وَلَا غَالب بل الْغَالِب الصِّحَّة والجذام نَادِر لَا كثير وَلَا غَالب فَكل مَا كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ نَادرا فَلَا قصاص فِيهِ كالعصا وَالسَّوْط وغرز إبرة لَا تعقب ورما وَلما كَانَ

سُقُوط الْأَطْرَاف بِالسّرَايَةِ نَادرا نَص على سُقُوط الْقصاص فِيهِ بِخِلَاف زَوَال اللطائف كالعقل وَالْبَصَر ويقابل هَذِه الرُّتْبَة مَا كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ غَالِبا كالجراحات الْكَبِيرَة والمثقلات فتلحق بِمَا يكون حُصُول الْمَوْت بِهِ ضَرُورِيًّا كالتخنيق وحز الرَّقَبَة والمتوسط الَّذِي يكون حُصُول الْمَوْت بِهِ كثيرا لَا غَالِبا كالجراحات الواسعة فَوق غرز الإبرة وكقطع الْأُنْمُلَة وكالعصا وَالسَّوْط فَفِي هَذَا ينظر إِلَى السَّبَب الظَّاهِر وَهُوَ الْجرْح مزهقا فَيجب الْقصاص بِهِ لِأَن الْجرْح طَرِيق سالك إِلَى الإزهاق غَالِبا وَإِن لم يكن قدر هَذَا الْجرْح مزهقا غَالِبا وَمَا لَا يجرح فَلَيْسَ طَرِيقا غَالِبا فَاعْتبر فِيهِ أَن يتَحَقَّق كَونه بِالْإِضَافَة إِلَى الشَّخْص وَالْحَال مهْلكا غَالِبا ثمَّ ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَالْأَحْوَال فليحكم فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَإِن قيل لَو ضرب شخصا ضربا يقتل الْمَرِيض غَالِبا لَكِن ظَنّه صَحِيحا قُلْنَا يجب الْقصاص لِأَن هَذَا الظَّن إِذا لم ينف الْعدوان فِي الْفِعْل وَهُوَ فِي نَفسه قَاتل فَلَا يكون

مَعْذُورًا بجهله بِخِلَاف مَا لَو صدر هَذَا من مؤدب أَو أَب أَو من طَبِيب سقَاهُ شَيْئا يقتل ذَلِك الْمَرِيض إِلَّا أَنه لم يعرف مَرضه فَلَا يجب الْقصاص لِأَنَّهُ جهل أَبَاحَ الْفِعْل فَإِن قيل إِذا سقِِي غَيره دَوَاء يقتل كثيرا لَا غَالِبا فَهُوَ كالجراحات أَو المثقلات قُلْنَا ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه كغرز الإبرة فَإِن أعقب تغيرا أَو تألما وَجب الْقصاص لِأَن أغشية الْبَاطِن رقيقَة فَيَنْقَطِع بالدواء فَكَانَ إِلْحَاقه بِالْجرْحِ أولى

الطّرف الثَّانِي فِي تَمْيِيز السَّبَب عَن الْمُبَاشرَة وَمَا يحصل الْمَوْت عقبه يَنْقَسِم إِلَى شُرُوط وَعلة وَسبب أما الشَّرْط فَهُوَ الَّذِي يحصل عِنْده لِأَنَّهُ كحفر الْبِئْر مَعَ التردية فَإِن الْمَوْت بالتردية لَكِن الْحفر شَرط وَكَذَا الْإِمْسَاك مَعَ الْقَتْل وَالشّرط لَا يتَعَلَّق الْقصاص بِهِ وَأما الْعلَّة فَمَا تولد الْمَوْت إِمَّا بِغَيْر وَاسِطَة كحز الرَّقَبَة وَإِمَّا بِوَاسِطَة كالرمي فَإِنَّهُ يُولد الْجرْح وَالْجرْح يُولد السَّرَايَة والسراية تولد الْمَوْت وَهَذَا يتَعَلَّق الْقصاص بِهِ أما السَّبَب فَمَا لَهُ أثر فِي التولد وَلكنه يشبه الشَّرْط من وَجه فَهَذَا على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى الْإِكْرَاه على الْقَتْل وَهُوَ مُوجب للْقصَاص فَإِنَّهُ شَدِيد الشّبَه بِالْعِلَّةِ لِأَنَّهُ يُولد فِي الْمُكْره دَاعِيَة الْقَتْل غَالِبا الثَّانِيَة شَهَادَة الزُّور فَإِنَّهَا تولد فِي القَاضِي دَاعِيَة الْقَتْل لكنه دون الْإِكْرَاه فَإِن هَذَا إلجاء شرعا والاول حسا لَكِن لما كَانَ كل وَاحِد يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا فِي شخص معِين لم نفرق بَينهمَا وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله لم يلْحق الشَّهَادَة بِالْإِكْرَاهِ الثَّالِثَة مَا يُولد الْمُبَاشرَة توليدا عرفيا لَا حسيا وَلَا شَرْعِيًّا كتقديم الطَّعَام المسموم إِلَى

الضَّيْف فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا قصاص على الْمُقدم لِأَن الْأكل لَيْسَ ملجئا لَا حسا وَلَا شرعا وَالثَّانِي يجب لِأَن هَذَا التَّغْرِير يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا فِي معِين ثمَّ الصَّحِيح أَن الدِّيَة تجب وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَلَو وضع الطَّعَام المسموم فِي دَاره اعْتِمَادًا على أَن الدَّاخِل الْمَقْصُود سيأكله انبساطا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فَلَو دَعَا الضَّيْف وحفر فِي الدهليز بِئْرا فتردى فِيهِ فَفِي الْقصاص قَولَانِ فَإِن قيل لَو جرى سَبَب وَقدر الْمَقْصُود على دَفعه وَلم يدْفع قُلْنَا هَذَا على مَرَاتِب الأولى أَن لَا يكون السَّبَب مهْلكا كَمَا لَو فتح عرقه بِغَيْر إِذْنه وَلم يعصب حَتَّى نزف الدَّم أَو أَلْقَاهُ فِي مَاء قَلِيل فَبَقيَ مُسْتَلْقِيا حَتَّى غرق أَو حَبسه فِي بَيت فَلم يطْلب طَعَاما مَعَ الْقُدْرَة حَتَّى مَاتَ فَهُوَ الَّذِي أهلك نَفسه فَلَا دِيَة لَهُ وَلَا قصاص الثَّانِيَة أَن يكون السَّبَب مهْلكا وَالدَّفْع عسيرا كَتَرْكِ مداواة الْجرْح فالقصاص وَاجِب الثَّالِثَة أَن يكون السَّبَب مهْلكا وَكَانَ الدّفع سهلا كَمَا لَو أَلْقَاهُ فِي مَاء مغرق فَترك السباحة وَهُوَ يحسنها فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْإِيجَاب أَنه قد يدهش عَن السباحة وَالسَّبَب فِي نَفسه مهلك وَفِي الدِّيَة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب

وَلَو أَلْقَاهُ فِي نَار فَوقف فَوَجْهَانِ مرتبان وَالظَّاهِر وجوب الْقصاص لِأَن النَّار بِأول اللِّقَاء تشنج الْأَعْضَاء فتعسر الْحَرَكَة بِهِ فَإِن قيل لَو كَانَ بِهِ بعض الْجُوع فحبسه وَمنعه الطَّعَام حَتَّى مَاتَ قُلْنَا إِن علم وَجب الْقصاص كَمَا لَو قصد مَرِيضا بِضَرْب خَفِيف وَإِن كَانَ جَاهِلا بجوعه فَفِي الْقود قَولَانِ أَحدهمَا يجب كَمَا لَو ضرب مَرِيضا على ظن أَنه صَحِيح فالجوع السَّابِق وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ كالمرض وَالثَّانِي لَا يحب لِأَن هَذَا الْقدر من الْجُوع لَيْسَ مهْلكا وَزِيَادَة الْجُوع الأول هُوَ الَّذِي أهلك بِخِلَاف الضَّرْب فَإِنَّهُ لَيْسَ زِيَادَة فِي الْمَرَض لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنسه فَلم يُمكن إِحَالَة الْهَلَاك عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَا نوجب الْقصاص فَلَا بُد من الدِّيَة وَفِي قدرهَا قَولَانِ أَحدهمَا الْكل إِذْ سُقُوط الْقصاص كَانَ بِالشُّبْهَةِ وَالثَّانِي النّصْف لِأَن الْهَلَاك حصل بالجوعين فَهُوَ كَمَا لَو وضع فِي السَّفِينَة المثقلة زِيَادَة مغرقة فَفِي قدر الضَّمَان ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْكل وَالثَّانِي النّصْف وَالثَّالِث التَّوْزِيع لِأَن تَأْثِير المثقلات فِي الإغراق متناسب بِخِلَاف تَأْثِير الْجُوع وَالْجرْح

الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع السَّبَب والمباشرة أما الشَّرْط فَلَا يخفى سُقُوطه مَعَهُمَا كالممسك مَعَ الْقَاتِل والحافر مَعَ المردي إِذْ لَا قصاص عَلَيْهِمَا وَلَا ضَمَان خلافًا لمَالِك رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ جعل الممسك شَرِيكا وَأما الْمُبَاشرَة مَعَ السَّبَب فعلى مَرَاتِب الأولى أَن يغلب السَّبَب الْمُبَاشرَة وَذَلِكَ إِذا لم تكن الْمُبَاشرَة عُدْوانًا كَقَتل القَاضِي والجلاد مَعَ شَهَادَة الزُّور فالقصاص على الشُّهُود فَإِن كَانَ عُدْوانًا بِأَن اعْترف ولي الْقصاص بِكَوْنِهِ عَالما بالتزوير فَلَا قصاص على الشُّهُود وَلَا دِيَة لِأَنَّهُ لم يلجأ حسا وَلَا شرعا فَصَارَ قَوْلهم شرطا مَحْضا كالإمساك الثَّانِيَة أَن يصير السَّبَب مَغْلُوبًا بِالْمُبَاشرَةِ كَمَا إِذا أَلْقَاهُ من شَاهِق الْجَبَل فَتَلقاهُ إِنْسَان بِسَيْفِهِ فَقده بنصفين فَلَا قصاص على الملقي عرف أَو لم يعرف لِأَن إلقاءه صَار شرطا مَحْضا لما ورد عَلَيْهِ مُبَاشرَة مُسْتَقلَّة

الثَّالِثَة أَن يعتدل السَّبَب والمباشرة كالإكراه على الْقَتْل فالأقوى لَا يحبط مُبَاشرَة الْمُكْره خلافًا لزفَر وَأبي يُوسُف وَهل تصير الْمُبَاشرَة مغلوبة بِهِ حَتَّى لَا يجب الْقصاص على الْمُكْره فِيهِ قَولَانِ فَإِن لم نوجب الْقصاص فَفِي الدِّيَة قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب لِأَنَّهَا تثبت مَعَ الشُّبْهَة وَوجه الْإِسْقَاط نقل الْفِعْل عَن الْمُكْره وَجعله كالآلة وَإِن أَوجَبْنَا الدِّيَة فَفِي طريقها وَجْهَان أَحدهمَا تجب عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ثمَّ يرجع على الْمُكْره وَالثَّانِي يجب النّصْف لِأَن إِيجَاب الْقصاص عَلَيْهِمَا كالتشريك فَإِن قُلْنَا لَا دِيَة فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان وَجه إِثْبَاتهَا أَنه آثم بِالْقَتْلِ وفَاقا وَقد تجب الْكَفَّارَة حَيْثُ لَا دِيَة كَمَا فِي الرَّمْي إِلَى صف الْكفَّار وَإِن قُلْنَا لَا تجب فَفِي حرمَان الْمِيرَاث وَجْهَان وَالظَّاهِر الحرمان لِأَنَّهُ آثم بِالْقَتْلِ وَالْكَفَّارَة وَالدية غرم يُمكن نَقله إِلَى الْمُكْره بِخِلَاف الحرمان فَإِن قيل فَمَا قَوْلكُم فِي أَمر السُّلْطَان قُلْنَا فِي نُزُوله منزلَة الْإِكْرَاه وَجْهَان وَجه إِلْحَاقه بِهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه يعلم من عَادَة السُّلْطَان السطوة عِنْد الْمُخَالفَة وَإِن لم يُصَرح بِهِ وعَلى هَذِه الْعلَّة يلْتَحق بِهِ كل متغلب هَذِه عَادَته وَإِن لم يكن سُلْطَانا ثمَّ وَجه التَّرَدُّد أَن الْمَعْلُوم من عَادَته

هَل يكون كالملفوظ بِهِ على الإقتران الْعلَّة الثَّانِيَة أَن طَاعَة السُّلْطَان وَاجِبَة على الْجُمْلَة كَيْلا تُؤدِّي مُخَالفَته إِلَى إثارة الْفِتْنَة وَلذَلِك نقُول لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَلَو كَانَ الإستبدال بِهِ يثير الْفِتْنَة فَلَا يسْتَبْدل فتزاحم على الْفِعْل مُوجب ومحرم فَإِن لم نبح انتهض شُبْهَة كالإكراه بِخِلَاف أَمر السَّيِّد عَبده فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ مُخَالفَة السَّيِّد إِذْ لَو عاقبه دفع السُّلْطَان ظلمه وَلَيْسَ وَرَاء السُّلْطَان يَد دافعة فمخالته تحرّك الْفِتْنَة نعم لَو كَانَ العَبْد من طباعه الضراوة فَإِذا أغراه بِإِنْسَان فالقصاص على السَّيِّد كَمَا لَو أغرى سبعا وَكَذَا لَو أغرى مَجْنُونا هَذِه حَاله هَل يتَعَلَّق الضَّمَان بِرَقَبَة هَذَا العَبْد وبمال هَذَا الْمَجْنُون أم ينزل منزلَة الْبَهِيمَة فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه إِنْسَان صُورَة لكنه بَهِيمَة فِي الْمَعْنى فَإِن قيل وَمَا حد الْإِكْرَاه قُلْنَا قد ذكرنَا صورته فِي الطَّلَاق لَكنا نتعرض لصور إِحْدَاهَا أَنه لَو أكره إنْسَانا على أَن يكره ثَالِثا على قتل الرَّابِع فعلى الأول قصاص وفيمن بعده قَولَانِ الثَّانِيَة لَو قَالَ اقْتُل زيدا أَو عمرا وَإِلَّا قتلتك فَقتل زيدا فَهُوَ مُخْتَار لِأَن ميله إِلَى زيد لَيْسَ إِلَّا عَن شَهْوَة وَيظْهر ذَلِك إِذا قَالَ اقْتُل من أهل الدَّار وَاحِدًا وَإِلَّا قتلتك الثَّالِثَة أَن يَقُول اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك فَهَذَا لَيْسَ بإكراه وَلَو قَالَ اقتلني وَإِلَّا قتلتك فَهَذَا إِكْرَاه وَإِذن فَهَل يُؤثر الْإِذْن فِي سُقُوط الْقصاص وَالدية فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه يسْقط لِأَنَّهُ صَاحب الْحق كَمَا إِذا قَالَ اقْتُل عَبدِي وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقصاص وَالدية تثبت للْوَرَثَة ابْتِدَاء لَا إِرْثا

وَالثَّالِث لَا يجب الْقصاص للشُّبْهَة وَتجب الدِّيَة فَإِن قيل إِذا رَأَيْتُمْ إِيجَاب الْقصاص عَلَيْهِمَا فَإِن لم يكن أَحدهمَا كُفؤًا للمقتول قُلْنَا يجب الْقصاص على الْكُفْء لِأَن شريك غير الْكُفْء يجب الْقصاص عَلَيْهِ كشريك الْأَب وَشريك العَبْد فِي قتل السَّيِّد وَإِن كَانَ أَحدهمَا صَبيا وَقُلْنَا إِن فعل الصَّبِي خطأ فالآخر شريك خاطىء لَكِن إِن كَانَ الْمَحْمُول صَبيا فَيحْتَمل أَن يجب الْقصاص على الْحَامِل لِأَن خطأه نتيجة الْإِكْرَاه فَهُوَ كَمَا لَو أكره إنْسَانا على أَن يَرْمِي إِلَى طلل عرفه الْمُكْره إنْسَانا وظنه الرَّامِي جرثومة فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان وَجه الْإِيجَاب جعل الْمُكْره مباشرا وَجعل الْمُكْره آلَة لَهُ لِأَنَّهُ تولد من إكراهه وَعَن هَذَا اختبط الْأَصْحَاب فِي الْمُكْره على إِتْلَاف المَال هَل يُطَالب بِالضَّمَانِ فعلى وَجه لَا يُطَالب أصلا لِأَنَّهُ كالآلة وَلَو أكرهه على صعُود شَجَرَة فزلقت رجله فَمَاتَ وَجب الْقصاص على الْمُكْره وَلم يَجْعَل كشريك الخاطىء لِأَن هَذَا الْخَطَأ وَلَده إكراهه بِخِلَاف جهل الْمُكْره وصباه فَإِن فِيهِ وَجْهَيْن

فَإِن قيل فَمَا الَّذِي يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ قُلْنَا لَا يُبَاح بِهِ الْقَتْل وَالزِّنَا وَيُبَاح بِهِ إِتْلَاف المَال بل يجب وتباح بِهِ الرِّدَّة وَفِي وجوب التَّلَفُّظ بِهِ وَجْهَان مِنْهُم من لم يُوجب للتصلب فِي الدّين وَيُبَاح شرب الْخمر بِالْإِكْرَاهِ وَفِي وُجُوبه خلاف مُرَتّب على الرِّدَّة وَأولى بِالْوُجُوب والإفطار فِي الصَّوْم يَنْبَغِي أَن يقْضى بِوُجُوبِهِ

الطّرف الرَّابِع أَن يكون السَّبَب من الْآدَمِيّ والمباشرة من بَهِيمَة كَمَا إِذا أَلْقَاهُ فِي تيار بَحر فالتقمه الْحُوت قبل الْغَرق فَيلْزمهُ الْقصاص وَينزل فعل الْحُوت منزلَة جرح السكين وَلَو أَلْقَاهُ فِي بِئْر عميق وَكَانَ فِي عمقه نصل مَنْصُوب فَمَاتَ بِهِ وَجب الْقصاص وَخرج الرّبيع قولا أَن الدِّيَة تجب دون الْقصاص اعْتِبَارا بِاخْتِيَار الْحَيَوَان وَكَونه شُبْهَة فِي الدّفع وَإِن أَلْقَاهُ فِي مَاء لَا يغرق فالتقمه الْحُوت من حَيْثُ لم يشْعر الملقي فَلَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا الدِّيَة وَإِن عرف حُضُور الْحُوت لزمَه الْقصاص وَلَو أمسك إنْسَانا وَعرضه للسبع حَتَّى افترسه وَجب الْقصاص وَالْمَجْنُون الضاري بطبعه كالسبع والحوت وَإِن لم يكن ضاريا اعْتبر اخْتِيَاره فِي قطع السَّبَب فروع أَرْبَعَة الأول لَو أنهشه حَيَّة أَو عقربا يقتل مثله غَالِبا لزمَه الْقصاص وَنزلت الْحَيَّة منزلَة السكين وَلَو كَانَ لَا يقتل غَالِبا كَانَ كغرز الإبرة الثَّانِي لَو ألْقى عَلَيْهِ عقربا أَو حَيَّة فنهشته فَلَا قَود لِأَن الْغَالِب أَنه يفر وَإِن كَانَ ضاريا فَهُوَ كالإنهاش الثَّالِث لَو جمع بَينه وَبَين سبع فِي بَيت فافترسه وَجب الْقصاص وَإِن كَانَ بدله حَيَّة فَلَا قصاص لِأَن الْحَيَّة تَفِر والسبع فِي الْمضيق يثب بطبعه فَإِن لم يكن الطَّبْع كَذَلِك لم يكن الحكم كَذَلِك

الرَّابِع لَو أغرى بِهِ كَلْبا أَو سبعا فِي صحراء فَلَا قصاص بِخِلَاف الْبَيْت فَإِن السَّبع فِي الْمضيق يقْصد وَفِي الصَّحرَاء يتوحش فَإِن كَانَ ضاريا فِي الصَّحرَاء وَلم يكن الْهَرَب مُمكنا لزم الْقصاص فَإِن كَانَ الْهَرَب مُمكنا فتخاذل فَهُوَ كَتَرْكِ السباحة

الطّرف الْخَامِس فِي طرآن الْمُبَاشرَة على الْمُبَاشرَة أَو السَّبَب على السَّبَب وَالْحكم فِيهِ تَقْدِيم الْأَقْوَى فَإِن اعتدلا جَمعنَا بَينهمَا فَلَو جرح الأول وحز الثَّانِي الرَّقَبَة فالقاتل هُوَ الثَّانِي لانْقِطَاع أثر الأول بِخِلَاف مَا إِذا قطع هَذَا من الْكُوع وَالثَّانِي من الْمرْفق فَمَاتَ فَإِن الْقصاص عَلَيْهِمَا لِأَن ألم الأول ينتشر إِلَى الْأَعْضَاء الرئيسية وَيبقى وَلَو قطع الأول حلقومه وَلم يبْق إِلَّا حَرَكَة المذبوحين فَقده الثَّانِي بنصفين فالقصاص على الأول وَلَا نظر إِلَى حَرَكَة المذبوحين بِخِلَاف مَا لَو حز رَقَبَة الْمَرِيض المشرف على الْمَوْت لِأَن مَوته غير مَقْطُوع بِهِ وَبِخِلَاف مَا لَو نزع أحشاءه وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يعلم أَنه يَمُوت بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وَلكنه فِي الْحَال يعقل بحياة مُسْتَقِرَّة فَإِن الْقصاص يجب على من حز الرَّقَبَة لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ شاور فِي الْخلَافَة فِي هَذِه الْحَالة فَكيف لَا تعْتَبر حَيَاته وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ كحركة المذبوحين فَأَما إِذا جرح كل وَاحِد جِرَاحَة فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ أَو حز أَحدهمَا الرَّقَبَة وَالْآخر قد بنصفين مَعًا فهما شريكان فقد تنخل من هَذَا أَن الْعمد الْمَحْض الْعدوان المزهق للروح سَبَب الْقصاص وَلَا يرد على

الْحَد مَا لَو اسْتحق حز رَقَبَة إِنْسَان فَقده بنصفين لِأَنَّهُ لَا عدوان بِهِ من حَيْثُ كَونه إزهاقا بل من حَيْثُ الْإِسَاءَة فِي الطَّرِيق فَلذَلِك لم يجب الْقصاص فَإِن قيل ظن الْإِبَاحَة هَل يكون شُبْهَة قُلْنَا إِذا قتل من ظَنّه مُرْتَدا وَلم تعهد لَهُ الرِّدَّة فَيجب الْقصاص وَإِن كَانَ قد عهد مُرْتَدا وَلكنه أسلم وَلم يشْعر بِهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا السُّقُوط للظن المبتنى على الإستصحاب وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ غير مَعْذُور فِي هَذَا الظَّن إِذْ لَا يحل للآحاد قتل الْمُرْتَد وَكَذَلِكَ لَو ظَنّه عبدا أَو ذِمِّيا لزمَه الْقصاص على الْمَذْهَب لِأَن هَذَا ظن لَا يُبِيح فَهُوَ كَمَا لَو زنى مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ وَالْجهل بِوُجُوب الْحَد بِخِلَاف مَا إِذا رأى مُسلما فِي دَار الْحَرْب على زِيّ الْمُشْركين وَلم يعهده مُسلما فَقتله فَإِذا هُوَ مُسلم فَلَا قَود وَتجب الْكَفَّارَة وَفِي الدِّيَة قَولَانِ لِأَن الْقَتْل مُبَاح بِهَذَا الظَّن وَهُوَ مَعْذُور أَحدهمَا تجب لِأَنَّهَا ضَمَان الْمحل وَذَلِكَ لَا يخْتَلف باخْتلَاف حَال الْمُتْلف وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تجب لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت عوضا فَلَيْسَتْ على مذاق الأعواض الْمَحْضَة فَإِنَّهَا بدل للنَّفس وَتجب الْكَفَّارَة قولا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تجب من غير تَقْصِير وَلَو قتل إنْسَانا على ظن أَنه قَاتل أَبِيه فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ غير مَعْذُور فِيهِ

الثَّانِي لَا يجب لِأَن هَذَا الظَّن مِمَّا يمهد عذره لِأَن الْقَتْل مُبَاح بِهَذَا الظَّن لكنه غير مَعْذُور وَلِهَذَا نقطع بِالْوُجُوب إِذا قَالَ تبينت أَن أبي حَيّ وَمن أَصْحَابنَا من قطع بِأَنَّهُ لَو صدقه ولي الدَّم فَلَا قصاص وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إِذا تنَازعا وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ ظن من غير مُسْتَند شَرْعِي

الرُّكْن الثَّانِي الْقَتِيل وَشرط كَونه مَضْمُونا بِالْقصاصِ على الْجُمْلَة كَونه مَعْصُوما والعصمة تستفاد بِالْإِسْلَامِ والجزية والأمان يتنزلان مَنْزِلَته وَالْحَرْبِيّ مهدر وَالْمُرْتَدّ كَذَلِك فِي حق الْمُسلم وَلَكِن فِي حق الْكَافِر الذِّمِّيّ وَالْمُرْتَدّ إِذا قَتله فِيهِ خلاف وَمن عَلَيْهِ الْقصاص مَعْصُوم فِي حق غير الْمُسْتَحق وَالزَّانِي الْمُحصن مَعْصُوم بِالْقصاصِ عَن الذِّمِّيّ وَعَن الْمُسلم فِيهِ وَجْهَان مثارهما التَّرَدُّد فِي أَن الْحَد للْمُسلمين وَالْإِمَام نائبهم أَو إِضَافَة الْحَد إِلَى الله تَعَالَى كإضافة الْقصاص إِلَى إِنْسَان معِين حَتَّى لَا يظْهر أَثَره فِي حق غَيره

الرُّكْن الثَّالِث الْقَاتِل وَشرط وجوب الْقصاص عَلَيْهِ أَن يكون مُلْتَزما للْأَحْكَام فَلَا قصاص على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا على الْحَرْبِيّ وَيجب على الذِّمِّيّ وَفِي السَّكْرَان خلاف مَبْنِيّ على أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الصاحي أَو الْمَجْنُون هَذَا هُوَ النّظر فِي صِفَات الْقَتْل والقتيل وَالْقَاتِل ووراء هَذِه صِفَات هِيَ نِسْبَة بَين الْقَاتِل والقتيل لَا يُمكن تَخْصِيصه بأحدها وَهُوَ أَلا يفضل الْقَاتِل الْقَتِيل بِالدّينِ وَالْحريَّة والأبوة وَقد تعْتَبر فَضِيلَة الْعدَد والذكورة وتأبد الْعِصْمَة عِنْد بعض الْعلمَاء فمجموع هَذِه الْخِصَال سِتَّة الْخصْلَة الأولى من خِصَال الْكَفَاءَة التَّسَاوِي فِي الدّين الْحق فَهَذِهِ الْفَضِيلَة فِي الْقَاتِل تمنع وجوب الْقصاص ابْتِدَاء فَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَيقتل الْيَهُودِيّ بالنصراني ومعتمد هَذِه الْخصْلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر فروع أَرْبَعَة الأول لَو قتل ذمِّي ذِمِّيا ثمَّ أسلم الْقَاتِل قبل اسْتِيفَاء الْقود اقْتصّ مِنْهُ لِأَن الْمُسَاوَاة شَرط لينعقد الْقَتْل سَببا للْوُجُوب فَمَا طَرَأَ بعد ذَلِك لَا يمْنَع الإستيفاء وَلَو أسلم الْجَارِح بَين الْمَوْت

وَالْجرْح فالنظر إِلَى حَالَة الْجرْح أَو إِلَى حَالَة الْمَوْت فِيهِ وَجْهَان الثَّانِي إِذا قتل عبد مُسلم عبدا مُسلما لكَافِر فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان أَحدهمَا يجب لِأَن الْكَفَاءَة بَين الْقَتِيل وَالْقَاتِل مَوْجُودَة وَالسَّيِّد كالوارث وَلَو مَاتَ ولي الْقَتِيل الذِّمِّيّ بعد أَن أسلم الْقَاتِل بعد الْقَتْل وَقبل اسْتِيفَاء الْقود فَالْمَذْهَب ثُبُوت الْقصاص لهَذَا الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ فِي حكم الْإِرْث والدوام الْوَجْه الثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن هَذَا الْقصاص يجب ابْتِدَاء للسَّيِّد وَهُوَ كَافِر وَلَا يجب للْعَبد حَتَّى يُورث مِنْهُ وَلَا يُمكن تسليط كَافِر ابْتِدَاء على مُسلم الثَّالِث لَو قتل مُسلم مُرْتَدا فَلَا قصاص فَلَو قَتله مُرْتَد فَالظَّاهِر وجوب الْقصاص للتساوي وَقيل الْمُرْتَد مهدر كالحربي وَلَا يجب قصاص الْحَرْبِيّ على الْحَرْبِيّ أما إِذا قَتله ذمِّي فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب الْقصاص لعمده ودية لخطئه لِأَنَّهُ ساواه فِي الدّين وَالْمُرْتَدّ لَيْسَ بمهدر فِي حَقه وَالثَّانِي لَا يجب لِأَنَّهُ مهدر وَالذِّمِّيّ مَعْصُوم وَالثَّالِث قَالَه الْإِصْطَخْرِي يجب الْقصاص سياسة وَلَا تجب الدِّيَة لِأَنَّهُ غير مَعْصُوم الرَّابِع الْمُرْتَد إِذا قتل ذِمِّيا فَفِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يقتل كالذميين وَالثَّانِي لَا لِأَن حُرْمَة الْإِسْلَام بَاقِيَة وَلِهَذَا لَا يجوز للذِّمِّيّ نِكَاح الْمُرْتَدَّة وَلَا يحل استرقاقها الْخصْلَة الثَّانِيَة الْكَفَاءَة فِي الْحُرِّيَّة فَلَا يقتل الْحر وَلَا من فِيهِ شقص من الْحُرِّيَّة برقيق كَمَا لَا تقطع يَده بِيَدِهِ وفَاقا ثمَّ طرآن الْحُرِّيَّة أَو الرّقّ على الْقَاتِل بعد الْقَتْل لَا يمْنَع من اسْتِيفَاء الْقود كَمَا فِي طرآن الْإِسْلَام فروع ثَلَاثَة الأول النَّاقِص مقتول بالكامل والمستولدة وَالْمُكَاتبَة حكمهمَا حكم الْقِنّ فِي الْقصاص وَالْمكَاتب إِذا قتل عبد نَفسه لم يقتل بِهِ لِأَنَّهُ سَيّده وَإِن كَانَ هُوَ أَيْضا رَقِيقا وَلَو كَانَ عَبده أَبَاهُ وَقد تكاتب عَلَيْهِ فَفِي قَتله وَجْهَان وَوجه الْإِيجَاب أَن ملكه على الْأَب لَيْسَ مُسْتَقرًّا لِأَنَّهُ يسْتَحق الْعتْق بعتاقه فَلَا يكون شُبْهَة الثَّانِي من نصف حر وَنصفه عبد إِذا قتل من هُوَ فِي مثل حَاله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب الْقصاص للتساوي إِلَّا إِذا كَانَ جُزْء الْحُرِّيَّة من الْقَاتِل أَكثر وَقَالَت المراوزة لَا يجب مَا دَامَ فِي الْقَاتِل جُزْء من الْحُرِّيَّة وَلَو الْعشْر وَفِي الْقَتِيل جُزْء من الرّقّ وَلَو الْعشْر لِأَن كل جُزْء من الْقَتِيل يُقَابله جُزْء شَائِع من الْقَاتِل من الْحُرِّيَّة وَالرّق فَيُؤَدِّي إِلَى اسْتِيفَاء جُزْء من الْحر بِجُزْء من الرَّقِيق وَهُوَ مقتضي التَّوْزِيع الْمَذْكُور فِي مَسْأَلَة مد عَجْوَة الثَّالِث العَبْد الْمُسلم وَالْحر الذِّمِّيّ لَا قصاص بَينهمَا من الْجَانِبَيْنِ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فضل صَاحبه بفضيلة والنقيصة لَا تجبر بفضيلة وَمهما آل أَمر العَبْد إِلَى المَال فَالْوَاجِب قِيمَته

بَالِغَة مَا بلغت وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُزَاد على دِيَة الْحر بل يحط عَنهُ قدر نِصَاب السّرقَة الْخصْلَة الثَّالِثَة فَضِيلَة الْأُبُوَّة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل وَالِد بولده ففهم مِنْهُ أَن الْوَلَد لَا يكون سَببا لإعدام من هُوَ سَبَب وجوده فيتعدى هَذَا إِلَى الْأُم والأجداد والجدات وَذكر صَاحب التَّلْخِيص فِي الأجداد والجدات قولا وَاقْتصر على النّسَب الْقَرِيب فِي الْوُجُود وَهَذَا ضَعِيف ولهذه الْعلَّة منعنَا أَن يقتل الإبن أَبَاهُ الْحَرْبِيّ أَو الزَّانِي الْمُحصن إِذا كَانَ الإبن جلادا وَكَأن الْخلَل فِي الإستيفاء وَالْقصاص فِي حكم الْوَاجِب السَّاقِط وَلِهَذَا لَو قتل زَوْجَة ابْنه فَلَا قصاص إِذْ صَار ابْنه شَرِيكا فِي الإستحقاق فَلَا يُمكنهُ الإستيفاء وَكَذَلِكَ لَو قتل مُعتق ابْنه وَله وَارِث سوى الإبن فَمَاتَ وَصَارَ الإبن وَارِثا سقط فرعان أَحدهمَا أَخَوان قتل الأول أَبَاهُ وَقتل الثَّانِي أمه فَإِن كَانَت الْأُم زَوْجَة الْأَب فَلَا قصاص على الاخ الْقَاتِل للْأَب لِأَن قصاصه ثَبت للْأَخ وَالأُم فَلَمَّا قتل الثَّانِي الْأُم ورث مِنْهَا قصاص نَفسه فَسقط إِذْ يَسْتَحِيل أَن يسْتَحق قتل نَفسه وَإِن لم تكن زَوْجَة الْأَب اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُمَا قصاص صَاحبه وَلم يسْتَحق أحد قصاص نَفسه إِرْثا عَن قتيله لِأَن الْقَاتِل محروم عَن الْمِيرَاث وَلَو بَادر أَحدهمَا وَقتل آخر سقط الْقصاص عَن المبادر لِأَنَّهُ ورث قصاص نَفسه عَن أَخِيه الْقَتِيل إِن قُلْنَا إِن الْقَتْل بِالْحَقِّ لَا يحرم الْمِيرَاث وعَلى هَذَا إِذا كَانَ يَسْتَفِيد بالمبادرة

تَخْلِيص نَفسه فَلَو تنَازعا فِي السَّبق فَالْوَجْه أَن يقدم من سبق اسْتِحْقَاقه ويقرع بَينهمَا إِذا تَسَاويا وَمهما تَسَاويا فِي قتل الْأَبَوَيْنِ فَلَا فرق بَين أَن تكون الْأُم زَوْجَة أَو لَا تكون إِذْ لَا سَبِيل إِلَى تَوْرِيث أحد الْقَتِيلين من الآخر الثَّانِي لَو تداعى رجلَانِ لقيطا أَو وطئا مَنْكُوحَة بِالشُّبْهَةِ فَأَتَت بِولد فَقتله أَحدهمَا قبل إِلْحَاق الْقَائِف فَلَا قصاص فِي الْحَال لِأَن أَحدهمَا أَب وَقد اشْتبهَ الْأَمر فَهُوَ كَمَا لَو اشْتبهَ إِنَاء نجس بِإِنَاء طَاهِر فَلَا يجوز اسْتِعْمَاله من غير اجْتِهَاد فَإِن ألحق الْقَائِف بِغَيْر الْقَاتِل اقْتصّ من الْقَاتِل وَإِن ألحقهُ بِهِ فَلَا الْخصْلَة الرَّابِع التَّفَاوُت فِي تأبد الْعِصْمَة وَالْمذهب أَنه لَا يعْتَبر بل يقتل الذِّمِّيّ بالمعاهد كَمَا يقتل الْمعَاهد بِهِ وَفِيه احْتِمَال الْخصْلَة الْخَامِسَة فَضِيلَة الذُّكُورَة وَلَا تعْتَبر بالِاتِّفَاقِ بل يقتل الرجل بِالْمَرْأَةِ وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يجب فِي تَرِكَة الْمَرْأَة المقتولة شطر دِيَة الرجل لتَكون مَعَ دِيَتهَا كُفؤًا للرجل فَإِذا قتلت الْمَرْأَة رجلا قَالَ لَا يقنع بدمها بل يطْلب مَعَه شطر دِيَة من تركتهَا مَعَ قَتلهَا أَيْضا فرعان أَحدهمَا فِي الْخُنْثَى إِذا قطع الرجل ذكر خُنْثَى مُشكل وشفريه فَلَا قصاص فِي الْحَال لاحْتِمَال أَن الْمَقْطُوع امْرَأَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْقَاطِع امْرَأَة لم يجب لاحْتِمَال أَن الْمَقْطُوع رجل والشفران زَائِد فَإِذا تبين الْحَال لم يخف الحكم

فَلَو طلب الْخُنْثَى فِي الْحَال الدِّيَة وَعَفا عَن الْقصاص سلمنَا إِلَيْهِ دِيَة الشفرين وحكومة الذّكر وقدرناه امْرَأَة أخذا بِأَحْسَن التَّقْدِيرَيْنِ واقتصارا على المستيقن إِذْ تَقْدِير الذُّكُورَة يزِيد على هَذَا لَا محَالة وَإِن لم يعف عَن الْقصاص وَقَالَ لَا بُد من تَسْلِيم شَيْء لِأَنِّي أستحق مَعَ الْقصاص شَيْئا لَا محَالة فَإِن كَانَ الْقَاطِع رجلا فالقصاص مُحْتَمل فِي الذّكر فَلَا تقدر دِيَته بل يصرف إِلَيْهِ أقل الْأَمريْنِ من حُكُومَة الشفرين بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الذُّكُورَة أَو دِيَة الشفرين وحكومة الذّكر والانثيين على تَقْدِير الْأُنُوثَة وَيكون المصروف إِلَيْهِ بِكُل حَال أقل من مائَة من الْإِبِل وَيصرف إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أقل من تَقْدِير حُكُومَة الشفرين مَعَ دِيَة الذّكر على تَقْدِير الذُّكُورَة وَإِن كَانَ الْقَاطِع امْرَأَة فَلَا تقدر دِيَة الشفرين لِإِمْكَان الْقصاص فِيهِ بل تقدر حُكُومَة الذّكر والانثيين على تَقْدِير الْأُنُوثَة وَيصرف إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أقل من تَقْدِير حُكُومَة الشفرين مَعَ دِيَة الذّكر على تَقْدِير الذُّكُورَة وَإِن كَانَ الْقَاطِع خُنْثَى مُشكلا لم يصرف إِلَيْهِ شيئ إِذْ يحْتَمل أَن يَكُونَا رجلَيْنِ أوامرأتين فَيجْرِي الْقصاص فِي الإليتين الزَّائِد بِالزَّائِدِ والأصليه بالأصلية وَلَو قطعت الْمَرْأَة آلَة الرِّجَال وَالرجل آلَة النِّسَاء فَلَا يتَصَوَّر الْقصاص فعلى كل وَاحِد حُكُومَة على تَقْدِير كَونهَا زَائِدا بِشَرْط أَن لَا تزيد على تَقْدِير الدِّيَة فِيهَا فَإِنَّهُ لَو كَانَ رجلا فَرُبمَا تكون حُكُومَة فِي شفريه أَكثر من دِيَة امْرَأَة فَلَا يجب إِلَّا مَا دونه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ إِذْ لم يعف عَن الْقصاص وَكَانَ الْقَاطِع رجلا أَو امْرَأَة فَلَا يصرف إِلَيْهِ شَيْء فِي الْحَال لِأَن مَا يُطَالب بِهِ لَيْسَ يدْرِي أهوَ حُكُومَة أم دِيَة وَهُوَ ضَعِيف الْفَرْع الثَّانِي إِذا كَانَ الْجَانِي رجلا وَكَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ يَدعِي عَلَيْهِ بأنك أَقرَرت

بِأَنِّي رجل فلي الْقصاص فِي الذّكر وَقَالَ الْجَانِي بل أَقرَرت بأنك امْرَأَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْجَانِي إِذْ الأَصْل عدم الْقصاص وَالثَّانِي القَوْل قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ لأَنا نحكم لَهُ بالذكورة بقوله إِن تقدم على الْجِنَايَة فَكَذَا إِذا تَأَخّر الْخصْلَة السَّادِسَة التَّفَاوُت فِي الْعدَد وَلَا يُؤثر ذَلِك بل تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ إِذا اشْتَركُوا فِي قَتله وَالْوَاحد إِذا قتل جمَاعَة قتل بِوَاحِد وللباقين الدِّيات وَإِنَّمَا يُوجب الْقصاص على كل شريك لِأَنَّهُ قَاتل بِفِعْلِهِ وَفعل شَرِيكه مَنْسُوب إِلَيْهِ برابطة الإستعانة وكمل بِهِ فعله حسما للذريعة لَكِن يشْتَرط أَن يكون فعل شَرِيكه عمدا مضمنا وَإِن كَانَ خطأ فَلَا قصاص على الشَّرِيك لخُرُوج الْفِعْل عَن كَونه مُوجبا خلافًا للمزني رَحمَه الله فَيجب الْقصاص على شريك الْأَب وعَلى الذِّمِّيّ إِذا شَارك الْمُسلم فِي قتل ذمِّي وعَلى العَبْد إِذا شَارك الْحر فِي قتل عبد وَكَذَا كل عَامِد ضَامِن خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو شَارك عَامِد غير ضَامِن كشريك الْحَرْبِيّ ومستحق الْقصاص وَالْإِمَام فِي قطع يَد السَّارِق وكما إِذا جرح جارح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فجرحه الآخر بعد الْإِسْلَام فَفِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه يجب كَمَا فِي شريك الْأَب لوُجُود العمدية وَالثَّانِي لَا لِأَن الْفِعْل اتّصف بِكَوْنِهِ مُبَاحا فاكتسب صفة من هَذِه الْأَسْبَاب كَمَا اتّصف بِكَوْنِهِ خطأ فَرجع الْخلَل إِلَى وصف الْفِعْل والسبع مردد بَين الْحَرْبِيّ والخاطيء فَفِي وَجه يلْتَحق بالخاطىء وَهُوَ الْأَصَح وَفِي وَجه بالحربي وعَلى هَذَا لَو أَخطَأ السَّبع فشريكه شريك الخاطىء وَفِي شريك السَّيِّد طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ هُوَ كالحربي لسُقُوط الْقصاص وَالدية وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ ضَامِن لِلْكَفَّارَةِ فَأشبه الْأَب وَشريك الْقَاتِل نَفسه إِن قُلْنَا تجب الْكَفَّارَة على قَاتل النَّفس فَهُوَ كشريك السَّيِّد فِي عَبده وَإِلَّا فَهُوَ كشريك الْحَرْبِيّ فروع أَرْبَعَة الأول إِذا اتَّحد الْجَارِح واقترن بِأحد الجرحين مَا يدْرَأ الْقصاص سقط الْقصاص سَوَاء رَجَعَ الْخلَل إِلَى وصف الْفِعْل كَمَا لَو كَانَ أَحدهمَا خطأ أَو لم يرجع كَمَا لَو جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا ثمَّ أسلم فجرحه ثَانِيًا أَو قطع بِالْقصاصِ أَو الْحَد قطعا حَقًا ثمَّ جرح لِأَن الْفَاعِل قد اتَّحد وَإِذا اتَّحد الْمُضَاف إِلَيْهِ اسْتَوَى مَا يرجع إِلَى الصّفة وَإِلَى الْإِضَافَة الثَّانِي لَو داوى الْمَجْرُوح نَفسه بِسم مذفف فَلَا قصاص على الْجَارِح وَإِن كَانَ يُؤثر على الْجُمْلَة وَلَا يذففه فالجارح شريك النَّفس وَقيل لَا يجب الْقصاص قطعا لِأَنَّهُ شريك

الخاطىء إِذْ المداوي مخطىء وَكَذَلِكَ إِذْ خاط الْمَجْرُوح جرحه فِي لحم حَيّ صَار شَرِيكا وَيُمكن أَن يَجْعَل مخطئا وَلَا شكّ فِي أَنه لَو كَانَ عَلَيْهِ قُرُوح أَو بِهِ مرض فَلَا يصير بِهِ شَرِيكا وَهل يَجْعَل بمبادىء الْجُوع شَرِيكا إِذا تمم غَيره جوعه إِلَى الْمَوْت فِيهِ تردد سبق لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ مُعْتَادا فَهُوَ دَاخل تَحت الإختيار الثَّالِث إِذا توالى جمع على وَاحِد فَضَربهُ كل وَاحِد سَوْطًا وَاحِدًا فَمَاتَ فَفِي وجوب الْقصاص ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب لِأَن كل وَاحِد خاطىء وَشريك الخاطىء خاطىء إِذا أُتِي بِمَا لَا بِقصد بِهِ الْقَتْل وَالثَّانِي يجب لِأَن الْمَجْمُوع قَاتل وَلَو فتح هَذَا الْبَاب لصار ذَلِك ذَرِيعَة وَالثَّالِث يجب إِن صدر ذَلِك عَن التواطؤ وَإِلَّا فَلَا الرَّابِع إِذا جرح أَحدهمَا فأنهشه الآخر حَيَّة أَو أغرى عَلَيْهِ سبعا وجرحه فَالدِّيَة عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِأَن كَثْرَة الْجِرَاحَات لَا تعْتَبر فَإِن أغوارها لَا تنضبط والحية والسبع كالآلة لَهُ وَلَو جرح ونهشه حَيَّة فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَلَو نهشته حَيَّة وجرحه سبع فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة لِأَنَّهُ شريك حيوانيين مختارين وَفِيه وَجه أَن عَلَيْهِ نصف الدِّيَة نظرا إِلَى أصل الشّركَة وإعراضا عَن عدد الْحَيَوَانَات واختتام القَوْل بفصل فِي تغير الْحَال بَين الْجرْح وَالْمَوْت على الْجَارِح أَو الْمَجْرُوح وَله أَرْبَعَة أَحْوَال

الْحَالة الأولى أَن تطرأ الْعِصْمَة بِأَن جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا أَو عبد نَفسه ثمَّ طَرَأَ الْإِسْلَام وَالْعِتْق قبل الْمَوْت لم يجب الْقصاص وَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب نظرا إِلَى ابْتِدَاء الْفِعْل والثانى يجب نظرا إِلَى حَالَة الزهوق وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي إِعْتَاق السَّيِّد العَبْد بعد الْجرْح أَن لَا ضَمَان وَنَصّ فِي جَارِيَة مُشْتَركَة حَامِل بِولد رَقِيق ضرب أَحدهمَا بَطنهَا ثمَّ أعتق نصِيبه فسرى فأجهضت جَنِينا مَيتا أَن على الْجَانِي غرَّة كَامِلَة وَهَذَا يُنَاقض نَصه الأول فَقيل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل إِنَّه إِنَّمَا أوجب الْغرَّة لِأَن اتِّصَال الْجِنَايَة بِالْوَلَدِ إِنَّمَا يعرف عِنْد الْولادَة وَمَا قبل ذَلِك لَا يعْتَبر وَقد كَانَ الْوَلَد حرا عِنْد الْولادَة وَإِذا أَوجَبْنَا الدِّيَة فِي الْحَرْبِيّ فَقيل إِنَّه مَضْرُوب على الْعَاقِلَة لِأَنَّهُ خطأ بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الْإِسْلَام الْحَالة الثَّانِيَة أَن يطْرَأ المهدر كَمَا لَو جرح مُسلما فَارْتَد وَمَات فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أرش الْجِنَايَة الَّتِي ثبتَتْ فِي حَالَة الْإِسْلَام وَأما السَّرَايَة فمهدرة وَلَو قطع يَده فَارْتَد وَمَات قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لوَلِيِّه الْمُسلم الْقصاص وَهَذَا تَفْرِيع على أَن من لَا وَارِث لَهُ يجب الْقصاص على قَاتله لِأَن الْمُرْتَد لَا وَارِث لَهُ وَلَكِن إثْبَاته للْمُسلمِ مُشكل فَإِن الْمُسلم لَا يَرث حُقُوق الْمُرْتَد عندنَا بل حُقُوقه لبيت المَال وَلَكِن لما ظهر مَقْصُود التشفي كَانَ الْوَلِيّ الْمُسلم أولى بالإستيفاء من الإِمَام وَقيل أَرَادَ الشَّافِعِي

رَضِي الله عَنهُ بالولي الْمُسلم الإِمَام فروع لَو قطع يَدي الْمُسلم وَرجلَيْهِ فَارْتَد وَمَات فَلَا تلْزمهُ إِلَّا دِيَة وَاحِدَة لِأَن مَوته كَافِرًا لَا يزِيد على مَوته مُسلما وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي تجب ديتان لأَنا لَو أدرجنا لأهدرنا فعسر الإدراج بطرآن المهدر كعسره بِمَا لَو حز غَيره رقبته وَلِهَذَا الْإِشْكَال ذكر وَجه فِي سُقُوط أصل الْأَرْش لِأَن الْجرْح صَار قتلا وَالْقَتْل صَار مهدرا فَلَا يبْقى للْقَتْل وَالْجرْح عِبْرَة الْحَالة الثَّالِثَة لَو ارْتَدَّ بعد الْجرْح ثمَّ أسلم وَمَات فالنص سُقُوط الْقصاص وَنَصّ فِي الذِّمِّيّ إِذا جرح ذِمِّيا والتحق الْمَجْرُوح بدار الْحَرْب ثمَّ عقد لَهُ أَمَان ثَانِيًا ثمَّ مَاتَ أَنه يجب الْقصاص فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حَالَة الْجرْح وَالْمَوْت وَفِي الثَّانِي إِلَى الْكل لِأَن الْجراحَة تسري فِي حَالَة الرِّدَّة أَيْضا فَهُوَ كَمَا لَو جرح فِي حَالَة الرِّدَّة ثمَّ فِي حَالَة الْإِسْلَام وَقيل الْمَسْأَلَة على حَالين فَإِن طَال زمَان الرِّدَّة فَظهر أثر الرِّدَّة فَلَا قصاص وَإِن قرب فَلَا أثر لَهُ وَإِن آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة فالنص وجوب كَمَال الدِّيَة وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يجب ثلثا الدِّيَة ويهدر الثُّلُث بهدر السَّرَايَة فِي إِحْدَى الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَقيل يجب النّصْف جمعا لحالتي الْعِصْمَة فِي مُقَابل حَالَة الإهدار الْحَالة الرَّابِعَة أَن يطْرَأ مَا يُغير مِقْدَار الدِّيَة كَمَا لَو جرح ذِمِّيا فَأسلم أَو عبدا فَأعتق ثمَّ مَاتَ فالنظر فِي الْمِقْدَار إِلَى حَالَة الْمَوْت فَلَو فَقَأَ عَيْني عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل فَعتق وَمَات فَعَلَيهِ مائَة من الْإِبِل لِأَنَّهُ بدل حر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يجب مِائَتَان من الْإِبِل لِأَنَّهُ يصرف إِلَى السَّيِّد

وَلَو قطع إِحْدَى يَدي عبد فَعتق وَمَات فَعَلَيهِ مائَة من الْإِبِل وَفِي المصروف إِلَى السَّيِّد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه أقل الْأَمريْنِ من كل الدِّيَة أَو كل الْقيمَة والعبارة عَنهُ أَن المصروف إِلَيْهِ أقل الْأَمريْنِ مِمَّا الْتَزمهُ الْجَانِي آخرا بِالْجِنَايَةِ على الْملك أَولا أَو مثل نسبته من الْقيمَة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه أقل الْأَمريْنِ من كل الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة فَإِن الْجراحَة فِي ملكه لم تنقص إِلَّا النّصْف فَلم يمت فِي الرّقّ حَتَّى تعْتَبر كل الْقيمَة والعبارة عَنهُ أَن الْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ مِمَّا الْتَزمهُ الْجَانِي آخرا بِالْجِنَايَةِ على الْملك أَولا أَو أرش جِنَايَة الْملك دون السَّرَايَة فعلى هَذَا لَو قطع إِحْدَى يَدَيْهِ فَعتق فجَاء الآخر وَقطع يَده الْأُخْرَى وَجَاء الثَّالِث وَقطع إِحْدَى رجلَيْهِ وَمَات فَالْوَاجِب على جَمِيعهم دِيَة وَاحِدَة وَهِي دِيَة حر على كل وَاحِد ثلث وَلَا حق للسَّيِّد إِلَّا فِيمَا يُؤْخَذ من الْجَانِي فِي حَالَة الرّقّ فَلهُ أقل الْأَمريْنِ من ثلث الدِّيَة أَو ثلث الْقيمَة وَهِي مثل نسبته وعَلى القَوْل الثَّانِي أقل الْأَمريْنِ من ثلث الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة فَإِنَّهُ أرش الْجِنَايَة الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا عَاد الْجَانِي الأول فجرح فِي الْحُرِّيَّة جِرَاحَة ثَانِيَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا ثلث الدِّيَة إِذْ لَا يزِيد الْوَاجِب بِكَثْرَة الْجِرَاحَات لَكِن الثُّلُث وَجب عَلَيْهِ بجراحتين حِصَّة الْوَاقِع مِنْهُمَا فِي الْملك نصف وَهُوَ السُّدس فترعى النِّسْبَة بَين هَذَا السُّدس وَسدس الْقيمَة على قَول وَبَين السُّدس وَنصف الْقيمَة على القَوْل الآخر فَلَو أوضح رَأسه فِي الرّقّ فَعتق فجرحه غَيره فَمَاتَ فعلى الْجَانِي فِي الْملك نصف الدِّيَة وعَلى الْجَارِح النّصْف الآخر وَللسَّيِّد أقل الْأَمريْنِ من نصف الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة وَهُوَ مثل نسبته على قَول وَله أقل الْأَمريْنِ من نصف الدِّيَة أَو نصف عشر الْقيمَة فَإِنَّهُ يشبه أرش

الْمُوَضّحَة من قيمَة العَبْد فَإِن قيل بدل الْملك الدَّرَاهِم وَبدل الْحر الْإِبِل فَبِمَ يُطَالب السَّيِّد قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْإِبِل لِأَن حَقه فِيمَا وَجب على الْجَانِي وَهُوَ الْوَاجِب وَالثَّانِي أَن الْخيرَة إِلَى الْجَانِي فَإِن سلم الدَّرَاهِم لم يكن للسَّيِّد الِامْتِنَاع لِأَنَّهُ حَقه وَإِن سلم الْإِبِل فكمثل لِأَنَّهُ أدّى واجبه وعَلى الْجُمْلَة إِيجَاب دِيَة الْحر ثمَّ صرفهَا إِلَى السَّيِّد بعيد وَلَكِن إِيجَاب مِائَتَيْنِ من الْإِبِل كَمَا ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله أبعد لِأَن الْقَتِيل حر فَكيف تزاد على دِيَة الْحر والإقتصار على أرش الْجِنَايَة وَلَو كَانَ درهما أبعد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَنَّهُ إهدار للدم فَفِي كل طَرِيق بعد لَكِن طَرِيق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أقرب إِذْ نظر إِلَى قدر الْوَاجِب إِلَى الْمَوْت وَفِي مصرفه الْتفت إِلَى حَالَة الْجرْح فرعان الأول لَو رمى إِلَى حَرْبِيّ أَو مُرْتَد فَأسلم قبل الْإِصَابَة فَفِي الضَّمَان وَجْهَان مرتبان على مَا إِذا جرح حَرْبِيّا فَأسلم ثمَّ مَاتَ أَو مُرْتَدا فها هُنَا أولى بِوُجُوب الضَّمَان لِأَن الْجرْح سَبَب قديم فِي حَالَة الإهدار وَتَمام الرَّمْي بالإصابة والإصابة جرت فِي حَالَة الْعِصْمَة وَفِي الْمُرْتَد أولى بِالْوُجُوب لِأَن الرَّمْي إِلَيْهِ عدوان وَلَو رمى إِلَى عبد لَهُ فَأعْتقهُ قبل الْإِصَابَة فَوَجْهَانِ مرتبان فِي الْمُرْتَد وَأولى بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ مَعْصُوم على الْجُمْلَة وَلَو رمى إِلَى من عَلَيْهِ الْقصاص ثمَّ عَفا قبل الْإِصَابَة فَوَجْهَانِ مرتبان على العَبْد وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن العَبْد مَضْمُون عَلَيْهِ بِالْكَفَّارَةِ وَلَو حفر بِئْرا فتردى فِيهِ مُسلم كَانَ مُرْتَدا عِنْد الْحفر وَجب الضَّمَان قطعا لِأَن الْحفر لَيْسَ يتَّجه نَحْو المتردي فِي عينه بِخِلَاف الرَّمْي فَإِنَّهُ مُتَّجه نَحْو الْمَقْصُود

الثَّانِي لَو تخللت ردة المرمي إِلَيْهِ بَين الرَّمْي والإصابة قيل لَا قصاص لاتصال الإهدار بِبَعْض أَجزَاء السَّبَب وَلَو تخللت ردة الرَّامِي المخطىء ضربت الدِّيَة على الرَّامِي لَا على عَاقِلَته الْمُسلمين لِأَن الأَصْل سُقُوط التَّحَمُّل كَمَا أَن الأَصْل سُقُوط الْقصاص وَقد تخللت حَالَة مَانِعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ رَحمَه الله فِي التَّحَمُّل قَوْلَيْنِ وينقدح ذَلِك فِي الْقصاص كَمَا ذكرنَا فِي تخَلّل الرِّدَّة بَين الْجرْح وَالْمَوْت وَهَذَا تَمام القَوْل فِي الْقصاص فِي النَّفس

النَّوْع الثَّانِي فِي قصاص الطّرف وَهُوَ وَاجِب بِقطع الْأَطْرَاف وَالنَّظَر فِي الْقطع والقاطع والمقطوع أما الْقطع وَالْجرْح كل عمد مَحْض عدوان مُبين بطرِيق الْمُبَاشرَة لَا بِالسّرَايَةِ وَقد ذكرنَا اخْتِلَاف النَّص فِي السَّرَايَة إِلَى الْأَجْسَام واللطائف أما الْقَاطِع فشرطه كَونه مُكَلّفا مُلْتَزما كَمَا فِي النَّفس وَلَا يُرَاد فِي الطّرف التَّسَاوِي فِي الْبَدَل بل تقطع عندنَا يَد الرجل بيد الْمَرْأَة وَبِالْعَكْسِ وَيَد العَبْد بِالْعَبدِ وَالْحر نعم لَا تقطع السليمة بالشلاء لَيست نصفا من صَاحبهَا فالبدل يلْتَفت إِلَيْهِ عندنَا معيارا تنعرف بِهِ نِسْبَة الطّرف من النَّفس ثمَّ من قوبل كُله بشخص قوبل نصفه بِنصفِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله التَّفَاوُت فِي الْبَدَل يمْنَع الْقصاص ثمَّ التَّفَاوُت فِي الْعدَد عندنَا لَا يمْنَع كَمَا فِي النَّفس وَلَو قطع جمَاعَة يَمِين رجل على الإشتراك بِحَيْثُ لم ينْفَصل فعل بَعضهم من بعض قطعت أَيْمَانهم بِهِ

فَأَما الْمَقْطُوع فَيعْتَبر فِيهِ الْعِصْمَة كَمَا فِي النَّفس وَأَن تكون الْجِنَايَة مَعْلُومَة الْقدر بِحَيْثُ يُمكن الإقتصار على مثله فِي الْقصاص فَإِن الرّوح مستبقاة فَلَا بُد من الإحتياط ثمَّ الْجِنَايَة على مَا دون النَّفس ثَلَاثَة جرح وإبانة طرف وَإِزَالَة مَنْفَعَة أما الضَّرْب واللطم فَلَا قصاص فِيهِ بل يُعَزّر صَاحبه أما الْجرْح فَإِن وَقع على الرَّأْس لم يجب الْقصاص فِيهِ إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم فَأَما مَا بعْدهَا من الهاشمة للعظم أَو المنقلة لَهُ أَو الآمة الْبَالِغَة إِلَى أَمر الرَّأْس أَو الدامغة الخارقة لخريطة الدِّمَاغ فَلَا قصاص فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تنضبط وَمَا قبل الْمُوَضّحَة كالحارصة الَّتِي تشق الْجلد والدامية الَّتِي تسيل الدَّم مِنْهَا فَلَا قصاص فيهمَا وَأما الباضعة الَّتِي تبضع اللَّحْم أَي تقطعه والمتلاحمة الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم غوصا بَالغا وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الْعظم فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا النَّفْي فَإِن الْعظم مرد فَإِذا لم ينْتَه إِلَيْهِ لم يُمكن الضَّبْط وَالثَّانِي يجب وَيُمكن ضبط مِقْدَاره بِالنِّسْبَةِ فَإِن قطع نصف اللَّحْم إِلَى

الْعظم فَيقطع من رَأسه النّصْف وَإِذا كَانَ أَحدهمَا فِي سمك شعيرَة وَالْآخر فِي سمك شعيرتين فَلَا نبالي بِهِ وَإِنَّمَا ترعى النِّسْبَة والموضحة إِذا وَقعت على الْوَجْه فَانْتهى إِلَى عظم الْجَبْهَة أَو الخد أَو قَصَبَة الْأنف فَهُوَ كموضحة الرَّأْس وَلَو وَقع على سَائِر الْبدن كَمَا لَو انْتهى إِلَى عظم الصَّدْر مثلا فَلَا يلْحق بموضحة الرَّأْس وَالْوَجْه فِي تَقْدِير الْأَرْش بِنصْف عشر الدِّيَة وَلَكِن فِي الْقصاص وَجْهَان قَالَت المراوزة لَا يلْحق بِهِ كَمَا فِي الدِّيَة وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يلْحق بِهِ لِأَنَّهُ مضبوط فِي نَفسه وَأما التَّقْدِير فَلَا يَكْفِي الضَّبْط فِيهِ مَعَ اخْتِلَاف الْموضع فرع لَو قطع بعض المارن أَو الْأذن وَلم يبن فَفِي الْقصاص فِيهِ قَولَانِ مرتبان على المتلاحمة وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الضَّبْط فِيهِ أيسر إِذْ الْهَوَاء بِهِ مُحِيط من الْجَانِبَيْنِ وَلَو قطع نصف كوعه فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الْكُوع مجمع الأعصاب وَالْعُرُوق وَهِي تخْتَلف فِي ارتفاعها وانخفاضها وَأما الْأَطْرَاف فَيجب الْقصاص فِي قطع مفاصلها وَكَذَا فِي مفصل الْمنْكب والفخذ إِن أمكن قطعه بِغَيْر إجافة وَإِن استأصل الْجَانِي الْفَخْذ وأجافه وَأمكن تَحْصِيل مثله فَالظَّاهِر أَنه يمْنَع الإجافة وَقيل يجوز لِأَن هَذِه الْجَائِفَة تَابِعَة لَا مَقْصُودَة وكل جرم يبْقى دلَالَة الْقطع فَهُوَ كالمفصل كَمَا لَو قطع فلقَة من المارن أَو الْأذن والأنثيين وَالذكر والأجفان والشفتين والشفرين لِأَنَّهُ مُقَدّر مَحْدُود وَلَا يجب الْقصاص فِي فلقَة من الْفَخْذ لِأَن سمكه لَا يَنْضَبِط وَفِي الْعَجز وَجْهَان

لتردده بَين الْفَخْذ وَالذكر لِأَنَّهُ بَين النتو والإنبساط وَأما كسر الْعِظَام فَلَا قصاص فِيهِ وَلَو كسر عضده قطع من الْمرْفق وَأخذ حُكُومَة الْعَضُد وَكَذَلِكَ لَو هشم رَأسه بعد إِيضَاح أوضح وَضمن أرش الْبَاقِي وَلَو قطع من الْكُوع لعَجزه من الْعَضُد مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَفِي تجويزه وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمرْفق مَقْدُور عَلَيْهِ وَهُوَ أقرب إِلَى مَحل الْقطع فَهُوَ كَمَا لَو طلب رأش الساعد مَعَ قطع الْكُوع فَإِنَّهُ لَا يُجَاب وكما لَو قطع من الْمرْفق فَنزل إِلَى الْكُوع مَعَ الْقُدْرَة على الْمرْفق فَإِنَّهُ لَا يحاب وَالثَّانِي أَنه يُجَاب لِأَن مَحل الْجِنَايَة معجوز عَنهُ وَفِي النُّزُول إِلَى الْكُوع مُسَامَحَة وَلَا خلاف أَنه لَو نزل إِلَى لقط الْأَصَابِع لم يجز لِأَن فِيهِ تَعْذِيب مَحل الْجراحَة ثمَّ إِذا أسقطنا حُكُومَة الساعد فَفِي حُكُومَة بَقِيَّة الْعَضُد تردد لِأَن ذَلِك معجوز عَنهُ بِخِلَاف الساعد فَأَما الْمعَانِي وَالْمَنَافِع فَلَا يُمكن تنَاولهَا بِالْمُبَاشرَةِ وَلَكِن بِالسّرَايَةِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أوضح رَأسه فَأذْهب ضوء عَيْنَيْهِ أوضحنا رَأسه فَإِن لم يذهب ضوءه أزلنا الضَّوْء مَعَ إبْقَاء الحدقة بطرِيق مُمكن وَهَذَا إِيجَاب قصاص بِالسّرَايَةِ وَنَصّ فِي أجسام الْأَطْرَاف أَنَّهَا لَا تضمن بِالسّرَايَةِ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخرج كَمَا سبق فَإِن قُلْنَا يضمن اللطائف بِالسّرَايَةِ فَفِي الْعقل والبطش تردد لبعدهما عَن التَّنَاوُل بِالسّرَايَةِ أما السّمع فَهُوَ فِي 2 معنى الْبَصَر

فروع إِذا قُلْنَا لَا تضمن الْأَجْسَام بِالسّرَايَةِ فَلَو جَاءَ الْمَقْطُوع يَده وَقطع أصبعا من الْجَانِي فتآكل الْبَاقِي فَفِي تأدي الْقصاص بِهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن السَّرَايَة فِيهِ لَا توجب الْقصاص فَلَا يتَأَدَّى بِهِ الْقصاص بِخِلَاف مَا إِذا قطع يَده فَقطع يَد الْجَانِي فسرتا إِلَى الروحين فَإِنَّهُ يَقع قصاصا لِأَن السَّرَايَة فِي الرّوح كالمباشرة وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو ضرب من عَلَيْهِ الْقصاص بِسَوْط أَو جرحه خطأ فَمَاتَ لِأَن الرّوح تضمن بِالْقصاصِ وَلَكِن لَا بِهَذَا الطَّرِيق والأقيس أَن يتَأَدَّى بِهِ الْقصاص لِأَن الْحق مُتَعَيّن وَقد اسْتَوْفَاهُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون إِذا قتل من يسْتَحق عَلَيْهِ الْقصاص وَلَو أوضح رَأسه فتمعط شعره وَزَالَ ضوء عَيْنَيْهِ فأوضحنا رَأسه فتمعط شعره وَزَالَ ضوء عَيْنَيْهِ فَفِي وُقُوع الشّعْر قصاصا خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يَقع لِأَن نفس الشّعْر لَا يضمن بِالْقصاصِ بِخِلَاف نفس الْأَطْرَاف وَوجه وُقُوعه قصاصا التّبعِيَّة والإلتفات إِلَى أَن فَسَاد المنبت من جملَة زَوَال اللطائف إِذْ مَعْنَاهُ زَوَال الْقُوَّة المنبتة وجرم الشّعْر فِيهِ تَابع وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بَاشر تمعيط شعره فقابله بِمثلِهِ لم يَقع قصاصا بل كل وَاحِد مِنْهُمَا جِنَايَة توجب الْحُكُومَة وَالتَّعْزِير

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمُمَاثلَة والتفاوت فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول تفَاوت فِي الْمحل وَالْقدر وَمِثَال الْمحل أَن الْيُمْنَى لَا تقطع باليسرى وَلَا السبابَة بالوسطى وَلَا أصْبع زَائِدَة بِمِثْلِهَا عِنْد اخْتِلَاف المنبت وَأما الْقدر فتفاوته لَا يُؤثر فِي الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة إِذْ تقطع يَد الصَّغِير بالكبير وبيد الصَّغِير يَد الْكَبِير عِنْد الْمُسَاوَاة فِي الإسم إِبْهَام وإبهام وَفِي الْأصْبع الزَّائِدَة يمْنَع الْقصاص إِذا وَجب تفَاوت الْحُكُومَة لتَفَاوت النِّسْبَة وَعند تَسَاوِي الْحُكُومَة وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْم أُصَلِّي حَتَّى يَكْتَفِي بِالِاسْمِ وَأما الْمُوَضّحَة فالتفاوت فِيهِ فِي الْعرض مُعْتَبر إِذْ لَا يقنع فِيهَا بموضحة 2 ضيقَة فِي مُقَابلَة الواسعة وتفاوت الغوص فِي سمك اللَّحْم لَا يُؤثر لِأَن مرد الإسم هُوَ الْعظم فروع ثَلَاثَة الأول لَو أوضح ناصيته لم نوضح قذاله بل راعينا الْمحل وَلَو كَانَ رَأس الشاج أَصْغَر استوعبنا عِنْد اسْتِيفَائه الرَّأْس الْكَبِير وَلم نكمل بالقفا والجبهة لتَفَاوت الإسم وَالْمحل بل نضم إِلَيْهِ أرشا بِخِلَاف الْيَد الصَّغِيرَة فَإِنَّهَا تَكْفِي فِي مُقَابلَة الْكَبِيرَة لِأَن مَا وَقع من النُّقْصَان بَين

الْيَدَيْنِ لم يثبت لَهُ اسْم الْيَد والتفاوت هَا هُنَا مِقْدَار يثبت لَهُ اسْم الْمُوَضّحَة وديتها لَو أفرد فَلم يُمكن أَن يَجْعَل تَابعا وَلَو استوعب ناصيته وَرَأس الشاج أَصْغَر استوعبنا ناصيته وكملنا من بَاقِي الرَّأْس لِأَن اسْم الرَّأْس شَامِل وَقَالَ القَاضِي اخْتِلَاف أسامي جَوَانِب الرَّأْس كاختلاف مَا بَين الرَّأْس وَغَيره فَلَا يتَعَدَّى الناصية وَيضم إِلَيْهِ الْأَرْش فَإِن فرعنا على الظَّاهِر فالخيرة فِي تعْيين الْجَانِب الَّذِي بِهِ التَّكْمِيل إِلَى الْجَانِي على وَجه وَإِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ على وَجه وَفِي الثَّالِث يبتدىء من حَيْثُ ابْتَدَأَ الْجَانِي وَيذْهب فِي صَوبه إِلَى الإستكمال الثَّانِي لَو اسْتحق قدر أُنْمُلَة من الْمُوَضّحَة فَزَاد فِي الْقصاص غرم أرشا وَفِي مِقْدَاره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه قسط بِحِصَّة أرش وَاحِد إِذا وزع على الْجَمِيع لِأَن الْمُوَضّحَة وَاحِدَة وَالثَّانِي أَنه يجب أرش كَامِل لِأَن هَذَا الْقدر حناية وَالْبَاقِي حق مُنْفَرد بِحكمِهِ كَمَا لَو كَانَ الأول خطأ وَاسْتمرّ على الْبَقِيَّة عمدا فَيجب قصاص الْعمد ويفرد حكمه لاخْتِلَاف الْحَال وَيقرب مِنْهُ الْخلاف فِيمَا إِذا أَرَادَ الإقتصار على بعض حَقه مِنْهُم من جوز كَمَا فِي الأصبعين وَمِنْهُم من منع لِاتِّحَاد الِاسْم الثَّالِث لواشتركوا فِي الْإِيضَاح احْتمل أَن يُوضح من رَأس كل شريك بِقَدرِهِ وَيحْتَمل أَن يوزع لقبوله التَّوْزِيع ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي تعْيين الْمحل

التَّفَاوُت الثَّانِي فِي الصِّفَات وَفِيه مسَائِل الأولى أَن التَّفَاوُت فِي الضعْف وَالْمَرَض لَا يمْنَع بل يقطع ذكر الْقوي بِذكر الْعنين وَالصَّبِيّ وأنف الصَّحِيح بأنف الأجذم إِلَّا إِذا بطلت حَيَاته وَأخذ فِي التفتت وتقطع أذن السَّمِيع بأذن الْأَصَم وَالْأنف الصَّحِيح بأنف الأخشم لِأَن الْمَرَض فِي مَحل السّمع والشم لَا فِي مَحل الْأذن وَالْأنف وَلَا تقطع يَد الصَّحِيح بالشلاء وَلَا الذّكر الصَّحِيح بالأشل وشلل الذّكر أَن لَا يتَغَيَّر فِي الْحر وَالْبرد بالتقلص والإسترسال وَذكر الْعنين لَا شلل فِيهِ وَإِنَّمَا الْخلَل فِي مَوضِع آخر وَهُوَ فِي الدِّمَاغ أَو الْقلب وشلل الْيَد فِي بطلَان الْبَطْش وَلَا يشْتَرط سُقُوط الْحس على الْمَذْهَب الظَّاهِر فَإِن قنع صَاحب الصَّحِيحَة بِالْيَدِ الشلاء أُجِيب إِلَيْهِ وَلم يكن لَهُ أرش كَمَا لَو رَضِي المُشْتَرِي بالمعيب فِي الشِّرَاء لِأَن الْبَطْش وصف لَا يقبل الإنفصال وتقطع الشلاء بالشلاء إِذا تَسَاويا فِي الْحُكُومَة وَضَعِيف الْبَطْش كقويه إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة فَإِن الْجِنَايَة تعْتَبر فِي الشّركَة وَلَا تعْتَبر فِي الْمَرَض وَأما الحدقة العمياء ولسان الأبكم فَهِيَ كَالْيَدِ الشلاء الثَّانِيَة تقطع الْأذن الصَّحِيحَة بالأذن المثقوبة إِذا لم يُورث الثقب شَيْئا كآذان النِّسَاء

والمخرومة الَّتِي قطع بَعْضهَا لَا يسْتَوْفى بهَا كَامِلَة وَلَكِن تستوفى بِمِثْلِهَا إِن أجرينا الْقصاص فِي بعض الاطراف وَلَا نكتفي بالمخرومة فِي مُقَابلَة الْكَامِلَة إِلَّا بِضَم الْأَرْش إِلَيْهِ وَإِن كَانَ الخرم من غير إبانة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ امْتنع الْقصاص لِأَن الْجمال هوالمقصود الْأَظْهر فِي الْأذن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت أظفار الْمَجْنِي عَلَيْهِ متفرعة اَوْ مخضرة إِذْ تقطع بِهِ الْيَد السليمة لظُهُور مَنْفَعَة الْبَطْش فِي الْيَد وَلَو كَانَت الْأَظْفَار مقلوعة قَالُوا لَا يسْتَوْفى بهَا الْكَامِلَة وَالْكل فِيهِ نظر إِذْ يلْزم أَن ينقص قدر من دِيَة الإصبع لفقد الظفر وَلَا قَائِل بِهِ وَلَو قطع أُذُنه فَرده إِلَى المقطع فِي حرارة الدَّم فالتصق فَلَا أثر لهَذَا الإلتصاق وَالْقصاص وَاجِب وَيجب قلعه إِن قُلْنَا إِن مَا يبان من الْآدَمِيّ نجس وَإِلَّا فيعفى عَنهُ وَيحْتَمل النّظر إِلَى الدَّم الَّذِي انكتم فِي الإلتصاق لِأَن السَّاتِر جماد فَلَا يُوجب الإستبطان فَإِذا قُلْنَا يجب إِزَالَته فَلَا قصاص على مقتلعه وَهَكَذَا إِن قُلْنَا لَا يجب إِلَّا إِذا سرى إِلَى الرّوح فَيجب قصاص النَّفس الثَّالِثَة لَا تقلع سنّ الْبَالِغ بسن صبي لم يثغر لِأَن الْقصاص فِي إِفْسَاد المنبت فَلَا يفْسد من الصَّبِي فَلَو فسد المنبت وَلم تعد سنّ الصَّبِي فَفِي الْقصاص قَولَانِ وَجه قَوْلنَا لَا يجب أَن سنه فضلَة زَائِدَة فَلَا يُمكن أَن يقْلع بِهِ سنّ أُصَلِّي فَإِن كَانَ فَسَاد المنبت مُشْتَركا والبالغ لَو عَاد سنه على ندور فَفِي سُقُوط الْقصاص عَن قالعه قَولَانِ وَوجه قَوْلنَا لَا يسْقط التَّشْبِيه بِمَا لَو التحمت الْمُوَضّحَة فَإِنَّهَا نعْمَة

جَدِيدَة لَا تسْقط الْقصاص وَلَو قطع جُزْءا من طول لِسَانه فَعَاد فَهُوَ كعود السن أَو التحام الْمُوَضّحَة وَجْهَان فَإِن حكمنَا بِسُقُوط الْقصاص ففائدته اسْتِرْدَاد الدِّيَة إِن كَانَ قد أَخذهَا أَو إِيجَاب دِيَة سنّ الْجَانِي وَإِن كَانَ قد قلع وَلَيْسَ من فَائِدَته تَأْخِير اسْتِيفَاء الْقصاص لِأَن الظَّاهِر عدم الْعود كَمَا أَن الظَّاهِر فِي الصَّبِي الْعود فَإِن بَادر الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَاسْتوْفى ثمَّ عَاد سنه لم يقْلع قصاصا باستيفائه إِذْ جَازَ لَهُ الإستيفاء لَكِن يغرم لَهُ الدِّيَة وَيبقى لَهُ حُكُومَة سنه وَلَو عَاد سنّ الْجَانِي وَقُلْنَا عوده مُؤثر فَفِي قلعه ثَانِيًا وثالثا إِلَى إِفْسَاد المنبت وَجْهَان

التَّفَاوُت الثَّالِث فِي الْعدَد فَإِن كَانَت يَد الْجَانِي نَاقِصَة بأصبع قطع وطولب بِالْأَرْشِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يقنع بِهِ كَمَا فِي النَّفس فَإِن كَانَ النُّقْصَان فِي يَد الْمَجْنِي عَلَيْهِ لم يكن لَهُ قطع الْكَفّ لَكِن لقط الْأَصَابِع الْأَرْبَع وَطلب حُكُومَة الْبَاقِي كَمَا فِي كسر الْعَضُد فروع أَرْبَعَة الأول لَو كَانَ على يَد الْجَانِي أصبعان شلاوان فَلَو قطع يَده فَلَا أرش للشلل وَإِن لقط الْأَصَابِع الثَّلَاث فَلهُ دِيَة أصبعين وَأما حُكُومَة الْكَفّ فالقدر الَّذِي يُقَابل الْأَصَابِع المقطوعة فِيهِ وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْحُكُومَة هَل تندرج تَحت قصاص الْأَصَابِع كَمَا تندرج تَحت دِيَتهَا وَهل يُقَابل الأصبعين فِيهِ وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن بعض الْأصْبع هَل تنزل منزلَة الْكل فِي استتباع الْحُكُومَة وَأما الْأصْبع الشلاء فَلَا تندرج حُكُومَة الْكَفّ تَحت حكومتها فِي الظَّاهِر الثَّانِي إِذا كَانَ على يَد الْجَانِي سِتَّة أَصَابِع مُتَسَاوِيَة لَيْسَ فِيهَا زِيَادَة فللمجني عَلَيْهِ أَن يلقط خَمْسَة من أَي جَانب شَاءَ وَله مَعَ ذَلِك سدس دِيَة الْيَد لِأَن الْيَد انقسمت سِتَّة أَقسَام وَقد استوفى فِي خَمْسَة أسداسها إِلَّا أَنه خَمْسَة أَسْدَاس فِي صُورَة خمس كوامل فنحط من أجل الصُّورَة من السُّدس شَيْئا بالإجتهاد أما إِذا كَانَت فِيهَا زِيَادَة وَزعم أهل الصَّنْعَة أَن الْقُوَّة لم تَنْقَسِم بالأجزاء المتساوية لِأَن

الزَّائِد ملتبس فَلَيْسَ لَهُ الْقصاص لِأَنَّهُ رُبمَا يَسْتَوْفِي الزَّائِدَة بأصلية فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ فَلَو بَادر فَقطع خمْسا فَهُوَ تَمام حَقه وَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْله لَعَلَّ الزَّائِد فِي الْمُسْتَوْفى فقد نقص حَقي لِأَنَّهُ تعدى بالمخالفة الثَّالِث أصْبع تشْتَمل على أَربع أنامل تَنْقَسِم الْقُوَّة لَهَا على التَّسَاوِي من غير تعْيين زِيَادَة فَإِذا قطع هَذَا من المعتدل أُنْمُلَة قَطعنَا أنملته وألزمناه من الْأَرْش مَا بَين الرّبع وَالثلث وَإِن قطع أنملتين قَطعنَا أنملتيه وألزمناه مَا بَين النّصْف والثلثين فَإِن قطع الْأصْبع قَطعنَا أُصْبُعه فَإِن أَرْبَعَة أَربَاع تَسَاوِي ثَلَاثَة أَثلَاث هَذَا إِذا لم يزدْ فِي الطول فَإِن زَاد فِي طوله فَالْحكم مَا مضى وَلَكِن يرْعَى تفَاوت الصُّورَة هَا هُنَا كَمَا فِي الْأَصَابِع السِّتَّة وَلَو قطع من هَذِه الأنامل وَاحِدَة فَلَا نقطع أُنْمُلَة معتدلة لِأَنَّهَا ثلث فَلَا تقَابل بِالربعِ وَإِن قطع أنملتين قَطعنَا وَاحِدَة وطلبناه بالتفاوت بَين النّصْف وَالثلث وأنملتان متساويتان على رَأس أصْبع ويدان على ساعد وقدمان على كَعْب كالأصابع السِّتَّة الرَّابِع مَقْطُوع الْأُنْمُلَة الْعليا إِذا قطع صَحِيح

الْأُنْمُلَة الْوُسْطَى مِنْهُ فَلَا يُمكن اسْتِيفَاء الْوُسْطَى وَلَكِن لَو سَقَطت الْعليا بِآفَة أَو جِنَايَة جَان فقدرنا على الْوُسْطَى فنقطعها وَإِلَى أَن يتَّفق ذَلِك فَهَل يُطَالب بِالْأَرْشِ للْحَيْلُولَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن ولي الْمَجْنُون يُطَالب بِالْأَرْشِ إِذا ثَبت للمجنون قصاص وَيكون ذَلِك للْحَيْلُولَة وَنَصّ فِي الصَّبِي أَنه لَا يُطَالب لِأَن لَهُ أمدا منتظرا فَخرج إِلَى الْمَجْنُون وَجه من الصَّبِي وَإِلَى الصَّبِي وَجه من الْمَجْنُون وَأما الْحَامِل فَهِيَ أولى بِأَن لَا يُطَالب لِأَن أمد وضع الْحمل قريب فتوقع سُقُوط الْعليا فِي مَسْأَلَتنَا بِآفَة أَو جِنَايَة جَان كتوقع الْإِفَاقَة من الْمَجْنُون وَلَو كَانَت علياه مُسْتَحقَّة بِالْقصاصِ فتوقع اسْتِيفَائه كتوقع وضع الْحمل وَمهما قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ لَهُ أرش الْحَيْلُولَة فَلَو أَخذ كَانَ إقدامه على أَخذ الْأَرْش

عفوا عَن الْقصاص فروع تتَعَلَّق بالنزاع الأول إِذا جنى على ملفوف فِي ثوب وَادّعى كَونه مَيتا وَأنْكرهُ ولي الملفوف فَقَوْلَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْجَانِي إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالثَّانِي القَوْل قَول الْوَلِيّ إِذْ الأَصْل اسْتِمْرَار الْحَيَاة وَلَو قطع يَده ثمَّ قَالَ لم يكن لَهُ أصْبع فَفِيهِ طرق وَحَاصِل الْمَذْهَب أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل عدم الْقصاص وَالثَّانِي قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِذْ الأَصْل السَّلامَة وَالثَّالِث إِن كَانَ الْعُضْو بَاطِنا فَقَوْل الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِذْ يعسر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة وَالْبَاطِن مَا يجب ستره شرعا على رَأْي أَو مَا يستر مُرُوءَة على رَأْي وَالرَّابِع أَنه إِن ادّعى عدم الْأصْبع فِي الأَصْل فَالْقَوْل قَوْله وَإِن ادّعى سُقُوطه فَالْقَوْل قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ الثَّانِي إِذا قطع يَدي رجل وَرجلَيْهِ فَمَاتَ وَبعد مَوته ادّعى الْوَلِيّ أَنه مَاتَ بعد اندماله وَعَلَيْك ديتان فَأنْكر فَيصدق من يصدقهُ الظَّاهِر وَيعرف ذَلِك بِقرب الزَّمَان وَبعده وَإِن تَسَاويا فِي إِمْكَان الصدْق فَهُوَ قريب من تقَابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ يُمكن أَن يُقَال الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْأَصْل التَّعَدُّد عِنْد تعدد الْجِنَايَة والسراية مَشْكُوك فِيهَا

وَلَو ادّعى الْوَارِث أَنه مَاتَ بِسَبَب هاجم فمطالبته بِالْبَيِّنَةِ هَا هُنَا أولى لِأَن إِثْبَات ذَلِك أيسر وَالْأَصْل عدم طرآن السَّبَب وَلَو انعكس الْخلاف فَطلب الْقصاص فِي النَّفس فَالْقَوْل قَول الْجَانِي لِأَن قصاص النَّفس يتَوَقَّف على السَّرَايَة وَهُوَ مَشْكُوك فِيهِ وَيسْقط بِالشُّبْهَةِ إِلَّا إِذا كَانَ الظَّاهِر خلاف مَا يَقُوله فَإنَّا لَا نصدقه فَلَو أَقَامَ من لم نصدقه فِي السَّرَايَة بَيِّنَة على أَنه لم يزل ضمنا نحيفا إِلَى الْمَوْت فَهَذَا لَا يُفِيد نفي سَبَب آخر لَكِن يَجْعَل الظَّاهِر لجَانب السَّرَايَة الثَّالِث إِذا شج رَأس إِنْسَان موضحتين فَرَأَيْنَا الحاجز مرتفعا وَقَالَ الْجَانِي أَنا رفعته وَعلي أرش وَاحِد لِاتِّحَاد الموضحات وَقَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَنْت رفعته وَلَكِن بعد الإندمال فَعَلَيْك ثَلَاثَة أروش فَينْظر فِي دَعْوَى الإندمال إِلَى مَا سبق فَإِن حلف الْمَجْنِي عَلَيْهِ على الإندمال حَيْثُ يصدق ثَبت على الْجَانِي أرشان وَفِي الثَّالِث وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مقرّ بالثالث والإندمال ثَبت بيمينة وَالثَّانِي لَا لِأَن يَمِين الإندمال تصلح لنفي التَّدَاخُل وَلَا تصلح لإِثْبَات الثَّالِث عَلَيْهِ وَهُوَ لم يقر بثالث مُوجب بل بِرَفْع حاجز لَا يُوجب وَقد تمّ النّظر فِي مُوجب الْقصاص

الْفَنّ الثَّانِي فِي حكم الْقصاص الْوَاجِب فِي الإستيفاء وَالْعَفو وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الإستيفاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن لَهُ ولَايَة الإستيفاء وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا كَانَ الْقَتِيل وَاحِدًا وَالْوَرَثَة جمَاعَة فالقصاص موزع على فَرَائض الله تَعَالَى حَتَّى يثبت للزوجين وَالصَّغِير وَالْمَجْنُون ثمَّ إِن كَانَ فيهم صَغِير أَو مَجْنُون لم يسْتَوْف الْقصاص إِلَى الْبلُوغ والإفاقة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن ولي الْمَجْنُون يُطَالب بِالْمَالِ لِأَنَّهُ لَا أمد لَهُ وَولي الصَّبِي لَا يُطَالب بِالْمَالِ وَقد ذكرنَا تصرف الْأَصْحَاب قبل هَذَا فِي كتاب اللَّقِيط

أما إِذا كَانُوا مكلفين فَلَا يجوز الإستيفاء إِلَّا بالتوافق فَإِن تزاحموا أَقرع بَينهم فَمن خرجت الْقرعَة لَهُ فَمَنعه غَيره من أصل الإستيفاء امْتنع وَيدخل فِي الْقرعَة الْمَرْأَة وَالْعَاجِز على أحد الْوَجْهَيْنِ ويستنيب إِن خرجت قرعته فرع لَو بَادر وَاحِد دون رضَا الآخرين فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ أَحدهمَا يجب إِذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَحقه لَيْسَ بكامل فِي الْجَمِيع فَهُوَ كَمَا لَو شَارك غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن الْبَعْض مهدر فِي حَقه فَصَارَ كَمَا جرح جراحتين إِحْدَاهمَا فِي حَالَة الإهدار وَلِأَن عُلَمَاء الْمَدِينَة ذَهَبُوا إِلَى إِبَاحَة الإستبداد لكل وَارِث وَالْخلاف فِي إِبَاحَة السَّبَب شُبْهَة ولهذه الْعلَّة لَو جرى بعد عَفْو الآخرين سقط الْقصاص أَيْضا وَإِن لم يكن عَالما بِالْعَفو فسقوط الْقصاص أولى فَإِن قُلْنَا لَا يجب الْقصاص فَالَّذِي لم يرض يرجع بِحِصَّتِهِ على المبادر فِي قَول وَكَأَنَّهُ استوفى الْكل واحتبسه عِنْده وَيرجع على تَرِكَة الْقَتِيل فِي قَول كَمَا لَو قَتله أَجْنَبِي وَإِن قُلْنَا يجب الْقصاص فَلَو بَادر ولي الْقَتِيل الْقَاتِل فَقتل المبادر بَقِي دِيَة الْقَتِيل الْمَظْلُوم مُتَعَلقَة بتركة الْقَتِيل الْقَاتِل نصفهَا لوَرَثَة المبادر وَنِصْفهَا للَّذي لم يَأْذَن

فَإِن عَفا ولي الْقَتِيل الْقَاتِل على مَال فَذَلِك المَال تَرِكَة الْقَتِيل الْقَاتِل فَيُؤَدِّي مِنْهُ حق الَّذِي لم يَأْذَن وَيجْعَل حق المبادر قصاصا بِمثلِهِ إِن تماثلا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا قتل الْوَاحِد جمَاعَة قتل بأولهم وللباقين الدِّيات وَإِن قَتلهمْ مَعًا قتل بِمن خرجت لَهُ الْقرعَة وَاكْتفى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بِهِ عَن جَمِيعهم وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي العَبْد إِذا قتل جمَاعَة فَقيل يقتل بجميعهم لِأَن حق الآخرين ضائع وَفِي الْقَاتِل فِي قطع الطَّرِيق لجَماعَة فَإِنَّهُ لم يرع فِيهِ الْكَفَاءَة وسلك بِهِ مَسْلَك الْحَد على قَول اكْتفى بِهِ عَن الْجَمَاعَة وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي أَوْلِيَاء الْقَتْلَى إِذا تمالئوا عَلَيْهِ على ثَلَاثَة أوجه الصَّحِيح أَنه يقسط عَلَيْهِم وَيرجع كل وَاحِد إِلَى حِصَّته من الدِّيَة وَالثَّانِي أَنه يقرع بَينهم وَيصرف إِلَى من خرجت الْقرعَة لَهُ

وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي عَن جَمِيعهم كمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله هَذَا إِذا حضر الْكل فَإِن كَانَ بَعضهم غَائِبا أَو مَجْنُونا فَفِي رِوَايَة الرّبيع يُؤَخر إِلَى إِمْكَان الْقرعَة وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة يَسْتَوْفِي الْحَاضِر والعاقل وَيكون الْحُضُور مرجحا كالقرعة فرع لَو اجْتمع مُسْتَحقّ النَّفس والطرف قدم مُسْتَحقّ الطّرف إِن اجْتمع مُسْتَحقّ الْيَمين ومستحق الْأصْبع من الْيَمين أَقرع بَينهمَا لِأَن قطع الْأصْبع ينقص الْيَمين بِخِلَاف قطع الطّرف فَإِنَّهُ لَا ينقص النَّفس الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي المستوفي وَلَيْسَ للْوَلِيّ الإستقلال دون الرّفْع إِلَى السُّلْطَان فَإِن استوفى وَقع الْموقع وعزره الإِمَام لِأَن أَمر الدِّمَاء خطير فَإِذا رفع إِلَى السُّلْطَان وَجب عَلَيْهِ أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْقَتْل وَلَا يَأْذَن فِي اسْتِيفَاء حد الْقَذْف لِأَن تفَاوت الضربات عَظِيم وَهُوَ حَرِيص على الْمُبَالغَة وَهل يُفَوض إِلَيْهِ الْقطع فعلى وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع مَعَ كَونه مُقَدرا مَا يفْرض من ترديد الحديدة الَّتِي يعظم غورها ثمَّ يَنْبَغِي أَن يسْتَوْفى الْقصاص بِأحد سيف وأسرع ضَرْبَة فَإِن ضرب الْوَلِيّ ضَرْبَة فَأصَاب غير الْموضع الْمَقْصُود فَإِن تعمد عزّر وَلم يعْزل وَإِن اخطأ وَدلّ على تخوفه وعجزه أمرناه بالإستنابة إِذْ لَا يُؤمن خَطؤُهُ ثَانِيًا وَمن أَصْحَابنَا من عكس هَذَا

التَّرْتِيب وَهُوَ ضَعِيف فروع ثَلَاثَة الأول لَو قَتله الْوَلِيّ بِسيف مَسْمُوم يفتته قبل الدّفن لم يُمكن وَإِن كَانَ يفتت بعد الدّفن فَوَجْهَانِ الثَّانِي لَو قطع الْجَانِي طرف نَفسه بِإِذن الْمُسْتَحق فَفِي وُقُوعه عَنهُ وَجْهَان لِاتِّحَاد الْقَاص والمقتص الثَّالِث نَص على أَن أُجْرَة الجلاد فِي الْقصاص على الْمُقْتَص مِنْهُ وَفِي الْحَد على بَيت المَال فَقيل قَولَانِ منشؤهما أَنه يخرج عَن الْعهْدَة بالتمكين أَو التَّمْيِيز وَالتَّسْلِيم وَهُوَ قريب من التَّرَدُّد فِي أَن مُؤنَة جذاذ الثِّمَار على البَائِع أَو المُشْتَرِي وَقيل بتقرير النصين لِأَن الْحَد يجوز ستر مُوجبه والهرب مِنْهُ فَيَكْفِي فِيهِ التَّمْكِين وَالْأولَى أَن يكون للجلاد رزق من بَيت المَال إِن اتَّسع وَيَنْبَغِي أَن يحضر الإِمَام مَحل الإقتصاص عَدْلَيْنِ خبيرين بمجاري الْأَحْوَال يبحثان عَن الحديدة أمسمومة أم لَا يراقبان حَقِيقَة الْحَال

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن حق الْقصاص على الْفَوْر فَلَا يُؤَخر باللياذ إِلَى الْحرم إِلَى وَقت الْخُرُوج بل يقتل فِي الْحرم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو لَاذَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام يخرج وَيقتل وَقيل يقتل فِي الْمَسْجِد وتبسط الانطاع حذرا عَن التَّأْخِير وَلَو قطع طرفه فَمَاتَ فللوي قطع طرفه وحز رقبته عَقِيبه لانه اسْتحق الرّوح حلى الْفَوْر وَكَذَا لَو قطع فِي الشتَاء فللمستوفي الْقصاص فِي حرارة القيظ كَمَا لَهُ الْقصاص فِي حَالَة الْمَرَض وَإِن كَانَ مخطرا وَلَو قطع يَدَيْهِ فاندمل فَقطع رجلَيْهِ فللمقطوع أَن يجمع بَين قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَلَاء وَإِن كَانَ فِيهِ مزِيد خطر لِأَن الْحق على الْفَوْر وَفِيه وَجه أَنه يمْنَع وَفِي الْجُمْلَة لَا يُؤَخر حق الْقصاص إِلَّا بِعُذْر الْحمل إِلَى وضع الْوَلَد وارتضاعه اللبأ

إِن كَانَ لَا يعِيش دونه فَإِن لم نجد مُرْضِعَة فَإلَى الْفِطَام وَإِن وجدناها وَلم ترغب قتلنَا هَذِه وألزمنا الْمُرضعَة الْإِرْضَاع بِالْأُجْرَةِ وقدرناه صَبيا ضائعا وَأما الْحَد فيؤخر عَن الْفِطَام أَيْضا إِلَى أَن يكفل الْوَلَد غَيرهَا لقصة الغامدية فَإِن الْحَد على المساهلة وَلذَلِك تحبس الْحَامِل فِي الْقصاص وَلم يحبس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغامدية وَلَا يتبع الهارب لاجل الْحَد وللوالي حبس الْقَاتِل إِن كَانَ ولي الْمَقْتُول غَائِبا وَلَا يحبس فِي دُيُون الغائبين لِأَن فِي الْقَتْل عُدْوانًا على حق الله تَعَالَى فروع ثَلَاثَة الأول لَو ادَّعَت الْحمل فَفِي وجوب التَّأْخِير بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا وَجْهَان أحد الْوَجْهَيْنِ يجب لِأَنَّهَا أعرف بِهِ وعَلى هَذَا لَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص من الْمَنْكُوحَة يخالطها زَوجهَا وَالثَّانِي أَنا لَا ننكف إِلَّا بمخايل الْحمل وَلَا مبالاة بنطفة تعرض عقب الْوَطْء إِذا لم تنسلك الْحَيَاة فِيهَا الثَّانِي لَو بَادر الْوَلِيّ وَقتل الْحَامِل بِغَيْر إِذن الإِمَام فأجهضت جَنِينا مَيتا عزره

وغرة الحنين على عَاقِلَته لِأَن موت الْجَنِين بِهَذَا السَّبَب لَا يتَيَقَّن بل يحْتَمل عدم الْحَيَاة عِنْد الْجِنَايَة وَإِن قتل بِإِذن السُّلْطَان وهما عالمان فَفِي الْغرَّة ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه على عَاقِلَة الْوَلِيّ لِأَنَّهُ مبَاشر وَالثَّانِي يُحَال على الإِمَام لتَقْصِيره بالتسليط وَالثَّالِث أَنه عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بالتشطير وَإِن كَانَا جاهلين فخلاف مُرَتّب وَالْحوالَة على الْوَلِيّ أولى إِذا لم يبْق لجَانب الإِمَام وَجه إِلَّا تَقْصِيره فِي الْبَحْث فَإِن كَانَ الإِمَام جَاهِلا وَالْوَلِيّ عَالما فليقطع بالحوالة على الْوَلِيّ لِاجْتِمَاع الْعلم والمباشرة وَفِيه وَجه وَإِن كَانَ الإِمَام عَالما وَالْوَلِيّ جَاهِلا فجانب الإِمَام قد يقوى بِالْعلمِ فيتأكد النّظر إِلَيْهِ وَحَيْثُ أحلنا على الإِمَام فَهُوَ على عَاقِلَته أَو فِي بَيت المَال فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خطأ وَقع للْإِمَام وَإِن كَانَ عَالما فَلَا يجب على بَيت المَال هَذَا فِي الْوَلِيّ أما الجلاد فَلَا عُهْدَة عَلَيْهِ عِنْد جَهله اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كالآلة فَكيف يتقلد الْعهْدَة وَإِن كَانَ عَالما وَقدر على الإمتناع فَهُوَ كالولي وَإِن خَافَ سطوة السُّلْطَان فقد ذكرنَا أَن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه أم لَا الثَّالِث لَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَعَفَا عَن الْقصاص وَطلب شَيْئا من الدِّيَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهمَا أَنه تعجل لَهُ ديتان فَإِن تدَاخل بِالسّرَايَةِ استردت وَاحِدَة وَكَأن التَّدَاخُل عَارض مغير للسبب بعد تَمَامه وَالثَّانِي أَنه تسلم إِلَيْهِ دِيَة وَاحِدَة لِأَن المستيقن وَسبب الْبَاقِي يتم بالإندمال وَالثَّالِث أَنه لَا يسلم شَيْء إِذْ يتَصَوَّر أَنه يجرحه مائَة وَألف فترجع حِصَّته إِلَى جُزْء من الْألف فَلَا يستيقن مِقْدَار وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي السَّيِّد إِذا جنى على مكَاتبه أَنه يعجل فَقيل بطرد الْخلاف تخريجا وَقيل الْفرق التشوف إِلَى الْعتْق ثمَّ هَؤُلَاءِ اخْتلفُوا فِي اخْتِصَاص التَّعْجِيل بِالنَّجْمِ الْأَخير فَقيل لَا يخْتَص لِأَن الأول أَيْضا يقرب من الْعتْق

الْفَصْل الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الْمُمَاثلَة وَهِي مرعية عندنَا فِي قصاص النَّفس خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَمَعْنَاهُ أَن من قطع وَقتل قطع وَقتل وَمن غرق أَو حرق أَو رجم بِالْحِجَارَةِ فعل بِهِ مثله إِلَّا إِذا قتل باللواط أَو إِيجَار الْخمر فَإِن مثله فَاحِشَة فيعدل إِلَى السَّيْف وَقيل يعدل إِلَى إِيجَار الْخلّ وَإِلَى اسْتِعْمَال خَشَبَة وَمهما عدل الْمُسْتَحق من غير سيف إِلَى السَّيْف يُمكن لِأَنَّهُ أوحى وأسهل فروع الأول لَو أحرقه بالنَّار فألقيناه فِي مثلهَا فَلم يمت فِي تِلْكَ الْمدَّة فَيتْرك فِيهَا أَو يعدل إِلَى السَّيْف فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا إِلَى السَّيْف لِأَنَّهُ أوحى وأسهل وَالثَّانِي النَّار كَيْلا نوالي بَين نَوْعي الْعَذَاب عَلَيْهِ ولتأخذ النَّار مَقْتَله كَمَا أَخذ من الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو كَانَ رَقَبَة الْقَاتِل غَلِيظَة لَا تنحز إِلَّا بضربات فَلَا نبالي بِهَذَا التَّفَاوُت للضَّرُورَة فَإِن قُلْنَا لَا يعدل إِلَى السَّيْف لِاتِّحَاد جنس الْعَذَاب فَيجْرِي هَذَا فِي التجويع فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة وَهل يجْرِي فِي توالي الضربات بِالْحِجَارَةِ والسياط فِيهِ تردد لِأَن كل ضَرْبَة كالمنقطعة عَمَّا قبلهَا وَلَا يبعد التَّسْوِيَة فَيُقَال ضربه إِلَى الْمَوْت فنضربه إِلَى الْمَوْت وَلَو قطع طرفه فقطعنا طرفه فَلم يمت فَلَا يجوز أَن نقطع بَقِيَّة الْأَطْرَاف فَإِن هَذَا اخْتِلَاف مَحل مُعْتَبر وَلَو قَتله بجائفة فَلم يمت بجائفة فَهَل نوالي بالجوائف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف فَإِن الجوائف تنحو نَحْو جَوف وَاحِد وَالْأَظْهَر أَنه كَقطع الْأَطْرَاف وَمهما قَطعنَا طرفه فَلم يمت فالخيرة فِي حز رقبته إِلَى الْمُسْتَحق إِن شَاءَ أخر وَإِن شَاءَ عجل الثَّانِي لَو قطع يَده من الْكُوع فجَاء آخر وَقطع يَده من الْمرْفق فَمَاتَ مِنْهُمَا قَطعنَا الْكُوع من قَاطع الْكُوع وَفِي قطع الْمرْفق من قَاطع الْمرْفق وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه قطع ساعدا بِلَا كف فَكيف نقطع الساعد مَعَ الْكَفّ وَوجه التجويز أَن النَّفس مستوفاة فَلَا نظر إِلَى تفَاوت الأطرف الثَّالِث إِذا مَاتَ بسراية الْقطع فقطعنا يَد الْجَانِي فَمَاتَ وَقع قصاصا وَلَو مَاتَ الْجَانِي أَولا فَفِي وُقُوعه قصاصا وَجْهَان

أَحدهمَا لَا لِأَن شَرط الْقصاص أَن تكون روح الْمَجْنِي عَلَيْهِ زاهقة قبل موت الْجَانِي وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَقْصُود الْمُقَابلَة وَقد حصل الرَّابِع إِذا اسْتحق الْقصاص فِي الْيَمين فَأخْرج الْجَانِي يسَاره فَقَطعه الْمُسْتَحق فللجاني ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يقْصد بِإِخْرَاج الْيَسَار إباحتها فَيسْقط قصاص الْيَسَار لِأَن الْإِخْرَاج مَعَ نِيَّة الْإِبَاحَة كَافِيَة فِي الإهدار وَلَو قصد قطع يَده فَسكت وَلم يُخرجهَا فَهَل يكون ذَلِك إهدارا فِيهِ وَجْهَان وَوجه كَونه إهدارا أَنه سكُوت فِي مَحل يحرم السُّكُوت فِيهِ بِخِلَاف مَا إِذا سكت على إِتْلَاف المَال فَإِنَّهُ لَا يكون إهدارا فَأَما قصاص الْيَمين فَهَل يسْقط يرجع فِيهِ إِلَى نِيَّة الْقَاطِع وَله ثَلَاثَة تأويلات فِي قطع الْيَسَار الأول أَن يَقُول استبحته بإباحته فَيبقى حَقه فِي الْيَمين الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تجزىء عَن الْيَمين فَفِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين وَجْهَان لِأَنَّهُ قصد الْإِسْقَاط بِنَاء على ظن خطأ وَهَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا تضرع من عَلَيْهِ الْقصاص ليؤخذ مِنْهُ الْفِدَاء فَأَخذه الْمُسْتَحق من غير تلفظه بِالْعَفو فإقدامه على الْأَخْذ هَل

يكون إِسْقَاطًا فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا بِسُقُوط حَقه عَن الْيَمين بَقِي لَهُ دِيَة الْيَمين الثَّالِث أَن يَقُول عرفت أَن الْيَسَار لَا تقطع عَن الْيَمين وَلَكِنِّي قصدت أَن أجعله عوضا من تِلْقَاء نَفسِي فَفِيهِ خلاف مُرَتّب وَسُقُوط حَقه عَن الْيَمين هَا هُنَا أولى الْحَالة الثَّانِيَة للمخرج أَن يَقُول دهشت فَلم أدر مَاذَا فعلت فَهَذَا لَيْسَ بإهدار لليسار وَلَكنَّا نراجع الْقَاطِع وَله أَرْبَعَة تأويلات الأول أَن يَقُول دهشت أَنا أَيْضا فَلَا يقبل مِنْهُ وَيلْزمهُ قصاص الْيَسَار لِأَن الدهشة لَا تلِيق بِهِ مَعَ إقدامه على قطع مَنْظُور الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تقع عَن الْيَمين فَالْخِلَاف فِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين كَمَا سبق وَالْمَنْقُول أَن لَا قصاص فِي الْيَسَار لظَنّه وَيحْتَمل الْإِيجَاب كَمَا إِذا قتل الممسك لِأَبِيهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَن الْقصاص يجب على الممسك فَإِن الظَّاهِر وجوب الْقصاص لبعد ظَنّه الثَّالِث أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْمخْرج هُوَ الْيَمين فَلَا يسْقط حَقه عَن الْقصاص وَفِي وجوب الْقصاص عَلَيْهِ فِي الْيَسَار قَولَانِ كَمَا لَو قتل شخصا ظَنّه قَاتل أَبِيه الرَّابِع أَن يَقُول قصدت قطع يسَاره عُدْوانًا فَعَلَيهِ قصاص الْيَسَار وَبَقِي حَقه فِي الْيَمين

الْحَالة الثَّالِثَة للمخرج أَن يَقُول قصدت بِإِخْرَاج الْيَسَار إِيقَاعه عَن الْيَمين فللقاطع ثَلَاثَة تأويلات الأول أَن يَقُول ظَنَنْت الْإِبَاحَة فَلَا قصاص لِأَن قرينَة الْإِخْرَاج أكدت الظَّن وَحقه فِي الْيَمين بَاقٍ الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تجزىء عَن الْيَمين فَفِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين الْخلاف السَّابِق وَلَا قصاص فِي الْيَسَار لتطابق الْفِعْلَيْنِ والظنين ونزولهما منزلَة مُعَاملَة فَاسِدَة وَقَالَ ابْن الْوَكِيل يجب الْقصاص فِي الْيَسَار وَهُوَ بعيد الثَّالِث أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْمخْرج يَمِين قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِنَفْي الْقصاص لانضمام التسليط إِلَيْهِ وَذكروا فِي الضَّمَان وَجْهَيْن وَالْأَظْهَر الْوُجُوب لانه لم يُسَلط مُطلقًا بل بِبَدَل لم يسلم لَهُ هَذَا كُله فِي الْقصاص فَإِن جرى فِي السّرقَة وَفرض دهشة أَو ظن وَقع الْحَد موقعه نَص عَلَيْهِ لِأَن الْحَد على المساهلة وَالْمَقْصُود النكال وَقد حصل فيبعد أَن تقطع يَمِينه بعد ذَلِك وَقيل بتخرج وجوب الْقصاص فرع إِذا قضينا بِبَقَاء الْقصاص فِي الْيَمين فَأَرَادَ أَن يقطعهُ عَقِيبه متواليا بَين الجراحتين فالنص مَنعه بِخِلَاف مَا إِذا قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ مُتَفَرِّقَة فَأَرَادَ الْقصاص متواليا لِأَن ألم الْوَلَاء متولد من الْحق وَهَا هُنَا متولد من جنايتين إِحْدَاهمَا حق وَالْأُخْرَى عدوان

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْعَفو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي حكم الْعَفو وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن مُوجب الْعمد الْمَحْض الْقود الْمَحْض وَالدية أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه على سَبِيل التوازي أَو هُوَ الْقود الْمَحْض وَإِنَّمَا الدِّيَة تجب عِنْد سُقُوط الْقود فِيهِ قَولَانِ توجيههما مَذْكُور فِي الْخلاف فَإِذا قُلْنَا الدِّيَة موازية للْقصَاص لَا معاقبة لَهُ فَهَل الْقصاص أصل وَالدية تَابع أَو هما متوازيان من كل وَجه فِيهِ تردد وَيظْهر أَثَره فِي صِيغ الْعَفو وَهِي أَرْبَعَة تَفْرِيعا على أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه

الأولى أَن يَقُول عَفَوْت عَن الْقصاص وَالدية جَمِيعًا فيسقطان فَلَو قَالَ عَفَوْت عَن الْقصاص لم يبْق إِلَّا الدِّيَة فَإِن قَالَ عَفَوْت عَن الدِّيَة فَلهُ الْقصاص وَهل لَهُ مرجع إِلَى الدِّيَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لإسقاطه وَالثَّانِي نعم لِأَن الْقصاص لَا يعري عَن إِمْكَان رُجُوعه إِلَى الدِّيَة فعلى هَذَا لَا أثر للعفو عَن الدِّيَة فَإِن قُلْنَا لَا يرجع إِلَى المَال اسْتِقْلَالا فَهَل لَهما الْمُصَالحَة على المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَحَد الْقَذْف وَالثَّانِي نعم لِأَن الدَّم مقوم شرعا كالبضع وَلَو جرى مَعَ أَجْنَبِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَوجه التجويز تشبيهه باختلاع الْأَجْنَبِيّ زَوْجَة الْغَيْر وَهَذَا الْخلاف جَار حَيْثُ يتعرى الْقصاص عَن الدِّيَة وَيُمكن ذَلِك بِأَن يقطع يَدَيْهِ فيسري إِلَى الرّوح فَإِذا قطع يَدَيْهِ قصاصا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا حز الرَّقَبَة فَلَو عَفا فَلَا مَال لِأَنَّهُ استوفى يدين يوازيان الدِّيَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ عَفَوْت على أَن لَا مَال فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يسْقط كِلَاهُمَا كَمَا لَو عَفا عَنْهُمَا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ شَرط نفي المَال فِي الْعَفو عَن الْقود وَالْعَفو الْمُطلق على هَذَا القَوْل

مُوجب لِلْمَالِ فَلَا يَنْتَفِي بِشَرْط النَّفْي الثَّالِثَة أَن يَقُول عَفَوْت عَنْك وَلم يتَعَرَّض لدية وَلَا قَود فَإِن قُلْنَا الْوَاجِب الْقود الْمَحْض سقط الْقصاص وَيكون كالعفو الْمُطلق وَإِن قُلْنَا الْوَاجِب أَحدهمَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْقط الْقود لِأَن لفظ الْعَفو يَلِيق بِهِ وَالثَّانِي أَنه مُجمل وَيُرَاجع فَإِن نوى شَيْئا اتبع وَإِن قَالَ لم يكن لي نِيَّة قيل لَهُ أنشيء الْآن نِيَّة وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه إِن لم يكن لَهُ نِيَّة انْصَرف إِلَى الْقصاص وَإِن نوى الدِّيَة انْصَرف إِلَيْهَا الرَّابِعَة إِذا قَالَ اخْتَرْت الدِّيَة سقط الْقود وَإِن قَالَ اخْتَرْت الْقود الْمَحْض فَهَل يَجْعَل كإسقاط الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان وَجه قَوْلنَا لَا يسْقط أَنه يحمل على التهديد والوعيد فَلهُ أَن يحسن بِالْعَفو التَّفْرِيع على قَوْلنَا إِن الْوَاجِب الْقود الْمَحْض أَنه لَو عَفا على مَال ثَبت وَيكون بَدَلا عِنْد عدم الْقود وَكَذَلِكَ لَو تعذر الْقود بِمَوْت من عَلَيْهِ الْقصاص رَجعْنَا إِلَى الدِّيَة وَإِن عَفا مُطلقًا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن لَا مَال لانه لَا وَاجِب إِلَّا الْقود وَقد أسْقطه وَالثَّانِي أَنه يثبت لِأَن الدِّيَة خلف الْقود عِنْد سُقُوطه فرعان الأول الْمُفلس الْمُسْتَحق للقود لَهُ الإستيفاء فَإِن عَفا عَن الْقود مَعَ نفي المَال فَهَل ينزل منزلَة الْمُطلق فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَنه دفع لسَبَب الْوُجُوب كَمَا إِذا رد هبة أَو وَصِيَّة أَو دفع الْوُجُوب بعد جَرَيَان سَببه وَفِي المبذر طَرِيقَانِ مِنْهُم من ألحقهُ بالمفلس وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وإسقاطه كَالْبَالِغِ وَلَكِن فِي دفع الدِّيَة كَالصَّبِيِّ

الْفَرْع الثَّانِي لَو صَالح عَن الْقصاص على مِائَتَيْنِ من الْإِبِل بَطل على قَوْلنَا إِن الْوَاجِب أَحدهمَا لِأَنَّهُ زِيَادَة على الْوَاجِب وعَلى القَوْل الآخر فِيهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الدِّيَة لَهَا تعلق بالقود بِكُل حَال فَلَا مزِيد عَلَيْهَا

الطّرف الثَّانِي فِي الْعَفو الصَّحِيح وَالْفَاسِد وأحوال الْعَفو سَبْعَة الأولى أَنه إِذا اذن لَهُ فِي الْقطع سقط الْقصاص وَإِن سرى إِلَى النَّفس سقط أرش الطّرف وَفِي دِيَة النَّفس إِذا سرى أَو قَالَ اقتلني قَولَانِ ينبنيان على أَن الدِّيَة تثبت للْوَارِث ابْتِدَاء أَو تلقيا من الْمَيِّت وَالأَصَح أَنه تلق فَسقط بعفوه كل الدِّيَة وَإِن لم يكن لَهُ مَال سواهُ فَإِنَّهُ دفع الْوُجُوب فَلَا يحْسب من الثُّلُث وَفِي سُقُوط الْكَفَّارَة وَجْهَان أصَحهمَا اللُّزُوم للجناية على حق الله تَعَالَى وَخرج ابْن سُرَيج أَن حق الله تَعَالَى يتبع حق الْآدَمِيّ كَمَا فِي الْقَتْل قصاصا الثَّانِيَة الْعَفو بعد الْقطع وَقبل السّريَّة بِأَن يَقُول عَفَوْت عَن الْقطع أرشا وقودا فَإِذا سرى إِلَى مَا وَرَاءه مَعَ بَقَاء النَّفس فالسراية مَضْمُونَة لِأَنَّهُ لم يعف عَن الْمُسْتَقْبل وَقد تولد عَن فعل كَانَ مَضْمُونا وَفِيه وَجه أَن الْعَفو الطارىء كالإذن الْمُقَارن وَلَو قَالَ عَفَوْت عَمَّا سيجب فَهُوَ إِبْرَاء عَمَّا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه وَفِيه قَولَانِ الثَّالِثَة الْعَفو بَين الْقطع وَالْمَوْت بِأَن قَالَ عَفَوْت عَمَّا سبق أرشا وقودا فَلَا قصاص فِي النَّفس لتولده عَن مَعْفُو عَنهُ وَعَن ابْن سُرَيج وَجه أَنه يجب لِأَن الْفِعْل كَانَ عُدْوانًا وَلم يعف عَن النَّفس وَأما الدِّيَة فَتخرج على الْوَصِيَّة للْقَاتِل فَإِن منعناها لم تسْقط وَإِن جوزناها سقط مَا يُقَابل الْقطع السَّابِق وَيبقى الآخر إِلَّا إِذْ صرح بِالْعَفو عَمَّا سيجب فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا كَانَ قد قطع كلتا الْيَدَيْنِ فَإِن الْعَفو عَنهُ عَفْو عَن كَمَال الدِّيَة فَلَا يبْقى وَاجِب

وَلَو أوصى للجاني بِالْأَرْشِ بدل الْعَفو لم يخرج هَذَا على الْإِبْرَاء عَمَّا سيجب لِأَن هَذِه وَصِيَّة يُمكن الرُّجُوع عَنْهَا وَلَيْسَ بإبراء منجز وَالْوَصِيَّة بِمَا سيجب تجوز ونصوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَا هُنَا تدل على منع الْوَصِيَّة للْقَاتِل فَإِنَّهُ قَالَ لَو كَانَ الْقَاتِل عبدا صَحَّ الْعَفو لِأَن أَثَره يرجع إِلَى السَّيِّد الَّذِي لَيْسَ بِقَاتِل وَقَالَ لَو كَانَ الْجَانِي مخطئا صَحَّ الْعَفو لِأَن الْفَائِدَة لِلْعَاقِلَةِ لَا للْقَاتِل وَلَو كَانَ الْعَاقِلَة مُنْكرا أَو مُخَالفا فِي الدّين فَإِن الْعَفو بَاطِل لِأَنَّهُ عَفْو عَن الْقَاتِل فَهُوَ وَصِيَّة لَهُ وَقَالَ الْأَصْحَاب إِذا قَالَ للخاطىء عَفَوْت عَنْك وَقُلْنَا الْوُجُوب لَا يلاقيه فَهُوَ لَغْو وَإِن قُلْنَا يلاقيه لَغَا أَيْضا على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن ملاقاته لَهُ تَقْدِير مختطف لَا قَرَار لَهُ الرَّابِعَة إِذا عَفا بعد قطع الطّرف على مَال فقد ذَكرْنَاهُ فِي الْقصاص إِن سرى فَلَو حز رقبته هَل يكون كسراية قطعه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم فَإِن الْجَانِي وَاحِد فيتحد الحكم كَمَا تتحد الدِّيَة وَالثَّانِي لَا لِأَن سُقُوط الْقصاص كالمتولد عَن مَعْفُو عَنهُ الْخَامِسَة عَفْو الْوَارِث بعد موت الْقَتِيل صَحِيح فَإِن اسْتحق الْقصاص فِي الطّرف وَالنَّفس فَعَفَا عَن أَحدهمَا لم يسْقط الآخر وَقيل إِن عَفا عَن النَّفس فقد الْتزم بَقَاء الْأَطْرَاف فَيسْقط قصاص الطّرف وَالنَّفس وَإِن كَانَت النَّفس مُسْتَحقَّة بِقطع الطّرف فَعَفَا عَن الطّرف فَفِي جَوَاز حز الرَّقَبَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ عَفا عَن الطّرف

وَالثَّانِي نعم إِذْ كَانَ لَهُ أَن يقطع الطّرف ثمَّ يحز الرَّقَبَة وَلَا يبعد أَن ينْفَصل الطّرف عَن الْغَايَة إِذْ لَو قطع طرف عبد فَعتق وَمَات فللسيد قطع يَده وللولد حز رقبته وعفو أَحدهمَا لَا يسْقط حق الآخر السَّادِسَة الْعَفو بعد مُبَاشرَة سَبَب الإستيفاء كَمَا إِذا قطع يَد من عَلَيْهِ الْقصاص ثمَّ عَفا عَن النَّفس فَإِن اندمل الْقطع صَحَّ الْعَفو وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِذا سرى بَان أَن الْعَفو بَاطِل وَكَذَلِكَ إِذا رمى إِلَيْهِ ثمَّ عَفا قبل الْإِصَابَة فَإِن أصَاب بَان بطلَان الْعَفو وَهُوَ الْأَصَح السَّابِعَة إِذا تنحى الْوَكِيل إِلَى عَرصَة الْموقف ليستقيد فَعَفَا الْمُوكل فحز الْوَكِيل رقبته غافلا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَفِي الدِّيَة وَالْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الثَّالِث تجب الْكَفَّارَة دون الدِّيَة وَوجه إِسْقَاط الدِّيَة أَنه مَعْذُور كَمَا فِي السهْم الغرب وَوجه إِيجَابه أَنه فِيهِ نوع تَقْصِير إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَن يجدد الإستئذان عِنْد الحز وَوجه دفع الْكَفَّارَة إِسْقَاط أثر الْعَفو فِي حَقه لانه لم يبلغهُ وَمَعَ هَذَا فَلَا خلاف فِي أَن الْقَتْل لم يَقع قصاصا فَيثبت للعافي الدِّيَة فِي تَرِكَة الْقَتِيل وَفِيه وَجه أَنا إِن أهدرنا دِيَة الْقَتِيل فَلَا نوجب للعافي شَيْئا فِي تركته وَإِن فرعنا على أَن دم الْقَتِيل لَا يهدر فَالدِّيَة على الْوَكِيل أَو على عَاقِلَته فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خطأ لَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ وَنَفس الْقَتِيل فَإِذا أوجبناه فَفِي الرُّجُوع على الْعَافِي طَرِيقَانِ مِنْهُم من نزله منزلَة الْمَعْذُور وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ محسن بِالْعَفو فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فرع لَو اشْترى الْمَجْنِي عَلَيْهِ العَبْد الْجَانِي بِالْأَرْشِ الْمُتَعَلّق بِرَقَبَتِهِ صَحَّ كَشِرَاء الْمُرْتَهن

بِالدّينِ فَإِن هَذَا الدّين وَإِن لم يكن على السَّيِّد فَهُوَ مُتَعَلق بِمَالِه وَإِن كَانَ الْأَرْش إبِلا فَفِي الشِّرَاء وَجْهَان لما فِيهِ من الْجَهَالَة وَوجه الصِّحَّة أَن الْمَقْصُود الْإِسْقَاط دون الإستيفاء فيسامح فِي الْجَهَالَة فَلَو وجد بِالْعَبدِ عَيْبا فَلهُ الرَّد وَإِن كَانَ لَا يَسْتَفِيد برده أمرا زَائِدا إِذْ لَا يَتَجَدَّد لَهُ على السَّيِّد طلبه وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم

= كتاب الدِّيات = وَالنَّظَر فِي الْوَاجِب والموجب وَمن عَلَيْهِ وَفِي دِيَة الْجَنِين الْقسم الأول فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي النَّفس والطرف وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي النَّفس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأَصْل فِي الْحر الْمُسلم مائَة من الْإِبِل وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل مخمسة عشرُون مِنْهَا بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حَقه وَعِشْرُونَ جَذَعَة ثمَّ تَتَغَيَّر فِي أَربع مغلظات وَأَرْبع منقصات أما المغلظات الْأَرْبَع فَهُوَ الْحرم وَالْأَشْهر الْحرم وَالرحم والعمدية أما الْحرم فالقتل فِي مَكَّة وَسَائِر الْحرم يُوجب التَّغْلِيظ على الخاطىء وَكَذَا لَو رمى من الْحرم إِلَى الْحل أَو من الْحل إِلَى الْحرم كَمَا فِي الصَّيْد وَفِي حرم الْمَدِينَة خلاف وَالْإِحْرَام لَا يلْتَحق بِهِ

وَأما الْأَشْهر الْحرم فَأَرْبَعَة ثَلَاثَة مِنْهُنَّ سرد ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَوَاحِد فَرد وَهُوَ رَجَب وَأما الرَّحِم فَمَا يُوجب الْمَحْرَمِيَّة دون مَا عَداهَا من القربات وَاعْتمد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي التَّغْلِيظ بِهَذِهِ الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة آثَار الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَأما العمدية وَكَونه شبه الْعمد فقد ذَكرْنَاهُ وَنَذْكُر الْآن ثَلَاث صور إِحْدَاهَا أَن من قتل شخصا فِي دَار الْكفْر عَليّ زِيّ الْكفَّار فَإِذا هُوَ مُسلم فَفِي الدِّيَة قَولَانِ فَإِن أوجبناها فَفِي الضَّرْب على الْعَاقِلَة قَولَانِ وَهُوَ تردد فِي أَنه يَجْعَل عمدا اَوْ شبه عمد وَفِيه وَجه أَنه يلْحق بالْخَطَأ الْمَحْض فيخفف على الْعَاقِلَة الثَّانِيَة إِذا رمى إِلَى مُرْتَد فَأسلم قبل الْإِصَابَة وَهِي معنى الصُّورَة السَّابِقَة وَأولى بِأَن يلْحق بالْخَطَأ الثَّالِثَة إِذا رمى إِلَى جرثومة ظَنّهَا شَجَرَة فَإِذا هِيَ إِنْسَان فَالصَّحِيح أَنه خطأ مَحْض كَمَا لَو سقط من سطح أَو مرق السهْم من صيد إِلَى إِنْسَان أَو قصد شخصا فَأصَاب غَيره وَيحْتَمل من مَسْأَلَة الْحَرْبِيّ أَن يُقَال ظن كَونه شَجرا كظن كَونه حَرْبِيّا هدرا وَقد قَصده فِي عينه فَإِن قيل مَا معنى التَّخْفِيف والتغليظ قُلْنَا الْمِائَة من الْإِبِل تتخفف فِي الْخَطَأ الْمَحْض من ثَلَاثَة أوجه الضَّرْب على الْعَاقِلَة والتأجيل بِثَلَاث سِنِين ووجوبها مخمسة وَفِي الْعمد الْمَحْض تتغلظ بتخصيصه بالجاني وبتعجيله عَلَيْهِ وتبديل التخميس بالتثليث وَهُوَ أَن 8

يجب ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَهَذِه النِّسْبَة مرعية حَتَّى تجب فِي أرش جِنَايَة الْمُوَضّحَة خلفتان وجذعة وَنصف وحقة وَنصف وَكَذَا فِي سَائِر الْجِرَاحَات وَأما شبه الْعمد فتتخفف من وَجْهَيْن الضَّرْب على الْعَاقِلَة والتأجيل ثَلَاث سِنِين وتغلظ من وَجه وَهُوَ التَّثْلِيث لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَلا إِن قَتِيل الْعمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل أَرْبَعُونَ مِنْهَا خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَلَا يتضاعف التَّغْلِيظ بتضاعف الْأَسْبَاب فَيجب على الْعَامِد فِي الْحرم فِي الْأَشْهر الْحرم بقتل ذِي الرَّحِم مَا يجب على الْعَامِد دون هَذِه المغلظات فَإِن قيل فَمَا صفة الْإِبِل وصنفه وبدله عِنْد فَقده قُلْنَا أما الصّفة فَمَا ذَكرْنَاهُ مَعَ السَّلامَة عَن الْعُيُوب المثبتة للرَّدّ بِالْعَيْبِ أما الخلفة فَلَا تكون إِلَّا ثنية فَإِن حملت مَا دونهَا على الندور فَفِي إجزائها وَجْهَان لِأَنَّهُ قد يظنّ الإجهاض بهَا وَمهما تنَازعا فِي وجود الْحمل حكم فِي الْحَال بقول عَدْلَيْنِ من أهل البصيرة فَلَو اخْتلف قَوْلهمَا استدرك فَلَو رد ولي الدَّم وَقَالَ لَيْسَ حَامِلا فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا إِذا ادّعى الْجَانِي الإجهاض فِي يَده وَكَانَ قد أَخذه بقول عَدْلَيْنِ لَا بقول الْجَانِي فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْمُصِيب هُوَ الْجَانِي لموافقته قَول العدلين

وَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيّ لِأَن الْعدْل لم يحكم إِلَّا بالتخمين فيصلح تخمينه لتأخير حَقه لَا لإسقاطه أما صنفه فَهُوَ غَالب إبل الْبَلَد فَإِن لم يكن فِي الْبَلَد إبل فأقرب الْبلدَانِ إِلَيْهِ فَإِن كَانَ إبل من عَلَيْهِ مُخَالفا لإبل الْبَلَد فَهَل تتَعَيَّن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كقوت من عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ شكر على النِّعْمَة فَيكون من جِنْسهَا وَهَذَا أرش الْجِنَايَة فَلَا يُنَاسب اعْتِبَار ملكه فَإِن اعتبرناها فَكَانَت مَرِيضَة أَو مَعِيبَة فَهِيَ كالمعدومة وَإِن كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين متساويين فالخيرة إِلَى الْمُعْطِي وَأما بدله عِنْد الْعَجز فَقيمته فِي مَحل الْعبْرَة مُغَلّظَة كَانَت أَو مُخَفّفَة وَنَصّ فِي الْقَدِيم على أَنه يرجع إِلَى ألف دِينَار أَو إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم من النقرة الْخَالِصَة وَقيل إِن معنى الْقَدِيم التَّخْيِير بَين الْخِصَال الثَّلَاث وَهُوَ ضَعِيف لِأَن أثر التَّغْلِيظ يسْقط بِهِ وَقيل يُزَاد الثُّلُث بِسَبَب التَّغْلِيظ فَيجْعَل سِتَّة عشر ألفا تقليدا لأثر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ بعيد هَذَا بَيَان المغلظات وَأما المنقصات فَهِيَ أَربع الأولى الْأُنُوثَة فَإِنَّهَا ترد كل وَاجِب إِلَى الشّطْر ثمَّ ترعى النِّسْبَة فِي التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف فَيجب عشرُون خلفة وَخمْس عشرَة حقة وَخمْس عشرَة جَذَعَة وعَلى هَذَا الْحساب فِي الْأَطْرَاف

الثَّانِيَة الرّقّ وواجب الرَّقِيق قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ حط عَن دِيَته بِقدر نِصَاب السّرقَة الثَّالِثَة الاجتنان فِي الْبَطن إِذْ وَاجِب الْجَنِين الْغرَّة وَلَا يتغلظ فِيهِ وَسَيَأْتِي الرَّابِعَة الْكفْر ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث دِيَة الْمُسلم ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم وَلَا يظْهر فِيهِ التَّغْلِيظ إِلَّا أَن يَجْعَل هَذَا معيارا للنسبة فينسب إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَيُقَال هُوَ خمس دِيَة الْمُسلم هَذَا فِي أهل الذِّمَّة وَأهل العقد والمستأمنين من هَؤُلَاءِ أما الزَّنَادِقَة وَعَبدَة الْأَوْثَان فَلَا دِيَة لَهُم ولاذمة لَهُم وَلَو دخل وَاحِد مِنْهُم دَارنَا رَسُولا مستأمنا فَإِن كَانَ وثنيا أثبت لَهُ أخس الدِّيات وَهِي دِيَة الْمَجُوسِيّ لِأَنَّهُ الْأَقَل تَحْقِيقا للعصمة لاجل الْحَاجة إِلَى الْأمان وَإِن كَانَ مُرْتَدا فَلَا دِيَة فِي قَتله وَلَكنَّا نمتنع عَن قَتله فِي الْحَال مصلحَة كالنساء والذراري والزنديق الَّذِي ولد كَذَلِك مُتَرَدّد بَين الوثني وَالْمُرْتَدّ هَذَا كُله فِيمَن بلغتهم الدعْوَة وَأما من لم تبلغهم دَعوتنَا قَالَ الْقفال يجب الْقصاص على الْمُسلم بِقَتْلِهِم لأَنهم على الْحق وَمِنْهُم من قَالَ لَا كفاءة بَين الدينَيْنِ وَإِن كَانَا حقين لِأَنَّهُ بَقِي خطأ بِاعْتِبَار جَهله وَهُوَ الْآن بَاطِل فِي نَفسه فَلَا قصاص وَلَكِن تجب دِيَة الْمُسلم وَمِنْهُم من قَالَ بل تجب دِيَة أهل دينه إِن كَانَ يَهُودِيّا أَو مجوسيا لِأَن منصب دينهم لَا يَقْتَضِي إِلَّا هَذَا الْقدر وَإِن لم تبلغهم أصلا دَعْوَة نَبِي قَالَ الْقفال وَجب الْقصاص لأَنهم أهل الْجنَّة وَقَالَ غَيره لَا لعدم أصل الدّين وَلَكِن فِي الدِّيَة وَجْهَان

أَحدهمَا دِيَة الْمُسلم وَالثَّانِي أخس الدِّيات وَإِن كَانُوا مُتَعَلقين بدين محرف كَدين مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بعد التحريف فَلَا قصاص وَيحْتَمل إِسْقَاط الضَّمَان لعدم الذِّمَّة وَعدم الدّين الصَّحِيح وَيكون انكفافنا عَنْهُم كانكفافنا عَن النِّسَاء وَأما الصابئون من النَّصَارَى والسامرة من الْيَهُود إِن كَانُوا معطلة دينهم فَلَا حُرْمَة لَهُم وَإِن كَانُوا من أهل الْفرق فَلهم حكم دينهم وَأما من أسلم وَلم يُهَاجر فَهُوَ كَالَّذي هَاجر فِي الْقود وَالدية وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا عصمَة إِلَّا بِالْهِجْرَةِ إِلَى دَار الْإِسْلَام

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِيمَا دون النَّفس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذِه الْجِنَايَة إِمَّا جرح يشق أَو قطع مُبين أَو ضرب يبطل مَنْفَعَة النَّوْع الأول فِي الْجرْح وَذَلِكَ إِمَّا على الْوَجْه وَالرَّأْس أَو على سَائِر الْبدن أما الرَّأْس فَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل وَهِي كل مَا توضح الْعظم فَإِن صَارَت هاشمة فعشر من الْإِبِل فَإِن صَارَت منقلة فَخمس عشرَة فَإِن صَارَت مأمومة فثلث الدِّيَة أما الدامغة المذففة فَفِيهَا كَمَال الدِّيَة وَفِي الهاشمة من غير إِيضَاح خمس من الْإِبِل وَقيل حُكُومَة لِأَن الْعشْر فِي مُقَابلَة الْمُوَضّحَة الهاشمة وَلَو أوضح وَاحِد وهشم آخر

وَنقل ثَالِث وَأم رَابِع فعلى كل وَاحِد خمس من الْإِبِل إِلَّا على الآم فَعَلَيهِ التَّفَاوُت بَين المنقلة وَأرش المأمومة وَهِي ثَمَانِيَة عشر بَعِيرًا وَثلث بعير والتعويل فِي هَذِه التقديرات على النَّقْل وَقد نصر الشَّارِع على بَعْضهَا وَقيس بهَا الْبَعْض فَإِذا قُلْنَا فِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل عنينا بِهِ نصف عشر الدِّيَة حَتَّى ترعى هَذِه النِّسْبَة فِي الْمَرْأَة وَالذِّمِّيّ وَالْعَبْد وكل عظم على كرة الرَّأْس فَهُوَ فِي مَحل الْإِيضَاح وَإِن كَانَ من الْوَجْه كالجبهة والجبين والوجنة وقصبة الْأنف واللحيين وَمن جَانب الْقَفَا إِلَى الرَّقَبَة فَأَما العظمة الْوَاصِلَة بَين عَمُود الرَّقَبَة وكرة الرَّأْس فَفِيهِ تردد فَإِن تعدّدت الْمُوَضّحَة على الرَّأْس تعدد الْأَرْش فَإِن استوعب جَمِيع الرَّأْس بِوَاحِدَة فالأرش وَاحِد فاتحاد الموحضة بِأَن لَا يخْتَلف الْمحل وَالصُّورَة وَالْحكم وَالْفِعْل أما الصُّورَة فَأن تقع على الْمَوْضِعَيْنِ فَإِن رفع الحاجز اتَّحد الْأَرْش وَإِن كَانَ الرّفْع من غير الْجَانِي لم يتحد وَلَو كَانَ الحاجز بَين الموضحتين الْجلد دون اللَّحْم أَو اللَّحْم دون الْجلد فَأَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يَتَعَدَّد إِذْ بَقِي حاجز مَا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حصل نوع من الإتحاد وَالثَّالِث اللَّحْم حاجز دون الْجلد لِأَنَّهُ المنطبق على الْعظم

الرَّابِع الْجلد حاجز دون اللَّحْم لانه السَّاتِر عَن الْعين وَأما تعدد الْمحل فبأن تخرج الْمُوَضّحَة الْوَاحِدَة من الرَّأْس إِلَى الْجَبْهَة أَو من الْجَبْهَة إِلَى الْوَجْه فَفِي تعدده وَجْهَان أَحدهمَا لَا لاخْتِلَاف اسْم الْمحل وَلَا تتعد بشمولها القذال والهامة إِذْ الْكل فِي حكم الرَّأْس أما تعدد الْفَاعِل بِأَن يُوسع إِنْسَان مُوضحَة غَيره فعلى كل وَاحِد أرش وَإِن كَانَت الْمُوَضّحَة وَاحِدَة فَإِن جَاءَ هُوَ ووسع مُوضحَة نَفسه لم يزدْ الْأَرْش على الصَّحِيح أما تعدد الحكم فبأن يكون بعض الْمُوَضّحَة عمدا وَبَعضهَا خطأ أَو بَعْضهَا حَقًا قصاصا وَالْبَاقِي عُدْوانًا فيتعدد الحكم اعْتِبَارا لاخْتِلَاف الحكم باخْتلَاف الْمحل فَإِن قُلْنَا بالاتحاد فَيَكْفِي أرش وَاحِد فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَفِي الزِّيَادَة على الإقتصاص لَا بُد من شَيْء لهَذِهِ الزِّيَادَة وَهُوَ أَن يوزع الْأَرْش على جملَة الْجراحَة وَيسْقط مَا يُقَابل الْحق وَيجب الْبَاقِي فَإِن اندراج الدِّيَة تَحت الْقصاص غير مُمكن أما المتلاحمة فواجبها حُكُومَة وَفِيه وَجه أَنه يقدر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُوَضّحَة وَذَلِكَ بِتَقْدِير سمك اللَّحْم الْموضع الثَّانِي الْجِرَاحَات فِي سَائِر الْبدن وَفِي جَمِيعهَا الْحُكُومَة إِلَّا الْجَائِفَة فَفِيهَا ثلث الدِّيَة وَهِي كل واصلة إِلَى جَوف فِيهَا قُوَّة مَحَله كالبطن وداخل الصَّدْر وَإِن لم تخرق الأمعاء والدماغ وَإِن لم تخرق الخريطة وَكَذَا المثانة وداخل الشرج من جِهَة العجان

فَأَما مَا يَنْتَهِي إِلَى دَاخل الإحليل والفم وَالْأنف والأجفان إِلَى بَيْضَة الْعين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يتَقَدَّر لحُصُول اسْم الْجوف وَالثَّانِي لَا لِأَن تَقْدِير الْجَائِفَة لخطرها وَهِي جَوف أودع فِيهِ القوى المحيلة وداخل عظم الْفَخْذ لَيْسَ بجوف وفَاقا وَإِن قُلْنَا لَا يتَقَدَّر فَلَو كَانَ على الْوَجْه وَنفذ فِي اللَّحْم فأرش متلاحمة وَزِيَادَة شَيْء لصورة النّفُوذ وَإِن نفذ فِي عظم الْوَجْه فأرش منقلة وَزِيَادَة فروع الأول لَو ضرب بَطْنه بمشقص فجائفتان وَلَو ضربه بسنان فَخرج من بَطْنه إِلَى ظَهره فَوَجْهَانِ الصَّحِيح أَنَّهُمَا جائفتان كالمشقص وَالثَّانِي لَا لِاتِّحَاد الْخَارِج وَالْفِعْل الثَّانِي لَو التحمت الْجَائِفَة لم يسْقط الْأَرْش كالموضحة بِخِلَاف عود السن فَإِن التحام الْمُوَضّحَة لَا بُد مِنْهُ وَكَذَا فِي كل جارحة لَا تسري وَفِيه وَجه قِيَاسا على السن وَلَا قَائِل بِهِ فِي الْمُوَضّحَة وَيحْتَمل فِيمَا إِذا غرز إبرة فانضم اللَّحْم والتحم أَن نقضي بالسقوط الثَّالِث لَو خاط الْجَائِفَة فجَاء جَان وَقطع الْخَيط فَعَلَيهِ تَعْزِير فَإِن كَانَ بعد الإلتحام فأجاف فِي ذَلِك الْموضع فَعَلَيهِ أرش كَامِل وَلَو لم يلتحم إِلَّا الظَّاهِر فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حُكُومَة فَلَو أدّى فتقه إِلَى انفتاق لحم تَامّ حَتَّى يجيفه فَعَلَيهِ أرش كَامِل

فَإِن أقيل فَمَا معنى الْحُكُومَة قُلْنَا أَن يقدر الْمَجْنِي عَلَيْهِ عبدا فتعرف قِيمَته دون الْجِنَايَة فَإِذا قيل عشرَة فَيقوم مَعَ الْجِنَايَة فَإِذا قيل تِسْعَة فَيُقَال التَّفَاوُت الْعشْر فَيُوجب بِمثل نسبته من الدِّيَة وَهَذَا بِشَرْط أَن لَا تزيد حُكُومَة جراح على مِقْدَار الطّرف الْمَجْرُوح فَلَا تزاد حُكُومَة جِرَاحَة الْأصْبع على دِيَة الْأصْبع وَلَا تزاد حُكُومَة الْكَفّ والساعد وَعظم الْعَضُد على دِيَة الْأَصَابِع الْخمس وَهل تزاد حُكُومَة كف على دِيَة أصْبع وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان فَأَما الْيَد الشلاء فَيجوز أَن نزيد حكومتها على اصبع وَلَا تزاد على يَد صَحِيحَة فروع ثَلَاثَة فِي الْحُكُومَة الأول إِنَّمَا تقدر الْحُكُومَة بعد اندمال الْجراحَة فَلَو لم يُوجد تفَاوت بَان التحم الْجرْح وَلم يبْق شين فَفِيهِ وَجْهَان الْقيَاس أَن لَا يجب شَيْء إِلَّا تَعْزِير كَمَا فِي الضَّرْب والصفع وَالثَّانِي أَن الْجرْح خطير فتقدر الْجراحَة دامية وتقدر الْحُكُومَة فِي تِلْكَ الْحَالة حَتَّى يظْهر التَّفَاوُت فَإِن لم يكن مخوفا وَلم يظْهر التَّفَاوُت اضطررنا إِلَى إِلْحَاقه بِالضَّرْبِ الثَّانِي إِن قطع أصبعا زَائِدَة أَو سنا شاغية أَو أفسد المنبت من لحية الْمَرْأَة وزادت الْقيمَة فَالْقِيَاس أَن لَا يجب شَيْء وَمِنْهُم من قَالَ تقدر اللِّحْيَة فِي عبد فِي أَوَان التزين

باللحية ونأخذ تَفَاوتا ونوجبه بعد نُقْصَان شَيْء مِنْهُ لِأَن إِلْحَاق الْمَرْأَة بِالْعَبدِ ظلم والإنصاف أَن هَذَا التَّقْدِير فِي أَصله ظلم فَلَا يَنْبَغِي أَن يجب بِهِ إِلَّا تَعْزِير وَلَو قطع ذكر العَبْد أَو أنثييه فزادت قِيمَته فَالْقِيَاس أَلا يجب شَيْء وَفِيه وَجه أَنه يجب كَمَال الْقيمَة لِأَن جراح العَبْد على القَوْل الْمَنْصُوص من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته الثَّالِث إِذا جرح فَبَقيَ حوال الْجرْح شين فَإِن كَانَت الْجراحَة مقدرَة كالموضحة استتبع حُكُومَة الشين كَمَا تستتبع المتلاحمة حواليها وَإِن لم يكن مُقَدرا فَالْقِيَاس أَن لَا تستتبع بل تجب حُكُومَة الْجرْح والشين جَمِيعًا وَظَاهر النَّصْر أَنه يستتبع لِأَن الشين تبع للجراحة قَائِم بِهِ فَإِن كَانَ حُكُومَة الشين أَكثر لم يُمكن الإتباع فنعتبره فِي نَفسه فَإِن كَانَ مثلا احْتمل وَجْهَيْن على النَّص

النَّوْع الثَّانِي من الْجِنَايَات الْقطع الْمُبين للأعضاء وَالنَّظَر فِي سِتَّة عشر عضوا الأول الأذنان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَفِي الْبَعْض الْبَعْض بِالنِّسْبَةِ وَفِيه وَجه أَن فِي الْأُذُنَيْنِ الْحُكُومَة إِذْ لَا تَوْقِيف وَلَيْسَت فِي معنى الْيَدَيْنِ إِذْ لَيْسَ يظْهر فيهمَا مَنْفَعَة وَمن قدر قَالَ فيهمَا منفعتان إِحْدَاهمَا جمع الْأَصْوَات وَالثَّانيَِة دفع الْهَوَام من الدبيب إِلَى الصماخ وَلذَلِك كثرت التعريجات حَتَّى ينتبه عِنْد الدبيب فعلى هَذَا لَو استحشفت الْأذن بِجِنَايَة جَان وقطعها آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن على الْقَاطِع الدِّيَة لبَقَاء مَنْفَعَة جمع الْأَصْوَات وعَلى من أبطل الْحس الْحُكُومَة وَالثَّانِي أَن على مُبْطل الْحس الدِّيَة لِأَنَّهُ أظهر الْمَنَافِع وعَلى الْقَاطِع بعده حُكُومَة كَقطع الْيَد الشلاء وَأما أذن الْأَصَم فتكمل فِيهِ الدِّيَة لِأَن الْخلَل فِي مَحل السّمع لَا فِي صدفة الْأذن الْعُضْو الثَّانِي العينان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة إِذا فقئتا وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَفِي عين الْأَعْوَر النّصْف وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الْكل

وَيجب كَمَال الدِّيَة فِي الْأَخْفَش وَالْأَعْمَش لِأَن ضعف الْبَصَر كضعف قُوَّة الْيَد الْعُضْو الثَّالِث الأجفان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي الْوَاحِد ربع الدِّيَة يَسْتَوِي الْأَعْلَى والأسفل فَإِن قطع الْبَعْض وتقلص الْبَاقِي لم تجب إِلَّا بِقدر الْمَقْطُوع وَتَقْدِيره بِالنِّسْبَةِ مَا أمكن وَلَا عدُول إِلَى الْحُكُومَة إِلَّا بِالضَّرُورَةِ وَأما الْأَهْدَاب فَلَو فسد منابتها فَفِيهَا وَفِي جَمِيع الشُّعُور حُكُومَة وكمل أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الدِّيَة فِي خمس من الشُّعُور فرع لَو استأصل الاجفان اندرج حُكُومَة الْأَهْدَاب تَحْتَهُ على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تندرج لِأَن فِي الْأَهْدَاب مَنْفَعَة فَإِنَّهَا تشتبك فتمنع الْغُبَار وَلَا تمنع نُفُوذ الْبَصَر فَلَا تندرج تَحت غَيره الرَّابِع الْأنف فَإِن أوعب مارنه جدعا فَفِيهِ كَمَال الدِّيَة والمارن مَا لَان من الْأنف فَإِن قطع شَيْئا من رَأس المارن وَجب جُزْء بِالنِّسْبَةِ وَالْأنف ثَلَاث طَبَقَات فَفِي كل طبقَة إِذا أفرد ثلث الدِّيَة وَقيل يجب النّصْف من كل وَاحِد من المنخرين وَأما الحاجز بَين المنخرين فَهُوَ تَابع لَا يفرد بِثلث من الدِّيَة وَفِيه وَجه أَنه تنْسب الطَّبَقَات

إِلَى الْجُمْلَة وَتجب بِحِسَاب النِّسْبَة وَذَلِكَ أَيْضا يقرب من الثُّلُث وَفِي انف الأخشم كَمَال الدِّيَة كَمَا فِي أذن الْأَصَم الْخَامِس الشفتان فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا نصف الدِّيَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله فِي الْعليا الثُّلُثَانِ ثمَّ حد الشّفة فِي عرض الْوَجْه إِلَى الشدقين وَفِي طوله إِلَى مَحل الإرتتاق على وَجه وَإِلَى الْموضع الَّذِي يستر عَمُود الْأَسْنَان على وَجه وَهُوَ أقل من الأول وَمَا ينبو عِنْد الإنطباق على وَجه وَهُوَ أقل الدَّرَجَات وَبِه يحد الشفران وَقيل إِنَّه إِذا قطع من الْأَعْلَى مَا لَا ينطبق على الْأَسْفَل فقد استوقى الْكل فَهُوَ الْحَد فَلَو قطع جُزْءا من الشّفة وَجب بِقدر نسبته إِلَى الْكل وَتَقْدِير الْكل بِأَن يقدر قَوس طَرفَيْهِ عِنْد الشدقين ومجذبه عِنْد الارتتاق أَو مَا دونه على أحد الْوُجُوه فَمَا يحويه مقعر هَذَا الْقوس هُوَ كل الشّفة فلينسب إِلَيْهِ السَّادِس اللِّسَان وَفِي لِسَان النَّاطِق كَمَال الدِّيَة وَفِي الْأَخْرَس حُكُومَة وَفِي الصَّبِي الَّذِي لم ينْطق كَمَال الدِّيَة إِن ظَهرت امارة الْقُدْرَة بِالتَّحْرِيكِ والبكاء وَيجب بِقطعِهِ الْقصاص وَإِن قطع كَمَا ولد وَلم تظهر أَمارَة فَحُكُومَة إِذْ لم تتيقن الْقُدْرَة اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَلَو قيل الأَصْل السَّلامَة لم يبعد السَّابِع الْأَسْنَان وَفِي كل سنّ مِمَّا هُنَالك خمس من الْإِبِل إِذا كَانَت تَامَّة أَصْلِيَّة مثغورة غير متقلقلة بالهرم احترزنا بالأصلية عَن السن الشاغية وفيهَا حُكُومَة وَلَو قلع سنه ورد إِلَيْهِ سنا من ذهب

فتشبث بِهِ اللَّحْم وتهيأ للمضغ فَلَيْسَ فِي قلعه أرش وَفِيه حُكُومَة على أحد الْقَوْلَيْنِ لصلاحه للمضغ واحترزنا بالتامة عَن قلع الْبَعْض إِذْ يجب بِهِ بعض الْأَرْش بِحَسب النِّسْبَة وَهل يدْخل السنخ فِي حِسَاب النِّسْبَة فِيهِ وَجْهَان يطردان فِي أَن الدِّيَة تكمل فِي الْحَشَفَة وحلمتي الثدي والمارن وَلَا يزِيد باستئصال الذّكر والثديين وقصبة الْأنف بل نسبتها إِلَيْهِ كنسبة الْكَفّ إِلَى الْأَصَابِع وَلَكِن إِذا قطع بعض الْحَشَفَة وَبَعض المارن فَهَل يدْخل الْبَاقِي فِي حِسَاب النِّسْبَة فِيهِ وَجْهَان وَفِي هَذِه الْمسَائِل وَجه آخر أَنه إِذا استأصل تزيد نسبتها حُكُومَة فَإِذا قلع سنا فَفِي قدر الْبَاقِي البادي دِيَة وَفِي السنخ حُكُومَة وَهَذَا فِي قَصَبَة المارن أظهر مِنْهُ فِي السن فَإِن فرعنا على الإندراج وَهُوَ الصَّحِيح فَهَل ينْدَرج السنخ تَحت نصف السن فِيمَا إِذا قطع إِنْسَان بعض السن وَجَاء آخر وَقطع الْبَاقِي من السنخ فَفِيمَا يجب على الثَّانِي وَجْهَان احدهما النّصْف إدراجا للسنخ وَالثَّانِي النّصْف والحكومة لِأَن السنخ ينْدَرج تَحت كل وَهُوَ يلْتَفت على أَن الْكَفّ هَل ينْدَرج تَحت بعض الْأَصَابِع

واحترزنا بالمثغورة عَن سنّ الصَّبِي فَإِنَّهَا فضلَة فَلَيْسَ فِي قلعهَا إِلَّا حُكُومَة عِنْد إبْقَاء شين كَمَا فِي حلق شعره فَإِن فسد المنبت وَجب الْقصاص أَو الْأَرْش وَلَو مَاتَ قبل ظُهُور فَسَاد المنبت فَفِي وجوب الْأَرْش وَجْهَان لتقابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة من جَانِبه وَالْأَصْل عدم عود السن من الْجَانِب الآخر وَأما المثغور إِذا عَاد سنه نَادرا فَفِي اسْتِرْدَاد الْأَرْش قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن هَذَا نعْمَة جَدِيدَة عَادَتْ فَهِيَ كالموضحة إِذا التحمت بنبات لحم جَدِيد وَالثَّانِي نعم لِأَن مُتَعَلق الْأَرْش هَا هُنَا فَسَاد المنبت مَعَ الْقلع وَقد بَان أَنه لم يفْسد وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه لَا يسْتَردّ وَاسْتشْهدَ بِأَن التَّوَقُّف غير وَاجِب فِي الْأَرْش كَمَا لَو قلع بعض أَسْنَانه فنبت وَمن أَصْحَابنَا من طرد الْخلاف فِي اللِّسَان وَمِنْهُم من فرق لِأَن ذَلِك لحم جَدِيد نبت من الْغذَاء وَهَا هُنَا السن نبت من مَادَّة اصلية لم يصر مُسْتَوْفيا بِالْقَلْعِ فَإِنَّهَا إِن استوفيت فالغذاء لَا يَسْتَحِيل إِلَى الْعظم ابْتِدَاء وَإِن كَانَ يغذي الْعظم وَأما التَّوَقُّف فَمنهمْ من اوجب وَمِنْهُم من اعتذر بِالْبِنَاءِ على الْغَالِب واحترزنا بالتقلقل عَن الشَّيْخ الْهم إِذا أشرف سنه على السُّقُوط فَإِن كَانَ الظَّاهِر أَنه لَا يسْقط فَلَا يُؤثر كضعف الْأَعْضَاء وَإِن غلب على الظَّن أَنه إِلَى السُّقُوط مائلة

فَقَوْلَانِ أَحدهَا أَنه يجب كَمَال الْأَرْش كَمَا إِذا قتل مَرِيضا مشرفا على الْهَلَاك وَالثَّانِي لَا لِأَن الشَّرْع اسقط أرش السن الضَّعِيف بِدَلِيل الصَّبِي فرع الْأَسْنَان من الْخلقَة المعتدلة اثْنَان وَثَلَاثُونَ فَلَو اقتلعها بِجِنَايَة وَاحِدَة فَفِي الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا مائَة وَسِتُّونَ من الْإِبِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل وَالثَّانِي أَنه لَا يزِيد على مائَة من الْإِبِل إِذا جمع الْكل لِأَنَّهُ جنس وَاحِد فيضاهي سَائِر أَجنَاس الْأَعْضَاء ثمَّ شَرط هَذَا القَوْل اتِّحَاد الْجَانِي وَالْجِنَايَة فَلَو اقتلع عشْرين واقتلع غَيره الْبَاقِي وَجب فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل وَكَذَلِكَ إِذا اقتلع هُوَ وَاحِد بعد أُخْرَى إِذا تخَلّل الِانْدِمَال وَإِن كَانَ على التَّعَاقُب فطريقان مِنْهُم من قَالَ هُوَ اتِّحَاد كالضرب الْوَاحِد الْمسْقط للْكُلّ وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ تعدد الثَّامِن اللحيان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي احدهما النّصْف وَلَو كَانَ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان لم تندرج دِيَة الْأَسْنَان تَحت دِيَة اللحيين على الْأَظْهر وَالثَّانِي أَنه تندرج لِأَنَّهُ

مركب الْأَسْنَان وَكِلَاهُمَا لغَرَض وَاحِد كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع التَّاسِع اليدان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة إِذا قطعتا من الكوعين وَكَذَا إِن لقط الْأَصَابِع فَحُكُومَة الْكَفّ مندرجة قولا وَاحِدًا والساعد والعضد لَا ينْدَرج بل لَهما حُكُومَة وَفِي كل أصْبع عشر من الْإِبِل من غير تفاضل وَفِي كل أُنْمُلَة ثلث الْعشْر إِلَّا فِي الْإِبْهَام فَإِنَّهَا أنملتان فَفِي إِحْدَاهمَا نصف الْأَرْش وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ثلث الْأَرْش وَجعل الْأُنْمُلَة الغائصة محسوبة من الْأصْبع وَلَو كَانَ على معصم كفان باطشان فَفِي الْأَصْلِيَّة نصف الدِّيَة وَفِي الزَّائِدَة حُكُومَة فَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا منحرفة عَن الساعد أَو نَاقِصَة بأصبع أَو ضَعِيفَة الْبَطْش فَهِيَ الزَّائِدَة وَإِن كَانَت المنحرفة أقوى بطشا فَهِيَ الْأَصْلِيَّة وَالنَّظَر إِلَى الْبَطْش أولى وَالَّتِي عَلَيْهَا أصْبع زَائِدَة فَهَل يحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا زَائِدَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الزَّائِدَة على الْكَمَال نُقْصَان وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا يبعد وُقُوع ذَلِك على الْأَصْلِيَّة كَمَا خرجت الْيَد الزَّائِدَة من الساعد الْأَصْلِيّ وَإِن تَسَاويا من كل وَجه فَمن قطعهمَا فَعَلَيهِ قصاص وحكومة أَو دِيَة يَد وحكومة وَإِن قطع إِحْدَاهَا فَلَا قصاص لاحْتِمَال أَنَّهَا زَائِدَة وَتجب نصف دِيَة الْيَد وَزِيَادَة حُكُومَة لِأَنَّهُ نصف فِي صُورَة الْكل هَذَا مَا قيل وَجعله نصفا مَعَ الإحتمال لكَونهَا زَائِدَة مُشكل فرع لَو قطع الْيَد الباطشة وأوجبنا دِيَة الْيَد فاشتدت الْيَد الْأُخْرَى بِهَذَا الْقطع

وبطشت بَطش الأصليات فَفِي اسْتِرْدَاد الْأَرْش المبذول ورده إِلَى قدر الْحُكُومَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْتَردّ فَإِن هَذِه صَارَت أَصْلِيَّة وَلَا يتَصَوَّر أصليتان على معصم وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه نعْمَة جَدِيدَة وَله الْتِفَات على عود السن الْعَاشِر الترقوة والضلع وَفِي كسر كل ضلع جمل وَكَذَا الترقوة قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقليدا لعمر رضوَان الله عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فيهمَا حُكُومَة وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بالحكومة قِيَاسا وَحمل مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ على حُكُومَة بلغت عشر الْعشْر وَهُوَ جمل وَمِنْهُم من قَالَ تَقْدِير الْحُكُومَة تخمين من القَاضِي فتخمين عمر رَضِي الله عَنهُ أولى على الْإِطْلَاق بالتقليد الْحَادِي عشر الحلمتان من الْمَرْأَة مَضْمُونَة بِكَمَال دِيَتهَا وَهُوَ مَا يلتقمه الصَّبِي وَهُوَ لَا يزِيد باستئصال الثدي وَقيل تزيد حُكُومَة وَفِي حلمتي الرجل قَولَانِ الْمَنْصُوص أَن فيهمَا حُكُومَة إِذْ لَيْسَ لَهما مَنْفَعَة درور اللَّبن وَفِيه قَول مخرج أَن فيهمَا الدِّيَة كحلمتي الْعَجُوز الثَّانِي عشر الذّكر والأنثيان وَفِيهِمَا ديتان وتكمل الدِّيَة فِي ذكر الْخصي والعنين وَلَا تكمل فِي ذكر الأشل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي ذكر الْخصي حُكُومَة وَإِذا قطعهمَا فَإِن ابْتَدَأَ بِالذكر فَعَلَيهِ عِنْده ديتان فَإِن ابْتَدَأَ بالأنثيين فَعَلَيهِ عِنْده حُكُومَة ودية لِأَن إخصاءه أَولا بِقطع الْأُنْثَيَيْنِ ثمَّ تكمل الدِّيَة بِقطع الْحَشَفَة الثَّالِث عشر الأليتان وَفِي قطع مَا أشرف مِنْهُمَا على الْبدن كَمَال الدِّيَة وَإِن لم يقرع الْعظم وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَلَا يخفى منفعتهما فِي الرّكُوب وَالْقعُود

الرَّابِع عشر الشفران من الْمَرْأَة فيهمَا كَمَال الدِّيَة وهما حرفا الْفرج المنطبقان على المنفذ على نتوء فالقدر الْبَاقِي هُوَ كَمَال الشفر الْخَامِس عشر الرّجلَانِ وهما كاليدين وَرجل الْأَعْرَج كَرجل الصَّحِيح إِذْ الْخلَل فِي الحقو لَا فِي الرجل وَرجل من امْتنع مَشْيه بِكَسْر الفقار قَالَ الْقفال كَالصَّحِيحِ وَفِيه وَجه أَن تعطل الْمَشْي كزواله وَفِي الْتِقَاط أَصَابِع الرجل كَمَال الدِّيَة مَعَ أَن أعظم الْمَنَافِع وَهُوَ أصل الْمَشْي بَاقٍ السَّادِس عشر الْجلد وَلَو سلخ جَمِيع جلده فَفِيهِ دِيَة لِأَن الْجلد أعد لغَرَض وَاحِد فَهُوَ جنس وسلخ جَمِيعه قَاتل وَلَكِن قد يبْقى بعده حَيَاة مُسْتَقِرَّة فتظهر فَائِدَته إِذا حزت بعده رقبته

النَّوْع الثَّالِث من الْجِنَايَات مَا يفوت اللطائف وَالْمَنَافِع وَالنَّظَر فِي اثْنَتَيْ عشرَة مَنْفَعَة الأولى الْعقل فَإِذا ضرب رَأسه فأزال عقله فَعَلَيهِ كَمَال الدِّيَة وَلَو قطع يَدَيْهِ فأزال عقله فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُشِير إِلَى دِيَة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد إِذْ لَيْسَ الْعقل فِي الْيَد وَلَو قطع أُذُنَيْهِ فأزال سَمعه فديتان لِأَن مَحل السّمع غير مَحل الْقطع فَهِيَ أولى وَلَا يُمكن أَن يُقَال نزل الْعقل منزلَة الرّوح فأدرج تَحت دِيَة الْيَد لِأَنَّهُ إِذا قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَزَالَ عقله فَعَلَيهِ ديتان قولا وَاحِدًا وَلَعَلَّ وَجهه أَن الْعقل لَا يُضَاف إِلَى مَحل من الْبدن فنسبته إِلَى الْكل على وتيرة فيندرج تَحت كل عُضْو تكمل فِيهِ الدِّيَة فرع لَو أنكر الْجَانِي زَوَال عقله وَنسبه إِلَى التجانن راقبناه فِي خلواته فَإِن لم تنضبط أَحْوَاله أَوجَبْنَا الدِّيَة وَلَا نحلفه لأَنا إِذا طلبنا مِنْهُ الْيَمين أجابنا عَن مَوضِع آخر متجاننا كَانَ أَو مَجْنُونا الثَّانِيَة السّمع وَفِيه كَمَال الدِّيَة وَفِي إِبْطَاله فِي أَحدهمَا نصف الدِّيَة وَفِيه وَجه أَن الْوَاجِب حُكُومَة لِأَن مَحل السّمع وَاحِد وَإِنَّمَا المشتبه منفذه وَهُوَ ضَعِيف إِذْ كَيْفَمَا كَانَ فضبط النِّسْبَة بالمنفذ أولى من ضَبطه بِغَيْرِهِ فَلَو كذبه الْجَانِي غافصناه بِصَوْت مُنكر فَإِن اضْطربَ بَان كذبه وَإِن ثَبت حلفناه إِذْ رُبمَا يتماسك تكلفا فَلَو قَالَ الْجَانِي حلفوني فَإِن الأَصْل بَقَاء السّمع قُلْنَا لَو فتح هَذَا الْبَاب

لم يعجز من يستجيز الْجِنَايَة عَن الْحلف وجريان الْجِنَايَة سَبَب مظهر لجَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ فتصديقه أولى فرعان الأول لَو قَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ نقص سَمْعِي وَلم يزل وَجب أرش النُّقْصَان وَقدر بالمسافة وَطَرِيقه أَن يجلس بجنبه من هُوَ فِي مثل سنه وَصِحَّته وَيبعد عَنْهُمَا وَاحِد وَيرْفَع الصَّوْت فَلَا يزَال يقرب إِلَى أَن يَقُول السَّلِيم سَمِعت ثمَّ يديم ذَلِك الْحَد فِي الصَّوْت وَيقرب إِلَى أَن يَقُول الْمَجْنِي عَلَيْهِ سَمِعت فَإِن سمع على النّصْف من تِلْكَ الْمسَافَة فقد نقص نصف السّمع فَإِن قَالَ الْجَانِي سمع من قبل حلفنا الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو قَالَ لست أسمع من إِحْدَى أُذُنِي فامتحانه أَن تصم الْأذن الثَّانِيَة ويصاح بِهِ صَيْحَة مُنكرَة الثَّانِي لَو قَالَ أهل الصَّنْعَة لَطِيفَة السّمع بَاقِيَة لَكِن وَقع فِي المنفذ الارتتاق فَفِي كَمَال الدِّيَة وَجْهَان أَحدهمَا أَن تعطل الْمَنْفَعَة هَل هُوَ كزوالها وَيجْرِي فِيمَا إِذا ذهب سمع الصَّبِي فتعطل نطقه أَو ضرب صلبه فتعطل رجله فَفِي تعدد الدِّيَة فِي نَظَائِر ذَلِك خلاف الثَّالِثَة الْبَصَر وَفِي إِبْطَالهَا مَعَ بَقَاء الحدقة كَمَال الدِّيَة يَسْتَوِي فِيهِ الْأَخْفَش وَالْأَعْمَش وَمن على حدقته بَيَاض لَا يمْنَع أصل الْبَصَر ثمَّ يمْتَحن عِنْد دَعْوَى الْعَمى بتقريب حَدِيدَة من حدقته مغافصة وَإِن ادّعى النُّقْصَان امتحن كَمَا فِي السّمع الرَّابِعَة الشم وَفِي إِبْطَاله كَمَال الدِّيَة ويجرب بالروائح المنتنة الحادة فَإِن ادّعى

النُّقْصَان فامتحان ذَلِك عسير فيكتفي بِالْيَمِينِ وَقيل إِن الشم لَا تكمل فِيهِ الدِّيَة لِأَن التأذي بِهِ مَعَ كَثْرَة الأنتان أَكثر من التَّلَذُّذ بِهِ مَعَ قلَّة الطّيب وَهَذَا هوس إِذْ هُوَ طَلِيعَة كَسَائِر الْحَواس الْخَامِسَة النُّطْق وَفِي إِبْطَاله عَن اللِّسَان كَمَال الدِّيَة وَإِن بَقِي حاسة الذَّوْق والإعانة على المضع والحروف الشفهية والحلقية لِأَن الَّذِي بَطل جُزْء مَقْصُود بِرَأْسِهِ فَإِن ذهب بعض الْكَلَام فأقرب معيار فِيهِ الْحُرُوف وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مُتَسَاوِيَة فِي الِاعْتِبَار وَقَالَ الاصطخري لَا تدخل الشفوية والحلقية فِي التَّوْزِيع فرعان الأول لَو كَانَ لَا يحسن بعض الْحُرُوف فَهَل يُؤثر فِي نُقْصَان الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه يرجع إِلَى ضعف النُّطْق فَهُوَ كضعف الْبَطْش وَالثَّانِي نعم لِأَن الْبَطْش لَا يتَقَدَّر والحروف صَارَت مقدرَة للنطق بِنَوْع من التَّقْرِيب فَإِن قُلْنَا يحط فَلَو كَانَ يقدر على الْإِعْرَاب عَن جَمِيع مقاصده بِتِلْكَ الْحُرُوف لغزارة فَضله فَفِي الْحَط خلاف وَالظَّاهِر أَنه يحط أما إِذا كَانَ نُقْصَان الْحُرُوف بِجِنَايَة جَان فالحط أولى وَالْقَوْل الضَّابِط فِي الْفرق بَين النُّقْصَان بِجِنَايَة أَو آفَة أَن المفوت جرم أَو مَنْفَعَة فَكل جرم مُقَدّر فنقصان بعضه مُؤثر سَوَاء كَانَ بِجِنَايَة أَو آفَة كسقوط بعض السن وَبَعض الْأُنْمُلَة وانشقاق لحم الرَّأْس إِلَى حد المتلاحمة وَمَا لَا يتَقَدَّر كفلقة من الْأُنْمُلَة فسقوطها لَا ينقص كَانَت بِآفَة سَمَاوِيَّة أَو جِنَايَة أبقى شَيْئا أَو لم تبْق مهما لم ينقص الْبَطْش لِأَن الزِّينَة لَيست من خاصية هَذَا الْعُضْو

وَأما نُقْصَان الْمَنْفَعَة الَّتِي لَا تتقدر إِن كَانَت بِآفَة سَمَاوِيَّة لم ينقص وَإِن كَانَت بِجِنَايَة وَجَمِيع جرم الْعُضْو بَاقٍ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يعْتَبر كالآفة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْآفَات لَا تنضبط وَالْجِنَايَة تنضبط كَمَا فِي القروح والجراحات وَالثَّالِث أَن الآخر إِن قطع الْعُضْو لم يعْتَبر النُّقْصَان فِي حَقه وَإِن أبطل بَقِيَّة الْبَطْش حط عَنهُ مَا وَجب على الأول لِأَنَّهُمَا جنايتان متناسبتان من وَجه وَاحِد وَإِنَّمَا يظْهر الْخلاف فِي نُقْصَان الْحُرُوف لِأَنَّهَا كالمقدرة للنطق الْفَرْع الثَّانِي لَو قطع بعض لِسَانه فَأبْطل كل كَلَامه فَعَلَيهِ الدِّيَة وَلَو أبطل بعض كَلَامه وتساوت نِسْبَة الجرم والحروف بِأَن قطع نصف الجرم وَزَالَ نصف الْكَلَام فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَإِن تفاوتت النِّسْبَة فنأخذ بِأَكْثَرَ الشَّهَادَتَيْنِ لِأَن كل وَاحِد من الْحُرُوف والجرم مُبين مِقْدَار الزائل من الْقُوَّة النطقية الَّتِي لَا يتَقَدَّر تحقيقها بِنَوْع من التَّقْرِيب فنأخذ أَكثر الشَّهَادَتَيْنِ فَإِن قطع ربع اللِّسَان فَزَالَ نصف الْحُرُوف فَعَلَيهِ النّصْف وَإِن قطع نصف اللِّسَان فَزَالَ ربع الْحُرُوف فَعَلَيهِ النّصْف وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النّظر إِلَى الجرم وَلَكِن إِذا قطع ربع اللِّسَان فَزَالَ نصف الْكَلَام فَكَأَنَّهُ أشل ربعا من الْبَاقِي فتظهر فَائِدَة العبارتين فِيمَن اقتلع الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَو قطع ربع لِسَانه وَذهب نصف كَلَامه فاستأصل غَيره بَاقِي اللِّسَان فَعَلَيهِ ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة نظرا إِلَى الْأَكْثَر عِنْد الْأَصْحَاب وَعند أبي إِسْحَاق عَلَيْهِ نصف الدِّيَة وحكومة ربع أشل وَلَو قطع ربع اللِّسَان فَأذْهب ربع الْكَلَام فأوجبنا النّصْف فجَاء الثَّانِي واستأصل

وَجب عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة نظرا إِلَى الْأَكْثَر وَعند الشَّيْخ أبي إِسْحَاق رَحمَه الله نصف الدِّيَة نظرا إِلَى الجرم وَأما إِذا قطع فلقَة من لِسَانه وَلم يذهب شَيْئا من الْكَلَام فَلَا شَيْء لِأَن الْقُوَّة إِذا نقصت رَجعْنَا إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ ورجحنا وَإِذا لم ينقص فَلَيْسَ إِلَّا حُكُومَة كلسان الْأَخْرَس الْمَنْفَعَة السَّادِسَة الصَّوْت وَفِي إِبْطَاله كل الدِّيَة وَإِن بَطل مَعَه حَرَكَة اللِّسَان فديتان وَفِيه وَجه أَن الْوَاجِب دِيَة وَاحِدَة لِأَن مَقْصُود الصَّوْت النُّطْق وَإِن قُلْنَا ديتان فَلَو كَانَ حَرَكَة اللِّسَان نَاقِصَة فقد تعطل النُّطْق وَلم يزل فَفِيهِ الْخلاف السَّابِق السَّابِعَة الذَّوْق وَفِيه كَمَال الدِّيَة لِأَنَّهُ أحد الْحَواس الْخَمْسَة ويجرب عِنْد النزاع بالأشياء الْمرة المقرة الثَّامِنَة مَنْفَعَة المضغ وفيهَا كَمَال الدِّيَة وفواتها بِأَن يتصلب مغرس اللحيين فَلَا يَتَحَرَّك بانخفاض وارتفاع وَلَا يحيا صَاحبه إِلَّا بالحسوة والإيجار فرع لَو جنى على سنه فاسود وَلم يُمكن المضغ بِهِ وَجب كَمَال الْأَرْش فَإِن لم يكن إِلَّا مُجَرّد السوَاد فَفِيهِ حُكُومَة لِأَنَّهُ إِزَالَة جمال مَحْض التَّاسِعَة قُوَّة الإمناء والإحبال بِهِ فَإِذا أبطل بِجِنَايَة على صلبه وَجب كَمَال الدِّيَة وَلَو جنى على ثدي امْرَأَة وأبطل مَنْفَعَة الْإِرْضَاع قَالَ القَاضِي رَحمَه الله فِيهِ حُكُومَة لِأَن مَنْفَعَة الْإِرْضَاع تطرأ وتزول بِخِلَاف قُوَّة مَنْفَعَة الْمَنِيّ فَإِنَّهَا ثَابِتَة قَالَ الإِمَام

وَيحْتَمل خِلَافه لانه مَقْصُود فِي نَفسه وَإِن كَانَ يطْرَأ الْعَاشِرَة مَنْفَعَة الْمَشْي والبطش وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَلَو ضرب صلبه فَبَطل مَشْيه وَجب كَمَال الدِّيَة وَلَو قطع رجله فَفِي كَمَال الدِّيَة فِيهِ خلاف لِأَنَّهَا صَحِيحَة فِي نَفسهَا وَأَنَّهَا تعطل بِجِنَايَة على غَيرهَا وَلَو ضرب صلبه فَبَطل مَشْيه ومنيه فَفِي الإندراج خلاف من حَيْثُ إِن الصلب مَحل الْمَنِيّ ومبدأ الْحَرَكَة للمشي فاقتضي اتحادا بَينهمَا من وَجه الْحَادِيَة عشرَة إِذا بَطل شَهْوَة الْجِمَاع من غير شلل فِي الذّكر وَلَا انْقِطَاع فِي الْمَنِيّ لم يبعد تَكْمِيل الدِّيَة لانْقِطَاع إحساسه باللذة وَكَذَا إِذا بَطل شَهْوَة الطَّعَام إِن أمكن وَكَذَا لَو ضرب عُنُقه فارتتق منفذ الطَّعَام وَجب كَمَال الدِّيَة إِذْ تبقى حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَإِذا حز غَيره رقبته كملت الدِّيَة على الأول الثَّانِيَة عشرَة إِذا أفْضى ثَيِّبًا كَانَ أَو بكرا عَلَيْهِ دِيَتهَا وَمعنى هَذَا أَن يتحد مَسْلَك الْجِمَاع وَالْغَائِط أَو مَسْلَك الْجِمَاع وَالْبَوْل وَلَا ينْدَرج الْمهْر تحتهَا لاخْتِلَاف مأخذهما وَيجب على الزَّانِي وَالزَّوْج لِأَن الزَّوْج لَا يسْتَحق إِلَّا وطأ لَا يُوجب الْإِفْضَاء فَإِن كَانَ لَا يحْتَمل إِلَّا بالإفضاء لضيق المنفذ أَو كبر الْآلَة لم يسْتَحق الْوَطْء وَنزل الضّيق من جَانبهَا منزلَة الرتق إِن خَالف الْعَادة وَالْكبر من جَانِبه ينزل منزلَة الْجب فِي إِثْبَات الْفَسْخ وَلَو انتزع بكرا على كره لزمَه مهر الْمثل وَأرش الْبكارَة وَقيل إِذا أَوجَبْنَا مهر مثل بكر فقد قضينا حق الْبكارَة والإفضاء بالخشبة والأصبع مُوجب للدية وَلَو أَزَال الزَّوْج بكارة زَوجته بالأصبع لم يجب أرش الْبكارَة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ وَقيل يجب لعدوله عَن طَرِيق الإستحقاق

هَذَا حكم الْأَطْرَاف إِذا أفردت أَو جمعت من غير سرَايَة فيتصور أَن يجب فِي شخص وَاحِد قريب من عشْرين دِيَة وَلَو مَاتَ بِالسّرَايَةِ عَاد إِلَى دِيَة وَاحِدَة وَلَو حز الْجَانِي رقبته فالنص أَنه يتداخل وَخرج ابْن سُرَيج أَنه لَا يتداخل كَمَا لَو تعدد الْجَانِي فَإِن اخْتلف حكم الْجِنَايَة بِأَن قطع خطأ وحز عمدا أَو على الْعَكْس فَقَوْلَانِ منصوصان لِأَن تغاير الْوَصْف يضاهي تغاير الْجَانِي فَإِن قُلْنَا بالتداخل فَإِن قطع يدا خطأ وَقتل عمدا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِنَّه تجب دِيَة وَاحِدَة نصفهَا على الْجَانِي مُغَلّظَة وَنِصْفهَا على الْعَاقِلَة مُخَفّفَة وَكَأَنَّهُ جعل الحز كجناية أُخْرَى تممت سرَايَة الأولى وَمن الْأَصْحَاب من خَالف النَّص وَقَالَ تجب دِيَة مُغَلّظَة إِذْ حز الرَّقَبَة يبطل أثر مَا سبق هَذَا حكم أَطْرَاف الْحر الذّكر أما الرَّقِيق فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن جراح العَبْد من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته اسْتِحْسَانًا لقَوْل سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَن الْوَاجِب قدر النُّقْصَان كَمَا أَن الْوَاجِب فِي الْجُمْلَة قدر الْقيمَة وكما نَص على قَول فِي أَنه لَا تضرب على الْعَاقِلَة بدله وَلَا تجْرِي الْقسَامَة فِيهِ إِلْحَاقًا لَهُ بالبهائم فَإِن قطع بإلحاقه بِالْحرِّ فِي الْقصاص وَالْكَفَّارَة فَلَو قطع ذكره وأنثييه فزادت قِيمَته فَيجب على النَّص قيمتان وعَلى التَّخْرِيج لَا يجب شَيْء كَمَا فِي الْبَهِيمَة وَأما الْمَرْأَة فترعى نِسْبَة أطرافها إِلَى دِيَتهَا وفيهَا قَول قديم أَنَّهَا تعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَته أَي تساويها فَإِن جَاوَزت الثُّلُث رد إِلَى قِيَاس دِيَتهَا فَفِي ثلث أصابعها ثَلَاثُونَ من الْإِبِل وَفِي أَربع لَو أَوجَبْنَا أَرْبَعِينَ لجاوزنا ثلث الدِّيَة فنرجع إِلَى نِسْبَة دِيَتهَا فنوجب عشْرين وَهُوَ بعيد مرجوع عَنهُ

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي بَيَان الْمُوجب من الْأَسْبَاب والمباشرات وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف الأول فِي تَمْيِيز السَّبَب عَمَّا لَيْسَ بِسَبَب وكل مَا يحصل الْهَلَاك مَعَه فإمَّا أَن يحصل بِهِ فَيكون عِلّة كالتردية فِي الْبِئْر أَو يحصل عِنْده بعلة أُخْرَى وَلَكِن لولاه لم تُؤثر الْعلَّة كحفر الْبِئْر مَعَ التردية فَهُوَ سَبَب وَإِمَّا أَن يحصل مَعَه وفَاقا وَلَا تقف الْعلَّة على وجوده فَلَا عِبْرَة بِهِ كَمَا إِذا كلم غَيره اَوْ صفعه صفعة خَفِيفَة فَمَاتَ فَهَذَا لَا يَجْعَل سَببا بل هُوَ مُوَافقَة قدر والإحتمال يظْهر فِي ثَلَاث صور الأولى إِذا صَاح على صَغِير وَهُوَ على طرف سطح فارتعد وَسقط وَمَات وَجب الضَّمَان لِأَنَّهُ سَبَب ظَاهر وَفِي الْقصاص قَولَانِ مرتبان على مَا لَو حفر بِئْرا فِي دَاره ودعا إِلَيْهِ غَيره وَهَذَا أولى بِالْإِيجَابِ لِأَن الْإِفْضَاء إِلَى الْهَلَاك هَا هُنَا أغلب وَلَو تغفل بَالغا بِصَوْت مُنكر فَسقط من السَّطْح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحمل على مُوَافقَة الْقدر لِأَن الرعدة لَهَا أَسبَاب وَالْكَبِير لَا يسْقط بالصياح غَالِبا وَالثَّانِي يجب الضَّمَان لِأَن هَذَا مُمكن وَالسَّبَب ظَاهر فيحال عَلَيْهِ وَالثَّالِث إِن جَاءَهُ من وَرَائه وَجب وَإِن واجهه فَلَا وَالصَّحِيح أَنه إِن ظهر أَنه سقط بِهِ وَجب وَإِن شكّ فِيهِ احْتمل أَن يُقَال الأَصْل برءاة

الذِّمَّة وَاحْتمل أَن يُقَال الأَصْل حمله على السَّبَب الْمُقَارن بِهِ الثَّانِيَة لَو صَاح على صبي مَوْضُوع على الأَرْض فَمَاتَ أَو على بَالغ فَزَالَ عقله فَفِيهِ وَجْهَان منشؤهما التَّرَدُّد فِي الإحالة عَلَيْهِ الثَّالِثَة التهديد والتخويف إِذا أفْضى إِلَى سُقُوط الْجَنِين وَجب الضَّمَان إِذْ وُقُوع ذَلِك غَالب وَقع لعمر رَضِي الله عَنهُ فَشَاور الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ عبد الرحمن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ إِنَّك مؤدب فَلَا شَيْء عَلَيْك وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن لم يجْتَهد فقد غشك وَإِن اجْتهد فقد أَخطَأ أرى عَلَيْك الدِّيَة الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الْعلَّة وَالشّرط كالحفر والتردي وَمهما كَانَت الْعلَّة عُدْوانًا انْقَطَعت الْحِوَالَة عَن الشَّرْط فَالضَّمَان على المردي لَا على الْحَافِر وَإِن لم يكن عُدْوانًا بِأَن تخطى الْإِنْسَان فتردى جَاهِلا نظر إِلَى الْحفر فَإِن لم يكن عُدْوانًا أهْدر الضَّمَان وَإِن كَانَ عُدْوانًا أُحِيل الْهَلَاك عَلَيْهِ وَإِن تزلق رجله بقشر بطيخ أَو بِمَاء مرشوش فَهَذِهِ الْأَسْبَاب كحفر الْبِئْر فروع الأول إِذا وضع صَبيا فِي مسبعَة فافترسه سبع فَإِن قدر على الإنتقال فَلَا ضَمَان كَمَا لَو فصد بِغَيْر إِذْنه فَتَركه حَتَّى نزف الدَّم وَإِن كَانَ عَاجِزا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْحِوَالَة على السَّبع لِأَنَّهُ مُخْتَار وَلم يسْبق مِنْهُ إِلَّا وضع يَد وَالصَّبِيّ الْحر لَا يضمن بِالْيَدِ

وَالأَصَح أَنه يُحَال عَلَيْهِ لِأَن هَذَا يعد فِي الْعرف إهلاكا الثَّانِي إِذا اتبع إنْسَانا بِسَيْفِهِ فولى هَارِبا فَألْقى نَفسه فِي نَار أَو مَاء أَو بِئْر أَو مسبعَة وافترسه سبع فَلَا ضَمَان على المتبع لِأَنَّهُ مُخْتَار فِي هَذِه الْأَفْعَال وغايته أَن يكون مكْرها وَلَو قَالَ اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك فَقتل نَفسه لم يضمن الْمُكْره إِذْ لَا معنى للخلاص عَن الإهلاك أصلا أما إِذا تردى فِي بِئْر جَاهِلا لكَونه أعمى أَو لظلام اللَّيْل أَو لكَون الْبِئْر مغطاة فَالضَّمَان على المتبع لِأَن هَذَا الإلجاء أقوى من مُجَرّد الْحفر وَلَو ألْقى نَفسه على سطح فانخسف بِهِ فيحال الضَّمَان عَلَيْهِ لاختياره إِلَّا إِذا كَانَ انخسافه لضَعْفه وَهُوَ لَا يدْرِي فَهُوَ كالبئر المغطاة الثَّالِث إِذا سلم صَبيا إِلَى سابح فغرق وَجب الضَّمَان على أستاذه لِأَنَّهُ لَا يغرق إِلَّا بتقصير بِأَن يهمله فِي غير مَحَله فَلَو قَالَ لَهُ ادخل المَاء فَدخل مُخْتَارًا فَيحْتَمل أَن يُقَال لَا ضَمَان لِأَنَّهُ لَا يضمن الْحر بِالْيَدِ وَالصَّبِيّ مُخْتَار وَلَكِن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب لِأَنَّهُ مُلْتَزم للْحِفْظ وَأما الْبَالِغ فَلَا يضمن فِي هَذِه الصُّورَة وَإِن خَاضَ مَعَه اعْتِمَادًا على يَده فَأَهْمَلَهُ احْتمل إِيجَاب الضَّمَان وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يجب لِأَنَّهُ مقصر فِي الإغترار بقوله

فَإِن قيل إِذا كَانَ حفر الْبِئْر سَببا عِنْد الْعدوان فبماذا يكون الْعدوان عُدْوانًا قُلْنَا نذْكر مَحل الْعدوان من الْبِئْر وَإِيقَاد النَّار وإشراع الْجنَاح وإلقاء قشر الْبِطِّيخ وقمامة السُّوق ورش المَاء حَتَّى يعرف بِهِ مَا عداهُ أما الْبِئْر فَلَا عُهْدَة فِيهِ على من حفره فِي ملكه أَو فِي موَات فَإِن كَانَ فِي ملك الْغَيْر فَهُوَ عدوان وَإِن كَانَ فِي الشوارع نظر فَإِن أضرّ بالطارقين فَهُوَ عدوان وَإِن لم يضر فَإِن فعله لمصْلحَة الطَّرِيق وبإذن الْوَالِي وَأحكم رَأسه فَلَا ضَمَان على الْحَافِر وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذن الْوَالِي فَقَوْلَانِ وَوجه الْإِيجَاب أَن الإستقلال للآحاد إِنَّمَا يُبَاح بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن فعل لمصْلحَة نَفسه فَلهُ ذَلِك وَلَكِن بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَكَذَلِكَ إشراع القوابيل والأجنحة جَائِز إِذا لم يضر بالمجتازين وَلكنه بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَهُوَ فِي عهدته دواما وَابْتِدَاء وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو حفر بِئْرا فِي دَاره فنسقط جِدَار دَار جَاره فَلَا ضَمَان لِأَن تصرفه فِي نفس الْملك لَو قيد بِشَرْط السَّلامَة لأورث حرجا على النَّاس فقيد بِالْعَادَةِ وَأسْقط عهدته وَأما الإرتفاق بالاجنحة فمستغنى عَنْهَا وَمهما حفر بِئْرا فِي أَرض جوارة وَلم يحكم أطرافها بالخشب أَو وسع رَأسهَا بِحَيْثُ خرج عَن الْعَادة فَهُوَ مطَالب بعهدته وَكَذَلِكَ لَو أوقد نَارا على السَّطْح فِي يَوْم ريح كَانَ فِي عُهْدَة الشرار وَإِن كَانَ على الْعَادة فعصفت ريح بَغْتَة فَلَا ضَمَان

فرعان أَحدهمَا لَو حفر بِئْرا فِي ملكه ودعا إِلَيْهِ إنْسَانا فِي ظلمَة فَسقط فِيهِ فَإِن لم يكن عَنهُ معدل فَفِي الضَّمَان قَولَانِ فَإِن اتَّسع الطّرق فَقَوْلَانِ مرتبان منشؤهما تعَارض الْغرُور والمباشرة وَكَذَا الْخلاف فِي تَقْدِيم طَعَام مَسْمُوم أَو أَطْعِمَة فِيهَا طَعَام مَسْمُوم الثَّانِي إِذا سقط ميزاب لإِنْسَان على رَأس إِنْسَان فَإِن كَانَ السَّاقِط هُوَ الْقدر البارز فَهُوَ كالجناح وَإِن سقط الْكل فَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان وَجه الْإِسْقَاط كَونه من مرافق الْملك لَا كالجناح فَإِن قُلْنَا يجب فيقسط الضَّمَان على الْقدر البارز وَالْقدر الدَّاخِل فِي الْملك تنصيفا على أحد الْوَجْهَيْنِ وتقسيطا فِي الْوَجْه الثَّانِي على الْوَزْن بِخِلَاف مَا لَو ضربا بعمودين متفاوتين فِي الثّقل فَإِنَّهُمَا يتساويان فِي الدِّيَة لِأَن ذَلِك يخْتَلف بِقُوَّة الضَّارِب وَلَا يَنْضَبِط والجدار المائل إِلَى الشَّارِع كالقابول فَإِن مَال إِلَى ملكه وَسقط فَلَا ضَمَان وَإِن مَال إِلَى الشَّارِع وَسقط من غير إِمْكَان تدارك فَلَا ضَمَان فَإِن مَال أَولا وَأمكنهُ التَّدَارُك وَلم يفعل فَوَجْهَانِ لتعارض النّظر إِلَى أصل الْبناء وَمَا طَرَأَ من بعد فَأَما قشور الْبِطِّيخ وقمامات الْبيُوت فَفِي الْمَنْع من إلقائها على الشوارع عسر لِأَنَّهَا

من مرافق الْملك وتشبه الْمِيزَاب فَفِي ضَمَان المتعثر بهَا ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين إِلْقَاء إِلَى وسط الطَّرِيق وَبَين الرَّد إِلَى الطّرف وَأما رش المَاء فَإِن كَانَ لتسكين الْغُبَار فَهُوَ لمصْلحَة عَامَّة فيضاهي حفر الْبِئْر لمصلحتهم فَإِن لم تكن مصلحَة فَهُوَ سَبَب ضَمَان فِي حق الْمَاشِي إِذا لم ير مَوضِع الرش فَإِن تخطاه قصدا فَلَا ضَمَان الطّرف الثَّالِث فِي تَرْجِيح سَبَب على سَبَب فَإِذا اجْتمع سببان مُخْتَلِفَانِ قدم الأول على الثَّانِي فَلَو حفر بِئْرا وَنصب آخر حجرا على طرف الْبِئْر أَو وضع قشرة بطيخ على طرفه فتعثر بِهِ إِنْسَان وَسقط فِي الْبِئْر فَالضَّمَان على صَاحب الْحجر لِأَن التردي نتيجته فَهِيَ الْعلَّة الأولى وَكَذَا لَو جرف السَّيْل حجرا وَتَركه على طرف الْبِئْر سقط الضَّمَان عَن الْحَافِر كَمَا لَو وَضعه آخر وَكَذَلِكَ لَو نصب سكينا وَنصب آخر أَمَامه حجرا فتعثر بِالْحجرِ وَوَقع على السكين وَكَذَا لَو حفر بِئْرا وَنصب آخر فِي قَعْر الْبِئْر سكينا وَنصب آخر أَمَامه حجرا فَالضَّمَان على الْحَافِر وَلَو حفر بِئْرا قريب العمق فعمقها غَيره وَهلك المتردي فِيهَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الإحالة على الأول وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ لتناسب الجنايتين فروع الأول لَو وضع حجرا فِي الطَّرِيق فتعثر بِهِ من لَا يرَاهُ ضمن وَلَو قعد على الطَّرِيق فتعثر بِهِ

غَيره وهلكا فالنص أَن ضَمَان الْقَاعِد مهدر وَضَمان الْمَاشِي على عَاقِلَة الْقَاعِد وَلَو تعثر ماش بواقف وَمَاتَا فالهلاك مُضَاف إِلَى الْمَاشِي بِالنَّصِّ وَقيل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا أَن الإحالة على الْمَاشِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لانه المتحرك وَالثَّانِي على السَّاكِن لِأَن الطَّرِيق للمشي لَا للسكون وَمن قرر النَّص فرق بِأَن الْمَاشِي قد يفْتَقر إِلَى الْوُقُوف لَحْظَة فَأَما الْقعُود فَلَيْسَ من مرافق الطَّرِيق الثَّانِي إِذا تردى فِي بِئْر فِي مَحل عدوان فتردى وَرَاءه آخر فَسقط عَلَيْهِ وَمَاتَا فَالْأول مَاتَ بسببين الحفرة وَثقل الثَّانِي وَلَكِن يسْتَقرّ أَيْضا ضَمَانه على الْحَافِر لِأَن وُقُوع الثَّانِي كَانَ من الْحفر أَيْضا إِلَّا أَن لوَرَثَة الأول مُطَالبَة عَاقِلَة الثَّانِي بِنصْف الدِّيَة ثمَّ يرجع على عَاقِلَة الْحَافِر وَيحْتَمل أَن يُقَال الثَّانِي كالمكره فَلَا يتَعَلَّق بعاقلته شَيْء وَهَذَا يضاهي المتردد فِي أَن الْمُكْره على إِتْلَاف المَال هَل يُطَالب ثمَّ يرجع أم لَا يُطَالب أصلا الثَّالِث لَو انزلق على طرف الْبِئْر فَتعلق بآخر وجذبه وَتعلق ذَلِك الآخر بثالث وجذبه وَوَقع بَعضهم على بعض فَالْأول مَاتَ بِثَلَاثَة أَسبَاب بصدمة الْبِئْر وَثقل الثَّانِي وَثقل الثَّالِث وَهُوَ منتسب من جُمْلَتهَا إِلَى وَاحِد وَهُوَ ثقل الثَّانِي بجذبه إِيَّاه فَهدر ثلث الدِّيَة وثلثها على الْحَافِر وثلثها على الثَّانِي لجذبه الثَّالِث وَأما الثَّانِي فَهَلَك بجذبه الأول وَثقل الثَّالِث فَنصف دِيَته على الأول لِأَنَّهُ جذبه

وَنصفه مهدر لِأَن الثَّالِث سقط بجذبه وَأما الثَّالِث فَكل دِيَته على الثَّانِي فَلَو زَاد رَابِع فيجتمع لهلاك الأول أَرْبَعَة أَسبَاب فالمهدر ربع الدِّيَة وَلَا يخفى طَرِيقه هَذَا مَذْهَب عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَاخْتِيَار الْجُمْهُور وَفِيه وُجُوه أخر مزيفة ذَكرنَاهَا فِي الْبَسِيط الطّرف الرَّابِع فِي الْأَسْبَاب المتشابهة الَّتِي تثبت بهَا شركَة من غير تَرْجِيح وَلها صور الأولى إِذا اصطدم حران فِي الْمَشْي وَمَاتَا فَكل وَاحِد شريك فِي قتل نَفسه وَقتل صَاحبه فَفِي تَركه كل وَاحِد مِنْهُمَا كفارتان لِأَن الشَّرِيك فِي قتل نفسين يلْتَزم كفارتين لِأَنَّهَا لَا تتجزأ وَفِي تَرِكَة كل وَاحِد نصف دِيَة صَاحبه إِن كَانَ التصادم عمدا وَإِلَّا فعلى

الْعَاقِلَة فَإِن كَانَا راكبين فَفِي تَركه كل وَاحِد نصف قيمَة دَابَّة صَاحبه فَأَما حكم نفسيهما فَكَمَا سبق وَإِن غلبت الدَّابَّة راكبها فاصطدما قهرا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن هَلَاك النَّفس وَالدَّابَّة مهدر لحصوله بِفعل الدَّابَّة وَالثَّانِي أَنه مَنْسُوب إِلَى اختيارهما فِي الرّكُوب وهما مخطئان فَإِن كَانَا صبيين ركبا بأنفسهما فكالبالغين إِلَّا إِذا قُلْنَا لَا عمد للصَّبِيّ فيخالف الْبَالِغ فِيهِ فَإِن أركبهما أَجْنَبِي وَاحِد مُتَعَدِّيا فَعَلَيهِ كفارتان وَقِيمَة الدابتين وعَلى عَاقِلَته دِيَة النفسين وَإِن أركبهما أجنبيان فَنصف الْهَلَاك فِي الْكل مُضَاف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن أركبه الْوَلِيّ عِنْد مَسِيس الْحَاجة من غير تَفْرِيط فَهُوَ كَمَا لَو ركب الصَّبِي بِنَفسِهِ وَلَا عُهْدَة على الْوَلِيّ وَإِن لم تكن حَاجَة وَلَكِن أركبه لغَرَض التفرج والزينة حَيْثُ يغلب الْأَمْن فَفِي إِحَالَة الضَّمَان على الْوَلِيّ ووجهان الْحِوَالَة أَن مثل ذَلِك يجوز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَلَو تعدى الْمركب وتعدى الصَّبِي فقد قيل الإحالة على الْمركب وَيحْتَمل الإحالة على الصَّبِي فَإِذا قُلْنَا لَهُ عمد إِذْ الْمُبَاشرَة أولى من السَّبَب لَكِن لما لم تكن مُبَاشَرَته عُدْوانًا لصباه أمكن أَن يَجْعَل كالمتردي مَعَ الْحفر فَإِن كَانَا عَبْدَيْنِ فهما مهدران وَإِن كَانَ أَحدهمَا عبدا فَنصف قيمَة العَبْد فِي تَرِكَة الْحر أَو على عَاقِلَته على قَول وَنصف دِيَة الْحر تتَعَلَّق بِتِلْكَ الْقيمَة لِأَنَّهُ كَانَ يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لَو بَقِي فَيتَعَلَّق بِقِيمَتِه وَإِن كَانَتَا حاملين فَفِي تَرِكَة كل وَاحِدَة أَربع كَفَّارَات بِنَاء على أَن قَاتل نَفسه تلْزمهُ

الْكَفَّارَة وَأَن الشَّرِيك تلْزمهُ كَفَّارَة كَامِلَة وَأَن الْجَنِين فِيهِ كَفَّارَة وَفِي تَرِكَة كل وَاحِدَة نصف غرَّة جَنِينهَا وَنصف دِيَة صاحبتها وَنصف غرَّة جَنِين صاحبتها فَتجب غرتان كاملتان فِي التركتين ودية وَاحِدَة ويهدر النّصْف مِنْهُمَا لَا من الْجَنِين وَإِن كَانَتَا مستولدتين حاملتين وتساوت قيمتهمَا فقد تقاصا وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ وَالْأُخْرَى مائَة فَصَاحب الْمِائَتَيْنِ يسْتَحق مائَة وَصَاحب الْمِائَة يسْتَحق خمسين فَبَقيَ لصَاحب النفيسة خَمْسُونَ على صَاحب الخسيسة لِأَن جِنَايَة الْمُسْتَوْلدَة تجب على السَّيِّد لانه بالإستيلاد السَّابِق صَار مَانِعا بِخِلَاف الْقِنّ وَكَانَ يحْتَمل هَا هُنَا أَن لَا تلْزمهُ لانه إِنَّمَا يكون مَانِعا إِذا بَقِي الْمحل حَيا قَابلا للتفويت وَقد كَانَ مَوته مَعَ الْجِنَايَة لَا بعْدهَا وَإِن كَانَتَا حاملتين وَالْقيمَة بِحَالِهَا وَقِيمَة كل غرَّة أَرْبَعُونَ فَصَاحب النفيسة يسْتَحق مائَة وَعشْرين من جملَة مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَلَكِن قيمَة الخسيسة مائَة وَهِي أقل من الْأَرْش فَلَا يجب على السَّيِّد إِلَّا أقل الْأَمريْنِ فَالْوَاجِب على صَاحب الخسيسة مائَة وَيسْتَحق صَاحب الخسيسة سبعين خَمْسُونَ لمستولدته وَعشر للغرة فَيبقى عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا اصطدمت سفينتان بأجراء ملاحين فالسفينة كالدابة والملاح كالراكب وَغَلَبَة الرِّيَاح كغلبة الدَّابَّة حَتَّى يخرج على الْقَوْلَيْنِ ونزيد هَا هُنَا إِن كَانَ فِي كل سفينة عشرَة أنفس مثلا فهما شريكان فِي قتل الْعشْرين وَكَذَلِكَ فِي إِتْلَاف المَال الَّذِي فِي السَّفِينَة فَإِن هلك المَال وَتَنَازَعُوا فَقَالَ الملاح حصل بِغَلَبَة الرّيح وَقَالَ الْمَالِك بل بفعلكما فَالْقَوْل قَول الملاح إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة

وَلَو ثقب الملاح السَّفِينَة وغرق أَهلهَا فقد يكون عمدا مَحْضا وَقد يكون شبه الْعمد وَقد يكون خطأ وَلَا يخفى حكمه فرع إِذا أشرفت السَّفِينَة على الْغَرق وَكَانَ النجَاة فِي إِلْقَاء الْأَمْتِعَة فَقَالَ من احْتَاجَ إِلَى النجَاة ألق متاعك وَأَنا ضَامِن فَيلْزمهُ الضَّمَان لمسيس الْحَاجة إِلَى الْفِدَاء كَمَا إِذا قَالَ طلق زَوجتك وَأَنا ضَامِن للمهر وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْحَاجة لغيره فَلهُ الإلتزام بِسَبَبِهِ بل عَلَيْهِ إِلْقَاء مَتَاعه لنَفسِهِ وَإِن كَانَت الْحَاجة عَامَّة للملتمس وَصَاحب الْمَتَاع فِيهِ وَجْهَان النَّص أَنه يجب ضَمَانه لِأَن الملتمس مُحْتَاج فحاجة الْمَالِك لَا تَمنعهُ من الْبَذْل وَالثَّانِي أَنه يسْقط بِحِصَّة الْمَالِك فَإِن كَانُوا عشرَة سقط الْعشْر اَوْ خَمْسَة فالخمس وَلَو قَالَ ألق متاعك وَلم يتَعَرَّض للضَّمَان فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا إِذا قَالَ اقْضِ ديني وَلم يشْتَرط الرُّجُوع وَلَو قَالَ أَنا وركبان السَّفِينَة ضامنون كل وَاحِد وَاحِد على الْكَمَال فَيلْزمهُ وركبان السَّفِينَة لَا يلْزمهُم إِذا أنكروه وَلَو قَالَ أَنا وهم ضامنون كل بِحِصَّتِهِ فحصته تلْزمهُ وَالْبَاقِي يرجع إِلَيْهِم فَإِن قَالُوا رَضِينَا بِمَا قَالَ لَزِمَهُم وَإِن كُنَّا لَا نقُول بوقف الْعُقُود لِأَن هَذَا مَبْنِيّ على الْمُصَالحَة والتساهل وَلَو أطلق قَوْله أَنا وركبان السَّفِينَة ضامنون ثمَّ قَالَ أردْت التقسيط فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه حَتَّى لَا يلْزمه إِلَّا نصِيبه وَإِن قَالَ أَنا ضَامِن وركبان السَّفِينَة ضامنون ثمَّ فسر بالتقسيط فاختيار الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يقبل مَعَ يَمِينه وَظَاهر النَّص أَنه لَا يقبل لِإِضَافَتِهِ الضَّمَان إِلَى نَفسه أَولا ثمَّ ذكره الركْبَان بعده

الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا رَجَعَ حجر المنجنيق على الرُّمَاة وَكَانُوا عشرَة فهلكوا فيهدر من دم كل وَاحِد عشره وَيتَعَلَّق تِسْعَة أعشار بعاقلة البَاقِينَ إِذْ مَا من وَاحِد إِلَّا وَهُوَ قتل نَفسه بمشاركة تِسْعَة وَإِن أصَاب غير الرامين فَالدِّيَة على عاقلتهم إِلَّا إِذا قصد شخصا بِعَيْنِه وقدروا على الْإِصَابَة غَالِبا فَإِن قصدُوا جمعا وَعَلمُوا أَنهم يصيبون وَاحِدًا وَلَكِن لَا بِعَيْنِه فَهُوَ خطأ فِي حق ذَلِك الْوَاحِد وَلِهَذَا قُلْنَا الْمُكْره إِذا قَالَ اقْتُل زيدا اَوْ عمرا فَقتل زيدا فَلَا قصاص على الْمُكْره لِأَنَّهُ مَا قصد زيدا بِعَيْنِه وَيجب على الْمُكْره لِأَنَّهُ ذُو خيرة فِي تَعْيِينه بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اقتلهما وَإِلَّا قتلتك فَإِن خيرته فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَا تُؤثر الصُّورَة الرَّابِعَة إِذا جرح الدَّافِع ثَلَاث جراحات أَولهَا عِنْد قَصده وَالثَّانيَِة بعد إعراضه وَالثَّالِثَة بعد عوده إِلَى الْقَصْد فالمتوسطة مَضْمُونَة والأخريان مهدران فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة وَلَو ضربه فِي الدّفع ضربتين وَبعد الْإِعْرَاض وَاحِدَة فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة جمعا لما جرى فِي حَالَة الإهدار بِخِلَاف مَا إِذا توسطت حَالَة بَين حالتين وَلَو جرح مُرْتَدا وَأسلم فَعَاد الْجَارِح مَعَ ثَلَاثَة من الجناة فجرحوه قَالَ ابْن الْحداد الجناة أَرْبَعَة فعلى كل وَاحِد ربع الدِّيَة إِلَّا أَن الْجَانِي فِي الْحَالَتَيْنِ لزمَه الرّبع بجراحتين إِحْدَاهمَا مهدرة فَيَعُود نصِيبه إِلَى الثّمن وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب لَا بل توزع على الْجِرَاحَات لَا على الجارحين وَيُقَال الْجِرَاحَات خَمْسَة وَالْوَاحد مِنْهَا مهدر فَسقط الْخمس وَيبقى

على كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة خمس الدِّيَة وَيدخل نُقْصَان الإهدار على الْكل وَلَو جنى أَرْبَعَة فِي الرِّدَّة ثمَّ عَاد مِنْهُم وَاحِد مَعَ ثَلَاثَة آخَرين وجنوا فِي الْإِسْلَام فعلى مَذْهَب ابْن الْحداد رَحمَه الله الجناة سَبْعَة فعلى كل من لم يجن فِي الْإِسْلَام سبع كَامِل وَمن جنى فِي الْحَالَتَيْنِ رَجَعَ سبعه إِلَى النّصْف وعَلى الْوَجْه الآخر يُقَال الْجِنَايَات ثَمَانِيَة أَرْبَعَة فِي الرِّدَّة مهدرة فَيبقى أَرْبَعَة أَثمَان الدِّيَة على الْأَرْبَعَة الَّذين جنوا فِي الْإِسْلَام ولنقس على هَذَا مَا إِذا جنى خطأ ثمَّ عَاد مَعَ غَيره وجنيا مَعًا عمدا وَلَكِن يكون التَّوْزِيع هَاهُنَا النَّقْل إِلَى الْعَاقِلَة فِي الْبَعْض كَمَا كَانَ ثمَّ للإهدار فرعان الأول جنى عبد على حر فجَاء إِنْسَان وَقطع يَد العَبْد ثمَّ قطع العَبْد بعده يَد حر وماتوا فتؤخذ قيمَة العَبْد من الْجَانِي عَلَيْهِ وَيخْتَص الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ بِقدر أرش الْيَد وَالْبَاقِي يكون مُشْتَركا بَينه وَبَين الْمَجْنِي عَلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ حَيْثُ قطع يَده لم يكن للثَّانِي حق ونعني بِالْأَرْشِ قيمَة النُّقْصَان على الْأَصَح إِذْ لَو أردنَا نصف الدِّيَة فَلَو فَرضنَا بدله قطع الْيَدَيْنِ لم يبْق للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ ثَانِيًا شَيْء الثَّانِي إِذا تقَاتل رجلَانِ بسيفهما فأصبحا قَتِيلين فَادّعى ولي كل وَاحِد أَن صَاحبه كَانَ دافعا لَا قَاصِدا تحَالفا فَإِن نكل وَاحِد حصل الْغَرَض وَإِن حلفا تساقطا وَحكم كل شَخْصَيْنِ التقيا فِي بادية واستشعر كل وَاحِد من صَاحبه الْقَصْد أَنه إِن غلب على ظَنّه قَصده حل لَهُ الْبِدَايَة بِالدفع وَإِلَّا فَلَا فَإِن قَتله وَمَات الدَّافِع وَأقر وليه بِأَنَّهُ كَانَ مخطئا فِي ظَنّه أخذت الدِّيَة من التَّرِكَة

فَإِن قيل الْقَاتِل بِالسحرِ لم يذكروه قُلْنَا لَا يعرف ذَلِك إِلَّا بِإِقْرَار السَّاحر فَإِن قَالَ سحرِي يقتل غَالِبا فَهُوَ عمد يجب بِهِ الْقصاص وَإِن قَالَ قصدت الْإِصْلَاح فَهُوَ شبه عمد وَإِن قَالَ قصدت غَيره فَأَصَبْت اسْمه فَهُوَ خطأ مَحْض وَلَا يَنْبَغِي أَن يتعجب من هَذَا فَإِن السحر حق

الْقسم الثَّالِث فِي بَيَان من تجب عَلَيْهِ الدِّيَة وَهُوَ الْجَانِي إِن كَانَ عمدا والعاقلة إِن كَانَ خطأ أَو شبه عمد لما رُوِيَ أَن جاريتين اختصمتا فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود فسطاط فقتلتها وَمَا فِي بَطنهَا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة وَفِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة وَالنَّظَر فِي الْعَاقِلَة يتَعَلَّق بأركان الأول فِي تعيينهم وَالدية تضرب على ثَلَاث جِهَات الْعُصُوبَة وَالْوَلَاء وَبَيت المَال أما المحالفة والموالاة فَلَا توجب تحمل الْعقل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الْجِهَة الأولى الْقَرَابَة وَهُوَ كل عصبَة وَاقع على طرف النّسَب فَلَا تضرب على أَب الْجَانِي وَابْنه كَمَا لَا تضرب على نَفسه وَقد ورد فِي الحَدِيث وَكَانَ الْعصبَة أَحَق بِهِ وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن ابْنهَا لَو كَانَ ابْن ابْن عَمها أَو مُعْتقه فَهَل تضرب عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا لَا لِأَن الْبُنُوَّة مَانِعَة وَالثَّانِي تضرب لِأَنَّهَا لَيست مَانِعَة وَلَا مُوجبَة كَمَا فِي ولَايَة النِّكَاح فتجعل كَالْعدمِ الثَّانِي أَن الْأَخ للْأَب وَالأُم هَل يقدم على الْأَخ للْأَب فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي ولَايَة النِّكَاح الثَّالِث أَن التَّرْتِيب يرْعَى وَلَا يرقى إِلَى الْأَعْمَام مَا لم يفصل عَن الْإِخْوَة ويرعى من لم يثبت لَهُ الْمِيرَاث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسوى بَينهم الْجِهَة الثَّانِيَة الْوَلَاء فَإِذا لم نصادف عصبَة ضربنا على مُعتق الْجَانِي فَإِن لم يكن فعصباته ثمَّ مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصباته ثمَّ مُعتق أَب أَب الْمُعْتق ثمَّ عصباته ثمَّ مُعتق جد الْمُعْتق ثمَّ عصباته على هَذَا التَّرْتِيب كَمَا فِي الْمِيرَاث وَهل يدْخل ابْن الْمُعْتق وَأَبوهُ وَمن على عَمُود نسبه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا فِي النّسَب وَلما رُوِيَ أَن مولى صَفِيَّة بنت عبد المطلب رَضِي الله عَنْهَا جنى فَقضى عمر رَضِي الله عَنهُ بِأَرْش الْجِنَايَة على عَليّ رَضِي الله عَنهُ ابْن عَمها وَقضى بِالْمِيرَاثِ لابنها الزبير رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي أَنه يضْرب لِأَن الْمُعْتق عَاقِلَة فَيضْرب على ابْنه كَمَا يضْرب على ابْن الْأَخ بِخِلَاف الْجَانِي نَفسه فروع الأول الْمَرْأَة إِذا أعتقت فَلَا تضرب عَلَيْهَا بل يحمل عَنْهَا جِنَايَة عتقهَا من يحمل جنايتها من عصباتها كَمَا يُزَوّج عتيقها من يُزَوّجهَا الثَّانِي لَو أعتق جمَاعَة عبدا فهم كشخص وَاحِد لَا يلْزم جَمِيعهم أَكثر من حِصَّة وَاحِدَة وَهُوَ نصف دِينَار فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فحصة كل وَاحِد السُّدس فَلَو مَاتَ وَاحِد وَله

إخْوَة فَلَا يجب على كل وَاحِد من إخْوَته أَكثر من السُّدس إِذْ غَايَته أَن يكون وَحده نازلا منزله مُوَرِثه لَو كَانَ حَيا الثَّالِث إِذا فضل من الْمُعْتق نصيب فَلَا يترقى إِلَى عصباته فِي حَيَاته لِأَن تحملهم بِالْوَلَاءِ وَلَيْسَ لَهُم وَلَاء فِي حَيَاة الْمُعْتق بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ وَله إخْوَة وأعمام ففضل من إخْوَته شَيْء فَيُطَالب الْأَعْمَام كَمَا فِي النّسَب لِأَن الْوَلَاء يُورث بِهِ فَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب وَلَكِن يكون كَذَلِك بعد موت الْمُعْتق وَلَا يَخْلُو الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ عَن احْتِمَال الرَّابِع الْعَتِيق هَل يتَحَمَّل الْعقل عَن مُعْتقه وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْمِنَّة عَلَيْهِ أعظم فَهُوَ بالنصرة أَجْدَر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يَرث بِخِلَاف الْمُعْتق فَإِن قُلْنَا يتَحَمَّل فَلَو اجْتمع الْمولى الْأَعْلَى والأسفل فَلَعَلَّ تَقْدِيم الْأَعْلَى أولى الْخَامِس المستولد من عَتيق وعتيقة يثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ لموَالِي الْأَب تَرْجِيحا لجَانب الْأُبُوَّة فَلَو تولد من عتيقة ورقيق فَالْولَاء لموَالِي الْأُم لانسداد جِهَة الْأَب إِذْ لَا وَلَاء عَلَيْهِ بعد فَلَو أعتق الْأَب انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي الْأَب وَسقط وَلَاء موَالِي الْأُم فَلَو جنى هَذَا الْوَلَد قبل جر الْوَلَاء فالعقل على موَالِي الْأُم أَعنِي إِذا مَاتَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبل الْجَرّ فَإِن مَاتَ بعده فَقدر أرش الْجِنَايَة على موَالِي الْأُم مَعَ السَّرَايَة إِلَى وَقت الْجَرّ وَمَا حصل بعد الْجَرّ فعلى الْجَانِي فَإِنَّهُ كَيفَ تضرب على موَالِي الْأَب وَهُوَ نتيجة جِنَايَة قبل الْجَرّ وَكَيف تضرب على موَالِي الْأُم مَعَ السَّرَايَة وَإِنَّمَا حصل بعد الْجَرّ وَكَيف تضرب على بَيت المَال وَفِي الْحَالَتَيْنِ قد وجد من هُوَ

أولى مِنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ الضَّرْب على الْعَاقِلَة بِخِلَاف الْقيَاس فَتسقط بِالشُّبْهَةِ كَالْقصاصِ وَلَو قيل تضرب على بَيت المَال لم يكن بَعيدا فَلَو قطع الْيَدَيْنِ قبل الْجَرّ أَو قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ ثمَّ مَاتَ بعد الْجَرّ فعلى موَالِي الْأُم دِيَة كَامِلَة وَلَا يُبَالِي بقَوْلهمْ إِن هَذِه دِيَة نفس ذهبت بعد الْجَرّ لِأَن الْمَقْصُود أَن لَا نزيد عَلَيْهِم لما بعد الْجَرّ شَيْئا وَمِقْدَار الدِّيَة كَانَ لَازِما قبل الْجَرّ وَلم يرد بعده شَيْء الْجِهَة الثَّالِثَة بَيت مَال الْمُسلمين فَإِنَّهُ مصب الْمَوَارِيث فَإِذا لم نجد من عصبات النّسَب وَالْوَلَاء محلا أَو فضل مِنْهُم ضربنا على بَيت المَال إِلَّا إِذا كَانَ الْجَانِي ذِمِّيا فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء رَجعْنَا إِلَى الْجَانِي وضربنا عَلَيْهِ هَذَا حكم الْجِهَات أما الصِّفَات يشْتَرط فِيمَن تضرب عَلَيْهِ التَّكْلِيف والذكورة والموافقة فِي الدّين واليسار وَلَا تضرب على مَجْنُون وَصبي وَامْرَأَة وَإِن كَانَت مُعتقة لأَنهم لَيْسُوا أهل النُّصْرَة بِالسَّيْفِ وَفِي الزَّمن الْمُوسر وَجْهَان لِأَنَّهُ بِحكم عجز الْحَال يضاهي النِّسَاء ونعني بموافقة الدّين أَنه لَا يتَحَمَّل مُسلم عَن كَافِر وَلَا كَافِر عَن مُسلم وَهل يتَحَمَّل الْيَهُودِيّ عَن النَّصْرَانِي فعلى قَوْلَيْنِ منشؤهما أَن التَّوَارُث مَوْجُود والتناسل مَعْدُوم وتضرب جِنَايَة الذِّمِّيّ على عَاقِلَته الذميين دون أهل الْحَرْب فَإِنَّهُم كالمعدومين وتضرب على المعاهدين فَإِن زَادَت عهودهم على أجل الدِّيَة فَإِن بَقِي سنة أَخذنَا حِصَّة تِلْكَ

السّنة فَإِن لم نجد أَوجَبْنَا على الْجَانِي دون بَيت المَال لِأَن بَيت المَال لَا يَرِثهُ وَيَرِث الْمُسلم نعم الذِّمِّيّ إِذا مَاتَ فَمَاله من الْخمس وَأما الْيَسَار فَشرط وَلَا تضرب على فَقير وَإِن كَانَ معتملا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُكَلف المعتمل الْكسْب ثمَّ على الْغَنِيّ نصف دِينَار وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ وَهُوَ أول دَرَجَة الْمُوَاسَاة فِي الزَّكَاة وعَلى الْمُتَوَسّط نصف ذَلِك وَهُوَ ربع دِينَار ونعني بالغني من ملك عشْرين دِينَارا عِنْد آخر السّنة الَّتِي هِيَ أصل الدِّيَة وَليكن ذَلِك فَاضلا عَن مَسْكَنه وثيابه وكل مَا لَا يحْسب فِي الْغنى فِي الْكَفَّارَات الْمرتبَة والمتوسط من جَاوز حد الْفَقِير وَهُوَ الَّذِي ملك شَيْئا فَاضلا عَن حَاجته نَاقِصا عَن عشْرين دِينَار وَليكن ذَلِك أَكثر من ربع دِينَار حَتَّى لَا يردهُ أَخذه مِنْهُ إِلَى حد الْفقر وَإِنَّمَا يعْتَبر الْيَسَار آخر السّنة فَلَو طَرَأَ الْيَسَار بعْدهَا أَو كَانَ قبلهَا فَلَا الْتِفَات إِلَيْهِ

الرُّكْن الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الضَّرْب على الْعَاقِلَة وَالنَّظَر فِي الْقدر وَالتَّرْتِيب وَالْأَجَل أما الْقدر فَلَا يُزَاد على النّصْف وَالرّبع فِي حق الْغَنِيّ والمتوسط وَلكنه حِصَّة سنة وَاحِدَة أَو حِصَّة للسنين الثَّلَاث فِيهِ وَجْهَان وكل مَا قل وَكثر مَضْرُوب على الْعَاقِلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله مَا دون أرش الْمُوَضّحَة لَا يعقل وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه لَا يحمل مَا دون ثلث الدِّيَة وَقَول أَنه لَا يحمل إِلَّا بدل النَّفس وهما مهجوران فَإِن كَانَ أرش الْجِنَايَة نصف دِينَار والعاقلة مائَة مثلا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن القَاضِي يعين وَاحِدًا بِرَأْيهِ إِذْ توزيعه يُؤَدِّي إِلَى مُطَالبَة كل وَاحِد بِمَا لَا يتمول وَالثَّانِي أَنه يوزع عَلَيْهِم وَعَلَيْهِم تَحْصِيل نصف دِينَار مُشْتَركا بَينهم وَإِن كثر الْوَاجِب وَقلت الْعَاقِلَة بدأنا بالإخوة فَإِن فضل مِنْهُم شَيْء بعد أَدَاء كل وَاحِد مِنْهُم النّصْف أَو الرّبع ترقينا إِلَى بني الْإِخْوَة ثمَّ إِلَى الْأَعْمَام على التَّرْتِيب فَإِن فضل عَن الْعَصَبَات طالبنا الْمُعْتق فَإِن فضل عَنهُ شَيْء لم يضْرب على عصباته فِي جِنَايَة إِذْ لَا وَلَاء لَهُم وَفِي مَوته يسْلك بعصباته مَسْلَك عصبات الْجَانِي فَإِن لم نجد من جِهَة الْوَلَاء والقرابة أَخذنَا الْبَقِيَّة آخر السّنة من بَيت المَال ونفعل كَذَلِك بِحِصَّة السّنة الثَّانِيَة وَلَا يبعد أَن يتَحَمَّل فِي السّنة الثَّانِيَة من لم يتَحَمَّل فِي السّنة الأولى لعذر صغر أَو فقر

ثمَّ إِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء فَفِي الرُّجُوع إِلَى الْجَانِي وَجْهَان ينبنيان على أَن الْوُجُوب يلاقيه أم لَا وَقيل إِنَّه يَنْبَنِي على أَنه إِن ظهر يسَار لبيت المَال بعد الْمدَّة فَهَل يُؤْخَذ مِنْهُ وَهَذَا الْبناء أولى فَإنَّا لَو قُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِبَيْت المَال وَلَا يرجع إِلَى الْجَانِي كَانَ ذَلِك تعطيلا وَقطع القَاضِي بِأَنَّهُ لَا يضْرب على الْجَانِي وَذكر فِي فطْرَة الزَّوْجَة الموسرة عِنْد إعسار الزَّوْج وَجْهَيْن وَالْفرق عسير وَالْوَجْه التَّسْوِيَة فِي الْوُجُوب عِنْد الْعَجز عَن التَّحَمُّل كَيفَ وَقد قطع الْأَصْحَاب بِالرُّجُوعِ إِلَى الْجَانِي فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا الذِّمِّيّ إِذا لم يكن لَهُ عَاقِلَة وَالثَّانيَِة إِذا أقرّ الْجَانِي بالْخَطَأ وَأنكر الْعَاقِلَة ولَايَته طُولِبَ الْجَانِي وَالْفرق عسير وَغَايَة الْمُمكن توقع يسَار بَيت المَال فِي حق الْمُسلم الَّذِي تثبت عَلَيْهِ الْجِنَايَة بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَاف مَا إِذا أنكر الْعَاقِلَة فَإِن إقرارهم بعيد وَالذِّمِّيّ لَا يتَوَقَّع لَهُ متحمل إِذْ لَا تتَعَلَّق جِنَايَته بِبَيْت المَال فرع لَو اعْترف الْعَاقِلَة بعد أَدَاء الْجَانِي فَإِن قُلْنَا الْوُجُوب يلاقيه رَجَعَ على الْعَاقِلَة وَإِن قُلْنَا لَا يلاقيه اسْتردَّ مَا أَدَّاهُ وطالب الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْعَاقِلَة أما الْأَجَل فمائة من الْإِبِل إِذا وَجَبت فِي النَّفس مَضْرُوبَة فِي ثَلَاث سِنِين وفَاقا يُؤْخَذ فِي آخر كل سنة ثلثهَا فَمنهمْ من قَالَ علته أَنه بدل النَّفس حَتَّى زَاد عَلَيْهِ فِي عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل وَقُلْنَا تحمل اَوْ نقص فِي عبد خسيس أَو غرَّة جَنِين فَتضْرب أَيْضا فِي ثَلَاث سِنِين وَمِنْهُم من قَالَ علته الْقدر فقيمة العَبْد إِذا كَانَ مِائَتَيْنِ من الْإِبِل

تضرب فِي ثَلَاث سِنِين ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ فِي سنة وَاحِدَة ودية الْمَرْأَة فِي سنتَيْن ودية الْمَجُوسِيّ وغرة الْجَنِين فِي سنة وَاحِدَة لِأَن السّنة لَا تتجزأ فروع الأول لَو قتل وَاحِد ثَلَاثَة وَاجْتمعَ على عَاقِلَته ثَلَاثمِائَة من الْإِبِل فَمنهمْ من قَالَ إِن نَظرنَا إِلَى الْقدر فَتضْرب هُنَا فِي تسع سِنِين وَإِن نَظرنَا إِلَى النَّفس فَوَجْهَانِ إِذْ لَا يبعد أَن تزيد النُّفُوس المتعددة على نفس وَاحِدَة وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن نَظرنَا إِلَى النَّفس فَفِي ثَلَاث سِنِين وَإِن نَظرنَا إِلَى الْقدر فَوَجْهَانِ وَوجه الإقتصار أَن كل دِيَة متميزة عَن غَيرهَا وآجال الدُّيُون الْمُخْتَلفَة تتساوى وَلَا تتعاقب فَإِن ضربنا فِي تسع سِنِين فَإِذا تمت السّنة الأولى أَخذ ثلث دِيَة وَاحِدَة ووزع على أَوْلِيَاء الْقَتْلَى وَكَذَا آخر كل سنة فَإِن اخْتلف ابْتِدَاء التواريخ فَإِذا تمّ حول الأول أَخذ ثلث الدِّيَة وَسلم إِلَى ولي الْقَتِيل الأول فَإِذا ثمَّ حول الثَّانِي ثمَّ حول الثَّالِث فَكَذَلِك يفعل فَيتم ثلث دِيَة وَاحِدَة فِي ثَلَاثَة أَوْقَات وَهَكَذَا نَفْعل فِي تسع سِنِين الثَّانِي ثَلَاثَة قتلوا وَاحِدًا فَالصَّحِيح أَن الدِّيَة تضرب على العواقل على كل عَاقِلَة ثلثهَا ويؤدى ذَلِك الثُّلُث فِي ثَلَاث سِنِين وَكَأَنَّهُم عَاقِلَة وَاحِدَة لِأَن الْمُسْتَحق وَاحِد وَقيل تضرب فِي سنة نظرا إِلَى الْمُسْتَحق عَلَيْهِ الثَّالِث دِيَة إِحْدَى يَدي الْمُسلم تضرب فِي سنتَيْن إِذْ لم يكمل الْقدر وَلَا هُوَ بدل النَّفس ودية الْيَدَيْنِ كدية النَّفس من كل إِنْسَان ودية يَدي الْمَرْأَة كنفسها وَلَو قطع يَدي رجل وَرجلَيْهِ فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا أَنه تضرب فِي سِتّ سِنِين وَهُوَ نظر إِلَى الْقدر وَمن نظر إِلَى النَّفس شبه هَذَا بنفسين وَقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن وَفِي الْأَطْرَاف وَجه أَن بدلهَا كَيْفَمَا كَانَ تضرب فِي سنة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد الرَّابِع من مَاتَ فِي أثْنَاء السّنة أَو أعْسر فِي آخر السّنة فَكَأَنَّهُ لم يكن وَلَا يلْزمه شَيْء من حِصَّة تِلْكَ السّنة تَشْبِيها لَهُ بِتَلف نِصَاب الزَّكَاة فِي أثْنَاء الْحول وَالذِّمِّيّ إِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْحول فَفِي حِصَّته من الْجِزْيَة وَجْهَان لِأَن فِيهِ مشابه الْأُجْرَة الْخَامِس غيبَة بعض الْعَصَبَات فِي آخر الْحول هَل يكون كعدمهم فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ يعسر تَحْصِيلهَا مِنْهُم فَتضْرب على البَاقِينَ وعَلى هَذَا تعْتَبر غيبَة لَا يُمكن تَحْصِيل المَال بالمكاتبة إِلَى القَاضِي فِي مُدَّة سنة وَالثَّانِي أَنه تضرب عَلَيْهِ وَتحصل على حسب الْإِمْكَان وَهُوَ الْقيَاس السَّادِس أول الْحول يحْسب من وَقت الرّفْع إِلَى القَاضِي سَوَاء شعر بِهِ الْعَاقِلَة أَو لم تشعر وَلم يحْسب من وَقت الْجِنَايَة لِأَن هَذِه مُدَّة تناط بالإجتهاد وَلَو رفعت جِنَايَة إِلَى القَاضِي ثمَّ تولد سرَايَة بعد الرّفْع فأرش السَّرَايَة وَلَا يحْسب من وَقت الْجِنَايَة بل من وَقت السَّرَايَة

السَّابِع إِذا جنى العَبْد فأرشه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق بسيده وَلَا بعاقلته وَهل يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ حَتَّى يُطَالب بعد الْعتْق فِيهِ قَولَانِ والأقيس أَن يتَعَلَّق بِهِ ثمَّ هَل يَصح ضَمَانه فِيهِ وَجْهَان منشؤهما ضعف هَذَا التَّعَلُّق وَالأَصَح صِحَّته كَمَا فِي الْمُعسر وَمعنى التَّعَلُّق بِرَقَبَتِهِ أَن يُبَاع وَيصرف ثمنه إِلَى الْجِنَايَة فَلَو منع السَّيِّد وَاخْتَارَ الْفِدَاء فَلهُ ذَلِك وَفِي الْوَاجِب عَلَيْهِ قَولَانِ أَحدهمَا أقل الْأَمريْنِ من الْأَرْش أَو قيمَة العَبْد لِأَنَّهُ لم يمْنَع إِلَّا من العَبْد وَالثَّانِي يلْزمه كَمَال الْأَرْش لِأَن الْمَجْنِي عَلَيْهِ رُبمَا يَقُول رُبمَا أجد زبونا يَشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ فعلى هَذَا لَو قَتله السَّيِّد أَو أعْتقهُ اقْتصر مِنْهُ على الْقيمَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَو قَتله الْأَجْنَبِيّ إِذْ فَاتَ الطمع فِي الزبون وَقيل يلْزمه كَمَال الْأَرْش كَمَا إِذا أمْسكهُ وَإِن جنت الْمُسْتَوْلدَة فالسيد يمانع بالاستيلاد السَّابِق فَعَلَيهِ أقل الْأَمريْنِ إِذْ لَا طمع فِي زبون يَشْتَرِي وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فَلَو جنت الْمُسْتَوْلدَة مرَارًا وَلم يَتَخَلَّل الْفِدَاء فَهِيَ كجناية وَاحِدَة فتجمع وَيلْزم السَّيِّد أقل الْأَمريْنِ وَإِن تخَلّل الْفِدَاء فَهَذَا فِي الْقِنّ يَقْتَضِي فدَاء جَدِيدا لِأَنَّهُ مَانع بِمَنْع جَدِيد وَفِي الْمُسْتَوْلدَة قَولَانِ لِأَن الْمَنْع مُتحد فَإِن قُلْنَا لَا يتَكَرَّر الْفِدَاء فيسترد مَا سلم إِلَى الأول ويوزع

عَلَيْهِمَا وَلَا يستبعد هَذَا كَمَا لَو حفر بِئْرا فتردى فِيهِ إِنْسَان فصرفت تركته إِلَى ضَمَانه فتردى فِيهِ إِنْسَان آخر فَإِنَّهُ يسْتَردّ ويوزع فرع لَو قَالَ السَّيِّد اخْتَرْت فدَاء العَبْد فَهَل يلْزمه أم يبْقى على حُرِّيَّته فِيهِ وَجْهَان وَلَو وطىء الْجَارِيَة الجانية هَل يكون اخْتِيَار للْفِدَاء كَالْوَطْءِ فِي زمَان الْخِيَار فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه يبْقى على خيرته مَا لم يرد الْفِدَاء وَأَن الوطأ لَا يكون اخْتِيَارا

الْقسم الرَّابِع من الْكتاب فِي دِيَة الْجَنِين وَقد قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغرة عبد أَو أمة على الْعَاقِلَة فَقَالُوا كَيفَ نفدي من لَا شرب وَلَا أكل وَلَا صَاح وَلَا اسْتهلّ وَمثل ذَلِك يطلّ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أسجعا كسجع الْجَاهِلِيَّة وَقضى بالغرة وَالنَّظَر فِيهِ فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الْمُوجب والموجب فِيهِ وَالْوَاجِب الطّرف الأول فِي مُوجب الْغرَّة وَهِي جِنَايَة توجب انْفِصَال الْجَنِين مَيتا فَإِن انْفَصل حَيا ثمَّ مَاتَ من أثر الْجِنَايَة وَجب دِيَة كَامِلَة سَوَاء كَانَت الْحَيَاة مُسْتَقِرَّة أَو كَانَ حَرَكَة الْمَذْبُوح سَوَاء كَانَ قبل سِتَّة أشهر وَلَا تدوم تِلْكَ الْحَيَاة أَو بعده لِأَن الْحَيَاة صَارَت مستيقنة بل نزيد فَنَقُول من حز رَقَبَة مثل هَذَا الْجَنِين وَهُوَ فِي حَرَكَة المذبوحين أَو أجهض لدوّنَ سِتَّة أشهر فَعَلَيهِ الْقصاص إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك من أثر جِنَايَة سَابِقَة وَهُوَ كفرقنا بَين الْمَرِيض المشرف على الْهَلَاك وَبَين قتل من أشرف على الْهَلَاك بِجِنَايَة وَمهما صَار إِلَى حَرَكَة المذبوحين بِجِنَايَة فحز غير الْجَانِي رقبته فَالدِّيَة على الْجَانِي وَقَالَ

الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا تتمّ الدِّيَة فِي جَنِين انْفَصل قبل سِتَّة أشهر وَلَا يجب فِيهِ الْقصاص لِأَنَّهُ منع للحياة لَا قطع لَهَا فَإِن هَذِه الْحَيَاة لَا يتَوَهَّم استقرارها وَلَو مَاتَت الْأُم وَلم ينْفَصل الْجَنِين فَلَا غرَّة إِذْ لَا تتيقن حَيَاة الْجَنِين وَلَا وجوده وَلَو انْفَصل مَيتا وَهِي حَيَّة أَو ميتَة وَجب الْغرَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُحَال مَوته على موت الْأُم وَعِنْدنَا يُحَال كِلَاهُمَا على الْجِنَايَة ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن الْمُعْتَبر انكشاف الْجَنِين أَو انْفِصَاله حَتَّى لَو خرج رَأسه وَمَاتَتْ الْأُم كَذَلِك فَفِي وجوب الْغرَّة وَجْهَان أَحدهمَا تجب إِذْ تحقق وجوده بالإنكشاف وَالثَّانِي لَا إِذْ لم ينْفَصل وَكَذَا لَو قدت الْمَرْأَة بنصفين وشاهدنا الْجَنِين فِي بَطنهَا فَهُوَ على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وعَلى هَذَا لَو خرج رَأسه وَصَاح فحزت رقبته فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان بِنَاء على أَن هَذَا الإنفصال هَل يعْتد بِهِ وَلَو أَلْقَت يدا وَاحِدَة وَمَاتَتْ وَلم تلق شَيْئا آخر وَجَبت الْغرَّة إِذْ تَيَقنا وجود الْجَنِين بانفصال الْعُضْو وَلَو أَلْقَت رَأْسَيْنِ أَو أَرْبَعَة أيد لم نزد على غرَّة وَاحِدَة لاحْتِمَال أَن يكون الْجَنِين وَاحِدًا وَلَو أَلْقَت بدنين فغرتان وَقد أخبر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِامْرَأَة لَهَا رأسان فنكحها بِمِائَة دِينَار وَنظر إِلَيْهَا وَطَلقهَا وَلَو أَلْقَت يدا ثمَّ أَلْقَت

جَنِينا مَيتا سليم الْيَدَيْنِ لم نزد على غرَّة لاحْتِمَال انها كَانَت زَائِدَة فَسَقَطت وانمحى أَثَرهَا وَلَو انْفَصل جَنِين حَيا سَاقِط الْيَدَيْنِ وَجَبت دِيَة تَامَّة وَإِن كَانَ صَحِيح الْيَدَيْنِ وَأَلْقَتْ مَعَه يدا وَجَبت حُكُومَة لتِلْك الْيَد فَإِن قيل فَلَو تنَازع الْمَرْأَة والجاني قُلْنَا إِن تنَازعا فِي أصل الْجِنَايَة أَو الإجهاض فَالْقَوْل قَوْله وَلَا يثبت الإجهاض إِلَّا بِشَهَادَة القوابل وَإِن اعْترف بهَا وَلَكِن قَالَ لم يكن الإجهاض بِالْجِنَايَةِ فَإِن كَانَت متألمة ذَات فرش إِلَى الإجهاض فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِلَّا فَهُوَ نزاع فِي سرَايَة الْجراحَة وَلَو سلم جَمِيع ذَلِك وَلَكِن قَالَت الْمَرْأَة انْفَصل حَيا ثمَّ مَاتَ فَعَلَيْك كَمَال الدِّيَة وَقَالَ الْجَانِي بل انْفَصل مَيتا فعلي غرَّة فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِثْبَات الْحَيَاة وَتثبت بِشَهَادَة النسْوَة وَإِن لم تدم الْحَيَاة لِأَن شَهَادَة الرِّجَال لَا تمكن وَلَو سلم الإنفصال حَيا بِالْجِنَايَةِ وَلَكِن قَالَ مَاتَ بِسَبَب آخر أَو مَاتَ بالطلق فَإِن لم يكن على الْجَنِين أثر الْحَيَاة القو قَوْله إِذْ الطلق سَبَب ظَاهر وَإِن كَانَ عَلَيْهِ أثر الْحَيَاة فَالْقَوْل قَوْلهَا الطّرف الثَّانِي فِي الْمُوجب فِيهِ وَهُوَ الْجَنِين ونعني بِهِ مَا بَدَأَ فِيهِ التخطيط والتخليق وَلَو فِي طرف من الْأَطْرَاف على وَجه تُدْرِكهُ القوابل وَإِن لم يُدْرِكهُ غَيْرهنَّ فَإِن أسقط قبل التخطيط مُضْغَة أَو علقَة لم يلْزمه بِهِ شَيْء على الْأَصَح هَذَا فِي أصل الْجَنِين

أما صفته فَإِن كَانَ حرا مُسلما فَفِيهِ غرَّة إِذْ فِيهِ ورد الْخَبَر وَإِن كَانَ كَافِرًا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب شَيْء إِذْ فِي إِيجَابه تَسْوِيَة بَينه وَبَين الْمُسلم والتجزئة غير مُمكن لِأَن قيمَة الْغرَّة غير مقدرَة وَالثَّانِي أَنه يجب ثلث الْغرَّة وَفِي الْجَنِين الْمَجُوسِيّ ثلث خمس الْغرَّة وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ ولتكن قيمَة الْغرَّة مَا تَسَاوِي خمْسا من الْإِبِل أَو خمسين دِينَار وَالثَّالِث أَنه تجب الْغرَّة وَلَا نبالي بالتسوية

فرعان على قَوْلنَا بالتفاوت أَحدهمَا الْمُتَوَلد من نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنا نَأْخُذ بأخف الديتين وَالْآخر أَنا نَأْخُذ بالأغلظ وَالثَّالِث أَنا نعتبر جَانب الْأَب الْفَرْع الثَّانِي أَن المرعي حَالَة الإنفصال فِي الْمِقْدَار فَلَو جنى على ذِمِّيَّة فَأسْلمت وأجهضت فَالْوَاجِب غرَّة كَامِلَة وَكَذَلِكَ فِي طرآن الْعتْق وَلَو جنى على بطن حربية فَأسْلمت وأجهضت فَفِي أصل ضَمَان الْجَنِين وَجْهَان يضاهي الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا رمى إِلَى حَرْبِيّ فَأسلم قبل الْإِصَابَة وَكَأن وُصُول الْجِنَايَة إِلَى الْجَنِين بالانفصال أما الْجَنِين الرَّقِيق فَلَا يكون إِلَّا فِي بطن الرقيقة وَفِيه إِذا سقط مَيتا بِالْجِنَايَةِ عشر قيمَة الْأُم فَإِن بدل الْغرَّة خمس من الْإِبِل وَهِي عشر الْخمسين الَّتِي هِيَ دِيَة الْأُم وجراح الرَّقِيق من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته وَهَذَا قد يُفْضِي إِلَى تَفْضِيل الْمَيِّت على الْحَيّ إِذْ لَو أسقط حَيا ثمَّ مَاتَ رُبمَا لم يلْزم إِلَّا دِينَار وَهُوَ قِيمَته وَإِذا سقط مَيتا فعشر قيمَة الْأُم وَرُبمَا كَانَ مائَة لَكِن سلك فِي هَذَا الِاعْتِبَار بِهِ مَسْلَك الْأَعْضَاء فَلَا يُقَاس بِحَال الإستقلال وَمَعَ هَذَا فَالْوَاجِب مثل عشر قيمَة الْأُم لَا عشر قيمَة الْأُم وَلذَلِك يصرف إِلَى وَرَثَة الْجَنِين وَلَا تخْتَص الْأُم باستحقاقها ثمَّ إِنَّمَا يرْعَى قيمَة الْأُم عِنْد الْجِنَايَة لِأَنَّهُ أغْلظ الْأَحْوَال كَمَا إِذا جنى على عبد فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ إِذْ يلْزم أقْصَى الْقيم من وَقت الْجِنَايَة إِلَى الْمَوْت وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يعْتَبر وَقت الإنفصال كَمَا فِي حُرِّيَّته وإسلامه

فرعان الأول إِذا انْفَصل جَنِين الرَّقِيق سليما وَالأُم مَقْطُوعَة الْأَطْرَاف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انا نوجب عشر قيمَة الْأُم سليمَة الْأَطْرَاف ونكسوها صفة السَّلامَة تَقْديرا كَمَا نكسوها الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام إِذا كَانَ الْجَنِين حرا مُسلما وَالثَّانِي أَن السَّلامَة لَا تقدر لِأَنَّهُ أَمر خلقي وَلِأَن سَلامَة أَطْرَاف الْجَنِين لَا يوثق بهَا بِخِلَاف الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَلَو كَانَ الْجَنِين نَاقص الْأَطْرَاف فتقدير نُقْصَان الْأُم أبعد إِذْ رُبمَا نقص الْجَنِين بِالْجِنَايَةِ الثَّانِي خلف رجل زوجه حَامِلا وأخا لأَب وعبدا قِيمَته عشرُون دِينَارا فجنى العَبْد على بَطنهَا فأجهضت وَتعلق بِرَقَبَتِهِ غرَّة قيمتهَا سِتُّونَ دِينَار فالمرأة تسْتَحقّ من الْغرَّة ثلثا وَهُوَ عشرُون فقد ضَاعَ مِنْهُ الرّبع إِذْ ربع الْجَانِي ملكهَا وَلَا يسْتَحق الْمَالِك على ملك نَفسه شَيْئا وَثَلَاثَة أَربَاع حَقّهَا وَهُوَ خَمْسَة عشر تتَعَلَّق بِنَصِيب الْأَخ ونصيبه يساوى خَمْسَة عشر فَإِن لَهُ ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد وَأما الْأَخ اسْتحق ثُلثي الْغرَّة وَهِي أَرْبَعُونَ وَضاع ثَلَاثَة أَرْبَاعه لِأَن ثَلَاثَة أَربَاع الْجَانِي ملكه فَيبقى سدس الْغرَّة مُتَعَلقَة بِنَصِيب الْمَرْأَة ونصيبها ربع العَبْد وَهُوَ خَمْسَة فَإِذا سلم العَبْد ضَاعَ الْخَمْسَة الفاضلة وعَلى هَذَا تقاس جِنَايَة العَبْد الْمُشْتَرك على المَال الْمُشْتَرك بَين سيديه إِذا كَانَ بَين الحصتين تفَاوت إِمَّا فِي العَبْد وَالْمَال أَو فِي أَحدهمَا الطّرف الثَّالِث فِي صفة الْغرَّة ويرعى فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور

الأول السَّلامَة من كل عيب يثبت الرَّد فِي البيع وَلَا تراعي خِصَال الضَّحَايَا وَالْكَفَّارَة لِأَن هَذَا جبر مَال الثَّانِي السن وَلَا يقبل مَا دون سبع أَو ثَمَان لانه كل على آخذه وَفِي جِهَة الْكبر لَا يُؤْخَذ مَا جَاوز الْعشْرين فِي الْجَارِيَة وَجَاوَزَ الْخَمْسَة عشر فِي الْغُلَام لِأَنَّهُ لَا يعد من الْخِيَار الغر وَالْوَاجِب غرَّة عبد أَو أمة وَقيل الْمَانِع فِي جِهَة الْكبر هُوَ الْهَرم المضعف للمنة الثَّالِث نفاسة الْقيمَة وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا لَا يعْتَبر بل السَّلِيم من هَذَا السن يقبل وَإِن كَانَ قِيمَته دِينَارا وَالثَّانِي لَا يقبل إِلَّا مَا تعدل قِيمَته خمْسا من الْإِبِل أَو خمسين دِينَار فَإِن الْخمس من الْإِبِل يرجع إِلَيْهِ عِنْد عدم الْغرَّة وَلَا ينقص الْمُبدل عَن الْبَدَل وَلِأَنَّهُ لَو لم يتَقَدَّر لعسر الْفرق بَين الْمُسلم وَالْكَافِر كَمَا سبق فَإِن قيل فَلَو فقدت الْغرَّة قُلْنَا فِي بدلهَا قَولَانِ الْجَدِيد أَنه خمس من الْإِبِل وَلَا يُمكن أَن يعرف هَذَا إِلَّا بالتوقيف وَلَعَلَّه ورد إِذْ هُوَ مَأْخَذ ومعتمد الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّسْبَة فِي الْجَنِين الرَّقِيق فَإِن فقدت الْإِبِل أَيْضا فَهُوَ كإبل الدِّيَة وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن بدل الْغرَّة قيمتهَا فَإِن قيل فالغرة لمن وعَلى من قُلْنَا لوَارث الْجَنِين وَهُوَ الْأُم والعصبة وعَلى عَاقِلَة الْجَانِي وَلَا يُمكن أَن تكون على الْجَانِي لِأَن الْعمد غير مُتَصَوّر فِيهِ إِذْ لَا يتَيَقَّن جِنَايَة بِحَال فَإِن كَانَ عدد الْعَاقِلَة لَا يَفِي إِلَّا بِالنِّصْفِ فَعَلَيْهِم نصف قيمَة الْغرَّة لَا قيمَة نصف الْغرَّة وَبَينهمَا فرق إِذْ الْغرَّة رُبمَا تسوى ألفا وَالنّصف يُؤْخَذ بأربعمائة فَالْوَاجِب خَمْسمِائَة كَامِلَة وَهُوَ نصف الْكل

فرع إِذا بَقِي على الْأُم شين وجراحة ضم إِلَى الْغرَّة حُكُومَة لَهَا فَإِن لم يكن إِلَّا الْأَلَم اندرج تَحت الْغرَّة هَذَا تَمام النّظر فِي الدِّيَة وَالْقصاص من مُوجبَات الْقَتْل فلنذكر الْمُوجب الثَّالِث وَهِي الْكَفَّارَة

كتاب كَفَّارَة الْقَتْل

عدل

وَهِي تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة فَإِن لم يجد فصوم شَهْرَيْن وَلَا مدْخل للطعام فِيهِ وَلَا يُقَاس على كَفَّارَة الظِّهَار لِأَن الْآيَة فصلت الْأَمريْنِ جيمعا وَفرق بَينهمَا لَا كالرقبة فِي الظِّهَار فَإِنَّهَا اطلقت فَجَاز أَن يُقَاس على النَّص فِي الْقَتْل وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَجها فِي الْقَتْل أَن الْإِطْعَام يثبت فِيهِ قِيَاسا على الظِّهَار ثمَّ على الْمَذْهَب لَو مَاتَ قبل الصَّوْم فَيخرج عَن كل يَوْم مد لَا بطرِيق كَون الْإِطْعَام بَدَلا لَكِن كَمَا يخرج عَن صَوْم رَمَضَان هَذَا صفة الْوَاجِب فَأَما الْمُوجب فأركانه ثَلَاثَة الْقَتْل وَالْقَاتِل والقتيل أما الْقَتْل فَهُوَ كل قتل غير مُبَاح فَتجب بِالسَّبَبِ والمباشرة وحفر الْبِئْر وَالْخَطَأ والعمد وَلَا تجب فِي قتل الصَّائِل والباغي وَمن عَلَيْهِ الْقصاص وَالرَّجم لِأَنَّهُ مُبَاح وَالْخَطَأ لَيْسَ بمباح وَإِن لم يكن محرما أَيْضا وَأما الْقَاتِل فشرطه أَن يكون مُلْتَزما حَيا فَلَا تجب على الْحَرْبِيّ وَتجب على الذِّمِّيّ وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَلَو جَامع الصَّبِي فِي نَهَار رَمَضَان فَلَا كَفَّارَة إِذْ لَا عدوان والعدوان لَيْسَ بِشَرْط فِي الْقَتْل وَفِي كَفَّارَات الْإِحْرَام وَجْهَان لِأَنَّهَا نتيجة عبَادَة بدنية وَقد صحت مِنْهُ الْعِبَادَة

الْبَدَنِيَّة وَفِي صِحَة صَوْمه عَن الْكَفَّارَة قبل الْبلُوغ وَجْهَان لِأَنَّهَا عبَادَة بدنية وَلَكِن لزم فِي الصَّبِي وَأما الْحَيّ فاحترزنا بِهِ عَمَّن حفر بِئْرا فتردى فِيهَا بعد مَوته إِنْسَان فَفِي وجوب الْكَفَّارَة فِي تركته وَجْهَان وَوجه الْإِسْقَاط أَن الْكَفَّارَة عبَادَة بدنية فَلَا ينشأ وُجُوبهَا بعد الْمَوْت وَعَلِيهِ يَنْبَنِي الْخلاف فِي أَن من قتل نَفسه هَل تخرج كَفَّارَته من تركته ولغلبة شَائِبَة الْعِبَادَة قضينا بِأَن جمَاعَة إِذا اشْتَركُوا فِي قتل وَاحِد فعلى كل وَاحِد كَفَّارَة كَامِلَة وَفِيه وَجه أَنَّهَا تتجزأ كَمَا فِي جَزَاء الصَّيْد أما الْقَتِيل فشرطه أَن يكون آدَمِيًّا مَعْصُوما والجنين آدَمِيّ وَخرج مِنْهُ الْأَطْرَاف والبهائم وَدخل تَحت الْمَعْصُوم الذِّمِّيّ والمعاهد وَالْعَبْد إِذا قَتله السَّيِّد لَزِمته الْكَفَّارَة وَخرج مِنْهُ الْحَرْبِيّ وَالنِّسَاء والذراري من الْكفَّار إِذْ لَا عَاصِم والامتناع من قَتلهمْ لمصْلحَة المَال وَدخل تَحْتَهُ الْمُسلم فِي دَار الْحَرْب كَيْفَمَا قتل نعم الدِّيَة قد تسْقط قطعا مهما رمى إِلَى الْكفَّار وَلم يعلم أَن فيهم مُسلما فَأصَاب مُسلما وَلَو علم أَن فيهم مُسلما وَقصد الْكَافِر فَأصَاب الْمُسلم وَجَبت الدِّيَة قطعا وَلَو قصد شخصا معينا ظَنّه كَافِرًا وَكَانَ قد أسلم قبله وَبَقِي على زِيّ الْكفَّار فَفِي الدِّيَة قَولَانِ وطرد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا علم أَن فيهم مُسلما وَلَكِن مَال السهْم إِلَى غير من قصد هَذَا تَمام النّظر فِي مُوجبَات الْقَتْل فلنخص فِي الْحجَج المثبتة لَهُ كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة فِيهِ

كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة فِيهِ

عدل

فَهَذِهِ ثَلَاثَة أُمُور الأول الدَّعْوَى وَلها خَمْسَة شُرُوط الأول أَن تكون مُتَعَلقَة بشخص معِين فَلَو قَالَ قتل أبي لم تسمع وَلَو قَالَ قتل هَؤُلَاءِ جَمِيعًا وتصور اجْتِمَاعهم على الْقَتْل قبل وَلَو قَالَ أحد هَؤُلَاءِ الْعشْرَة وَلَا أعرف عينه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا تسمع للإبهام وَالثَّانِي تسمع للْحَاجة وَلَا ضَرَر على الْمُدعى عَلَيْهِ بل كل وَاحِد يقدر على يَمِين

صَادِقَة لكِنهمْ لَو نكلوا باجمعهم أشكل الْيَمين الْمَرْدُودَة على الدَّعْوَى المبهمة والوجهان يجريان فِي دَعْوَى الْغَصْب والإتلاف وَالسَّرِقَة وَلَا يجْرِي فِي الْإِقْرَار وَالْبيع إِذا قَالَ نسيت لِأَنَّهُ مقصر وَقيل يجْرِي فِي الْمُعَامَلَات وَقيل لَا يجْرِي إِلَّا فِي الدَّم الثَّانِي أَن تكون الدعولا مفصلة فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ انفرادا أَو شركَة فَإِن أجمل دَعْوَاهُ استفصل القَاضِي وَقيل يعرض عَنهُ لِأَن الاستفصال تلقين وَهُوَ ضَعِيف فرع لَو قَالَ قتل هَذَا أبي مَعَ جمَاعَة وَلم يذكر عَددهمْ فَإِن كَانَ مَطْلُوبه المَال لم تصح الدَّعْوَى لِأَن حِصَّة الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا تبين بِحِصَّة الشُّرَكَاء وَإِن كَانَ مَطْلُوبه الدَّم وَقُلْنَا يُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فَالظَّاهِر صِحَّته وَإِن قُلْنَا أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه فَوَجْهَانِ الثَّالِث أَن يكون الْمُدَّعِي مُكَلّفا مُلْتَزما حَاله الدَّعْوَى وَكَونه صَبيا أَو مَجْنُونا أَو جَنِينا حَالَة الْقَتْل لَا يضرّهُ إِذْ يعرف ذَلِك بِالتَّسَامُعِ الرَّابِع أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مُكَلّفا فَلَا دَعْوَى على صبي وَلَا مَجْنُون وَتَصِح الدَّعْوَى على السَّفِيه فِيمَا ينفذ بِهِ إِقْرَاره كَالْقصاصِ وبإقراره بِإِتْلَاف المَال قَولَانِ

فَإِن رددناه سمعنَا الدَّعْوَى لينكر فيقيم الْبَيِّنَة وَهل تعرض الْيَمين إِذا أنكر إِن قُلْنَا إِن الْيَمين الْمَرْدُودَة كالبينة تعرض عَلَيْهِ رَجَاء النّكُول وَإِن قُلْنَا كَالْإِقْرَارِ فَلَا فَائِدَة فِي نُكُوله وَلَكِن هَل تعرض الْيَمين فعساه يحلف فتنقطع الْخُصُومَة فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان الْأَصَح أَنه تعرض الْخَامِس أَن تنفك الدَّعْوَى عَمَّا يكذبها فَلَو ادّعى على شخص أَنه مُنْفَرد بقتل أبي ثمَّ ادّعى على غَيره بِأَنَّهُ شريك لم تسمع الثَّانِيَة لِأَن الأولى تكذبه فَإِن أقرّ الثَّانِي وَقَالَ الْمُدَّعِي كذبت فِي الأولى أَو أَخْطَأت فَالصَّحِيح أَن لَهُ مؤاخذته لِأَن الْغَلَط مُمكن وَالْحق لَا يعدوهما وَلَو ادّعى الْعمد واستفسر فَذكر مَا لَيْسَ بعمد فَفِي بطلَان دَعْوَاهُ لأصل الْقَتْل وَجْهَان الْأَظْهر أَنه لَا تبطل لِأَن الْكَذِب فِي التَّفْصِيل لَيْسَ من ضروره الْكَذِب فِي الأَصْل وَلَو قَالَ ظلمته فِيمَا أخذت فنستفصله فَإِن قَالَ كنت كَاذِبًا فِي دعواي اسْتردَّ المَال وَإِن قَالَ اخذت بالقسامة وَأَنا حَنَفِيّ لَا يسْتَردّ إِذْ لَا يعْتَبر فِي الْأَحْكَام رَأْي الْخَصْمَيْنِ بل رَأْي الْحَاكِم

النّظر الثَّانِي فِي الْقسَامَة وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَرْكَان الأول بَيَان مظنته وَهُوَ قتل الْحر فِي مَحل اللوث فَلَا قسَامَة فِي الْأَمْوَال والأطراف لِأَن الْبِدَايَة بالمدعي وتعديد الْيَمين خمسين خَارج عَن الْقيَاس ثَبت لحُرْمَة الدَّم فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ الطّرف وَالْمَال وَفِي قتل العَبْد قَولَانِ لتردده بَين الدَّم وَالْمَال وَإِذا جرح مُسلما فَارْتَد وَمَات وَقُلْنَا الْوَاجِب بعض الدِّيَة جرت الْقسَامَة فِيهِ لِأَنَّهُ بعض بدل الدَّم وَأما اللوث فنعني بِهِ عَلامَة تغلب على الظَّن صدق الْمُدَّعِي وَهُوَ نَوْعَانِ قرينَة حَال وإخبار أما الْحَال فَهُوَ أَن يُصَادف قَتِيلا فِي محلّة بَينه وَبينهمْ عَدَاوَة أَو دخل عَلَيْهِم ضيفا فَوجدَ قَتِيلا أَو تفرق جمَاعَة محصورون عَن قَتِيل أَو تفرق صفان متقاتلان عَن قَتِيل فِي صف الْخصم أَو وجد قَتِيل فِي الصَّحرَاء وعَلى رَأسه رجل وَمَعَهُ سكين متضمخ بِالدَّمِ فَهَذَا وَأَمْثَاله هُوَ اللوث وَقَول الْمَجْرُوح قتلني فلَان لَيْسَ بلوث لِأَنَّهُ مُدع خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَأما الْإِخْبَار فشهادة عدل وَاحِد تقبل شَهَادَته لوث وَكَذَا من تقبل رِوَايَته على الأقيس وَقيل لَا بُد فِي النسوان وَالْعَبِيد من عدد

وَأما الْعدَد من الصبية والفسقة ففيهم خلاف لِأَنَّهُ يحصل بقَوْلهمْ ظن لَكِن الشَّرْع لَا يلْتَفت إِلَيْهِ فيضاهي من أوجه قرينَة عَدَالَة الْمُدَّعِي فِي صدق لهجته وَأما مسقطات اللوث فخمسة الأول أَن يتَعَذَّر إِظْهَاره عِنْد القَاضِي فَلَا فَائِدَة فِيمَا ينْفَرد الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ نعم لَو ظهر عِنْد القَاضِي لوث على جمع فللمدعي أَن يعين شخصا مِنْهُم إِذْ يعسر إِثْبَات اللوث فِي الْمعِين وَلَو كَانَ اللوث فِي قَتِيل خَيْبَر مُتَعَلقا بِجَمِيعِ الْيَهُود نعم لَو قَالَ الْقَاتِل وَاحِد مِنْهُم وَلست أعرفهُ لم تمكنه الْقسَامَة فَإِن حلفوا إِلَّا وَاحِدًا كَانَ نُكُوله لوثا فَيجوز لَهُ أَن يحلف على تَعْيِينه فَلَو نكل جَمِيعهم وَأَرَادَ أَن يعين وَاحِدًا وَزعم أَنه ظهر لَهُ الْآن لوث معِين فَفِي تَمْكِينه مِنْهُ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه سبق الِاعْتِرَاف مِنْهُ فِي الْجَهْل الثَّانِي إِذا ثَبت اللوث فِي أصل الْقَتْل دون كَونه خطأ أَو عمدا فَفِي الْقسَامَة على أصل الْقَتْل وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْقَتْل الْمُطلق لَا مُوجب لَهُ فَإِن الْعَاقِلَة لَا يلْزمهَا شَيْء مَا لم يكن خطأ والجاني لَا يلْزمه مَا لم يكن عمدا الثَّالِث أَن يَدعِي الْمُدعى عَلَيْهِ كَونه غَائِبا عَن الْبَلَد عِنْد الْقَتْل فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَتسقط يَمِينه أثر اللوث فَإِن تَعَارَضَت بينتان فِي حُضُوره وغيبته تساقطتا إِلَّا إِذا تعرض بَيِّنَة الْغَيْبَة لعدم الْحُضُور فَقَط فَيكون ذَلِك شَهَادَة النَّفْي بِخِلَاف مَا إِذا ذكر مَكَانَهُ الَّذِي غَابَ إِلَيْهِ وَلَو كَانَ وَقت الْقَتْل مَحْبُوسًا أَو مَرِيضا مدنفا وَلم يُمكن كَونه قَاتلا إِلَّا على بعد فَفِي

سُقُوط اللوث بِهِ وَجْهَان وَمهما حكم بالقسامة فَأَقَامَ بَيِّنَة على الْغَيْبَة نقض الحكم لِأَن الْقسَامَة ضَعِيفَة الرَّابِع لَو شهد شَاهد بِأَن فلَانا قتل أحد هذَيْن الْقَتِيلين لم يكن لوثا وَلَو قَالَ قتل هَذَا الْقَتِيل أحد هذَيْن الرجلَيْن فَهُوَ لوث هَكَذَا قَالَه القَاضِي مفرقا بَين إِبْهَام الْقَاتِل وإبهام الْقَتِيل وَقيل بِإِسْقَاط اللوث فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْفرق أوضح لِأَن تعْيين الْقَاتِل غير عسير دون تعْيين الْقَتِيل الْخَامِس تكاذب الْوَرَثَة فَلَو ادّعى أحد الْإِثْنَيْنِ فِي مَحل اللوث فكذبه الآخر فِيهِ قَولَانِ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَن اللوث لَا يبطل لِأَن للْوَرَثَة أغراضا فِي التَّكْذِيب والتصديق وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَن اللوث ضَعِيف وَهَذَا يضعف الظَّن فَإِن قُلْنَا يبطل فَلَو قَالَ أَحدهمَا قتل أَبَانَا زيد وَرجل آخر لَا نعرفه وَقَالَ الآخر قَتله عَمْرو وَرجل آخر لَا نعرفه فَلَا تكاذب فَلَعَلَّ من لَا يعرفهُ هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ أَخُوهُ إِلَّا أَن يُصَرح بِنَفْي مَا ادَّعَاهُ ثمَّ مدعي زيد اعْترف بَان الْوَاجِب على زيد نصف الدِّيَة وحصته مِنْهَا الرّبع فَلَا يُطَالب إِلَّا بِالربعِ وَكَذَا مدعي عَمْرو

وَلَيْسَ من مبطلات اللوث عندنَا أَن لَا يكون على الْقَتِيل أثر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْقَتْل بالتخنيق مُمكن بِحَيْثُ لَا يظْهر أَثَره الرُّكْن الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقسَامَة وَهُوَ أَن يحلف الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا مُتَوَالِيَة بعد التحذير والتغليظ وتفصيل الدَّعْوَى فِي الْيَمين كَمَا فِي سَائِر الْأَيْمَان وَهل يشْتَرط أَن تكون فِي مجْلِس وَاحِد فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَن للموالاة وَقعا فِي النَّفس فَيحْتَمل أَن تكون وَاجِبا فَإِن قُلْنَا وَاجِب فَإِذا جن ثمَّ أَفَاق بنى لِأَنَّهُ مَعْذُور وَلَو عزل القَاضِي اسْتَأْنف عِنْد قَاض آخر وَلَو مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ فالوارث لَا يَبْنِي بل يسْتَأْنف وَقَالَ الخضري يَبْنِي الْوَارِث وَفِي جَوَاز الْقسَامَة فِي غيبَة الْمُدعى عَلَيْهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن اللوث إِنَّمَا يظْهر إِذا سلم عَن قدح الْخصم فيضعف فِي غيبته هَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث وَاحِدًا فَإِن كَانُوا جمعا فنوزع عَلَيْهِم الْخمسين أَو يحلف كل وَاحِد خمسين فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يوزع لِأَن جُمْلَتهمْ فِي حكم شخص وَاحِد وَالثَّانِي لَا لِأَن قدر حق كل وَاحِد لَا يثبت بِيَمِين الْمُدَّعِي إِلَّا بِخَمْسِينَ إِذْ لَا خلاف أَنه لَو نكل وَاحِد وَجب على الآخر أَن يحلف تَمام الْخمسين فَكيف يسْتَحق بِيَمِين غَيره

وَإِن قُلْنَا بالتوزيع فلننبه على ثَلَاثَة أُمُور الأول أَنهم لَو كَانُوا ثَلَاثَة وَالْوَاحد حَاضر والآخران صغيران أَو غائبان فَغَيَّبَتْهُمْ كنكولهم فَيحلف الْحَاضِر خمسين وَيَأْخُذ ثلث الدِّيَة فَإِذا حضر الآخر حلف نصف الْأَيْمَان وَأخذ ثلث نَفسه وَالثَّالِث يحلف ثلث الْأَيْمَان وَيَأْخُذ حِصَّة نَفسه الثَّانِي أَن التَّوْزِيع بِالْمِيرَاثِ فَمن يسْتَحق الثّمن أَو السُّدس حلف بِقَدرِهِ فَإِن انْكَسَرَ كمل المنكسر فَإِن كَانُوا سِتِّينَ حلفوا سِتِّينَ كل وَاحِد يَمِينا وَلَا يَمِين على إخْوَة الْأَب فِي مسَائِل الْمُعَادَة الثَّالِث لَو كَانَ فِي الْوَرَثَة خُنْثَى حلف كل وَاحِد أَكثر مَا يتَوَهَّم أَن يكون نصِيبه وَيُعْطى أقل مَا يتَوَهَّم أخذا بالأحوط فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَو خلف ولدا خُنْثَى وأخا لأَب حلف الْخُنْثَى خمسين لاحْتِمَال أَنه مُسْتَغْرق وَأخذ نصف الدِّيَة لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى فَإِذا أَرَادَ الْأَخ أَن يحلف فَيحلف خمْسا وَعشْرين وَفَائِدَته أَن ينتزع النّصْف من يَدي الْجَانِي وَيُوقف بَينه وَبَين الْخُنْثَى فَإِن بَانَتْ أنوثته سلم إِلَى الْأَخ بِيَمِينِهِ السَّابِق وَإِن بَانَتْ الذُّكُورَة سلم إِلَى الْخُنْثَى بِالْيَمِينِ السَّابِقَة وَلَو خلف ولدا خُنْثَى وبنتا حلف الْخُنْثَى ثُلثي الْأَيْمَان لاحْتِمَال أَنه ذكر وَأخذ ثلث الدِّيَة لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى وَحلفت الْبِنْت نصف الْأَيْمَان لاحْتِمَال أَن الْخُنْثَى أُنْثَى وَلم يعْتد من أيمانها إِلَّا بِالنِّصْفِ ثمَّ تَأْخُذ ثلث الدِّيَة وَالثلث الْبَاقِي مَتْرُوك فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ مَوْقُوف بَينهمَا وَبَين بَيت المَال وَلَيْسَ لبيت المَال نَائِب حَتَّى يحلف عَنهُ فنعود إِلَى الْقيَاس فِي

تَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ هَذَا كُله فِي يَمِين الْمُدَّعِي فَأَما سَائِر الْأَيْمَان فِي الدَّم فكيمين الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْيَمِين مَعَ الشَّاهِد فَفِي تعدده خمسين قَولَانِ منشؤهما أَن عِلّة الْعدَد الْميل عَن الْقيَاس بِتَصْدِيق الْمُدَّعِي أَو حُرْمَة الدَّم وَالْقَوْلَان جاريان فِي الْأَطْرَاف مَعَ الْقطع بِأَن الْقسَامَة غير جَارِيَة فِيهَا فَإِن قُلْنَا لَا تَتَعَدَّد فَلَو بلغ الْأَرْش مبلغ الدِّيَة فَقَوْلَانِ وَإِن قُلْنَا تتعد فَلَو نقص فَفِي التَّوْزِيع قَولَانِ فرعان أَحدهمَا لَو شهد وَاحِد على اللوث وَقُلْنَا يتحد الْيَمين مَعَ الشَّاهِد فَإِن استعملنا الشَّهَادَة فِي الْقَتْل وَجَاء بِصِيغَة الشَّهَادَة حلف مَعَه يَمِينا وَاحِدَة وَإِن جَاءَ بِصِيغَة الْإِخْبَار أَو شهد على اللوث حلف مَعَه خمسين يَمِينا الثَّانِي إِذا ادّعى على اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا قتلا فَفِي توزيع الْخمسين على قَول التَّعَدُّد من الْقَوْلَيْنِ مَا فِي التَّوْزِيع على الْوَارِثين الرُّكْن الثَّالِث فِي حكم الْقسَامَة وَفِيه قَولَانِ الْقَدِيم أَنه يناط بِهِ الْقصاص كَمَا يناط بِهِ حد الْمَرْأَة بِلعان الزَّوْج والجديد أَنه لَا يناط بِهِ إِلَّا الدِّيَة لِأَن سفك الدَّم بقول الْمُدَّعِي بعيد وَأما الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تقدر على دفع لِعَانه بلعانها

ثمَّ إِن حلف على الْقَتْل خطأ طَالب الْعَاقِلَة وَإِن حلف على الْعمد طَالب الْجَانِي وَإِن نكل عَن الْقسَامَة وَمَات لم يكن لوَارِثه أَن يحلف وَلَا يسْقط حَقه عَن تَحْلِيف الْمُدعى عَلَيْهِ لنكوله عَن الْقسَامَة فَإِن نكل الْمُدعى عَلَيْهِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يحلف الْيَمين الْمَرْدُودَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ نكل مرّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نُكُول عَن الْقسَامَة وَهَذِه يَمِين أُخْرَى وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَن يحلف مَعَ الشَّاهِد بعد النّكُول عَن الْيَمين الْمَرْدُودَة أَو الْقسَامَة ومنشؤه أَن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بعد أَن صرح بِالنّكُولِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع إِلَى الْيَمين لانه تعلق بِهِ حق الْمُدَّعِي أما نُكُول الْمُدَّعِي عَن الْيَمين الْمَرْدُودَة فِي الْحَال لَا تَمنعهُ من الرُّجُوع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ حَقه فَلَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَيَمِين الْقسَامَة من حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق بهَا حق الْمُدعى عَلَيْهِ فِي انقلاب التَّصْدِيق إِلَيْهِ يشبه يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ الرُّكْن الرَّابِع فِيمَن يحلف أَيْمَان الْقسَامَة وَهُوَ كل من يسْتَحق بدل الدَّم وَفِيه أَرْبَعَة فروع الأول إِذا قتل عبد الْمكَاتب وأجرينا الْقسَامَة فِي العَبْد حلف الْمكَاتب لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق فَإِن عجز عَن النُّجُوم قبل النّكُول حلف السَّيِّد إِذْ صَار مُسْتَحقّا فَإِن عجز بعد النّكُول لم يحلف السَّيِّد كَمَا لَا يحلف الْوَارِث بعد نُكُول الْمَوْرُوث الثَّانِي لَو قتل عَبده فأوصى بِقِيمَتِه لمستولدته وَمَات فللورثة أَن يقسموا وَإِن كَانَت

الْقيمَة للمستولدة لِأَن لَهُم حظا فِي تَنْفِيذ وَصِيَّة مُورثهم وَلَو أوصى بِعَين لغيره فَادَّعَاهُ مُسْتَحقّ فَفِي حلف الْوَارِث لتنفيذ الْوَصِيَّة تردد وَوجه الْفرق أَن الْمُسْتَوْلدَة مدعية وتصديقها بالقسامة على خلاف الْقيَاس وَلم تكن صَاحِبَة حق عِنْد الْقَتْل فَكَانَ الْوَارِث أولى بِهِ وَمهما حلف الْوَرَثَة سلمت الْقيمَة لأم الْوَلَد فَإِن نكلوا فَفِي قسَامَة الْمُسْتَوْلدَة قَولَانِ وَكَذَا فِي الْغُرَمَاء إِذا أَرَادوا أَن يحلفوا أَيْمَان الْقسَامَة عِنْد نُكُول الْوَارِث لِتَقضي من الدِّيَة دُيُونهم وَوجه الْمَنْع أَن الْقسَامَة لإِثْبَات الْقَتْل مِمَّن يُدْلِي بِسَبَب الْحق عِنْد الْقَتْل وَهَؤُلَاء تجدّد حَقهم بعد الْقَتْل وَإِن قُلْنَا لَا يحلفُونَ أَو نكلوا فللوارث وَلَهُم طلب يَمِين الْمُدَّعِي أما الْوَارِث فلغرض التَّنْفِيذ وَأما هم فلغرض الإستحقاق الثَّالِث إِذا قطع يَد العَبْد فَعتق وَمَات فعلى الْجَانِي كل الدِّيَة فَإِن كَانَت الدِّيَة مثل نصف الْقيمَة انْفَرد السَّيِّد بالقسامة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْجَمِيع وَإِن فرعنا على أَنه لَا قسَامَة فِي بدل الرَّقِيق فها هُنَا وَجْهَان لِأَنَّهُ دِيَة حر بالإعتبار الآخر وَلَكِن صرف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ جِنَايَة على الرَّقِيق ثمَّ إِن كَانَ الْوَاجِب فَاضلا عَن أرش الْيَد فَيصْرف الْفَاضِل إِلَى الْوَرَثَة ويتصدى النّظر فِي توزيع الْيَمين أَو تكميلها الرَّابِع إِذا ارْتَدَّ الْوَلِيّ ثمَّ أقسم فَإِن قُلْنَا لَا ملك للمرتد بَطل يَمِينه وَإِن قُلْنَا لَهُ الْملك صَحَّ وَثَبت الدِّيَة وَإِن قُلْنَا مَوْقُوف فالنص أَنه يَصح وَيصرف إِلَى بَيت المَال فَيْئا إِن قتل الْمُرْتَد

وَفِيه إِشْكَال إِذْ بَان أَنه لم يكن مُسْتَحقّا فَكيف يثبت بحلفه فَمنهمْ من قَالَ فرع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَول بَقَاء الْملك وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ على الْجُمْلَة سَبَب اسْتِحْقَاق الدِّيَة لانه كَانَ مُسلما حَال الْقَتْل فَلَا يكون يَمِينه كيمين الْأَجْنَبِيّ

النّظر الثَّالِث من الْكتاب فِي إِثْبَات الدَّم بِالشَّهَادَةِ وَلها شُرُوط الأول الذُّكُورَة فَلَا يثبت الْقصاص بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَيثبت الْقَتْل الْمُوجب لِلْمَالِ بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَإِن كَانَ مُوجبا للقود عِنْد الشَّهَادَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى المَال لم يسْتَوْف المَال بِتِلْكَ الشَّهَادَة لِأَنَّهَا كَانَت بَاطِلَة فِي الْحَال وَلَو أنشئت الشَّهَادَة بعد الْعَفو على مَال فَوَجْهَانِ وَجه الْمَنْع أَن أصل الْقَتْل كَانَ مُوجبا للْقصَاص فرع نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على هاشمة مسبوقة بإيضاح فَكَمَا لَا يثبت الْإِيضَاح الْمُوجب للْقصَاص لَا يثبت الهشم فِي حق الْأَرْش وَنَصّ على أَنه لَو شهدُوا على أَنه رمى عمدا إِلَى زيد فمرق السهْم وَأصَاب غَيره خطأ أَن الْخَطَأ يثبت فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ومنشؤهما أَن الشَّهَادَة وَاحِدَة وَقد سقط بَعْضهَا فَهَل يسْقط الْبَاقِي وَمِنْهُم من فرق لِأَن قتل عَمْرو مُنْفَصِل عَن قتل زيد والهشم لَا ينْفَصل عَن الْإِيضَاح وَلَا خلاف على أَنه لَو ادّعى قتل عَمْرو خطأ فَشَهِدُوا وَذكروا هَذِه الْكَيْفِيَّة وَهُوَ مروق السهْم من زيد لم يقْدَح فِي الشَّهَادَة لِأَن زيدا لَيْسَ مَقْصُودا بِالشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ إِذا قَالُوا نشْهد أَنه أوضح ثمَّ عَاد بعد ذَلِك وهشم التَّفْرِيع إِذا أثبتنا أرش الهاشمة فقد ذكر فِي إِثْبَات قصاص الْمُوَضّحَة وأرشها على سَبِيل التّبعِيَّة خلاف وَهُوَ بعيد

الشَّرْط الثَّانِي أَن تكون صِيغَة الشَّهَادَة صَرِيحَة فَلَو قَالَ أشهد أَنه جرح وأنهر الدَّم وَمَات الْمَجْرُوح لم يقبل مَا لم يقل قَتله إِذْ رُبمَا يَمُوت بِسَبَب آخر وَالْمَوْت عقيب الْجراحَة يعرف أَنه بالجراحة بقرائن خُفْيَة فَلَا يُغني إِلَّا ذكر الْقَتْل وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يَكْفِي كَمَا تقوم الشَّهَادَة على الْيَد وَالتَّصَرُّف مقَام الْملك لِأَنَّهُ مُسْتَند الْعلم وَلَو قَالَ أشهد أَنه أوضح رَأسه لم يكف مَا لم يُصَرح بالجراحة وإيضاح الْعظم فَإِن صرح وَعجز عَن تعْيين مَحل الْمُوَضّحَة لالتباسها بموضحات على رَأسه سقط الْقصاص وَفِي الْأَرْش وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا إِذا شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على مُوضحَة عمدا فَإِنَّهُ إِذا لم يثبت الْمَقْصُود لم يثبت غَيره وَالصَّحِيح أَنه يثبت لِأَنَّهُ لَا قُصُور فِي نفس الشَّهَادَة وَإِنَّمَا التَّعَذُّر فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وَلَو شهد على أَنه قَتله بِالسحرِ لم يقتل لِأَن ذَلِك مِمَّا لَا يُشَاهد وَجه تَأْثِيره فالقتل بِالسحرِ لَا يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ السَّاحر أمرضه سحرِي وَلَكِن مَاتَ بِسَبَب آخر فلولي الدَّم الْقسَامَة واعترافه بِالْمرضِ لوث وَهَذَا يدل على أَن الْمقر بِالْجرْحِ إِذا ادّعى أَن الْمَوْت بِسَبَب آخر يَجْعَل إِقْرَاره لوثا وَقد قيل إِن القَوْل قَول الْجَانِي وَهُوَ جَار فِي السحر فَإِن قيل تعلم السحر حرَام أم لَا قُلْنَا إِن كَانَ فِيهِ مُبَاشرَة مَحْظُور من ذكر سخف أَو ترك صَلَاة فَذَلِك هُوَ الْحَرَام فَأَما تعرف حقائق الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِحرَام وَإِنَّمَا الْحَرَام الْإِضْرَار بِفعل السحر لَا بتعلمه

الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا تَتَضَمَّن جرا وَلَا دفعا فَلَو شهد على الْجراحَة من يَرث الْمَجْرُوح ردَّتْ شَهَادَته لِأَنَّهُ سَبَب اسْتِحْقَاقه وَلَو شهد الْوَارِث للْمَرِيض بدين أَو عين فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن جرح الْمَشْهُود عَلَيْهِ سَبَب الإستحقاق دون الدّين وَلَو شهدُوا على الْجرْح وهما محجوبان حَال الشَّهَادَة ثمَّ مَاتَ الْحَاجِب أَو بِالْعَكْسِ فَالصَّحِيح أَن النّظر إِلَى حَالَة الشَّهَادَة للتُّهمَةِ وَقيل قَولَانِ كخما فِي الْإِقْرَار للْوَارِث فَإِن رددنا فَلَو أعَاد بعد الْحجب لَا تقبل كالفاسق إِذا أعَاد فَأَما الشَّهَادَة الدافعة فصورتها أَن تشهد الْعَاقِلَة على فسق بَيِّنَة الْقَتْل الْخَطَأ وَلَو شهد اثْنَان من فُقَرَاء الْعَاقِلَة نَص أَنه لَا تقبل وَلَو شهد اثْنَان من الأباعد مَعَ أَن الْوَاجِب مُسْتَوفى بالأقارب نَص أَنه تقبل فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل إِن الْفَقِير أمله فِي الْغَنِيّ قريب وَتَقْدِير موت الْأَقَارِب بعيد فَلَا يُورث تُهْمَة الشَّرْط الرَّابِع أَن تسلم الشَّهَادَة عَن التكاذب وَفِيه صور الأولى إِذا شَهدا على رجلَيْنِ بِالْقَتْلِ وَشهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا قتلا هَذَا الْقَتِيل نقدم على هَذَا مُقَدّمَة وَهُوَ أَن شَهَادَة الْحِسْبَة تقبل فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَفِي الْقصاص

ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم صِيَانة للحقوق عَن الضّيَاع وَالثَّانِي لَا لِأَن للدم طَالبا كَمَا لِلْمَالِ وَالثَّالِث أَنه إِن لم يعرف الْمُسْتَحق قبلت الشَّهَادَة فَإِن قُلْنَا تقبل فتساوق أَرْبَعَة إِلَى مجْلِس القَاضِي فَشهد اثْنَان على الآخرين بِالْقَتْلِ فَشهد الْآخرَانِ على الْأَوَّلين بذلك الْقَتْل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الرَّد وَإِن قبلنَا شَهَادَة الْحِسْبَة إِذْ هِيَ متكاذبة فَلَا ترجح وَالثَّانِي أَنا نراجع صَاحب الْحق ونحكم بِشَهَادَة من صدقهما وَالثَّالِث أَن الأولى صَحِيحَة وَشَهَادَة الآخرين غير مَقْبُولَة لِأَنَّهُمَا دافعان وَلِأَنَّهُمَا صَارا عدوين للأولين وَلَكِن إِثْبَات العدواة بِمُجَرَّد الشَّهَادَة ضَعِيف وَإِن فرعنا على رد شَهَادَة الْحِسْبَة فَلَو جَاءَ الْمُدَّعِي بعد ذَلِك لم تَنْفَع تِلْكَ الشَّهَادَة وَهل تقبل إِعَادَتهَا فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا كَمَا لَو رد بعلة الْفسق وَالثَّانِي نعم لانه لم ترد بتهمة وَالثَّالِث أَنَّهُمَا إِن تابا عَن الْمُبَادرَة قبلت الْإِعَادَة رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَتنَا فَإِذا شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على الشَّاهِدين وَاسْتمرّ الْمُدَّعِي على تكذيبهما فَلَا أثر لشهادتهما لانهما دافعان وعدوان ومبادران وَإِن صدقهما بَطل حَقه بتناقض الدعويين

فَإِن كَانَ ذَلِك من وَكيل فَلَا يُؤْخَذ بِإِقْرَار لم يُؤثر فِي إبِْطَال الدَّعْوَى الأولى فَإِن صدق الْمُوكل الآخرين انبنى على أَنَّهُمَا مبادران أَو دافعان الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على أَجْنَبِي سوى الشَّاهِدين فهما مبادران ودافعان وليسا عدوين وَإِن شهد أجنبيان على الشَّاهِدين فهما مبادران وليسا دافعين وَلَا عدوين الصُّورَة الثَّانِيَة لَو شهدُوا على الْقَتْل فَشهد أحد الْوَرَثَة بِعَفْو بَعضهم سقط الْقصاص بقوله من حَيْثُ إِنَّه إِقْرَار لَا من حَيْثُ إِنَّه شَهَادَة حَتَّى تسْقط وَلَو كَانَ فَاسِقًا الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا شهد أَحدهمَا أَنه قَتله غدْوَة وَقَالَ الآخر عَشِيَّة فَهُوَ تكاذب وَكَذَا إِذا نسبا إِلَى مكانين أَو آلتين وَكَذَا لَو شهد أَحدهمَا على الْإِقْرَار وَالْآخر على الْقَتْل لم يثبت لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على شَيْء وَلَو شهد أَحدهمَا على الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ الْمُطلق وَالْآخر على الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ الْعمد ثَبت أصل الْقَتْل فَالْقَوْل قَول الْمُدعى عَلَيْهِ فِي نفي العمدية إِلَّا أَن يكون ثمَّ لوث يشْهد للعمدية فَتثبت الْقسَامَة

وَإِن قَالَ أَحدهمَا قَتله عمدا وَقَالَ الآخر خطأ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه تكاذب وَالْآخر أَنه يثبت الْقَتْل وَمن يشْهد بالْخَطَأ فَكَأَنَّهُ يشْهد بِعَدَمِ الْعمد فَيبقى النزاع فِي العمدية وَحَيْثُ يثبت التكاذب فِي الْآلَة وَالْمَكَان وَالزَّمَان قَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يُفِيد قَوْلهمَا لوثا فاتفقت المراوزة على تغليطه لِأَنَّهُمَا تساقطا بالتكاذب وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ

= كتاب الْجِنَايَات الْمُوجبَة للعقوبات = وَهِي سَبْعَة الْبَغي وَالرِّدَّة وَالزِّنَا وَالْقَذْف وَالشرب وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق

الْجِنَايَة الأولى الْبَغي وَالنَّظَر فِي صفة الْبُغَاة وأحكامهم وقتالهم الطّرف الأول فِي صفاتهم وَيعْتَبر فيهم ثَلَاثَة شُرُوط الشَّوْكَة والتأويل وَنصب إِمَام فِيمَا بَينهم الشَّرْط الأول الشَّوْكَة وَهُوَ أَن يجْتَمع قوم ذُو نجدة على مُخَالفَة الإِمَام وَلَا يعْتَبر مُسَاوَاة عَددهمْ لجند الإِمَام كم من فِئَة قَليلَة غالبة لَكِن يَكْفِي أَن يكون الظفر مرجوا ثمَّ إِن كَانُوا فِي مَوضِع محفوف بِولَايَة الإِمَام فَلَا بُد من زِيَادَة نجدة كَمَا إِذا كَانُوا على طرف من أَطْرَاف الْولَايَة ثمَّ لَا يخفى أَن الشَّوْكَة لَا تتمّ مَا لم

يكن فيهم وَاحِد مُطَاع الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون بغيهم عَن تَأْوِيل فَلَو اجْتمع جمَاعَة مِمَّن توجه عَلَيْهِم حُدُود أَو حُقُوق من زَكَاة أَو غَيرهَا وخالفوا الإِمَام قَاتلهم الإِمَام كَمَا قَاتل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مانعي الزَّكَاة وَلَيْسَ لَهُم حكم الْبُغَاة والمرتدون إِذا اجْتَمعُوا لشُبْهَة فِي دينهم فَلَا يعد ذَلِك تَأْوِيلا مُعْتَبرا وَلَو كَانَ لَهُم تَأْوِيل بَاطِل قطعا لكِنهمْ غلطوا فِيهِ فَفِي اعْتِبَاره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يعْتَبر كتأويل أهل الرِّدَّة وَمُعَاوِيَة رَحمَه الله عِنْد هَذَا الْقَائِل لم يكن مُبْطلًا قطعا بل بِالظَّنِّ وَالثَّانِي يعْتَبر لِأَن الْغَلَط فِي القطعيات كثير وَمُعَاوِيَة كَانَ مُبْطلًا على الْقطع عِنْد هَذَا الْقَائِل لكنه لم يعرف ذَلِك وَأما الْخَوَارِج ففيهم على رَأْي الإمتناع من تكفيرهم وَجْهَان مِنْهُم من ألحقهم

بِأَهْل الرِّدَّة وَلم يكترث بتأويلهم لظُهُور فَسَاده الشَّرْط الثَّالِث نصب الإِمَام فِيمَا بَينهم وَفِي اشْتِرَاطه خلاف وَمن شَرطه علل بِأَن هَذِه الشُّرُوط تعْتَبر لتنفيذ قَضَاء قاضيهم وَلَا ينْتَصب القَاضِي إِلَّا بالتبعية فَلَا بُد لَهُم من إِمَام يولي الْقُضَاة وَمن لَا يشْتَرط ذَلِك يَقُول رُبمَا لَا يصادفون مَوْصُوفا بِصِفَات الْأَئِمَّة وَلَا يُمكن تَعْطِيل أحكامهم

الطّرف الثَّانِي فِي أَحْكَام الْبُغَاة فِي الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْغُرْم أما شهاداتهم فمقبولة لجهلهم بالتأويل وَأما قَضَاء قاضيهم فنافذ على وفْق الشَّرْع وَمَا يَسْتَوْفِيه من زَكَاة وجزية وحد ويصرفه إِلَى مصرفه فواقع موقعه وَلَو صرفُوا السهْم المرصد لمرتزقة الْإِسْلَام إِلَى جندهم فَفِيهِ اخْتِلَاف مَشْهُور لِأَنَّهُ وَإِن كَانُوا جند الْإِسْلَام لكِنهمْ فِي الْحَال على الْبَاطِل وَتَصْحِيح ذَلِك إِعَانَة لَهُم وَإِذا كتبُوا الْكتاب إِلَى قاضينا بعد إبرام الحكم أمضي وَإِن سمع الْبَيِّنَة وَالْتمس الحكم فَقَوْلَانِ

أقيسهما الحكم كي لَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حُقُوق الرعايا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مساعدة لَهُم على بغيهم وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا أبرموه واستعانوا بقاضينا فِي الإستيفاء وَالْقِيَاس الْإِمْضَاء هَذَا فِيمَن لَهُ الشَّوْكَة والتأويل فَإِن عدمت الشَّوْكَة فَلَا ينفذ حكمهم إِذْ يرجع ذَلِك إِلَى محاورات فِي خلوات وَإِن عدم التَّأْوِيل دون الشَّوْكَة لم ينفذ قضاؤهم على الظَّاهِر وَيحْتَمل أَن يخرج ذَلِك على مَا إِذا شعز الزَّمَان عَن الإِمَام فَإِن أَحْكَام الرعايا لَا يُمكن تعطيلها فَلذَلِك ينفذ الْقَضَاء بِحكم الْحَاجة أما الْغرم فَهُوَ وَاجِب بِالْإِتْلَافِ فِي غير الْقِتَال على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أما فِي الْقِتَال فَلَا غرم على الْعَادِل وَمَا يتلفه الْبَاغِي فِي الْقِتَال فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ أتلف مَالا مَعْصُوما بِغَيْر حق وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يجب كَمَا فِي أهل الْحَرْب لِأَن الْمُؤَاخَذَة بتبعات الْقِتَال تمنع من الْفَيْئَة

وَالطَّاعَة وَلذَلِك أتلفت أَمْوَال وأريقت دِمَاء فِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعرف الْقَاتِل وَمَا اقْتصّ من أحد وَلَا غرم وَإِن قُلْنَا لَا ضَمَان فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان وَوجه الْإِسْقَاط الإهدار كَمَا فِي أهل الْحَرْب فَإِن قُلْنَا يجب الضَّمَان فَفِي الْقصاص وَجْهَان لأجل الشُّبْهَة فَإِن لم نوجب الْقصاص فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة أَو على الْجَانِي فِيهِ خلاف كَمَا لَو قتل إنْسَانا على ظن أَنه كَافِر هَذَا إِذا وجد الشَّوْكَة والتأويل فَإِن وجد تَأْوِيل بِلَا شَوْكَة وَجب الضَّمَان قتل ابْن ملجم أَخْزَاهُ الله عليا كرم الله وَجهه فأقيد بِهِ وَكَانَ من تَأْوِيله أَن امْرَأَة زعمت أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قتل أقاربها فَوَكَّلَتْهُ بِاسْتِيفَاء الْقصاص وَأما الشَّوْكَة دون التَّأْوِيل فطريقان مِنْهُم من قطع بِوُجُوب الضَّمَان كَمثل وَاقعَة مانعي الزَّكَاة وَمِنْهُم من أجْرى الْقَوْلَيْنِ لِأَن إِسْقَاط الْقصاص وَإِسْقَاط التّبعِيَّة للترغيب فِي الطَّاعَة وأجرى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ترديد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُرْتَدين إِذا أتلفوا فِي الْقِتَال وَقيل هُوَ أولى بالسقوط لمشابهة أهل الْحَرْب فَأَما وجود الإِمَام فَلَيْسَ بِشَرْط لسُقُوط الضَّمَان

الطّرف الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الْقِتَال ويرعى فِيهِ أُمُور الأول أَنا لَا نغتالهم بل نقدم النذير أَولا فَإِن لم يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة قاتلناهم وَفِي أَوَاخِر الْقِتَال لَا نتبع مدبرهم وَلَا نذفف على جريحهم لِأَن قِتَالهمْ مثل الدّفع عَن منع الطَّاعَة وَالْمُدبر من سَقَطت شوكته وَأمن غائلته لَا من يتحرف من جَانب إِلَى جَانب فَلَو تبددوا سَقَطت شوكتهم وَلَكِن يتَوَهَّم اجْتِمَاعهم فَهَل يجوز اتباعهم بِالْقَتْلِ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَال وَفِي الثَّانِي إِلَى غائلة الْمَآل وَكَذَا من انهزم على أَن يتَّصل بفئة أُخْرَى الثَّانِي أَن أسيرهم لَا يقتل وَلَا يُطلق مَا داموا على شوكتهم فَإِذا بطلت الشَّوْكَة وَكَانَ اجْتِمَاعهم فِي الْمَآل متوقعا فَفِي إِطْلَاقه وَجْهَان فَأَما نِسَاؤُهُم وذراريهم فيخلى سبيلهم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله نحبسهم فَفِي ذَلِك كسر قُلُوبهم وَأما أسلحتهم وخيولهم فَلَا يحل اسْتِعْمَالهَا فِي الْقِتَال خلافًا

لأبي حنيفَة رَحمَه الله لَكِن إِنَّمَا ترد إِلَيْهِم إِذا جَازَ إِطْلَاق أسيرهم وَالصَّبِيّ الْمُرَاهق وَالْعَبْد كالخيل وَالصَّغِير كالنسوان الثَّالِث لَا ننصب عَلَيْهِم المجانيق وَلَا نوقد عَلَيْهِم النيرَان وَلَا نرسل السُّيُول الجارفة وَكَذَا كل سَبَب يعم إِلَّا إِذا كَانَ بِحَيْثُ نصطلم لَو لم نَفْعل لِأَن هَذِه الْأَسْبَاب لَا يُمكن حسمها وَرُبمَا يرجعُونَ فِي أَثْنَائِهَا وَإِن تحَصَّنُوا بقلعة وَلم يتَوَصَّل إِلَّا بِهَذِهِ الْأَسْبَاب فَإِن كَانَ فيهم رعايا لم يجز وَإِن لم يكن إِلَّا الْمُقَاتلَة فَفِيهِ نظر وَالْأولَى مَنعه والإقتصار على المحاصرة والتضييق

الرَّابِع لَا يَنْبَغِي أَن يقتل الْعَادِل وَاحِدًا من أرحامه وَلَا يَنْبَغِي أَن يَسْتَعِين الإِمَام بِأَهْل الشّرك عَلَيْهِم وَلَا بِمن يرى قتل مدبرهم الْخَامِس إِن اسْتَعَانَ الْبُغَاة علينا بِأَهْل الْحَرْب لم ينفذ أمانهم علينا وَاتَّبَعنَا مُدبر أهل الْحَرْب وَهل ينفذ الْأمان فِي حق أهل الْبَغي فِيهِ وَجْهَان الصَّحِيح أَنه لَا ينفذ لِأَنَّهُ بني على الْفساد لَكِن لَا يجوز لَهُم الاغتيال بِكُل أَمَان فَاسد وَيجوز لنا اغتيالهم وَقيل إِنَّه لَا يجوز إِذا انْعَقَد لَهُم أَمَان فَاسد وَهُوَ ضَعِيف نعم لَو قَالَ أهل الْحَرْب ظننا أَنهم المحقون فَفِي إلحاقهم بمأمنهم خلاف وَمِنْهُم من قَالَ لَا نبالي بظنونهم وَلَو استعانوا بطَائفَة من أهل الذِّمَّة انْتقض عَهدهم فنقتل مدبرهم ونغنم مَالهم وَفِيه وَجه أَنهم إِذا انْهَزمُوا ألحقاهم بمأمنهم فَإِن كَانُوا مكرهين لم ينْتَقض عَهدهم فَلَا نتبع مدبرهم فَإِن قَالُوا ظننا انهم الفئة المحقة فَفِي انْتِقَاض الْعَهْد قَولَانِ التَّفْرِيع حَيْثُ ألحقناهم بِأَهْل الْحَرْب غنمنا مَالهم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِيمَا يتلفون فَإِن قُلْنَا لَا بُد من تبليغهم مأمنهم فَمَا أتلفوه مَضْمُون عَلَيْهِم إِذْ بَقِي فِي حَقنا عُهْدَة الْأمان فَيبقى عَلَيْهِم عُهْدَة الضَّمَان فَإِن فرعنا على أَن الْعَهْد لَا ينْتَقض فِي بعض الصُّور قطع الْأَصْحَاب بِوُجُوب الضَّمَان عَلَيْهِم لِأَن الْإِسْقَاط عَن الْبُغَاة لترغيبهم فِي الطَّاعَة وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي الذِّمِّيّ السَّادِس من يُوجد مِنْهُم قَتِيلا يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَهِيد وَقَالَ

أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يغسل وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إهانة لَهُم والعادل إِذا قتل فِي المعترك فَقَوْلَانِ فِي كَونه شَهِيدا وَلَا يَنْقَطِع التَّوَارُث بَينهم بَين أهل الْعدْل

الْجِنَايَة الثَّانِيَة الرِّدَّة وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الرِّدَّة وأحكامها الطّرف الأول فِي الرِّدَّة وَهُوَ عبارَة عَن قطع الْإِسْلَام من مُكَلّف احترزنا بِالْقطعِ عَن الْكفْر الْأَصْلِيّ وبالمكلف عَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَفِي السَّكْرَان قَولَانِ لتردده بَين الصاحي وَالْمَجْنُون وعَلى طَرِيق يَصح تنفيذا لما عيه دون مَا لَهُ وعَلى هَذَا لَو أسلم فِي السكر لَا يَصح فليعد الْإِسْلَام إِذا أَفَاق فَلَو قتل قبل الْإِفَاقَة فمهدر وَإِن قُلْنَا تصح ردته لِأَنَّهُ كالصاحي فَيصح إِسْلَامه لَكِن إِذا أَفَاق جددنا عَلَيْهِ التَّوْبَة فَلَو قتل قبل التَّجْدِيد فَالصَّحِيح وجوب الضَّمَان وَقيل لَا يجب أخذا من اللَّقِيط إِذا قتل بعد الْبلُوغ وَقبل أَن ينْطق بِالْإِسْلَامِ وَوجه الشُّبْهَة أَنه إِسْلَام حكمي لَا عَن قصد صَحِيح وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الرِّدَّة أَيْضا كَانَ كَذَلِك فَيَكْفِي لتِلْك الرِّدَّة هَذَا الْإِسْلَام إِلَّا أَن يخصص ذَلِك الْوَجْه بِأَن يرْتَد صَاحِيًا ثمَّ أسلم فِي السكر وَأما نفس الرِّدَّة فَهُوَ نطق بِكَلِمَة الْكفْر استهزاء أَو اعتقادا أَو عنادا وَمن الْأَفْعَال عبَادَة الصَّنَم وَالسُّجُود للشمس وَكَذَلِكَ إِلْقَاء الْمُصحف فِي القاذورات وكل فعل هُوَ صَرِيح فِي الإستهزاء بِالدّينِ وَكَذَلِكَ السَّاحر يقتل إِن كَانَ مَا سحر بِهِ كفرا بِأَن كَانَ فِيهِ عبَادَة شمس أَو مَا يضاهيه

فروع الأول إِذا شهد اثْنَان على أَنه ارْتَدَّ فَقَالَ كذبا لم يَنْفَعهُ التَّكْذِيب لكنه يَنْفَعهُ تَجْدِيد الْإِسْلَام فِي رد الْقَتْل وَلَا ينفع فِي بينونة زَوجته وَلَو قَالَ صدقا ولكنني كنت مكْرها فَإِن ظهر مخايل الْإِكْرَاه بِأَن كَانَ أَسِيرًا بَين الْكفَّار فَالْقَوْل قَوْله وَإِن لم تكن مخايل الْإِكْرَاه حكم بالبينونة وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يخصص بِمَا إِذا حكى الشَّاهِد كلمة الرِّدَّة وَلَا يَنْبَغِي أَن تقبل الشَّهَادَة مُطلقًا لِأَن للنَّاس فِي التَّكْفِير مَذَاهِب مُخْتَلفَة فَإِذا نقل الشَّاهِد كلمة هِيَ ردة وَلم يقل ارْتَدَّ وَلكنه قَالَ قَالَ كَذَا فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ صدق وَلَكِن كنت مكْرها قَالَ الشيح أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله يصدق إِذْ لَيْسَ فِي تَصْدِيقه تَكْذِيب الشُّهُود بِخِلَاف مَا إِذا شهدُوا على الرِّدَّة فَإِن كَونه مكْرها يدْفع الرِّدَّة وَلَكِن الْجَزْم أَن يجدد الْإِسْلَام فَلَو قَتله مبادر قبل التَّجْدِيد فَفِي الضَّمَان وَجْهَان مأخوذان من تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَهُوَ عدم الْإِكْرَاه وَبَرَاءَة الذِّمَّة الثَّانِي إِذا خلف الْمُسلم ابْنَيْنِ فَقَالَ أَحدهمَا مَاتَ أبي كَافِرًا وَأنكر الآخر فَفِي حِصَّة الْمقر قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للفيء مؤاخذاة لَهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي أَنه يصرف إِلَيْهِ لِأَن للنَّاس أغراضا فِي التَّكْفِير ومذاهب

وَهُوَ لم يُصَرح بِهِ 3 وَالصَّحِيح أَن يستفصل فَإِن فسر بِمَا هُوَ كفر صرف إِلَى الْفَيْء وَإِلَّا صرف إِلَيْهِ فَإِن لم يُفَسر توقف الثَّالِث الْأَسير إِذا ارْتَدَّ مكْرها فَإِذا أفلت أمرناه بالتجديد وَإِن أَبى تبين أَنه كَانَ مُرْتَدا بِالِاخْتِيَارِ هَكَذَا قَالَه الْعِرَاقِيُّونَ وَفِيه نظر لِأَن الْمُسلم لَا يكفر بِمُجَرَّد الِامْتِنَاع عَن تَجْدِيد الْإِسْلَام وَحكم الْإِسْلَام كَانَ دَائِما لَهُ ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا ارْتَدَّ الْأَسير مُخْتَارًا ثمَّ رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي صَلَاة الْمُسلمين حكم بِإِسْلَامِهِ بِخِلَاف الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَفِي الْفرق إِشْكَال

الطّرف الثَّانِي فِي حكم الرِّدَّة وَذَلِكَ يظْهر فِي نفس الْمُرْتَد وَولده وَمَاله وَفِي أُمُور أخر ذَكرنَاهَا فِي موَاضعهَا أما نَفسه فتهدر فِي الْحَال وَيجب قَتله إِن لم يتب فَإِن تَابَ تقبل إِلَّا إِذا كَانَ زنديقا فَفِي قبُول تَوْبَته أَرْبَعَة أوجه الظَّاهِر أَنه تقبل إِذْ بَاب الْهِدَايَة غير محسوم فَلَعَلَّهُ اهْتَدَى وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هلا شققت عَن قلبه تَنْبِيها على أَن النّظر إِلَى الظَّاهِر دون السرائر وَالثَّانِي لَا تقبل لِأَن التقية عِنْد الْخَوْف عين الزندقة وَالثَّالِث أَنه إِن أسلم ابْتِدَاء من غير مُطَالبَة قبل وَإِن كَانَ تَحت السَّيْف فَلَا وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ دَاعيا إِلَى الضلال لم تقبل وَإِلَّا فَتقبل وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله إِنَّمَا تقبل تَوْبَة الْمُرْتَد مرّة وَاحِدَة وَإِن أعَاد ثَانِيًا لم تقبل وَهُوَ بعيد إِذْ من يتَصَوَّر أَن يخطىء مرّة يتَصَوَّر أَن يخطىء مرَّتَيْنِ

وَفِي الْمُبَادرَة إِلَى قتل الْمُرْتَد قَولَانِ أَحدهمَا يُبَادر إِلَى ذَلِك لِأَن جِنَايَته قد تمت وَالثَّانِي يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام لما رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي مُرْتَد بَادر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى قَتله اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا فعله أَبُو مُوسَى هلا حبستموه ثَلَاثًا تلقونَ إِلَيْهِ كل يَوْم رغيفا لَعَلَّه يَتُوب التَّفْرِيع إِن قُلْنَا الْإِمْهَال لَا يجب فَيُسْتَحَب أَو يمْنَع فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يمْنَع فَإِن قَالَ أمهلوني ريثما تجلو شبهتي بالمناظرة فَهَل يناظر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْحجَّة مُقَدّمَة على السَّيْف وَالثَّانِي لَا لِأَن الخيالات الْفَاسِدَة لَا حصر لَهَا فليقبل الْإِسْلَام ظَاهرا ثمَّ يبْحَث وَأما ولد الْمُرْتَد فَإِن تراخت الرِّدَّة عَن الْولادَة فَالْوَلَد مُسلم فَإِن علقت مرتدة من مُرْتَد فَفِي الْوَلَد ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه كَافِر أُصَلِّي وَالثَّانِي أَنه مُرْتَد يردد بعد الْبلُوغ بَين الْإِسْلَام وَالسيف وَيكون أُسْوَة أَبَوَيْهِ وَالثَّالِث أَنه مُسلم لِأَن علقَة الْإِسْلَام بَاقِيَة فِي الْمُرْتَد وَالْإِسْلَام يَعْلُو وَلَو خلف المعاهدون أَوْلَادًا فِيمَا بَيْننَا فإمَّا أَن نقبل مِنْهُم الْجِزْيَة أَو نلحقهم بمأمنهم وَأما أهل الرِّدَّة فَإِن التحقوا بدار الْحَرْب فَلَا يثبت لَهُم حكم أهل الْحَرْب فِي الإسترقاق خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَأما مَال الْمُرْتَد فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَزُول ملكه فِي الْحَال كملك النِّكَاح وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا إهانة فِيهِ على الْمُسلم بِخِلَاف النِّكَاح وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة تبين زَوَال ملكه إِلَى أهل الْفَيْء وَإِن عَاد تبين اسْتِمْرَار ملكه

التَّفْرِيع إِن قُلْنَا بِزَوَال ملكه فَكل دين كَانَ لزمَه قبل الرِّدَّة يقْضِي من مَاله كَمَا يقْضِي من تَرِكَة الْمَيِّت وَلَا خلاف أَنه ينْفق عَلَيْهِ من مَاله وَهل ينْفق على أَقَاربه الْمُسلمين وَهل تقضى دُيُونه الَّتِي التزمها فِي الرِّدَّة بإتلافه فِيهِ وَجْهَان فَلَو احتطب حصل الْملك للفيء كَمَا يحصل باحتطاب العَبْد للسَّيِّد وَكَذَا فِي اتهابه وشرائه من الْخلاف مَا فِي العَبْد وَلَا خلاف أَنه إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام عَاد ملكه وَرَهنه كَمَا يعود إِن صَار الْخمر خلا وَإِن فرعنا على بَقَائِهِ فللسلطان ضرب الْحجر عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف نظرا للفيء ثمَّ هَل يتحجر بِالرّدَّةِ أم يحْتَاج إِلَى حجر السُّلْطَان فِيهِ خلاف ثمَّ ذَلِك الْحجر كحجر السَّفِيه أَو الْمُفلس فِيهِ خلاف وحكمهما مَذْكُور فِي مَوْضِعه فَإِن قُلْنَا يحْتَاج إِلَى ضرب الْحجر نفذ تصرفه قبله وَقيل هُوَ كتصرف الْمَرِيض وَتَكون حُقُوق أهل الْفَيْء كحقوق الْغُرَمَاء حَتَّى لَا ينفذ مَعَه التَّبَرُّعَات وَلَا فِي الثُّلُث

وَإِن فرعنا على الْوَقْف لم ينفذ مِنْهُ إِلَّا كل تصرف قَابل للْوَقْف

كتاب حد الزِّنَا

عدل

الْجِنَايَة الثَّالِثَة هِيَ الزِّنَا وَهِي جريمة مُوجبَة للعقوبة إِمَّا الرَّجْم وَإِمَّا الْجلد وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي الْمُوجب والموجب والضبط فِيهِ أَن إيلاج الْفرج فِي الْفرج الْمحرم قطعا المشتهي طبعا إِذا انْتَفَت الشُّبْهَة عَنهُ سَبَب لوُجُوب الرَّجْم على الْمُحصن ولوجوب الْجلد والتغريب على غير الْمُحصن وَفِي الرابطة قيود لَا بُد من كشفها أما الْإِحْصَان فَهُوَ عبارَة عَن ثَلَاثَة خِصَال التَّكْلِيف وَالْحريَّة والإصابة فِي نِكَاح صَحِيح فَإِذا انْتَفَى التَّكْلِيف سقط أصل الْحَد فَلَا حد على الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَإِذا انْتَفَت الْإِصَابَة فقد سقط الرَّجْم وَوَجَب جلد مائَة وتغريب عَام وَلَا تقوم الْإِصَابَة فِي ملك الْيَمين مقَامه وَأما فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَوَطْء الشُّبْهَة فَقَوْلَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يحصن كَمَا فِي التَّحْلِيل وَالأَصَح أَنه لَا يشْتَرط وُقُوع الْإِصَابَة بعد الْحُرِّيَّة والتكليف وَفِيه وَجه أَنه لَا أثر للإصابة فِي الصِّبَا وَالْجُنُون وَالرّق إِذْ لَيْسَ يحصل التحصن بالمباح بِهِ

وَلَا خلاف أَنه لَا يعْتَبر وجود هَذِه الْخِصَال فِي الواطئين فالرقيق إِذا زنا بحرة رجمت وَكَذَا بِالْعَكْسِ فَإِذا وطىء الْبَالِغَة صَغِير فَفِيهِ وَجْهَان وَكَذَا بِالْعَكْسِ

وَإِنَّمَا ينقدح هَذَا فِي الَّذِي لَا يتشهي أما الْمُرَاهق فَلَا ينقدح فِيهِ خلاف إِذْ الْعَاقِلَة إِذا مكنت مَجْنُونا رجمت والمراهق المشتهي كَالْمَجْنُونِ وَالثَّيِّب إِذا زنى ببكر رجم وجلدت وَكَذَا بِالْعَكْسِ أما الْحُرِّيَّة إِذا انعدمت اقْتضى تشطير الْحَد فيجلد الرَّقِيق خمسين جلدَة وَفِي تغريبه قَولَانِ أَحدهَا أَنه لَا يغرب نظرا للسَّيِّد وَالثَّانِي أَنه يغرب وَفِي قدره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يغرب نصف سنة تشطيرا وَالثَّانِي أَنه يكمل لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطباع لَا يُؤثر فِيهِ الرّقّ كمدة الْعنَّة ثمَّ فِي أصل التَّغْرِيب مسَائِل الأولى أَن الْمَرْأَة لَا نغربها إِلَّا مَعَ مرحم فَإِن كَانَت الطّرق آمِنَة فَفِي تغريبها من غير محرم وَجْهَان وَوَجهه أَن هَذَا سفر وَاجِب كالهجرة فَإِن أَوجَبْنَا الْمحرم وَلم يُوَافق إِلَّا بِالْأُجْرَةِ فأجرته عَلَيْهَا على وَجه وعَلى بَيت المَال على وَجه كَأُجْرَة الجلاد

وَهل للسُّلْطَان إِجْبَار الْمحرم بِالْأُجْرَةِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تغريب من لَا ذَنْب لَهُ وَالثَّانِي نعم وَإِنَّمَا هُوَ استعانة فِي إِقَامَة حد فَتجب الْإِجَابَة الثَّانِيَة مَسَافَة الغربة يقدرها السُّلْطَان وَلَكِن لَا تنقص عَن مرحلَتَيْنِ لِأَن الوحشة تلتقي بتواصل الْخَبَر ثمَّ إِذا غربناه إِلَى بَلْدَة لم نمنعه من الإنتقال إِلَى أُخْرَى وَقيل يمْنَع وَهُوَ زِيَادَة حبس ضم إِلَى تغريب بِغَيْر دَلِيل نعم لَو عين الإِمَام جِهَة الْمشرق وَالْتمس جِهَة الْمغرب فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر اتِّبَاع رَأْي الزَّانِي لِأَن الْغَرَض الإزعاج نعم الْغَرِيب إِذا زنى أزعجناه لينقطع عَن مَحل الْفَاحِشَة فَلَو كَانَ إِلَى وَطنه مرحلتان فَلَا نغربه إِلَى وَطنه وَإِن غربناه إِلَى بَلْدَة فانتقل إِلَى وَطنه فَفِي مَنعه نظر وَالظَّاهِر أَنه لَا يمْنَع الثَّالِثَة لَو عَاد الْمغرب إِلَى مَكَانَهُ غربناه ثَانِيًا وَلم تحسب الْمدَّة الْمَاضِيَة على الْأَظْهر لِأَن لتوالي الغربة تَأْثِيرا لَا يُنكر كتوالي الجلدات هَذَا بَيَان الْإِحْصَان أما الْإِسْلَام فَلَيْسَ من الْإِحْصَان عندنَا بل يرْجم الذِّمِّيّ إِذا

رَضِي بحكمنا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقد رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهوديين بإقرارهما كَانَا قد أحصنا وَذَلِكَ إِذا رَضوا بحكمنا وَلَو رَضوا فِي شرب الْخمر لم

نحدهم لأَنهم لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه وَقد التزمنا متاركتهم وَالْأَظْهَر أَن الْحَنَفِيّ يحد على شرب النَّبِيذ لِأَنَّهُ فِي قَبْضَة الإِمَام وَالْحَاجة مآسة إِلَى زَجره فَأَما قَوْلنَا إيلاج فرج فِي فرج فَيتَنَاوَل اللواط وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يقتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ بِالسَّيْفِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَأَيْتُمُوهُ يعْمل عمل قوم لوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَالثَّانِي أَنه يرْجم بِكُل حَال تَغْلِيظًا

وَالثَّالِث وَهُوَ مخرج أَن الْوَاجِب التَّعْزِير وَالرَّابِع أَنه كَالزِّنَا فَيُوجب الرَّجْم على الْمُحصن وَالْجَلد على غَيره ثمَّ الْإِصَابَة فِي نِكَاح صَحِيح هَل ينقدح اعْتِبَارهَا فِي الْمَفْعُول بِهِ فِيهِ نظر وَتردد وَفِيمَا إِذا أَتَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة قيل هُوَ كاللواط وَقيل هُوَ كَالزِّنَا قطعا والغلام الْمَمْلُوك كَغَيْر الْمَمْلُوك وَقيل إِنَّه كَوَطْء الْأُخْت الْمَمْلُوكَة وَلَو أَتَى زَوجته أَو جَارِيَته فِي دبرهَا فَالْمَذْهَب سُقُوط الْحَد لِأَنَّهَا مَحل الإستمتاع بِخِلَاف الْغُلَام وَفِيه وَجه بعيد فَأَما قَوْلنَا مشتهى طبعا احْتِرَازًا بِهِ عَن الْإِيلَاج فِي الْمَيِّت فَلَا حد فِيهِ بل التَّعْزِير وَفِي الْبَهِيمَة قَولَانِ الْمَنْصُوص أَنه التَّعْزِير لَا غير لِأَنَّهُ غير مشتهى فِي حَالَة الإختيار وَفِيه قَول مخرج أَنه كاللواط وعَلى هَذَا فِي قتل الْبَهِيمَة وَجْهَان وَوجه الْقَتْل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فَقيل للراوي مَا ذَنْب الْبَهِيمَة فَقَالَ إِنَّمَا تقتل حَتَّى لَا تذكر

وَفِيه وَجه أَنَّهَا إِن كَانَت مأكولة ذبحت وَإِلَّا فَلَا لِأَن حُرْمَة الرّوح مرعية وَلَا تَكْلِيف فَإِن قُلْنَا تقتل وَكَانَت مُحرمَة اللَّحْم فَفِي وجوب قيمتهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب لِأَنَّهُ مُسْتَحقَّة الْقَتْل شرعا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ السَّبَب ثمَّ تجب على الْفَاعِل أَو على بَيت المَال فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَت مأكولة اللَّحْم فَفِي حل أكلهَا وَجْهَان إِذا ذبحت وَالأَصَح الْحل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حَيَوَان وَجب قَتله فَإِن أَوجَبْنَا الْحَد فَلَا بُد من أَرْبَعَة عدُول وَإِن أَوجَبْنَا التَّعْزِير فَفِيهِ وَجْهَان وَالنَّص يدل على اشْتِرَاط الْعدَد

وَقَوْلنَا محرم احترزنا بِهِ عَن وَطْء الْمَنْكُوحَة الصائمة والمحرمة وَالْحَائِض والرجعية فَلَا حد فِيهِ إِذْ لَيْسَ التَّحْرِيم لعَينه وَقَوْلنَا قطعا احترزنا بِهِ عَن الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَفِي النِّكَاح الْفَاسِد وَفِي الْمُتْعَة فَإِن فِيهِ كلَاما وَقَوْلنَا لَا شُبْهَة فِيهِ مَأْخُوذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ والشبهة ثَلَاثَة وَهِي إِمَّا فِي الْمحل أَو الْفَاعِل أَو طَرِيق الْإِبَاحَة

أما الشُّبْهَة فِي الْمحل فكالملك فَلَا حد على من يطَأ مملوكته وَإِن كَانَت مُحرمَة عَلَيْهِ برضاع أَو نسب أَو شركَة فِي ملك أَو تَزْوِيج أَو عدَّة من الْغَيْر لِأَن الْمُبِيح قَائِم كَمَا فِي وَطْء الصَّائِم وَالْحَائِض وَإِذا وطىء جَارِيَة ابْنه وأحبلها فَلَا حد إِذْ انْتقل الْملك إِلَيْهِ وَإِن لم تحبل فَالظَّاهِر أَن لَا حد لِأَن لَهُ فِي مَاله شُبْهَة اسْتِحْقَاق الإعفاف وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن الْحَد يجب حَيْثُ يحرم الْوَطْء بِالنّسَبِ وَالرّضَاع وَيجْرِي فِي كل تَحْرِيم مؤبد وَلَا يجْرِي فِي الْحيض وَالصَّوْم وَهل يجْرِي فِي الْمَمْلُوكَة الْمُعْتَدَّة والمزوجة فِيهِ تردد وَأما الشُّبْهَة فِي الْفَاعِل فَهُوَ أَن يظنّ التَّحْلِيل كَمَا لَو زفت إِلَيْهِ غيرت زَوجته فظنها زَوجته أَو صَادف امْرَأَة على فرَاشه ظَنّهَا زَوجته الْقَدِيمَة أَو عقد عقدا ظَنّه صَحِيحا وَلَيْسَ بِصَحِيح فَلَا حد إِذْ لَا إِثْم مَعَ الظَّن وَأما الشُّبْهَة فِي الطّرق فَهُوَ كل مَا اخْتلف الْعلمَاء فِي إِبَاحَته فَلَا حد على الواطىء فِي نِكَاح الْمُتْعَة لمَذْهَب ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَفِي نِكَاح بِلَا ولي لمَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَبلا شُهُود لمَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يجب فِي نِكَاح الْمُتْعَة لِأَنَّهُ ثَبت نسخه قطعا وَذهب الصَّيْرَفِي إِلَى إِيجَابه فِي نِكَاح بِلَا ولي حَتَّى على الْحَنَفِيّ لظُهُور الْأَخْبَار فِيهِ وَجعله كالحنفي إِذا شرب النَّبِيذ وَهُوَ بعيد

وَمَا جَاوز هَذِه الشُّبُهَات فَلَا عِبْرَة بهَا عندنَا فَيجب الْحَد على من نكح أمه أَو مَحَارمه أَو زنى بهَا وَكَذَا إِذا استؤجرت للزِّنَا أَو أَبَاحَتْ الْمَرْأَة نَفسهَا أَو جاريتها أَو زنا نَاطِق بخرساء أَو أخرس بناطقة أَو عَاقِلَة مكنت مَجْنُونا أَو اعْترف أحد الواطئين

دون الثَّانِي أَو زنا بِامْرَأَة يسْتَحق عَلَيْهَا الْقصاص أَو زنا فِي دَار الْحَرْب وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي جَمِيع ذَلِك نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي إِقَامَة الْحَد فِي دَار الْحَرْب لما فِيهِ من إثارة الْفِتْنَة وَاخْتلفُوا فِي الْمُكْره على الزِّنَا وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب أما الْمَرْأَة إِذا أكرهت على التَّمْكِين من الزِّنَا فَلَا خلاف أَنه لَا حد عَلَيْهَا هَذَا بَيَان مُوجب الْحَد وَيَنْبَغِي أَن يظْهر للْقَاضِي بِجَمِيعِ قيوده وحدوده حَتَّى يجوز لَهُ إِقَامَة الْحُدُود وَذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَار وَيَكْفِي الْإِقْرَار مرّة وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد من التّكْرَار حَتَّى قَالَ لَو ثَبت الْحَد بِالشَّهَادَةِ فَصدق الشُّهُود فَلَا حد وَإِن كذب أقيم

الْحَد وَلَا خلاف عندنَا أَنه إِذا رَجَعَ وَكذب نَفسه لم نقم الْحَد لِأَن حق الله تَعَالَى على المساهلة وَالْقصاص لَا يسْقط بِالرُّجُوعِ وَفِي حد السّرقَة خلاف وَالْأَظْهَر أَنه يسْقط وَهل ينزل منزلَة الرُّجُوع التماسه ترك الْحَد أَو هربه أَو امْتِنَاعه من التَّمْكِين فِيهِ وَجْهَان أقيسهما أَنه لَا يُؤثر وَوجه الْإِعْرَاض عَنهُ أَن شَارِب خمر هم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحده فهرب ولاذ بدار الْعَبَّاس فَلم يتَعَرَّض لَهُ ثمَّ هَذَا إِنَّمَا ينفع فِيمَا يثبت بِالْإِقْرَارِ فَإِن ثَبت بِالشَّهَادَةِ لم يَنْفَعهُ شَيْء إِلَّا التَّوْبَة وَفِيه قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يسْقط إِذْ يصير ذَلِك ذَرِيعَة

وَالثَّانِي أَنه يسْقط كَمَا يسْقط عَن قطاع الطَّرِيق إِذا تَابُوا قبل الظفر بهم كَمَا ورد بِهِ الْقُرْآن وَفِي تَوْبَته بعد الظفر بِهِ أَيْضا قَولَانِ والهرب لَا يبعد أَن يُؤثر على رَأْي وَإِن ثَبت بِالشَّهَادَةِ وَفِي المسقطات فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ مسَائِل إِحْدَاهَا لَو شهد أَرْبَعَة على زنا امْرَأَة لَكِن شهد اثْنَان على أَنَّهَا مطاوعة وَاثْنَانِ أَنَّهَا مُكْرَهَة فَلَا حد عَلَيْهَا وَفِي وجوب حد الْقَذْف على شَاهِدي المطاوعة قَولَانِ إِذْ لم يكمل عدد شَهَادَتهم أما الرجل الْمَذْكُور بِالزِّنَا فقد كمل الْعدَد فِي حَقه فَإِن حددنا الشَّاهِدين حد الْقَذْف فقد صَارا فاسقين فَلَا يجب الْحَد على الرجل بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن قُلْنَا لَا حد عَلَيْهِمَا فَالْأَظْهر وجوب حد الزِّنَا عَلَيْهِ وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِن اخْتِلَاف الشَّهَادَة فِي الصّفة أورث إشْكَالًا فِي الأَصْل الثَّانِيَة لَو شهد أَرْبَعَة على زنَاهَا فشهدن أَرْبَعَة على أَنَّهَا عذراء فَلَا حد عَلَيْهَا وَلَا يجب حد الْقَذْف على الشُّهُود لاحْتِمَال عود الْعذرَة فَيسْقط كل حد بِاحْتِمَال الثَّالِثَة لَو شهد أَرْبَعَة على الزِّنَا وَعين كل وَاحِد زَاوِيَة أُخْرَى من الْبَيْت فَلَا حد عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

الطّرف الثَّانِي فِي الِاسْتِيفَاء وَالنَّظَر فِي كيفيته ومتعاطيه أما الْكَيْفِيَّة فيرعى مِنْهَا أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا حُضُور الْوَالِي وَالشُّهُود وبداية الشُّهُود بِالرَّمْي وَذَلِكَ مُسْتَحبّ عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب حُضُور الْوَالِي إِن ثبتَتْ بِالْإِقْرَارِ وَحُضُور الشُّهُود إِن ثبتَتْ بِالشَّهَادَةِ وَيجب بدايتهم بِالرَّمْي

الثَّانِي حِجَارَة الرَّجْم لَا بُد مِنْهَا فَلَو عدل إِلَى السَّيْف وَقع الْموقع وَلَكِن فِيهِ ترك التنكيل الْمَقْصُود ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يثخن بصخرة كَبِيرَة دفْعَة وَلَا أَن يطول عَلَيْهِ بحصيات خَفِيفَة الثَّالِث إِن كَانَ الزَّانِي مَرِيضا وَهُوَ مرجوم فيرجم لِأَنَّهُ مستهلك وَإِن كَانَ يجلد فيؤخر إِلَى الْبُرْء إِن كَانَ منتظرا وَلَا يحبس إِن ثبتَتْ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ مهما أَرَادَ قدر على الرُّجُوع وَإِن ثبتَتْ بِالْبَيِّنَةِ حبس كَمَا تحبس الْحَامِل وَإِن كام مجروحا وَلَا ينظر زَوَال مَا بِهِ وَلَا يحْتَمل مائَة جلدَة فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثله خُذُوا عثْكَالًا عَلَيْهِ مائَة شِمْرَاخ فاجلدوه بِهِ وَالْأَظْهَر أَنه يضْرب بِهِ ضربا فِيهِ إيلام وَلَا يَكْتَفِي بِمَا يكْتَفى بِهِ فِي الْيَمين وَلَا يشْتَرط أَن تمسه جَمِيع الشماريخ بل يَكْفِي أَن تتثاقل عَلَيْهِ وتنكبس فَلَو كَانَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ ضَرَبْنَاهُ مرَّتَيْنِ فَلَو كَانَ يحْتَمل كل يَوْم سَوْطًا فَلَا نفرق بل يجلد فِي الْحَال وَلَو كَانَ يحْتَمل سياطا خفافا

فَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه يعدل إِلَى العثكال لإِطْلَاق الْخَبَر وَيحْتَمل أَن يُقَال ذَلِك أقرب إِلَى الْحَد فَإِذا ضَرَبْنَاهُ بالعثكال فَزَالَ مَرضه على الندور لم نعد الْحَد بِخِلَاف حج المعضوب الرَّابِع الزَّمَان فَلَا يُقَام الْجلد فِي فرط الْحر وَالْبرد بل يُؤَخر إِلَى اعْتِدَال الْهَوَاء وَالرَّجم إِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ يُقَام بِكُل حَال وَإِن ثَبت بِالْإِقْرَارِ يُؤَخر إِلَى اعْتِدَال الْهَوَاء لِأَنَّهُ رُبمَا يرجع إِذا مسته الْحِجَارَة فيسري الْقَلِيل مِنْهُ فِي الْحر وَإِذا بَادر الإِمَام فِي الْحر المفرط فجلد وَمَات فالنص أَنه لَا يضمن وَنَصّ أَنه لَو ختن الإِمَام مُمْتَنعا عَن الْخِتَان فِي الْحر فسرى ضمن فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا أَنه يضمن لإفراطه فِي البدار فِي غير وقته وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن الْحَد مُسْتَحقّ وَلم يزدْ على الْمُسْتَحق وَقيل بِالْفرقِ لِأَن الْخِيَار لَيْسَ إِلَى الْوُلَاة فِي الأَصْل فَجَاز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة بِخِلَاف الْحَد فَإِن قُلْنَا يضمن أَوجَبْنَا التَّأْخِير وَإِن قُلْنَا لَا جعلنَا التَّأْخِير مُسْتَحبا لَا وَاجِبا وَيجوز أَن يُقَال يُبَاح التَّعْجِيل وَلَكِن بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة

ثمَّ يحْتَمل أَن يُقَال شَرطه أَن تغلب السَّلامَة مِنْهُ إِذْ لَيْسَ المُرَاد من الْحَد الْقَتْل حَتَّى لَو تعدى بِهِ مُتَعَدٍّ فَلَا قصاص وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يعْتَبر ذَلِك إِلَّا فِي التَّعْزِير أما الْحَد فَلَا يبعد أَن يكون قَاتلا فَلَا يجب الْقصاص بِهِ وَمن مَاتَ بِهِ فَالْحق قَتله وَيدل عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على جَوَاز الْمُبَادرَة فِي الْحر فَأَما المستوفي للحد فَهُوَ الإِمَام فِي حق الْأَحْرَار وَالسَّيِّد فِي حق المماليك عندنَا لَا فِي الْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق فَأَما الْمُدبر وَأم الْوَلَد فقن وَللْإِمَام الِاسْتِيفَاء أَيْضا ثمَّ إِذا اجْتمع السَّيِّد وَالسُّلْطَان فَأَيّهمَا أولى فِيهِ احْتِمَال وَهل للسَّيِّد تَعْزِير عَبده الظَّاهِر أَن لَهُ ذَلِك وَقيل لَا إِذْ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا زنت أمة أحدكُم فليحدها فَلم يرد الْخَبَر إِلَّا فِي الْحَد ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن مأخذه الْولَايَة أَو استصلاح الْملك فَإِن قُلْنَا مأخذه الْولَايَة لم يكن ذَلِك للْمَرْأَة وَالْفَاسِق وللمكاتب فِي عبيدهم وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الْقطع وَالْقَتْل فَمن جعله ولَايَة سلط السَّيِّد عَلَيْهِ وَمن جعله استصلاحا فَهُوَ اسْتِهْلَاك فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْقطع استصلاحا فَهُوَ اسْتِهْلَاك فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْقطع استصلاح بِخِلَاف الْقَتْل

ثمَّ هَذَا فِيهِ إِذا شهد السَّيِّد الْفَاحِشَة أَو أقرّ فَأَما إِذا شهد الشُّهُود فَإِن قُلْنَا استصلاح فَلَيْسَ لَهُ منصب الحكم وَإِن قُلْنَا ولَايَة فَوَجْهَانِ لِأَن الحكم يَسْتَدْعِي منصبا فَإِن منعناه فيستوفيه إِذا قضى بِهِ القَاضِي فَإِن جَوَّزنَا لَهُ سَماع الْبَيِّنَة لم نشترط كَونه مُجْتَهدا بل يَكْفِيهِ الْعلم بِمَا يُوجب الْحَد فرع من قتل حدا غسل وَصلي عَلَيْهِ وَدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين كالمقتول قصاصا

الْجِنَايَة الرَّابِعَة هِيَ الْقَذْف كتاب حد الْقَذْف وَالنَّظَر فِي الْمُوجب وَالْوَاجِب أما الْمُوجب فالنظر فِي الْقَذْف والقاذف والمقذوف أما الْقَذْف فقد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان وَالَّذِي نزيده الْآن أَنه لَا بُد أَن يكون فِي معرض التعيير فَلَو كَانَ فِي معرض الشَّهَادَة فَلَا حد إِلَّا إِذا ردَّتْ الشَّهَادَة لعدم الْأَهْلِيَّة كَمَا لَو كَانَ الشَّاهِد عبدا أَو ذِمِّيا فَعَلَيْهِم حد الْقَذْف وَإِن ردَّتْ الشَّهَادَة بِنُقْصَان الْعدَد بِأَن شهد ثَلَاثَة فَفِيهِ قَولَانِ أقيسهما أَنه لَا يجب لِأَن الشَّهَادَة أَمَانَة يجب أَدَاؤُهَا وكل وَاحِد لَا يكون على ثِقَة من مساعدة غَيره وَالثَّانِي أَنه يجب لقصة عمر رَضِي الله عَنهُ مَعَ أبي بكرَة

وَأما إِذا شهد لَهُ أَرْبَعَة ثمَّ رَجَعَ وَاحِد فالراجع مَحْدُود والمصر غير مَحْدُود إِذْ تمت الشَّهَادَة أَولا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ بعيد ثمَّ ذَلِك لَا ينقدح فِي الرُّجُوع بعد الْقَضَاء أصلا أما إِذا ردَّتْ الشَّهَادَة بِالْفِسْقِ فَإِن كَانَ بفسق يُجَاهر بِهِ فَفِيهِ قَولَانِ وَإِن كَانَ بفسق خَفِي انْكَشَفَ فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يحد وَوجه إِسْقَاط الْحَد أَن الْفَاسِق من أهل الشَّهَادَة عِنْد بعض الْعلمَاء

أما رد شَهَادَتهم بأَدَاء اجْتِهَاده إِلَى فسقهم فَلَا حد عَلَيْهِم إِذْ الْحَد يسْقط بالإحتمال أما الْقَاذِف فَيعْتَبر فِيهِ التَّكْلِيف وَالْحريَّة وَإِن انْتَفَى التَّكْلِيف فَلَا حد وَإِن انْتَفَت الْحُرِّيَّة تشطر الْحَد وَهَذَا يدل على مشابهته حُقُوق الله تَعَالَى لَكِن الْغَالِب فِي حد الْقَذْف حق الْآدَمِيّ إِذْ يسْقط بِعَفْو الْمَقْذُوف وَلَكِن لَا يسْقط بِإِبَاحَة الْقَذْف على الصَّحِيح وَلَا يَقع الْموقع إِذا استوفى الْمَقْذُوف لِأَن للإجتهاد دخلا فِي تَقْدِير وَقع الجلدات فَهُوَ من شَأْن الْوُلَاة لَا كَالْقَتْلِ الَّذِي يَقع موقعه فِي حق الزَّانِي الْمُحصن إِذا بَادر إِلَيْهِ وَاحِد من الْمُسلمين وَإِن تعدى بِهِ ومستحق الْقطع وَالْقَتْل قصاصا عَلَيْهِ أَن يرفع إِلَى القَاضِي فَإِن اسْتَقل بِهِ وَقع موقعه وينقدح وَجه فِي حد الْقَذْف أَيْضا أَنه يَقع موقعه أما الْمَقْذُوف فَيعْتَبر إحْصَانه لإِيجَاب الْحَد وَقد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان الطّرف الثَّانِي فِي قدر الْوَاجِب وَهُوَ ثَمَانُون جلدَة على الْحر وَأَرْبَعُونَ على الرَّقِيق فَإِن تعدد الْقَذْف بِأَن نسبه إِلَى زنيتين فَإِن لم يَتَخَلَّل اسْتِيفَاء الْحَد تدَاخل وَإِن تخَلّل فَقَوْلَانِ أصَحهمَا أَنه يحد حدا آخر لتجدد الْمُوجب وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قد ظهر كذبه فِي حَقه مرّة وَاحِدَة وَلَو عين الزِّنَا بشخص أَولا ثمَّ أطلق الزِّنَا ثَانِيًا حمل على الأول مَا أمكن وَلم نستأنف الْحَد وَلَو قذف شَخْصَيْنِ بكلمتين فحدان وَلَو قَالَ زنيتما فَفِي تعدد الْحَد خلاف وَقد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان فِي جملَة من أَحْكَام الْقَذْف وَالْحَد فَلَا نعيده

الْجِنَايَة الْخَامِسَة الْمُوجبَة للحد السّرقَة = كتاب حد السّرقَة = وَالْكَلَام فِيهِ فِي الْمُوجب وَفِي طَرِيق إِيجَابه بِالْحجَّةِ وَفِي الْوَاجِب الطّرف الأول فِي الْمُوجب وَهُوَ السّرقَة وَلها ثَلَاثَة أَرْكَان الْمَسْرُوق وَالسَّرِقَة وَالسَّارِق الرُّكْن الأول الْمَسْرُوق وَله سِتَّة شُرُوط أَن يكون نِصَابا مَمْلُوكا لغير السَّارِق ملكا مُحْتَرما تَاما محرزا لَا شُبْهَة للسارق فِيهِ فلنشرح هَذِه الْقُيُود الشَّرْط الأول النّصاب وَهُوَ عندنَا ربع دِينَار فَصَاعِدا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قطع إِلَّا فِي

ربع دِينَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة رداهم وَقَالَ دَاوُد رَحمَه الله لَا يشْتَرط النّصاب ثمَّ نُرِيد الرّبع الْمَضْرُوب دون الإبريز

فروع الأول لَو سرق ربع مِثْقَال من الإبريز لَا يسوى ربعا مَضْرُوبا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا قطع لأَنا نقوم السّلع بالمضروب وَهُوَ كسلعة وَالثَّانِي يجب لِأَن الِاسْم ينْطَلق عَلَيْهِ فَيجب بِهِ وَإِن لم يقوم بِهِ وعَلى هَذَا لَو سرق خَاتمًا قِيمَته ربع ووزنه سدس وَجب الْقطع إِن اعْتبرنَا التَّقْوِيم وَإِن اعْتبرنَا بِالْوَزْنِ فَلَا قطع الثَّانِي لَو سرق دَنَانِير ظَنّهَا فُلُوسًا لَا تَسَاوِي ربعا وَجب الْقطع وَلَا يشْتَرط علمه بِكَوْنِهِ نِصَابا وَلَو سرق جُبَّة قيمتهَا دون النّصاب لَكِن فِي جيبها دِينَار وَهُوَ لم يشْعر بِهِ وَجب الْحَد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب ولأصحابنا وَجه يُوَافقهُ من حَيْثُ إِنَّه لم يقْصد إِخْرَاج دِينَار الثَّالِث لَو نقص قيمَة النّصاب بِأَكْلِهِ أَو تمزيقه قبل الْإِخْرَاج من الْحِرْز فَلَا قطع وَإِن نقص بعد وَجب الْقطع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب

الرَّابِع لَو أخرج نِصَابا وَلَكِن بكرات وكل كرة نَاقص عَن نِصَاب فَلَا قطع وَإِنَّمَا تَتَعَدَّد الكرات بِأَن يُعَاد إحكام الْحِرْز ويطلع الْمَالِك على الأول فَلَو لم يَتَخَلَّل ذَلِك وَلَكِن كَانَ يُخرجهُ شَيْئا شَيْئا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب لتَعَدد الصُّورَة وَالثَّانِي يجب إِذْ السَّارِق قد يحْتَاج إِلَى أَن يُخرجهُ مفرقا وَالثَّالِث أَنه إِن تخَلّل طول زمَان أَو رد الْمَسْرُوق إِلَى بَيت السَّارِق وَلَو فِي زمَان قصير

فَلَا قطع وَإِن لم يَتَخَلَّل شَيْء من ذَلِك فمتحد الْخَامِس لَو فتح أَسْفَل كندوج وَكَانَ يخرج شَيْئا شَيْئا على التواصل فَإِن قُلْنَا يجب ثمَّ وَإِن لم يتواصل فها هُنَا أولى وَإِن لم نوجب ثمَّ فها هُنَا وَجْهَان لِأَن الْفِعْل مُتحد وَلَا خلاف أَنه لَو أَخذ طرف منديل فَكَانَ يجره وَيخرج من الْحِرْز شَيْئا شَيْئا وَجب الْقطع لِأَن ذَلِك فِي حكم المتحد وَلَو أخرج نصفه وَترك النّصْف الآخر فِي الْحِرْز فَلَا قطع وَإِن كَانَ الْقدر الْمخْرج لَو فصل لَكَانَ يُسَاوِي نِصَابا لِأَنَّهُ شَيْء وَاحِد وَلم يتم إِخْرَاجه السَّادِس لَو جمع من الْبذر المبثوث فِي الأَرْض مَا يبلغ نِصَابا وَهُوَ مُحرز فَالصَّحِيح وجوب الْقطع وَقيل لَا يجب لِأَن كل حُفْرَة حرز حَبَّة فَلم يخرج من كل حرز إِلَّا بعض النّصاب السَّابِع إِذا اشْترك رجلَانِ فِي حمل مَا دون نصف دِينَار فَلَا قطع عَلَيْهِمَا وَلَو حملا مِقْدَار نصف لزمهما إِذْ يخص كل وَاحِد نِصَاب فَإِن قيل كَيفَ يجب الْقطع بالتقويم وَهُوَ مُجْتَهد فِيهِ قُلْنَا يَنْبَغِي أَن يقطع الْمُقَوّم بِأَنَّهُ يُسَاوِي الرّبع فَلَو قَالَ أَظن أَنه يُسَاوِي لم يجب الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مَمْلُوكا لغير السَّارِق فَلَا قطع على من سرق ملك نَفسه وَإِن كَانَ مَرْهُونا أَو مُسْتَأْجرًا وَكَذَا لَو طَرَأَ ملكه قبل إِخْرَاجه بِمَوْت الْمَوْرُوث فَلَا قطع وَلَو طَرَأَ بعد الْإِخْرَاج لم يُؤثر عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

ثمَّ لَو ادّعى السَّارِق الْملك سقط الْحَد بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ إِذْ صَار خصما يجب الْيَمين بِدَعْوَاهُ على صَاحب الْيَد فيبعد أَن تقطع يَده بِيَمِين غَيره وَفِيه قَول مخرج أَنه يجب الْحَد لِأَن هَذَا يصير ذَرِيعَة ثمَّ إِذا فرعنا على النَّص فَلَو ادّعى الْملك لشَرِيكه فِي السّرقَة أَو لسَيِّده وَهُوَ عبد سقط أَيْضا نعم لَو كذب السَّيِّد أَو الشَّرِيك سقط عَن الْمُدَّعِي أَيْضا وَلَكِن هَل يسْقط عَن الشَّرِيك المكذب فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يسْقط لِأَنَّهُ لم يدع لنَفسِهِ شُبْهَة وَقَالَ الْقفال يسْقط لِأَنَّهُ جرت الدَّعْوَى لَو صدق لسقط فَصَارَ كَمَا لَو أقرّ الْمَسْرُوق مِنْهُ للسارق فكذب فَإِنَّهُ لَا قطع الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون مُحْتَرما فَلَا قطع على سَارِق الْخمر وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ لَا مَالِيَّة وَلَا حُرْمَة وَلَا على سَارِق الطنبور والبربط والملاهي وَإِن كَانَ الرضاض بعد الْكسر يُسَاوِي نِصَابا مهما أخرجه على قصد الْكسر وَإِن قصد السّرقَة فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ لم يُخرجهُ على الْوَجْه الْجَائِز وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن الْحِرْز لَا يتَحَقَّق مَعَه وَهُوَ مسلط على الدُّخُول والإخراج ويطرد هَذَا فِي أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة حَيْثُ يجب كسرهَا الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون الْملك تَاما قَوِيا احترزنا بالتمام عَمَّا يكون للسارق فِيهِ شركَة أَو حق فَلَو سرق أحد الشَّرِيكَيْنِ مَالا مُشْتَركا من صَاحبه فَالظَّاهِر أَنه لَا قطع عَلَيْهِ حَتَّى لَو لم يكن لَهُ من ألف دِينَار سَرقَة إِلَّا دِينَار فَلَا قطع إِذْ لَا جُزْء مِنْهُ إِلَّا وَله فِيهِ حق شَائِع فَيصير شُبْهَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا أثر للشَّرِكَة بل لَو سرق نصف دِينَار من مَال مُشْتَرك بَينهمَا قطع إِذْ قدر النّصاب لَيْسَ ملكا لَهُ مِمَّا أخرجه وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كَذَلِك إِن لم يكن المَال قَابلا للْقِسْمَة أما إِذا كَانَ بَينهمَا دِينَارَانِ فَسرق أَحدهمَا دِينَارا فَلَا قطع وَيحمل ذَلِك على قسْمَة فَاسِدَة وَلَو سرق دِينَارا وربعا لزمَه لَا محَالة أما مَا للسارق فِيهِ حق كَمَال بَيت المَال فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا قطع لِأَنَّهُ مرصد لمصلحته إِذا مست حَاجته إِلَيْهِ وَلَا ينظر إِلَى استغنائه فِي الْحَال كالابن لَا تقطع يَده بِسَرِقَة مَال أَبِيه وَإِن كَانَ غَنِيا وَالثَّانِي أَنه إِن سرق من مَال الصَّدقَات من هُوَ فَقير فَلَا قطع

وَإِلَّا فَيجب وَأما الإبن فَلَا قطع لأجل البعضية وَيدل عَلَيْهِ أَن الذِّمِّيّ لَو سرق قطع وَيتَصَوَّر أَن يقدر إِسْلَامه وَفِيه وَجه أَنه يقدر كَمَا يقدر الْفقر فِي الْغَنِيّ وَلَا خلاف فِي أَن مَا أفرز للمرتزقة أَو ميز من الْخمس لذِي الْقُرْبَى واليتامى وَقُلْنَا إِنَّه ملكهم فَإِذا سَرقه من لَيْسَ مِنْهُم يقطع فَأَما الْقُوَّة فاحترزنا بِهِ عَن الْملك الضَّعِيف كالمستولدة وَالْوَقْف وَفِيهِمَا وَجْهَان أصَحهمَا الْوُجُوب لتحَقّق أصل الْملك ولزومه وَأما الْمَسَاجِد فَفِي حصرها وقناديلها ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الْقَنَادِيل والزينة وَبَين الْفرش الَّتِي ينْتَفع بِهِ كل أحد وَأما بَاب الْمَسْجِد وأجذاعه وَسَائِر أَجْزَائِهِ فَيجب فِيهِ الْقطع وَيتَّجه فِيهِ أَيْضا تَخْرِيج وَجه من الْقنْدِيل وَالظَّاهِر أَن من وطىء جَارِيَة من

بَيت المَال حد كالابن يطَأ جَارِيَة أَبِيه وَفِي جَارِيَة بَيت المَال وَجه أَنه لَا يجب الشَّرْط الْخَامِس كَون المَال نقيا عَن شُبْهَة اسْتِحْقَاق السَّارِق فمستحق الدّين إِذا سرق مَال من عَلَيْهِ دين وَمن عَلَيْهِ الدّين غير مماطل قطع وَإِن كَانَ مماطلا وسرق جنس حَقه فَلَا قطع إِذْ لَهُ أَن يمتلك ذَلِك وَإِن كَانَ غير جنس حَقه فَالْمَذْهَب أَنه لَا قطع أَيْضا وَقيل إِنَّه يجب إِن قُلْنَا إِنَّه لَا يَتَمَلَّكهُ أما اسْتِحْقَاق النَّفَقَة فَهُوَ سَبَب لإِسْقَاط الْقطع فَلَا يقطع الابْن بِسَرِقَة مَال أَبِيه وجده وَسَائِر أَبْعَاضه لِأَن مَاله مرصد لِحَاجَتِهِ وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى أَن لَا تقطع يَده وَلَا ينظر إِلَى غنائه فِي الْحَال أما نَفَقَة الزَّوْجِيَّة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا تقطع يَد كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ بِمَال الآخر لما بَينهمَا من الإتحاد الْعرفِيّ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي أَنه يقطع إِذْ هُوَ اتِّحَاد لَا يُوجِبهُ الشَّرْع وَالثَّالِث أَن الزَّوْجَة لَا تقطع لأجل حق النَّفَقَة وَالزَّوْج يقطع التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَا يقطع فَلَو سرق عبد أَحدهمَا من مَال الآخر فَفِيهِ

وَجْهَان وَوجه إِيجَابه أَنه يلْزم عَلَيْهِ أَن لَا يقطع ولد أَحدهمَا بِسَرِقَة مَال الآخر وَكَيف يُمكن ذَلِك وَولد الْأَب يقطع وَهُوَ الْأَخ هَذِه وُجُوه للشُّبْهَة الْمُعْتَبرَة ويؤثر أَيْضا ظن السَّارِق أَنه ملكه أَو ملك أَبِيه وَأَن الْحِرْز ملكه فَأَما كَون الشَّيْء مُبَاح الأَصْل كالكلأ وَالصَّيْد والحطب أَو رطبا كالفواكه والمرق أَو مضموما إِلَى مَا لَا قطع فِيهِ أَو كَونه مسروقا مرّة أُخْرَى وَقد قطع فِيهِ أَو متعرضا لتسارع الْفساد كالمرق والجمد والشمع المشتعل فَكل ذَلِك يقطع فِيهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

وَأما المَاء فَإِن قُلْنَا إِنَّه مَمْلُوك وَبلغ نِصَابا وَجب الْقطع فِيهِ أَيْضا وَلَا خلاف أَنه لَا يشْتَرط كَون الْمَسْرُوق فِي يَد الْمَالِك بل لَو سرق فِي يَد الْوَكِيل وَالْمُودع وَالْمُرْتَهن وَغَيرهم وَجب الْقطع الشَّرْط السَّادِس كَونه محرزا ونعنى المحرز مَا يكون سارقه على خطر وغرر خوفًا من الإطلاع عَلَيْهِ فَلَا قطع على من يَأْخُذ مَالا من مضيعة وعمدة الْحِرْز اللحاظ فَلَا قطع على من سرق مَالا من قلعة حَصِينَة فِي بَريَّة لِأَنَّهُ لَا خطر فِي أَخذه بالنقب والحيل نعم إِن لم يكن للموضع حصانة فَلَا بُد من لحاظ دَائِم كالشارع والصحراء وَإِن كَانَ لَهُ حصانة كالدور والحانوت فَلَا بُد من أصل اللحاظ وَلَا يشْتَرط دَوَامه إِذْ حِيلَة التسلق وَالْفَتْح والنقب يُنَبه الملاحظين والمحكم فِيهِ الْعرف هَذِه هِيَ الْقَاعِدَة وَشَرحه بصور الأولى أَن الإصطبل حرز للدواب دون الثِّيَاب مهما كَانَ مُتَّصِلا بالدور لِأَن عسر نقل الدَّوَابّ مَعَ أصل الحصانة واللحاظ يُوجب خطرا فِي سرقتها وَأما الثِّيَاب فيتيسر نقلهَا واخفاؤها وَكَذَلِكَ عَرصَة الدَّار حرز للفرش وَثيَاب البذلة دون الدَّنَانِير لقَضَاء الْعرف فَإِن وَاضع الدَّنَانِير فِيهِ مضيع والمحكم فِيهِ الْعرف الثَّانِيَة مَا أحرز بِمُجَرَّد اللحاظ كالمتاع الْمَوْضُوع فِي الصَّحرَاء أَو الشَّارِع أَو الْمَسْجِد فَلَا بُد من دوَام اللحاظ بِحَيْثُ لَا يتَّفق إِلَّا فترات لَطِيفَة قد ينحذق السَّارِق فِي معافصتها وَقد يخطىء فِيهِ وَيسْقط ذَلِك بِالنَّوْمِ وَبِأَن يوليه ظَهره ويضعف أَيْضا بِأَن يكون فِي مَحل لَا يلْحقهُ الْغَوْث فَلَا يُبَالِي السَّارِق بِهِ لِأَنَّهُ ضائع مَعَ مَاله وَهل يسْقط الْحِرْز بزحمة النَّاس كَمَا فِي الْمَسْجِد المزحوم أَو الشَّارِع فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه لَا يسْقط لِأَن اللحاظ يُحِيط بالمتاع وَالثَّانِي نعم لِأَن الْحس يشْتَغل بتزاحم النَّاس فَيذْهب عَن الْمَتَاع وَهَذَا جَار فِي الخباز والتاجر إِذا ازْدحم النَّاس على حانوتهم للمعاملة أما الْمَسْجِد الْخَالِي فالفعل فِيهِ ملحوظ إِلَّا أَن يكون وَرَاء ظَهره فَيكون مضيعا الثَّالِثَة مَا يعْتَمد حصانة الْموضع مَعَ أدنى لحاظ كالموضوع فِي الدَّار فَهُوَ مُحرز وَإِن نَام صَاحب الدَّار لِأَن حَرَكَة السَّارِق تنبه الْمَالِك غَالِبا إِن كَانَ الْبَاب مغلقا وَإِن كَانَ مَفْتُوحًا بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضائع وَإِن كَانَ بِالنَّهَارِ وَاعْتمد فِيهِ لحاظ الْجِيرَان لِأَن بَابه مطروق فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه مُحرز كالمتاع على أَطْرَاف حوانيت البقالين والصباغين وَغَيرهم فَإِنَّهُ ملحوظ من جِهَة الْجِيرَان ومحرز بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَعْين تقع على الْأَمْتِعَة وَلَا تقع على قَعْر الدَّار ويتساهل الْجِيرَان إِذا علمُوا بِأَن الْمَالِك فِيهِ وَلذَلِك ذكرُوا وَجْهَيْن فِيمَا لَو كَانَ الْمَالِك مستيقظا فِي الدَّار وَلَكِن تغفله السَّارِق فَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا لم يكن لحاظ دَائِم يكون مثله فِي الصَّحرَاء محرزا لَكِن قد يتَرَدَّد الْمَالِك فِي جَوَانِب الدَّار فَلَا يديم اللحاظ فَلَو ادّعى السَّارِق أَنه كَانَ لَا يديم اللحظ بل نَام أَو أعرض فَيسْقط الْحَد بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْملك

الرَّابِعَة أَن الْخيام لَيست حرْزا لِأَنَّهُ يُمكن سرقتها فِي نَفسهَا وَلَكِن إحكام الرَّبْط وتنضيد الْأَمْتِعَة قد يُغني عَن دوَام اللحاظ وَكَذَلِكَ الدَّوَابّ فِي الصَّحرَاء ملحوظة بأعين الرُّعَاة إِذا كَانُوا على نشز فَأَما من يَسُوق قطارا من الْإِبِل قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ مُحرز بالقائد وأقصى عدد القطار تِسْعَة وَهُوَ صَحِيح إِذا كَانَ يَسُوق فِي الْأَسْوَاق فَإِن الْأَعْين تلاحظه وَفِي سكَّة خَالِيَة وَهُوَ يلحظه وَرَاءه فَإِن انحرفت السِّكَّة فَمَا غَابَ عَن بَصَره فَغير مُحرز أما إِذا كَانَ الْمَكَان خَالِيا وَهُوَ لَا يلْتَفت فَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ أَنه مُحرز بالسائق والمحرز بالقائد هُوَ الأول وبالراكب مركوبه وَمَا أَمَامه وَوَاحِد من وَرَائه الْخَامِسَة لَا قطع على النباش إِن سرق الْكَفَن من قبر فِي مضيعة وَقيل إِنَّه يجب لِأَنَّهُ مُحرز بهيبة النُّفُوس عَن الْمَوْتَى وَهُوَ ضَعِيف وَيجب الْقطع إِذا سرق من قبر فِي بَيت محروس وَكَونه كفنا لَا يدْرَأ الْقطع عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله أما المدفون فِي مَقَابِر الْمُسلمين على أَطْرَاف الْبَلَد فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ مُحرز بلحاظ الطارقين مَعَ حصانة الْقَبْر وهيبة النُّفُوس عَن الْمَيِّت فمجموع هَذَا يُخرجهُ عَن كَونه ضائعا وَالثَّانِي أَنه لَا قطع لِأَنَّهُ بعيد عَن الْأَعْين وَلَا مبالاة بهيبة النُّفُوس فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي الثَّوْب الْمَوْضُوع مَعَ الْكَفَن أَو الملفوف على الْمَيِّت زَائِدا على الْعدَد الشَّرْعِيّ وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الْعرف لَا يَجْعَل هَذَا حرْزا لغير الْكَفَن كَمَا لَا يَجْعَل الإصطبل حرْزا لغير الدَّوَابّ ثمَّ الصَّحِيح أَن حق الْخُصُومَة للْوَارِث لِأَن الْملك فِي الْكَفَن للْوَارِث على الْأَصَح وَلَو كَفنه أَجْنَبِي فالخصومة للمكفن وَكَأَنَّهُ إِعَارَة لَا رُجُوع فِيهَا وَإِلَّا فَلَا يزَال ملكه إِلَى الْمَيِّت السَّادِسَة إِذا كَانَ الْحِرْز ملكا للسارق فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يكون مُسْتَأْجرًا مِنْهُ فَعَلَيهِ الْقطع إِذْ لَيْسَ لَهُ الدُّخُول والإحراز من مَنَافِع الدَّار وَقد زَالَ ملكه بِالْإِجَارَة الثَّانِيَة أَن يكون مستعارا مِنْهُ وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا قطع إِذْ لَهُ الدُّخُول إِلَى ملك نَفسه وَالثَّانِي يجب الْقطع إِذْ الدُّخُول على هَذَا الْوَجْه غير جَائِز وَإِنَّمَا يجوز بعد الرُّجُوع وَلم يرجع وَالثَّالِث أَنه إِن قصد الرُّجُوع بِدُخُولِهِ فَلَا قطع وَإِلَّا قطع وَهُوَ كَالْمُسلمِ إِذا وطىء حربية فِي دَار الْحَرْب فَإِن قصد الْقَهْر والإستيلاد فولده نسب وَإِن لم يقْصد فَهُوَ زَان وَلَا نسب لوَلَده مِنْهُ

الثَّالِثَة أَن يكون مَغْصُوبًا مِنْهُ فَلَا قطع عَلَيْهِ وَإِن أَخذ مَال الْغَاصِب لِأَنَّهُ لَا حرز فِي حَقه أما إِذا لم يكن الْحِرْز ملكه وَلَكِن فِيهِ مَال مَغْصُوب مِنْهُ فَدخل وَأخذ غير مَال نَفسه فَفِي الْقطع وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب إِذْ أَخذ مَال غَيره من ملك غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن لَهُ التهجم على الْموضع لأجل مَال نَفسه فَسقط الْحِرْز فِي حَقه أما إِذا دخل غير الْمَغْصُوب مِنْهُ فَإِن أَخذ مَال الْغَاصِب قطع وَإِن أَخذ المَال الْمَغْصُوب فَفِيهِ وَجْهَان مبنيان على أَن غير الْمَغْصُوب مِنْهُ هَل لَهُ انتزاع المَال من يَد الْغَاصِب بطرِيق الْحِسْبَة فرع الدَّار الْمَغْصُوبَة هَل هِيَ حرز عَن الْمَغْصُوب مِنْهُ قَالَ الْقفال رَحمَه الله لَيْسَ بحرز لِأَن مَنْفَعَة الدَّار غير مَمْلُوكَة والإحراز من الْمَنَافِع وَفِي كَلَام غَيره إِشَارَة إِلَى أَنه حرز

الرُّكْن الثَّانِي نفس السّرقَة وَهِي عبارَة عَن إبِْطَال الْحِرْز وَنقل المَال وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بِثَلَاثَة أَطْرَاف الطّرف الأول فِي إبِْطَال الْحِرْز وَذَلِكَ إِمَّا بالنقب أَو بِفَتْح الْبَاب وَفِيه صور الأولى أَنه لَو نقب وَعَاد لَيْلَة أُخْرَى للإخراج فَالظَّاهِر وجوب الْقطع كالمتصل إِلَّا أَن يكون الْمَالِك قد اطلع وأهمل فَإِنَّهُ لَا قطع إِذْ أَخذه من مضيعة وَإِن أخرج المَال غير الناقب إِمَّا على الإتصال أَو بعده فَلَا قطع إِذْ الأول لم يخرج وَالثَّانِي أَخذ من مضيعة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها فِي قطع الْمخْرج إِذا جرى ذَلِك عَن تعاون كَيْلا يصير ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى الْإِسْقَاط الثَّانِيَة إِذا تعاون رجلَانِ فِي النقب والإخراج جَمِيعًا وَأَخْرَجَا مَا يخص كل وَاحِد نِصَابا قطعا وَلَا يشْتَرط امتزاج الْفِعْلَيْنِ فِي النقب كَمَا فِي قطع الْيَد لإِيجَاب الْقصاص أما الْإِخْرَاج فَلَا بُد وَأَن يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا قدر نِصَاب أَو يحملا قدر نصف دِينَار مَعًا فَلَو أَخذ أَحدهمَا سدسا وَالْآخر ثلثا قطع صَاحب الثُّلُث دون صَاحب السُّدس الثَّالِثَة لَو اشْتَركَا فِي النقب وَانْفَرَدَ أَحدهمَا بِإِخْرَاج نِصَاب فعلى الْمخْرج الْقطع لِأَن مشاركته فِي النقب كالإنفراد وَلَا يشْتَرط امتزاج الْفِعْلَيْنِ بالنقب بل لَو أخرج أَحدهمَا لبنة وَالْآخر لبنة هَكَذَا تمت الشّركَة وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من الإمتزاج والتحامل

على آلَة وَاحِدَة حَتَّى يصير كالمنفرد كالشركة فِي قطع الْيَد وَفِي إِخْرَاج المَال

الرَّابِعَة لَو اشْتَركَا فِي النقب وَدخل أَحدهمَا وَأخرج المَال إِلَى بَاب الْحِرْز وَهُوَ بعد فِي الْحِرْز فَأدْخل الآخر يَده وَأخرج فالقطع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمخْرج من الْحِرْز وَلَو أخرج الدَّاخِل يَده إِلَى خَارج الْحِرْز وَأَخذه الْوَاقِف فالقطع على الدَّاخِل وَلَو وَضعه على وسط النقب فَأَخذه الْخَارِج فَقَوْلَانِ مشهوران أَحدهمَا لَا قطع على وَاحِد مِنْهُمَا إِذْ لم يتم الْإِخْرَاج من أَحدهمَا وَالثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِمَا إِذْ تمّ الْإِخْرَاج بتعاونهما الطّرف الثَّانِي فِي وُجُوه نقل المَال وَفِيه صور إِحْدَاهَا أَنه لَو أرسل محجنا فَتعلق بِهِ فِي الْحِرْز ثوب أَو آنِية وَأخرجه قطع وَلَو رَمَاه إِلَى خَارج الْحِرْز قطع أَخذه أَو تَركه وَقيل إِذا لم يَأْخُذ فَلَا قطع لِأَنَّهُ تَفْوِيت وَلَيْسَ بِسَرِقَة وَلَو أكل الطَّعَام فِي الْحِرْز وَخرج فَلَا قطع وَلَو ابتلع درة وَخرج فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يقطع كالطعام فَإِن اسْتِهْلَاك

وَالثَّانِي أَنه يقطع لِأَنَّهُ لَا تهْلك بالابتلاع وَالثَّالِث أَنه إِن أَخذهَا بعد الإنفصال يقطع وَإِلَّا فَلَا الثَّانِيَة لَو نقب أَسْفَل كندوج فانصب إِلَى خَارج الْحِرْز قطع كَمَا لَو وضع الْمَتَاع على المَاء حَتَّى جرى بِهِ إِلَى خَارج الْحِرْز وَقيل بَينهمَا فرق لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي الكندوج إِلَّا النقب والإنتقال لم يَقع بِهِ وَأما الْإِلْقَاء على المَاء فَهُوَ سَبَب فِي النَّقْل الثَّالِثَة لَو كَانَ فِي الْحِرْز مَتَاع ودابة فَوضع الْمَتَاع على ظهر الدَّابَّة فَخرجت فَالْأَظْهر أَنه لَا قطع لِأَن الدَّابَّة ذَات اخْتِيَار بِخِلَاف المَاء وَالْقطع لَا يجب بِالسَّبَبِ مَعَ مُبَاشرَة حَيَوَان وَمِنْهُم من قَالَ إِن ترَاخى سير الدَّابَّة عَن الْوَضع فَلَا قطع وَإِن اتَّصل فِيهِ وَجْهَان وَقيل إِن اتَّصل قطع وَإِن ترَاخى فَفِيهِ وَجْهَان وَكَأن هَذَا خلاف فِي أَن السَّبَب هَل يَكْتَفِي بِهِ لإِيجَاب الْقطع وَإِن كَانَ يَكْفِي لإِيجَاب الْغرم وَكَذَا لَو أَخذ شَاة لَيست بنصاب فاتبعها الشَّاء أَو الفصيل فَيخرج على الْخلاف لأجل اخْتِيَار الدَّابَّة وَقطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَاهُنَا بِالْوُجُوب

الرَّابِعَة العَبْد الصَّغِير إِذا اخذه وَحمله من دَار السَّيِّد أَو حَرِيم دَاره قطع فَإِن بعد عَن سكَّة السَّيِّد وحريم دَاره فَهُوَ ضائع فَإِن دَعَاهُ وخدعه وَهُوَ مُمَيّز فَلَا قطع لِأَنَّهُ المستقل وَإِن كَانَ لَا يعقل فَهُوَ كالبهيمة وسوقها واستتباع الشَّاة بهَا وَقد سبق وَإِن أكرهه وَهُوَ مُمَيّز فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ خرج بِاخْتِيَارِهِ وَالثَّانِي يجب كَمَا لَو ضرب الدَّابَّة حَتَّى خرج فَإِنَّهُ يقطع وَجها وَاحِدًا لَكِن الْآدَمِيّ وَإِن كَانَ مكْرها فاعتبار فعله أولى فَلذَلِك ينقدح الْفرق على وَجه أما إِذا حمل عبدا قَوِيا يقدر على الإمتناع وَلم يمْتَنع فَلَا قطع لِأَن حرزه قوته وَهِي مَعَه وَلَو حمله وَهُوَ نَائِم أَو سَكرَان فَهُوَ ضَامِن لَو مَاتَ فِي يَده وَلَكِن فِي كَونه سَارِقا نظر لِأَنَّهُ مُحرز بقوته لَا بِالدَّار الْخَامِسَة لَو حمل حرا وَأخرجه من دَاره وَعَلِيهِ ثِيَابه فَإِن كَانَ قَوِيا لم يدْخل الثَّوْب تَحت يَد الْحَامِل وَإِن كَانَ صَغِيرا فَفِي ثُبُوت الْيَد عَلَيْهِ وَجْهَان فَإِن أثبتنا الْيَد للضَّمَان فَفِي جعله

سَارِقا وَجْهَان اما إِذا نَام على بعير وَعَلِيهِ امتعته فجَاء السَّارِق وَأخذ زمامه وَأخرجه من الْقَافِلَة فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه سَارِق للبعير والأمتعة إِذْ أخرجه من الْحِرْز وَالثَّانِي لَا لِأَن الْكل تَحت يَد النَّائِم وَهُوَ مُحرز بقوته وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ الرَّاكِب قَوِيا فَلَيْسَ بسارق وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَهُوَ سَارِق وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ حرا فَلَيْسَ بسارق وَإِن كَانَ عبدا فَهُوَ أَيْضا مَسْرُوق مَعَ الْأَمْتِعَة وَهَذَا يستمد من الْأُصُول السَّابِقَة الطّرف الثَّالِث فِي الْمحل الْمَنْقُول إِلَيْهِ فَنَقُول لَو نقل الْمَتَاع من زَاوِيَة الْبَيْت إِلَى زَاوِيَة أُخْرَى وهرب فَلَا قطع وَلَو أخرج وألقاه فِي مضيعة قطع وَإِن أخرجه إِلَى صحن الدَّار فِي الْبَيْت فَإِن لم يكن الْبَيْت مقفلا فَلَا قطع إِذْ جَمِيع الدَّار حرز وَاحِد وَإِن كَانَ مقفلا وَبَاب الدَّار مَفْتُوح قطع وَإِن كَانَ مغلقا أَو مَفْتُوحًا بِفَتْح السَّارِق قطع أَيْضا فَإِن إِبْطَاله الْحِرْز لَا يُؤثر فِي حَقه فالدار وَالْبَيْت جَمِيعًا حرزان أما إِذا كَانَ الدَّار أَيْضا مغلقا وَالْمَال مُحرز بِالْبَيْتِ وَالدَّار جَمِيعًا فَفِي نَقله إِلَى الْعَرَصَة ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَنه يجب لِأَنَّهُ أخرج من بَيت مُسْتَقل بالإحراز وَالثَّانِي لَا لِأَن إغلاق بَاب الدَّار لإكمال الْحِرْز وَلم يُخرجهُ من كَمَال الْحِرْز الثَّالِث أَنه يجب فِيمَا لَا تجْعَل الْعَرَصَة حرْزا لَهُ كالدنانير والجواهر دون الْفرش والأواني أما الْخَانَات فالإخراج من حرزها إِلَى عَرصَة الخان كالإخراج إِلَى عَرصَة الدَّار أما السِّكَّة المنسدة الْأَسْفَل فَإِن كَانَت مَمْلُوكَة كعرصة الخان فالنقل إِلَيْهَا من الدّور سَرقَة إِذْ صحن الخان تلحظه الْأَعْين وتوضع فِيهِ الْأَمْتِعَة بِخِلَاف السِّكَّة أما سكان السِّكَّة فالحجرة المقفلة حرز فِي حَقهم والعرصة لَيست بحرز فِي حَقهم وَهِي حرز فِي حق غير السكان لِأَنَّهَا ملحوظة بالأعين نَهَارا وبابها مغلق لَيْلًا وَكَذَلِكَ الضَّيْف إِذا سرق شَيْئا أَو بعض الْجِيرَان إِذا سرق من حَانُوت جَاره حَيْثُ يحرز باللحاظ فَلَا قطع لِأَنَّهُ غير مُحرز فِيهِ

الرُّكْن الثَّالِث السَّارِق وَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّكْلِيف والإلتزام وَيَسْتَوِي فِي وجوب الْقطع الْحر وَالْعَبْد وَالذكر وَالْأُنْثَى وَلَا قطع على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَيجب على الذِّمِّيّ لإلزامه أحكامنا نعم هَذَا إِذا سرق مَال مُسلم فَإِن سرق مَال ذمِّي فَهُوَ مَوْقُوف على ترافعهم إِلَيْنَا فَإِن زنى بذمية فَلَا يحد مَا لم يرْضوا بحكمنا وَإِن زنى بِمسلمَة أَقَمْنَا الْحَد قهرا كَمَا سرق مَال مُسلم وَقيل لَا بُد من رضاهم لِأَن حد الزِّنَا حق الله وَلَا خصم فِيهِ بِخِلَاف السّرقَة وَهَذَا رَكِيك إِذْ يجر ذَلِك فضيحة عَظِيمَة فَإِنَّهُ لَا يرضى بحكمنا وغايتنا نقض عَهده وَيجب تجديده إِذا الْتزم وَتَابَ أما الْمعَاهد إِذا سرق فَفِي قطعه نُصُوص مضطربة وحاصلها ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه كَالَّذي لأجل الْعَهْد وَالثَّانِي أَنه لَا حد أصلا لِأَنَّهُ حَرْبِيّ دخل لسفارة وَالثَّالِث أَنه يقطع إِذا شَرط ذَلِك عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاء الْأمان وَإِلَّا فَلَا وسرقة الْمُسلم مَاله يخرج على سَرقته مَال الْمُسلم إِذْ يبعد أَن يقطع الْمُسلم بِسَرِقَة مَاله وَلَا يقطع بِسَرِقَة مَال الْمُسلم وَلَو زنى بِمسلمَة فطريقان مِنْهُم من قَالَ كالسرقة وَمِنْهُم

من قطع بانه لَا يُقَام الْحَد لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى لَا يتَعَلَّق بِطَلَب العَبْد وَلَا خلاف فِي أَنه يُطَالب بِضَمَان الْأَمْوَال وَإِنَّمَا النّظر فِي الْحُدُود النّظر الثَّانِي من الْكتاب فِي إِثْبَات السّرقَة ومعرفتها بِيَمِين مَرْدُودَة أَو إِقْرَار أَو بَيِّنَة أما الْيَمين فَإِذا أنكر السّرقَة وَحلف انْقَطَعت الْخُصُومَة وَإِن نكل وَحلف الْمُدَّعِي ثَبت الْغرم وَثَبت الْقطع أَيْضا كَمَا يثبت الْقصاص بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَلَو ادّعى استكراه جَارِيَته على الزِّنَا ثَبت الْمهْر بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَيبعد إِثْبَات الرَّجْم بِهِ لِأَن الْيَمين الْمَرْدُودَة وَإِن جعلت بَيِّنَة فَلَا تتعدى حق الْحَالِف وَالرَّجم حق الله تَعَالَى وَمن هَذَا ينقدح احْتِمَال أَيْضا فِي قطع السّرقَة وَأما الْإِقْرَار فَإِن كَانَ بعد الدَّعْوَى ثَبت بِهِ الْقطع بِشَرْط الْإِصْرَار فَإِن رَجَعَ لم يسْقط الْغرم وَفِي سُقُوط الْحَد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يسْقط كَحَد الزِّنَا وَالثَّانِي لَا لارتباطه بِحَق الْآدَمِيّ وَبَقَاء الْغرم الَّذِي هُوَ ملازم لَهُ وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ الْقطع سَاقِط وَفِي الْغرم قَولَانِ وَوجه إِسْقَاطه تَبَعِيَّة الْقطع وَهُوَ فَاسد

أما إِذا أقرّ باستكراه جَارِيَة على الزِّنَا ثمَّ رَجَعَ فَالْأَصَحّ أَنه يسْقط الْحَد وَيجب الْمهْر وَقيل يحْتَمل أَن يَجْعَل كالسرقة وَلَكِن مُفَارقَة الْحَد للمهر أقرب من مُفَارقَة الْقطع للغرم فَلذَلِك يتَرَدَّد فِيهِ وَإِن رَجَعَ السَّارِق بعد الْقطع فَلَا تدارك فَإِن رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ كف الجلاد عَن الْبَقِيَّة إِن قُلْنَا يُؤثر رُجُوعه أما إِذا أقرّ قبل الدَّعْوَى فَهَل يقطع دون حُضُور الْمَالِك وَطَلَبه فِيهِ وَجْهَان وَوجه اعْتِبَار طلبه أَنه رُبمَا يقر لَهُ بِالْملكِ أَو بِالْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ يسْقط الْحَد وَإِن كذبه السَّارِق وَالصَّحِيح أَنه لَو أقرّ بِالزِّنَا بِجَارِيَة الْغَيْر فَإِنَّهُ يحد فِي الْحَال إِذْ لَا مدْخل للطلب فِيهِ ومساق هَذَا يشْعر بِأَن مَالك الْجَارِيَة لَو قَالَ كنت ملكته الْجَارِيَة قبل ذَلِك فَأنْكر أَن الْحَد يجب وَلَا يُؤثر قَول مَالك الْجَارِيَة فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّق بخصومته فَهُوَ كَمَا لَو قَالَت الْحرَّة كنت زَوجته وكذبها فَإِنَّهُ يحد فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يقطع فِي الْحَال فَفِي حَبسه إِلَى حُضُور الْمَالِك خلاف يلْتَفت على

أَنه هَل يسْقط بِرُجُوعِهِ هَذَا كُله فِي الْحر أما فِي العَبْد إِذا أقرّ بِسَرِقَة لَا توجب الْقطع فَلَا يقبل فِي المَال وَلَا نعلقه بِرَقَبَتِهِ دون تَصْدِيق السَّيِّد فَإِن أقرّ بِمَا يُوجب الْقطع قطعت يَمِينه وَإِن كذبه السَّيِّد خلافًا للمزني وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَإِنَّمَا قبل لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ ثمَّ هَل يتَعَلَّق غرم المَال بِرَقَبَتِهِ تَابعا لثُبُوت الْقطع فِيهِ نُصُوص مضطربة وحاصلها أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ إِقْرَار على السَّيِّد لَا على العَبْد وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَن رقبته أَيْضا مَمْلُوكَة للسَّيِّد فَإِن قبل فِي قطع يَده لنفي التُّهْمَة فليقبل فِي الْغرم أَيْضا ورد المَال وَالثَّالِث أَنه إِن أقرّ بِعَين هِيَ فِي يَده قبل لِأَن ظَاهر الْيَد للْعَبد فَإِن أقرّ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يقبل لِأَن رقبته فِي يَد السَّيِّد وَهَذَا يُوجب التَّعَلُّق فَيكون كَمَا لَو قَالَ جَمِيع مَا فِي يَد السَّيِّد أَنا سَرقته وسلمته إِلَيْهِ فَإنَّا لَا نقبل قطعا

وَالرَّابِع عَكسه وَهُوَ أَنه يقبل إِقْرَاره بِالْإِتْلَافِ فَإِن السَّيِّد على الْأَصَح يفْدي بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من قِيمَته أَو قيمَة العَبْد فقيمة العَبْد مرد الْإِضْرَار بالسيد أما الْأَعْيَان إِن فتح بَاب الْإِقْرَار بهَا تضرر بِهِ السَّيِّد إِذْ لَا مرد لَهُ فَإِن قيل هَل للْقَاضِي أَن يحث السَّارِق على ستر السّرقَة أَو الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار قُلْنَا أما السّتْر فَيجوز مَعَ رد المَال لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للسارق مَا إخالك سرقت وَهَذَا كالتلقين للإنكار وَقَوله أسرقت قل لَا لم تصححه الْأَئِمَّة وَأما الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار

فَلَا يحث عَلَيْهِ القَاضِي لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ارْتكب شَيْئا من هَذِه القاذورات فليستتر بستر الله فَإِن من أبدى لنا صفحته نُقِيم عَلَيْهِ حد الله فَدلَّ ذَلِك على الْفرق مَا بَين قبل الظُّهُور وَمَا بعده الْحجَّة الثَّالِثَة للسرقة الشَّهَادَة وَلَا يثبت الْقطع إِلَّا بِشَهَادَة رجلَيْنِ فَإِن شهد رجل وَامْرَأَتَانِ ثَبت الْغرم دون الْقطع بِخِلَاف مَا لَو شهدُوا على الْقَتْل الْعمد فَإِنَّهُ لَا يثبت الْقصاص وَلَا الدِّيَة لِأَن الدِّيَة كالبدل عَن الْقصاص وَالْغُرْم لَيْسَ بَدَلا عَن الْقطع بل يجب مَعَه وَفِيه وَجه أَن الْغرم أَيْضا لَا يثبت كالدية وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ الْبَيِّنَة الْكَامِلَة لَا توجب الْقطع بِالشَّهَادَةِ على السّرقَة مُطلقًا بل لَا بُد من التَّفْصِيل فِيهِ فكم من سَرقَة لَا توجب قطعا وَلذَلِك يشْتَرط التَّفْصِيل فِي الْإِقْرَار أَيْضا وَيشْتَرط فِي بَيِّنَة الزِّنَا وَهل يشْتَرط فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا فِيهِ خلاف وَسَببه أَن حد الزِّنَا ظَاهر ووجوده

عِنْد الزَّانِي مُحَقّق وَأما الشَّاهِد فَإِنَّمَا يعول فِيهِ على المخايل وحد السّرقَة غير ظَاهر للسارق وَلَا شكّ أَن النِّسْبَة إِلَى الزِّنَا الْمُطلق قذف لِأَن التعيير حَاصِل بِهِ فرعان أَحدهمَا لَو قَامَت شَهَادَة حسبَة على أَنه سرق مَال فلَان الْغَائِب فالنص أَنه لَا يقطع مَا لم يحضر وَلَو شهدُوا على أَنه زنى بِجَارِيَتِهِ قَالَ يحد فِي الْحَال فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وطردوا ذَلِك فِي الْإِقْرَار فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمِنْهُم من فرق وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ الْملك فَإِقْرَاره بِالْملكِ يدْرَأ حد السّرقَة دون حد الزِّنَا وَله على الْجُمْلَة تعلق بِطَلَبِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يقطع فَهَل يحبس يَبْنِي على أَن شَهَادَة الْحِسْبَة مَقْبُولَة فِي حق الله تَعَالَى وَالظَّاهِر أَنه مَرْدُود فِي حُقُوق الْآدَمِيّين وَالسَّرِقَة كالمترددة بَينهمَا فينقدح فِيهِ خلاف فَإِن لم تقبل لم يحبس وَإِن قُلْنَا تقبل فَيحْبس ثمَّ يَكْفِي الْمَالِك إِذا رَجَعَ أَن يَدعِي ويستوفي المَال فَإِن قُلْنَا لَا تسمع فَيجب إِعَادَة الْبَيِّنَة لأجل المَال

وَالظَّاهِر أَنه لَا تُعَاد لأجل الْقطع الثَّانِي دَعْوَى السَّارِق الْملك تدفع عَنهُ الْقطع إِذا لم تكن بَينه فَإِن قَامَت الْبَيِّنَة نظر فَإِن لم يكن فِي دَعْوَاهُ تَكْذِيب الشَّهَادَة انْدفع أَيْضا كَمَا إِذا شهدُوا على أَنه سرق من حرزه مَتَاعا أَو شهدُوا على أَنه سرق ملكه وَلَكِن قَالَ السَّارِق كَانَ قد وهب مني فِي السِّرّ وَالشَّاهِد اعْتمد على الظَّاهِر فَأَما إِن قَالَ كَانَ ملكي أصلا وغصبته فَهَذَا تَكْذِيب للبينة فَفِي سُقُوط الْقطع هَا هُنَا تردد وَيحْتَمل أَن يبْنى على أَن الْمُدعى عَلَيْهِ بعد قيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ لَو قَالَ الْمُدَّعِي يعلم سرا أَنه ملكي وَإِنَّمَا الشَّاهِد اعْتمد ظَاهر الْيَد فَهَل لَهُ تَحْلِيف الْمُدَّعِي فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا لَهُ ذَلِك فها هُنَا يرجع وجوب الْقطع إِلَى يَمِين الْمَالِك وَهُوَ بعيد فَلَا يبعد إِسْقَاطه

النّظر الثَّالِث من الْكتاب فِي بَيَان الْوَاجِب وَهُوَ الْغرم وَالْقطع والحسم وَالتَّعْلِيق أما رد الْعين فَوَاجِب بالِاتِّفَاقِ مَعَ الْقطع فَإِن تلف وَجب الْغرم عندنَا مَعَ الْقطع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْقطع وَالْغُرْم لَا يَجْتَمِعَانِ

ثمَّ الْوَاجِب الْقطع من الْكُوع وَقَالَ بعض أهل الظَّاهِر من الْمنْكب ثمَّ الْوَاجِب أَولا قطع الْيَمين وَفِي الكرة الثَّانِيَة قطع الرجل الْيُسْرَى حذرا من اسْتِيعَاب جنس الْبَطْش أَو الْمَشْي أَو اسْتِيعَاب أحد الْجَانِبَيْنِ فيتعذر الْمَشْي وَفِي الثَّالِثَة تقطع الْيَد الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَة رجله الْيُمْنَى وَاقْتصر أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الثَّالِثَة على التَّعْزِير وَقد ورد الْخَبَر بِمَا ذَكرْنَاهُ وَورد فِي بعض الرِّوَايَات فَإِن عَاد خَامِسَة فَاقْتُلُوهُ وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ لَكِن هَذِه الزِّيَادَة شَاذَّة

وَأما الحسم فَهُوَ غمس مَحل الْقطع فِي الزَّيْت المغلي لتنسد أَفْوَاه الْعُرُوق وَالصَّحِيح أَن ذَلِك وَاجِب نظرا للسارق كَيْلا يسري وَهُوَ إِلَى اخْتِيَاره وَعَلِيهِ مئونته وَفِيه وَجه أَنه زِيَادَة عُقُوبَة حفا لله تَعَالَى إِذْ لم تزل الْأَئِمَّة يَفْعَلُونَ ذَلِك مَعَ كَرَاهِيَة السَّارِق وَأما التَّعْلِيق فَهُوَ أَن تعلق يَده فِي رقبته وتترك ثَلَاثَة أَيَّام للتنكيل وَقد ورد بِهِ خبر وَلم يصحح ثمَّ هُوَ اسْتِحْبَاب إِن صَحَّ التنكيل إِن رَآهُ الإِمَام

فروع أَرْبَعَة الأول من سَقَطت يَده الْيُمْنَى بِآفَة سَمَاوِيَّة فَإِذا سرق قَطعنَا رجله الْيُسْرَى وَلَو سرق أَولا ثمَّ سَقَطت يَده سقط الْقطع لِأَنَّهُ تعين الإستحقاق وَقيل إِنَّه يعدل إِلَى الرجل الْيُسْرَى وَهُوَ غلط الثَّانِي لَو بَادر الجلاد وَقطع الْيُسْرَى فَإِن قصد فَعَلَيهِ الْقصاص وَقطع الْيَمين بَاقٍ وَإِن دهش وَغلط فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْأُم على سُقُوط الْقطع وَنقل أَيْضا أَن الدِّيَة تجب باليسرى ثمَّ يطقع يَمِينه فتحصلنا على قَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي لَو سَقَطت يسراه بِآفَة سَمَاوِيَّة قبل قطع الْيَمين فَلَا يبعد أَن يَجْعَل كغلط الجلاد وَهُوَ بعيد الثَّالِث لَو كَانَت على يَده أصْبع زَائِدَة قَطعنَا الْيَد وَلَا نبالي وَلَو كَانَ نَاقِصا اكتفينا بالموجود وَلَو وجدنَا أصبعا وَاحِدَة فَإِن لم نجد إِلَّا الْكَفّ فَالظَّاهِر الِاكْتِفَاء بِهِ تنكيلا بِقطع المعصم وَفِيه وَجه أَنه يعدل إِلَى الرجل الْيُسْرَى إِذا لم يبْق من آلَة الْبَطْش شَيْء وَالْيَد عبارَة عَنْهَا وَأما الْيَد الشلاء فيكتفى بهَا إِلَّا إِذا خيف الْهَلَاك لنزف الدَّم فيعدل إِلَى الرجل الرَّابِع لَو كَانَ للمعصم كفان قَطعنَا الْأَصْلِيَّة وَتَركنَا الزَّائِدَة إِن أمكن وَإِلَّا قطعناهما وَإِن كَانَتَا متساويتين وَلَا تبين الْأَصْلِيَّة قَالَ الْأَصْحَاب نقطعهما جَمِيعًا لنتيقن اسْتِيفَاء الْأَصْلِيَّة وَلَا نبالي بِالزِّيَادَةِ

الْجِنَايَة السَّادِسَة قطع الطَّرِيق وَالنَّظَر فِي صفة قطاع الطَّرِيق وَفِي عقوبتهم وَفِي حكم الْعَفو النّظر الأول فِي صفتهمْ وَالْأَصْل فيهم قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة فَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفْسِيره فَقَالَ أَن يقتلُوا إِذا قتلوا أَو يصلبوا إِذا قتلوا وَأخذُوا الْأَمْوَال أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم إِذا أخذُوا المَال أَو يلْحق الطّلب بهم إِذا هربوا لينفوا من الأَرْض وَقَالَ دَاوُد يجمع بَين هَذِه الْعُقُوبَات لظَاهِر الْآيَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الشَّاب يقطع وَالشَّيْخ ذُو الْهَرم يقتل وَمن لَيْسَ لَهُ نجدة الشَّبَاب وَلَا رَأْي الشُّيُوخ ينفى

ثمَّ يعْتَبر عندنَا فهيم صفتان النجدة والبعد عَن مَحل الْغَوْث أما النجدة فَلِأَنَّهُ إِن لم يكن لَهُم شَوْكَة بل كَانَ اعتمادهم على الإختلاس والهرب فَلَا يجب بِهِ إِلَّا التَّعْزِير ثمَّ لَا يشْتَرط للنجدة الذُّكُورَة وَلَا السِّلَاح وَلَا الْعدَد بل لَو اجْتمع نسْوَة وَكَانَت لَهُنَّ شَوْكَة فهن قطاع الطَّرِيق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَو كَانَ فِي جَمِيع القطاع امْرَأَة سقط الْحَد

وَالضَّرْب واللطم كإشهار السِّلَاح بالإتفاق وَالْوَاحد إِذا قاوم وَاحِدًا أَو جمعا بِفضل قُوَّة فَهُوَ قَاطع طَرِيق وَلَا نقُول إِن الْمُسَافِر الْوَاحِد مضيع لمَاله بل مَاله مَحْفُوظ بِهِ إِلَّا أَن يقْصد فَمن قَصده فَهُوَ قَاطع وَقَالَ الإِمَام يَنْبَغِي أَن يرد ذَلِك إِلَى الْعَادة فَحَيْثُ يعد الْوَاحِد مفرطا فَلَا يجب على سالب مَاله إِلَّا التَّعْزِير فرع لَو هجم على الرفاق قوم تستقل الرّفْقَة بدفعهم من غير ضَرَر بَين فاستسلموا فهم المضيعون وَلَيْسوا قطاعا لانهم لم يَأْخُذُوا بشوكتهم بل بِتَسْلِيم الْملاك إِلَيْهِم وَإِن علمُوا أَنهم لَا يقاومون فَهَرَبُوا مِنْهُم فهم قطاع وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْأَمر فِي قُوَّة الْجَانِبَيْنِ كالمتقاوم إِذا تقاتلوا وانكف الْفَرِيقَانِ من غير ظفر فَالظَّاهِر أَنهم قطاع إِن جرى قتل وسلب لِأَن الشَّوْكَة قد تحققت

وَأما الصّفة الثَّانِيَة فَهُوَ بعدهمْ عَن مَحل الْغَوْث أما مَا يجْرِي من الْأَخْذ على أَطْرَاف الْعمرَان فيعتمد فِيهِ الْهَرَب والاختلاس دون الشَّوْكَة إِلَّا إِذا فترت قُوَّة السُّلْطَان وثار ذَوُو العرامة فِي الْبِلَاد فهم قطاع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإِن كَانُوا فِي الْبِلَاد أما إِذا دخلُوا فِي وَقت قُوَّة السُّلْطَان دَار بِاللَّيْلِ مَعَ المشاعل مكابرين وَمنعُوا أهل الدَّار من الاستغاثة وَانْصَرفُوا وهم مُتَلَثِّمُونَ ففيهم وَجْهَان أَحدهمَا أَنهم قطاع وَنزل مَنعهم من الإستغاثة كبعدهم عَن مَحل الْغَوْث وَالثَّانِي أَنهم سراق فَإِن الطّلب يلحقهم على الْقرب وَإِنَّمَا اعتمادهم على التواري والاختفاء وَلم يذهب أحد إِلَى أَنهم مختلسون مَعَ انهم لم يأخذوه فِي خُفْيَة واختزال فَإِذن قد حصل أَن قطاع الطَّرِيق من يعْتَمد على الشَّوْكَة فِي الْحَال مَعَ بعد الْغَوْث لَا على الاختلاس والهرب فِي الْوَقْت

النّظر الثَّانِي فِي الْعقُوبَة الْوَاجِبَة ويمتزج بِهِ النّظر فِي جرائمهم وَلَهُم فِي الجرائم أَحْوَال الأولى أَن يقْتَصر على أَخذ ربع دِينَار فَصَاعِدا فتقطع يَده الْيُمْنَى وَرجله الْيُسْرَى سَوَاء كَانَ الرّبع ملكا لوَاحِد أَو لجَماعَة الرّفْقَة وَكَذَلِكَ فِي السّرقَة لَا يفرق بَين الْخَالِص والمشترك فِي النّصاب مهما كَانَ الْحِرْز وَاحِدًا وَقَالَ ابْن خيران لَا يشْتَرط النّصاب الثَّانِيَة أَن يقْتَصر على الْقَتْل الْمُجَرّد فَيقْتل وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة تَغْلِيظ إِلَّا كَون الْقَتْل محتوما كَمَا سَيَأْتِي الثَّالِثَة أَن يقْتَصر على الإرعاب وتكثير الشَّوْكَة وَكَانَ ردْءًا للْقَوْم فَعَلَيهِ تَعْزِير وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ شريك الرَّابِعَة أَن يجمع بَين الْأَخْذ وَالْقَتْل فَالْمَذْهَب الْمَشْهُور أَنه يصلب وَيقتل وَلَا يقطع وَيكون الصلب زِيَادَة تنكيل وتغليظ لأجل الْجمع وَقَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة تقطع يَده وَرجله لأَخذه وَيقتل لقَتله ويصلب لجمعه بَينهمَا وَذكر صَاحب

التَّقْرِيب وَجها أَنه إِن أَخذ نِصَابا وَقتل قطع وَقتل وَلم يصلب وَإِن أَخذ أقل مِنْهُ قتل وصلب وَلم يقطع وَيكون الصلب لأجل الْأَخْذ وَالْمذهب هُوَ الأول وَقَالَ أَبُو حنيفَة الإِمَام بِالْخِيَارِ إِن أحب قتل وصلب وَلم يقطع وَإِن أحب قطع وَقتل وَلم يصلب ثمَّ إِذا جَمعنَا بَين الْقَتْل والصلب فَالْمَذْهَب أَنه يقتل على الأَرْض ثمَّ يصلب مقتولا وَفِيه وَجه أَنه يقتل مصلوبا إِمَّا بِأَن يتْرك حَتَّى يَمُوت جوعا على وَجه أَو يقْصد مَقْتَله بحديدة مذففه على وَجه وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ كم يتْرك على الصَّلِيب فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يتْرك ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى هَذَا إِن كَانَ يتَعَرَّض للتهري قبله فَهَل يتْرك فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا يتْرك ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن التنكيل قد حصل فيصان عَن التفتت والنت وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يتْرك حَتَّى يتهرى ويسيل ودكه لِأَن الصَّلِيب اسْم الودك وَمِنْه اشتق اسْم الصَّلِيب

وَالصَّحِيح أَنه يقتل أَولا وَيغسل وَيصلى عَلَيْهِ ثمَّ يصلب وَلَا سَبِيل إِلَى ترك الصَّلَاة بِكُل حَال خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ويتعذر على قَول من يقْتله بعد الصَّلِيب ثمَّ يتْرك حَتَّى يتهرى نعم وَإِن قُلْنَا يقتل بعد الصَّلِيب وَلَكِن ينزل بعد ثَلَاث فَيمكن أَن يسلم إِلَى أَهله للْغسْل وَالصَّلَاة بعد الاسترسال فَأَما عُقُوبَة النَّفْي فَالصَّحِيح أَنَّهَا غير مَقْصُودَة بل إِن وجدوا أقيم الْحَد وَالتَّعْزِير وَإِلَّا لحق بهم طلب أعوان السُّلْطَان حَتَّى يتشردوا فِي الْبِلَاد وينتفوا من تِلْكَ الأَرْض وَمِنْهُم من قَالَ هِيَ عُقُوبَة مَقْصُودَة فِي حق من اقْتصر على الإرعاب ثمَّ مِنْهُم من قَالَ ينفيهم الإِمَام إِلَى بلد معِين ويعزرهم بهَا إِمَّا ضربا أَو حبسا وَمِنْهُم من قَالَ لَهُ أَن يقْتَصر على النَّفْي

النّظر الثَّالِث فِي حكم الْعقُوبَة وَله حكمان الأول أَن التَّوْبَة قبل الظفر مُؤثر فِيهَا لنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم فَيسْقط بهَا تحتم الْقَتْل دون أَصله على الظَّاهِر وَيسْقط بِهِ الصلب وَقطع الرجل أما قطع الْيَد هَل يسْقط إِذا كَانَ الْمَأْخُوذ نِصَابا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كأصل الْقَتْل وَإِنَّمَا الَّذِي يسْقط خاصية قطع الطَّرِيق وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يسْقط لِأَن هَذَا يُخَالف صُورَة السّرقَة وَالْيَد وَالرجل كعضو وَاحِد هَاهُنَا وَكَذَلِكَ إِن وجدنَا رجله الْيُسْرَى دون يَده الْيُمْنَى اكتفينا بِهِ وَلم نقطع يَده الْيُسْرَى وَمهما عَاد ثَانِيًا قَطعنَا الْيَد الْيُسْرَى وَالرجل الْيُمْنَى أما التَّوْبَة بعد الظفر فَفِيهِ قَولَانِ يجريان فِي جَمِيع حُدُود الله تَعَالَى أَحدهمَا أَنه لَا يُؤثر لِأَن الْقُرْآن خصص مَا قبل التَّوْبَة وَالثَّانِي أَنه يسْقط لِأَنَّهُ إِن خصص هَاهُنَا فقد أطلق فِي آيَة السّرقَة فَقَالَ تَعَالَى {فَمن تَابَ من بعد ظلمه وَأصْلح}

وَقَالَ القَاضِي قرنت التَّوْبَة هَاهُنَا بالإصلاح فَيدل على أَن التَّوْبَة بعد الظفر لَا تُؤثر إِلَّا بعد الإستبراء وَصَلَاح الْحَال إِذْ يُمكن أَن يكون للهيبة وعَلى الْجُمْلَة فَمن ظهر تقواه وَحسنت حَاله امْتنع مؤاخذته بِمَا جرى لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة أما إِذا أنشأ التَّوْبَة حَيْثُ أَخذ لإِقَامَة الْحَد فَهُوَ مُتَّهم والتوقف إِلَى استبرائه مُشكل إِن حبس وَإِن خلي فَكيف نتبع أَحْوَاله الحكم الثَّانِي أَن هَذَا الْقَتْل قد ازْدحم عَلَيْهِ حق الله تَعَالَى ولأجله تحتم وَإِن عَفا ولي الْقَتِيل عَن حق الْقَتِيل فَإِنَّهُ مَعْصُوم وَلَا شكّ فِي أَنه إِذا جرح خطأ أَو شبه الْعمد فَلَا يقتل

وَإِن تمحض الْعمد فقد تعلق بِهِ حق الله تَعَالَى قطعا فَإِنَّهُ يقتل وَإِن عَفا ولي الْقَتِيل وَلَكِن هَل يثبت للقتيل حق مَعَ حق الله تَعَالَى للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِيهِ قَولَانِ وَتظهر فَائِدَته فِي خمس مسَائِل إِحْدَاهَا لَو قتل ذِمِّيا أَو عبدا أَو أمة وَمن لَا يُكَافِئهُ بِالْجُمْلَةِ فَإِن محضنا حق الله تَعَالَى قتل وَإِن قُلْنَا فِيهِ قصاص لم يقتل وَهَكَذَا لَو قتل عبد نَفسه قَالَ القَاضِي يخرج على الْقَوْلَيْنِ وَقطع الصيدلاني بِأَنَّهُ لَا يقتل وَإِن جَعَلْنَاهُ حدا لِأَنَّهُ مَمْلُوكه فَلَا يصلح لمقاتلته ومخاصمته فِي الْقِتَال الثَّانِيَة إِن مَاتَ الْقَاتِل وَقُلْنَا إِنَّه مَحْض حد فَلَا دِيَة للقتيل وَإِن قُلْنَا فِيهِ حق الْآدَمِيّ فَلهُ الدِّيَة الثَّالِثَة إِذا قتل جمَاعَة اكْتفي بِهِ إِن جَعَلْنَاهُ حدا وَإِلَّا قتل بِوَاحِد وللآخرين الدِّيَة الرَّابِعَة لَو عَفا الْوَلِيّ على مَال فَلَا أثر لَهُ إِن جَعَلْنَاهُ حدا وَإِلَّا فَلهُ الدِّيَة وَيقتل حدا وَهُوَ كمرتد اسْتوْجبَ الْقصاص وعفي عَنهُ الْخَامِسَة لَو تَابَ قبل الظفر سقط الْحَد وَبَقِي الْقصاص حَتَّى يسْقط بعفوه إِن جعلنَا لَهُ حَقًا وَإِلَّا فَيسْقط بِالْكُلِّيَّةِ وَلَعَلَّ الْأَصَح الْجمع بَين الْحَقَّيْنِ مَا أمكن فَإِن سقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ أَو الْقصاص بِالْعَفو فَيبقى الآخر خَالِيا عَن الزحمة فيستوفى فَأَما إِسْقَاط الْقصاص وَالْحَد أَو الدِّيَة فبعيد جدا

فروع الأول إِذا جرح الْمُحَارب جرحا ساريا فَهُوَ كَالْقَتْلِ فِي التحتم وَإِن كَانَ الْجرْح وَاقِفًا فَلَا قصاص فِيهِ كالجائفة فَلَا يجرح فَإِن قطع عضوا فِيهِ قصاص استوفى وَهِي يتحتم فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا نعم كالنفس وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقَتْل عهد حدا فَلذَلِك يتحتم بِخِلَاف الْقطع وَالثَّالِث أَن قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ يتحتم إِن عهد حدا فِي السّرقَة بِخِلَاف الْأذن وَالْعين وَسَائِر الْأَعْضَاء الثَّانِي يثبت قطع الطَّرِيق بِشَهَادَة أهل الرّفْقَة يشْهد كل وَاحِد لرفيقه لَا لنَفسِهِ وَلَا يُصَرح وَلَو قَالَ تعرضوا لنا ولرفقائنا فَسدتْ صِيغَة الشَّهَادَة وَكَذَا لَو قَالَ الشَّاهِد قذفني مَعَ أم فلَان فلاتقبل شَهَادَته الثَّالِث يوالي بَين قطع الْيَد وَالرجل بِخِلَاف مَا لَو اسْتحق يسراه فِي الْقصاص ويمناه فِي السّرقَة فَإِنَّهُ يقدم الْقصاص ويمهل ريثما يندمل لِأَن الْمُوَالَاة عَظِيم الضَّرَر لَكِن

القطعين فِي الْمُحَاربَة عُقُوبَة وَاحِدَة وَلَو اسْتحق يَمِينه قصاصا قطعت الْيَمين فِي الْقصاص ويكتفي بِالرجلِ الْيُسْرَى وَهل يُمْهل ريثما يندمل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُمْهل لاخْتِلَاف الْعقُوبَة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمُوَالَاة كَانَت مُسْتَحقَّة فَإِن فَاتَت الْيَد فَيبقى اسْتِحْقَاق الْمُوَالَاة وَإِنَّمَا يقدم الْقصاص على حد السّرقَة والحراب وَلَا يَبْنِي على الْخلاف فِي تَقْدِيم حق الْآدَمِيّ وَحقّ الله تَعَالَى إِذا اجْتمعَا لِأَن الْخلاف فِي الْأَمْوَال الَّتِي لَا يسْقط عَنْهَا حق الله تَعَالَى بِالشُّبْهَةِ وَأما حُدُود الله تَعَالَى فَتسقط بِالشُّبْهَةِ وَالرُّجُوع عَن الْإِقْرَار فَيقدم عَلَيْهَا حق الْآدَمِيّ الرَّابِع إِذا اجْتمعت عقوبات للآدميين كَحَد الْقَذْف وَقطع الطَّرِيق وَالْقَتْل فَإِن ازدحموا على الطّلب يجلد ثمَّ يقطع ثمَّ يقتل وَلَا يُبَادر بِالْقطعِ عقيب الْجلد إِن كَانَ مُسْتَحقّ الْقَتْل غَائِبا إبْقَاء على روحه حَتَّى لَا يفوت الْقصاص وَلَو كَانَ حَاضرا وَقَالَ لَا تتركوا الْمُوَالَاة لأجلي فَإِنِّي أبادر بعد الْقطع وأقتل فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يُبَادر وَلَا يُمْهل لِأَن النَّفس مستوفاة فَلَا معنى للتأخير لأجل الْمَقْتُول وَلَا لأجل الْمُسْتَحق وَقد رَضِي وَالثَّانِي أَنه يُمْهل فَإِنَّهُ رُبمَا يعْفُو مُسْتَحقّ الْقَتْل فَتَصِير النَّفس هدرا بالموالاة أما إِذا أخر بَعضهم حَقه فَإِن كَانَ الْمُؤخر مُسْتَحقّ النَّفس قدم الْجلد ويمهل ثمَّ يقطع وَإِن كَانَ الْمُؤخر مُسْتَحقّ الطّرف فَلَا يُمكن البدار إِلَى الْقَتْل فَفِيهِ تَفْوِيت الطّرف فَيجب على مُسْتَحقّ النَّفس الصَّبْر وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن يصير مُسْتَحقّ الطّرف إِلَى غير نِهَايَة ويندفع

الْقَتْل وَلَا صائر إِلَى أَن مُسْتَحقّ النَّفس يُسَلط على الْقَتْل وَيُقَال لصَاحب الطّرف بَادر إِن شِئْت وَإِلَّا ضَاعَ حَقك وَلَو قيل بِهِ لَكَانَ منقدحا لكنه لَو بَادر وَقتل بِغَيْر إِذن وَقع الْموقع وَرجع صَاحب الطّرف إِلَى الدِّيَة أما إِذا كَانَ الْمُجْتَمع حُدُود الله تَعَالَى كَحَد الشّرْب وَجلد الزِّنَا وَقطع السّرقَة وَالْقَتْل فالبداية بالأخف وَهُوَ تَرْتِيب مُسْتَحقّ ثمَّ يُمْهل إِلَى الإندمال حَتَّى لَا يفوت الْقَتْل بِالْمَوْتِ بِالسّرَايَةِ فَإِن لم يبْق إِلَّا الْقَتْل فَلَا إمهال وَلَو كَانَ بدل جلد الزِّنَا جلد الْقَذْف فجلد الشّرْب أخف مِنْهُ وَلَكِن هَل حق الْآدَمِيّ مقدم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْبِدَايَة فِي الشّرْب لِأَنَّهُ اخف وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بِحَدّ الْقَذْف لِأَنَّهُ حق الْآدَمِيّ وَكَذَا الْخلاف لَو كَانَ بدل حد الْقَذْف قطع قصاص للآدمي وَلَو زنى وَهُوَ بكر ثمَّ زنى وَهُوَ ثيب فقد اجْتمع الْجلد وَالرَّجم فَالظَّاهِر الِاكْتِفَاء بِالرَّجمِ واندرج الْجلد تَحْتَهُ وَفِيه وَجه أَنه يجلد ثمَّ يرْجم لِأَنَّهُ لَا تدَاخل مَعَ الِاخْتِلَاف

الْجِنَايَة السَّابِعَة شرب الْخمر وَالنَّظَر فِي الْمُوجب وَالْوَاجِب أما الْمُوجب فَنَقُول يجب الْجلد على كل مُلْتَزم شرب مَا أسكر جنسه مُخْتَارًا من غير ضَرُورَة وَعذر أما قَوْلنَا مُلْتَزم احترزنا بِهِ عَن الْحَرْبِيّ وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَلَا حد عَلَيْهِم وَقَوْلنَا أسكر جنسه إِشَارَة إِلَى أَن مَا أسكر كَثِيره فقليله وَإِن لم يسكر يُوجب الْحَد ككثيره وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب الْحَد بِقَلِيل الْخمر وَإِن لم يسكر وَسَائِر الْأَشْرِبَة لَا يحد فِيهَا إِلَّا فِي الْقدر الْمُسكر وَقَوْلنَا مُخْتَارًا احترزنا بِهِ عَن الْمُكْره فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُ الشّرْب لدفع ضَرَر الْإِكْرَاه فَلَا يحد بِخِلَاف الزِّنَا فَإِن فِيهِ خلافًا وَلَا خلاف أَن الزِّنَا لَا يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ

وَقَوْلنَا من غير ضَرُورَة أردنَا بِهِ أَن من غص بلقمة وَلم يجد غير الْخمر فَلهُ أَن يسيغها بهَا وَكَذَلِكَ إِذا خَافَ الْهَلَاك من الْعَطش وَأما التَّدَاوِي بِالْخمرِ فِي علاج الْأَمْرَاض فَلَا يجوز لنهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَقَوله إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم وَلِأَن الشِّفَاء بِهِ مظنون بِخِلَاف دفع الْعَطش وإساغة اللُّقْمَة

وَلَكِن يجوز التَّدَاوِي بالأعيان النَّجِسَة كلحم السرطان والحية والمعجون الَّذِي فِيهِ الْخمر لِأَن تَحْرِيم الْخمر الْمُسكر مغلظ وَتَركه مَقْصُود لَا يقاومه ظن الشِّفَاء وَأما الزّجر عَن تنَاول النَّجَاسَات مَعَ أَن مصير الْأَطْعِمَة إِلَى النَّجَاسَة فَهُوَ من قبيل المروءات المستحسنة فَيجوز أَن تَزُول بِعُذْر الْمَرَض وَقد قَالَ القَاضِي لَا يحد الشَّارِب إِن قصد التَّدَاوِي بهَا فَكَأَنَّهُ جعل ذَلِك شُبْهَة فِي الْإِسْقَاط وَلم يُصَرح أحد بِجَوَاز التَّدَاوِي بهَا

وَقَوْلنَا من غير عذر احترزنا بِهِ عَن التَّدَاوِي إِذْ الظَّاهِر أَنه لَا حد وَإِن عصى وَعَن حدث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ إِذا لم يعلم التَّحْرِيم وَكَذَا الغالط إِذا ظَنّه شرابًا آخر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو سكر مثل هَذَا الرجل لم يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات لِأَنَّهُ كالمغمى عَلَيْهِ وَقَالَ لَو شرب الْحَنَفِيّ النَّبِيذ حددته وَنَصّ أَن الذِّمِّيّ لَا يحد وَإِن رَضِي بحكمنا وَسَببه أَن الْحَنَفِيّ فِي قَبْضَة الإِمَام وَالْحَاجة قد تمس إِلَى زَجره بِخِلَاف الذِّمِّيّ الَّذِي لم يلْتَزم حكمنَا وَمن أَصْحَابنَا من

قَالَ لَا يحد فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمِنْهُم من قَالَ يحد فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثمَّ الْمُوجب بقيوده يجب أَن يظْهر للْقَاضِي بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو إِقْرَار صَحِيح وَلَا يعول على النكهة والرائحة فَلَعَلَّهُ غلط أَو أكره وَلَو قَالَ مُطلقًا شربت الْمُسكر أَو قَالَ الشَّاهِد شرب مُسكرا أَو شرب شرابًا شربه غَيره فَسَكِرَ كفى ذَلِك وَلَو تقدر احْتِمَال الْإِكْرَاه مَعَ ظَاهر الْإِضَافَة

الطّرف الثَّانِي فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي قدره وكيفيته أما الْقدر فأربعون جلدَة وَأَصله مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بشارب فَقَالَ اضْرِبُوهُ بالنعال فضربوه بالنعال وأطراف الثِّيَاب وحثوا عَلَيْهِ التُّرَاب ثمَّ قَالَ بكتوه أَو عيروه وَنَحْوه ثمَّ قَالَ أَرْسلُوهُ فَلَمَّا كَانَ فِي زمَان أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أحضر الَّذين شاهدوا ذَلِك فعدلوه بِأَرْبَعِينَ جلدَة فَكَانَ يجلد أَرْبَعِينَ وَكَذَلِكَ عمر رَضِي الله عَنهُ فِي صدر خِلَافَته حَتَّى تتايع النَّاس بِشرب الْخمر واستحقروا ذَلِك فَشَاور الصَّحَابَة فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من شرب سكر وَمن سكر هذى وَمن هذى افترى فَأرى عَلَيْهِ حد المفترين فَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يجلد ثَمَانِينَ وَعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يجلد ثَمَانِينَ ثمَّ عَاد

عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَرُوِيَ عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر حَتَّى جلد الشَّارِب أَرْبَعِينَ وَرُوِيَ أَنه قَالَ إِن شرب فاجلده فَإِن عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فَاقْتُلُوهُ وَلَا خلاف أَن الْقَتْل مَنْسُوخ فِي الشّرْب ثمَّ اخْتلف الْأَصْحَاب فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه هَل يَكْفِي الضَّرْب بالنعال وأطراف الثِّيَاب والْحَدِيث يدل على جَوَازه وَمن منع قَالَ ذَلِك لَا يَنْضَبِط فقد كفينا مئونة التَّعْدِيل فَيتبع الثَّانِي أَن الإِمَام لَو رأى أَن يجلد ثَمَانِينَ هَل لَهُ ذَلِك فَمنهمْ من منع لرجوع عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم من جوز

أما الْكَيْفِيَّة فالنظر فِي السَّوْط وَرفع الْيَد وَالضَّرْب وَالزَّمَان أما السَّوْط فَلْيَكُن وسطا وَيقوم مقَامه الْخَشَبَة الزَّائِدَة على الْقَضِيب النَّاقِصَة من الْعَصَا وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي غَايَة الرُّطُوبَة وَلَا فِي غَايَة اليبس وَأما رفع الْيَد فَلَا يرفعهُ فَوق الرَّأْس فيعظم الْأَلَم وَلَا يَكْتَفِي بِالرَّفْع الْيَسِير فَلَا يؤلم بل يُرَاعِي التَّوَسُّط وَأما الضَّرْب فيفرقه على جَمِيع بدنه وَيَتَّقِي الْمقَاتل كالقرط والأخدع وثغرة النَّحْر والفرج وَيَتَّقِي الْوَجْه فَفِيهِ نهي فِي الْبَهَائِم فَكيف فِي الْآدَمِيّ وَلَا يَتَّقِي الرَّأْس عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لقَوْل أبي بكر رَضِي الله

عَنهُ للجلاد اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِي الرَّأْس وَلَا تشد اليدان من المجلود بل يتْرك حَتَّى يَتَّقِي إِن شَاءَ بيدَيْهِ وَلَا يتل للجبين بل يضْرب وَهُوَ قَائِم وتضرب الْمَرْأَة وَهِي جالسة ويلف عَلَيْهَا ثِيَابهَا لكيلا تنكشف وَأما الزَّمَان فَلَا بُد من مُوالَاة الضَّرْب فَلَو فرق مائَة سَوط على مائَة يَوْم لم يجز وَلَو ضرب خمسين فِي يَوْم وَخمسين فِي يَوْم آخر قَالَ إِنَّه جَائِز والضبط فِيهِ عسير فَالْوَجْه أَن يُقَال إِذا انمحى أثر الْأَلَم الأول لم يجز وَإِن كَانَ بَاقِيا جَازَ هَذَا هُوَ القَوْل فِي الْجِنَايَة الْمُوجبَة للحدود وَلَا بُد من الاختتام بِبَاب فِي التَّعْزِير

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي التَّعْزِير - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الْمُوجب والمستوفي وَالْقدر وأصل الْوُجُوب أما الْمُوجب فَكل جِنَايَة سوى هَذِه السَّبْعَة مِمَّا يَعْصِي العَبْد بهَا ربه فيستوجب بهَا التَّعْزِير سَوَاء كَانَ على حق الله تَعَالَى أَو على حق الْآدَمِيّ إِذْ حق الْآدَمِيّ أَيْضا لَا يَخْلُو عَن حق الله تَعَالَى وَأما المستوفي فَهُوَ الإِمَام وَلَيْسَ ذَلِك للآحاد إِلَّا الْأَب وَالسَّيِّد وَالزَّوْج أما الْأَب فَلَا يُعَزّر الْبَالِغ وَالصَّغِير لَا يعْصى لَكِن للْأَب الضَّرْب تأديبا وحملا على التَّعَلُّم وردا عَن سوء الْأَدَب وللمعلم أَيْضا ذَلِك بِإِذن الْأَب وكل ذَلِك جَائِز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن أفْضى إِلَى الْهَلَاك وَجب الضَّمَان على الْعَاقِلَة ويكن شبه عمد ويتبين أَنهم جاوزوا حد الشَّرْع إِلَّا مَا يظْهر كَونه عمدا مَحْضا فَفِيهِ الْقصاص وَأما السَّيِّد فَالصَّحِيح أَن لَهُ تَعْزِير عَبده فِي حق الله تَعَالَى وَأما فِي حق نَفسه فَجَائِز بلاخلاف

وَأما الزَّوْج فَلَا يُعَزّر زَوجته إِلَّا على النُّشُوز على التَّرْتِيب الْوَارِد فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فَإِن كَانَت لَا تنزجر بِالضَّرْبِ الْيَسِير بل بِضَرْب مخوف فَلَا يُعَزّر أصلا لِأَن المبرح مهلك والخفيف غير مُفِيد أما أصل الْمُوجب فقد قَالَ الْعلمَاء مَا يتمحض لحق الله تَعَالَى فالاجتهاد فِيهِ إِلَى الإِمَام فَإِن رأى الصّلاح فِي سحب ذيل الْعَفو والتغافل عَنهُ فِي بعض الْمَوَاضِع فعل وَإِن رأى الِاقْتِصَار على الزّجر بِمُجَرَّد الْكَلَام فعل إِذْ الْمصلحَة تخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال وَكم تجَاوز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَقوام أساءوا آدابهم أما الْمُتَعَلّق بِحَق الْآدَمِيّ فَلَا يجوز إهمال أَصله مَعَ طلب الْمُسْتَحق لَكِن هَل يجوز للْإِمَام ترك الضَّرْب والاقتصار على الزّجر بالْكلَام إِن رأى ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَلَو عَفا الْمُسْتَحق فَهَل للْإِمَام التَّعْزِير فِيهِ ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُسْتَحق وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك لَا يَخْلُو أَيْضا عَن الْجِنَايَة على حق الله تَعَالَى وَرُبمَا أَرَادَ الإِمَام زَجره عَن الْعود إِلَى مثله وَالثَّالِث أَنه إِن عَفا عَن الْحَد سقط وَإِن عَفا عَن التَّعْزِير فللإمام التَّعْزِير لِأَن أصل التَّعْزِير موكول إِلَى الْأَئِمَّة أما قدر الْمُوجب فَلَا مرد لأقله وَأَكْثَره محطوط عَن الْحَد وَمِنْهُم من قَالَ يحط كل تَعْزِير وَإِن عظم عَن أقل الْحُدُود وَهُوَ حد الشّرْب وَمِنْهُم من قَالَ تَعْزِير مُقَدمَات الشّرْب يحط عَن حَده وَلَا يحط تَعْزِير مُقَدمَات الزِّنَا إِلَّا عَن حد الزِّنَا وَكَذَلِكَ تَعْزِير مُقَدمَات الْقَذْف فَإِن إمْسَاك العَبْد سَيّده حَتَّى يقْتله غَيره كَبِيرَة أعظم من شرب قَطْرَة من خمر وروى صَاحب التَّقْرِيب حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يجلد فَوق الْعشْرَة إِلَّا فِي حد وَقَالَ الحَدِيث صَحِيح فَإِن صَحَّ فمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اتِّبَاع الحَدِيث وَإِن لم يَصح

الحَدِيث فيحط عَن عشْرين فِي حق العَبْد لِأَنَّهُ حد الشّرْب فِي حَقه وَفِي حق الْحر هَل يحط عَن الْعشْرين الَّذِي هُوَ أقل مَا يجب حدا كَامِلا أَو عَن الْأَرْبَعين الَّذِي هُوَ حَده فِيهِ وَجْهَان وَأما مَالك رَحمَه الله فَإِنَّهُ جَاوز الْحَد وَجوز الْقَتْل فِي التَّعْزِير للاستصلاح وَهُوَ ضَعِيف إِذْ الاستصلاح التَّام يحصل بالحدود والتعزيرات وَالْحَبْس فَلَا حَاجَة إِلَى الْقَتْل وَالله أعلم وَإِذا فَرغْنَا من مُوجبَات الْحُدُود فجدير بِنَا أَن نشِير إِلَى مُوجبَات الضمانات سوى مَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْغَصْب

= كتاب مُوجبَات الضمانات = وَالنَّظَر فِي ضَمَان الْوُلَاة وَضَمان الصَّائِل وَضَمان مَا أتْلفه الْبَهَائِم فنعقد فِي كل وَاحِد بَابا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي ضَمَان الْوُلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي مُوجب الضَّمَان وَمحله أما الْمُوجب فالصادر عَن الإِمَام إِمَّا تَعْزِير وَإِمَّا حد أَو استصلاح أما التَّعْزِير فمهما سرى وَجب الضَّمَان وَتبين خُرُوجه عَن الْمَشْرُوع إِذْ الْمَشْرُوع مَا لَا يهْلك وَهُوَ مَنُوط بِالِاجْتِهَادِ ومشروط بسلامة الْعَاقِبَة فَيجب الضَّمَان على كل معزر إِذا لم تسلم الْعَاقِبَة وَأما الْحُدُود فَهِيَ مقدرَة فِيمَا عدا الشّرْب فَإِذا اقْتصر فَمَاتَ قُلْنَا الْحق قَتله أما إِذا مَال عَن الْمَشْرُوع فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون فِي وَقت أَو قدر أَو جنس فَإِن كَانَ فِي الْوَقْت بِأَن أَقَامَهُ فِي شدَّة الْحر فالنص أَنه لَا يضمن وَفِي مثله فِي الْخِتَان يضمن وَذكرنَا فِيهِ النَّقْل والتخريج فَكَأَنَّهُ يرجع حَاصِل الْخلاف إِلَى أَن التَّأْخِير مُسْتَحبّ أَو مُسْتَحقّ أما الْجِنْس فشارب الْخمر إِذا ضرب بالنعال وأطراف الثِّيَاب قَرِيبا من أَرْبَعِينَ فَمَاتَ فَلَا ضَمَان إِلَّا على الْوَجْه الْبعيد فِي أَن ذَلِك غير جَائِز

وَإِن ضرب أَرْبَعِينَ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا ضَمَان كَسَائِر الْحُدُود وَالثَّانِي نعم لقَوْل عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن ذَلِك شَيْء رَأَيْنَاهُ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا بِشَرْط أَن لَا يَصح الْخَبَر فِي جلد الْأَرْبَعين فَإِن أَوجَبْنَا فَالصَّحِيح إِيجَاب كل الضَّمَان وَفِيه وَجه أَنه يوزع على التَّفَاوُت بَين ذَلِك وَبَين الضَّرْب بالنعال فِي الْأَلَم وَهَذَا شي لَا يَنْضَبِط وَلَا يدْرك أصلا أما الْقدر فَهُوَ أَن يضْرب فِي حد الْقَذْف أحدا وَثَمَانِينَ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يجب عَلَيْهِ من الضَّمَان جُزْء من أحد وَثَمَانِينَ وَالثَّانِي أَنه يجب النّصْف نظرا إِلَى الْحق وَالْبَاطِل إِذْ رُبمَا أثر آلام السِّيَاط لَا تتساوى أما إِذا ضرب فِي الشّرْب ثَمَانِينَ ضمن الشّطْر لِأَنَّهُ زَاد عَن الْمَشْرُوع مثله فَلَو أَمر

الجلاد بِثَمَانِينَ فَزَاد وَاحِدًا اجْتمع من الْأُصُول ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يسْقط من الضَّمَان أَرْبَعُونَ من وَاحِد وَثَمَانِينَ وَيجب أَرْبَعُونَ على الإِمَام وَوَاحِد على الجلاد وَالثَّانِي أَنه يجب فِي مُقَابلَة الْبَاطِل نصف موزع على الإِمَام والجلاد بِالسَّوِيَّةِ وَالثَّالِث أَنه يَجْعَل الضَّمَان أَثلَاثًا فَيسْقط ثلثه وَيجب على الإِمَام ثلثه وعَلى الجلاد ثلثه أما الإستصلاح فَهُوَ إِمَّا بِقطع سلْعَة أَو بالختان أما السّلْعَة فللعاقل أَن يقطها من نَفسه إِن لم يكن فِيهِ خوف فَإِن كَانَ مخوفا لم يجز لإِزَالَة الشين وَهل يجوز للخوف على الْبَقِيَّة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَن الْخَوْف مَوْجُود فِي التّرْك وَالْقطع فَلَا فَائِدَة فِي الْقطع وَالثَّانِي الْجَوَاز إِذْ الْخَوْف متساو فإليه الْخيرَة

وَالثَّالِث أَن الْقطع إِن كَانَ أسلم فِي الظَّن الْغَالِب جَازَ وَإِن اعتدل الْخَوْف فَلَا وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي الْيَد المتآكلة أما من بِهِ ألم لَا يطيقه فَلَيْسَ لَهُ أَن يهْلك نَفسه فَإِن كَانَ الْمَوْت مَعْلُوما مثل الْوَاقِع فِي نَار لَا ينجو مِنْهَا قطعا وَهُوَ قَادر على إغراق نَفسه وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ اخْتلف فِيهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَالأَصَح أَنه لَهُ أَن يغرق نَفسه رَجعْنَا إِلَى الْوَالِي وَالْوَلِيّ وَلَيْسَ لَهما ذَلِك فِي حق الْعَاقِل الْبَالِغ إجبارا بل الْخيرَة إِلَى الْعَاقِل فَإِن فعلوا وَجب الْقصاص أما الْمولي عَلَيْهِ بالصغر وَالْجُنُون فللأب أَن يتعاطى فيهم مَا يتعاطى الْعَاقِل فِي نَفسه لإِزَالَة الشين وَالْخَوْف أما السُّلْطَان فَلهُ ذَلِك حَيْثُ لَا خوف وَيكون قطعه كالفصد والحجامة وَهُوَ جَائِز لَهُ وَإِن كَانَ فِي الْقطع خطر فَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك كَمَا لَيْسَ لَهُ الْإِجْبَار على النِّكَاح لِأَن مثل هَذَا الْخطر يَسْتَدْعِي نظرا دَقِيقًا وشفقة طبيعية وَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك فَإِن فعل حَيْثُ لم نجوز فَتجب الدِّيَة وَفِي الْقود قَولَانِ وَوجه الْإِسْقَاط الشُّبْهَة إِذْ هَذَا مِمَّا تَقْتَضِيه ولَايَة الْأَب وَإِن لم تكن تَقْتَضِيه ولَايَته ثمَّ الصَّحِيح أَن الدِّيَة فِي خَاص مَاله وَإِن سقط الْقود لِأَنَّهُ عمد مَحْض وَحَيْثُ جَوَّزنَا للْأَب وَالسُّلْطَان ذَلِك فسرى قَالَ القَاضِي وَجب الضَّمَان كالتعزير لِأَنَّهُ غير مضبوط وَإِنَّمَا جَوَّزنَا بِالِاجْتِهَادِ وَالصَّحِيح مَا قَالَه الْأَصْحَاب وَهُوَ سُقُوط

الضَّمَان لِأَن الْجرْح فِيهِ خطر وَقد جوز مَعَ الْخطر وَإِنَّمَا جوز من التَّعْزِير مَالا خطر فِيهِ وَكَيف يتَعَرَّض الْوَلِيّ لضمان سرَايَة الفصد والحجامة وَذَلِكَ يزجره عَن فعله ويضر بِالصَّبِيِّ نعم يتَّجه ذَلِك فِي الْخِتَان بعض الإتجاه فَإِنَّهُ لَيْسَ على الْفَوْر وَلَا فِيهِ خوف وَالصَّحِيح أَيْضا أَنه لَا ضَمَان أما الْخِتَان فمستحق عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء لِأَنَّهُ جَائِز مَعَ أَنه جرح مخطر فَيدل على وُجُوبه وَالْوَاجِب فِي الرِّجَال قطع مَا يغشى الْحَشَفَة وَفِي النِّسَاء مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم ثمَّ أول وُجُوبه بِالْبُلُوغِ وَلَيْسَ يجب على الصَّبِي بِخِلَاف الغدة إِذْ تَنْقَضِي من غير فعل والاولى أَن يُبَادر الْوَلِيّ فِي الصَّبِي لسُهُولَة ذَلِك عِنْد سخافة الْجلد فَإِن بلغ وَامْتنع استوفى السُّلْطَان قهرا فَلَا ضَمَان إِذْ وَجب اسْتِيفَاؤهُ إِلَّا أَن يفعل فِي شدَّة الْحر فَإِن النَّص أَنه يضمن وَفِيه تَخْرِيج سبق

النّظر الثَّانِي فِي مَحَله وَالْإِمَام كَسَائِر النَّاس فِيمَا يتعاطاه لَا فِي معرض الحكم أَو فِي معرض الحكم على خلاف الشَّرْع عمدا أما إِذا بذل الْمُمكن فِي الِاجْتِهَاد فَأَخْطَأَ فَفِي الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كَسَائِر النَّاس يجب عَلَيْهِ أَو على عَاقِلَته وَالثَّانِي أَنه فِي بَيت المَال لِأَن الوقائع تكْثر وَهُوَ معرض للخطأ فَكيف يستهلك مَاله وعَلى هَذَا فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان لِأَنَّهَا من جنس الْعِبَادَات فتبعد عَن التَّحَمُّل وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَو ضرب فِي الشّرْب ثَمَانِينَ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِك وَلَا يجْرِي إِذا أَقَامَ الْحَد على حَامِل مَعَ الْعلم فَإِنَّهُ مقصر والغرة على عَاقِلَته قطعا وَكَذَلِكَ إِذا قضى بقول عَبْدَيْنِ أَو كَافِرين أَو صبيين وَقصر فِي الْبَحْث فَإِن بحث فَأَخْطَأَ جرى فِيهِ الْقَوْلَانِ إِلَّا أَنه يُمكن الرُّجُوع على الشُّهُود لأَنهم تصدوا لما لَيْسُوا أَهلا لَهُ وَمِنْهُم من قَالَ لَا رُجُوع لأَنهم صدقُوا أَو أصروا وَلَيْسَ القَاضِي كالمغرور إِذْ الْمَغْرُور غير مَأْمُور بالبحث وَهُوَ مَأْمُور بِهِ

فَإِن قُلْنَا يرجع فَفِي تعلقه بِرَقَبَة الْعَبْدَيْنِ أَو لُزُومه فِي ذمتهما خلاف وَفِي الرُّجُوع على الْمُرَاهق نظر لِأَن قَوْله بعيد أَن يعْتَبر الْإِلْزَام وَلَكِن يُمكن أَن يَجْعَل كجناية حسية وَلذَلِك تعلق بِرَقَبَة العَبْد على رَأْي فَإِن كَانَا فاسقين ورأينا نقض الحكم بِظُهُور الْفسق بعد الْقَضَاء فَفِي الرُّجُوع عَلَيْهِم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب كالعبدين وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا من أهل الشَّهَادَة على الْجُمْلَة وَالثَّالِث أَنه يرجع على المجاهر دون المكاتم فَإِن عَلَيْهِ ستر الْفسق بِخِلَاف الرّقّ فَإِنَّهُ لَا يستر أما الجلاد فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كيد الإِمَام وسيفه وَلَو ضمن لم يرغب أحد فِيهِ وَكَذَا الْحجام إِذا قطع سلْعَة بِالْإِذْنِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ مهما كَانَ الْقطع مُبَاحا أما إِذا قطع يدا صَحِيحَة بِالْإِذْنِ فَفِي الضَّمَان خلاف لِأَن الْمُسْتَحق أسقط

حَقه وَلكنه مرحم وَلَو قتل حر عبدا وَأمر الإِمَام بقتْله والجلاد شفعوي فَفِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اعْتِقَاد الجلاد وَفِي الثَّانِي إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو كَانَ الإِمَام شفعويا فَأَخْطَأَ بذلك والجلاد حَنَفِيّ فالنظر إِلَى جَانب الإِمَام يُوجب الْقصاص على الجلاد

وكل هَذَا إِذا كَانَ للجلاد محيص عَن الْفِعْل فَإِن لم يكن فَهُوَ كالمكره على رَأْي وَقد ذَكرْنَاهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي دفع الصَّائِل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الْمَدْفُوع والمدفوع عَنهُ وَكَيْفِيَّة الدّفع أما الْمَدْفُوع فَلَا تَفْصِيل فِيهِ عندنَا بل كل مَا يخَاف الْهَلَاك مِنْهُ يُبَاح دَفعه وَلَا ضَمَان فِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الدّفع يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسلم وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون والبهيمة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب ضَمَان الْبَالِغ وَيجب ضَمَان الْبَهِيمَة الصائلة وَله فِي الصَّبِي وَالْمَجْنُون تردد وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا جرة تدهورت من سطح أَو جِدَار مطل على رَأس إِنْسَان فَدَفعهَا فَكَسرهَا فَمن نَاظر إِلَى أَنه مُسْتَحقّ الدّفع وَمن نَاظر إِلَى أَنه لَا اخْتِيَار لَهَا حَتَّى يُحَال عَلَيْهَا فَصَارَ كالمضطر فِي المخمصة إِلَى طَعَام الْغَيْر فَإِنَّهُ يَأْكُل وَيضمن

الثَّانِيَة إِذا اضْطر إِلَى طَعَام فِي بَيته وعَلى بَابه بَهِيمَة صائلة لَا تنْدَفع إِلَّا بِالْقَتْلِ فَهُوَ مردد بَين ضَرُورَة المخمصة والصيال فَفِيهِ وَجْهَان وَهَذَا حكم جَوَاز الدّفع أما جَوَاز الإستسلام فَينْظر إِن كَانَ الصَّائِل بَهِيمَة أَو ذِمِّيا لم يجز وَوَجَب الدّفع إِذْ عهد الذِّمِّيّ ينْتَقض بصياله وَإِن كَانَ مُسلما محقونا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فِي وصف الْفِتَن كن عبد الله الْمَقْتُول وَلَا تكن عبد الله الْقَاتِل وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الصَّائِل لَا حُرْمَة لَهُ لظلمه والمصول عَلَيْهِ مُحْتَرم وَإِنَّمَا يُؤمر بترك الْقَتْل فِي الْفِتْنَة خوفًا من إثارة الْفِتْنَة

نعم يجوز للمضطرين فِي المخمصة الإيثار لِأَن الْحُرْمَة شَامِلَة للْجَمِيع وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَمنهمْ من ألحقهما بالبهيمة وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَوجه الْقطع بِالْمَنْعِ أَن قتل الصَّبِي يجب مَنعه على الْمُكَلف إِذا قدر كَيْلا يبوء بالإثم لِأَنَّهُ صُورَة ظلم أما الْمَدْفُوع عَنهُ فَلهُ ثَلَاث مَرَاتِب الأولى مَا يَخُصُّهُ وَهُوَ كل حق مَعْصُوم من نفس وبضع وَمَال وَإِن قل حَتَّى يهدر الدَّم فِي الدّفع عَن دِرْهَم وَحكي عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَنه لَا يدْفع عَن المَال بِالْقَتْلِ وَهُوَ غَرِيب الثَّانِيَة مَا يخص الْغَيْر وَهُوَ يقدر على دَفعه مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الدّفع وَمِنْهُم من قطع بِالْوُجُوب إِذْ لَا مدْخل للإيثار هَاهُنَا وَهُوَ حق الْغَيْر وَمن الْأُصُولِيِّينَ من قطع بِالْمَنْعِ وَقَالَ لَيْسَ شهر السِّلَاح فِي مثل ذَلِك إِلَى الْآحَاد بل إِلَى السُّلْطَان لِأَنَّهُ يُحَرك الْفِتَن الثَّالِثَة مَا يتَعَلَّق بمحض حق الله تَعَالَى كشرب الْخمر فَظَاهر رَأْي الْفُقَهَاء

وجوب الدّفع بِسَبَب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَلَو بِالسِّلَاحِ وَمِنْهُم من منع ذَلِك إِلَّا للسُّلْطَان خوفًا من الْفِتْنَة وَذكرنَا فِي ذَلِك تَفْصِيلًا طَويلا فِي كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين أما كَيْفيَّة الدّفع فَيجب فِيهِ التدريج فَإِن انْدفع بالْكلَام لم يضْرب أَو بِالضَّرْبِ لم يجرح أَو بِالْجرْحِ لم يقتل وَإِذا انْدفع لم يتبع وَلَو رأى من يَزْنِي بِامْرَأَة فَلهُ دَفعه إِن أَبى وَلَو بِالْقَتْلِ فَإِن هرب فَاتبعهُ وَقَتله وَجب الْقصاص عَلَيْهِ إِن لم يكن مُحصنا فَإِن كَانَ مُحصنا فَلَا قصاص لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْقَتْل وَإِن لم يكن للآحاد قَتله وَكَذَا من استبد بِقطع يَد السَّارِق فَلَا قصاص وَلَكِن لَا بُد من إِقَامَة بَيِّنَة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يسمع مُجَرّد دَعْوَاهُ للزِّنَا وَالسَّرِقَة وتبنى على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل الأولى لَو قدر المصول عَلَيْهِ على الْهَرَب فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ لَهُ الدّفع وَمِنْهُم من جوز وَكَأن الْموضع حَقه فَلَا يلْزمه الْهَرَب وَلَو كَانَ الصَّائِل ينْدَفع بِسَوْط لَكِن لَيْسَ فِي يَد المصول عَلَيْهِ إِلَّا مَا لَو ضرب بِهِ لجرح فَالظَّاهِر جَوَاز الضَّرْب لِأَن الْمُعْتَبر حَاجته وَهُوَ لَا يقدر على غَيره وَلذَلِك نقُول الحاذق الَّذِي يقدر على الدّفع بأطراف السَّيْف من غير جرح يضمن إِن جرح والأخرق الَّذِي يعجز عَنهُ لَا يضمن الثَّانِيَة لَو عض يَد إِنْسَان فَلهُ أَن يسل يَده فَإِن ندرت أَسْنَانه فَلَا ضَمَان

وَإِن لم يقدر على السل فَلهُ أَن يضع السكين فِي بَطْنه ويعصر أنثييه وَقيل لَا يجوز إِلَّا أَن يقْصد الْعُضْو الْجَانِي ليندفع وَهُوَ بعيد الثَّالِثَة إِذا نظر إِلَى حرم إِنْسَان من صير الْبَاب وكوة الدَّار عمدا فَلهُ أَن يقْصد عَيْنَيْهِ بحصاة أَو مَدَرَة من غير تَقْدِيم إنذار فَلَو أعماه الرَّمْي فَلَا ضَمَان وَهَذَا على خلاف تدريج الدّفع وَلَكِن نظر رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجرته من صير بَابه وَكَانَ بِيَدِهِ عَلَيْهِ السَّلَام مدرى يحك بِهِ رَأسه فَقَالَ لَو علمت أَنَّك تنظرني لطعنت بهَا عَيْنَيْك وَقَالَ القَاضِي لَا بُد من تَقْدِيم الْإِنْذَار على الْقيَاس والْحَدِيث مَحْمُول على أَنه لَو أصر على النّظر فَلم ينْدَفع بالإنذار وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَعكس صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ يسْتَدلّ بِهَذَا على أَن الدّفع جَائِز ابْتِدَاء من غير إنذار ويتأيد ذَلِك بقولنَا إِنَّه يجوز قتل الْمُرْتَد بَغْتَة من غير إمهال وإنذار وَالْمذهب الْفرق لأجل الحَدِيث وَلِأَن النّظر إِلَى الْحرم جِنَايَة تَامَّة فَإِن مَا رَآهُ وانكشف لَهُ لَا يسْتَتر باندفاعه بعده فللنظر هَذِه الخاصية لَكِن لَا خلاف أَنه بعد

الإندفاع لَا تقصد عينه بِالْجِنَايَةِ السَّابِقَة فَكَأَن الْمُسَلط هَذِه الخاصية مَعَ وجود الْجِنَايَة وَالصَّحِيح أَنه لَو اسْترق السّمع من كوَّة لم تقصد أُذُنه من غير إنذار وَإِن كَانَ مَا سَمعه قد فَاتَ وَلَكِن أَمر الْكَلَام أَهْون من أَمر العورات وَفِيه وَجه أَنه يلْحق بِهِ وَإِن كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا فَنظر لم يقْصد لِأَن التَّقْصِير من رب الدَّار وَلَا فرق بَين أَن ينظر فِي الصير من ملك نَفسه أَو من الشَّارِع أَو من السَّطْح فَإِنَّهُ يقْصد هَذَا إِذا كَانَ فِي الدَّار حرم غير متسترات فَإِن لم يكن فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز للْعُمُوم وَلِأَن الْإِنْسَان قد يكون مَكْشُوف الْعَوْرَة وَالثَّانِي الْمَنْع إِذْ أَمن الِاطِّلَاع على المستترة وعَلى الرِّجَال أسهل وَالثَّالِث أَنه يجوز الْقَصْد إِن كَانَ فِي الدَّار حرم وَإِن كن مستترات وَإِن لم يكن إِلَّا الرِّجَال لم يجز وَلَا خلاف أَنه إِن كَانَ للنَّاظِر حرم فِي هَذِه الدَّار فَيصير ذَلِك شُبْهَة فَلَا يقْصد ثمَّ إِن لم تحصل الشَّرَائِط وَجب الْقصاص وَإِن حصل فرشقه بنشابة وَجب الْقصاص بل لَا يترخص إِلَّا فِي قصد الْعين بخشبة أَو مَدَرَة أَو بندقة فقد يخطىء وَقد يُصِيب وَلَا يعمي وَأما الرشق فَقتل صَرِيح فَلَا يجوز

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِيمَا تتلفه الْبَهَائِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول أَن لَا يكون مَعهَا مَالِكهَا فَإِن انسرحت فِي الْمزَارِع نَهَارا فَلَا ضَمَان على مَالك الْبَهِيمَة وَإِن انسرحت لَيْلًا ضمن بذلك قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الْعَادة حفظ الدَّوَابّ لَيْلًا من ملاكها وَحفظ الْمزَارِع نَهَارا من أَصْحَابهَا فالمتبع فِيهِ التَّقْصِير وَلَو انعكست الْعَادة فِي مَوضِع انعكس الحكم فيهمَا للمعنى من فرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَفِيه وَجه أَنه لَا ينعكس لِأَن ضبط الْعَادة يعسر فَيتبع الشَّرْع كَيْفَمَا تقلبت الْعَادَات

فرعان أَحدهمَا أَن الْبَهَائِم أَيْضا لَا تَخْلُو عَن الرَّاعِي نَهَارا وَلَكِن يعذرُونَ فِي الْغَفْلَة عَنْهَا إِذا سرحت بعيدَة من الْمزَارِع فَلَو سرحها فِي جوَار الْمزَارِع مَعَ اتساع المراعي فَهُوَ مقصر فَيضمن الثَّانِي لَو سرحها لَيْلًا فَدخلت الْبَسَاتِين وأبوابها مَفْتُوحَة لم يضمن لِأَن التَّقْصِير فِي الْبُسْتَان من صَاحبه إِذْ لم يغلق الْبَاب وَالتَّقْصِير من رب الْبَهِيمَة فِي حق الْمزَارِع الضاحية

الْفَصْل الثَّانِي أَن يكون مَعهَا مَالِكهَا فَيضمن مَالك الدَّابَّة مَا أتلفته بِيَدَيْهَا إِذا خبطت وبرجليها إِذا رمحت وبفيها إِذا عضت وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ يُمكن حفظ الدَّابَّة عَنهُ من غير انسداد رفق الطّرق أما الضَّرَر الَّذِي ينشأ من رشاش الوحل وانتشار الْغُبَار إِلَى الْفَوَاكِه فَلَا ضَمَان إِذْ هُوَ ضَرُورَة الطّرق وَلَا يُمكن الْمَنْع مِنْهُ نعم لَو خَالف الْعَادة بالركض فِي شدَّة الوحل أَو ترك الْإِبِل فِي الْأَسْوَاق غير مقطرة أَو ركب الدَّابَّة النزقة الَّتِي لَا يركب مثلهَا إِلَّا فِي الصَّحَارِي ضمن لكَونه مقصرا فِي الْعَادة

فروع الأول لَو أفلتت الدَّابَّة لَيْلًا عَن الرِّبَاط فَهُوَ كَمَا لَو غلبت صَاحبهَا وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الاصطدام الثَّانِي لَو تخرق ثوب إِنْسَان بحطب على دَابَّة وَهُوَ مُقَابل ومبصر ووجده منحرفا فَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ مستدبرا أَو ناداه الْمَالِك منبها فكمثله وَإِن لم ينبهه ضمن صَاحب الدَّابَّة الثَّالِث إِذا أَدخل الدَّابَّة مزرعة فأخرجها صَاحب المزرعة فانسرحت فِي مزرعة غَيره فَلَا ضَمَان على الْمخْرج فَإِن كَانَت مزرعة محفوفة بالزراع فَلَا يُمكن إِخْرَاجه إِلَّا بِهِ فَيضمن إِذْ عَلَيْهِ الصَّبْر ليرْجع على رب الْبَهِيمَة وَمهما كَانَ رب الدَّابَّة مقصرا وَلَكِن مَالك الزَّرْع حَاضر وقادر على التنفير فَلم يفعل فَلَا ضَمَان إِذْ هُوَ المقصر بترك التنفير فِي الْعَادة الرَّابِع الْهِرَّة الْمَمْلُوكَة إِذا قتلت طير إِنْسَان أَو قلبت قدره فَفِي وجوب الضَّمَان على مَالِكهَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا ضَمَان إِذْ مَا جرت الْعَادة بربط السنانير لَيْلًا ونهار وَالثَّانِي يجب إِذْ يُمكن شدّ الروازن وغلق الْأَبْوَاب حَتَّى لَا تخرج

وَالثَّالِث أَنَّهَا كالدآبة يجب حفظهَا لَيْلًا لَا نَهَارا وَالرَّابِع بِالْعَكْسِ فَإِن الْأَطْعِمَة تصان بِاللَّيْلِ دون النَّهَار الْخَامِس الْهِرَّة الضاربة بالطيور والإفساد أَو تنجيس الثِّيَاب قَالَ القَاضِي يجوز قَتلهَا فِي حَال سكونها لِأَنَّهَا التحقت بالفواسق فَأشبه الذِّئْب الَّذِي لَا يحل اقتناؤه وَقَالَ الْقفال لَا يحل لِأَن هَذِه ضراوة عارضة على خلاف الْجِنْس فتدفع فِي حَال الضراوة فَقَط وَالْكَلب الضاري كالهرة والاولى تشبيهه بالذئب

= كتاب السّير = ومقصود الْكتاب بَيَان الْجِهَاد وَالنَّظَر فِي وُجُوبه وكيفيته وَتَركه بالأمان فنعقد فِي كل وَاحِد بَابا

الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي وُجُوبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد يجب على التَّعْيِين وَقد يجب على الْكِفَايَة وَهُوَ الْغَالِب وَالنَّظَر فِي طرفين فِي الْوَاجِبَات على الْكِفَايَة وَفِي المعاذير المسقطة الأول فِي الْوَاجِبَات فالجهاد وَاجِب على الْكِفَايَة وَقيل كَانَ على الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم فرض عين وَكَانَ من يتَخَلَّف يحرس فِي الْمَدِينَة وَكَانُوا يتناوبون ويغزون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل سنة بعد أَن نزل الْقِتَال وَقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ظُهُور شَوْكَة الْإِسْلَام مَأْمُورا بالدعوة وَالصَّبْر على الْأَذَى حَتَّى نزل

الْحَث على الْجِهَاد والآن فَيجب على الإِمَام فِي كل سنة أَو مَا يقرب مِنْهَا غَزْوَة ينْهض إِلَيْهَا جنده إدامة للدعوة القهرية وإظهارا لِلْإِسْلَامِ ثمَّ يرْعَى النصفة فِي المناوبة بَين الْجند وَلَا يخصص بعض أقاليم الْكفَّار وَلَكِن يقدم الأهم فالأهم ويتشوف إِلَى بَث النكاية والرعب فِي الْجَمِيع وَإِنَّمَا يصير الْفَرْض على الْكِفَايَة لَا على التَّعْيِين إِذا كَانَ الشَّيْء مَقْصُود الْحُصُول فِي نَفسه للشَّرْع وَلم يكن الشَّخْص مَقْصُودا بالامتحان وَذَلِكَ يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام قسم يتَعَلَّق بمحض الدّين كإقامة المدعوة الحجاجية بِالْعلمِ والقهرية بِالسَّيْفِ فَلَا يَنْبَغِي أَن تَخْلُو خطة الْإِسْلَام عَنهُ وَهَذَا يتَعَلَّق بِأَصْل الدّين وَمِنْهَا مَا يتَعَلَّق بِفُرُوع الدّين وشعاره كإحياء الْكَعْبَة بِالْحَجِّ كل سنة وإشاعة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ ورد السَّلَام وَهُوَ من الشعائر وَإِن لم تتَعَلَّق بِهِ مصلحَة كُلية بل مصلحَة حسن الْمُعَامَلَة وَأما إِقَامَة الْجَمَاعَات وَالْأَذَان سوى أَيَّام الْجمع فَفِيهِ تردد الْقسم الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بالمعاش كدفع الضَّرَر عَن محاويج الْمُسلمين وَإِزَالَة فاقتهم فَإِن بقيت ضَرُورَة بعد تَفْرِقَة الزكوات كَانَ إِزَالَتهَا من فرض الْكِفَايَة وَإِن بقيت حَاجَة فَفِي وجوب إِزَالَتهَا تردد وَأما الْبياعَات والمناكحات والحراثة والزراعة وكل حِرْفَة لَا يَسْتَغْنِي النَّاس عَنْهَا لَو

تصور إهمالها لكَانَتْ من فروض الكفايات حَتَّى الفصد والحجامة وَلَكِن فِي بواعث الطباع مندوحة عَن الْإِيجَاب لِأَن قوام الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْأَسْبَاب وقوام الدّين مَوْقُوف على قوام أَمر الدُّنْيَا ونظامها لَا محَالة الْقسم الثَّالِث مَا هُوَ كالمركب من الْقسمَيْنِ كتحمل الشَّهَادَات وإعانة الْقُضَاة على تَوْفِيَة الْحُقُوق وتجهيز الْمَوْتَى ودفنهم وغسلهم وَهَذِه مصَالح وَلَكِن يتَعَلَّق بهَا أَيْضا إِظْهَار شَعَائِر الدّين وَهَذِه الْفُرُوض مَذْكُورَة فِي موَاضعهَا وَإِنَّمَا نذْكر الْآن الْجِهَاد والتعلم وَالسَّلَام ولتعلم أَنه إِذا تعطل فرض كِفَايَة فِي مَوضِع أَثم من علم ذَلِك وَقدر على إِقَامَته وَيَأْثَم من لم يعلم إِذا كَانَ قَرِيبا من الْموضع وَكَانَ يَلِيق بِهِ الْبَحْث فَلم يبْحَث أما من هُوَ مَعْذُور لبعده أَو لتعذر الْبَحْث عَلَيْهِ فَلَا يَأْثَم

الطّرف الثَّانِي فِي مسقطات الْوُجُوب وَهُوَ الْعَجز إِمَّا حسيا أَو شَرْعِيًّا أما الْحسي فَهُوَ الصِّبَا وَالْجُنُون وَالْأُنُوثَة وَالْمَرَض والفقر وَالْعَرج والعمى فَلَا جِهَاد على هَؤُلَاءِ لعجزهم وضعفهم وَقيل الْأَعْرَج كَالصَّحِيحِ إِن كَانَ يُقَاتل رَاكِبًا وَهُوَ بعيد لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَلَا على الْأَعْرَج حرج} وَلِأَنَّهُ لَا تندر الْحَاجة إِلَى التَّرَجُّل فِي مضايق الْقِتَال وكل من لَا يملك نَفَقَة الذّهاب والإياب والمركوب فَهُوَ فَقير وتفصيله مَا ذكرت فِي الْحَج إِلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط وجود السِّلَاح هَاهُنَا بِخِلَاف الْحَج وَالْآخر أَنه لَا يسْقط الْجِهَاد بالخوف من المتلصصين على الطَّرِيق وَإِن كَانُوا من الْمُسلمين لِأَن أهم الْجِهَاد مَعَ المتلصصين ومصير هَؤُلَاءِ إِلَى الْخَوْف الْأَعْظَم أما الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة فَهُوَ الرّقّ وَالدّين وَمنع الْوَالِدين أما الرَّقِيق فَلَا جِهَاد عَلَيْهِ كَمَا لَا جُمُعَة وَلَا حج عَلَيْهِ وَلَا يلْزمه الْجِهَاد وَإِن أمره السَّيِّد إِذْ لَا حق لَهُ فِي روحه حَتَّى يغرر بِهِ ويعرضه للهلاك وَكَذَلِكَ لَا يجب على العَبْد أَن يدْفع عَن السَّيِّد إِذا قصد بِالْهَلَاكِ مهما خَافَ على روحه بل سَيّده كالأجانب فِي هَذَا الْمَعْنى نعم

إِن خرج سَيّده للْجِهَاد فَلهُ استصحابه للْخدمَة على الْعَادة لَا لِيُقَاتل قهرا أما الدّين فالحال مِنْهُ يمْنَع من الْخُرُوج إِلَّا أَن يرضى الْمُسْتَحق والمؤجل لَا يمْنَع عَن سَائِر الْأَسْفَار وَإِن قربت الْمدَّة وَطَالَ السّفر لَكِن على الْمُسْتَحق الْخُرُوج مَعَه إِن شَاءَ ليطالب وَأما سفر الْجِهَاد فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يمْنَع مِنْهُ لِأَن الْمصير فِيهِ إِلَى الْمَوْت وَبِه يحل الْأَجَل بِخِلَاف سَائِر الْأَسْفَار وَهُوَ ضَعِيف وَالثَّانِي أَنه كَسَائِر الْأَسْفَار فَلَا يمْنَع وَالثَّالِث أَنه يمْنَع إِلَّا إِذا خلف وَفَاء بِالدّينِ وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ من المرتزقة لم يمْنَع إِذْ رُبمَا كَانَ وَجهه فِي قَضَاء الدّين من الْقِتَال وَإِلَّا فَيمْنَع وَأما رِضَاء الْوَالِدين فَشرط رُوِيَ أَن رجلا جَاءَ فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرِيد أَن أجاهد مَعَك فَقَالَ كَيفَ تركت والديك فَقَالَ تركتهما يَبْكِيَانِ فَقَالَ ارْجع وأضحكهما كَمَا أبكيتهما

أما حج الْإِسْلَام بعد الإستطاعة فَيجوز بِغَيْر رضاهما لِأَنَّهُ فرض عين وَفِي التَّأْخِير خطر وَالْغَالِب السَّلامَة مَعَ أَمن الطَّرِيق أما سفر طلب الْعلم فَإِن كَانَ الْعلم الْمَطْلُوب معينا أَو كَانَ يطْلب رُتْبَة الإجتهاد حَيْثُ شغر الْبَلَد عَن الْمُجْتَهد فَلَا يشْتَرط الْإِذْن كَالْحَجِّ بل أولى لِأَنَّهُ على الْفَوْر وَإِن كَانَ يطْلب رُتْبَة الْفَتْوَى وَفِي الْبَلَد مفتون فَفِيهِ وَجْهَان الظَّاهِر أَنه يجوز بِغَيْر إِذن لِأَنَّهُ حر مُسْتَقل وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دفع ضَرَر التحزن فِي سفر مهلك كالجهاد وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من الْإِذْن لِأَن دفع الضَّرَر عَنْهُمَا وَاجِب وَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِب أما الْأَسْفَار الْمُبَاحَة كالتجارة وَغَيرهَا مِمَّا فِيهِ خطر كركوب الْبَحْر والبوادي المخطرة فَلَا يجوز إِلَّا بِإِذن وَمَا عدا ذَلِك فَالظَّاهِر جَوَازه لَان فِي مَنعه إِضْرَارًا بِهِ أَيْضا وَحقه أولى وَفِيه وَجه إِذا كَانَ فَوق مَسَافَة الْقصر وَأما الْأَب الْكَافِر فَلَا يجب اسْتِئْذَانه فِي الْجِهَاد لِأَنَّهُ يكرههُ لَا محَالة وَأما سَائِر الْأَسْفَار فَيحْتَمل أَن يلْحق فِيهِ بِالْأَبِ الْمُسلم وَفِي إِلْحَاق الأجداد والجدات بالوالدين احْتِمَال ظَاهر فرع لَو رَجَعَ الْوَالِد وَصَاحب الدّين عَن الْإِذْن أَو تجدّد دين وبلغه الْكتاب وَهُوَ فِي الطَّرِيق لزمَه الِانْصِرَاف إِن قدر فَإِن كَانَ الطَّرِيق مخوفا فَالظَّاهِر أَنه يجب عَلَيْهِ الْوُقُوف بقرية إِن أمكن إِذْ غرضهم ترك الْقِتَال وَإِن بلغه الْكتاب وَهُوَ فِي أثْنَاء الْقِتَال لم يجز الإنصراف إِن كَانَ يحصل بِهِ تخذيل ووهن للْمُسلمين وَإِن لم يكن فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْوُجُوب كَمَا قبل الِاشْتِغَال

وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن فتح هَذَا الْبَاب يشوش الْقِتَال وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر لتعارض الْأَمريْنِ وَقد ذكر بعض الْأَصْحَاب أَن فرض الْكِفَايَة يتَعَيَّن بِالشُّرُوعِ كالجهاد وبنوا عَلَيْهِ أَن من أنس فِي التَّعَلُّم رشدا فِي نَفسه لزمَه الْإِتْمَام فَإِن صَلَاة الْجِنَازَة تتَعَيَّن بِالشُّرُوعِ وَقَالَ الْقفال لَا تتَعَيَّن صَلَاة الْجِنَازَة وَذَلِكَ فِي الْعلم أولى لِأَن كل مَسْأَلَة عبَادَة مُنْفَصِلَة عَن الْأُخْرَى وَالصَّلَاة خصْلَة وَاحِدَة وَلَا يَلِيق بِأَصْل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَغْيِير الحكم بِالشُّرُوعِ هَذَا كُله فِي قتال هُوَ فرض كِفَايَة أما إِذا تعين بِأَن وطىء الْكفَّار بَلْدَة من بِلَاد الْمُسلمين فَيتَعَيَّن على كل من فِيهِ منَّة من أهل تِلْكَ الْبَلدة أَن يبْذل المجهود وَيحل الْقَيْد عَن العبيد فَلهم الْقِتَال بل يجب عَلَيْهِم ذَلِك وَكَذَلِكَ على النسْوَة إِن كَانَ فِيهِنَّ منَّة على حَال وَإِن كَانَ فِي الْأَحْرَار اسْتِقْلَال دون العبيد وَلَكِن تزداد بهم قُوَّة قلب فَفِي انحلال الْحَبْس عَن العبيد وَجْهَان

وَكَذَلِكَ لَو حصل الْكِفَايَة بطَائفَة نهضوا وَخَرجُوا فَهَل يتَعَيَّن على البَاقِينَ المساعدة فِيهِ وَجْهَان وَوجه إِيجَابه تَعْظِيم هَذَا الْأَمر وتفخيم الرعب والزجر وَلَو تهجموا وَلم يبْق لَهُم مهلة الإستعداد فعلى كل وَاحِد من الْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالْمَرِيض أَن يدْفع بغاية الْإِمْكَان فَإِن علم أَنه لَو كاوح يقتل قطعا وَلَو استسلم أسر وَرُبمَا يجد خلاصا فَلَيْسَ عَلَيْهِ المكاوحة وَالْمَرْأَة إِن علمت ذَلِك وَلَكِن تعلم أَنَّهَا تقصد بالفاحشة فَفِي وجوب المكاوحة وَجْهَان أَحدهمَا نعم حَتَّى تقتل فَإِن الْفَاحِشَة لَا تُبَاح بخوف الْقَتْل وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقَتْل مَعْلُوم والفاحشة موهومة هَذَا فِي أهل النَّاحِيَة وَمن هُوَ فِيهَا دون مَسَافَة الْقصر أما من وَرَاء ذَلِك فَيتَعَيَّن عَلَيْهِم المساعدة إِن لم يكن دونهم كِفَايَة وَإِن كَانَ فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على أهل النَّاحِيَة وَأولى أَن لَا يجب وَلَا يشْتَرط المركوب فِيمَن هُوَ دون مَسَافَة الْقصر وفيمن وَرَاءه هَل يعْذر لعدم المركوب فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا يعْذر كَمَا فِي الْحَج وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا أهم وَأعظم فرع استيلاؤهم على موَات دَار الْإِسْلَام هَل ينزل منزلَة دُخُولهمْ الْبِلَاد فِيهِ وَجْهَان وَلَا شكّ أَن الْأَمر أَهْون فِيهِ إِلَّا إِذا خيف السَّرَايَة وَلَو أَسرُّوا مُسلما أَو مُسلمين فَهَل يتَعَيَّن الْقِتَال كَمَا لَو استولوا على الديار فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه يتَعَيَّن إِذا أمكن إِلَّا حَيْثُ يعسر التوغل فِي دِيَارهمْ وَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أهبة فقد رخص فِيهِ فِي نوع من التَّأْخِير وَلَكِن لَا يجوز إهماله هَذَا كُله فِي الْجِهَاد أما الْعلم فَمِنْهُ فرض عين وَهُوَ الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا وَإِن كَانَ تَاجِرًا فَيلْزمهُ تعلم شُرُوط الْمُعَامَلَة على الْجُمْلَة دون الْفُرُوع النادرة كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب آدَاب الْكسْب من كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين وَقد فرقنا بَين مَا يجب على الْأَعْيَان وَمَا يجب على الْكِفَايَة من الْعلم فِي كتاب الْعلم من كتاب الْأَحْيَاء وَأما الْأُصُول فَلَا يتَعَيَّن على كل شخص إِلَّا اعْتِقَاد صَحِيح فِي التَّوْحِيد وصفات الله تَعَالَى فَإِن اعتراه شكّ تكلّف إِزَالَته وَلَيْسَ عَلَيْهِ تعلم الْكَلَام وَلَا بُد فِي كل قطر من

مُتَكَلم مشتغل بإماطة الشّبَه وَإِبْطَال الْبدع وَقد ذكرنَا تَفْصِيل ذَلِك فِي كتاب الإقتصاد فِي الإعتقاد وفن الْفِقْه لَا يحْتَمل شَرحه وَأما السَّلَام فالإبتداء بِهِ سنه مُسْتَحبَّة على الْآحَاد وَسنة على الْكِفَايَة من الْجمع وصيغته أَن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَإِن كَانَ الْمُخَاطب وَاحِدًا تعميما للْمَلَائكَة وَالْجَوَاب فرض معِين على الْمُخَاطب وَحده وَإِن كَانَ الْمُخَاطب جمعا فَفرض على الْكِفَايَة عَلَيْهِم وَلَا يسْقط الْحَرج بِجَوَاب غَيرهم وصيغته أَن يَقُول وَعَلَيْكُم السَّلَام وَيسْتَحب أَن يزِيد وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَلَو قَالَ عَلَيْكُم لم يكن جَوَابا وَلَو قَالَ وَعَلَيْكُم فَفِيهِ وَجْهَان ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يسلم على الْمُصَلِّي وَالَّذِي يقْضِي حَاجته وَفِي الْحمام وعَلى الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة وَيجوز فِي المساومة والمعاملة وَيجوز على الْأكل إِذا لم تكن اللُّقْمَة فِي فِيهِ فيعسر عَلَيْهِ الْجَواب

أَو الصَّبْر إِلَى الإزدراد وَأما تشميت الْعَاطِس فمستحب وَجَوَابه غير وَاجِب ثمَّ هُوَ على الْكِفَايَة وَذكرنَا جملَة من آدَاب السَّلَام والتشميت فِي كتاب آدَاب الصُّحْبَة فليطلب مِنْهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْجِهَاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي تَفْصِيل مَا يجوز أَن يُعَامل الإِمَام بِهِ الْكفَّار إِمَّا فِي أنفسهم بِالْقَتْلِ والقتال أَو الإسترقاق وَإِمَّا فِي أَمْوَالهم بِالْإِتْلَافِ والإغتنام النّظر الأول فِي معاملاتهم بِالْقَتْلِ وَفِيه مسَائِل الأولى فِيمَن تجوز الإستعانة بِهِ فِي الْقِتَال وَالْأَصْل فِيهِ الْأَحْرَار الْمُسلمُونَ البالغون وَلَكِن يجوز للْإِمَام الإستعانة بالعبيد إِذا أذن السَّادة وبالمراهقين إِذا كَانَ فيهم منَّة وبالمشركين إِذا أَمن غائلتهم أَو علم أَنهم لَو تحيزوا إِلَى الْكفَّار لم يعجز الإِمَام عَن جمعهم وَقد اسْتَعَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باليهود فِي بعض الْغَزَوَات

وَأما المخذل الَّذِي يضعف الْقُلُوب وَيكثر الأراجيف فَيخرج عَن الصَّفّ إِذا حضر فَإِن شَره عَظِيم وَلَا يسْتَحق السهْم والرضخ وَإِن حضر وَهُوَ أقل مَا يُعَاقب بِهِ وَأما الذِّمِّيّ إِذا حضر من غير إِذن الإِمَام فَفِي اسْتِحْقَاقه الرضخ خلاف لِأَنَّهُ من أهل نصْرَة الدَّار إِذْ هُوَ يستوطن بهَا وَإِن حضر بعد النَّهْي لم يسْتَحق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِيمَن يسْتَأْجر وَالْمذهب أَن اسْتِئْجَار الْمُسلم بَاطِل لِأَن الْجِهَاد يَقع عَن فَرْضه فَكيف يَأْخُذ الْأُجْرَة وَهُوَ كالضرورة وَلَا يسْتَأْجر على الْحَج هَذَا فِي حق الْآحَاد أما السُّلْطَان إِن رأى أَن يسْتَأْجر قَالَ الصيدلاني يجوز وَقد

خُولِفَ فِيهِ وَالصَّحِيح أَن ذَلِك جَائِز فِي معرض الْإِعَانَة فِي الأهبة والزاد للطريق وَقد قَالَ لَو أخرجهم إِلَى الْجِهَاد قهرا لم يستحقوا أُجْرَة الْمثل على الإِمَام وَزَاد فَقَالَ لَو عين الإِمَام شخصا لغسل ميت وَدَفنه لم يسْتَحق الْأُجْرَة وَمَا ذكره فِي الْجِهَاد صَحِيح وَإِنَّمَا يَصح فِي الدّفن إِذا لم تكن تَرِكَة وَلَا فِي بَيت المَال متسع فَعِنْدَ ذَلِك يصير من فروض الكفايات أما اسْتِئْجَار العَبْد فَجَائِز إِن قُلْنَا لَا يجب عَلَيْهِم الْقِتَال إِذا وطىء الْكفَّار بِلَاد الْإِسْلَام وَإِن قُلْنَا يجب فقد ثبتَتْ لَهُم أَهْلِيَّة الْقِتَال فَيَقَع عَنْهُم وَأما اسْتِئْجَار الذِّمِّيّ فَجَائِز وَلكنه جعَالَة أَو إِجَارَة فِيهِ خلاف لما فِي أَعمال الْقِتَال من الْجَهَالَة لَكِن الصَّحِيح أَنا نَحْتَمِلُ فِي معاملات الْكفَّار لمصَالح الْقِتَال مَا لَا نَحْتَمِلُ فِي غَيره كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَة القلعة وَلَو جَعَلْنَاهُ جعَالَة للَزِمَ تَجْوِيز الإنصراف من الطَّرِيق مهما شَاءَ وَهُوَ بعيد ثمَّ فِي جَوَاز استئجارهم لآحاد الْمُسلمين خلاف كَمَا فِي الْأَذَان

فرع إِذا خرج أهل الذِّمَّة إِلَى الْجِهَاد قهرا استحقوا أُجْرَة الْمثل من رَأس الْغَنِيمَة على رَأْي وَمن بَيت المَال على رَأْي فَإِن خَرجُوا وَلم يقفوا فِي الصَّفّ فَلهم أُجْرَة الذّهاب وَلَو خلى سبيلهم قبل الْوُقُوف لم يستحقوا أُجْرَة مُدَّة الرُّجُوع لتعطل الْمَنَافِع لأَنهم على خيرتهم فيترددون كَمَا شاؤوا وَلَو وقفُوا وَلم يقاتلوا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنهم يسْتَحقُّونَ أُجْرَة الْقِتَال كَمَا يسْتَحق الْمُسلم السهْم وَالثَّانِي أَنهم لَا يسْتَحقُّونَ إِلَّا مَنْفَعَة مُدَّة الْوُقُوف والإحتباس إِن قُلْنَا إِن حبس الْحر يُوجب ضَمَان مَنَافِعه الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِيمَن يمْتَنع قَتله كالقريب وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة والراهب والعسيف أما الْقَرِيب فَقتله مَنْهِيّ عَنهُ لقطيعة الرَّحِم وَإِذا انضمت الْمَحْرَمِيَّة إِلَى الرَّحِم كَانَ آكِد نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُذَيْفَة وَأَبا بكر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن قتل أبويهما وَأما الصّبيان والنسوان فَلَا يقتلُون لمصْلحَة الإسترقاق وَلِأَنَّهُم أَيْضا لَيْسُوا أهل الْقِتَال

وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن ترشق الْمَرْأَة بالنشاب إِذا عجز عَن استرقاقها وَمهما شكّ فِي الْبلُوغ كشف عَن المؤتزر وعول على نَبَات شعر الْعَانَة فَلَو قَالَ استعجلته بالدواء فَإِن قُلْنَا إِنَّه عين الْبلُوغ فَلَا يقتل وَإِن قُلْنَا إِنَّه عَلامَة صدق مَعَ الْيَمين وَلَا يعول على اخضرار الشَّارِب ويعول على مَا خشن من شعر الْإِبِط وَالْوَجْه وَأما الراهب والعسيف والحارف المشغول بحرفته والزمن وَالشَّيْخ الضَّعِيف الَّذِي لَا رَأْي لَهُ ففيهم قَولَانِ أَحدهمَا أَنهم يقتلُون لأَنهم من جنس أهل الْقِتَال وَالثَّانِي لَا لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى خَالِد رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ لَا تقتل عسيفا ولاامرأة

وَأما الشَّيْخ ذور الرَّأْي فَيقْتل إِذا حضر وَإِن لم يحضر فَفِيهِ نظر وَالظَّاهِر قَتله وَالشَّيْخ الأخرق إِذا حضر فَالظَّاهِر أَنه يقتل وَيحْتَمل طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا لَا يقتلُون فَفِي إرقاقهم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنهم كالنسوة يرقون بِنَفس الْأسر وَالثَّانِي أَن للْإِمَام أَن يرقهم إِن شَاءَ وَلَا يرقون بِنَفس الْأسر وَالثَّالِث أَنه يمْتَنع استرقاقهم وَهَذَا فِي غَايَة الضعْف وعَلى هَذَا فِي استرقاق نِسَائِهِم وذراريهم ثَلَاثَة أوجه تسْتَرق فِي الثَّالِث نِسَاؤُهُم دون ذَرَارِيهمْ لأَنهم كأجرائهم وَأجْرِي فِي سبي أَمْوَالهم الْخلاف وَهُوَ تَفْرِيع على بعيد وَمِنْهُم من ألحق السوقة بالعسفاء فِي منع الْقَتْل أَيْضا الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة يجوز نصب المنجنين وإضرام النَّار وإرسال المَاء على قلاع الْكفَّار وَإِن علمنَا أَنه يتَنَاوَل النِّسَاء والذراري لِأَن ذَلِك لَيْسَ قصدا إِلَى عينهم وَلِأَنَّهُم مِنْهُم وَإِنَّمَا الْكَفّ لنَوْع مصلحَة أما إِذا تترس كَافِر بصبي أَو امْرَأَة فَإِن كَانَ يُقَاتل لم نبال بِقَصْدِهِ وَإِن أصَاب ترسه وَإِن كَانَ دافعا فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا جَوَاز قصد الترس كَمَا فِي القلعة وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا قصد عينه وَمِنْهُم من قَالَ الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهِيَة وَلَا تَحْرِيم وَلَو تترسوا بهم فِي القلعة مِنْهُم من قَالَ يقْصد الترس وَإِن أمكننا فتح القلعة بِغَيْر ذَلِك زجرا لَهُم عَن هَذِه الْحِيلَة وَمِنْهُم من قَالَ إِن عجزنا عَن القلعة إِلَّا بِقَتْلِهِم فَفِي جَوَازه أَيْضا قَولَانِ إِذْ نَحن فِي غنية من أصل القلعة أما إِذا كَانَ فِي القلعة مُسلم فَلَا تضرم النَّار وَلَا ينصب المنجنيق إِذا علمنَا أَنه يُصِيبهُ وَإِن كَانَ موهوما فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ زَوَال الدُّنْيَا أَهْون عِنْد الله من سفك دم مُسلم وَرُبمَا أصبناه وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَنَّهُ موهوم والقلاع قَلما تَخْلُو عَن الْأُسَارَى فَلَا يُمكن تحصينهم عَن

الْقِتَال بِأَن يمسكوا فِي كل قلعة مُسلما فَأَما إِذا تترس كَافِر بِمُسلم فَلَا يجوز قصد الترس وَإِن خَافَ القاصد على نَفسه لِأَن غَايَته أَن يَجْعَل كالإكراه وَذَلِكَ لَا يُبِيح الْقَتْل فَإِن قتل الترس فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ كَمَا فِي الْمُكْره وَمِنْهُم من قطع بِالْوُجُوب وَجعله كالمضطر فِي المخمصة أما إِذا تترس الْكفَّار فِي صف الْقِتَال بطَائفَة من الْأُسَارَى وَلَو تركناهم لانهزم الْمُسلمُونَ وعلت رايتهم فَمنهمْ من جوز قصدهم لأَنهم سيقتلون من الْمُسلمين أَكثر مِنْهُم والجزئيات محتقرة بِالْإِضَافَة إِلَى الكليات وَمِنْهُم من منع وَقَالَ ذَلِك موهوم فَلَا يقدم بِسَبَبِهِ على سفك دم الْمُسلم الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي الْهَزِيمَة وَهِي مُحرمَة بعد التقاء الصفين إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا زِيَادَة عدد الْكفَّار على الضعْف وَالثَّانِي التحيز إِلَى فِئَة أُخْرَى وَالصَّحِيح أَنه لَا يجوز لمِائَة من الْأَبْطَال أَن يَفروا من مِائَتَيْنِ من الضُّعَفَاء وَوَاحِد وَإِنَّمَا يرْعَى

الْعدَد عِنْد تقَارب الصِّفَات وَمِنْهُم من قَالَ اتِّبَاع الصِّفَات يعسر فيرعى صُورَة الْعدَد وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي فرار عشْرين من ضعفاء الْمُسلمين عَن تِسْعَة وَثَلَاثِينَ من أبطال الْكفَّار وَلَا شكّ فِي أَنهم لَو قطعُوا بِأَنَّهُم يقتلُون لَو وقفُوا من غير نكاية مِنْهُم فِي الْكفَّار وَجب الْهَرَب إِذْ الذل فِي الْوُقُوف أَكثر إِذا كَانَ لَا يُرْجَى فلاح بِحَال وَكَذَلِكَ إِذا لم يكن مَعَ الْمُسلمين سلَاح جَازَ الْهَرَب وَإِن كَانَ يُمكن الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ فَفِي وجوب الْهَرَب خلاف وَإِن علمُوا أَنهم مغلوبون قطعا وَلَكِن بعد نكاية مَا فَفِي جَوَاز المصابرة وَجْهَان وَأما التحيز إِلَى فِئَة أُخْرَى فَهُوَ مُبَاح وَإِن كَانَ تَركه لِلْقِتَالِ وانهزامه فِي الْحَال ينجبر بعزمه على الإتصال بفئة أُخْرَى فَأكْثر الْمُحَقِّقين على أَن تِلْكَ الفئة وَإِن كَانَت على مَسَافَة شاسعة جَازَ لعُمُوم الْآيَة وَلِأَن هَذَا أَمر بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يُمكن مخادعة الله تَعَالَى فِي العزائم فَإِذا ظَهرت لَهُ تِلْكَ الْعَزِيمَة جَازَ التَّوَجُّه إِلَيْهِم وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من فِئَة يتَصَوَّر الإستنجاد بهم فِي هَذَا الْقِتَال وإتمامه وَلَا يُمكن ذَلِك إِلَّا بمسافة قريبَة وعَلى الْوَجْه الأول هَل يجب عَلَيْهِ تَحْقِيق عزمه بِالْقِتَالِ مَعَ الفئة الْأُخْرَى الظَّاهِر أَنه لَا يجب لِأَن الْعَزْم قد رخص فَإِن زَالَ الْعَزْم بعده فَلَا حجر إِذْ الْجِهَاد لَا يجب قَضَاؤُهُ بل

الصَّحِيح أَنه لَا يلْزم بِالنذرِ فَكيف يلْزمه الْقَضَاء والمنهزم عَاص لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْإِثْم وَإِن اعْتبرنَا الفئة الْقَرِيبَة فَإِذا لم تكن وَجَبت المصابرة إِذْ تعذر التحيز وَحَيْثُ يجوز التحيز إِنَّمَا يجوز إِذا لم يدْخل بِسَبَبِهِ كسر على الْمُسلمين وَقُوَّة على الْكفَّار فَإِن أدّى إِلَى ذَلِك فَهُوَ مُمْتَنع والمتحيز إِلَى الفئة الْبَعِيدَة قبل حِيَازَة الْمغنم لَا يشْتَرك فِي الْمغنم وَفِي المتحيز إِلَى فِئَة قريبَة وَجْهَان الْمَسْأَلَة السَّادِسَة تجوز المبارزة بِإِذن الإِمَام وَفَائِدَته صِحَة أَمَانه لقرنه فَإِن اسْتَقل دون الْإِذْن فَفِي جَوَاز أَمَانه للقرن ونفوذه وَجْهَان وَفِي جَوَاز أصل الإستقلال بالمبارزة أَيْضا وَجْهَان إِذْ قد يكون للْإِمَام رَأْي فِي تعْيين الْأَبْطَال وَفِي جَوَاز حمل الْغُزَاة رُءُوس الْكفَّار إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام خلاف مِنْهُم من قَالَ هُوَ مَكْرُوه إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ إِلَّا أَن يكون نكاية فِي قلب الْكفَّار فَلَا يكره الْمَسْأَلَة السَّابِعَة يَنْتَهِي جَوَاز قتل الْكَافِر بِإِسْلَامِهِ وَتحصل بِهِ عصمته وعصمة مَاله

وَأَوْلَاده الصغار دون الْكِبَار فَإِنَّهُم يستقلون بِالْإِسْلَامِ وَيَنْتَهِي أَيْضا ببذل الْجِزْيَة وَيمْتَنع بِسَبَبِهِ استرقاق زَوجته وبنته الْبَالِغَة لِأَن الْإِنَاث لَا يستقللن بالجزية ويستقللن بِالْإِسْلَامِ وَفِي استرقاق زَوْجَة الْمُسلم إِذا كَانَت حربية وَجْهَان وَلَا يمْنَع مِنْهُ كَونهَا حَامِلا بِولد مُسلم لَكِن الرّقّ لَا يسري وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تسْتَرق

التَّصَرُّف الثَّانِي فِي رقابهم بالاسترقاق وَهُوَ جَائِز كالإغتنام وَلَكِن النّظر فِي العلائق الْمَانِعَة وَهِي النِّكَاح وَالْوَلَاء وَالدّين أما النِّكَاح فمنكوحة الْحَرْبِيّ تسْتَرق وَيَنْقَطِع نِكَاحه سَوَاء سبيت مَعَه أَو مُفْردَة بل لَو سبي الزَّوْج انْقَطع عندنَا نِكَاحه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ الحربية إِذا كَانَت مَنْكُوحَة ذمِّي فَإِن كَانَت مَنْكُوحَة مُسلم فَفِي جَوَاز الإسترقاق وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن نِكَاح الْمُسلم كالأمان لَهَا فترعى حُرْمَة إِسْلَامه

وَالثَّانِي نعم لِأَن النِّكَاح مؤبد وَلَا عهد لنا بِأَمَان مؤبد وعَلى هَذَا يَنْقَطِع نِكَاح الْمُسلم حَتَّى لَا تبقى أمة كِتَابِيَّة فِي نِكَاح مُسلم فَإِن ذَلِك يمْتَنع ابْتِدَاء لَا كدار حَرْبِيّ اسْتَأْجرهَا مُسلم فَإِنَّهُ تملك بالإغتنام وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة إِذْ لَا عسر فِيهِ وَذكر فِيهِ وَجه غَرِيب أَن النِّكَاح لَا يَنْقَطِع وَأَن ذَلِك يحْتَمل فِي الدَّوَام وَهَذَا إِن أُرِيد بِهِ أَن يتَوَقَّف إِلَى إسْلَامهَا قبل انْقِضَاء الْعدة فَلهُ وَجه مَا وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهُ أما إِذا سبينَا زَوْجَيْنِ رقيقين مُسلمين أَو كَافِرين الْأَهْل الْحَرْب فَفِي انْقِطَاع نِكَاحهمَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن هَذَا كالشراء فَإِنَّهُ تبدل ملك لَا ابْتِدَاء رق وَالثَّانِي أَنه يَنْقَطِع لَان ملك السَّبي مُبْتَدأ غير مَبْنِيّ على ملك الْكَافِر أما علقَة الْوَلَاء فَإِن ثبتَتْ لمُسلم بِأَن أعتق عبدا كَافِرًا فالتحق بدار الْحَرْب فَالْمَذْهَب أَنه لَا يسترق لعلقة وَلَاء الْمُسلم فَإِنَّهُ لَا يقبل الْفَسْخ بِخِلَاف نِكَاح الْمُسلم إِذْ فِيهِ وَجْهَان أما زَوْجَة الذِّمِّيّ فتسبى وَفِي مُعْتقه وَجْهَان وَفِي مُعتق الْمُسلم أَيْضا وَجه غَرِيب أَنه يسبى أما علقَة الدّين فالمسبي إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين لمُسلم أَو لذِمِّيّ فيسترق وَيبقى الدّين فِي ذمَّته يتبع بِهِ إِذا عتق إِن لم يبْق لَهُ مَال فَإِن كَانَ لَهُ مَال لَكِن اغتنم قبل إرقاقه فَكَأَنَّهُ لَا مَال لَهُ وَإِن اغتنم بعد إرقاقه فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الدّين مِنْهُ وَينزل الرّقّ منزلَة الْحجر بالفلس وَيتَعَلَّق بِهِ حق الْغُرَمَاء وَلذَلِك ينقدح الْمصير إِلَى حُلُول الدّين برقه على أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي الْفلس بل الرّقّ بِالْمَوْتِ أشبه من الْفلس

وَإِن سبي مَعَه مَاله فَلَا يقْضِي الدّين من المَال لِأَنَّهُ يتَمَلَّك مَاله بِمُجَرَّد السَّبي وَلَا يرق إِلَّا بِصَرْف الرّقّ بعده أما الْمَرْأَة إِذا كَانَ عَلَيْهَا دين فسبيت مَعَ مَالهَا قدم حق الْغَانِمين لِأَن سَبَب الْملك أقوى من سَبَب تعلق الدّين بِالْمَالِ وَيحْتَمل أَن يقدم الدّين وَيُشبه بِملك الْوَارِث إِذْ يقدم حق الدّين عَلَيْهِ وَإِن كَانَ حُلُول الدّين والوراثة يحصل مَعًا بِالْمَوْتِ هَذَا إِذا اسْترق من عَلَيْهِ الدّين أما إِذا اسْترق من لَهُ الدّين فَلَا تَبرأ ذمَّة من عَلَيْهِ الدّين بل هُوَ كودائع الْحَرْبِيّ المسبي وَسَيَأْتِي أما إِذا مَا اسْتقْرض حَرْبِيّ من حَرْبِيّ شَيْئا أَو الْتزم دينا بمعاملة ثمَّ أسلما أَو قبلا الْجِزْيَة أَو الْأمان فالإستحقاق مُسْتَمر وَكَذَلِكَ يبْقى مهر الزَّوْجَة إِذا أسلما إِن لم يكن الْمهْر خمرًا أَو خنزيرا وَلَو سبق الْمُسْتَقْرض إِلَى الْإِسْلَام أَو الذِّمَّة فالنص أَن اللُّزُوم قَائِم وَنَصّ على أَن الْحَرْبِيّ إِذا مَاتَت زَوجته فَدخل دَارنَا فجَاء ورثتها يطْلبُونَ مهرهَا فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَوجه السُّقُوط بعد طلب الْحَرْبِيّ المَال من مُسلم أَو ذمِّي فِي دَارنَا وَهَذَا ضَعِيف إِذْ قطعُوا بِأَن رق من عَلَيْهِ الدّين لَا يسْقط دين الْحَرْبِيّ وَهُوَ أَمَان وأنهما إِن أسلما على التَّعَاقُب اسْتمرّ الطّلب وَلَو بَرِئت الذِّمَّة بِإِسْلَام من عَلَيْهِ الدّين لما عَاد الطّلب فَلَعَلَّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ مَا إِذا كَانَ الدّين خمرًا أَو خنزيرا أما إِذا كَانَ قد أتلف الْحَرْبِيّ على حَرْبِيّ مَالا أَو قهره وَأخذ مَاله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا أسلم أَو قبل الْجِزْيَة وَإِنَّمَا اللُّزُوم بِحكم التَّرَاضِي وَإِتْلَاف مَال الْحَرْبِيّ لَا يزِيد على إِتْلَاف مَال الْمُسلم وَلَا ضَمَان لَهُ بعد الْإِسْلَام وَفِيه وَجه أَنه يبْقى الضَّمَان لِأَن ذَلِك مُلْتَزم فِيمَا بَينهم

بشرعهم كَمَا فِي معاملتهم بِخِلَاف مَال الْمُسلم فرع إِذا سبى الوالدة وَوَلدهَا الصَّغِير فَلَا يفرق بَينهمَا فِي الْقِسْمَة وَالْبيع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تولة وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَالْجدّة عِنْد عدم الْأُم فِي مَعْنَاهَا وَلَو بيع مَعَ الْجدّة عِنْد وجود الْأُم فَهَل يسْقط التَّحْرِيم بِهِ فِيهِ قَولَانِ وَلَا خلاف أَنه يُبَاع مَعَ الْأُم دون الْجدّة وَالْأَب هَل يلْحق بِالْأُمِّ فِي تَحْرِيم التَّفْرِيق فِيهِ قَولَانِ فَإِن ألحقناه فَهَل يعدى إِلَى سَائِر الْمَحَارِم قَولَانِ وَأما حكم صِحَة البيع وتفاريعه فذكرناه فِي كتاب البيع

التَّصَرُّف الثَّالِث فِي أَمْوَالهم بالإهلاك وكل مَا يُمكن اغتنامه لَا يجوز إهلاكه وَيجوز إحراق أَشْجَارهم إِذا رأى الإِمَام ذَلِك نكاية فيهم فَإِن توقعنا على الْقرب أَن تصير للْمُسلمين لم يجز والمتبع فِيهِ الْمصلحَة وَالْمَقْصُود أَن لَا حُرْمَة للأشجار بِخِلَاف الْبَهَائِم فَإِنَّهُ لَا يجوز قَتلهَا غيظا لَهُم إِلَّا قتل فرس الْمقَاتل وَهُوَ عَلَيْهِ وتتلف كتبهمْ الْمُشْتَملَة على الْكفْر وَمَا لَا يجوز الإنتفاع بِهِ وَفِي جَوَاز استصحابه ليستعان بِهِ على معرفَة تفصايل مذاهبهم تردد وَأما كلب الصَّيْد فِي الْغَنِيمَة فَلَا يدْخل فِي الْقِسْمَة إِذْ لَا ملك فِيهِ لَكِن يخصص الإِمَام بِهِ من أَرَادَ

التَّصَرُّف الرَّابِع فِي أَمْوَالهم بالإغتنام وَالْغنيمَة كل مَا أَخذه الفئة المجاهدة من أَعدَاء الله تَعَالَى على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة وأموال دَار الْحَرْب خَمْسَة أَقسَام أَحدهَا مَا ذَكرْنَاهُ وَالثَّانِي مَا ينجلي عَنهُ الْكفَّار بِالرُّعْبِ من غير قتال وَهُوَ فَيْء وَفِي مَعْنَاهُ كل مَال وصل إِلَى الْمُسلمين مِنْهُم بِغَيْر قتال وَالثَّالِث مَا يستبد بِهِ آحَاد الْمُسلمين بِسَرِقَة واختلاس فَهُوَ لَهُم وَلَا يُخَمّس شَيْء مِنْهُ وَالرَّابِع صيد دَار الْحَرْب وحشيشه فَهُوَ كمباح فِي دَار الْإِسْلَام وَالْخَامِس اللّقطَة وَهِي لآخذها إِن لم يتَوَهَّم كَونهَا لمُسلم فَإِن توهم فَلَا بُد من التَّعْرِيف ثمَّ الْغَنِيمَة لَهَا أَحْكَام الأول جَوَاز التبسط فِي الْأَطْعِمَة مَا داموا فِي دَار الْحَرْب وَذَلِكَ رخصَة ثبتَتْ شرعا فِي الْأَطْعِمَة خَاصَّة قَالَ ابْن أبي أوفى كُنَّا نَأْخُذ من طَعَام الْمغنم مَا نشَاء

وَالنَّظَر فِي جنس الْمَأْخُوذ وَقدره وَمحله وَوجه التَّصَرُّف أما الْجِنْس فَهُوَ كل قوت أَو مَا يكمل بِهِ الْقُوت كَاللَّحْمِ وَمِنْه التِّبْن وَالشعِير للدواب أما السكر والفانيذ والعقاقير فَلَا لِأَن الْحَاجة إِلَيْهَا نادرة كالثياب وَأما الْفَوَاكِه الرّطبَة فَفِيهَا وَجْهَان وَكَذَلِكَ الشَّحْم إِذا اخذ لتوقيح الدَّوَابّ فَإِنَّهُ أَخذ لَا لتطعم لَكِن الْحَاجة إِلَى التوقيح تكْثر وَأما الْحَيَوَانَات فَلَا يتبسط فِيهَا إِلَّا الْغنم فتذبح إِن تعذر سوقه وَإِذا ذبح فَهُوَ طَعَام وَقد ألحقهُ الشَّرْع فِي اللّقطَة بِالطَّعَامِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يذبح الْغنم وَإِن تيَسّر السُّوق وَلَكِن هَل يغرم من ذَبحهَا وَأكل مِنْهَا فِيهِ وَجْهَان أما جُلُود الأغنام فمردودة إِلَى الْمغنم إِلَّا مَا يُؤْكَل على الرُّءُوس أما الْقدر المأخذ فَهُوَ بِقدر الْحَاجة وَلَا يشْتَرط أَن يَأْخُذهُ من لَا طَعَام مَعَه إِذْ وَردت

الرُّخْصَة من غير تَفْصِيل لَكِن لَهُ سد حَاجته بِطَعَام الْمغنم وَلَو قدمه إِلَى من لَا يشْتَرك فِي الْمغنم كَانَ كتقديم الطَّعَام الْمَغْصُوب إِلَى أَجْنَبِي وَلَو أَخذ مَا ظن أَنه قدر حَاجته فَدخل دَار الْإِسْلَام وَبَقِي مِنْهُ مَاله قيمَة رد على الْمغنم وَإِن كَانَ نزرا فَقَوْلَانِ وَقد أطلق الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ من غير تَفْصِيل بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَلَو لحق مدد قبل دُخُول دَار الْإِسْلَام وَبعد الإغتنام فَفِي جَوَاز التبسط لَهُم وَجْهَان أما مَحل التبسط فَمَا داموا فِي دَار الْحَرْب إِذْ لَا يظفر فِيهَا بالأسواق غَالِبا فَإِن وجد سوق فِي دَار الْحَرْب أَو دخلُوا أَطْرَاف دَار الْإِسْلَام وَلم يَجدوا سوقا فَوَجْهَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَاجة وَفِي الثَّانِي إِلَى ضبط مَظَنَّة الْحَاجة بِالدَّار فَإِن ذَلِك لَا يَنْضَبِط وَدَار الْحَرْب عندنَا فِي الْأَحْكَام كدار الْإِسْلَام وَإِنَّمَا هَذَا لأجل الْحَاجة أما جنس التَّصَرُّف فَهُوَ كَالْأَكْلِ وعلف الدَّوَابّ فَقَط فِي حق الْغَانِمين وَإِن أضَاف أَجْنَبِيّا كَانَ كتقديم الْمَغْصُوب إِلَى الضَّيْف فِي وجوب الضَّمَان وقراره فَإِن أتلف الطَّعَام ضمن

إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ فليتلفه على وَجه الرُّخْصَة فرع لَو أَخذ طَعَاما ثمَّ أقْرضهُ وَاحِدًا من الْغَانِمين فَالصَّحِيح أَنه كمناولة الضيفان بَعضهم بَعْضًا وَكَأن الْمُسْتَقْرض هُوَ الْآخِذ فَلَا يُطَالب برده وَفِيه وَجه أَنه قد اخْتصَّ بِهِ أَولا فَيصح هَذَا الْقَرْض حَتَّى يُطَالِبهُ بِمثلِهِ من طَعَام الْمغنم مَا داموا فِي دَار الْحَرْب فَإِن لم يجد من طَعَام الْمغنم شَيْئا فَلَا طلبة إِذْ مُجَرّد الْيَد لَا تقَابل بِالْملكِ كنحو الْيَد فِي الْكَلْب وَلَو بَاعَ صَاعا بِصَاع من طَعَام الْمغنم فَلَا حكم لَهُ بل هُوَ كالإقراض حَتَّى لَو بَاعَ بصاعين لم يُطَالب إِلَّا بِصَاع وَاحِد إِن صححنا الْقَرْض

الحكم الثَّانِي للغنيمة سُقُوط الْحق بِالْإِعْرَاضِ وَمن أعرض عَن الْغَنِيمَة يعد إعراضه لِأَن مَقْصُود الْجِهَاد إعلاء كلمة الله تَعَالَى فَيقدر المعرض كَأَنَّهُ لم يكن وَنَشَأ من هَذَا الْخلاف فِي الْغَنِيمَة مَتى تملك وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تملك بِالْقِسْمَةِ بِدَلِيل جَوَاز الْإِعْرَاض واثاني أَنَّهَا بالإستيلاء تصير ملكا للغانمين لَكِن على ضعف كالملك فِي مُدَّة الْخِيَار بِدَلِيل أَن من مَاتَ من الْغَانِمين قَامَ وَارثه مقَامه الثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِنَّهُ أعرض بَان أَنه جرد قَصده نَحْو إعلاء كلمة الله تَعَالَى فَلم يملك وَإِن قسم بَان أَنه ملك أَولا وعَلى هَذَا ترددوا فِي أَن من قَالَ اخْتَرْت الْقِسْمَة ثمَّ أعرض بعده فَهَل ينفذ إعراضه فَمنهمْ من قَالَ الْإِعْرَاض جَائِز بعد ذَلِك مَا لم تقسم وَالصَّحِيح أَنه يَصح الْإِعْرَاض بعد إِفْرَاز الْخمس إِذا لم تقسم بَين الْغَانِمين وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يَصح وَالنَّظَر الْآن فِي المعرض والمعرض عَنهُ أما المعرض فَلَو أعرض جَمِيع الْغَانِمين فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه لَا ينفذ إِذْ لَا يبقي مصرف وَالثَّانِي أَنه يَصح وَيرجع إِلَى مصرف الْخمس وَلَو أعرض جَمِيع ذَوي الْقُرْبَى عَن حَقهم فَفِي صِحَّته وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنهم لم يستحقوا بِالْجِهَادِ حَتَّى يُقَال لم يقْصد الْغَنِيمَة بل بِالْقَرَابَةِ والغانم الْمُفلس إِذا أحاطت بِهِ الدُّيُون نفذ إعراضه وَلَا ينفذ إعارض السَّفِيه وَلَا إِعْرَاض الصَّبِي عَن الرضخ إِلَّا أَن يبلغ قبل الْقِسْمَة وَلَا يَصح إِعْرَاض وليه عَن حَقه وَلَا يَصح إِعْرَاض العَبْد عَن رضخه وَلَكِن يَصح إِعْرَاض سَيّده وَأما المعرض عَنهُ فَهُوَ الْغَنِيمَة والرضخ وَحقّ ذَوي الْقُرْبَى وَالسَّلب وَقد ذكرنَا جَمِيع ذَلِك إِلَّا السَّلب وَفِيه وَجْهَان لِأَن السالب مُتَعَيّن فَأشبه الْوَارِث ومرتب على أَقْوَال الْملك مسَائِل

الأولى أَنه لَو سرق وَاحِد شَيْئا من مَال الْمغنم فَهُوَ كالمشترك فَحَيْثُ وَجب الْقطع فِي الْمُشْتَرك فهاهنا وَجْهَان إِذْ كل وَاحِد يُمكن أَن يسْتَحق بإعراض الآخر الثَّانِيَة لَو وَقع فِي الْمغنم من يعْتق على بعض الْغَانِمين فالنص أَنه لَا تعْتق حِصَّته مَا لم يَقع فِي قسمته وَلَا يمْنَع ذَلِك عَن الْإِعْرَاض إِن أَرَادَ وَنَصّ على أَنه لَو استولد جَارِيَة ثَبت الإستيلاد لشركته لِأَن الإستيلاد اخْتِيَار مِنْهُ للتَّمْلِيك فَثَبت بِهِ ملكه فِي قدر حِصَّته من الْجَارِيَة وَأما الْقَرِيب فَلم يُوجد مِنْهُ اخْتِيَار نعم لَو اخْتَار الْعتْق حِينَئِذٍ نفذ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ومأخذ الْقَوْلَيْنِ أصل التَّرَدُّد فِي ثُبُوت الْملك وانتفائه الثَّالِثَة لَو وطىء جَارِيَة من الْمغنم وَلم تحبل فَلَا حد على الصَّحِيح وَالْمهْر يبتنى على أَقْوَال الْملك فَإِن قُلْنَا لم يملك لَكِن ملك إِن تملك فَعَلَيهِ كَمَال الْمهْر وَيُوضَع فِي الْمغنم وَإِن قُلْنَا ملك فيحط عَنهُ قدر حِصَّته وَيجب الْبَاقِي وَإِن قُلْنَا إِنَّه مَوْقُوف فَإِن وَقع فِي حِصَّته فَلَا شَيْء وَإِن وَقع فِي حِصَّة غَيره فَعَلَيهِ جَمِيع الْمهْر فَإِن كثر الْجند وَلم يُمكن ضبط حِصَّته أَخذنَا المستيقن وحططنا المستيقن ويتوقف فِي قدر الْإِشْكَال أما إِذا أحبل فَحكم الْمهْر وَالْحَد مَا سبق ويتجدد النّظر فِي الإستيلاد وحرية الْوَلَد وَقِيمَته

أما الإستيلاد إِن قُلْنَا لَا يملك فَلَا ينفذ فِي الْحَال وَلَكِن لَو وَقعت فِي حِصَّته فَهَل ينفذ قَولَانِ يجريان فِي كل ملك طارىء فَإِن قُلْنَا يملك فَفِي نُفُوذ الإستيلاد فِي حِصَّته وَجْهَان كَمَا فِي زمَان الْخِيَار وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن قُلْنَا ملك نفذ فِي حِصَّته وَإِن قُلْنَا لَا فَقَوْلَانِ كاستيلاد الْأَب جَارِيَة الابْن وَأولى بالنفوذ لِأَن لَهُ حَقًا فِي الْجَارِيَة بِخِلَاف الْأَب فَإِن نفذنا فِي نصِيبه سرى إِن كَانَ مُوسِرًا ونجعله مُوسِرًا بِمَا يَخُصُّهُ من الْغَنِيمَة وَلَكِن لَو أعرض نفذ إعراضه ونجعله مُعسرا وَلَا نمنعه من الْإِعْرَاض لتنفيذ عتقه أما الْوَلَد فَينْعَقد حرا نسيبا للشُّبْهَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ رَقِيق وَلَا نسب لَهُ وَفِي وجوب قيمَة الْوَلَد قَولَانِ كالقولين فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة مأخذهما أَن الْملك ينْتَقل قبيل الْعلُوق أَو بعده ثمَّ مِقْدَار حِصَّته من قيمَة الْوَلَد تتعرف كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمهْر وَيسْقط عَنهُ وَإِن بَعْضنَا الْعتْق

فِي صُورَة الْمُعسر فَالْوَلَد هَل يعْتق جَمِيعه لأجل الشُّبْهَة فِيهِ وَجْهَان جاريان فِي استيلاد الشَّرِيك الْمُعسر وَكَذَلِكَ من وطىء امْرَأَة نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق وَالْأَظْهَر أَن يَتَبَعَّض الْوَلَد هَاهُنَا كالأم لَا كالشبهة الَّتِي لَا تخْتَص بِبَعْض الْمَرْأَة وَهل يجوز للْإِمَام أَن يرق بعض شخص ابْتِدَاء فِيهِ وَجْهَان وَالْقِيَاس جَوَازه أما إِذا فرعنا على الإستيلاد لَا يحصل لضعف الْملك وَعَدَمه فَالْوَلَد حر بِسَبَب الشُّبْهَة وَيعتق جَمِيع الْوَلَد لاسترسال الشُّبْهَة وَهَذَا يُشِير إِلَى أَن الشّركَة أولى بِأَن تورث شُهْبَة وَإِنَّمَا يتَّجه بعض رق الْوَلَد فِي امْرَأَة نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق ثمَّ إِذا لم ينفذ الإستيلاد وَعتق الْوَلَد فَهَذِهِ حَامِل بَحر فَالْأَصَحّ منع بيعهَا وَلَا يُمكن إدخالها فِي الْقِسْمَة إِن جعلنَا الْقِسْمَة بيعا فبالحري أَن يُطَالب الواطىء بِالْقيمَةِ للْحَيْلُولَة ثمَّ تقوم على الواطىء حَتَّى تتَعَيَّن لحصته من غير قسْمَة أما إِذا كَانَ الواطىء من غير الْغَانِمين فَهُوَ زَان يحد إِلَّا أَن يكون لَهُ ابْن فِي الْغَانِمين أَو وطىء قبل إِفْرَاز الْخمس وَقُلْنَا إِن الزَّانِي بِجَارِيَة بَيت المَال لَا حد عَلَيْهِ

الحكم الثَّالِث للمغانم أَن الْأَرَاضِي والعقارات تتملك عَلَيْهِم إِذا أمكن حفظهَا مِنْهُم وتقسم بَين الْغَانِمين وَمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن أَرَاضِي الْعرَاق قسمهَا عمر رَضِي الله عَنهُ بَين الْغَانِمين ثمَّ خَافَ أَن يتعلقوا بأذناب الْبَقر والحراثة ويتركوا الْجِهَاد فاستمال قُلُوبهم عَنْهَا بعوض وَغير عوض ووقفها على الْمُسلمين ثمَّ آجرها من سكان الْعرَاق بخراج يؤدونه كل سنة وإجارته مُؤَبّدَة وَاحْتمل ذَلِك لمصْلحَة الْعَامَّة فَلَا يجوز بيع تِلْكَ الْأَرَاضِي وَيجوز لأربابها إِجَارَتهَا لَكِن إِجَارَة مُؤَقَّتَة وَفِي إِجَارَتهَا مُؤَبّدَة قَولَانِ الصَّحِيح الْمَنْع لِأَنَّهَا احتملت فِي وَاقعَة كُلية ومصلحة عَامَّة وَلَيْسَ لأحد من الْمُسلمين أَن يَأْخُذ قِطْعَة مِنْهَا مِمَّن وَقع فِي يَده من آبَائِهِ وأجداده وَيَقُول أَنا أعطي عَلَيْهِ لِأَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ آجرها مِنْهُم على التأييد وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِمَوْت الْعَاقِدين وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لم يتَمَلَّك عمر رَضِي الله عَنهُ على سكانها بل ضرب عَلَيْهِم خراجها مَعَ تَقْدِير ملكهم وَزعم أَن ذَلِك خراج لَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ وَقَالَ ابْن سُرَيج رَحمَه الله يَصح بيع أَرَاضِي الْعرَاق لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ بَاعهَا من سكان الْعرَاق ليؤدوا الثّمن على ممر الْأَيَّام إِلَّا أَن هَذَا ثمن غير مُقَدّر وَلَا آخر لَهُ وعَلى الْجُمْلَة لَا يَخْلُو الْمَذْهَب عَن الْإِشْكَال وَهُوَ أَن يتَقَدَّر الثّمن أَو تتأبد

بِالْإِجَارَة أَو لَا يسْقط الْخراج بِالْإِسْلَامِ وَلَكِن الإعتماد على النَّقْل وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ أعلم الْقَوْم بِالنَّقْلِ والتواريخ وَأما دور مَكَّة وأراضيها فمملوكة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَيجوز بيعهَا لأصحابها وَصَحَّ عِنْده أَن مَكَّة فتحت عنْوَة على معنى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستعدا لِلْقِتَالِ لَو قوتل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح بيع دور مَكَّة هَذِه أَحْكَام الْغَنِيمَة وَمَا شَذَّ عَنْهَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب قسم الْغَنَائِم فِي ربع البيع

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي ترك الْقَتْل والقتال بالأمان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاعْلَم أَن الْأمان من مكايد الْقِتَال ومصالحه وَإِن كَانَ تركا للْقَتْل لَكِن قد تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وينقسم إِلَى عَام لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا السُّلْطَان وَإِلَى خَاص فيستقل بِهِ الْآحَاد وَهُوَ الْمَقْصُود بَيَانه وَالنَّظَر فِي أَرْكَانه وشرائطه وَأَحْكَامه فَأَما الْأَركان فَثَلَاثَة الأول الْعَاقِد وَهُوَ كل مُكَلّف مُؤمن لَهُ أَهْلِيَّة الْقَتْل والقتال بِحَال فَيصح أَمَان العَبْد وَالْمَرْأَة وَالشَّيْخ الْهَرم وَالسَّفِيه والمفلس وَلَا يَصح أَمَان الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَقيل أَمَان الصَّبِي كوصيته إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد وَأما الْأَسير إِن أَمن من أسره فَالْمَذْهَب أَنه لَا يَصح لانه يكون كالمكره فِيهِ وَإِن أَمن غَيره فَوَجْهَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مُؤمن مُكَلّف الثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِقْلَال فِي التخويف والأمان ترك التخويف وعَلى هَذَا هَل يلْزمه حكمه فِي نَفسه فعلى وَجْهَيْن الرُّكْن الثَّانِي الْمَعْقُود لَهُ وَهُوَ الْوَاحِد أَو الْعدَد المحصور من ذُكُور الْكفَّار أما أَمَان الْمَرْأَة عَن الإسترقاق فَهَل يصلح فِيهِ وَجْهَان ينبنيان على الْقَوْلَيْنِ فِي أَن الصُّلْح مَعَ أهل قلعة فِيهَا نسْوَة لَا

رجل بَينهُنَّ هَل يعصمهن عَن الإسترقاق ومأخذه أَن الْمَرْأَة تَابِعَة فِي الْأمان فَلَا تستقل أما الْعدَد الَّذِي لَا ينْحَصر كَأَهل نَاحيَة فَلَا يَصح أَمَان الْآحَاد فِيهِ بل ذَلِك إِلَى السُّلْطَان الرُّكْن الثَّالِث نفس العقد وَهُوَ كل لفظ مفهم كِنَايَة أَو صَرِيحًا وَالْإِشَارَة تقوم مقَامه وَلَكِن لَا بُد من تفهيم وللكافر أَن يرد الْأمان فَإِن رد لم ينفذ وَإِن قبل نفذ وَإِن سكت فَفِيهِ تردد وَالظَّاهِر اشْتِرَاط الْقبُول بقول أَو فعل فَلَو أَشَارَ مُسلم إِلَى كَافِر فِي الصَّفّ فانحاز إِلَى الْمُسلمين وفهما الْأمان فَهُوَ آمن وَإِن قَالَ الْكَافِر مَا فهمت الْأمان فلنا أَن نغتاله وَإِن قَالَ فهمت الْأمان وَقَالَ الْمُسلم مَا أردته فَلَا يغتال ويبلغ المأمن وَإِنَّمَا تشْتَرط الصِّيغَة فِيمَن يدْخل بِلَادنَا لَا لسفارة وَلَا لقصد سَماع كَلَام الله وَإِن قصد ذَلِك فَهُوَ آمن من غير عقد وَأما قصد التِّجَارَة فَلَا يُؤمن فَلَو قَالَ كنت أَظن أَنه كقصد السفارة فَلَا نبالي بظنه ونغتاله نعم لَو قَالَ الْوَالِي كل من دخل تَاجِرًا فَهُوَ آمن فَلهُ ذَلِك وَلَو قَالَ ذَلِك وَاحِد من الرّعية لم يَصح إِذْ لَيْسَ للآحاد التَّعْمِيم فَلَو قَالَ الْكَافِر ظَنَنْت صِحَّته فَفِي جَوَاز اغتياله وَجْهَان أما الشَّرْط فَهُوَ اثْنَان أَحدهمَا أَن لَا يكون على الْمُسلمين ضَرَر بِأَن يكون طَلِيعَة أَو جاسوسا فَإِن كَانَ قتل وَلَا نبالي بالأمان وَلَا يشْتَرط وجود مصلحَة مهما انْتَفَى الضَّرَر

الثَّانِي أَن لَا يزِيد الْأمان على سنة وَيجوز إِلَى أَرْبَعَة أشهر وَفِيمَا بَين ذَلِك قَولَانِ كالقولين فِي مهادنة الْكفَّار حَيْثُ لَا ضعف للْمُسلمين وَعند الضعْف تجوز المهادنة إِلَى عشر سِنِين وَأما الْأمان فَلَا يُزَاد على السّنة وَأما حكم الْأمان فَهُوَ أَنه جَائِز من جَانب الْكفَّار وَله أَن ينْبذ الْعَهْد مهما شَاءَ ولازم من جِهَة الْمُسلمين كالذمة إِلَّا أَن الْعَهْد ينْبذ بِمُجَرَّد توقع الشَّرّ والذمة لَا تنبذ إِلَّا بتحقيق الشَّرّ ثمَّ يتبع فِي الامان مُوجب الشَّرْط فَلَو قَالَ أمنت نَفسك خَاصَّة لم يسر إِلَى مَاله وَأَهله إِلَّا أَن يُصَرح وَلَو قَالَ أمنتك فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لاخْتِصَاص اللَّفْظ وَالثَّانِي نعم لِأَن أَمَانه بترك مَا يتَأَذَّى بِهِ ثمَّ هَذَا فِيمَا مَعَه من المَال والأهل أما تَركه فِي دَاره فَلَا أَمَان فِيهِ وَمهما قَتله بعد الْأمان هُوَ أَو غَيره لَزِمت الدِّيَة وَالْكَفَّارَة دون الْقصاص فرعان الأول الْأَسير فِيمَا بَينهم إِذا أمنوه بِشَرْط أَن لَا يخرج من دَارهم فَلهُ الْخُرُوج مهما تمكن بل يلْزمه الْخُرُوج فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ مُتَمَكنًا من إِقَامَة وظائف شَرْعِيَّة لكنه لَا يَخْلُو عَن ذل فِيمَا بَينهم فَتلْزمهُ الْهِجْرَة وَيلْزمهُ أَن يَحْنَث إِن كَانَ قد حلف وَلَا ترخص فِي الْمقَام خوفًا من وُقُوع الطَّلَاق وَالْعتاق إِن كَانَ قد حلف بِهِ وَلَو أَطْلقُوهُ إِلَى دَار الْإِسْلَام بِشَرْط الرُّجُوع فَلَا يلْزمه وَلَو شَرط إِنْفَاذ مَال لم يلْزمه أَيْضا

وَقيل فِيهِ قَول قديم أَنه يجب الْوَفَاء بوعد المَال نعم إِذا كَانَ الْأمان من الْجَانِبَيْنِ فَإِذا خرج لَا يغتالهم وَلَا يَأْخُذ أموالم إِلَّا إِذا خَرجُوا وَرَاءه فَلهُ دفع الخارجين إِلَيْهِ خَاصَّة وَلَو باعوه شَيْئا وَهُوَ مُخْتَار لزمَه بَعثه الثّمن إِلَيْهِم فَإِن كَانَ مكْرها فَعَلَيهِ رد الْعين وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُخَيّر بَين رد الْعين أَو الثّمن وَكَأَنَّهُ تَفْرِيع على وقف الْعُقُود وَإِذا أسلم الْكَافِر وَقد لزمَه كَفَّارَة يَمِين لم تسْقط الْكَفَّارَة بِالْإِسْلَامِ ويحكي فِيهِ وَجه أَنه يسْقط فعلى هَذَا يبطل بِالْإِسْلَامِ إيلاؤه الْفَرْع الثَّانِي المبارز بِالْإِذْنِ أَو على الإستقلال إِن جَوَّزنَا ذَلِك يلْزمه الْوَفَاء بِشَرْطِهِ مَعَ قرنه وَيلْزم أهل الصَّفّ ذَلِك فَلَو شَرط أَن لَا يتَعَرَّض لَهُ أهل الصَّفّ إِلَى أَن يعود إِلَى صفهم لزم وَإِن شَرط إِلَى أَن يَنْتَهِي الْقِتَال فَإِذا ولى مُنْهَزِمًا جَازَ قَتله إِذْ قد انْتهى قِتَاله بالهزيمة وَإِن شَرط الْأمان إِلَى الْإِثْخَان جَازَ قتل الْكَافِر إِذا أثخنه الْمُسلم وَإِن أثخن الْمُسلم وَقصد تذفيفه منعناه وقتلناه وَإِن كَانَ الْأمان ممدودا إِلَى الْقَتْل بل مثل هَذَا الْأمان بَاطِل إِذْ فِيهِ مضرَّة على الْمُسلمين وَلَو خرج جمع لإعانة الْكَافِر قتلناهم مَعَ المبارز إِن كَانَ باستنجاده وَإِن لم يكن بِإِذْنِهِ لم نتعرض لَهُ واختتام الْبَاب بِذكر ثَلَاث مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى مَسْأَلَة العلج فَإِذا قَالَ علج من علوج الْكفَّار أدلكم على قلعة بِشَرْط أَن تجْعَلُوا لي مِنْهَا الْجَارِيَة الْفُلَانِيَّة الَّتِي فِيهَا فَهَذِهِ الْجعَالَة صَحِيحَة مَعَ أَن الْجعل غير مَمْلُوك وَلَا معِين مَعْلُوم وَلَا مَقْدُور على تَسْلِيمه وَلَكِن للْحَاجة

وَلَو كَانَ الدَّلِيل مُسلما فَالصَّحِيح أَنه لَا يَصح لفقد الشُّرُوط وَفِيه وَجه أَنه يَصح للْحَاجة وَهُوَ بعيد وَإِنَّمَا ينقدح إِذا جَوَّزنَا للْإِمَام اسْتِئْجَار الْمُسلم وَإِلَّا فالدلالة جِهَاد يَقع عَنهُ ثمَّ لنا مَعَ الْجَارِيَة خَمْسَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن لَا نُقَاتِل القلعة فَإِن لم يكن مُمكنا فَلَا شَيْء للعلج إِذا دلّ على مَا لَا خير فِيهِ وَإِن كَانَ مُمكنا فتركناه فَيحْتَمل أَن يسْتَحق لِأَنَّهُ أتم عمل الدّلَالَة وَيحْتَمل أَن لَا يسْتَحق وَكَأَنَّهُ مُعَلّق بِالْقِتَالِ وَإِن قاتلنا فَلم نقدر فهاهنا أولى بِأَن لَا يسْتَحق وَإِن جاوزناهم لمهم ثمَّ وقعنا عَلَيْهَا ثَانِيًا لَا بعلامته فَلَا شَيْء لَهُ وَإِن رَجعْنَا بعلامته فَلهُ الْجَارِيَة وَإِن فتحنا طَائِفَة أُخْرَى فَلَا شَيْء عَلَيْهِم لِأَن الشَّرْط لم يجر مَعَهم وَإِن بَلغهُمْ علامته الْحَالة الثَّانِيَة أَن نفتح وَلَا نجد الْجَارِيَة فَإِن أَخطَأ العلج فَلَا شَيْء لَهُ وَكَذَلِكَ إِن كَانَت قد مَاتَت قبل معاقدة العلج وَلَو مَاتَت بعد المعاقدة فَثَلَاثَة طرق أَحدهَا طرد الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الْبَدَل وَالثَّانِي أَنه يجب إِن مَاتَت بعد الظفر وَإِن مَاتَت قبله فَقَوْلَانِ وَالثَّالِث لَا يجب إِن مَاتَت قبل الظفر وَإِن مَاتَت بعده فَقَوْلَانِ وَلَا شكّ فِي أَنه يجب الْبَدَل إِن مَاتَت بعد التَّمْكِين من التَّسْلِيم وَجرى التَّقْصِير منا ثمَّ إِذا وَجب الْبَدَل فَهُوَ قيمتهَا أَو أجر الْمثل فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن الْجعل الْمعِين

يضمن بِضَمَان العقد أَو ضَمَان الْيَد كَمَا فِي الصَدَاق ثمَّ إِذا وَجب فَهُوَ من الْمغنم أَو من مَال الْمصَالح فِيهِ وَجْهَان الْحَالة الثَّالِثَة أَن نجدها مسلمة فَلَا يُمكن تَسْلِيمهَا إِلَى كَافِر فَلَا بُد من الضَّمَان وَفِيه وَجه أَن الْإِسْلَام كالموت وَهَذَا بعيد إِن أسلمت بعد الظفر أما قبله فَيمكن أَن يُقَال إِذا تعذر ملكنا لَهَا بِالْإِسْلَامِ فَصَارَ كالموت الْحَالة الرَّابِعَة أَن لَا نجد فِي القلعة إِلَّا تِلْكَ الْجَارِيَة وَلَا غَرَض لنا فِي اسْتِبْقَاء القلعة فَفِي تَسْلِيم الْجَارِيَة وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنا لَا نحصل على غَرَض فَيكون عَملنَا للعلج خَاصَّة الْحَالة الْخَامِسَة إِذا ظفر بهَا بعد أَن صالحنا زعيم القلعة على الْأمان فِي أَهله وَكَانَت من أَهله فَإِن لم يرض الزعيم بِتَسْلِيم الْجَارِيَة بِبَدَل قُلْنَا لَهُ ارْجع إِلَى الْقِتَال وأغلق الْبَاب فَإِن الشَّرْط مَعَ العلج سَابق وَالشّرط مَعَك مُنَاقض لَهُ فَلم يَصح وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يشْتَرط فِي أَمَان أهل الزعيم الْعلم بعددهم بل من ظهر أَنه من أَهله كَانَ فِي أَمَان وَإِلَيْهِ التَّعْيِين إِذا طلب الْأمان لعدد مَعْلُوم صَالح أَبُو مُوسَى رَضِي الله عَنهُ عَن بعض القلاع على أَمَان مائَة فعد صَاحب القلعة مائَة فَلَمَّا أتمهَا ضرب عنق صَاحب القلعة لِأَنَّهُ كَانَ زَائِدا على الْمِائَة الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْمُسْتَأْمن إِذا ثَبت لَهُ دُيُون فِي ذمتنا أَو أودع عندنَا أَمْوَالًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى

بِلَاده ليعود فأمانه مطرد وَلَو نقض الْعَهْد والتحق بدار الْحَرْب فَفِيمَا خَلفه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه فَيْء وانتقض أَمَانه لِأَنَّهُ الأَصْل وَقد بَطل أَمَانه فِي نَفسه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يُفَارق إِلَّا بِنَفسِهِ فأمانه بَاقٍ فِي مَاله وَالثَّالِث أَن المَال إِن عصم تبعا لَهُ انْتقض وَإِن جرى بِشَرْط مَقْصُود فَلَا التَّفْرِيع إِن قُلْنَا بَطل أَمَانه فَهُوَ فَيْء وَإِن قُلْنَا بَقِي أَمَانه فَلَا يتَعَرَّض لَهُ مَا دَامَ حَيا وَله أَن يعود لطلبه وَعذر الطّلب يُغْنِيه عَن الْأمان كعذر السفارة إِلَّا أَن يتَّخذ ذَلِك ذَرِيعَة فِي كَثْرَة الرُّجُوع وَإِن مَاتَ فِي دَار الْحَرْب فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لوَرثَته إتماما للأمان وَالثَّانِي أَنه فَيْء إِذْ ضعف الْأمان بانضمام الْمَوْت إِلَى نقض الْعَهْد وَلَو كَانَ قد خرج لشغل فَمَاتَ فَالظَّاهِر أَنه لوَرثَته وَفِيه وَجه بعيد أَنه يَنْقَطِع الْأمان بِمَوْتِهِ فَإِن قُلْنَا لوَرثَته فَلهم الدُّخُول بِعُذْر الطّلب من غير أَمَان أما إِذا اسْترق بعد الإلتحاق بدار الْحَرْب فَفِي انْقِطَاع الْأمان بِالرّقِّ قَولَانِ مرتبان على الْمَوْت وَأولى بِأَن لَا يَنْقَطِع فَإِن لم يقطعهُ فَعتق رد إِلَيْهِ وَإِن مَاتَ حرا رَجَعَ الْقَوْلَانِ وَإِن مَاتَ رَقِيقا فَهُوَ فَيْء إِذْ الرَّقِيق لَا يُورث وَالسَّيِّد أَيْضا لَا يَرِثهُ هَذَا هُوَ النَّص وَفِيه أَيْضا قَول مخرج أَنه يصرف إِلَى ورثته لِأَن إِسْقَاط الْإِرْث بِالرّقِّ وَنقض الْأمان بِهِ حكم شَرْعِي وَلَا يُؤَاخذ الْكفَّار بِهِ وَخرج هَذَا القَوْل من مَسْأَلَة فِي الْجراح وَهُوَ أَنه لَو قطع يَد ذمِّي فالتحق

بدار الْحَرْب واسترق وَمَات رَقِيقا من تِلْكَ الْجِنَايَة فَفِي قدر الْوَاجِب على الْقَاطِع كَلَام طَوِيل وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على صرف شَيْء إِلَى الْوَرَثَة فَقيل فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا حاصر الإِمَام أهل قلعة وَرَضي أَهلهَا بِحكم رجل عينوه فللإمام أَن يستنزلهم على حكمه استنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني قُرَيْظَة على حكم سعد رَضِي الله عَنهُ وَليكن الْمُحكم عدلا امينا عَالما بمصالح الْقِتَال وَلَا يشْتَرط كَونه مُجْتَهدا ثمَّ حكم الْمُحكم نَافِذ بِالْقَتْلِ والإرقاق وَالْعَفو وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يقْض بِمَا فَوْقه وَله أَن يقْضِي بِمَا دونه مسامحا فَإِذا حكم بِالْقَتْلِ فللإمام الاسترقاق أم لَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ دونه وَالثَّانِي لَا لِأَن الْإِنْسَان قد يُؤثر الْمَوْت على الذل المؤبد وَإِذا حكم بِالْقَتْلِ فَأسلم امْتنع قَتله وَإِن حكم بِالرّقِّ فَأسلم قبل الإرقاق فَإِن رَأينَا أَن الرّقّ

فَوق الْقَتْل لم يملكهُ وَإِن قُلْنَا إِنَّه دونه فقد كَانَ يملكهُ قبل الْإِسْلَام فَيملكهُ الْآن إِلَّا أَن يسلم قبل الظفر وَلَو حكم بِضَرْب الْجِزْيَة عَلَيْهِم فَهَل عَلَيْهِم الْقبُول فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه معاقدة بِالتَّرَاضِي فَلَا يجبرون عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَن يجْرِي الْخلاف فِي المفاداة أَيْضا فَإِن قُلْنَا لَا تلزمهم فَلَا يتَعَرَّض لَهُم بقتل وَغَيره إِن منعُوا بذل الْجِزْيَة لَكِن نلحقهم بالمأمن ونستأنف الْقِتَال وَإِن قُلْنَا يلْزمهُم فحكمهم حكم أهل الذِّمَّة إِذا منعُوا الْجِزْيَة وَسَيَأْتِي وَلَو شَرط الْأمان لمِائَة نفر من أهل القلعة فالإختيار إِلَيْهِ فَلهُ أَن يعين من شَاءَ فَإِن عين مائَة تَامَّة فلنا أَن نقلته لانه زَائِد على الْمِائَة كَمَا فعله أَبُو مُوسَى رَضِي الله عَنهُ

= كتاب الْجِزْيَة والمهادنة = والعقود الَّتِي تفِيد الْأَمْن للْكفَّار ثَلَاثَة الْأمان وَقد ذَكرْنَاهُ والذمة والمهادنة وهما مَقْصُود الْكتاب

العقد الأول عقد الذِّمَّة وَهُوَ الْتِزَام تقريرهم فِي دِيَارنَا وحمايتهم والذب عَنْهُم ببذل الْجِزْيَة والإستسلام من جهتهم وَذَلِكَ جَائِز لقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} وَلقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ حِين بَعثه إِلَى الْيمن إِنَّك سترد على قوم معظمهم أهل الْكتاب فاعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فَإِن امْتَنعُوا فَأَعْرض عَلَيْهِم الْجِزْيَة وَخذ من كل حالم دِينَارا فَإِن امْتَنعُوا فاقتلهم

وَالنَّظَر فِي أَرْكَان هَذَا العقد وَأَحْكَامه أما الْأَركان فخمسة الرُّكْن الأول صِيغَة العقد وَهُوَ أَن يَقُول نَائِب الإِمَام أقررتكم بِشَرْط الْجِزْيَة والإستسلام وَالصَّحِيح أَنه يشْتَرط ذكر مِقْدَار الْجِزْيَة وَقيل لَا يشْتَرط وَلَكِن ننزل الْمُطلق على الْأَقَل وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط ذكر الإستسلام لِأَنَّهُ حكم للْعقد كالملك فِي البيع لَكِن هَل يجب التَّعَرُّض لكف اللِّسَان عَن الله وَرَسُوله فِيهِ وَجْهَان وَالصَّحِيح أَن الإستسلام من جانبهم مَعَ الْجِزْيَة كالعوض عَن التَّقْرِير فَيجب ذكره ثمَّ ينْدَرج تَحْتَهُ كف اللِّسَان والتأقيت هَل يبطل هَذَا العقد فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يبطل كالأمان

وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَن هَذَا بدل عَن الْإِسْلَام فليتأبد وَلَو قَالَ الإِمَام أقركم بِالذِّمةِ مَا شِئْت أَنا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُم أقركم على ذَلِك مَا أقركم الله إِلَّا أَن ذَلِك كَانَ فِي انْتِظَار الْوَحْي وَلَا يتَصَوَّر الْآن

وَلَو قَالَ أقركم مَا شِئْتُم جَازَ لانه حكم الْمُطلق إِذْ لَا يلْزم هَذَا العقد من جانبهم لَكِن يلْزم من جانبنا إِن صَحَّ وَإِذا فسد لم يلْزم وَلَكِن لَا نغتالهم بل نلحقهم بالمأمن فرع لَو اتّفقت الْإِقَامَة على حكم الْفساد سنة أَو سنتَيْن نَأْخُذ لكل سنة دِينَار وَلَا نسامح بالتقرير مجَّانا وَلَو وَقع كَافِر فِي دِيَارنَا مُدَّة وَلم نشعر بِهِ حَتَّى انْقَضتْ سنة فَلَا نَأْخُذ مِنْهُ الدِّينَار لِأَنَّهُ لم نقبله أصلا نعم ونغتاله ونسترقه فَإِن قبل الْجِزْيَة فَفِي منع استرقاقه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسترق كالأسير إِذا أَرَادَ منع الرّقّ ببذل الْجِزْيَة لم يمْتَنع وَالثَّانِي أَنه يلْزم قبُول الْجِزْيَة لِأَن هَذَا لم نقصد الإستيلاء عَلَيْهِ بِخِلَاف الْأَسير وَلَو قَالَ دخلت لسَمَاع كَلَام الله تَعَالَى تَرَكْنَاهُ وَإِن قَالَ دخلت لسفارة صدقناه إِن كَانَ مَعَه كتاب وَإِن لم يكن فَوَجْهَانِ وَالظَّاهِر نصدقه وَلَو قَالَ دخلت بِأَمَان مُسلم فَفِي تَصْدِيقه بِغَيْر حجَّة وَجْهَان من حَيْثُ إِن إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِ مُمكن ثمَّ الَّذِي يدْخل للسماع لَا نمكنه من الْمقَام وَرَاء أَرْبَعَة أشهر وَفِيمَا دون ذَلِك إِلَى مُدَّة الْبَيَان وَجْهَان

الرُّكْن الثَّانِي فِي الْعَاقِد وَلَا يعقده إِلَّا الإِمَام فَلَو تعاطاه وَاحِد بِغَيْر إِذْنه لم يَصح وَلَكِن يمْنَع الإغتيال وَلَو أَقَامَ سنة فَفِي أَخذ الْجِزْيَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يُؤْخَذ كعقد الإِمَام إِذا فسد وَالثَّانِي لَا لِأَن قبُوله لَا يُؤثر إِذْ لم يكن الْقبُول مِمَّن هُوَ من أهل الْإِيجَاب وَيجب على الإِمَام قبُول الْجِزْيَة إِذا بذلوها إِلَّا أَن يخَاف غائلتهم فَإِن كثر جمعهم فليفرقهم فِي الْبِلَاد وَلَا يجب قبُولهَا من الجاسوس لما فِيهِ من الْمضرَّة الرُّكْن الثَّالِث فِيمَن يعْقد لَهُ وَهُوَ كل كتابي عَاقل بَالغ حر ذكر متأهب لِلْقِتَالِ قَادر على أَدَاء الْجِزْيَة فَهَذِهِ سَبْعَة قيود الأول الْكِتَابِيّ فَلَا يُؤْخَذ من عَبدة الْأَوْثَان وَالشَّمْس وَإِنَّمَا تُؤْخَذ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس أَيْضا يسن بهم سنة أهل الْكتاب فِي الْجِزْيَة دون أكل الذَّبِيحَة والمناكحة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُقرر وَثني الْعَجم دون وَثني الْعَرَب وَلَو ظهر قوم زَعَمُوا أَنهم أهل الْكتاب كالزبور وَغَيره فَهَل يقرونَ بالجزية فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الزبُور كتاب مُحْتَرم وَكَذَا سَائِر كتب الله تَعَالَى وَلَا يُمكن أَن نعلم دينهم إِلَّا بقَوْلهمْ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا ثِقَة بقَوْلهمْ والأولون لم يعولوا إِلَّا على أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ثمَّ لَا شكّ فِي أَنه لَا تحل مناحكتهم لظُهُور هَذِه الشُّبْهَة كَمَا أَن من شكّ فِي

أَن أول آبَائِهِ دَان بدينهم قبل المبعث أَو بعده يُقرر وَلَا يناكح فَإِن علم أَنه دَان قبل المبعث يُقرر ويناكح وَإِن علم أَنه دَان بعد المبعث لم يُقرر وَإِن دَان بعد التبديل قرر وَلَا يناكح وَفِيه وَجه أَنه لَا يُقرر فروع الأول اخْتلفت نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الصابئين وهم فرقة من النَّصَارَى وَفِي السامرة وهم فرقة من الْيَهُود فَمنهمْ من قَالَ إِنَّه تردد لتردده فِي أَنهم مبتدعة عِنْدهم أَو كفرة فَإِن صَحَّ كفرهم بِأَن قَالُوا مُدبر الْعَالم النُّجُوم السَّبْعَة أَو قَالُوا بقدم النُّور والظلمة فَلَا يُقرر لِأَنَّهُ يُنَاقض مُوجب الْكتب الْمنزلَة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن كَانُوا مبتدعة فالقولان جائزان إِذْ تضعف بالبدعة حرمتهم وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا ينقدح فِي نكاحهم لِأَن مبتدعة الْإِسْلَام يناكحون لأخبار منعت من التَّكْفِير فَلَا يعد فِي التَّغْلِيظ على مبتدعة أهل الْكتاب الثَّانِي قلو قبلنَا جزيته فَأسلم مِنْهُم رجلَانِ عَدْلَانِ شَهدا أَنه كَافِر بدينهم تبين انتقضا الْعَهْد ونغتاله لتلبيسه علينا وَإِنَّمَا تثبت علقَة الْأمان عِنْد جهلهم الثَّالِث الْمُتَوَلد بَين وَثني وكتابية وبعكسه فِي مناكحته قَولَانِ الصَّحِيح

أَنه يُقرر وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ الرَّابِع إِذا توثن نَصْرَانِيّ وَله أَوْلَاد صغَار فَإِن كَانَت الْأُم نَصْرَانِيَّة اسْتمرّ حكم تنصرهم بعد الْبلُوغ وَإِن كَانَت وثنية فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه تبقى علقَة التنصير لَهُم فيقررون بعد الْبلُوغ وَالثَّانِي أَنهم يتبعُون فِي التوثن أَيْضا لَكِن لَا يغتالون وَفِي اغتيال أَبِيهِم خلاف الْخَامِس الْوَلَد الْحَاصِل من الْمُرْتَدين فِي إسْلَامهمْ لأجل علقَة الْإِسْلَام فِي الْمُرْتَد خلاف فَإِن قضينا بِهِ فَإِن لم يصرحوا بعد الْبلُوغ فهم مرتدون وَإِن لم نقض بِهِ فَلَا يقرونَ إِذْ لم يثبت دين آبَائِهِ قبل المبعث وَفِيه وَجه بعيد لَا اتجاه لَهُ إِذْ تخرم الْقَاعِدَة فِي مُرَاعَاة تَقْدِيم الدّين على المبعث ولعى هَذَا يتَّجه التَّرَدُّد فِي نكاحهم وَالصَّحِيح الْمَنْع وَالصَّحِيح أَنه لَا يحل وَطْء سَبَايَا غوراء إِذْ صَحَّ أَنهم ارْتَدُّوا بعد الْإِسْلَام نعم ينقدح التَّرَدُّد فِي استرقاقهم بِنَاء على أَنهم كفار أصليون فَإِن عَبدة الْأَوْثَان لَا يمْتَنع إرقاقهم على ظَاهر الْمَذْهَب وَفِيه وَجه أَنه يمْتَنع لِأَن فِيهِ أَمَانًا مُؤَبَّدًا لوثني الْقَيْد الثَّانِي الْعقل فَلَا يُؤْخَذ من الْمَجْنُون جِزْيَة بل هُوَ تَابع كَالصَّبِيِّ وَلَو وَقع فِي الْأسر رق بِنَفس الْأسر كَالصَّبِيِّ وَإِن كَانَ يجن يَوْمًا ويفيق يَوْمًا فَفِي وَجه يعْتَبر آخر الْحول وَفِي وَجه تلفق أَيَّام الْإِفَاقَة سنة وَيُؤْخَذ لَهَا دِينَار وَهُوَ الأقيس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَفِي وَجه ينظر إِلَى الْأَغْلَب وَفِي

وَجه لَا نظر إِلَى جُنُون مُنْقَطع بل هُوَ كالغشية بل تجب جِزْيَة كَامِلَة وَفِي وَجه أَنه لَا ينظر إِلَى عقل مُنْقَطع فَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ أصلا والوجهان الأخيران ضعيفان وَإِن وَقع مثل هَذَا فِي الْأسر فَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَى وَقت الْأسر الْقَيْد الثَّالِث الصَّغِير فَلَا يؤخد مِنْهُ جِزْيَة بل هُوَ تَابع أَبِيه ثمَّ إِذا بلغ عَاقِلا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَى الإستئناف بل يلْزمه مثل مَا الْتزم أَبوهُ وَكَأَنَّهُ عقد لنَفسِهِ ولولده بعد الْبلُوغ وَالثَّانِي أَنه يسْتَأْنف لنَفسِهِ فَلَو بلغ سَفِيها وَالْتزم زِيَادَة نفذ لِأَنَّهُ يحقن بِهِ دَمه كَمَا لَو كَانَ عَلَيْهِ قصاص فَصَالح على أَكثر من الدِّيَة فَلَيْسَ للْوَلِيّ الْمَنْع لِأَن حقن الدَّم أهم من المَال وَلَو عقد لَهُ الْوَلِيّ بِزِيَادَة لم يكن للسفيه الْمَنْع كَمَا يَشْتَرِي لَهُ الطَّعَام فِي

المخمصة قهرا لصيانة روحه وَإِن قُلْنَا لَا يسْتَأْنف فَإِن كَانَ الْأَب قد الْتزم زِيَادَة لزمَه بعد الْبلُوغ وَكَانَ امْتِنَاعه كامتناع أَبِيه من الزِّيَادَة الْقَيْد الرَّابِع الْحُرِّيَّة فَالْعَبْد تَابع فَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ وَكَذَا من نصفه حر وَنصفه رَقِيق الْقَيْد الْخَامِس الذُّكُورَة فَلَا جِزْيَة على الْمَرْأَة إِذْ لَا تتعرض للْقَتْل بل هِيَ تَابِعَة وللرجل أَن يستتبع بِدِينَار وَاحِد جمعا من النِّسَاء الْأَقَارِب والزوجات وَلَا يشْتَرط الْمَحْرَمِيَّة أما الأصهار والأحماء فَمنهمْ من ألحقهن بالأجانب وَمِنْهُم من ألحقهن بالأقارب وَالصبيان والمجانين الْأَقَارِب أَيْضا يجوز استتباعهم هَذَا فِيهِ إِذا شَرط فِي العقد فَإِن أطلق لم يتبع الْأَقَارِب والأصهار أما أَوْلَاده الصغار فَوَجْهَانِ وَفِي زَوْجَاته طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنَّهُنَّ كالأولاد وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ كالأقارب

وَالأَصَح أَن الزَّوْجَة وَالْولد مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاق فَلَا حَاجَة إِلَى الشَّرْط ثمَّ إِذا دخل صبي أَو امْرَأَة دَارنَا من غير أَمَان وتبعية أوقفناهما وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون وَالْحَرْبِيّ يتَخَيَّر فِيهِ بَين الْقَتْل والإرقاق فرع إِذا حاصرنا قلعة وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا النسوان فَإِن فتحناها جرى الرّقّ عَلَيْهِنَّ بِمُجَرَّد الظفر وَإِن بذلن الْجِزْيَة لدفع الرّقّ فَالصَّحِيح أَنه لَا يجب الْقبُول إِذْ لَو جَازَ لَهَا دفع الرّقّ بالجزية كَمَا يجوز للرجل دفع الْقَتْل لما كَانَت تَابِعَة فِي الْجِزْيَة بل صَار أصلا كَالرّجلِ ولكان إِذا دخلت دَارنَا لم يجز إرقاقها إِن بذلت الْجِزْيَة وَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه يجب الْقبُول وَإِنَّمَا التّبعِيَّة إِذا كَانَ مَعهَا رجل قريب أَو زوج وَإِنَّمَا لَا تستقل إِذا وَقعت فِي الْأسر لِأَنَّهَا رقت بِمُجَرَّد الْأسر أما إِذا كَانَ فِيهِنَّ رجل وَاحِد وبذل الْجِزْيَة كَانَ عصمَة لجَمِيع النسوان إِن كن من أَهله وَإِن كن أجانب فَلَا وَقد أطلق الْأَصْحَاب عصمَة الْجَمِيع وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادهم الْقَيْد السَّادِس المتأهب لِلْقِتَالِ واحترزنا بِهِ عَن الزمني وأرباب الصوامع وَمن ذكرنَا خلافًا فِي قَتلهمْ فَمنهمْ من قَالَ إِذا منعنَا قَتلهمْ فهم كالنسوان فَلَا جِزْيَة عَلَيْهِم وَمِنْهُم من قطع بِأخذ الْجِزْيَة للجنسية وَهُوَ الْأَصَح الْقَيْد السَّابِع الْقُدْرَة واحترزنا بِهِ عَن الْكَافِر الْفَقِير الَّذِي لَيْسَ بكسوب فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه يخرج من الدَّار وَلَا يُقرر مجَّانا وَالثَّانِي أَنه يُقرر مجَّانا لِأَنَّهُ مَعْذُور وَالثَّالِث أَنه يُقرر بجزية تَسْتَقِر فِي ذمَّته إِلَى أَن يقدر

الرُّكْن الرَّابِع فِي الْبِقَاع الَّتِي يُقرر بهَا الْكَافِر وَيجوز تقريرهم بِكُل بقْعَة إِلَّا الْحجاز فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو عِشْت لأخرجت الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب ثمَّ لم يَعش صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يتفرغ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فأجلاهم عمر رَضِي الله عَنهُ وهم زهاء أَرْبَعِينَ ألفا ونعني بِجَزِيرَة الْعَرَب مَكَّة وَالْمَدينَة واليمامة ومخاليفها والطائف وَوَج وَمَا ينْسب إِلَيْهَا مَنْسُوب إِلَى مَكَّة وَفِي بعض الْكتب التهامة وَلَعَلَّه تَصْحِيف الْيَمَامَة وخيبر من مخاليف الْمَدِينَة

وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ جَزِيرَة الْعَرَب تمتد إِلَى أَطْرَاف الْعرَاق من جَانب وَإِلَى أَطْرَاف الشَّام من جَانب وعَلى هَذَا تلتحق الْيمن بالجزيرة فتحصلنا فِيهِ على خلاف هَذَا فِي المخاليف والبلاد أما الطّرق المعترضة بَينهمَا فَهَل يمْنَعُونَ من الْإِقَامَة بهَا وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن المُرَاد الْمَنْع من الإختلاط بالعرب حُرْمَة لَهُم وَالثَّانِي أَنهم يمْنَعُونَ لِأَن الْحُرْمَة للبقعة ثمَّ لَا خلاف أَنهم لَا يمْنَعُونَ من الإجتياز لسفارة أَو تِجَارَة وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يُقِيمُونَ فِي مَوضِع أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يحْسب يَوْم الدُّخُول وَالْخُرُوج إِلَّا فِي مَكَّة

فَإِنَّهُ يمْنَع وَلَا يُمكن الْكَافِر من دُخُولهَا مجتازا وَلَا برسالة بل يخرج إِلَيْهِ من يستمع الرسَالَة لقَوْله تَعَالَى {فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} وَلَا يجْرِي هَذَا التَّغْلِيظ فِي الْمَدِينَة فرع لَو دخل مَكَّة وَمرض وَخيف من نَقله الْمَوْت فَلَا يُبَالِي وينقل وَلَو دفن نبش قَبره وَأخرج عِظَامه تَطْهِيرا للحرم وَإِن مَاتَ على طرف الْحجاز وَأمكن نَقله نقل قبل الدّفن وَإِن دفن فَفِي نبش قَبره وَجْهَان وَلَو مرض فِي الْحجاز لم ينْقل إِن خيف مَوته فَإِن كَانَ يشق النَّقْل وَلَا يخَاف الْمَوْت فَفِي وجوب نَقله وَجْهَان فَإِن مَاتَ فِي غير مَكَّة وَدفن وعظمت الْمَشَقَّة فِي نَقله تَرَكْنَاهُ وَلم نرفع نعش قَبره

الرُّكْن الْخَامِس فِي قدر الْجِزْيَة الْوَاجِبَة والواجبات عَلَيْهِم خَمْسَة الأول نفس الْجِزْيَة وأقلها دِينَار فِي السّنة على كل محتلم كَمَا سبق أَو اثْنَي عشر درهما نقرة وَيُخَير الإِمَام بَينهمَا والتخيير مُسْتَنده قَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ وَإِلَّا فَلم يرد فِي الْخَبَر إِلَّا الدِّينَار وشبب بعض الْأَصْحَاب بِأَن النقرة نقومها بِالذَّهَب كَمَا فِي نِصَاب السّرقَة ثمَّ إِن لم يبذلوا إِلَّا دِينَار وَجب الْقبُول وَللْإِمَام أَن يماكس فِي الزِّيَادَة فَإِن بذل زِيَادَة ثمَّ علم أَن الزِّيَادَة لم تكن وَاجِبَة لم يَنْفَعهُ وَكَانَ كمن اشْترى بِالْغبنِ نعم لَو نبذ إِلَيْنَا الْعَهْد ثمَّ رَجَعَ وَطلب العقد بِدِينَار وَجَبت الْإِجَابَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله على الْفَقِير دِينَار وعَلى الْغَنِيّ أَرْبَعَة وعَلى الْمُتَوَسّط دِينَارَانِ وَعِنْدنَا لَا فرق

وَلَو أسلم أَو مَاتَ بعد مُضِيّ السّنة استوفي عندنَا وَلَو تكَرر سنُون لم تتداخل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دُيُون وَمَات قدمت الْجِزْيَة على وَصَايَاهُ وديونه وَمِنْهُم من قَالَ بل الْجِزْيَة من حُقُوق

الله فَتقدم على حق الْآدَمِيّ فِي قَول وتؤخر فِي قَول وتستوي فِي قَول فرع لَو مَاتَ فِي أثْنَاء السّنة فَفِي وجوب قسطه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب إِلَّا لتَمام السّنة كَالزَّكَاةِ وَالثَّانِي أَنه يجب كالأجرة وَيُشِير هَذَا إِلَى تردد فِي أَنَّهَا هَل تجب بِأول السّنة لَكِن تَسْتَقِر بِتَمَامِهَا أَو تجب شَيْئا شَيْئا وبنوا على هَذَا أَن الإِمَام لَو طلب شَيْئا فِي أثْنَاء السّنة هَل يجوز

مَعَ اسْتِمْرَار الْحَيَاة وَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ على خلاف سير الْأَوَّلين الْوَاجِب الثَّانِي الضِّيَافَة وَقد وظف عمر رَضِي الله عَنهُ الضِّيَافَة لمن يطرقهم من أَبنَاء السَّبِيل فاتفقوا على جَوَاز ذَلِك بِشَرْط أَن نبين لكل وَاحِد عدد الضيفان وَقدر الطَّعَام والأدم وجنسه وعلف الدَّابَّة ومنازل الضيفان وليفاوت بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِي عدد الضيفان لَا فِي جنس الطَّعَام كي لَا يُؤَدِّي إِلَى التزاحم على الْغَنِيّ وَيبين مُدَّة إِقَامَة الضَّيْف من يَوْم إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فقد ورد أَن الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا زَاد صَدَقَة وَيُقَال إجَازَة يَوْم وَلَيْلَة أَعنِي مَا يُعْطي الضَّيْف ليتزود فِي الطَّرِيق إِذا رَحل ثمَّ هَذَا مَحْسُوب لَهُم من نفس الدِّينَار إِذْ كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يطالبهم بالجزية مَعَ الضِّيَافَة وَمِنْهُم من أَبى ذَلِك لِأَن الْإِطْعَام لَيْسَ بِتَمْلِيك وَهُوَ كالتغدية فِي الْكَفَّارَة

فَإِن قُلْنَا إِنَّه من الْجِزْيَة فَمَا نقص من الدِّينَار يجب أَن يكمل وَلَو أَرَادَ نقلهم عَن الضِّيَافَة إِلَى الدَّنَانِير بعد ضربه بِغَيْر رضاهم فَفِيهِ وَجْهَان وَكَأَنَّهُ تردد فِي أَن ضربه هَل ينقعد لَازِما وَالصَّحِيح أَنه إِن قُلْنَا إِنَّه من الدِّينَار فَيجوز الْإِبْدَال وَإِن قُلْنَا إِنَّه أصل فَلَا بُد من رضاهم فِي الْإِبْدَال ثمَّ إِذا أبدلت فقد كَانَت الضِّيَافَة لجَمِيع الطارقين فَهَل يصرف الْبَدَل إِلَى جَمِيع الْمصَالح أم يخْتَص بِأَهْل الْفَيْء فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه لأهل الْفَيْء لِأَن ذَلِك احْتمل فِي الضِّيَافَة لعسر الضَّبْط الْوَاجِب الثَّالِث الإهانة والتصغير عِنْد الْأَخْذ لقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} قيل مَعْنَاهُ أَن يطأطىء الذِّمِّيّ رَأسه وَيصب مَا مَعَه فِي كف المستوفي فَيَأْخُذ المستوفي بلحيته وَيضْرب فِي لهازمه

وَهَذَا مُسْتَحبّ أَو مُسْتَحقّ فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا إِنَّه مُسْتَحقّ لم يجز لَهُ تَوْكِيل الْمُسلم فِي التوفية وَلم يَصح ضَمَان الْمُسلم للجزية فَإِنَّهُ يجب قبُولهَا إِذا أسلم وَتسقط الإهانة وَلَكِن الصَّحِيح أَنه مُسْتَحبّ إِذْ يجوز إِسْقَاطهَا بِتَضْعِيف الصَّدَقَة كَمَا فعل عمر رَضِي الله عَنهُ فَإِن جمَاعَة من نَصَارَى الْعَرَب أنفوا من اسْم الْجِزْيَة وَالصغَار فَقَالُوا نَحن عرب فَخذ منا مَا يَأْخُذ بَعْضكُم من بعض يَعْنِي الزَّكَاة فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّهَا طهرة ولستم من أَهلهَا فَقَالُوا خُذ بذلك الإسم وزد مَا شِئْت فضعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة وَحط اسْم الْجِزْيَة والإهانة وَلَا شكّ فِي أَن الْمَأْخُوذ جِزْيَة حَتَّى لَا تُؤْخَذ من النِّسَاء وَالصبيان وَلَا بُد أَن يَفِي بِقدر الْجِزْيَة إِذا وزع على رُءُوس الْبَالِغين وَله أَن يَأْخُذ ثَلَاثَة أَمْثَال الصَّدَقَة وَله أَن يَأْخُذ نصف الصَّدَقَة إِن وفى بالجزية وَلَكِن لَا يتْرك الإهانة إِلَّا لغَرَض ظَاهر

فَإِن كَثُرُوا وَلم يُمكن عدهم لتبيين الْوَفَاء فَفِي جَوَاز أَخذه بغالب الظَّن وَجْهَان والفقراء هَل يدْخلُونَ فِي الْحساب يخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي العقد وَهل يجوز ذَلِك مَعَ غير الْعَرَب فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر جَوَازه للْمصْلحَة ثمَّ صِيغَة العقد أَن يَقُول الإِمَام ضعفت عَلَيْكُم الصَّدَقَة فَيلْزمهُ عَلَيْكُم الصَّدَقَة فَيلْزمهُ الْوَفَاء فَيَأْخُذ من خمس من الْإِبِل شَاتين وَمن عشر أَربع شِيَاه وَمن خمس وَعشْرين بِنْتي مَخَاض وَلَا يضعف المَال فَيَجْعَلهُ كالخمسين وَيَأْخُذ حَقه بل نضعفه الصَّدَقَة ونأخذ الْخمس مِمَّا سقته السَّمَاء وَالْعشر مِمَّا سقِِي بدالية وَمن عشْرين دِينَارا دِينَارا وَاخْتلفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَنه هَل يحط لَهُم الوقص فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحط كالصدقة وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك تَخْفيف عَن الْمُسلمين وَالثَّالِث أَنه يَأْخُذ إِن لم يؤد إِلَى التجزئة فَيَأْخُذ من سَبْعَة وَنصف من الْإِبِل ثَلَاث شِيَاه وَقد حُكيَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يَأْخُذ من عشْرين شَاة شَاة وَمن مائَة دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم

الثَّانِيَة لَو ملك سِتا وَثَلَاثِينَ من الْإِبِل وَلَيْسَ فِي مَاله بنت لبون فَيَأْخُذ بِنْتي مَخَاض وجبرانين لكل جبران وَاحِد شَاتين أَو عشْرين درهما وَلَا يضعف الْجبرَان ثَانِيًا وَمن قَالَ بذلك فقد غلط وَكَذَلِكَ إِذا أخرج حقتين فعلى الإِمَام الْجبرَان الْوَاجِب الرَّابِع الْعشْر من البضاعة الَّتِي مَعَ تجارهم إِذا ترددوا فِي بِلَادنَا وَالنَّظَر فِيمَن يعشر مَاله وَفِي قدر الْمَأْخُوذ أما من يُؤْخَذ مِنْهُ فَهُوَ كل حَرْبِيّ يتجر فِي بِلَادنَا ضرب عمر رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِم الْعشْر أما الذِّمِّيّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذا اتّجر وَلَا على الْحَرْبِيّ إِذا دخل لسفارة أَو سَماع كَلَام الله تَعَالَى أما لَو تردد فِي الْحجاز لَا للتِّجَارَة فَفِي أَخذ شَيْء مِنْهُ خلاف فَقيل إِنَّه لَا يُمكن تعشير مَاله وَلَا بُد من تَعْظِيم الْحجاز فَيُؤْخَذ دِينَار وَهُوَ أقل الْجِزْيَة وَالذِّمِّيّ إِذا اتّجر فِي الْحجاز أَخذ مِنْهُ نصف الْعشْر كَذَلِك فعل عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ هَذَا إِذا جرى الشَّرْط وقبلوا فَإِن دخلُوا بِأَمَان من غير شَرط فأصح الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِم وَالثَّانِي أَن قَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ بذلك قَضَاء على من سَيكون مِنْهُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيتبع أما الْمِقْدَار فَلَا مزِيد على الْعشْر وَقل للْإِمَام أَن يزِيد إِن رأى وَأما النُّقْصَان فَجَائِز إِلَى نصف الْعشْر وَذَلِكَ فِي الْميرَة وكل مَا يحْتَاج الْمُسلمُونَ إِلَى كَثْرَة

المكاسب فِيهِ كَذَلِك فعل عمر رَضِي الله عَنهُ وَلَو رأى رفع هَذِه الضريبة أصلا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا بُد من قبُول شَيْء وَالثَّانِي أَن هَذَا الْجِنْس يتبع فِيهِ الْمصلحَة إِذْ عمر رَضِي الله عَنهُ فعل ذَلِك بِرَأْيهِ واستصوابه وَقد يتَغَيَّر الصَّوَاب ثمَّ إِذا أَخذ الْعشْر مرّة فَلَا يَأْخُذهُ ثَانِيًا فِي تِلْكَ السّنة بل يعْطى جَوَازًا حَتَّى لَا يُطَالِبهُ عشار أصلا إِلَّا إِذا جَوَّزنَا الزِّيَادَة فَعِنْدَ ذَلِك يجوز أَخذه فِي دفعات أما إِذا جرى ترديد مَال وَاحِد إِلَى الْحجاز فِي سنة وَاحِدَة فَهَل يُكَرر الْعشْر لتعظيم الْحجاز فِيهِ خلاف وَهَذَا إِذا خرج من الْحجاز وَعَاد وَمَا دَامَ يتَرَدَّد فِيهِ فَلَا وَلَو بذل اللِّسَان عِنْد المشارطة بِزِيَادَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم إِذْ لَيْسَ ذَلِك عقدا أَصْلِيًّا بِخِلَاف عقد الْجِزْيَة الْوَاجِب الْخَامِس الْخراج وَذَلِكَ قد يكون أُجْرَة فَلَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ كَمَا إِذا ملكنا أراضيهم ثمَّ رددناها إِلَيْهِم بخراج كَمَا فعله عمر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا وَاجِب وَرَاء الْجِزْيَة أما إِذا صالحناهم على عقارهم بخراج يؤدونه فملكهم مطرد والمأخوذ فِي حكم جِزْيَة

وَمن أسلم سقط الْخراج عَنهُ فِي الْمُسْتَقْبل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام عقد الذِّمَّة وَهُوَ يَقْتَضِي وجوبا علينا وَعَلَيْهِم أما مَا علينا فَيرجع إِلَى أَمريْن الْكَفّ عَنْهُم وذب الْكفَّار دونهم أما الْكَفّ فَمَعْنَاه أَنا لَا نتعرض لأنفهسم ومالهم ونعصمهم بِالضَّمَانِ وَلَا نريق خمورهم وَلَا نتلف خنازيرهم مَا داموا يخفونه وَلَا نمنعهم من التَّرَدُّد إِلَى كنائسهم الْقَدِيمَة وَلَو أظهرُوا الْخُمُور أرقناها وَمن دخل دَارهم وأراقها فقد تعدى وَلَا ضَمَان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو غصبهَا وَجب مئونة الرَّد وَفِيه وَجه أَنه لَا يجب إِلَّا التَّخْلِيَة وَلَو بَاعَ خمرًا من مُسلم أريق على الْمُسلم وَلَا ثمن للذِّمِّيّ وَالظَّاهِر أَنه يجب رد الْخمر المحترمة على الْمُسلم إِذا غصب أما الذب عَنْهُم فَمَعْنَاه دفع الْكفَّار عَنْهُم مَا داموا فِي دَارنَا وَهُوَ ذب عَن الدَّار وَلَو دخلُوا دَار الْحَرْب فَلَا مطمع للذب وَلَو انفردوا ببلدة غير مُتَّصِلَة بِبِلَاد الْإِسْلَام فَفِي وجوب ذب أهل الْحَرْب عَنْهُم وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب إِذْ لم نلتزم إِلَّا الْكَفّ

وَالثَّانِي أَنه يجب إِذْ بذلوا الْجِزْيَة لنسلك بهم مَسْلَك أهل الْإِسْلَام فعلى هَذَا لَو شرطنا أَن لَا نذب عَنْهُم لم يلْزمنَا وَمِنْهُم من ألغى هَذَا الشَّرْط وعَلى الأول لَو شرطنا الذب لزمنا وَمِنْهُم من ألغى ذَلِك الشَّرْط وَكَذَلِكَ لَو ترافعوا إِلَيْنَا هَل يجب الحكم بَينهم فِيهِ خلاف وَيرجع حَاصله إِلَى دفع أَذَى بَعضهم عَن بعض أما الْوَاجِب عَلَيْهِم فَهُوَ الْوَفَاء بالجزية والإنقياد للْأَحْكَام والكف عَن الْفَوَاحِش وَعَن بِنَاء الْكَنَائِس ومطاولة الْمُسلمين بالبنيان والتجمل بترك الغيار وركوب الْخُيُول وسلوك جادة الطّرق هَذِه مجامعها الأول حكم الْكَنَائِس وتفصيله أَن للبلاد ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى بَلْدَة بناها الْمُسلمُونَ فَلَا يكون فِيهَا كَنِيسَة وَإِذا دخلُوا وقبلوا الْجِزْيَة منعُوا من إِحْدَاث الْكَنَائِس قطعا وَفِي مَعْنَاهَا بَلْدَة ملك الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم رقبَتهَا قهرا فَإِنَّهُ ينْقض كنائسهم لَا محَالة وَلَو أَرَادَ الإِمَام أَن ينزل مِنْهُم طَائِفَة بجزية وَيتْرك لَهُم كَنِيسَة قديمَة قطع المراوزة بِالْمَنْعِ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها فِي جَوَازه أما الإحداث فَلَا خلاف فِي الْمَنْع

الثَّانِيَة بَلْدَة فتحناها صلحا على أَن تكون رَقَبَة الْأَبْنِيَة للْمُسلمين وهم يسكنونها بخراج يبذلونه سوى الْجِزْيَة فَإِن اسْتثْنى فِي الصُّلْح البيع وَالْكَنَائِس لم تنقض وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انها تنفض لِأَنَّهَا ملك الْمُسلمين فَلهم التَّصَرُّف فِي ملكهم وَالثَّانِي لَا وَفَاء بِشَرْط التَّقْرِير فَإِنَّهُ يمْنَع عَلَيْهِم الْقَرار من غير متعبد جَامع الثَّالِثَة أَن تفتح على أَن تكون الرّقاب لَهُم وَيضْرب عَلَيْهِم خراج فَهَذِهِ بلدتهم وَلَيْسَ عَلَيْهِم نقض الْكَنَائِس وَلَو أَحْدَثُوا كنائس فَالْمَذْهَب أَنهم لَا يمْنَعُونَ وَقيل يمْنَع لِأَنَّهَا على الْجُمْلَة تَحت حكم الْإِسْلَام وَلَا خلاف أَنهم لَا يمْنَعُونَ من ضرب الناقوس وَإِظْهَار الْخُمُور وَإِن كَانَ الْمُسلمُونَ يدْخلُونَ على الْجُمْلَة لِأَنَّهَا كعقر دَارهم وَلَا نتعرض لما يجْرِي فِي دُورهمْ فرع حَيْثُ قضينا بإبقاء كَنِيسَة قديمَة وَالْمَنْع من الإحداث فَلَا نمنعهم من الْعِمَارَة إِذا استرمت وَالأَصَح أَنا لَا نكلفهم إخفاء الْعِمَارَة وَقيل يجب الْإخْفَاء حَتَّى لَو زَالَ الْجِدَار الْخَارِج فَلَا وَجه إِلَّا بِنَاء جِدَار دَاخل الْكَنِيسَة نعم لَو انْهَدَمت الْكَنِيسَة فَفِي إِعَادَتهَا وَجْهَان من حَيْثُ إِن هَذَا كالإحداث من وَجه وَإِن قُلْنَا لَهُم الْإِعَادَة فَفِي جَوَاز زِيَادَة فِي الخطة وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع لِأَن هَذَا إِحْدَاث

وَأما النواقيس فَإنَّا نمنعهم فِي كنائسهم أَن يظْهر صَوته فَهُوَ كإظهار الْخمر وَقيل لَا يمْنَع فَإِنَّهُ تَابع للكنيسة الْوَاجِب الثَّانِي ترك مطاولة الْبُنيان فَلَو بنى دَارا أرفع من دَار جَاره منع وَلَو كَانَ مثله فَوَجْهَانِ وَلَو لم يكن بجنبه إِلَّا حجرَة ضَعِيفَة منخفضة فَعَلَيهِ أَن لَا يعلوها بُنْيَانه وَلَو كَانَ فِي طرف بلد حَيْثُ لَا جَار أَو كَانَت لَهُم محلّة فَلَا معنى للمطاولة فَلَا حجر وَقيل إِنَّهُم على الْجُمْلَة يمْنَعُونَ من رفع فِيهِ تجمل وَهَذَا كُله فِي الْبناء فَلَو اشْترى دَارا مُرْتَفعَة لم ينْقض بناؤها وَهَذَا الْمَنْع مُسْتَحبّ أَو حتم فِيهِ وَجْهَان الْوَاجِب الثَّالِث يمْنَعُونَ من التجمل بركوب الْخَيل وَلَا يمْنَعُونَ من الْحمار النفيس وَليكن رِكَابهمْ من الْخشب وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يمْنَع من الْفرس الخسيس كالقتبيات وَيمْنَع من البغال الغر

الْوَاجِب الرَّابِع لَا بُد من الغيار ولون الصُّفْرَة باليهود أليق والكهبة بالنصارى والسواد بالمجوس وَالْمَقْصُود أَن يتميزوا حَتَّى لَا نسلم عَلَيْهِم ويضطرون إِلَى أضيق الطّرق وَيمْنَعُونَ من سرارة الجادة إِذا كَانَت مَشْغُولَة بِالْمُسْلِمين وَإِن كَانَت خَالِيَة فَلَا منع وَيخرج الْكَافِر من الْحمام إِذا لم يكن عَلَيْهِم غيار لِأَنَّهُ رُبمَا ينجس المَاء من حَيْثُ لَا نَعْرِف وَالْمَرْأَة هَل يلْزمهَا الغيار فِي الْحمام وخارجه فِيهِ وَجْهَان ثمَّ أصل الغيار وَترك ركُوب الْخَيل حتم أَو مُسْتَحبّ فِيهِ وَجْهَان

الْوَاجِب الْخَامِس الإنقياد للْأَحْكَام بِأَن يذعن للحد وَالضَّمان إِذا تعلّقت الْخُصُومَة بِمُسلم أَو زنا بِمسلمَة أَو سرق مَال مُسلم أما مَا لَا يتَعَلَّق بِمُسلم وَلم يعْتَقد تَحْرِيمه فَلَا يحد على الصَّحِيح فِيهِ كالشرب وَمَا اعْتقد تَحْرِيمه وترافعوا إِلَيْنَا وَجب عَلَيْهِم الإنقياد فَإِن قيل فَلَو خالفوا فِي شَيْء من هَذِه الْجُمْلَة فَهَل ينْتَقض عَهدهم قُلْنَا هَذِه الْأُمُور على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى وَهِي أخفها إِظْهَار الْخمر وَضرب الناقوس وَترك الغيار وَإِظْهَار معتقدهم فِي الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي الله تَعَالَى بانه ثَالِث ثَلَاثَة وَمَا يضاهيه مِمَّا لَا ضَرَر على الْمُسلمين فِيهِ فَلَا ينْتَقض بِهِ الْعَهْد بل نعزرهم وَلَو شَرط الإِمَام انْتِقَاض الْعَهْد بذلك قَالَ الْأَصْحَاب يحمل على التخويف شَرطه وَلَا ينْتَقض بِهِ الرُّتْبَة الثَّالِثَة وَهِي أغلظها الْقِتَال وَمنع الْجِزْيَة وَالْأَحْكَام وَالْمَشْهُور أَن الْعَهْد

ينْتَقض بِهَذِهِ الثَّلَاث وَهُوَ ظَاهر فِي الْقِتَال أما منع الْجِزْيَة فَلَا يبعد أَن يَجْعَل كمنع الدُّيُون فتستوفى قهرا وَلَا يبعد من حَيْثُ إِنَّه ركن الْأمان فَكَأَن مَنعه إِسْقَاط أَمَانه بِخِلَاف سَائِر الدُّيُون وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاد الْأَصْحَاب مِنْهُ أَن يكون الْمَنْع بالتغلب فَيُؤَدِّي إِلَى الْقِتَال وَأما منع الحكم فَلَا يَنْبَغِي أَن ينْقض إِن كَانَ بالهرب فَإِن كَانَ بتمرد حملناه عَلَيْهِ وَإِن أدّى إِلَى الْقِتَال انْتقض عَهده وعَلى الْجُمْلَة لَا يظْهر انْتِقَاض الْعَهْد إِلَّا بِالْقِتَالِ الرُّتْبَة الثَّالِثَة مَا هُوَ مَحْظُور وَفِيه على الْمُسلمين ضَرَر كَالزِّنَا بالمسلمة والتطلع على عورات الْمُسلمين أَو افتتان الْمُسلم عَن دينه فَفِي هَذِه الثَّلَاثَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه ينْقض الْعَهْد كالقتال وَالثَّانِي لَا ينْقض بل يعاقبون عَلَيْهَا كإظهار الْخمر

وَالثَّالِث أَنه إِذا جرى شَرط الإنتقاض انْتقض وَإِلَّا فَلَا وَأما قطع الطَّرِيق وَالْقَتْل الْمُوجب للْقصَاص فَمنهمْ من قَالَ هُوَ من هَذَا الْقسم وَمِنْهُم من قطع بإلحاقه بِالْقِتَالِ وَكَذَلِكَ فِي تعرضهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسوء طَرِيقَانِ وَمِنْهُم من قَالَ كالقتال وَمِنْهُم من قَالَ على الْأَوْجه الثَّلَاثَة أما إِذا كَانَ الطعْن على وفْق اعْتِقَادهم كَقَوْلِهِم إِنَّه لي رَسُول الله وَالْقُرْآن لَيْسَ بمنزل فَهَذَا كَقَوْلِهِم إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة وَإِنَّمَا الْخلاف فِي السب والطعن فِي النّسَب وَمَا لَا يُوَافق عقيدتهم فَإِن قيل وَمَا حكم انْتِقَاض الْعَهْد قُلْنَا أما فِي الْقِتَال فَحكمه الإغتيال وَأما فِي الرُّتْبَة الثَّالِثَة فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الإغتيال وَصَارَ الْعَهْد كَالْمَعْدُومِ وَالثَّانِي أَنا نلحقهم بالمأمن وَلَا اغتيال وَلَو نبذ الذِّمِّيّ عَهده إِلَيْنَا من غير جِنَايَة فَالصَّحِيح أَنه يلْحق بالمأمن وَقيل يخرج على الْقَوْلَيْنِ إِذا كَانَ يقدر على الْخُرُوج من غير

مجاهرة بنبذ الْعَهْد فَإِن قيل فالمسلم إِن طول لِسَانه فِي الرَّسُول فَمَا حكمه قُلْنَا إِن كذب عَلَيْهِ عذر وَإِن كذبه فَهُوَ مُرْتَد فَيقْتل إِلَّا أَن يَتُوب وَكَذَلِكَ كل تعرض فِيهِ استهزاء فَهُوَ ردة وَلَو نسبه إِلَى الزِّنَا فَهَذَا الْقَذْف كفر بالإتفاق فَلَو تَابَ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْفَارِسِي أَنه يقتل إِذْ حد قذف الرَّسُول قتل فَلَا يسْقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ وَفِي الْخَبَر من سبّ نَبيا فَاقْتُلُوهُ وَمن سبّ أَصْحَابه فاجلدوه وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال والأستاذ أبي إِسْحَاق أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن الْقَتْل صَار مغمورا فِي الْكفْر فَيسْقط أَثَره بِالْإِسْلَامِ وَالثَّالِث وَهُوَ الَّذِي ذكره الصيدلاني رَحمَه الله أَنه يسْقط الْقَتْل وَتبقى ثَمَانُون جلدَة للحد وَهَذَا يلْزمه أَن يجلد قبل الْقَتْل إِذا لم يتب كالمرتد إِذا قذف والإلتفات إِلَى هَذَا الْقيَاس الجروي فِي مثل هَذَا الْمقَام بعيد

ثمَّ إِن قُلْنَا ثَبت حد الْقَذْف فَلَو عَفا وَاحِد من بني أَعْمَامه يَنْبَغِي أَن يسْقط أَو نقُول هم لَا ينحصرون فَهُوَ كقذف ميت لَا وَارِث لَهُ وَكَذَلِكَ فِي قتل مثله قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا قصاص إِذْ فِي الْمُسلمين صبيان وَلِأَنَّهُ إِن وَجب على الإِمَام الإستيفاء ضاهى الْحَد وَبَطل خاصية الْقصاص وَإِن جَازَ لَهُ الْعَفو فَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه يجب إِذْ يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال عصمَة من لَا وَارِث لَهُ فينقدح أَيْضا الْقَوْلَانِ فِي قذف من لَا وَارِث لَهُ

العقد الثَّانِي مَعَ الْكفَّار المهادنة وَالنَّظَر فِي شُرُوطه وَأَحْكَامه أما الشُّرُوط فَأَرْبَعَة الأول أَن هَذَا العقد لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا الإِمَام لِأَنَّهُ يرجع حَاصله إِلَى صلح جمع من الْكفَّار على ترك قِتَالهمْ والكف عَنْهُم من غير مَال نعم لآحاد الْوُلَاة عقد ذَلِك مَعَ أهل الْقرى والأطراف الْمُتَعَلّقَة بهم فَأَما مهادنة إقليم كالهند وَالروم فَلَيْسَ إِلَّا للْإِمَام الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون للْمُسلمين إِلَى ذَلِك حَاجَة فَإِن لم تكن حَاجَة وَلَا مضرَّة وطلبوا ذَلِك لم يجب على الإِمَام الْإِجَابَة على الصَّحِيح بل يتبع الْأَصْلَح وَفِيه وَجه مخرج أَنه تجب الْإِجَابَة وَفِي الْجِزْيَة وَجه مخرج من المهادنة أَنه لَا تجب الْإِجَابَة والوجهان ضعيفان وَالصَّحِيح الْفرق فَإِن عقد الذِّمَّة كف بِمَال وَهَذِه مُسَامَحَة الشَّرْط الثَّالِث أَن يَخْلُو العقد عَن شَرط يأباه الْمُسلم كَمَا لَو شَرط أَن يتْرك فِي أَيْديهم مَال مُسلم أَو شَرط أَن يرد عَلَيْهِم أَسِيرًا مُسلما أفلت مِنْهُم أَو شَرط لَهُم على الْمُسلمين مَالا فَكل ذَلِك فَاسد مُفسد نعم لَو كَانَ على الْمُسلمين خوف جَازَ الْتِزَام مَال لدفع الشَّرّ كَمَا يجوز فدَاء الْأَسير الْمُسلم إِذا عجزنا عَن انْتِزَاعه مجَّانا الشَّرْط الرَّابِع الْمدَّة وَهُوَ يتَقَدَّر بأَرْبعَة أشهر إِن لم يكن بِالْمُسْلِمين ضعف وَهُوَ مُدَّة السياحة قَالَ الله تَعَالَى {فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر}

وَلَا يجوزو أَن تبلغ سنة وَهَذِه الْمدَّة للجزية لِأَن الْكَفّ سنة إِنَّمَا جَازَ بعوض أما فِيمَا دون السّنة وَفَوق أَرْبَعَة أشهر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز للقصور عَن مُدَّة الْجِزْيَة وَهَذَا يستمد من قَوْلنَا إِن طلب قسط من الْجِزْيَة فِي بعض السّنة لَا يجوز وَالثَّانِي الْمَنْع للزِّيَادَة على مُدَّة التسييح أما إِذا كَانَ بِالْمُسْلِمين ضعف وَخَوف جَازَت المهادنة عشر سِنِين هادن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل مَكَّة عشر سِنِين وَلَا مزِيد عَلَيْهِ وَفِيه وَجه أَنه تجوز الزِّيَادَة بِالْمَصْلَحَةِ

فرع لَو أطلق الإِمَام المهادنة وَلم يذكر الْمدَّة فَالصَّحِيح أَنَّهَا فَاسِدَة وَقَالَ الفوراني فِي حَال الْقُوَّة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه ينزل على الْأَقَل وَالثَّانِي على الْأَكْثَر وَهُوَ مَا يُقَارب السّنة وَإِن كَانَ فِي حَالَة الضعْف فَينزل على عشر سِنِين إِذْ لَا يتَقَدَّر أَقَله وَسَببه أَن مُقْتَضى الْمُطلق التَّأْبِيد فنحذف مَا يزِيد على الْمدَّة الشَّرْعِيَّة وَلَو صرح بِالزِّيَادَةِ على الْمدَّة فَالزِّيَادَة مَرْدُودَة وَفِي صِحَّتهَا فِي الْمدَّة قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وأصحهما الصِّحَّة إِذْ لَيْسَ فِيهَا عوض تحدد جهالته ثمَّ حكم الْفَاسِد أَن ننذرهم وَلَا نغتالهم وَحكم الصَّحِيح وجوب الْكَفّ عَنْهُم إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة أَو إِلَى جِنَايَة تصدر مِنْهُم تنَاقض الْعَهْد فنغتالهم إِن علمُوا أَنَّهَا جِنَايَة وَإِن لم يعلمُوا فَفِي اغتيالهم من غير إنذار وَجْهَان وَلَو بنينَا تَطْوِيل الْمدَّة على خوف لم ترْتَفع بِزَوَال الْخَوْف بل لَا بُد من الْوَفَاء وَلَو استشعر الإِمَام جِنَايَة فَلهُ أَن ينْبذ إِلَيْهِم عَهدهم بالتهمة وَذَلِكَ لَا يجوز فِي الْجِزْيَة نعم لَا يبتدىء عقد الْجِزْيَة مَعَ التُّهْمَة

النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام العقد وَحكمه الْوَفَاء بِالشّرطِ والمعتاد فِي الشَّرْط أَن يَقُول صالحناكم على أَن من جَاءَكُم من الْمُسلمين رددتموه وَمن جَاءَنَا مِنْكُم رددناه وَلَا يجوز شَرط رد الْمَرْأَة إِذا جَاءَت مسلمة وَيجوز رد الرجل الْمُسلم وَالْمَرْأَة الْكَافِرَة وَلما هادن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُهَيْل بن عَمْرو وعيينة بن حصن قَالَ من جَاءَكُم منا فسحقا سحقا وَمن جَاءَنَا مِنْكُم رددناه ثمَّ جَاءَ أَبُو جندل بن سُهَيْل مُسلما فَرده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَبِيه فولى باكيا فَقَالَ إِن الله تَعَالَى يَجْعَل لَك مخلصا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِن دم الْكَافِر عِنْد الله كَدم الْكَلْب كالتعريض لَهُ بقتل أَبِيه ثمَّ جَاءَ أَبُو بَصِير مُسلما وَجَاء فِي طلبه

رجلَانِ فَرده عَلَيْهِمَا فَقتل أَحدهمَا وأفلت الآخر قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مسعر حَرْب لَو وجد أعوانا كالتعريض لَهُ بالإمتناع وَهَذَا يدل على أَن الرُّجُوع غير وَاجِب عَلَيْهِ إِذْ لم يجر الشَّرْط مَعَه وَإِنَّمَا الرَّد يجب علينا فَجَاز تَعْرِيفه بالتعريض دون التَّصْرِيح وَلِأَن أَبَا بَصِير رَجَعَ مَعَ أحد الرجلَيْن وَقتل الآخر فَلم يُنكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحْتَمل أَن يُقَال للَّذي أسلم بَينهم أَن يقتلهُمْ إِن قدر إِذْ لم يجر الشَّرْط مَعَه وَيدل عَلَيْهِ تَعْرِيض عمر رَضِي الله عَنهُ وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يجوز إِذْ شَرط الْإِسْلَام يتَنَاوَلهُ وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَقر فِي دَارنَا لزمَه الْكَفّ عَنْهُم وعَلى هَذَا هَل يحمل

تَعْرِيض عمر رَضِي الله عَنهُ على تصلب وَلَكِن ترك الْإِنْكَار من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبْقى لَهُ وَجه إِلَّا أَن يُقَال إِن الرُّجُوع غير وَاجِب فَيجوز الْقَتْل فِي دفع من يكلفه الرُّجُوع ثمَّ نزل قَوْله تَعَالَى {فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} فَاخْتلف فِي أَن النسْوَة هَل كن مندرجات تَحت قَوْله من جَاءَنَا مِنْكُم رددناه فوردت الْآيَة ناسخة أَو وَردت الْآيَة مخصصة للْعُمُوم الظَّاهِر وعَلى هَذَا ترددوا فِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عرف الْخُصُوص فأوهم الْعُمُوم أَو ظَنّه عَاما حَتَّى تبين لَهُ وَقد أفادت الْآيَة منع ردهَا وَوُجُوب صَدَاقهَا وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي عِلّة وجوب الصَدَاق عَلَيْهِ فَقَالَ فِي قَول لَا يجب لِأَنَّهُ الْتزم ردهن ثمَّ نسخ فَخَالف فغرم وعَلى هَذَا يقْتَصر الْغرم عَلَيْهِ وَلَا يلْزمنَا فَإنَّا لَا نلتزم رد الْمسلمَة وَلَو التزمنا فسد الشَّرْط وَهل تفْسد المهادنة بِالشّرطِ الْفَاسِد أم تلغى فِيهِ تردد كترددنا فِي الْوَقْف أَنه هَل يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه وَجب لِأَنَّهُ أوهم بِالْعُمُومِ ردهَا فعلى هَذَا إِن عممنا وأوهمنا لم نردها وغرمنا وَإِن اطلقنا العقد أَو صرحنا بِأَنَّهَا لَا ترد فَلَا غرم

وَمِنْهُم من أوجب الْغرم فِي المهادنة الْمُطلقَة وَقَالَ إِطْلَاقهَا أَيْضا موهوم ويتشعب عَن التَّفْرِيع على إِيجَاب الْغرم النّظر فِي سَبَب الْغرم ومصرفه وَقدره أما السَّبَب فَهُوَ الْمَنْع عَن الزَّوْج بعلة الْإِسْلَام واحترزنا بِالْمَنْعِ عَمَّا إِذا جَاءَت وَلم تطلب إِذْ لَا يجب الرَّد فَلَا غرم وَكَذَلِكَ كل كَافِر وكافرة لَا طَالب لَهُ وَمن لَهُ طَالب فَلَيْسَ علينا الرَّد لَكنا لَا نمْنَع من يسترجعه وَقَوْلنَا من الزَّوْج احترزنا بِهِ عَمَّا لَو طلبَهَا أَبوهَا أَو أقاربها فَلَا نرد وَلَا نغرم لِأَن الزَّوْج هُوَ الْمُسْتَحق وَقَوْلنَا بعلة الْإِسْلَام أردنَا بِهِ أَنَّهَا لَو مَاتَت أَو قتلت قبل الطّلب فَلَا غرم إِذْ لَا منع أما إِذا قتلت بعد الطّلب وَجب الْقصاص على الْقَاتِل مَعَ الصَدَاق وَيحْتَمل عِنْدِي أَن يُقَال الْغرم على بَيت المَال لِأَن الْمَنْع حَال الطّلب وَاجِب شرعا وَالْقَتْل وَاقع بِهِ اسْتِحْقَاق الْمَنْع فَلم نفوت ردا مُمكنا بل ردا مُمْتَنعا شرعا وَلَو غرمنا فَأسلم الزَّوْج قبل انْقِضَاء الْعدة استرددنا إِذْ النِّكَاح يبْقى وَإِن أسلم بعد انْقِضَاء الْعدة لم نسترد وَلَو طَلقهَا ثمَّ أسلمت وَهِي مَنْكُوحَة رَجْعِيَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا نغرم إِن لم يُرَاجع لِأَن الْفِرَاق بِالطَّلَاق وَفِيه قَول مخرج وَهُوَ

الأقيس أَنه يسْتَحق الْغرم لِأَن الرَّجْعِيَّة مَنْكُوحَة وَإِن لم يُرَاجِعهَا فَلَا معنى لرجعته مَعَ إسْلَامهَا أما المَال فَهُوَ الْقدر الَّذِي بذله الزَّوْج قَالَ الله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفقُوا} فَإِن كَانَ قد سلم بعض الصَدَاق لم يسْتَحق إِلَّا ذَاك وَإِن لم يسلم شَيْئا أَو سلم خمرًا أَو خنزيرا لم يسْتَحق شَيْئا وَإِن أخذت ووهبت مِنْهُ فَقَوْلَانِ كَمَا فِي التشطير بِالطَّلَاق وَلَو أسلمت قبل قبض الصَدَاق وَبعد الْمَسِيس ثمَّ أسلم الزَّوْج بعد الْعدة أَو قبل الْجِزْيَة فلهَا مُطَالبَته بِالْمهْرِ لأجل الْمَسِيس إِذْ الظَّاهِر صِحَة أنكحتهم فَإِذا غرم لَهَا فَهَل نغرم لَهُ مَا غرم فِيهِ تردد من حَيْثُ إِنَّه حَيْثُ كَانَ أَهلا للطلب لم يكن قد بذل شَيْئا ثمَّ لَا نقبل مُجَرّد قَوْله سلمت الصَدَاق فَإِن أقرَّت فَلَا بُد من التَّصْدِيق إِذْ تعسر إِقَامَة الْحجَّة وَأما المغروم فِيهِ فَهُوَ الْبضْع والمالية فِي الرقيقة وَلَو دخلت كَافِرَة ثمَّ أسلمت فَالْأَصَحّ وجوب الْغرم كَمَا لَو أسلمت ثمَّ دخلت وَلَو دخلت مسلمة ثمَّ ارْتَدَّت فَلَا نردها لعلقة الْإِسْلَام وَفِي وجوب الْغرم وَجْهَان إِذْ لَا قيمَة لبضعها وَالأَصَح الْوُجُوب فَإِن دخلت مَجْنُونَة لم نرد لاحْتِمَال أَنَّهَا أسلمت قبل الْجُنُون وَلَا نغرم لاحْتِمَال أَنَّهَا لم تسلم فنأخذ بِالْيَقِينِ فِي الطَّرفَيْنِ والصبية إِذا أسلمة وَقُلْنَا يَصح إسْلَامهَا فكالبالغة وَإِن لم نصحح فَلَا نرد لحُرْمَة الْإِسْلَام لأَنا نحول بَين الصَّبِي الْمُسلم وَبَين أَبَوَيْهِ وَإِن منعناها فَالصَّحِيح الْغرم وَقيل إِنَّهَا كالمجنونة وَقيل إِنَّهَا ترد وَهُوَ ضَعِيف

والرقيقة يمْتَنع ردهَا وَتجب قيمتهَا لسَيِّدهَا لَا مَا بذل من الثّمن لِأَن المَال تقويمه سهل وَإِنَّمَا الْعُدُول إِلَى مَا أنْفق فِي الصَدَاق بِنَصّ الْقُرْآن فِيمَا يعسر تقويمه وَلَو جَاءَ غير سَيِّدهَا طَالبا لم يلْتَفت إِلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَت مُزَوّجَة فَإِن جَاءَ السَّيِّد وَالزَّوْج مَعًا غرمنا للسَّيِّد الْقيمَة وَللزَّوْج مَا بذل وَإِن جَاءَ احدهما فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يلْزم شَيْء إِذْ لَيْسَ لأَحَدهمَا حق الإنفراد وَالثَّانِي يجب أَدَاء حَقه وَحده وَالثَّالِث أَن السَّيِّد مُسْتَحقّ الرَّد فنغرم لَهُ وَالزَّوْج وَحده لَا يتسحق الرَّد وَالْغُرْم تبع الرَّد وَإِن جاءتنا زَوْجَة عبد فَحق الْبضْع للْعَبد وَالسَّيِّد هُوَ باذل الْمهْر فَلَا يلْزمنَا شَيْء إِلَّا إِذا حضرا فَإِن حضر أَحدهمَا لم نغرم شَيْئا وَأما العَبْد فَفِي وجوب رده وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه يستضعف ويهان إِذْ لَا نَاصِر لَهُ وَفِي الْحر الَّذِي لَا عشيرة لَهُ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يرد لظُهُور الْعُمُوم فِي حَقه فَإِن قُلْنَا يرد فليشترط فِي أصل المهادنة أَن من رد مُسلما لَا يستهان بِهِ إِن احتملوا ذَلِك وَإِن قُلْنَا لَا نرد العَبْد فنغرم قِيمَته فرع إِن قُلْنَا فِي المهادنة من جَاءَكُم منا فسحقا سحقا فالتحق بهم مُرْتَد فسحقا

وَإِن كَانَت مرتدة استرددناها فَإِن تعذر غرمنا لزَوجهَا الْمُسلم مَا أنْفق لقَوْله تَعَالَى {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا} وكأنا بالمهادنة أحلنا بَينه وَبَين زَوجته الْمُرْتَدَّة إِذْ لأجل المهادنة والأمن رغبت فِي الإلتحاق بهم ثمَّ جَمِيع الْكفَّار كشخص وَاحِد فَلَو جاءتنا مسلمة سلمنَا مهرهَا إِلَى زوج الْمُرْتَدَّة إِن تَسَاويا وَإِن زَاد مهر الْمسلمَة سلمنَا الزِّيَادَة إِلَى زَوجهَا الْكَافِر وَقُلْنَا وَاحِدَة بِوَاحِدَة وَكَأن جُمْلَتهمْ كشخص وَاحِد فيؤاخذ الْوَاحِد بِحكم الْجُمْلَة وَالله أعلم صلوَات الله عَلَيْهِم كرم الله وَجهه الله تبَارك وَتَعَالَى الرب عز وَجل

= كتاب الصَّيْد والذبائح = وَالنَّظَر فِي أَسبَاب الْحل وَأَسْبَاب الْملك

النّظر الأول فِي سَبَب حل الذَّبِيح وأركان الذّبْح أَرْبَعَة الذَّابِح والذبيح والآلة الذابحة وَنَفس الذّبْح الأول الذَّابِح فَكل مُسلم أَو كتابي عَاقل بَالغ يصير أَهلا للذبح بِيَدِهِ وبجوارح الصَّيْد فَتحل ذبيحه الْيَهُود وَالنَّصَارَى دون الْمَجُوس وَعَبدَة الْأَوْثَان أما الْمُتَوَلد من كتابي ومجوسي أَو وَثني فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا تَغْلِيب التَّحْرِيم وَالثَّانِي النّظر إِلَى جَانب الْأَب وَحل الذَّبِيح يُقَارب حل النِّكَاح إِلَّا فِي الْأمة الْكِتَابِيَّة إِذْ تحل ذبيحتها دون مناكحتها فرع لَو اشْترك مَجُوسِيّ وَمُسلم فِي ذبيح فَهُوَ حرَام وَكَذَا لَو أرسلا إِلَى الصَّيْد سَهْمَيْنِ أَو كلبين فَحصل الْهَلَاك بهما وَلَو سبق أَحدهمَا وصيره إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح فَالْحكم لَهُ وَلَو هرب الصَّيْد من كلب الْمُسلم فَرده عَلَيْهِ كلب الْمَجُوسِيّ وَقَتله كلب الْمُسلم فَهُوَ حَلَال وَلَا تَأْثِير لإعانته فِي الرَّد وَحَيْثُ يحل الصَّيْد فالملك للْمُسلمِ وَلَو أثخنه كلب الْمُسلم فأدركه كلب الْمَجُوسِيّ وَبِه حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَقتله فَهُوَ ميتَة وَضمن الْمَجُوسِيّ للْمُسلمِ إِذْ أفسد ملكه أما قَوْلنَا عَاقل بَالغ احترزنا بِهِ عَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يُمَيّز فَفِي ذبيحتهما قَولَانِ وَوجه التَّحْرِيم أَن الْقَصْد قد انْعَدم وَأما الصَّبِي الْمُمَيز فَتحل ذَبِيحَته وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِنَّه إِن اعْتبر الْقَصْد فقد نقُول عمد الصَّبِي لَيْسَ بعمد وَأما الْأَعْمَى فَيصح ذبحه وَفِي اصطياده وَجْهَان من حَيْثُ إِن قَصده لَا يتَعَلَّق بِعَين الصَّيْد وَهُوَ لَا يرَاهُ

الرُّكْن الثَّانِي الذَّبِيح وَالْحَيَوَان يَنْقَسِم إِلَى مَا يحرم فَلَا أثر لذبحه وَإِلَى مَا يحل كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَة وَهَذَا يَنْقَسِم إِلَى مَا تحل ميتَته كالجراد والسمك وَإِلَى مَا لَا يحل أما الَّذِي يحل فَلَا حَاجَة إِلَى ذبحه بل لَو اقتطع قِطْعَة من سَمَكَة فَهِيَ حَلَال لِأَن مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت وَلَو ابتلع سَمَكَة حَيَّة فمكروه للتعذيب وَلَكِن الظَّاهِر أَنه حَلَال وَمِنْهُم من حرم وَجعل الْمَوْت بَدَلا عَن الذّبْح وَأما حَيَوَان الْبَحْر فَتحل جَمِيعهَا إِلَّا المستخبثات وَمَا يعِيش فِي الْبر كالضفدع والسرطان وَأما مَا لَهُ نَظِير محرم فِي الْبر ككلب المَاء وخنزيره قفيه قَولَانِ

أَحدهمَا الْحل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحل ميتَته وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَنَاوَلهُ اسْم السّمك وَللشَّافِعِيّ قَول غَرِيب أَنه لَا يحل إِلَّا السّمك وَهُوَ مرجوع عَنهُ لِأَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجدوا حَيَوَانا عَظِيما يُسمى العنبر فأكلوه وَلم يُنكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم أما مَا لَا تحل ميتَته فَيتَعَيَّن ذبحه فِي الْحلق والمريء كَمَا سَيَأْتِي إِن لم يكن من الصَّيْد وَإِن

كَانَ صيدا فَجَمِيع أَجْزَائِهِ مذبح مَا دَامَ متوحشا فَإِن أنس أَو ظفر بِهِ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة تعين الذّبْح وَلَو توحشت إنسية وَلم يُمكن ردهَا فَهُوَ كالصيد يذبح فِي كل مَوضِع وَكَذَا لَو تنكس بعير فِي بِئْر وَخيف هَلَاكه فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو طعنت فِي خاصرته لحلت لَك فَقَالَ المراوزة خصص الخاصرة ليَكُون الْجرْح مذففا فَلَا يجوز جرح آخر وَإِن كَانَ يُفْضِي إِلَى الْمَوْت

وَمِنْهُم من قَالَ تَكْفِي كل جِرَاحَة تُفْضِي إِلَى الْمَوْت أما إِذا شَردت شَاة أَو بعير فَمثل هَذَا مصيره إِلَى الزَّوَال فَإِن أمكن رده بالإستعانة وَجب وَإِن أفلت وعسر ذَلِك فِي الْحَال فَالظَّاهِر أَنه يصبر إِلَى الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ رُبمَا يُرِيد ذبحه فِي الْحَال فَلهُ أَن يَرْمِي كَمَا يَرْمِي الصَّيْد ثمَّ لَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ اتِّبَاعه يُفْضِي بِهِ إِلَى مسبعَة أَو مهلكة فَهُوَ كالصيد يَرْمِي بِسَهْم وَإِن كَانَ يُفْضِي إِلَى مَوضِع لصوص وغصاب فَوَجْهَانِ

فروع الأول إِذا جرح الصَّيْد بِسَهْم ثمَّ أدْركهُ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَجب ذبحه فِي المذبح فَإِن صَبر حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حرَام وَعَلِيهِ أَن يعدو فِي طلبه كعادة الصياد وَفِيه وَجه أَنه يَكْتَفِي بمشي كمشي السَّاعِي إِلَى الْجُمُعَة أما الْوُقُوف فَلَا رخصَة فِيهِ فَلَو أدْرك وَلَيْسَ مَعَه مدية أَو تشبث بالغمد أَو سقط مِنْهُ أَو ضَاعَ أَو سرق فَلَيْسَ مَعْذُورًا فِي شَيْء من ذَلِك وَلَو غصبه إِنْسَان فَوَجْهَانِ وَالظَّاهِر أَنه حرَام فَكَأَن الشَّرْط أَن يَمُوت بجراحته قبل أَن يُدْرِكهُ وَهُوَ غير مقصر وَلَو ابتدر وَقطع بعض الْحُلْقُوم فَمَاتَ فَهُوَ حَلَال لعدم التَّقْصِير وَذبح الثَّعْلَب فِي أُذُنه لأجل الْجلد حرَام وَلَا يُفِيد الْحل الثَّانِي لَو قد صيدا نِصْفَيْنِ فالنصفان حَلَال وَلَو أبان عضوا والجراحة مذففة حل الْعُضْو أَيْضا فَإِن لم تكن مذففة وَذبح الْحَيَوَان فِي المذبح أَو حرج جرحا مذففا فالعضو حرَام لَان مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت وَإِن مَاتَ من تِلْكَ الْجراحَة فَفِي ذَلِك الْعُضْو وَجْهَان

وَإِن جرحه بعد الأولى جِرَاحَة أُخْرَى غير مذففة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ الرُّكْن الثَّالِث آلَة الصَّيْد وَالذّبْح وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام جوارح الْحَيَوَان وجوارح الأسلحة والمثقلات أما جوارح الْحَيَوَان فَتحل فريسة الْكَلْب الْمعلم بِنَصّ الْكتاب أَعنِي مَا مَاتَ بعضه وجراحته وَإِنَّمَا يصير معلما بِثَلَاثَة أُمُور أَن يسترسل بإرساله وينزجر بزجره وَيمْتَنع من الْأكل خوفًا من صَاحبه وَلَا بُد أَن تَتَكَرَّر هَذِه الْأُمُور حَتَّى يتَبَيَّن أَنه تأدب بِهِ وَلَيْسَ بوفاق فالرجوع فِيهِ إِلَى الْعَادة وَإِنَّمَا يشْتَرط الإنزجار بزجره فِي ابْتِدَاء انطلاقه أما إِذا احتد فِي آخر الْأَمر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يشْتَرط لِأَن ذَلِك مَا لَا يطاوع الْكَلْب عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه يشْتَرط لِأَن ذَلِك أَيْضا يعسر فِي الإبتداء مَعَ جوع الْكَلْب وَلَكِن بِهِ يصير مؤدبا أما إِذا ترك الْأكل ثمَّ أكل مرّة نَادرا فَفِي تِلْكَ الفريسة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحرم وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعدي بن حَاتِم

رَضِي الله عَنهُ إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم فَكل وَإِن أكل فَلَا تَأْكُل وَلِأَنَّهُ أَخذ لنَفسِهِ لما أكل لَا لصَاحبه وَالثَّانِي أَنه يحل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لأبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِي الله عَنهُ

كل وَإِن أكل وَلِأَن هَذَا يحمل على جرْأَة وفرط جوع وَلَا يخرج عَن كَونه معلما التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يحرم فريسته فَلَا يَنْعَطِف التَّحْرِيم على مَا سبق من فرائسه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم لَو أكل مرَارًا وواظب عَلَيْهِ فَيقطع بِأَنَّهُ تحرم فرائسه إِذْ خرج عَن كَونه معلما وَفِي انعطاف التَّحْرِيم على مَا سبق من الفريسة الَّتِي أكل مِنْهَا أَولا وَجْهَان أما مَا لم يَأْكُل مِنْهَا فَلَا تحرم وَلَا خلاف فِي أَنه لَو انكف فِي أول التَّعْلِيم لم تحل فريسته فَلَو واظب عَلَيْهِ لم يَنْعَطِف الْحل على مَا سبق أما إِذا اقْتصر على لعق الدَّم فَلَا يُؤثر ذَلِك وَفِيه وَجه أَنه كَالْأَكْلِ أما فريسة الفهد والنمر فَحَرَام لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّم وَلَا يطاوع فِي ترك الْأكل والإنزجار

بالزجر فَإِن تصور ذَلِك على ندور فَهُوَ كَالْكَلْبِ وَأما الْبَازِي فَهَل يشْتَرط فِي تعلمه الإنكفاف عَن الْأكل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط وَإِن كَانَ لَا يتَعَلَّم إِذْ لَا يحْتَمل الضَّرْب فَهُوَ كالفهد وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّم وجنس الطُّيُور من الصَّيْد لَا بُد لَهَا من جارحة وَهِي من الْجَوَارِح لَا تكف عَن الْأكل بِخِلَاف الفهد فَإِن فِي الْكَلْب غنية عَنهُ فرع إِذا مَاتَ بعض الْكَلْب فَفِي مَوضِع عضه ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه ينجس فَيغسل سبعا ويعفر وَالثَّانِي أَنه يقور الْموضع إِذا تشرب اللَّحْم لعابه وَكَذَا كل لحم عض عَلَيْهِ الْكَلْب وَالثَّالِث أَنه يُعْفَى عَنهُ لِأَن الْأَوَّلين لم ينْقل عَنْهُم ذَلِك وَقَالَ الْقفال لَو أصَاب سنّ الْكَلْب عرقا نضاخا بِالدَّمِ سرت النَّجَاسَة إِلَى جَمِيع أَعْضَائِهِ وَهَذَا غلط لِأَن تَكْلِيف الْكَلْب الحذر من الْعُرُوق محَال وَلِأَن ذَلِك كَالْعَيْنِ الفوارة

بِالْمَاءِ فَلَا ينجس أَسْفَلهَا بِنَجَاسَة أَعْلَاهَا النَّوْع الثَّانِي من الْآلَات جوارح الأسلحة وجرح الصَّيْد بِالسَّيْفِ والسهم وكل حَدِيد مُفِيد للْحلّ ويلتحق بالحديد كل شَيْء يجرح من قصب وخشب سوى السن وَالظفر فَإِنَّهُ لَا يحل الذّبْح بِهِ مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْفَصِلا لنهي ورد فِيهِ وَجوز أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بالمنفصل النَّوْع الثَّالِث مَا يصدم بثقله أَو بخنق وَذَلِكَ لَا يُفِيد الْحل فَلَو انخنق الصَّيْد

بالأحبولة أَو بصدمة الْوُقُوع فِيهَا أَو الْبِئْر المحفورة للصَّيْد أَو ضرب الطير ببندقة فَكل ذَلِك حرَام إِذْ لَا بُد من جارح وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي الْكَلْب إِذا تغشى الصَّيْد فَمَاتَ تَحْتَهُ غما فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه محرم لِأَنَّهُ منخنق وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك يكثر من الْكَلْب وتكليفه العض غير مُمكن فرعان الأول لَو أصَاب الطير الضَّعِيف عرض السهْم وجرحه طرف النصل فَمَاتَ بالجراحة والصدمة فَهُوَ حرَام وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ ببندقة وَسَهْم أَصَابَهُ من راميين فَإِن تردد فِي أَن الْمَوْت بهما أَو بِأَحَدِهِمَا فالمغلب التَّحْرِيم أما إِذا أَصَابَهُ النصل فَلَا يَخْلُو النصل عَن ثقل وتحامل فَذَلِك لَا يمْنَع الْحل الثَّانِي لَو جرح طائرا فانصدم بِالْأَرْضِ وَمَات فَهُوَ حَلَال لِأَن الإحتراز من ذَلِك للطيور غير مُمكن وَلَو وَقع فِي المَاء أَو تدهور من جبل فَمَاتَ بِالْجَمِيعِ فَهُوَ حرَام

لِأَن ذَلِك نَادِر وَإِن وَقع الصَّيْد فِي الْجبَال والبحار فَذَلِك لَا ينْدر فَلَا يبعد تَحْلِيله وَلَكِن قد قَالُوا لَو وَقع من غُصْن إِلَى غُصْن كَذَلِك حَتَّى مَاتَ من الْجراحَة فَهُوَ حرَام لندوره فَيظْهر أَيْضا تَحْرِيمه فِي الْجبَال أما إِذا انْكَسَرَ جنَاحه وَلم ينجرح ثمَّ انصدم بِالْأَرْضِ وَمَات فَهُوَ حرَام إِذْ لم تسبق الْجراحَة الرُّكْن الرَّابِع نفس الذّبْح والإصطياد وَكَيْفِيَّة الذّبْح مَذْكُور فِي الضَّحَايَا وَنَذْكُر الْآن الإصطياد أَعنِي الْإِصَابَة بِآلَة الصَّيْد وَهُوَ كل جرح مَقْصُود حصل الْمَوْت بِهِ أما الْجرْح فَلَا يخفى حَده وَأما الْقَصْد فَلهُ ثَلَاثَة متعلقات الأول أصل الْفِعْل وَلَا بُد مِنْهُ فَلَو سقط السَّيْف من يَده وانجرح بِهِ صيد أَو نصب فِي الأحبولة منجلا فانعقر بِهِ الصَّيْد أَو نصب فِي أَسْفَل الْبِئْر سكينا فانجرح بِهِ أَو كَانَ فِي يَده سكين فاحتكت الشَّاة بِهِ فَالْكل حرَام إِذْ لم يحصل بِفِعْلِهِ بل بِفعل الْحَيَوَان وَلَو كَانَ يُحَرك الْيَد والبهيمة أَيْضا تتحرك حَرَكَة مُؤثرَة غلب التَّحْرِيم وَلذَلِك تضبط الشَّاة حَتَّى لَا تتحرك إِلَّا حَرَكَة يسيرَة لَا تُؤثر وَكَذَلِكَ الْكَلْب إِذا استرسل بِنَفسِهِ لم تحل فريسته لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصير مُضَافا إِلَيْهِ كالآلة باسترساله بإشارته

فروع الأول لَو استرسل بِنَفسِهِ فأغراه فازداد عدوا فَفِي الْحل وَجْهَان فَلَو زَجره فَلم ينزجر فأغراه فازداد عدوا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ الْإِرْسَال من مُسلم والإغراء من مَجُوسِيّ أَو الْعَكْس لَكِن يظْهر أَثَره فِي الْملك ومأخذ الْكل أَن الإفتراس يُحَال على فعله أَو على اغراء المغري وَعَلِيهِ يخرج مَا لَو أغرى أَجْنَبِي كَلْبا استرسل بِإِشَارَة مَالِكه فَإِن أحلناه على الإغراء فقد اصطاد بكلب مَغْصُوب وَفِيه وَجْهَان

أظهرهمَا أَن الصَّيْد للْغَاصِب وَالْكَلب الْمَغْصُوب كالسكين الْمَغْصُوب وَالثَّانِي أَنه يتبع الْكَلْب لَكِن فِي صُورَة الإغراء يظْهر كَونه للْمَالِك وَيحْتَمل الإحالة عَلَيْهِمَا حَتَّى يكون مُشْتَركا هَاهُنَا وَعند إغراء الْمَجُوسِيّ يحرم الثَّانِي إِذا رمى سَهْما وَكَانَ يقصر عَن الصَّيْد فساعدت ريح من وَرَائه وَأصَاب حل وَلَو انصدم بجدار فَارْتَد إِلَى الصَّيْد وجرح فَوَجْهَانِ لِأَن فعله انْتهى لمصادمة الْجِدَار من وَجه وَأما حركات الذّبْح فَلَا تدخل تَحت الضَّبْط فَلَا يلْتَفت إِلَيْهَا الثَّالِث لَو نزع الْقوس ليرمي فَانْقَطع الْوتر وارتمى السهْم فَأصَاب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يحل لِأَنَّهُ حصل بِفِعْلِهِ هُوَ وعَلى وفْق شَهْوَته وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يكن على وفْق قَصده الْمُتَعَلّق الثَّانِي أَن يقْصد جنس الْحَيَوَان فَلَو رمى سَهْما فِي خلْوَة وَهُوَ لَا يقْصد صيدا فَاعْترضَ صيد وَأصَاب حرم وَكَذَا لَو كَانَ يجيل سَيْفه فَأصَاب حلق شَاة

أما نِيَّة الذّبْح فَلَا تشْتَرط بعد تعلق الْقَصْد بِالْعينِ بَيَانه أَنه لَو رمى إِلَى شَيْء ظَنّه حجرا فَإِذا هُوَ صيد فَهُوَ حَلَال وَلَو قطع فِي الظلمَة شَيْئا لينًا قصدا فَإِذا هُوَ حلق شَاة فحلال مَا لم يعْتَقد أَنه حلق آدَمِيّ أَو فعل حرَام فَإِن ظن ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه حَلَال وَلَا يعْتَبر ظَنّه وَمِنْهُم من قَالَ يحرم إِذا اعْتقد ذَلِك وينقدح ذَلِك فِي ظَنّه آدَمِيًّا أَو مَا يحرم ذبحه أما لَو ظَنّه خنزيرا فَيَنْبَغِي أَن يحل قطعا لِأَنَّهُ لم يظنّ تَحْرِيم الذّبْح بل تَحْرِيم اللَّحْم الْمُتَعَلّق الثَّالِث عين الْحَيَوَان فَلَو رمى بِاللَّيْلِ إِلَى حَيْثُ لَا يرَاهُ لَكِن يَقُول رُبمَا يُصِيب صيدا فاتفق أَن أصَاب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا التَّحْرِيم لِأَن تعلق الْقَصْد بالذبيح مَعَ عدم الْإِدْرَاك محَال وَالثَّانِي يحل لِأَنَّهُ قصد الذّبْح وَالثَّالِث أَنه إِن رمى حَيْثُ يغلب وجود الصَّيْد حل وَإِن اتّفق نَادرا فَهُوَ عَبث فَلَا يحل وعَلى هَذَا يخرج رمي الْأَعْمَى واصطياده بالكلب أما إِذا قصد سربا من الظباء وَرمى فَأصَاب وَاحِدًا حل وَإِن لم يقْصد عينه فَإِنَّهُ قصد الْجِنْس وَإِن لم يقْصد الْعين أما الْقصاص فِي مثل هَذِه الصُّورَة فقد يسْقط على رَأْي للشُّبْهَة

وَلَو عين ظَبْيَة من السرب فَمَال السهْم إِلَى غَيرهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يُصِيب ظَبْيَة من غير هَذَا السرب أَو من هَذَا السرب وَلَو قصد حجرا فَأصَاب ظَبْيَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ وَلَو ظن أَن الْحجر ظَبْيَة فَمَال السهْم إِلَى ظَبْيَة فالجواز أولى وَلَو قصد خنزيرا فَمَال إِلَى ظَبْيَة فَوَجْهَانِ وَأولى بِالتَّحْرِيمِ هَذَا بَيَان الْقَصْد أما قَوْلنَا حصل الْمَوْت بِهِ أردنَا بِهِ أَنه لَو أصَاب فَمَاتَ الصَّيْد بصدمة أَو افتراس سبع لم يحل وَكَذَلِكَ لَو غَابَ عَن بَصَره فأدركه مَيتا وَعَلِيهِ أثر صدمة أَو جِرَاحَة أُخْرَى حرم وَإِن لم يظْهر أثر آخر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحل فَإِنَّهُ لَا يدْرِي إِذْ لم يمت بَين يَدَيْهِ وَالثَّانِي أَنه يحل حِوَالَة على السَّبَب الظَّاهِر وَلذَلِك توجب غرَّة الْجَنِين وَالْقصاص بِالْجرْحِ وَإِن أمكن الْمَوْت فَجْأَة بِسَبَب آخر أما التَّسْمِيَة فَلَيْسَتْ شرطا عندنَا للذبح والإصطياد وَلَكِن تسْتَحب عِنْد الذّبْح وَعند الرَّمْي وَعند إرْسَال الْكَلْب فَلَو سمى عِنْد عض الْكَلْب فَفِي تأدي الإستحباب بِهِ خلاف

النّظر الثَّانِي من الْكتاب فِي أَسبَاب الْملك وَفِيه فصلان الأول فِي السَّبَب وَهُوَ إبِْطَال مَنْعَة الصَّيْد بِإِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ أَو رده إِلَى مضيق لَا يتَخَلَّص أَو إزمانه أَو قصّ جنَاحه أما إِذا اضطره إِلَى مضيق لَهُ مخلص فَأَخذه غَيره فَهُوَ للآخذ ثمَّ الْأَسْبَاب الَّتِي تقيد الْملك تَنْقَسِم فِيمَا يعْتَاد ذَلِك بِهِ كالشبكة فَيَكْفِي وُقُوع الصَّيْد فِيهِ لحُصُول الْملك أما مَا لَا يعْتَاد كَمَا لَو تحل الصَّيْد فِي زرع سقَاهُ لَا للصَّيْد أَو دخل دَاره أَو عشش الطَّائِر فِي دَاره فَالْمَذْهَب أَن الْملك لَا يحصل بِمُجَرَّدِهِ وَإِن كَانَت تَحت قدرته لِأَنَّهُ لم يَقْصِدهُ نعم هُوَ أولى بِهِ لَكِن لَو أَخذه غَيره كَانَ كَمَا لَو أَحْيَا أَرضًا يحجرها غَيره وَهَاهُنَا أولى بِحُصُول الْملك لِأَن التحجر مُقَدّمَة الْإِحْيَاء فَهُوَ قصد مَا وَبِنَاء الدَّار لَيْسَ بِقصد للصَّيْد وَلَو قصد بِبِنَاء الدَّار تعشيش الطَّائِر فَهَل يملكهُ فِيهِ وَجْهَان لِأَن هَذَا سَبَب غير مُعْتَاد وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجها أَنه يملك بِدُخُول ملكه وَإِن لم يقْصد وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ إِن قُلْنَا لم يملك فَلَو أغلق الْبَاب قصدا ملك وَإِن كَانَ عَن وفَاق فَلَا وَلَو انْسَلَّ عَن

يَده شبكة فتعقل بهَا صيد فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو دخلت سَمَكَة بركَة إِنْسَان فَإِن سد المنافذ وَهُوَ ضيق ملك وَإِن كَانَ وَاسِعًا لم يملك وَنزل منزلَة التحجر هَذَا هُوَ سَبَب الْملك أما زَوَاله فَلَا يَزُول الْملك بانفلات الصَّيْد عَن يَده أَو عَن شبكته وَلَا بِإِطْلَاقِهِ إِيَّاه وَلَو قصد تحريره فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن ملكه قَائِم كَمَا لَو أعتق حِمَاره وَالثَّانِي أَنه يَزُول لِأَن للصَّيْد مَنْعَة واستقلالا وَلَو أعرض عَن كسرة خبز فاخذها غَيره فَهَل يملك فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يملك

وَلَو أعرض عَن إهَاب ميتَة فدبغها إِنْسَان فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يملك لِأَن الْملك كالمستحدث بالدباغ فرع إِذا اخْتَلَط حمام برج مَمْلُوك بحمام برج آخر وعسر التَّمْيِيز فَلَيْسَ لكل وَاحِد بيع شَيْء مِنْهُ إِلَّا أَن يَبِيع من صَاحبه فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه جَوَازه مَعَ عسر التَّعْيِين الْحَاجة وَلَو توافقا على بيع الْكل أَو الْبَعْض من ثَالِث وَكَانَا يعلمَانِ الْعدَد أَو الْقيمَة حَتَّى يوزع عَلَيْهِ جَازَ وَإِن جهل ذَلِك لم يجز إِذْ لَا يدْرِي حِصَّة كل وَاحِد والصفقة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد البَائِع وَإِن تصالحا على شَيْء صَحَّ البيع وَاحْتمل الْجَهْل بِقدر الْمَبِيع أما إِذا اخْتَلَط حمامات مَمْلُوكَة بحمام بَلْدَة مَا فَلَا يحرم الصَّيْد إِذا كَانَ الْمُبَاح غير مَحْصُور وَإِن اخْتَلَط بمباح مَحْصُور حرم كأخت من الرَّضَاع اخْتلطت بنسوة وَإِن اخْتَلَط حمامات بَلْدَة لَا تحصى بحمام بَلْدَة لَا تحصى فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نِسْبَة مَا لَا يُحْصى إِلَّا مَا لَا يُحْصى كنسبة المحصى إِلَى المحصى

الْفَصْل الثَّانِي فِي الإزدحام على الصَّيْد وَله أَحْوَال إِحْدَاهَا فِي التَّعَاقُب فِي الْإِصَابَة فَإِذا رميا صيدا فَأصَاب وَأَحَدهمَا مزمن وَالْآخر جارح فالصيد للمزمن فَإِن سبقته الْجراحَة فَلَا شَيْء على الْجَارِح وَإِن لحقت فقد جرحت صيد الْغَيْر فَعَلَيهِ أرش النُّقْصَان إِن لم يذفف وَإِن ذففه وَكَانَ فِي الصَّيْد حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَلم يصب التذفيف المذبح فَهِيَ ميتَة وَعَلِيهِ قِيمَته لانه ذبح فِي حَيَوَان مَقْدُور عَلَيْهِ فِي غير المذبح وَإِن أصَاب المذبح حل وَهَاهُنَا أدنى نظر إِذْ من رمى شَاة فَأصَاب حلقه فَفِي حُصُول الْحل احْتِمَال لَا سِيمَا إِذا لم يقْصد المذبح لَكِن أَصَابَهُ وَلَعَلَّ الْأَظْهر حلّه أما إِذا لم يكن الْجرْح الثَّانِي مذففا وَوَقع على غير المنحر وَترك الصَّيْد حَتَّى مَاتَ بالجرحين فَفِي الْقدر الْوَاجِب من الضَّمَان على الثَّانِي نظر يَنْبَنِي على مَسْأَلَة وَهُوَ أَنه لَو جرح عبدا أَو بَهِيمَة قِيمَته عشرَة جِرَاحَة أَرْشهَا دِينَار فجرح آخر بعده مَا أَرْشه أَيْضا دِينَار وَمَات من الجرحين فَفِيمَا يجب عَلَيْهِمَا خَمْسَة أوجه لَا يَنْفَكّ وَجه عَن إِشْكَال الأول أَنه يجب على الأول خَمْسَة لِأَنَّهُ شريك فِي عبد كَانَ قِيمَته عِنْد جِنَايَته عشرَة وعَلى الثَّانِي أَرْبَعَة وَنصف لِأَنَّهُ شريك فِي عبد كَانَ قِيمَته عِنْد جراحته تِسْعَة وَهَذَا بَاطِل قطعا لِأَن فِيهِ تَضْييع نصف دِينَار على الْمَالِك إِذْ كَانَ قيمَة العَبْد عشرَة وَقد فَاتَ بجنايتهما وَالثَّانِي أَنه يجب على كل وَاحِد خَمْسَة وَهَذَا أَيْضا بَاطِل لِأَن التَّسْوِيَة بَين الثَّانِي وَالْأول محَال وَكَانَ وَقت جِنَايَة الثَّانِي قِيمَته تِسْعَة فَكيف يغرم أَكثر من أَرْبَعَة وَنصف

وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال أَن على الأول خَمْسَة من حَيْثُ هُوَ شريك وَعَلِيهِ أَيْضا نصف دِينَار وَهُوَ نصف أرش جِنَايَته لِأَنَّهُ حصل مِنْهُ نصف الْقَتْل فَلَا ينْدَرج تَحْتَهُ إِلَّا نصف الْأَرْش وَيبقى النّصْف الآخر وعَلى الثَّانِي خَمْسَة وَنصف دِينَار وَهُوَ نصف أرش جراحته وَأَرْبَعَة وَنصف هُوَ نصف قيمَة العَبْد عِنْد جِنَايَته وَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا إِلَّا زِيَادَة على الْعشْرَة وَذَلِكَ لَا يبعد إِذْ لَو قطع يَدي عبد وَقَتله غَيره كَانَ مَا يجب عَلَيْهِمَا أَكثر من الْقيمَة وَهَذَا فَاسد لما فِيهِ من الزِّيَادَة وَلِأَن الْأَرْش لَا يعْتَبر عِنْد سرَايَة الْجِنَايَة أصلا سَوَاء كَانَ الْجرْح مَعَ شريك أَو لم يكن الرَّابِع قَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة مَا ذكره الْقفال صَالح لِأَن نجعله أصلا للْقِسْمَة حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَة فتتبسط الْأَجْزَاء آحادا فَيكون الْمَجْمُوع أحدا وَعشْرين جُزْءا فتبسط الْعشْرَة عَلَيْهَا فَيجب على الأول أحد عشر جُزْءا من أحد وَعشْرين جُزْءا من عشرَة وعَلى الثَّانِي عشرَة أَجزَاء من أحد وَعشْرين جُزْءا من عشرَة وَلَا يُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَة وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ بِنَاء على تَمْيِيز الْأَرْش واعتباره مَعَ سرَايَة الْجِنَايَة الْخَامِس وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام وَصَاحب التَّقْرِيب أَن الثَّانِي لَا يلْزمه أَكثر من أَرْبَعَة وَنصف أما الأول فَعَلَيهِ خَمْسَة وَنصف لإتمام الْقيمَة لِأَنَّهُ كَانَ تسبب إِلَى الْفَوات لَوْلَا الثَّانِي فَمَا لَا يُمكن تَقْرِيره على الثَّانِي يبْقى عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضا لَا يَخْلُو عَن محَال

وَلكنه أقرب أما الزِّيَادَة على الْعشْرَة أَو النُّقْصَان مِنْهَا أَو التَّسْوِيَة بَين الشَّرِيكَيْنِ فَظَاهر الْبطلَان الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو صدر إِحْدَى الجراحتين من السَّيِّد جرت الْوُجُوه لَكِن مَا يُقَابل جِنَايَة السَّيِّد فَهُوَ مهدر وَالْبَاقِي يجب رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَة الصَّيْد مِنْهُم من قَالَ هُوَ كالسيد وَالْأَجْنَبِيّ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ يجب الْجَمِيع على الثَّانِي لِأَن فعل الْمَالِك فِي الصَّيْد لَيْسَ إفسادا بل هُوَ سَبَب حل وَقد صَار إفسادا بِجِنَايَة الثَّانِي وَأما فعل السَّيِّد فإفساد وَالصَّحِيح هُوَ وَجه ثَالِث وَهُوَ أَنه إِن قدر الْمَالِك على مبادرة الذّبْح فَلم يفعل حَتَّى مَاتَ بالجرحين فَفعله إِفْسَاد فَهُوَ كالسيد وَإِن لم يقدر فَفعله مخل فعلى الثَّانِي تَمام قيمَة الصَّيْد المزمن فَلَو كَانَ غير مزمن يسوى عشرَة ومزمنا تِسْعَة قَالَ الْأَصْحَاب يجب تِسْعَة واستدرك

صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ لَو كَانَ مذبوحا يسوى ثَمَانِيَة فَيلْزمهُ الثَّمَانِية وَلَكِن الدِّرْهَم الَّذِي نقص بِالذبْحِ يَنْبَغِي أَن يعْتَبر فِيهِ شركَة الْمَالِك فَإِن فعل الْمَالِك إِن لم يعْتَبر فِي الْإِفْسَاد فَإِنَّهُ شريك فِي الذّبْح وَهُوَ استدارك حسن الْحَالة الثَّانِيَة أَن يصيبا مَعًا فالصيد بَينهمَا إِن تَسَاويا فِي التذفيف والإزمان أَو عَدمه وَإِن كَانَ أَحدهمَا لَو انْفَرد لأزمن وَالثَّانِي لم يزمن قَالَ الصيدلاني فالصيد لمن يزمن وَلَا ضَمَان على الثَّانِي لِأَنَّهُ لم تتأخر الْجراحَة عَن الْملك وَلَو كَانَ أَحدهمَا مذففا وَالْآخر مزمنا فَهُوَ كَمَا لَو كَانَ مذففين أَو مزمنين فَهُوَ لَهما إِذْ لكل وَاحِد عِلّة مُسْتَقلَّة بالتملك وَإِن احْتمل أَن يكون الإزمان بهما أَو بِأَحَدِهِمَا فَإِن كَانَ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يدْرِي بِأَيِّهِمَا فالصيد بَينهمَا وَلَكِن لَا بُد أَن يسْتَحل أَحدهمَا الآخر تباعدا عَن الشُّبْهَة وَلَو علمنَا أَن أَحدهمَا مذفف وشككنا فِي الآخر قَالَ الْقفال هُوَ بَينهمَا وَزَاد فَقَالَ فِي مثل هَذِه الصُّورَة يجب الْقصاص على الجارحين وَهَذَا فِي الْقصاص بعيد مَعَ الشُّبْهَة وَالْحق هَاهُنَا أَن النّصْف للمذفف يَقِينا وَالنّصف الآخر مَوْقُوف بَينهمَا فَإِن أيسنا عَن التَّبْيِين فَالْوَجْه قسْمَة النّصْف الآخر حَتَّى يفوز المذفف بِثَلَاثَة أَربَاع الصَّيْد

الْحَالة الثَّالِثَة علمنَا تعاقب الجرحين وَأَحَدهمَا مزمن وَالْآخر مذفف وَلَا نَدْرِي سبق الإزمان فَحرم بالتذفيف بعده أَو هُوَ أَو بِالْعَكْسِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا الْقطع بِالتَّحْرِيمِ تَغْلِيبًا للحظر

وَالثَّانِي طرد الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَة الإنماء وَالأَصَح الأول أما فِي مَسْأَلَة الإنماء فَلم نشاهد إِلَى السَّبَب الْمُحَلّل وَالْآخر موهوم وَأما هَاهُنَا فَلَيْسَ كَذَلِك الْحَالة الرَّابِعَة ترَتّب الجرحان وَحصل الإزمان بهما قَالَ الصيدلاني الصَّيْد بَينهمَا وَهُوَ الْقيَاس وَقَالَ غَيره هُوَ للثَّانِي إِذْ حصل الإزمان عَقِيبه وَالْأول ساع لقاعد فعلى هَذَا لَو عَاد الأول وجرح ثَانِيًا فجرحه الأول مهدر وجرحه الثَّانِي مضمن وَقد فسد الصَّيْد بالجراحات الثَّلَاث كلهَا فَفِي قدر الْوَاجِب طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يجب قيمَة الصَّيْد وَبِه الْجراحَة الأولى فَإِنَّهُ هدر والجراحة الثَّانِيَة فَإِنَّهَا من الْمَالِك وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كَمَا لَو جرح عبدا مُرْتَدا فَأسلم فجرحه سَيّده ثمَّ عَاد الأول وجرح ثَانِيًا فَفِيمَا يلْزمه وَجْهَان أَحدهمَا ثلث الدِّيَة توزيعا على حَالَة الإهدار والعصمة ثمَّ قسْمَة حِصَّة الْعِصْمَة على الجراحتين وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي الْقصاص فَكَذَلِك هَاهُنَا وَالله تَعَالَى أعلم

كتاب الضَّحَايَا

عدل

الضَّحَايَا من الشعائر وَالسّنَن الْمُؤَكّدَة فالضحية بِذبح شَيْء من النعم يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عظموا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا على الصِّرَاط مَطَايَاكُمْ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تجب على كل مُقيم ملك نِصَابا وَعِنْدنَا لَا تلْزم إِلَّا بِالنذرِ أَو بِأَن يَقُول جعلت هَذِه الشَّاة أضْحِية وَلَو اشْتَرَاهَا بنية الضحية لم تلْزمهُ بِمُجَرَّد النِّيَّة ثمَّ من عزم على التَّضْحِيَة يسْتَحبّ لَهُ أَن لَا يحلق وَلَا يقلم فِي عشر ذِي الْحجَّة لَا

للتشبيه بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع من الطّيب لَكِن على أكمل أَجْزَائِهِ إِذْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أكبر ضحيتك يعْتق الله بِكُل جُزْء مِنْهَا جُزْءا مِنْك من النَّار وَالنَّظَر فِي أَرْكَان التَّضْحِيَة وأحكامها والأركان أَرْبَعَة الذَّبِيح والذابح وَالذّبْح وَالْوَقْت الرُّكْن الأول الذَّبِيح النّظر فِي جنسه وَصفته وَقدره أما الْجِنْس فَلَا يجزىء إِلَّا النعم وَهُوَ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَأما السن فَهُوَ الْجَذعَة من الضَّأْن وَهِي الَّتِي استكملت سنة وطعنت فِي الثَّانِيَة والثنية من الْمعز وَالْبَقر وَهِي الَّتِي طعنت فِي الثَّالِثَة والثني من الْإِبِل وَهِي الَّتِي فِي السَّادِسَة وَهَذِه الْأَسْنَان فِيهَا بُلُوغ هَذِه الْحَيَوَانَات فَإِنَّهَا لَا تحمل

وَلَا تنزو قبلهَا وَقد ورد الْخَبَر بهَا وَيَسْتَوِي الذّكر وَالْأُنْثَى بالِاتِّفَاقِ وَأما الصِّفَات فَلَا يجزىء النَّاقِص وَالنُّقْصَان يَنْقَسِم إِلَى نُقْصَان صفة وَإِلَى نُقْصَان جُزْء أما نُقْصَان الصّفة فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَربع لَا تجزىء العوراء الْبَين عورها والعرجاء الْبَين عرجها والمريضة الْبَين مَرضهَا والعجفاء الَّتِي لَا تنقي أَي لَا نقي لَهَا وَهُوَ المخ وَنهي عَن الثولاء وَهِي الْمَجْنُونَة الَّتِي تستدير فِي المرعى وَلَا ترعى فَلَا بُد من بَيَان هَذِه الصِّفَات أما الْمَرَض إِذا لم يفض بعد إِلَى الهزال لكنه فِي الإبتداء فَالظَّاهِر الْمَنْع للْحَدِيث وَفِيه

وَجه أَنه إِنَّمَا يُؤثر إِذا ظهر بهَا الهزال والجرباء إِن كثر جربها وَفَسَد اللَّحْم فَيمْنَع ومبادئه لَا يُؤثر وَأما العرج فأدنى درجاته مَا يمْنَع من كَثْرَة التَّرَدُّد فِي المرعى وَمَا دون ذَلِك لَا يمْنَع وَلَو انْكَسَرَ رجلهَا وَقد أضجعت للتضحية باضطرابها فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجزىء للْحَدِيث وَالثَّانِي تجزىء لِأَن مَا يكون من مُقَدمَات الذّبْح لَا يعْتَبر وَأما العور فَلَا يقْدَح مَا دَامَت ترى بالعينين وَإِن كَانَ عَلَيْهَا سَواد فَإِن زَالَت الرُّؤْيَة بالفقء فَلَا تجزىء وَإِن كَانَ مَعَ بَقَاء الحدقة فَالظَّاهِر الْمَنْع للْحَدِيث وَقَالَ أَبُو الطييب بن سَلمَة فَإِنَّهُ لَا يُؤثر فِي الهزال وَلَا فِي ظَاهر الصُّورَة وَيلْزمهُ العمياء أَيْضا إِلَّا أَن الْعَمى يُؤثر فِي الهزال عى قرب بِخِلَاف العوراء وَأما الْعَجْفَاء فَهِيَ الَّتِي يأباها المترفهون فِي حَالَة رخاء الأسعار ولركاكة لَحمهَا وَقيل لَا يُؤثر ذَلِك

وَأما الثولاء فَإِنَّهَا لَا تجزىء لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الهزال على قرب وللتعبد أَيْضا وَأما الْأُنْثَى والفحل وَإِن كثرت وِلَادَتهَا ونزوانها فتجزىء إِلَّا أَن يتفاحش الهزال بِهِ وَلَا يمْنَع مِنْهُ كَون لَحْمه مستكرها وَأما الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة فقد نهى عَنْهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أمرنَا باستشراف الْعين وَالْأُذن أَي يَتَأَمَّلهَا وَطلب سلامتها والخرقاء هِيَ المخروقة الْأذن والشرقاء هِيَ المشقوقة الْأذن والمقابلة هِيَ الَّتِي قطعت فلقَة من أذنها فتدلت من قبالة أذنها والمدابرة مَا تدلت من دبر أذنها وَفِي جملَة ذَلِك طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا الْجَوَاز للْقِيَاس وَالثَّانِي الْمَنْع لنهي عَليّ رَضِي الله عَنهُ

وَمِنْهُم من قَالَ جَمِيع ذَلِك يجزىء إِلَّا إِذا قطع مُعظم الْأذن أَو الْقدر الَّذِي يظْهر على بعد فَذَلِك نُقْصَان فِي عُضْو يقْصد أكله وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المصلومة والمستأصلة وَإِن قطع قدر يسير من الْأذن فَوَجْهَانِ وَقدر أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِثلث الْأذن وَقدر أَبُو يُوسُف رَحمَه الله بِالنِّصْفِ وَللشَّافِعِيّ رضوَان الله عَلَيْهِ اخْتِلَاف نَص فِي الَّتِي لَا أذن لَهَا فَقيل إِن كَانَ صَغِيرا فِي الْخلقَة جَازَ وَإِن كَانَت سكاء فَلَا فَأَما نُقْصَان الْأَجْزَاء فلهَا صور

الأولى مَا يقتطعه الذِّئْب من فَخذ الشَّاة فَيمْنَع الْإِجْزَاء لِأَنَّهُ عُضْو أُصَلِّي وَلَو اقتلع أليته فَوَجْهَانِ وَلَو لم تكن لَهَا ألية فِي الْخلقَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ وَوجه الْجَوَاز أَن الْمعز لَا ألية لَهُ ويجزىء وَلَكِن قد يُجَاب بِأَن كَثْرَة شحمه بدل عَنهُ الثَّانِيَة الصَّغِيرَة الضَّرع تجزىء وَفِي المقطوعة طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالألية وَالْآخر أَنه تجزىء لِأَنَّهُ لَيْسَ من الأطايب الْمَقْصُودَة فَهُوَ كالخصاء فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الْإِجْزَاء قطعا الثَّالِثَة نُقْصَان الْقرن وانكساره لَا يُؤثر وَكَذَا تناثر الْأَسْنَان إِذْ لَا يُؤثر فِي اللَّحْم وَلم يرد فَهِيَ حَدِيث بِخِلَاف الْأذن وَقيل إِن تناثر جَمِيع الْأَسْنَان لَا يجزىء وَإِن تناثر بعضه أَجْزَأَ وَهُوَ بعيد وَأما الْقدر فالشاة لَا تجزىء إِلَّا عَن وَاحِد وَلَو اشْترك اثْنَان فِي شَاة لم يجز نعم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ضحى هَذَا عَن مُحَمَّد وَأمة مُحَمَّد وَهَذَا اشْتِرَاك فِي الثَّوَاب وَهُوَ

جَائِز وَلَو اشْتَركَا فِي شَاتين مشاعين مِنْهُمَا فَوَجْهَانِ والبدنة تجزىء عَن سَبْعَة وَكَذَا الْبَقَرَة وَلَو وَجب عَلَيْهِ سبع شِيَاه بأساب مُخْتَلفَة أَجزَأَهُ بَدَنَة أَو بقرة إِلَّا أَن يكون من جَزَاء الصَّيْد إِذْ يُرَاعى فِيهِ مشابهة الصُّورَة فَلَا يتجزىء الْبَدنَة عَن سبع ظباء وَلَا يشْتَرط فِي الإشتراك فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة أَن يَكُونُوا من أهل بَيت وَاحِد خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَلَا أَن يَكُونُوا بأجمعهم متقربين خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لَكِن من

يطْلب اللَّحْم يقاسم إِذا قُلْنَا الْقِسْمَة إِفْرَاز وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع فَوَجْهَانِ وَوجه الْجَوَاز الْحَاجة هَذَا بَيَان الْوَاجِب أما الإستحباب فالضأن أحب من الْمعز وَسبع من الْغنم أحب من بقرة وبدنة والبدنة أحب من الْبَقَرَة والأبيض أحب من الْأسود وَفِي الْخَبَر لدم عفراء أحب عِنْد الله من دم سوداوين وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْأُنْثَى أحب من الذّكر فَقيل أَرَادَ بِهِ فِي جَزَاء الصَّيْد إِذْ يطْلب مِنْهُ الْقيمَة وَقِيمَة الْأُنْثَى أَكثر وَإِلَّا فلحم الذّكر أطيب فَهُوَ أولى وَقيل أَرَادَ الْأُنْثَى الَّتِي لم تَلد فلحمها أطيب من الذّكر وعَلى الْجُمْلَة يسْتَحبّ اسْتِحْسَان الضحية واستسمانها تَعْظِيمًا للشعائر فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب و {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} الرُّكْن الثَّانِي الْوَقْت وَلَا تجزىء الضحية إِلَّا فِي يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَدِمَاء الجبرانات فِي الْحَج لَا تخْتَص بِوَقْت وَفِي منذورات دِمَاء الْحَج خلاف ثمَّ النّظر فِي أول الْوَقْت وَآخره وأوله إِذا مضى من يَوْم النَّحْر بعد طُلُوع الشَّمْس مِقْدَار مَا تَزُول كَرَاهِيَة الصَّلَاة وتسع رَكْعَتَيْنِ وخطبتين ثمَّ فِي وَجه تعْتَبر رَكْعَتَانِ يقْرَأ فيهمَا ق و

اقْتَرَبت وخطبتين طويلتين كَذَلِك فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي وَجه تَكْفِي رَكْعَتَانِ خفيفتان وخطبتان خفيفتان لَكِن لَا يَنْتَهِي إِلَى القناعة بِأَقَلّ مَا يجزىء وَقَالَ المراوزة يعْتَبر فِي الْخطْبَة الخفة وَإِنَّمَا الْخلاف فِي خفَّة الرَّكْعَتَيْنِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام قصر الْخطْبَة وَطول الصَّلَاة مئنة عَن فقه الرجل وَقيل الْخطْبَة لَا تعْتَبر أصلا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْن وآما آخِره فغروب الشَّمْس من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَتَصِح التَّضْحِيَة فِي هَذِه الْأَيَّام لَيْلًا وَنَهَارًا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا تجزىء بِاللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تجزىء فِي الثَّالِث من أَيَّام التَّشْرِيق

ثمَّ من فَاتَهُ فلامعنى لقضائه فَإِنَّهُ لَا بُد من الصَّبْر إِلَى الْعِيد الثَّانِي وَعند ذَلِك يَقع عَن حق الْوَقْت الرُّكْن الثَّالِث الذَّابِح وكل من حل ذَبِيحَته صَحَّ مُبَاشَرَته للتضحية لَكِن لَا يتَصَوَّر الضحية من العَبْد والمستولدة وَالْمُدبر إِذْ لَا ملك لَهُم على الصَّحِيح وَلَا تصح من الْمكَاتب بِغَيْر إِذن سَيّده وبإذنه وَجْهَان وَلَو وكل كتابيا بِذبح الضحية دون النِّيَّة جَازَ وَعَلِيهِ أَن يَنْوِي كَمَا لَو وَكله بأَدَاء الزَّكَاة جَازَ إِذا نوى هُوَ وَيسْتَحب أَن يتَوَلَّى الذّبْح بِنَفسِهِ فَإِن عجز فَيشْهد ضحيته وَيَنْوِي عِنْد الذّبْح وَلَو وكل مُسلما بِالذبْحِ وَالنِّيَّة جَازَ الرُّكْن الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الذّبْح وَالنَّظَر فِي الْوَاجِبَات وَالسّنَن وَمَا يخص الضَّحَايَا أما الْوَاجِبَات فَهُوَ التذفيف بِقطع تَمام الْحُلْقُوم والمريء بِآلَة لَيْسَ بِعظم من حَيَوَان فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة

أما الْقطع فاحترزنا بِهِ عَن اختطاف رَأس العصفور ببندقة فَإِنَّهُ لَا يُبِيح وَأما الْحُلْقُوم والمريء فظاهران وبقطعهما يَنْقَطِع الودجان وَلَكِن لَو تكلّف وَلم يقطعهما جَازَ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يجوز وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هَذِه أَرْبَعَة فَيَكْفِي قطع ثَلَاثَة مِنْهَا وَلَا يَكْفِي قطع اثْنَيْنِ وَأما التَّمام فاحترزنا بِهِ عَمَّا لَو بَقِي من الْحلق جلدَة يسيرَة فَانْتهى الْحَيَوَان إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح ثمَّ قطع بعده فَهُوَ حرَام وَلَو قطع من الْقَفَا وأسرع حَتَّى لم ينْتَه إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح

قبل قطع المذبح فَهُوَ جَائِز وَأما التذفيف أردنَا بِهِ أَنه لَو ابْتَدَأَ الذّبْح وابتدأ غَيره نزع الحشوة مِنْهُ فَهُوَ ميتَة وَكَذَلِكَ كل جرح يقارن الذّبْح ويؤثر فِي التذفيف أما الْعظم فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ حَتَّى يحرم الصَّيْد الْمَجْرُوح بِسَهْم نصله من الْعظم وَأما الْحَيَاة المستقرة فَلَا بُد مِنْهَا وَلَو أخرجنَا شَاة من مَاء أَو تَحت هدم وَبهَا حَرَكَة الْمَذْبُوح فَلَا نُبيح ذَبحهَا فَلَو شككنا فِي أَن حَيَاتهَا كَانَت مُسْتَقِرَّة أم لَا فَالْوَجْه تَغْلِيب التَّحْرِيم فَإِن غلبت على الظَّن بعلامات اسْتِقْرَار حَيَاته حل وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله من علامته أَن يَتَحَرَّك بعد الذّبْح وَقيل أَن ينفرج الدَّم وَلَيْسَت هَذِه عَلَامَات قَاطِعَة فقد تخرج حشْوَة

الْمَذْبُوح وَهُوَ يَتَحَرَّك بعد لَكِن جملَة من هَذِه العلامات مَعَ قَرَائِن أَحْوَال لَا يُمكن وصفهَا قد تحصل ظنا غَالِبا فَيُؤْخَذ بِهِ مَعَ أَن الأَصْل بَقَاء الْحَيَاة أما السّنَن فَيُسْتَحَب تَحْدِيد الشَّفْرَة والتحامل عَلَيْهَا بِالْقُوَّةِ وإسراع الْقطع وتوجيه الذَّبِيح نَحْو الْقبْلَة كَمَا جرت الْعَادة وَالتَّسْمِيَة وَلَا بَأْس أَن يَقُول بِسم الله وَمُحَمّد رَسُول الله بِالرَّفْع وَلَا يجوز أَن يَقُول بِسم مُحَمَّد وَلَا أَن يَقُول بِسم الله وَمُحَمّد رَسُول الله فَإِنَّهُ تشريك وَيسْتَحب ذبح الْبَعِير فِي اللبة فَإِن ذبحه يطول عَلَيْهِ الْعَذَاب لطول عُنُقه ثمَّ النَّحْر فِي اللبة بِقطع الْحلق والمريء أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ترك التَّسْمِيَة عَامِدًا محرم

أما مَا يخص بالضحية فَأن يَقُول اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتقبل مني وَلَا بُد من نِيَّة الضحية عِنْد الذّبْح إِلَّا أَن يكون قد عين الشَّاة للضحية من قبل فَالْمَذْهَب أَن تِلْكَ النِّيَّة تكفيه وصريح لفظ التَّعْيِين أَن يَقُول جعلت هَذِه ضحية أما لَو قَالَ لله عَليّ ضحية ثمَّ قَالَ عينت هَذِه الشَّاة لنذري فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِهَذِهِ الشَّاة فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالتَّعْيِينِ وَكَذَا الْخلاف فِي نَظِيره من الْعتْق وَالْعَبْد بِالتَّعْيِينِ أولى لِأَنَّهُ ذُو حق فِيهِ وَوجه قَوْلنَا لَا يتَعَيَّن أَن الْحق قد ثَبت فِي الذِّمَّة فَلَا يتَحَوَّل عَنْهَا إِلَى الْعين إِلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَو قَالَ جعلت هَذِه الدَّرَاهِم صَدَقَة فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان وَلَو كَانَ عَلَيْهِ نذر فَقَالَ جعلت هَذِه عَن نذري لَغَا تَعْيِينه لضعف اللَّفْظ وَالْغَرَض فِي التَّعْيِين وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق على هَذَا الشَّخْص فَهَذَا أولى بِالتَّعْيِينِ من تعْيين الدَّرَاهِم بل هُوَ قريب من الْعتْق ثمَّ إِذا تعين الشَّاة اخْتصَّ بِوَقْت الضحية وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِشَاة فَفِي تعْيين الْوَقْت وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه يشبه دِمَاء الجبرانات لكَونه فِي الذِّمَّة وَالصَّحِيح أَن ذكر وصف الضحية يُوجب تعْيين الْوَقْت فَإِن قُلْنَا لَا يتَعَيَّن الْوَقْت فَلَو قَالَ جعلت هَذِه الشَّاة عَن جِهَة نذري فَفِي التَّأْقِيت وَجْهَان وَالْقِيَاس أَن لَا يلْزم لِأَنَّهُ عين عَن جِهَة مَا الْتزم

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب النّظر فِي أَحْكَام الضَّحَايَا وَهِي ثَلَاثَة الأول التّلف فَإِذا قَالَ جعلت هَذِه الشَّاة ضحية فَمَاتَتْ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون قد عينهَا عَن نذر سَابق وَقُلْنَا إِنَّهَا تتَعَيَّن فَفِي وَجه أَنه كَانَ تَعْيِينه بِشَرْط الْوَفَاء فَإِن مَاتَت فَعَلَيهِ الْإِبْدَال وَأما إِذا أتلفهَا أَجْنَبِي فَعَلَيهِ قيمتهَا يَشْتَرِي بهَا ضحية فَإِن لم يَفِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّكْمِيل أما الْمَالِك إِذا أتلف فَفِي وجوب التَّكْمِيل وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه كالملتزم للضحية والشقص لَا يجزىء فَلَا بُد من الْإِتْمَام وَإِن زَادَت الْقيمَة فيشتري بهَا كَرِيمَة وَإِن تعذر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَشْتَرِي بِهِ شقص للضَّرُورَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَا غرمه الْأَجْنَبِيّ أقل من ضحية وَالثَّانِي أَنه يصرف مصرف الضَّحَايَا حَتَّى لَو اشْترى مِنْهُ خَاتمًا يقتنيه وَلَا يَبِيعهُ جَازَ

هَذَا فِي الإهلاك أما إِذا ذبحه أَجْنَبِي فِي وَقت الضحية فَحَيْثُ لَا تشْتَرط النِّيَّة اكْتِفَاء بِالتَّعْيِينِ السَّابِق فقد وَقع الْموقع وَإِن قُلْنَا لَا بُد من النِّيَّة فقد فَاتَت الْقرْبَة وَفِي لَحْمه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعود إِلَى مَالِكهَا وتنقل عَنهُ الضحية وعَلى الذَّابِح أرش نُقْصَان الذّبْح وَالثَّانِي أَنه يصرف مصرف الضحية وَإِن لم تكن ضحية وَإِنَّمَا تفوت الْقرْبَة دون الإستحقاق وَلَا يجب على الْأَجْنَبِيّ إِلَّا نُقْصَان الذّبْح وَحَيْثُ قُلْنَا يَقع الْموقع فَفِي لُزُوم أرش الذّبْح قَولَانِ أَحدهمَا نعم لعدوانه وَالثَّانِي لَا لتأدي الْوَاجِب بِهِ هَذَا إِذا لم يفرق الْأَجْنَبِيّ اللَّحْم فَإِن فرق فاللحم مسترد مِمَّن أَخذه لِأَن التَّعْيِين إِلَى المضحي فَإِن تعذر فعلى الذَّابِح قيمَة اللَّحْم وَأرش الذّبْح جَمِيعًا وَإِنَّمَا سقط أرش الذّبْح على قَول إِذا تأدت الْقرْبَة بِهِ والآن فقد فَاتَ بتفريقه ثمَّ فِي كَيْفيَّة تغريم كل من ذبح شَاة غَيره وَأكل لَحْمه وأتلف قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه تجب قيمتهَا حَيَّة وَالثَّانِي أَنه يجب أرش نُقْصَان الذّبْح وَقِيمَة اللَّحْم لِأَنَّهُ ذبح ملكه وَأكل ملكه وَهَذَا قد يَقْتَضِي زِيَادَة قيمَة الحكم الثَّانِي التعيب وَمهما لم يلْزمه شَيْء بالتلف فَلَا يلْزمه بالتعيب وَلَكِن لَو كَانَ الْعَيْب بِحَيْثُ يمْنَع الْإِجْزَاء فِي الضحية فَهَل يَنْفَكّ عَن الضحية وَالشَّاة مُعينَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا نعم كالتلف وَالثَّانِي لَا بل تجْرِي مجْرى الضَّحَايَا وَلَو قَالَ ابْتِدَاء لشاة مَعِيبَة جعلت هَذِه أضْحِية وَجب صرفهَا إِلَى مصرف الضَّحَايَا على الصَّحِيح إِذْ لَا محمل لكَلَامه إِلَّا هَذَا وَلَو قَالَ لظبية جعلت هَذِه أضْحِية لَغَا قَوْله وَلَو قَالَ لفصيل فَوَجْهَانِ وَكَأن السن دائر بَين الْعَيْب وَالْجِنْس وَلَو قَالَ لله عَليّ أضْحِية ثمَّ عين مَعِيبَة للنذر لَا تَبرأ بهَا ذمَّته وَهل يلْزمه تَفْرِقَة لَحمهَا فِيهِ وَجْهَان وَلَو زَالَ الْعَيْب فَفِي بَرَاءَة الذِّمَّة بهَا وَجْهَان وَأما إِذا كَانَ تعيب الْمعينَة بِفِعْلِهِ فَعَلَيهِ التَّضْحِيَة بِشَاة صَحِيحَة بَدَلا عَنْهَا وَفِي انفكاك الْمعينَة الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان فروع الأول طرآن الْعَيْب والإنكسار حَالَة قطع الْحُلْقُوم لَا يُؤثر وَقَبله وَبعد الإضجاع للشاة وَجْهَان ذكرناهما فِي انكسار الرجل وَإِنَّمَا يَلِيق التَّرَدُّد بِمَا يكون من اضْطِرَاب الذّبْح أما إِذا

كَانَ بِسَبَب آخر فَيظْهر تَأْثِيره وَقد قَالَ الْقفال مَا يطْرَأ على الْهَدْي المسوق إِلَى الْحرم بعد بُلُوغ الْحرم لَا يُؤثر لِأَنَّهُ قد بلغ مَحَله وَخَالفهُ الْأَصْحَاب لِأَن من اشْترى فِي الْحرم الْهَدْي فتعيب قبل الذّبْح أثر ذَلِك فِيهِ فَأَي أثر للسوق الثَّانِي لَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بعرجاء فَفِيمَا يلْزمه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تلْزمهُ صَحِيحَة وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ كنذر الظبية وَالثَّالِث أَنه لَا يلْزمه إِلَّا العرجاء الثَّالِث ضلال الشَّاة كتلفها وَإِنَّمَا نُرِيد أَنَّهَا لَو وجدت بعد أَن أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْبَدَل وَقد ضحاه فَفِي انفكاك الضَّالة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَنْفَكّ إِذْ لَا وَجه للتضعيف وَقد ضحى الْبَدَل وَالثَّانِي أَنه يُضحي أَيْضا لِأَنَّهُ الأَصْل وَإِن لم يكن قد ضحى الْبَدَل اقْتصر على الأَصْل إِلَّا أَن يكون قد عين الْبَدَل بِلَفْظِهِ فَأَي الشاتين تذبح فِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا الْبَدَل وَالثَّانِي الأَصْل وَالثَّالِث كِلَاهُمَا وَالرَّابِع يتَخَيَّر أَيهمَا شَاءَ الحكم الثَّالِث الْأكل وَهُوَ جَائِز من المتطوع بِهِ وَهل يجوز أكل الْجَمِيع أم لَا تتأدى

السّنة إِلَّا بتصدق شَيْء مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَن الْمَقْصُود إِرَاقَة الدَّم والضيافة وَقد يَسْتَوِي فِي ضِيَافَة الله تَعَالَى الْمَالِك وَغَيره وَالثَّانِي أَنه يتَصَدَّق بِمَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم لقَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} وَلَا يَكْفِي فِي هَذَا الْقدر الْإِطْعَام بل لَا بُد من التَّمْلِيك للْفَقِير وَلَا يَكْفِي تمْلِيك الْغَنِيّ للْفَقِير أَن يملك من شَاءَ من غَنِي وفقير وَيجوز إطْعَام الْأَغْنِيَاء من الضحية وعَلى كل قَول فالتصدق بِالْكُلِّ أحسن وَكَانَ من شعار الصَّالِحين تنَاول لقْمَة من كبد الضحية أَو غَيرهَا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته بِالْبَصْرَةِ أما إِن أميركم رَضِي من دنياكم بطمريه لَا يَأْكُل اللَّحْم فِي السّنة إِلَّا الفلذة من كبد أضحيته ثمَّ كَمَال الشعار يتَأَدَّى بالتصدق بِالنِّصْفِ لقَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} إِلَى وَقيل تتأدى بِالثُّلثِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام كلوا مِنْهَا وَادخرُوا وَاتَّجرُوا أَي اطْلُبُوا الْأجر بالتصدق

وَمَا يجوز أكله فَلَا يجوز إِتْلَافه وَلَا أَن يملك الْأَغْنِيَاء ليتصرفوا فِيهَا بِالْبيعِ لِأَن الضِّيَافَة مَقْصُودَة فرع لَو أكل الْكل على قَوْلنَا يمْتَنع ذَلِك فَفِيمَا يلْزمه من الْغرم وَجْهَان أَحدهمَا قدر مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي النّصْف أَو الثُّلُث هَذَا كُله فِي المتطوع بِهِ أما الْمَنْذُورَة فَفِي جَوَاز الْأكل مِنْهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا كالمتطوعة وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز الْأكل مِنْهَا كدماء الجبرانات فَإِن قيل مَا حكم جلد الضحية قُلْنَا الصَّحِيح أَنه لَا يُبَاع لَكِن ينْتَفع بِهِ فِي الْبَيْت أَو يتَصَدَّق بِهِ وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا بَعيدا أَنه يُبَاع وَيصرف ثمنه مصرف الضَّحَايَا وَهُوَ ضَعِيف نعم قَالَ لَو تصدق بِالْجلدِ بَدَلا عَن اللَّحْم إِذا قُلْنَا إِن عَلَيْهِ التَّصَدُّق لم يجزه ذَلِك وَهُوَ أحسن فرع ولد الضحية الْمعينَة لَهَا حكم الْأُم وَالصَّحِيح أَن التَّصَدُّق بِجُزْء من الْأُم يُسَلط على أكل جَمِيع الْوَلَد كَمَا يُسَلط على أكل جَمِيع اللَّبن فَإِنَّهُ فِي حكم جُزْء وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من التَّصَدُّق بِشَيْء من الْوَلَد لِأَنَّهُ حَيَوَان مُسْتَقل فرع آخر لَو اشْترى شَاة ثمَّ قَالَ جَعلتهَا ضحية ثمَّ وجد عَيْبا امْتنع ردهَا وَله

طلب الْأَرْش كَمَا بعد الْعتْق وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يسْلك بِالْأَرْشِ مَسْلَك الضَّحَايَا وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لم يعين إِلَّا المعيبة وظنه السَّلامَة لَا يَنْبَغِي أَن يلْزمه أرش السَّلامَة واختتام الْكتاب بِبَاب الْعَقِيقَة وَهِي سنة عندنَا وَاجِبَة عِنْد دَاوُد بِدعَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَحكمهَا حكم الضحية فِي الْأكل وَالتَّصَدُّق والسلامة من الْعُيُوب لَكِنَّهَا عبارَة عَن شَاة تذبح فِي سَابِع ولادَة المولودة لَا تتأقت بِيَوْم النَّحْر بل يدْخل وَقتهَا بِالْولادَةِ كَمَا يدْخل وَقت دِمَاء الجبرانات بأسبابها وَفِي الْخَبَر يعق عَن الْغُلَام بشاتين وَعَن الْجَارِيَة بِشَاة ثمَّ تَكْفِي الشَّاة عَن الْغُلَام وفَاقا نعم تخْتَص الْعَقِيقَة بِأَنَّهُ لَا يكسر مِنْهَا عِظَام الشَّاة فقد ورد فِيهَا خبر وَلَعَلَّه تفاؤل بسلامة

أَعْضَاء المولد فتنضج وتفصل المفاصل وتفريق اللَّحْم أولى من دُعَاء النَّاس إِلَيْهِ وَقَالَ الصيدلاني يجوز التَّصَدُّق بالمرقة وَهَذَا إِن أَرَادَ بِهِ أَن يَكْفِي عَن التَّصَدُّق بِمِقْدَار من اللَّحْم إِذا قُلْنَا لَا بُد مِنْهُ فَفِيهِ نظر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَعَادَة الْعَرَب تلطيخ رَأس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة وَهُوَ مَكْرُوه نعم يسْتَحبّ أَن يُسمى الصَّبِي فِي السَّابِع ويحلق شعره وَيتَصَدَّق بزنته ذَهَبا أَو فضَّة

= كتاب الْأَطْعِمَة = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حَالَة الِاخْتِيَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْحَيَوَان والجمادات أَكثر من أَن تحصى لَكِن الأَصْل فِيهِ الْإِبَاحَة لقَوْله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} الْآيَة فَجَمِيع مَا يُمكن أكله مُبَاح إِلَّا مَا يستثنيه عشرَة أصُول الأول مَا حرم بِنَصّ الْكتاب كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير وَالدَّم والمنخنقة والموقوذة وَكَذَلِكَ مَا حرم بِالنَّصِّ عَلَيْهِ فِي السّنة كالحمر الْأَهْلِيَّة الأَصْل الثَّانِي مَا فِي معنى الْمَنْصُوص عَلَيْهِ كالنبيذ الَّذِي هُوَ فِي معنى الْخمر الْمَنْصُوص عَلَيْهِ

الأَصْل الثَّالِث كل ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من الطير إِذْ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ وَيحرم الْفِيل لِأَنَّهُ ذُو نَاب مكاوح وَكَذَا الدب وَمن ذَوَات المخلب الْبَازِي والشاهين والصقر وَالْعِقَاب والنسر وَجَمِيع جوارح الطير والثعلب والضبع والضب حَلَال عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لوُرُود أَحَادِيث فِيهَا وترددوا فِي ثَلَاثَة حيوانات

أَحدهَا ابْن آوى قطع المراوزة بِتَحْرِيمِهِ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ خلافًا وَالثَّانِي ابْن عرس تردد الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ لتردد شبهه بَين الثَّعْلَب وَالْكَلب وَالثَّالِث الْهِرَّة الوحشية فِيهَا تردد لترددها بَين الْهِرَّة الْأَهْلِيَّة والأرنب وَرُبمَا يظنّ أَن أَصْلهَا إنسية فتوحشت فِي سني الْقَحْط وَلَا يحل السنور لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْهِرَّة سبع وَلِأَنَّهُ يصطاد

بالناب وتأكل الْجِيَف فَأشبه الْأسد وَيحل أكل الْخَيل لما روى جَابر قَالَ ذبحنا يَوْم خَبِير الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير فنهانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن البغال وَالْحمير وَلم ينهنا عَن الْخَيل وَأما الدلْدل قطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِتَحْرِيمِهِ وَأما السمور والسنجاب وَمَا يشبههما فَالْأَظْهر إلحاقهما بالثعلب وَقيل هُوَ كَابْن عرس الأَصْل الرَّابِع مَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله فِي الْحل وَالْحرم وَهِي الفواسق الْخمس

الْغُرَاب والحدأة والفأر والحية وَفِي معنى الْمَنْصُوص كل سبع ضار كالذئب والأسد والفهد والنمر وَالْكَلب الْعَقُور وَمَا لَيْسَ عقورا فَهُوَ محرم لِأَنَّهُ ذُو نَاب يعدو بِهِ كالهر الأَصْل الخامص مَا نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَتله فَإِن ذَلِك يدل على التَّحْرِيم إِذْ لَو حل لحل ذبحه كَمَا أَن الْأَمر بِالْقَتْلِ يدل على التَّحْرِيم إِذْ لَو حل لأمر بِالذبْحِ لَا بِالْقَتْلِ وَقد نهى عَن قتل الهدهد والخطاف والنحل والصرد ولنملة وَقد نَص رَضِي الله

عَنهُ على أَن الْمحرم يفْدي الهدهد بالجزاء وَلَا يفْدي عِنْده إِلَّا حَلَال وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي حلّه لذَلِك وَأما اللقلق فَالْأَظْهر أَنه يحل لِأَنَّهُ كالكركي وأنواع الحمامات حَلَال وَهن كل ذَات طوق وأنواع العصافير وَإِن اخْتلفت ألوانها حَلَال وَهِي كَثِيرَة والفاختة واليمام والقمري من الحمامات والزرزور والصعوة من العصافير وَإِنَّمَا ينظر فِيهِ إِلَى تقَارب الأشكال لَا إِلَى الألوان وَأما الْغرْبَان فَإِنَّهَا من الفواسق مَعَ الحدأ والبغاثة فِي معنى الحدأة وَهِي ذَات مخلب ضَعِيف وَلكنهَا تقرب من الحدأة والغراب الأبقع هُوَ الْمَقْطُوع بِتَحْرِيمِهِ أما الْأسود

الْكَبِير فألحقه المراوزة بالأبقع وَتردد فِيهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأما غراب الزَّرْع وَفِيه غبرة لَيست كَثِيرَة وَمِنْه المحمرة المناقير والأرجل فَفِيهَا تردد وَأما طير المَاء فمباح كُله وَكَذَا فِي جَمِيع حيواناته إِلَّا مَاله نَظِير فِي الْبر محرم فَفِيهِ قَولَانِ ذكرناهما الأَصْل السَّادِس كل مَا استخبثته الْعَرَب فَهُوَ حرَام قَالَ الله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات} وَإِنَّمَا خرج على مَا هُوَ طيب عِنْدهم فالحشرات كلهَا مستخبثة وَكَانَت الْعَرَب تستخبث الباز والشاهين والنسر والصقر كَمَا تستخبث العظاية واللحكاء والخنافس واللحكاء دويبة تغوص فِي الرمل مثل الْأصْبع والعظاية مثل الوزغ والضفدع والسلحفاة من المستخبثات وَكَذَا السرطان وَلَا يحل من الحشرات شَيْء إِلَّا الضبة وَفِي أم حبين تردد وَفِي الْآثَار أَنَّهَا تفدي

بحلان وَكَأَنَّهُ ولد الضَّب وَذَوَات الأجنحة من الحشرات كالذباب فَإِنَّهَا مستخبثة وَإِنَّمَا يحل مِنْهَا الْجَرَاد وَفِي الصرارة تردد لتردده بَين الخنافس وَالْجَرَاد وَهُوَ بالخنفساء أشبه وَفِي الْقُنْفُذ تردد لما رُوِيَ أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أفتى بحله وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ} الْآيَة فَقَامَ شيخ وَقَالَ أشهد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّهَا من الْخَبَائِث فَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ إِن قَالَ فَهُوَ كَمَا قَالَ فسبب التَّرَدُّد فِي قَول الشَّيْخ وعدالته ثمَّ لَا وَجه فِيمَا أشكل خبثه إِلَّا الرُّجُوع إِلَى الْعَرَب فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت أمة كَبِيرَة فطباعها مُتَقَارِبَة الأَصْل السَّابِع مَا أخبر الله تَعَالَى عَنهُ وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ حَرَامًا على الْأُمَم

السالفة فَهُوَ حرَام على أحد الْقَوْلَيْنِ وَإِن لم يكن فِي شرعنا ذكر تَحْرِيمه علينا وَلَا نرْجِع فِي ذَلِك إِلَى قَول أهل الْكتاب إِذْ لَا يوثق بقَوْلهمْ وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الإعتماد على عُمُوم آيَة الْإِبَاحَة أولى من اعْتِمَاد اسْتِصْحَاب حَال الشَّرَائِع السَّابِقَة الأَصْل الثَّامِن مَا حكم بحله إِذا خالطته نَجَاسَة فَهُوَ حرَام كالزيت النَّجس وَبيعه حرَام وَإِن مَاتَت فَأْرَة فِي سمن ذائب أَو غَيره فَكَذَلِك وَإِن كَانَ جَامِدا قور وَطرح مَا حوله وَالْبَاقِي طَاهِر كَذَلِك أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَلالَة وَهِي الْحَيَوَان الَّذِي يتعاطى الْعذرَة والأشياء القذرة حَلَال إِن لم يظْهر النتن فِي لَحْمه فَإِن ظهر النتن فَهُوَ نجس وَحرَام وَإِن تكلّف بالعلف إِزَالَة رائحتها حلت وَإِن تكلّف بالطبخ فَلَا وجلدها يطهر بالدباغ والذكاة إِن لم تبْق الرَّائِحَة فِي الْجلد وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ أَن الْجَلالَة تكره وَلَا تحرم أما الزَّرْع فحلال وَإِن كثر الزبل فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يظْهر الرَّائِحَة فِيهِ الأَصْل التَّاسِع مَا حكم بحله فميتته ومنخنقته حرَام وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا لم يذبح ذبحا شَرْعِيًّا كَمَا وصفناه وَلَا يسْتَثْنى عَن ميتَته إِلَّا الْجَرَاد وحيوانات الْبَحْر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام

الْحل ميتَته وَعَن المنخنفة إِلَّا الْجَنِين الَّذِي يُوجد مَيتا فِي بطن الْمَذْبُوح فَإِنَّهُ حَلَال ورد فِيهِ الْخَبَر الأَصْل الْعَاشِر مَا اكْتسب بمخامرة نَجَاسَة ككسب الْحجام فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ فروجع مرَارًا فَقَالَ أطْعمهُ عَبدك وناضحك

وَهَذِه كَرَاهِيَة وَلَيْسَ بِتَحْرِيم وَقد علل بِأَن ذَلِك مكتسب من حِرْفَة خسيسة جَائِزَة ومخامرة نَجَاسَة وَعِنْدِي أَن التَّعْلِيل بذلك يُوجب إِلْحَاق أُجْرَة الكناس والدباغ بِهِ وَلم يذهب إِلَيْهِ أحد وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الْحجامَة والفصد جرح مُفسد للبنية وَهُوَ حرَام فِي الأَصْل وَإِنَّمَا يُبَاح بتوهم الْمَنْفَعَة وَذَلِكَ مَشْكُوك فِيهِ ويطرد هَذَا فِي أُجْرَة من يقطع يدا متآكلة لاستبقاء النَّفس وَلَا يطرد فِي أُجْرَة الجلاد الَّذِي يقطع فِي السّرقَة وَقد أوردت هَذِه الْعلَّة فِي كتاب الْحَلَال وَالْحرَام من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين وَقد ذكر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي آخر هَذَا الْكتاب الودك النَّجس والإنتفاع بِهِ وَبيعه وَقد ذَكرْنَاهُ فِي البيع

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حَالَة الإضطرار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الله تَعَالَى {إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ} فَيُبَاح تنَاول الْحَرَام للضَّرُورَة وَالنَّظَر فِي حد الضَّرُورَة وجنس المستباح وَقدره أما الضَّرُورَة فنعني بهَا أَن يغلب على ظَنّه الْهَلَاك إِن لم يَأْكُل وَكَذَلِكَ إِن خَافَ مَرضا يخَاف مِنْهُ الْمَوْت لجنسه لَا لطوله ون كَانَ يخَاف طول الْمَرَض وعسر العلاج فَفِيهِ قَولَانِ وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يشْتَرط أَن يصبر حَتَّى يشرف على الْمَوْت فَإِن الْأكل بعد ذَلِك لَا ينعشه وَالظَّن كَالْعلمِ هَاهُنَا كَمَا فِي الْمُكْره على الْإِتْلَاف ثمَّ إِذا جَازَ الْأكل وَجب أَن لَا يجوز السَّعْي فِي الْهَلَاك وَفِيه وَجه أَنه يجوز الإستسلام تورعا عَن الْحَرَام فِي الصيال وَهُوَ ضَعِيف لِأَن ذَلِك إِيثَار مهجة على مهجة وَأما تَحْرِيم الْميتَة فَلَا يَنْتَهِي إِلَى هَذِه الرُّتْبَة نعم يتَّجه ذَلِك مَا دَامَ الْمُضْطَر غير قَاطع بِأَن ترك الْأكل يضرّهُ بل ظَانّا ظنا قَرِيبا من الشَّك فَإِن ذَلِك يدْرك بِنَوْع اجْتِهَاد النّظر الثَّانِي فِي قدر المستباح وَفِي جَوَاز الشِّبَع بعد تحقق الضَّرُورَة نُصُوص مضطربة حاصلها ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب الإقتصار على سد الرمق إِذْ رَجَعَ إِلَى حَالَة لَا يجوز ابْتِدَاء الْأكل على مثله وَزَالَ الْخَوْف والإضطرار

وَالثَّانِي أَنه يشْبع إِذْ نُبيح للْمُضْطَر الْأكل مُطلقًا وتحققت الضَّرُورَة أَولا وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ فِي بلد اقْتصر على سد الرمق وَإِن كَانَ فِي بادية وَخَافَ إِن لم يشْبع أَن لَا يتقوى على الْمَشْي وَيهْلك فيشبع وَهَذَا يَسْتَدْعِي مزِيد تَفْصِيل فَإِن من علم فِي الْبَادِيَة أَنه لَو لم يشْبع وَلم يتزود لَا يقوى وَلَا يجد غَيره وَيهْلك فَيجب الْقطع بِأَنَّهُ يشْبع ويتزود وَلَا يُفَارق الإبتداء الدَّوَام فِي هَذَا ون كَانَ فِي بلد وَلَو سد الرمق ثمَّ توقع طَعَاما مُبَاحا قبل عود الضَّرُورَة وَجب الْقطع بالإقتصار إِذْ الضَّرُورَة تبيح إِزَالَة الْخَوْف دون الشِّبَع فَإِن كَانَ لَا يتَوَقَّع طَعَاما وَلَكِن يُمكنهُ الرُّجُوع إِلَى الْميتَة إِن لم يجد مُبَاحا فهاهنا يتَّجه التَّرَدُّد إِذْ لَو شبع لم يعاود على قرب وَإِن اقْتصر عَاد على الْقرب فَيحْتَمل أَن يُقَال هَذَا وَإِن لم يجز فِي الإبتداء وَلَكِن بعد أَن وَقع فِي الْأكل فالأكل دفْعَة أقرب من المعاودة كل سَاعَة والأقيس مَا اخْتَارَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَهُوَ سد الرمق إِلْحَاقًا للدوام بالإبتداء النّظر الثَّالِث فِي جنس المستباح وَيُبَاح الْخمر لتسكين الْعَطش لِأَنَّهُ مستيقن كإساغة اللُّقْمَة بِخِلَاف التَّدَاوِي وَيُبَاح كل حرَام إِلَّا مَا فِيهِ سفك دم مَعْصُوم وَلَيْسَ لَهُ

قتل ذمِّي أَو معاهد وَلَا قتل عَبده وَولده وَيجوز لَهُ قتل الْمُرْتَد وَالزَّانِي الْمُحصن وَإِن كَانَ ذَلِك مَنُوطًا بِالْإِمَامِ تقاوم هَذَا الْقدر وَكَذَلِكَ قتل الحربية جَائِز على الظَّاهِر وَإِبَاحَة قتل ولد الْحَرْبِيّ وَهُوَ صَغِير فِيهِ نظر وَالْأَظْهَر جَوَازه لِأَنَّهُ لَا يُقَاوم تَحْرِيمه روح مُسلم فروع الأول لَو قطع فلذة من فَخذه وَلم يكن الْخَوْف مِنْهُ كالخوف من الْجُوع فَفِي جَوَازه وَجْهَان وَلَا يجوز أَن يقطع من فَخذ عَبده وأجنبي آخر لِأَن لَهُ أَن يفْدي نَفسه بِبَعْض نَفسه وَلَا يُمكن ذَلِك فِي حق غَيره الثَّانِي إِذا ظفر بِطَعَام من لَيْسَ مُضْطَرّا مثله فَلهُ أَخذه وَلَيْسَ لمَالِكه مَنعه وَلَكِن الْأَصَح أَن يسْتَأْذن أَولا فَإِن منع أَخذه قهرا فَإِن قَاتله فدم الْمَالِك هدر وَدم الْمُضْطَر مَضْمُون بِالْقصاصِ عَلَيْهِ وَلَو قَالَ الْمَالِك أبيع مِنْك فَعَلَيهِ الشِّرَاء ثمَّ إِن كَانَ بِثمن الْمثل لزمَه الشِّرَاء وَإِن زَاد الثّمن فَهُوَ مُضْطَر فِي شِرَائِهِ كالمصادر فَلَا يلْزمه على أحد الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا قدر على سلبه قهرا فَاشْترى فَإِنَّهُ يصير مُخْتَارًا وَلَو أوجر الْمَالِك الْمُضْطَر الطَّعَام قهرا فَفِي

اسْتِحْقَاقه الْقيمَة عَلَيْهِ وَجْهَان الثَّالِث إِذا وجد ميتَة وَطَعَام الْغَيْر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْميتَة أولى تَرْجِيحا لحق الْآدَمِيّ وَالثَّانِي المَال أولى إِذْ تَفْوِيت الْعين بِبَدَل أسهل من تنَاول الْميتَة وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر لتعارض الْأَمريْنِ وَالصَّيْد فِي حق الْمحرم كطعام الْغَيْر وَلَو كَانَ عِنْده لحم صيد فَهُوَ أولى من الْميتَة فَإِن الْمَحْذُور حق الصَّيْد فِي الْقَتْل وَتَحْرِيم اللَّحْم على الْمحرم أَهْون من تَحْرِيم الْميتَة الْعَام تَحْرِيمهَا وَالله أعلم

= كتاب السَّبق وَالرَّمْي = وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي السَّبق وَيجوز أَن يشْتَرط المتسابقون فِي الْخَيل مَالا للسابق يسْتَحق بِالسَّبقِ والرخصة فِيهِ تحريض على تعلم أَسبَاب الْقِتَال قَالَ الله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} وَلَا غناء فِي الْقوس والسهم إِذا لم يسْبقهُ تعلم الرَّمْي وَلَا فِي الأفراس الْجِيَاد إِذا لم يمارسها فَارس حاذق وأبطل أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هَذَا العقد ويتهذب الْبَاب بفصول ثَلَاثَة

الْفَصْل الأول فِيمَا يجوز العقد عَلَيْهِ وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل وَأَرَادَ بالخف الْإِبِل وَهُوَ أَيْضا عدَّة لِلْقِتَالِ وَإِن لم يبلغ مبلغ الْفرس حَتَّى لَا يسْتَحق بِهِ سهم الْفَارِس وَالْمعْنَى مَعْقُول من ذكر هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فَيلْحق بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ لَكِن من الْأَصْحَاب من يتبع الِاسْم وَمِنْه من يتبع ظُهُور الْمَعْنى وَمِنْهُم من يتبع أصل الْمَعْنى وَإِن ضعف أما الْخُف فَألْحق بِهِ الْفِيل لِأَنَّهُ أظهر غناء من الْإِبِل فِي الْقِتَال وَفِيه وَجه أَنه لَا يلْحق بِهِ لِأَنَّهُ نَادِر ونعلم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَرَادَهُ وَهُوَ بعيد وَأما البغال وَالْحمير فَلَا تلْحق على الظَّاهِر إِذْ لَا غناء لَهَا فِي الْقِتَال وَفِيه وَجه أَنه تلْحق لِأَن ركُوبهَا مُقَدّمَة لتعلم ركُوب الْفرس وَيَكْفِي أصل الْمَعْنى وَهُوَ بعيد

وَأما النصل فيستوي فِيهِ أَصْحَاب القسي من الناوك وَغَيره وَكَذَلِكَ أَنْوَاع النصل كالمسلة والإبرة فَهُوَ فِي معنى السهْم والإسم أَيْضا يَشْمَل وَأما الزانات والمزاريق فَهِيَ على رُتْبَة بَين الْفِيل والحمر وَالظَّاهِر إلحاقها لغنائها ولشمول اسْم النصل وَلَكِن هَذَا الْخلاف جَار فِي الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ والمقاليع لغنائها وَإِن لم يشملها اسْم النصل وَاسْتِعْمَال السَّيْف أَيْضا قريب من رُتْبَة الزانات فَإِن غناهُ أظهر من الْكل وَلَكِن اسْم النصل بعيد عَنهُ وَلَكِن هُوَ الأَصْل فِي الْقِتَال وَهُوَ نفار من السكين وَالرمْح نفار من السَّيْف وَالرَّمْي نفار من الرمْح فَأَما الْمُسَابقَة بالطيور والحمامات وفائدتها نقل الْأَخْبَار فَالظَّاهِر مَنعه لبعد الْمَعْنى وَضَعفه وَفِيه وَجه أَنه يجوز

الْفَصْل الثَّانِي فِي شُرُوط العقد وَهِي خَمْسَة الأول الْإِعْلَام فِي المَال ومقداره وَفِي الْموقف والغاية بتعيينها والتساوي فيهمَا فَلَو شَرط تقدم أَحدهمَا بمسافة وَيجْرِي الآخر وَزعم أَنه يسْبقهُ لم يجز بالإتفاق لِأَن اخْتِلَاف الأفراس بالفراهة لَا تنضبط مقاديرها فليضبط بالتساوي ثمَّ إِن كَانَ أحد الفرسين بِحَيْثُ يسْبق قطعا لَو تساوقا فَالْعقد بَاطِل وَكَذَلِكَ لَو شرطا أَن يتساوقا فِي الركض إِلَى حَيْثُ يسْبق أَحدهمَا فَيسْتَحق المَال لم يجز لِأَن الْجواد قد يحتد فِي آخر الميدان فَلَا معنى لاقتحام جَهَالَة بِغَيْر فَائِدَة وَلَو عينا الْغَايَة وَلَكِن شرطا اسْتِحْقَاق الشَّرْط لمن يسْبق فِي وسط الميدان فَفِيهِ وَجْهَان وَكَذَلِكَ لَو عينا الْغَايَة وَلَكِن شرطا غَايَة أُخْرَى يمتدون إِلَيْهَا إِن لم يسْبق فِي الأولى فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ الشَّرْط الثَّانِي أَنه إِذا تسابق جمَاعَة فَيَنْبَغِي أَن يشْتَرط السَّبق للسابق فَلَو شَرط للْمُصَلِّي وَهُوَ التَّالِي للسابق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا الْمَنْع لِأَن الْمَقْصُود إِظْهَار الجلادة بِالسَّبقِ دون التَّخَلُّف وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن ضبط الْفرس بعد احتداده على حد المُرَاد يحْتَاج إِلَى جلادة وَالثَّالِث أَنه لَا يشْتَرط الْكل إِلَّا للسابق أما لَو شَرط للْمُصَلِّي قدرا دون مَا للسابق وَهَكَذَا على التَّرْتِيب والتفاضل لكل من هُوَ أقرب إِلَى السَّابِق فَهُوَ جَائِز وَأما الفسكل وَهُوَ الْأَخير فَلَا يجوز أَن يخصص بِفضل قطعا وَهل يجوزا أَن يشْتَرط لَهُ شَيْئا دون الآخرين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن التَّخَلُّف لَا يعجز عَنهُ أحد وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مِنْهُم وَقد اجْتهد فَيجوز أَن يُشْرك فِيهِ الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون فِيمَا بَينهم مُحَلل ليميل بِالْعقدِ عَن صُورَة الْقمَار والقمار أَن يجْتَمع فِي حق كل وَاحِد خطر الْغرم وَالْغنم بِأَن يخرج كل وَاحِد مِنْهُمَا مَالا يحرزه إِن يسْبق وَيَأْخُذ مَال صَاحبه وَهَذَا حرَام قطعا وَإِنَّمَا الْمُبَاح أَن يخرج الإِمَام مَالا

للسابق أَو يخرج رجل من عرض النَّاس إِذْ يَأْخُذ كل وَاحِد لَو سبق وَلَا يغرم لَو تخلف وَكَذَلِكَ لَو أخرج أحد المتسابقين مَالا وَرَضي بِأَن يحرزه إِن سبق ويبذله إِن تخلف جَازَ وَكَذَلِكَ إِن تسابق ثَلَاثَة وَأخرج رجلَانِ مِنْهُم المَال وَالثَّالِث لم يخرج فَهُوَ مُحَلل فَإِن شَرط المَال للمحلل إِن سبق وَلم يشْتَرط لأحد المستبقين شَيْء إِذا سبق بل الْآخرَانِ فَقَط فَهَذَا جَائِز لِأَن الَّذِي يَأْخُذ لَيْسَ يغرم شَيْئا وَالَّذِي يغرم لَيْسَ يَأْخُذ شَيْئا وَإِن شرطا أَن يسْتَحق الْمُحَلّل كلا الْمَالَيْنِ وَإِن سبق أحد المستبقين أحرز مَاله وَأخذ مَال صَاحبه فَفِي صِحَة هَذِه الْمُعَامَلَة قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِاجْتِمَاع الْخطر فِي حق كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن هَذِه عَادَة الْمُسَابقَة وَلَا يرضى باذل المَال بِمُجَرَّد الْإِحْرَاز إِن سبق وَدخُول الْمُحَلّل الْوَاحِد الَّذِي لَا يَأْخُذ مَالا وَلَا يُعْطي مَالا يخرج بِالْعقدِ عَن صُورَة الْقمَار فَيَكْفِي على هَذَا مُحَلل وَاحِد بَين مائَة وعبروا عَن مَحل الْخلاف بِأَن الْمُحَلّل يحلل لنَفسِهِ فَقَط أَو لنَفسِهِ وَلغيره فعلى هَذَا لَو قَالَ لَا سبق إِلَّا للمحلل إِذا سبق فَسبق أَحدهمَا والمحلل مصل وَالْآخر فسكل فَهَل يسحق الْمُحَلّل مَال الفسكل وَفِيه وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ سبقه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مَسْبُوق بِالْأولِ فَلَا يُسمى سَابِقًا مُطلقًا وَالْخلاف رَاجع إِلَى أَن اسْم السَّابِق هَل يحمل على السَّابِق مُطلقًا أَو على السَّابِق بِالْإِضَافَة وَكَذَا الْخلاف لَو كَانَ الْمُصَلِّي أحد المستبقين وَقد شَرط السَّبق للسابق وجوزنا ذَلِك على أحد الْقَوْلَيْنِ فَإِذا كَانَ المستبق الثَّانِي وَرَاءه فَهَل يسْتَحق شَيْئا من مَاله وَهُوَ مَسْبُوق وسابق فِيهِ وَجْهَان فرع إِذا شَرط السَّبق للسابق وجوزنا ذَلِك فَسبق الْمُحَلّل وَجَاءُوا متساوقين بعده أَخذ الْمُحَلّل ماليهما وَإِن تساوقا وأتى الْمُحَلّل بعدهمَا فَلَا مَال لأحد وَإِن سبق الْمُحَلّل وتلاه المستبقان متلاحقين فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْمُحَلّل يَأْخُذ ماليهما لِأَنَّهُ سبقهما وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذ مَال الْمُصَلِّي وَالْمُصَلي يَأْخُذ مَال الفسكل لِأَنَّهُ سبقه أَيْضا وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الْمُحَلّل أَيْضا سبقه وَالثَّالِث أَن الْمُحَلّل يَأْخُذ مَال الْمُصَلِّي وَمَال الفسكل بَين الْمُصَلِّي والمحلل لِأَنَّهُمَا سبقاه وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف وَأما إِذا جَاءَ الْمُحَلّل مَعَ أَحدهمَا متساوقين وَالْآخر فسكل فَمَال الفسكل لَهما إِلَّا إِذا

قُلْنَا إِن الْمُحَلّل لَا يحلل إِلَّا لنَفسِهِ فيفوز إِذْ ذَاك بِالْمَالِ أما إِذا سبق أَحدهمَا والمحلل مصل وَالْآخر فسكل فَفِي مَال الفسكل أوجه أَرْبَعَة تَجْتَمِع من الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورين أَحدهَا أَنه للسابق وَهُوَ على قَوْلنَا إِن السَّبق للسابق الْمُطلق وَإِن الْمُحَلّل يحلل لغيره وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء لأحد مِنْهُمَا وَهُوَ على قَوْلنَا الْمُحَلّل لَا يحلل لغيره والمسبوق لَا شَيْء لَهُ وَإِن سبق غَيره وَالثَّالِث أَنه بَين الْمُحَلّل وَالسَّابِق وَهُوَ على قَوْلنَا يحلل لغيره وَلَا يشْتَرط السَّبق الْمُطلق وَالرَّابِع أَنه للمحل وَهُوَ على قَوْلنَا إِنَّه لَا يحلل لغيره والمسبوق يسْتَحق إِذا سبق غَيره الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون سبق كل وَاحِد مِنْهُمَا مُمكنا فَإِن كَانَ فرس أَحدهمَا ضَعِيفا نعلم قطعا أَنه يتَخَلَّف أَو فرس الآخر فارها نعم أَنه يسْبق بَطل العقد لِأَن المتخلف إِنَّمَا يرْكض مَعَ نَفسه إِذا لم يطْمع فِي السَّبق وَإِن كَانَ السَّبق مُمكنا وَلَكِن على الندور فَفِي صِحَّته خلاف وَتجوز الْمُسَابقَة بَين الْفرس الْعَرَبِيّ والتركي فَلَا يضر اخْتِلَاف النَّوْع وَأما الْمُسَابقَة بَين الْبَغْل وَالْفرس أَو بَين الْإِبِل وَالْفرس فَفِيهِ خلاف مِنْهُم من ألحق اخْتِلَاف الْجِنْس باخْتلَاف النَّوْع الشَّرْط الْخَامِس تعْيين الفرسين وَلَا يجوز الْإِبْدَال بعد التَّعْيِين وَهل يجوز العقد على

فرسين موصوفين من غير إِحْضَار ثمَّ يحضر كَمَا وصف فِيهِ وَجْهَان ثمَّ اعْلَم أَن الإعتماد فِي السَّبق على الْأَقْدَام وَهُوَ الَّذِي يعْتَبر تساويهما فِي ابْتِدَاء الْموقف دون الْعُنُق فَإِن ذَلِك يطول وَيقصر وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الإعتبار فِي الْإِبِل بالكتد والخف وَفِي الْفرس بالعنق لِأَن الْإِبِل تمتد أعناقها إِذا عدت وَالْخَيْل ترفع رءوسها

الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم هَذِه الْمُعَامَلَة وَفِي لُزُومهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزم تَشْبِيها لَهَا بالجعالة وَالثَّانِي يلْزم تَشْبِيها لَهُ بالمساقاة وَالْإِجَارَة ثمَّ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يلْزم فِي حق الْمُحَلّل وَمن أَخذ وَلَا يبْذل لِأَنَّهُ مغبوط بِكُل حَال كالمرتهن وَالْمكَاتب وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَن علمه فِي الفروسية مَقْصُود للباذل حَتَّى يتَعَلَّم مِنْهُ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه جَائِز لم يشْتَرط الْقبُول على الصَّحِيح وَهل يَصح ضَمَان السَّبق وَالرَّهْن بِهِ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْجعَالَة وَإِن قُلْنَا يلْزم فَلَا يجب تَسْلِيم السَّبق فِي الْحَال بِخِلَاف الْأُجْرَة بل وَلَا بَأْس يجب الْبِدَايَة بِتَسْلِيم الْعَمَل وَلَا يجوز الْإِبْطَال وَالتَّأْخِير وَيجوز ضَمَانه وَالرَّهْن بِهِ وَقَالَ الْقفال رَحمَه الله يبْنى على ضَمَان مَا جرى سَبَب وُجُوبه وَلم يجب كَنَفَقَة الْعَدو واليأس بِمَا ذكره وَأما فَسَاد هَذِه الْمُعَامَلَة بِكَوْن الْعِوَض خمرًا أَو مَالا مَغْصُوبًا هَل يُوجب الرُّجُوع بِشَيْء فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا نعم كَمَا لَو فسد الْقَرَاض وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا لم يتَحَصَّل على شَيْء وَأكْثر فَائِدَة الْعَمَل هَاهُنَا لِلْعَامِلِ وَهُوَ الرياضة وَقد فَاتَ الإستحقاق بِمَا علق بِهِ وَإِن قُلْنَا يسْتَحق شَيْئا فَإِن أمكن الرُّجُوع إِلَى قيمَة الْمَشْرُوط بِأَن يكون الْفساد لجَهَالَة الْموقف والغاية وَغَيره فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِالرُّجُوعِ إِلَى أجر الْمثل كالقراض وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي بدل الْخلْع إِذْ لَيْسَ هَذَا مُعَاوضَة مَحْضَة فَإِن لم يكن لَهُ قيمَة فالرجوع إِلَى أجر عمله فِي جملَة الركض لَا فِي قدر السَّبق قولا وَاحِدًا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الرَّمْي وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الشُّرُوط وَالنَّظَر فِي سِتَّة شُرُوط الشَّرْط الأول فِي الْمُحَلّل وتفصيله كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي السَّبق فَإِن شَرط الإِمَام أَو غَيره لمن زَادَت إِصَابَته جَازَ وَكَذَا لَو شَرط وَاحِد من المترامين على مَا ذَكرْنَاهُ الشَّرْط الثَّانِي اتِّحَاد الْجِنْس وَفِي العقد على السِّهَام والمزاريق وَجْهَان كَمَا فِي مسابقة الْخَيل وَالْبِغَال وَهَذَا أولى بِالْجَوَازِ لِأَن أَكثر الْأَثر فِي الرَّمْي للْعَمَل وَأكْثر الْأَثر للدابة فِي السَّبق فَإِنَّهُ حَيَوَان مُخْتَار فِي الْعَدو وَأما اخْتِلَاف النَّوْع فَغير مَانع كقسي الْعَرَب والعجم وكالناوك وَهُوَ قَوس الحسبان مَعَ

السهْم ثمَّ إِذا جرى التَّعْيِين فَلَا يجوز الْإِبْدَال بالأجود كإبدال الْعَرَبيَّة بِالْفَارِسِيَّةِ أما إِبْدَال الفارسية بِالْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَنَّهُ يجوز إِبْدَاله بفارسية أُخْرَى إِذْ عين الْقوس لَا يتَعَيَّن بل نَوعه فبأن يجوز بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أردأ أولى وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك لَا يَنْضَبِط فحسم الْبَاب أولى فرعان الأول لَو أطلق العقد وَلم يعين النَّوْع نزل على مَا يغلب فِي الْعَادة الترامي بِهِ وَإِن اخْتلفت الْعَادة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْفساد لتوقع النزاع وَالثَّانِي أَنه يَصح أَن يطابقا على شَيْء وَإِن طلب كل وَاحِد نوعا آخر وَقُلْنَا إِن العقد جَائِز فَهُوَ رُجُوع وَإِن قُلْنَا إِنَّه لَازم فقد تعذر إِمْضَاء العقد فَيفْسخ الثَّانِي تَبْدِيل الْقوس بِمثلِهِ جَائِز بِخِلَاف الْفرس لِأَن الإعتماد هَاهُنَا على الْعَمَل وَلَا عمل إِلَّا لَهُ وَإِن شَرط أَن لَا يُبدل فَهَذَا تضييق بِغَيْر فَائِدَة وَفِي صِحَة هَذَا الشَّرْط وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا يَصح فَفِي فَسَاد العقد بِهِ وَبِكُل شَرط فَاسد يسْتَقلّ العقد دونه لَو ترك وَجْهَان

وَإِن قُلْنَا إِنَّه صَحِيح فَيجب الْوَفَاء بِهِ مَا لم ينكسر فَإِن انْكَسَرَ جَازَ الْإِبْدَال وَإِن شَرط أَن لَا يُبدل وَإِن انْكَسَرَ بل تَنْقَطِع الْمُعَامَلَة فَهَذَا لَا يحْتَمل وَيفْسد العقد الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الْإِصَابَة الْمَشْرُوطَة مُمكنَة لَا ممتنعة وَلَا وَاجِبَة أما الممتنعة فكإصابة مائَة رشق على التوالي من هدف صَغِير وَغَايَة بعيدَة أَو أصل الْإِصَابَة من مَسَافَة بعيدَة فِي غَايَة الْبعد وَلَو كَانَت مُمكنَة على ندور فَفِي صِحَة الْمُعَامَلَة وَجْهَان أما الْوَاجِب فكإصابة وَاحِد من مائَة مَعَ قرب الْمسَافَة يشرط ذَلِك على حاذق فَلَا خطر فِيهِ وَفِي صِحَّته وَجْهَان أصَحهمَا الْجَوَاز للتعلم بمشاهدة رميه كَمَا لَو قَالَ من لَا يَرْمِي لرام ارْمِ مائَة وَلَك كَذَا وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من خطر لصِحَّة هَذِه الْمُعَامَلَة فعلى هَذَا لَو كَانَ بَينهمَا مُحَلل علم قطعا أَنه لَا يفلح فوجوده كَعَدَمِهِ وَلَو علم قطعا أَن الْمُحَلّل يفوز خرج على الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا لم يكن مُحَلل وَشرط كل وَاحِد مَالا وَلَكِن علم قطعا أَن أَحدهمَا يفوز فَهُوَ على صُورَة الْمُحَلّل وَلَا أثر لذكر المَال فرع لَو تَرَاضيا على أَن يرامي كل وَاحِد وَاحِدًا فَقَط والسبق لمن اخْتصَّ بالإصابة فَالْأَصَحّ الصِّحَّة وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز إِذْ رب رمية من غير رام فقد يُصِيب الأخرق بالإتفاق مرّة فَلَا يظْهر بِهِ حذق

الشَّرْط الرَّابِع الْإِعْلَام وكل مَا يخْتَلف بِهِ الْغَرَض يجب إِعْلَامه كمقدار المَال وَعدد الْإِصَابَة مِنْهَا أما طول الْمسَافَة بَين الْموقف والهدف فَفِيهِ قَولَانِ وَفِي عرض الهدف قَولَانِ مرتبان وَفِي قدر ارْتِفَاع الهدف من الأَرْض قَولَانِ مرتبان وَالصُّورَة الْأَخِيرَة أولى بِأَن لَا يشْتَرط ذكرهَا فأحد الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يشْتَرط بل ينزل على الْعَادة كالمعاليق فِي اسْتِئْجَار الدَّابَّة فَإِنَّهُ ينزل على الْعَادة على الْأَصَح وَالثَّانِي لَا بُد من ذكره لِأَن النزاع يكثر فِيهِ وَالْعرض يخْتَلف فِيهِ وَأما عدد الأرشاق فَفِي ذكره ثَلَاثَة أَقْوَال والرشق عبارَة عَن نوبَة من الرَّمْي تجْرِي من الرامين كعشرة عشرَة وَعشْرين عشْرين وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يشْتَرط بل يَكْفِي ذكر عدد الإصابات فَيشْتَرط السَّبق بِعشر إصابات وَرُبمَا يكون ذَلِك فِي خمسين وَرُبمَا فِي عشْرين وَالثَّانِي أَنه يجب وَهُوَ كالغاية فِي الْمُسَابقَة حَتَّى تَنْتَهِي الْمُعَامَلَة بهَا وَالثَّالِث أَنه يشْتَرط فِي المحاطة فَإِن توقع الْحَط لَا مُنْتَهى لَهُ وَلَا يشْتَرط فِي الْمُبَادرَة والمحاطة أَن يشْتَرط حط إِصَابَة أَحدهمَا من الآخر حَتَّى يخلص للْوَاحِد عشرَة مثلا والمبادرة هُوَ أَن يسْتَحق من يسْبق إِلَى تَمام الْعشْرَة حَتَّى لَو أصَاب كل وَاحِد تِسْعَة ثمَّ أصَاب أَحدهمَا وَلم يصب الآخر فِي الْعَاشِرَة اسْتحق من أصَاب وَكَذَلِكَ قد يتضايق الرُّمَاة فِي

الْبِدَايَة إِذْ يكون الهدف خَالِيا والرامي على جمام قوته فالإصابة أغلب فَفِي لُزُوم ذكر ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْقيَاس أَنه يجب وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بالمستبق وَهُوَ وَاضع المَال فَإِنَّهُ عَادَة الرُّمَاة وَهَذَا ترك للفقه وَالْقِيَاس بِالْعَادَةِ وَلَا يخْتَلف القَوْل فِي كل عَادَة تخَالف الْقيَاس إِذْ الشَّافِعِي لَا يتْرك الْقيَاس لأجل عَادَة مُخَالفَة لَهُ بل أَمر الْبِدَايَة أَمر هَين فَلذَلِك تردد فِيهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه قَول ثَالِث أَنه يَصح ويقرع بَينهم ثمَّ إِن شرطُوا أَن تكون الْبِدَايَة لمن خرج الْقرعَة لَهُ فِي كل الرشقات فَذَاك وَإِلَّا فَفِي إِعَادَة الْقرعَة فِي كل رشقة أَو عُمُوم حكم الأول وَجْهَان وَكَذَلِكَ مُطلق شَرط الْبِدَايَة وَفِي العقد هَل يتَنَاوَل كل رشقة فِيهِ خلاف وَأما إِذا كَانَ المستبق أَكثر من وَاحِد فَلَا وَجه إِلَّا الْإِفْسَاد أَو قَول الْقرعَة فرع فِي صِحَة العقد على البرتاب وَجْهَان ومقصوده الإبعاد دون الْإِصَابَة

أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ لَا غَرَض فِيمَا لَا إِصَابَة فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يَصح وَهُوَ الْأَصَح إِذْ قد يحْتَاج إِلَى إِلْقَاء السهْم فِي القلعة ثمَّ إِذا صَحَّ فَلَا بُد من تَسَاوِي السهمين والقوسين فِي اللين والخفة حَتَّى إِن الرُّمَاة يتضايقون فِيهِ إِلَى حد يشرطون الرَّمْي عَن قَوس وَاحِد بِسَهْم وَاحِدَة الشَّرْط الْخَامِس أَن يرد العقد على رُمَاة مُعينين وَلَا يجوز إِيرَاده على الذِّمَّة ثمَّ تعْيين الرُّمَاة وَيصِح العقد بَين الحزبين وَلَكِن التحزب يكون بِالتَّرَاضِي لَا بالتحكم وَلَا يجوز أَن يكن بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا قد يجْتَمع الحذاق فِي جَانب إِلَّا أَن يقرعُوا أَولا ثمَّ ينشئون العقد على مَا ميزت الْقرعَة فَإِن ذَلِك رضَا مُسْتَأْنف وَهُوَ جَائِز إِلَّا إِذا علم قطعا فوز أحد الحزبين فَذَلِك لَا ينْعَقد على وَجه لانْتِفَاء الْخطر وَلَا خلاف فِي أَنه لَو ترامى غَرِيبَانِ صَحَّ وَإِن أمكن أَن يكون أَحدهمَا بِحَيْثُ لَو علم حَاله لتحَقّق عَجزه أَو ظفره وَلَكِن إِن بَان تفَاوت يرفع الإحتمال فيتبين بطلَان العقد ثمَّ لَا يشْتَرط التَّسَاوِي فِي عدد الرُّمَاة فِي التحزب بل فِي الْإِصَابَة فقد يرامي وَاحِد اثْنَيْنِ وَلَكِن يَرْمِي الْوَاحِد سَهْمَيْنِ وكل وَاحِد من الْإِثْنَيْنِ سَهْما وَاحِدًا ثمَّ يفض السَّبق على عدد الرُّءُوس وَإِن اخْتلفُوا فِي عدد الْإِصَابَة إِلَّا أَن يشْتَرط التَّوْزِيع على عدد الْإِصَابَة

ثمَّ الْمُحَلّل فِي التحزب يجوز أَن يكون من الحزبين وَيجوز أَن يكون خَارِجا عَنْهُمَا يناضلهم أَو لَا يناضلهم فَلَو شَرط أحد الحزبين لوَاحِد مِنْهُم الْغنم دون الْغرم فقد حلل هَذَا لنَفسِهِ وَهل يحلل لغيره فعلى الْخلاف الْمَذْكُور وَهَا هُنَا اولى بِأَن يَصح لِأَن الْمُحَلّل هُوَ الَّذِي يسْتَحق جَمِيع السهْم وَهَذَا لَا يسْتَحق إِلَّا بعض السهْم فرع لَو ترامى حزبان واجتاز بهما رجلَانِ قبل العقد فَاخْتَارَ كل وَاحِد وَاحِدًا ثمَّ

عقدا جَازَ فَإِن خرج أَحدهمَا أخرق لم يكن لَهُ خِيَار الرَّد فَإِنَّهُ المقصر إِذْ عقد قبل الْبَحْث وَإِن بَان أَنه غير رام أصلا سقط وَسقط مُقَابِله وَهَذَا ينقدح إِذا لم يقدر على نزع الْقوس أما إِذا لم يكن تعلم أصلا وَلَكِن يقدر على الرَّمْي فَيحْتَمل خلافًا فِي جَوَاز مناضلة مثله إِذْ لَا خطر فِيهِ فَإِن لم نجوز فَيسْقط وَإِلَّا احْتمل أَن يَجْعَل كالأخرق الشَّرْط السَّادِس تعْيين الْموقف مَعَ التَّسَاوِي فَلَو شَرط لبَعْضهِم التَّقَدُّم فَهُوَ بَاطِل كَمَا فِي الْمُسَابقَة وَأما الْوَاقِف فِي الْوسط فَلَا شكّ أَنه أقرب إِلَى الْمُحَاذَاة وَلَكِن هَذَا الْقدر يحْتَمل لضَرُورَة الصَّفّ فَإِن تنازعوا فِيهِ فَهُوَ كالبداية بِالرَّمْي والتنافس فِيهِ وَقد ذَكرْنَاهُ فرع لَو تراضوا بتقدم وَاحِد فَلَا يجوز وَكَأَنَّهُم رَضوا بِأَن يفوز من غير رمي مَحْسُوب أَو حطوا الْعشْرَة فِي حَقه إِلَى التِّسْعَة

أما إِذا تطابقوا برد الْجُمْلَة من الْعشْرَة إِلَى التِّسْعَة أَو بالتقدم بأجمعهم أَو التَّأَخُّر فَهَذَا تَغْيِير لصفة العقد وسنذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى أما إِذا تَأَخّر وَاحِد بِالرَّمْي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ مُضر بِنَفسِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قد يَسْتَفِيد بِهِ أمنا من مروق السهْم ومروق السهْم قد يمْنَع الإحتساب على رَأْي سنبينه وترداد الْفَارِس ببعد الميدان زِيَادَة حِدة فِي الدَّابَّة

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يسْتَحق بِهِ السَّبق والسبق بِنصب الْبَاء عبارَة عَن المَال الْمَشْرُوط للسابق وَإِنَّمَا يسْتَحق بِوُجُود الشَّرْط وَفِي الشَّرْط صور الأولى أَن يشْتَرط الْإِصَابَة فَلَا يحْسب مَا يُصِيب بِعرْض السهْم أَو بفوقه ويحسب مَا يُصِيب ويرتد وَلَا يخرق وَإِن أصَاب جدارا أَو شَجرا ثمَّ مرق إِلَى الهدف فعادة الرُّمَاة أَن لَا يحْسب وللفقهاء فِيهِ تردد وَلَو أصَاب الأَرْض ثمَّ ارْتَفع إِلَى الهدف فَأولى بِأَن يحْسب وَإِن خرق طرف الهدف فَإِن حصل فِيهِ جَمِيع جرم النصل حسب وَإِن حصل فِيهِ بعض جرمه فَفِيهِ حلاف وَأولى بِأَن يحْسب الثَّانِيَة إِذا شَرط الخواسق وَهِي الخوارق أَي الَّتِي تخرق الهدف فَإِن خرق طرف الهدف فَهُوَ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِصَابَة وَإِن وَقع فِي ثقبة قديمَة وَثَبت فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ يخرق وَلَكِن كَانَ بِحَيْثُ لَو لم تكن الثقبة تخرق وَالأَصَح أَنه يحْسب وَإِن خرق وَلم يثبت وَلَكِن مرق حسب لِأَنَّهُ خرق وَزَاد وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ فِي أَن الثُّبُوت هَل يشْتَرط فِي الخواسق وَهُوَ بعيد الثَّالِثَة إِذا شَرط عشر قرعات من مائَة رشق مبادرة وَمعنى الْقرعَة الْإِصَابَة فَرمى أَحدهمَا خمسين وَقد تمت لَهُ الْعشْرَة اسْتحق السَّبق وَلَكِن هَل عَلَيْهِ إتْمَام الْعَمَل فِيهِ وَجْهَان

وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعَمَل مَقْصُود للتعلم وَمَعَ هَذَا فَلَا شكّ أَن خارجيا لَو شَرط لَهُ على إِصَابَته الَّتِي بهَا يسْتَحق شَيْئا آخر اسْتحق ذَلِك أَيْضا لِأَن الْعَمَل الْوَاحِد يَفِي فِي التَّعَلُّم بالغرضين وَلَو شَرط فِي المحاطة عشر قرعات خَالِصَة فحصلت من خمسين وَقُلْنَا لَا يشْتَرط إتْمَام الْعَمَل فِي الْمُبَادرَة فهاهنا وَجْهَان لِأَنَّهُ يتَوَقَّع الْحَط فِي الثقبة وَالَّذِي لَا يُوجب يَقُول إِنَّمَا المحاطة قبل تَمام الْعشْرَة خَالِصا لوَاحِد وَأما الْحَط من عشرَة خَالِصَة فَلَا وَجه لَهُ وَالْقَائِل الآخر يجوز الْحَط من الْخَالِص أما إِذا تمت عشرته فِي آخر الْخمسين وَالْآخر بعد مَا رمى إِلَّا تِسْعَة وَأَرْبَعين فَلَا يسْتَحق الأول فَإِنَّهُ رُبمَا يُصِيب صَاحبه فيحطه إِلَى تِسْعَة وَكَذَلِكَ فِي الْمُبَادرَة لَو تمّ لَهُ عشرَة بالخمسين وَتمّ للْآخر تِسْعَة فِي تِسْعَة وَأَرْبَعين فَلَا يسْتَحق السَّابِق حَتَّى يُسَاوِيه الآخر فِي الرشق فَإِن أصَاب فِي آخر الْخمسين فقد تَسَاويا وَإِن أَخطَأ اسْتحق الأول الرَّابِعَة لَو قَالَ لرام ارْمِ عشرَة فَإِن كَانَت إصابتك أَكثر فلك دِينَار فَإِن أصَاب سِتَّة على التوالي اسْتحق وَفِي لوم إتْمَام الْعَمَل الْخلاف أما إِذا قَالَ ارْمِ خمْسا عَنْك وخمسا عني فَإِن أصبت فِيمَا عَنْك فلك كَذَا فَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ يناضل نَفسه فيقصر فِي حق صَاحبه

الْخَامِسَة إِذا تشارطوا أَن الْقَرِيب مَحْسُوب وقدروه بالذراع جَازَ وَكَأَنَّهُ وسع الهدف وَإِن أطلق وَلَهُم عَادَة مطردَة ينزل عَلَيْهَا وَإِلَّا فسد للْجَهَالَة وَقيل إِنَّه ينزل على احتساب الْأَقْرَب إِذا كَانَ سهم أَحدهمَا أقرب فَازَ وَإِن كَانَ بَعْضهَا أقرب وَبَعضهَا أبعد وجميعا أقرب من سِهَام صَاحبه سقط سِهَام صَاحبه وَهل يسْقط أقربه أبعده فِيهِ تردد وَالصَّحِيح أَنه لَا يسْقط أما إِذا تشارطوا صَرِيحًا إِسْقَاط الْقَرِيب الْأَقْرَب أَو إِسْقَاط الْإِصَابَة للقريب فَهُوَ مُتبع وَإِن تشارطوا إِخْرَاج وسط القرطاس وَمَا حواليه ذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِي صِحَة ذَلِك من حَيْثُ إِن وسط القرطاس يتَعَذَّر قَصده وَقد يُصِيبهُ الأخرق وفَاقا فرع فِي النكبات الطارئة فَإِذا مرق السهْم مِنْهُ فَوق الهدف وَوَقع على بعد مفرط لسوء رميه فَهُوَ مَحْسُوب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ لانكسار قَوس أَو سهم أَو انْقِطَاع وتر وَوَقع على بعد مفرط فَلَا يحْسب عَلَيْهِ من رشقه بل يرد إِلَيْهِ السهْم ليعيد رميه وَإِن وَقع على قرب حسب عَلَيْهِ على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن النكبة لم يظْهر أَثَرهَا فِي الإبعاد وعَلى وَجه آخر لَا يحْسب عَلَيْهِ وَلَو أصَاب مَعَ ذَلِك يحْسب لَهُ على الْوَجْه الأول وَإِن فرعنا على الثَّانِي فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ يظْهر حمله على وفَاق فَلَا يظْهر بِهِ الحذق وَلَو عرض بَهِيمَة فأصابها ومرق إِلَى الهدف فَالْأَصَحّ أَنه يحْسب وَيدل على استقامة رميه وقوته وَفِيه وَجه أَنه يحمل على وفَاق فَلَا يحْسب لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْعَارِض هُوَ الرّيح فَإِن اقْترن بالإبتداء لم يعْذر إِذْ هُوَ

المقصر حَيْثُ ابْتَدَأَ مَعَ الرّيح وللحذاق نيقة فِي الرَّمْي عِنْد الرّيح بإمالة النّظر وَكَذَا إِذا انْكَسَرَ الْقوس لسوء فعله فَلَا أثر فليتعلم وَإِن عصفت ريح عَظِيمَة فِي وسط الرَّمْي فَهَل يعْذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يعْذر لِأَن السهْم أحد من الرّيح فَلَا يُؤثر فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يعْذر لِأَنَّهُ قد تُؤثر وَأما الرّيح اللينة فَلَا تُؤثر أما إِذا انْكَسَرَ السهْم بنصفين وَأصَاب بالمقطع من النّصْف الَّذِي فِيهِ الفوق حسب وَإِن أصَاب بالنصل لم يحْسب لِأَن قُوَّة الرَّمْي تبقى فِي ذَلِك النّصْف لَا فِي النصل وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ النّظر إِلَى النصل فَأَما إِذا أصَاب بالفوق أَو الْعرض فَلَا يحْسب

الْفَصْل الثَّالِث فِي جَوَاز هَذِه الْمُعَامَلَة وفيهَا قَولَانِ كَمَا فِي الْمُسَابقَة فَإِن قُلْنَا باللزوم لم يجب تَسْلِيم السَّبق إِلَى تَمام الْعَمَل وَفِيه وَجه يجْرِي فِي الْمُسَابقَة أَنه يجب كتسليم الْأُجْرَة لِأَن الإنهدام فِي الدَّار أَيْضا متوقع إِلَّا أَن انهدام الدَّار بعيد وَأما الْفَوْز فتقديره لَيْسَ بأغلب من نقيضه وَيُفَارق الْإِجَارَة أَيْضا فِي أَنه لَو مَاتَ الْعَاقِد انْفَسَخ لِأَن العقد مُتَعَلق بِعَيْنِه وَلَو مَاتَ الْفرس انْفَسَخت الْمُسَابقَة وَلَو مَاتَ المسابق وَالْفرس قَائِم انقدح أَن يُقَال على الْوَارِث إِتْمَامه لِأَن الأَصْل الْفرس وَفِيه بعد أَيْضا لِأَن للفارس فِيهِ دخلا ظَاهرا وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ تفرع أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا جَوَاز إِلْحَاق الزِّيَادَة بالإرشاق والقرعات بِالتَّرَاضِي فَلَو استبد أَحدهمَا دون صَاحبه فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لاغ وَالثَّانِي أَنه مُعْتَبر وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر من الْغَالِب دون المنضول لِأَن المنضول إِذا استشعر الضعْف فَلَا يزَال يدافع بِالزِّيَادَةِ ثمَّ نعني بالغالب الَّذِي ظهر استيلاؤه وقارب الظفر فَلَا يَكْفِي التَّقَدُّم بِقرْعَة وقرعتين فَإِن ذَلِك سريع التَّغَيُّر وَإِذا قُلْنَا إِنَّه يعْتَبر لم يلْزم فِي حق صَاحبه بل إِن تثاقلت عَلَيْهِ فليفسخ العقد كَمَا لَو زَاد الْجَاعِل عملا على المجعول يجْرِي فِيهِ هَذَا الْخلاف فَإِن اعْتبر فللمجعول فسخ العقد وَطلب أُجْرَة الْمثل بِخِلَاف مَا لَو فسخ تشهيا بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل بِغَيْر عذر فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق شَيْئا الثَّانِي الْفَسْخ وَذَلِكَ جَائِز لكل وَاحِد عِنْد التَّسَاوِي وَجَائِز من الناضل وَهل ينفذ من

المنضول يَنْبَنِي على أَن زِيَادَته هَل تلتحق فَإِن قُلْنَا لَا تلتحق فَكَأَنَّهُ صَار لَازِما فِي حق المنضول وَيجْرِي مثل هَذَا الْخلاف إِذا فسخ الْجَاعِل وَقد فرغ المجعول عَن بعض الْعَمَل وَكَانَ مَا يخص عمله من الْمُسَمّى يزِيد على أجر الْمثل أَنه هَل ينفذ الثَّالِث النُّقْصَان من الإرشاق والقرعات كالزيادة وَلَيْسَ كالإبراء عَن الثّمن أما الْإِبْرَاء عَن السَّبق فَيخرج على الْإِبْرَاء قبل الْوُجُوب وَبعد جَرَيَان السَّبَب الرَّابِع الإبطاء وَذَلِكَ جَائِز على قَول الْجَوَاز بل لَهُ الْإِعْرَاض وعَلى قَول اللُّزُوم يجب الجري على الْعَادة فرع لَو قَالَ المنضول للنضال حط فضلك وَلَك عَليّ كَذَا لم يجز على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مُقَابلَة بحط الْفضل بِمَال وَلَا أصل لمثل هَذِه الْمُعَاوضَة سَوَاء كَانَ العقد جَائِزا أَو لَازِما وَالله تَعَالَى أعلم

= كتاب الْأَيْمَان = وَالنَّظَر فِي الْيَمين وَالْكَفَّارَة والحنث فنعقد فِي كل وَاحِد بَابا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْيَمين وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الصَّرِيح وَالْكِنَايَة وَالْيَمِين عبارَة عَن تَحْقِيق مَا يحْتَمل الْمُخَالفَة بِذكر اسْم الله تَعَالَى أَو بِصفة من صِفَاته مَاضِيا كَانَ أَو مُسْتَقْبلا لَا فِي معرض اللَّغْو والمناشدة وأشرنا بالماضي إِلَى يَمِين الْغمُوس فَإِنَّهَا توجب الْكَفَّارَة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

وأشرنا بِاللَّغْوِ إِلَى قَول الْعَرَب لَا وَالله وبلى وَالله فِي معرض المحاورة من غير قصد إِلَى التَّحْقِيق فَلذَلِك لَا يُوجب الْكَفَّارَة وَهُوَ لَغْو إِلَّا فِي الطَّلَاق وَالْعتاق فَإِن الْعَادة مَا جرت بِاللَّغْوِ فِيهِ وَإِنَّمَا يخرج عَن كَونه لَغوا بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّة على قصد التَّحْقِيق وَأما المناشدة فَهُوَ أَن يَقُول أقسم بِاللَّه عَلَيْك لتفعلن فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد لَا عَلَيْهِ وَلَا على الْمُخَاطب إِلَّا أَن يقْصد العقد على نَفسه فَيصير حَالفا فَيحنث بمخالفة الْمُخَاطب وَأما قَوْلنَا بِاللَّه أَو بصفاته احترزنا بِهِ عَن قَوْله وَحقّ الْكَعْبَة وَالنَّبِيّ وقبره وشعره وَجِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة فاليمين بِهِ وَبِكُل مَخْلُوق لَا يُوجب الْكَفَّارَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف فليحلف بِاللَّه وَإِلَّا فليصمت

وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن فعلت كَذَا فَأَنا يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو بَرِيء من الله لم تلْزمهُ الْكَفَّارَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِنَّمَا يسْتَثْنى عَن هَذَا الأَصْل يَمِين اللجاج وَالْغَضَب على قَول ثمَّ الْيَمين يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ صَرِيح وكناية بِالْإِضَافَة إِلَى أَسمَاء الله تَعَالَى وَهِي على أَربع مَرَاتِب الْمرتبَة الأولى أَن يذكر اسْما لَا يُطلق إِلَّا على الله تَعَالَى فِي معرض التَّعْظِيم كَقَوْلِه بِاللَّه وبالرحمن والرحيم وبالخالق والرازق فَهَذَا صَرِيح وَإِن لم ينْو فَإِن قَالَ أردْت بِاللَّه أَي وثقت بِاللَّه ثمَّ ابتدأت لَأَفْعَلَنَّ فَهَذَا لَا يقبل ظَاهرا فِي الْإِيلَاء

وَغَيره وَهل يدين بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان الْمرتبَة الثَّانِيَة أَن يذكر اسْما مُشْتَركا يُطلق على الله وعَلى غَيره كالعليم والحكيم والرحيم والجبار وَالْحق وَأَمْثَاله فَهُوَ كِنَايَة وَإِنَّمَا يصير يَمِينا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّة وَكَذَلِكَ قَوْله وَحقّ الله إِذْ قد يُرَاد بِهِ حُقُوقه من الْعِبَادَات وَقد يُرَاد اسْتِحْقَاقه للإلهية الْمرتبَة الثَّالِثَة أَن يحلف بِالصِّفَاتِ كَقَوْلِه بقدرة الله وَعلمه وَكَلَامه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كَقَوْلِه بِاللَّه فَلَا يقبل فِيهِ التورية وَالثَّانِي أَنه كِنَايَة

وَالثَّالِث أَنه يدين بَاطِنا وَفِي قبُوله ظَاهرا وَجْهَان إِذْ قد يُرَاد بِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُور وبالعلم الْمَعْلُوم فَيَقُول رَأَيْت قدرَة الله أَي آثَار صنعه وَلَو قَالَ وجلال الله وعظمته وكبريائه فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالحلف بِاللَّه وَالثَّانِي أَنه كالحلف بِالْقُدْرَةِ إِذْ قد يَقُول رَأَيْت جلال الله وَيُرِيد آثَار صنعه وَقَوله وَحُرْمَة الله قيل إِنَّه كَقَوْلِه وَحقّ الله وَقيل إِنَّه كالصفات وَقَوله لعمر الله قيل إِنَّه حلف بِبَقَاء الله فَهُوَ كالصفات وَقيل إِنَّه كِنَايَة

الْمرتبَة الرَّابِعَة مَا لَا يصير يَمِينا وَإِن نوى وَهُوَ مَا لَا تَعْظِيم فِيهِ كَقَوْلِه وَالشَّيْء الْمَوْجُود والمرئي وَأَرَادَ بِهِ الله تَعَالَى فَلَيْسَ بِيَمِين وَإِن نوى إِذْ لم يذكر اسْما مُعظما وَذكر اسْم مُعظم لَا بُد مِنْهُ وَلَو قَالَ بله وَقصد التلبيس فَلَيْسَ بحالف وَكَذَلِكَ إِن لم يقْصد فَإِن البلة من الرُّطُوبَة إِلَّا إِذا نوى الْيَمين فَيحمل حذف الْألف على لحن قد تجْرِي بِهِ الْعَادة عِنْد الْوَقْف هَذَا فِي انقسام الْيَمين بِذكر اسْم الله تَعَالَى وينقسم أَيْضا بِذكر الصلات وَهِي على دَرَجَات فَإِنَّهَا تَنْقَسِم إِلَى حُرُوف وكلمات أما الْكَلِمَات فَقَوله أَقْسَمت بِاللَّه أَو أقسم بِاللَّه أَو حَلَفت بِاللَّه أَو أَحْلف فَهَذَا يحْتَمل الْإِخْبَار والوعد فَإِن نوى الْيَمين فَهُوَ يَمِين وَإِن قصد الْوَعْد والإخبار فَلَا وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَيْسَ بِيَمِين لتردد اللَّفْظ وَالثَّانِي أَنه يَمِين للْعَادَة الدرجَة الثَّانِيَة مَا هُوَ كِنَايَة قطعا كَقَوْلِه وعهد الله وَعلي عهد الله أَو نذرت بِاللَّه أما قَوْله أزخداي تَعَالَى بديرفتم قيل إِنَّه كِنَايَة وَقيل هُوَ كَقَوْلِه حَلَفت بِاللَّه

الدرجَة الثَّالِثَة وَهُوَ بَين المرتبتين قَوْله أشهد بِاللَّه مِنْهُم من قَالَ إِنَّه كِنَايَة قطعا وَقَالَ المراوزة هُوَ كَقَوْلِه أقسم بِاللَّه وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَو قَالَ الْملَاعن فِي لِعَانه أشهد بِاللَّه كَاذِبًا فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة وَجْهَان وَهَذَا جَار وَإِن قصد الْيَمين لِأَن اللّعان صرف الْيَمين إِلَى اقْتِضَاء الْفِرَاق فَيحْتَمل خلافًا فِي الْكَفَّارَة فِيهِ كَمَا فِي الْإِيلَاء

الدرجَة الرَّابِعَة أَن يَقُول وَايْم الله الظَّاهِر أَنه كَقَوْلِه أَحْلف بِاللَّه وَقيل إِنَّه كَقَوْلِه بِاللَّه فَإِنَّهُ صَرِيح فِيمَا بَين الْعَرَب وَأَصله أَيمن الله والأيمن جمع الْيَمين أما الْحُرُوف فَهِيَ الْبَاء وَالتَّاء وَالْوَاو وَالْفَاء وَقَوله وَالله وتالله كقلوه بِاللَّه وَنقل نَص عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن تالله لَيْسَ بِيَمِين فَقيل هُوَ كَقَوْلِه أقسم بِاللَّه وَالصَّحِيح أَنه يَمِين قطعا وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ مَا إِذا قَالَ القَاضِي فِي الْقسَامَة قل بِاللَّه فَقَالَ تالله لم يكن يَمِينا للمخالفة أما قَوْله يَا الله فَلَيْسَ بِيَمِين وَلَو قَالَ الله لَأَفْعَلَنَّ لم يكن يَمِينا إِلَّا أَن يَنْوِي وَلَو قَالَ الله لَأَفْعَلَنَّ بالخفض كَانَ يَمِينا وَلَو لم ينْو

الْفَصْل الثَّانِي فِي يَمِين الْغَضَب واللجاج فَإِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَللَّه عَليّ صَوْم أَو حج أَو صَدَقَة أَو ذكر عبَادَة تلتزم بِالنذرِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يلْزمه الْوَفَاء كَمَا لَو قَالَ إِن شفى الله مريضي فَللَّه عَليّ صَوْم أَو علقه بِدفع بلية أَو حُصُول نعْمَة وَالثَّانِي أَنه يلْزمه كَفَّارَة يَمِين لِأَن هَذَا يقْصد للْمَنْع بِخِلَاف نذر التبرر فَإِنَّهُ يذكر للتقرب وَالثَّالِث أَن يتَخَيَّر بَين الْوَفَاء وَالْكَفَّارَة لتردد اللَّفْظ بَين الْمَعْنيين التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يلْزمه الْكَفَّارَة فَإِنَّمَا يكون فِيمَا لَيْسَ بِنِعْمَة كَقَوْلِه إِن دخلت نيسابور أَو شربت أَو زَنَيْت وَلَو قَالَ إِن دخلت مَكَّة أَو لم أشْرب

أَو صليت فَهَذَا مُحْتَمل للوجهين فَيرجع إِلَى قَصده أما إِذا علقه بمباح لَا على قصد الْمَنْع بل لِحِرْصِهِ على ذَلِك الشَّيْء كَقَوْلِه إِن لم آكل أَي انْكَسَرت شهوتي بِتَوْفِيق الله أَو دخلت نيسابور أَي إِن بقيت إِلَى ذَلِك الْوَقْت فَهَذَا فِيهِ تردد فَمنهمْ من منع التبرر فِي الْمُبَاحَات فروع الأول إِذا قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي نذر نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَهُوَ تَفْرِيع على قَول الْكَفَّارَة وَإِن فرعنا على الْوَفَاء فَيَنْبَغِي أَن تجب هَاهُنَا عبَادَة مَا وَإِلَيْهِ التَّعْيِين وَله تعْيين كل مَا يتَصَوَّر الْتِزَامه بِالنذرِ وَإِن قَالَ إِن فعلت فعلي يَمِين فَهُوَ لَغْو إِذْ لم يَأْتِ بِمَا يشْعر بِعبَادة وَلَا بِصِيغَة الْحلف وَقيل عَلَيْهِ مَا على الْحَالِف الثَّانِي لَو قَالَ مَالِي صَدَقَة أَو فِي سَبِيل الله قَالَ القَاضِي هُوَ لَغْو لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِصِيغَة الإلتزام وَفِيه وَجْهَان آخرَانِ أَحدهمَا أَن ذَلِك كَقَوْلِه عَليّ صَدَقَة وَالثَّانِي أَنه يتَعَيَّن مَاله للصدقة كَقَوْلِه جعلت هَذِه الشَّاة ضحية وَهُوَ

بعيد وعَلى الْوُجُوه الثَّلَاثَة يخرج مَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَمَالِي صَدَقَة هَذَا بَيَان الْيَمين الْمُوجبَة وكل ذَلِك إِذا لم يعقبه الإستثناء فَلَو قَالَ بعد الْيَمين إِن شَاءَ الله لم يلْزمه شَيْء كَمَا ذكرنَا فِي الطَّلَاق

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْكَفَّارَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي السَّبَب والكيفية والملتزم النّظر الأول فِي سَبَب الْوُجُوب وَهُوَ الْيَمين عندنَا دون الْحِنْث لَكِن الْيَمين يُوجب عِنْد الْحِنْث كَمَا يُوجب ملك النّصاب عِنْد آخر الْحول لِأَن الْحِنْث لَا يحرم بِالْيَمِينِ بل يبْقى تَحْرِيمه وإباحته كَمَا كَانَ نعم فِي الأولى ثَلَاثَة أوجه إِذا عقد على مُبَاح أَحدهَا أَن الأولى الْبر لتعظيم الْيَمين وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الأولى الْحِنْث لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَة وَالثَّالِث أَنه يبْقى كَمَا كَانَ وَأما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قضى بِتَحْرِيم الْحِنْث عَلَيْهِ وَبنى عَلَيْهِ أَن يَمِين الْغمُوس لَا ينْعَقد إِذْ الْمَاضِي لَا يُمكن تَحْرِيمه وَقضى بِأَنَّهُ لَو قَالَ حرمت هَذَا الطَّعَام لَزِمته الْكَفَّارَة

وَعِنْدنَا لَا يلْزم إِلَّا فِي تَحْرِيم الْبضْع وَفِيه وَردت الْآيَة وَقضى بِلُزُوم الْيَمين فِي قَوْله إِن فعلت كَذَا فَأَنا يَهُودِيّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي معنى التَّحْرِيم وَقَالَ لَا ينْعَقد يَمِين الْكَافِر إِذْ لَيْسَ مأخوذا بِتَحْرِيم شرعنا وَقَالَ لَا تقدم الْكَفَّارَة على الْحِنْث وَإِن قدم الزَّكَاة على الْحول وَمَالك رَحمَه الله يجوز تَعْجِيل الْكَفَّارَة دون تَعْجِيل الزَّكَاة وَعِنْدنَا يجوز تعجيلهما إِلَّا إِذا حلف على مَحْظُور فَفِي جَوَاز تَقْدِيم الْكَفَّارَة وَجْهَان

أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تمهيد للتوصل إِلَى الْحَرَام وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه يجوز لِأَن التَّحْرِيم يباين مَأْخَذ الْيَمين

هَذَا فِي الْكَفَّارَة الْمَالِيَّة تَشْبِيها بِالزَّكَاةِ أما بِالصَّوْمِ فَالْمَذْهَب أَنه لَا يقدم لَا سِيمَا فِي الْيَمين وَهُوَ مُرَتّب على الْعَجز وَلَا يتَحَقَّق الْعَجز إِلَّا بعد الْوُجُوب وَفِيه وَجه أَنه يجوز لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير ثمَّ يجْرِي التَّقْدِيم فِي كل كَفَّارَة بعد جَرَيَان سَبَب الْوُجُوب وَكَفَّارَة الْقَتْل

تجْرِي بعد الْجرْح وَقبل الزهوق وَكَفَّارَة الظِّهَار بعد الظِّهَار وَقبل الْعود إِن أمكن وكفارات الْحَج بعد الْإِحْرَام وَقبل ارْتِكَاب الْأَسْبَاب وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز قبل ارْتِكَاب الْمَحْظُور لِأَن الْإِحْرَام لَيْسَ سَببا بل الإرتكاب للمحظور هُوَ السَّبَب النّظر الثَّانِي فِي الْكَيْفِيَّة وَهَذِه الْكَفَّارَة فِيهَا تَخْيِير وترتيب فَيتَخَيَّر بَين

عتق رَقَبَة وَكِسْوَة عشرَة مَسَاكِين وإطعام عشرَة مَسَاكِين لكل وَاحِد مد فَإِن عجز عَن جَمِيع ذَلِك فصوم ثَلَاثَة أَيَّام مُتَفَرقًا أَو مُتَتَابِعًا وَفِيه قَول قديم أَنه يجب التَّتَابُع حملا للمطلق على الْمُقَيد فِي الظِّهَار وَكَيْفِيَّة الْكَفَّارَة ذَكرنَاهَا فِي الظِّهَار وَإِنَّمَا نذْكر الْآن الْكسْوَة وَالنَّظَر فِي قدرهَا وجنسها وصفتها أما الْقدر فَلَا يشْتَرط دست ثوب بل يَكْفِي ثوب وَاحِد كجبة أَو قَمِيص أَو رِدَاء أَو سَرَاوِيل أَو عِمَامَة قَصِيرَة ثمَّ لَا يشْتَرط الْمخيط بل يَكْفِي الكرباس وَلَو سلم إِلَى طِفْل يواريه خرقَة كَفاهُ إِذا قبضهَا وليه وَلَو سلم إِلَى كَبِير مَا يستر طفْلا فَالظَّاهِر جَوَازه وَلَا ينظر إِلَى الْآخِذ هَكَذَا قَالَه القَاضِي وَقَالَ غَيره لَا بُد أَن ينظر إِلَى الْآخِذ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الْوَاجِب مَا يستر الْعَوْرَة بِحَيْثُ تصح الصَّلَاة مَعَه وَهُوَ قَول حَكَاهُ الْبُوَيْطِيّ أما الْجِنْس فيجزىء الْقطن والإبريسم والكتان وَالصُّوف وَفِي الدرْع وَجْهَان

لِأَنَّهُ أَيْضا ملبوس تجب الْفِدْيَة على الْمحرم بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْخُف والشمشك والقلنسوة وَجْهَان أما النَّعْل فَلَا يجزىء كالمنطقة على وَجه وعَلى وَجه هُوَ كالشمشك وَلم يعْتَبر فِي الثَّوْب غَالب جنس ملبوس أهل الْبَلَد قَالَ القَاضِي وَلَو اعْتبر ذَلِك لم يبعد أما الصّفة فَيُؤْخَذ الْجَدِيد والخلق والمعيب إِلَّا إِذا صَار بِكَثْرَة الإستعمال منسحقا بِحَيْثُ يتمزق على الْقرب أَو تمزق بالإستعمال ورقع النّظر الثَّالِث فِيمَن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَتجب الْكَفَّارَة على كل مُكَلّف حنث حرا كَانَ أَو عبدا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا بَقِي حَيا أَو مَاتَ قبل الْأَدَاء وَالنَّظَر فِي الْمَيِّت وَالْعَبْد أما الْمَيِّت فَلهُ أَحْوَال الأولى أَن يكون لَهُ تَرِكَة وَعَلِيهِ كَفَّارَة مرتبَة فعلى الْوَارِث الْإِعْتَاق عَنهُ وَلَا بَأْس بِحُصُول الْوَلَاء لَهُ بِغَيْر إِذْنه وَتثبت هَذِه الْخلَافَة للضَّرُورَة وَإِن كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين فَلهُ أَن يكسو وَيطْعم عَنهُ وَلَا ضَرُورَة فِي تَحْصِيل الْوَلَاء لَهُ فَفِي إِعْتَاقه عَنهُ وَالْكَفَّارَة مخيرة وَجْهَان وَالأَصَح الْجَوَاز الثَّانِيَة أَن لَا يكون لَهُ تَرِكَة فللوارث أَن يكسو وَيطْعم عَنهُ مُتَبَرعا وَفِي التَّبَرُّع بِالْإِعْتَاقِ عَنهُ وَجْهَان مرتبان على الْكَفَّارَة المتخيرة وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ التَّرِكَة

علقَة مسلطة وتبرع الْأَجْنَبِيّ بِالْعِتْقِ عَنهُ لَا يجوز وَفِي إطعامه وَكسوته وَجْهَان وَفِي عتق الْأَجْنَبِيّ عَنهُ وَجه بعيد أَنه ينفذ كالكسوة وَفِي إطْعَام الْوَارِث وَجه بعيد أَنه لَا يجوز كالإعتاق وهما بعيدان أما الصَّوْم فَفِي صَوْم الْوَلِيّ عَنهُ خلاف

وَالْأَجْنَبِيّ الْمَأْذُون لَهُ فِي الصَّوْم كالولي الَّذِي لَيْسَ بمأذون فِي الصَّوْم وَفِي صَوْم الْأَجْنَبِيّ من غير إِذن خلاف مُرَتّب على الْإِطْعَام وَأولى بِالْمَنْعِ وَإِن قُلْنَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة فَلَو مرض بِحَيْثُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَفِي الصَّوْم عَنهُ وَهُوَ حَيّ وَجْهَان كشبهه بِالْحَجِّ حَيْثُ تطرقت إِلَيْهِ النِّيَابَة وَلكنه بِالْجُمْلَةِ أبعد عَن النِّيَابَة الثَّالِثَة إِذا مَاتَ وَله تَركه وَعَلِيهِ دُيُون فَفِي تَقْدِيم حق الله أَو الْآدَمِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال ذَكرنَاهَا فِي الزَّكَاة فَإِن قُلْنَا تقدم الدُّيُون فَكَأَنَّهُ لَا تَرِكَة لَهُ وَلَو حجر عَلَيْهِ بالإفلاس قدم الدُّيُون قطعا لِأَن الْكَفَّارَة على التَّرَاخِي فرع لَو أوصى أَن يعْتق عَن كَفَّارَة يَمِينه عبد وَقِيمَته تزيد على الطَّعَام وَالْكِسْوَة فَفِيهِ وَجها أَحدهمَا أَنه يحْسب من الثُّلُث لِأَن تعْيين الْعتْق تبرع وَالثَّانِي لَا بل هُوَ أحد الْخِصَال الْوَاجِبَة وَقد تعين بتعيينه فَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْسب من الثُّلُث فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن قدر قيمَة الطَّعَام يحْسب من رَأس المَال وَالزَّائِد إِن لم يَفِ الثُّلُث بِهِ عدلنا إِلَى الطَّعَام وَالثَّانِي وَهُوَ ظَاهر النَّص أَن الثُّلُث إِن لم يَفِ بِأَصْل قيمَة العَبْد عدلنا إِلَى الطَّعَام أما العَبْد فَإِذا حلف فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّوْم لِأَن الصَّحِيح أَنه لَا يملك بالتمليك وَللسَّيِّد منع الْجَارِيَة عَنهُ للإستمتاع لِأَنَّهُ على التَّرَاخِي وَله مِنْهُ العَبْد الَّذِي يضعف عَن الْخدمَة عَن الصَّوْم وَإِن كَانَ قَوِيا فَلَا وَإِن كَانَ الْحِنْث أَو الْيَمين أَو كِلَاهُمَا

بِإِذن السَّيِّد فَفِيهِ نظر مَا ذَكرْنَاهُ فِي الظِّهَار وَمنعه عَن صَوْم كَفَّارَة الظِّهَار غير مُمكن لِأَن فِيهِ إدامة التَّحْرِيم وإضرارا بِالْعَبدِ أما إِذا مَاتَ العَبْد فللسيد أَن يكفر عَنهُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَة وَإِن قُلْنَا إِن العَبْد لَا ملك لَهُ لِأَنَّهُ إِذا مَاتَ فَلَا رق عَلَيْهِ وَالْحر الْمَيِّت أَيْضا لَا ملك لَهُ وَإِن أعتق عَنهُ فَوَجْهَانِ لعسر الْوَلَاء فِي حق الرَّقِيق أما إِعْتَاق العَبْد مِمَّا ملكه على قَوْلنَا إِنَّه يملك بالتمليك فَفِيهِ تَفْصِيل ذَكرْنَاهُ فِي الْبَسِيط فَلَا نطول بِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيع على قَول ضَعِيف فرع من نصف حر وَنصفه عبد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يكفر بِالْمَالِ إِن كَانَ لَهُ مَال وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يجوز إِلَّا الصَّوْم لِأَن المَال يَقع عَن جملَته إِذْ التجزئة لَا تمكن فِي الْمُؤَدِّي كَمَا لَا يُمكن إِعْتَاق نصف رَقَبَة وإطعام خَمْسَة مَسَاكِين وَمن الْأَصْحَاب من جعل هَذَا قولا مخرجا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِيمَا يَقع بِهِ الْحِنْث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذَلِكَ بمخالفة مُوجب الْيَمين لفظا وَعرفا وَهُوَ بَاب جَامع الْأَيْمَان والألفاظ لَا تَنْحَصِر وَلَكِن تعرض الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لما يكثر وُقُوعه وَهِي سَبْعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول فِي أَلْفَاظ الدُّخُول وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَفِيه أَلْفَاظ الأول إِذا حلف أَن لَا يدْخل الدَّار فرقي فِي السَّطْح لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون مسقفا وَإِن كَانَ محوطا من الجوانب غير مسقف فَالظَّاهِر أَنه لَا يَحْنَث والحائط من جَانب وَاحِد لَا يُؤثر وَإِن كَانَ من جانبين وَثَلَاثَة فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على التحويط من الجوانب وَأولى بِأَن لَا يَحْنَث وَلَو حلف أَن لَا يدْخل الدَّار فَصَعدَ السَّطْح وَنزل إِلَى صحن الدَّار وَخرج من الْبَاب فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِنَّه حصل فِي الدَّار لكنه لم يدْخل من الْبَاب وَلَو حلف أَن لَا يخرج من الدَّار فَصَعدَ السَّطْح

وَنزل فَلَا يَحْنَث قَالَ القَاضِي وَجب أَن يَحْنَث لِأَنَّهُ كالدخول سَوَاء فَإِن من حلف لَا يدْخل الدَّار فَدخل بِبَعْضِه لم يدْخل وَلَو حلف على الْخُرُوج فَصَعدَ السَّطْح لَا يبر بِهِ إِذْ لَيْسَ بِهِ أَيْضا خَارِجا كَمَا أَن من دخل بِبَعْض بدنه أَو خرج بِبَعْض بدنه لَا يَحْنَث فِي يَمِين الدُّخُول وَالْخُرُوج لِأَنَّهُ لَيْسَ بداخل وَلَا خَارج وَقَالَ القَاضِي إِذا لم يكن دَاخِلا فِي صعُود السَّطْح فَيَنْبَغِي أَن نجعله خَارِجا وَأما الدهليز فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن دَاخل الدهليز لَا يَحْنَث فَقَالَ الْأَصْحَاب أَرَادَ بِهِ الطاق الْمَضْرُوب خَارج الْبَاب فَإِن جَاوز الْبَاب حنث قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَا يبعد أَن يُقَال أَرَادَ بِهِ دَاخل الْبَاب قبل الْوُصُول إِلَى صحن الدَّار لِأَن ذَلِك لَا يُسمى دَارا بل لَهُ اسْم على الْخُصُوص وَلَو انْهَدَمت الدَّار وَلم يبْق إِلَّا الْعَرَصَة لم يَحْنَث بِدُخُولِهَا وَلَو بَقِي مَا يُقَال إِنَّه دَار فَيحنث وَلَو قَالَ لَا أَدخل الدَّار فَصَعدَ السَّطْح وَنزل فِي الدَّار وَخرج فَفِي الْحِنْث وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه حصل فِي الدَّار لَكِن لم يدْخل من الْبَاب وَلَو قَالَ وَهُوَ فِي الدَّار لَا أَدخل الدَّار لم يَحْنَث بالْمقَام كَمَا لَو قَالَ لَا أتطهر لَا يَحْنَث باستدامة الطَّهَارَة بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَا ألبس وَلَا أركب فَإِنَّهُ يَحْنَث بالإستدامة إِذْ يَقُول الرَّاكِب أركب فرسخا أَي أستديم وَلَا يَقُول من فِي الدَّار أَدخل بل يَقُول أقيم فِيهِ وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا بُد من مُفَارقَة الدَّار كَمَا لَا بُد من نزع الثَّوْب

اللَّفْظ الثَّانِي إِذا حلف أَن لَا يدْخل بَيْتا فَدخل بَيْتا لَهُ اسْم آخر أخص وَأشهر كالمسجد والكعبة والرحا وَالْحمام فَالظَّاهِر أَنه لَا يَحْنَث بِهِ وَفِيه وَجه أَنه يَحْنَث بِهِ لِأَن الْبَيْت وَإِن جعل مَسْجِدا لَا يُفَارِقهُ وضع الإسم وَيقرب مِنْهُ الْخلاف فِيمَا لَو حلف أَنه لَا يَأْكُل الْميتَة فَأكل السّمك أَو لَا يَأْكُل اللَّحْم فَأكل الْميتَة فَمن نَاظر إِلَى وضع الإسم وَمن نَاظر إِلَى وضع الإستعمال وَلَو دخل بَيت الشّعْر حنث إِن كَانَ بدويا لِأَنَّهُ بَيت عِنْدهم وَإِن كَانَ قرويا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يَحْنَث لِأَن الله تَعَالَى سَمَّاهُ بَيْتا وَقَالَ {وَجعل لكم من جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا} وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ يفهم مِنْهُ الْبَيْت فيراعى فهمه لَا وضع اللِّسَان وَالثَّالِث أَن قريته إِن كَانَت قريبَة من الْبَادِيَة يطرقونها فَيحنث وَإِلَّا فَلَا وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْمُعْتَبر عرف اللَّفْظ فِي الْوَضع عِنْد من وَضعه أَو عرف اللافظ فِي الإستعمال وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يمِيل إِلَى عرف اللَّفْظ فَإِنَّهُ قَالَ يَحْنَث قرويا كَانَ أَو بدويا وَمَعَ هَذَا نَص أَنه لَو حلف لَا يَأْكُل الرُّءُوس لَا يَحْنَث بِرَأْس الطير والسمك وَلَو قَالَ لَا آكل اللَّحْم لم يَحْنَث بِلَحْم السّمك وَذكر صَاحب

التَّقْرِيب قولا أَنه يَحْنَث بِرَأْس الطير والسمك اتبَاعا للفظ كَمَا فِي لفظ الْبَيْت لَكِن الْفرق مُمكن من حَيْثُ إِن الرَّأْس إِذا ذكر مَقْرُونا بِالْأَكْلِ لم يُمكن أَن ندعى فِيهِ عُمُوم اللَّفْظ فِي عرف الْوَضع وَلَو ذكر الرَّأْس مَقْرُونا باللمس لَا بِالْأَكْلِ حنث بِرَأْس الطير حَتَّى قَالَ الْقفال لَو قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ درخانه نشوم لَا يَحْنَث بِبَيْت الشّعْر إِذْ لم يثبت هَذَا الْعُمُوم فِي عرف الفارسية وَإِذا قصد اللَّفْظ الْعَرَبِيّ جَازَ أَن يُؤَاخذ بِمُوجب ذَلِك اللَّفْظ لِأَنَّهُ اخْتَار ذَلِك اللَّفْظ كَمَا لَو قَالَ لَا آكل التفاح وَهُوَ لَا يدْرِي مَا التفاح حنث بِمَا سَمَّاهُ الْعَرَب تفاحا

وَقَالَ الصيدلاني لَو حلف لَا يَأْكُل الْخبز وَهُوَ فِي بِلَاد طبرستان حنث بِخبْز الْأرز وَلَا يَحْنَث فِي غَيرهَا وكل مَا ذَكرْنَاهُ فِي مُطلق اللَّفْظ فَإِن نوى شَيْئا من ذَلِك فتتبع نِيَّته إِن احْتمل فَلَو قَالَ وَالله مَا ذقت لفُلَان مَاء وَكَانَ قد أكل طَعَامه لم يَحْنَث وَلَو نوى الطَّعَام أَيْضا لم يَحْنَث لِأَن لفظ المَاء لَا يصلح لَهُ اللَّفْظ الثَّالِث لَو قَالَ لَا أسكن هَذِه الدَّار فَليخْرجْ على الْفَوْر وَلَا يَكْفِيهِ إِخْرَاج أَهله مَعَ الْمقَام وَلَو خرج وَترك أَهله لم يَحْنَث وَلَو انتهض لنقل الأقمشة على الْعَادة قَالَ المراوزة لَا يَحْنَث وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَحْنَث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَحْنَث إِلَّا بالْمقَام يَوْمًا وَلَيْلَة

وَلَو قَالَ لَا أساكن فلَانا ففارقه صَاحبه بر فِي الْيَمين وَإِن فَارق هُوَ فِي الْحَال فَكَذَلِك وَإِن أَقَامَ سَاعَة حنث وَالنَّظَر فِي الْأَمَاكِن فَإِن كَانَا فِي خَان فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يبر فِي الْيَمين إِذْ انْفَرد بِبَيْت وَإِن كَانَ مَعَه فِي الخان وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من الْخُرُوج من الخان تَشْبِيها للخان بِالدَّار لَا بالسكة وَالثَّالِث أَنه إِن حلف وَهُوَ مَعَه فِي بَيت كَفاهُ الْخُرُوج من الْبَيْت وَإِن لم يكن فِي الْبَيْت فَلَا بُد من الْخُرُوج من الخان أما البيتان من الدَّار فمكان وَاحِد عِنْد الْإِطْلَاق وَفِيه وَجه آخر أَنَّهُمَا كالخان ثمَّ على الصَّحِيح لَو انْفَرد بحجرة تنفرد بمرافقها لَكِن بَابهَا لافظ فِي الدَّار فَفِيهِ وَجْهَان لأجل الطَّرِيق أما الْحُجْرَة فِي الخان فمنفردة وَلَا يُؤثر كَون الطَّرِيق على الخان وَلَو قَالَ سَاكن حجرَة فِي الخان لَا أساكن فلَانا وَهُوَ فِي حجرَة أُخْرَى فَلَا يَحْنَث بِالْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مساكنا وَقَالَ القَاضِي يجب الْخُرُوج من الخان وَهَذَا بعيد وَلَزِمَه طرده فِي دور فِي سكَّة وَقد ارْتَكَبهُ وَيلْزمهُ فِي سكتين

من بلد وَلَا قَائِل بِهِ نعم لَو قَالَ نَوَيْت أَن لَا أساكنه فِي الْبَلدة فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن اللَّفْظ لَا ينبىء عَنهُ وَيلْزمهُ مِنْهُ تَقْدِير ذَلِك فِي خُرَاسَان أما الْمحلة فَوَجْهَانِ مرتبان على الْبَلَد وَأولى بالإندراج عِنْد النِّيَّة وَإِن كَانَا فِي سكَّة منسدة الْأَسْفَل وَجَرت النِّيَّة فَالْوَجْه الْقطع بِأَنَّهُ تتبع النِّيَّة أما إِذا كَانَ فِي دَار فانتهض بِبِنَاء جِدَار حَائِل فَالصَّحِيح أَنه يَحْنَث بالمكث وَفِيه وَجه

النَّوْع الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الْأكل وَالشرب وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ ثَلَاثَة أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لَا أشْرب مَاء هَذِه الْإِدَاوَة لم يَحْنَث إِلَّا بِشرب الْجَمِيع وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لأشربن مَاء هَذِه الْإِدَاوَة فَلَا يبر إِلَّا بِشرب الْجَمِيع وَلَو قَالَ لأشرين مَاء هَذَا النَّهر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَقْتَضِي الْجَمِيع وَهُوَ محَال فَيحنث فِي الْحَال كَمَا لَو قَالَ لأصعدن السَّمَاء وَالثَّانِي أَنه يحمل على التَّبْعِيض حَيْثُ لَا يحْتَمل إِذْ قد يُقَال فلَان شرب مَاء دجلة أَي شرب مِنْهَا وَلَو قَالَ لأقتلن فلَانا وَهُوَ يدْرِي أَنه ميت يلْزمه الْكَفَّارَة فِي الْحَال كَمَا لَو قَالَ لأصعدن السَّمَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لأشربن مَاء هَذِه الْإِدَاوَة وَلَا مَاء فِيهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا كَفَّارَة فَإِنَّهُ ذكر محالا فِي ذَاته بِخِلَاف الصعُود وَقتل

الْمَيِّت إِذْ إحْيَاء الْمَيِّت مَقْدُور لله تَعَالَى وَهَذَا فَاسد لأَنا نوجب الْكَفَّارَة بِوُجُود الْمُخَالفَة فِي الْيَمين بِدَلِيل وُجُوبه فِي الْغمُوس وَلَو قَالَ لأصعدن السَّمَاء غَدا فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة قبل الْغَد وَجْهَان وَلَو قَالَ لأقتلن فلَانا وَهُوَ يَظُنّهُ حَيا فَإِذا هُوَ ميت فَفِي الْكَفَّارَة خلاف بِنَاء على أَن النَّاسِي بِالْحلف هَل يعْذر اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ لَا آكل هَذَا الرَّغِيف وَهَذَا الرَّغِيف لَا يَحْنَث إِلَّا بأكلهما وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَا آكل وَلَا أكلم زيدا فَلَا يَحْنَث إِلَّا بمجموعهما وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق وَلَيْسَ يَخْلُو عَن إِشْكَال وَلَكِن قَالُوا الْوَاو العاطفة تجْعَل الإسمين

كالإسم الْوَاحِد الْمثنى فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ لَا أكلمهما فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث إِلَّا

بتكليمهما جَمِيعًا اللَّفْظ الثَّالِث إِذا حلف أَن لَا يَأْكُل الرَّأْس لم يَحْنَث بِرَأْس الطير والسمك على الظَّاهِر وَيحنث بِرَأْس الْبَقر وَالْإِبِل فَإِن ذَلِك يُؤْكَل بِبَعْض الأقطار وَرَأس الظباء لَا يَحْنَث بهَا لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَل فِي سَائِر الأقطار وَإِن كَانَ يعْتَاد فِي قطر حنث من حلف بذلك الْقطر وَهل يَحْنَث فِي قطر آخر فِيهِ وَجْهَان مأخذه أَنه يرْعَى أصل

الْعَادة أَو عَادَة الحالفين وَكَذَا بيض السّمك لَا يَحْنَث بِهِ الْحَالِف على أكل الْبيض لِأَنَّهُ لَا يُفَارق السّمك وَيحنث ببيض الأوز والبط والنعامة وَلَا يَحْنَث ببيض العصافير فَإِن بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبيض كرأس الطير بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرُّءُوس وَيجْرِي فِيهِ وَجه صَاحب التَّقْرِيب بِمُجَرَّد الإسم وَلَو حلف لَا يَأْكُل اللَّحْم لَا يَحْنَث بالشحم وَيحنث بالسمين وَهل يَحْنَث بالألية فِيهِ وَجْهَان وسنام الْبَعِير كالألية لَا كالشحم وَالسمن وَلَا يَحْنَث بتناول الأمعاء والكرش والكبد وَالطحَال والرئة وَفِي الْقلب وَجْهَان فَقيل يطرد ذَلِك فِي الأمعاء وَهُوَ

بعيد وَلَو حلف على الزّبد لم يَحْنَث بالسمن وَلَا بِالْعَكْسِ وَفِيه وَجه أَن الزّبد سمن وَلَيْسَ السّمن بزبد وَاللَّبن لَيْسَ بزبد وَلَا سمن والمخيض هَل هُوَ لبن فِيهِ وَجْهَان إِذْ الْعَرَب قد تسمى المخيض لَبَنًا وَلَو حلف على السّمن لم يَحْنَث بالأدهان وَلَو حلف على الدّهن فَفِي الْحِنْث بالسمن تردد أما روغن بِالْفَارِسِيَّةِ فيتناولهما جَمِيعًا وَلَو حلف على الْجَوْز حنث بالهندي وَلَو حلف على التَّمْر لم يَحْنَث بالهندي وَلَو حلف لَا يَأْكُل لحم الْبَقر حنث ببقر الوحشي وَلَو حلف لَا يركب الْحمار فَهَل يَحْنَث بركوب حمَار الْوَحْش وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل لَا يَحْنَث بالشرب أَو لَا يشرب لم يَحْنَث بِالْأَكْلِ وَلَو حلف لَا يشرب سويقا فَصَارَ خاثرا بِحَيْثُ يُؤْكَل بالملاعق فتحساه فَفِيهِ تردد وَلَو قَالَ لَا آكل السكر فَوضع فِي الْفَم حَتَّى انماع لم يَحْنَث وَفِيه وَجه وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْعِنَب وَالرُّمَّان فَشرب عصيرهما لم يَحْنَث فَإِن حلف لَا يَذُوق فَأدْرك طعمه ومجه وَلم يبتلع فَفِيهِ وَجْهَان وَإِن ازدرد حنث وَإِن لم يدْرك الطّعْم لَو حلف لَا يَأْكُل السّمن فَشرب الذائب مِنْهُ لم يَحْنَث وَإِن جعله فِي عصيدة وَلم يبْق لَهُ أثر لم يَحْنَث وَإِن كَانَ ممتازا مِنْهُ حنث وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا يَحْنَث إِذا كَانَ مَعَ غَيره حَتَّى قَالَ لَو أكل مَعَ الْخبز لم يَحْنَث وَهُوَ بعيد فَإِنَّهُ الْعَادة وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْخلّ فَغمسَ فِيهِ الْخبز حنث وَلَو جعله فِي سكباج نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يَحْنَث وَقَالَ مُعظم الْأَصْحَاب أَرَادَ إِذا لم يظْهر

طعمه فَإِن ظهر طعمه حنث وَمِنْهُم من جرى على ظَاهر النَّص لِأَن الإسم قد تبدل خلاف السّمن الْمُمَيز عَن العصيدة وَالسمن وَإِذا لم يتَمَيَّز فِي العصيدة فَهُوَ كالخل فِي السكباج وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْفَاكِهَة حنث بالطرب واليابس وَالْعِنَب وَالرُّمَّان خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ قَالَ لَا يَحْنَث وَفِي الْحِنْث بالقثاء تردد وَكَذَا فِي اللبوب كلب الفستق

فرع لَو حلف لَا يَأْكُل الْبيض ثمَّ انْتهى إِلَى رجل فَقَالَ وَالله لآكلن مِمَّا فِي كمك فَإِذا هُوَ بيض فقد سُئِلَ الْقفال رَحمَه الله عَنهُ هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ على الْكُرْسِيّ فَلم يحضرهُ الْجَواب فَقَالَ المَسْعُودِيّ وَهُوَ تِلْمِيذه يتَّخذ مِنْهُ الناطف وَيَأْكُل فَيكون قد أكل مِمَّا فِي كمه وَلم يَأْكُل الْبيض فَاسْتحْسن مِنْهُ ذَلِك

النَّوْع الثَّالِث فِي أَلْفَاظ الْعُقُود فَإِذا حلف لَا يَأْكُل طَعَاما اشْتَرَاهُ فلَان لَا يَحْنَث بِمَا ملكه من وَصِيَّة وَهبة وَإِجَارَة أَو رَجَعَ إِلَيْهِ بإقالة ورد عيب أَو قسْمَة نظرا إِلَى اللَّفْظ وَيحنث بالسلم وَفِيمَا ملك بِالصُّلْحِ عَن الدّين تردد وَلَو قَالَ لَا أَدخل دَارا اشْترى فلَان بَعْضهَا فَأَخذه بِالشُّفْعَة لم يَحْنَث وَمَا ملكه بِلَفْظ الإشتراك وَالتَّوْلِيَة فَهُوَ شِرَاء وَلَو قَالَ مَا اشْتَرَاهُ زيد فاشترك زيد وَعَمْرو فَالْمَشْهُور من الْمَذْهَب أَنه لَا يَحْنَث لِأَن الشِّرَاء غير مُضَاف إِلَى أَحدهمَا على الْخُصُوص وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَحْنَث وَلَو اشْترى زيد وخلط بِمَا اشْتَرَاهُ غَيره حنث إِذا أكل من الْمُخْتَلط اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ لَا أَشْتَرِي وَلَا أَتزوّج فَوكل لم يَحْنَث كَمَا لَو وكل بِالضَّرْبِ إِلَّا أَن يحلف على مَا لَا يقدر عَلَيْهِ كَقَوْلِه لَا أبني بَيْتا وَهُوَ لَيْسَ بِبِنَاء أَو قَالَ الْأَمِير لَا

أضْرب فَأمر الجلاد فقد خرج الرّبيع فِيهِ قولا أَنه يَحْنَث وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يَحْنَث وَيتبع اللَّفْظ إِذا لم تكن نِيَّة أما إِذا توكل فِي هَذِه الْعُقُود فَإِن أضَاف إِلَى الْمُوكل لم يَحْنَث وَالنِّكَاح يجب إِضَافَته فَلَا يَحْنَث فِيهِ الْوَكِيل وَلَا الْمُوكل وَلَو حلفا جَمِيعًا فَإِن اطلق الْوَكِيل الشِّرَاء من غير إِضَافَة فَالْمَشْهُور أَنه يَحْنَث لِأَنَّهُ يُنَاقض قَوْله لَا أَشْتَرِي وَخرج القَاضِي وَجها أَنه لَا يَحْنَث لانصراف العقد إِلَى غَيره وَلَو قَالَ لَا أزوج فَوكل بِالتَّزْوِيجِ حنث لِأَن الْوَلِيّ أَيْضا كَالْوَكِيلِ وَلَو قَالَ لَا أكلم زَوْجَة زيد حنث بمكالمة امْرَأَة قبل نِكَاحهَا وَكيل زيد وَلَو قَالَ لَا أكلم عبدا اشْتَرَاهُ زيد فَاشْترى وَكيله لم يَحْنَث بمكالمته وَلَو قَالَ لَا أكلم امْرَأَة تزَوجهَا زيد فَقبل وَكيله فَالْقِيَاس أَنه لَا يَحْنَث كَمَا فِي الشِّرَاء وَقَالَ الصيدلاني إِنَّه يَحْنَث وَهُوَ تشوف إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي أَن من تزوج بِالتَّوْكِيلِ حنث فِي يَمِين التَّزَوُّج اللَّفْظ الثَّالِث لَو قَالَ لَا أبيع الْخمر فَبَاعَهُ لم يَحْنَث لِأَن ذَلِك صُورَة البيع وَبيع الْخمر محَال فَهُوَ كصعود السَّمَاء وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يَحْنَث وَيحمل هَذَا على صُورَة البيع بِخِلَاف مَا لَو أطلق وَقَالَ لَا أبيع فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث بالفاسد وَالْمذهب أَنه لَا يَحْنَث

وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ الزَّوْج لَا أبيع مَال زَوْجَتي بِغَيْر إِذْنهَا ثمَّ بَاعَ بِغَيْر إِذْنهَا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبيع وَإِنَّمَا حلف على محَال اللَّفْظ الرَّابِع إِذا حلف لَا يهب مِنْهُ فَتصدق عَلَيْهِ حنث وَيحنث بالرقبى والعمرى وَلَا يَحْنَث بِالْوَقْفِ إِن قُلْنَا لَا يملك الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا يملك حنث وَفِيه احْتِمَال وَلَا يَحْنَث بِتَقْدِيم الطَّعَام إِلَيْهِ بالضيافة وَلَا يَحْنَث بِالْهبةِ من غير قبُوله وَهل يَحْنَث قبل الْإِقْبَاض فِيهِ وَجْهَان وَقَالَ ابْن سُرَيج يَحْنَث من غير قبُوله إِذْ يَقُول وهبت فَلم يقبل وَيلْزمهُ طرد ذَلِك فِي جَمِيع الْعُقُود وَإِن قَالَ لَا أَتصدق عَلَيْهِ لم يَحْنَث بِالْهبةِ مِنْهُ إِذْ حلت الْهِبَة لرَسُول الله دو الصَّدَقَة وَفِيه وَجه أَنه يَحْنَث وَلَو حلف أَنه لَا مَال لَهُ حنث بِمَال لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَيحنث بِالدّينِ المجل والمعجل كَانَ على مُوسر أَو مُعسر والآبق مَال وَكَذَا

الْمُدبر وَفِي أم الْوَلَد وَجْهَان وَفِي الْمكَاتب وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يكون مَالا لاستقلاله بِنَفسِهِ وَالْمَنَافِع لَيْسَ بِمَال فِي الْيَمين حَتَّى لَو ملك مَنْفَعَة دَار بِالْإِجَارَة لم يَحْنَث لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الْأَعْيَان

النَّوْع الرَّابِع فِي الإضافات وفيهَا أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لَا أَدخل دَار فلَان فَدخل مَا يملكهُ وَلَا يسكنهُ حنث وَلَو دخل مَا يسكنهُ عَارِية لم يَحْنَث فمطلق الْإِضَافَة للْملك وَلَو قَالَ لَا أسكن مسكن فلَان حنث بِمَا يسكنهُ عَارِية وَهل يَحْنَث بمسكنه الْمَغْصُوب فِيهِ وَجْهَان وَهل يَحْنَث بِمَا يملكهُ وَلَا يسكنهُ ثَلَاثَة أوجه وَفِي الثَّالِث أَنه يَحْنَث إِن سكنه مرّة وَلَو سَاعَة وَلَو قَالَ لَا أَدخل دَار زيد هَذِه فَبَاعَهَا ثمَّ دخل حنث فِي الْأَظْهر تَغْلِيبًا للْإِشَارَة وَفِيه وَجه وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يَحْنَث للإضافة المقرونة بِالْإِشَارَةِ وَلم تُوجد إِلَّا إِحْدَاهمَا وَلَو قَالَ لَا أَدخل من هَذَا الْبَاب فحول الْبَاب إِلَى منفذ آخر فبأيهما يَحْنَث فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يَحْنَث بِدُخُول هَذَا المنفذ وَإِن لم يكن عَلَيْهِ بَاب وَالثَّانِي أَنه يَحْنَث بِدُخُول المنفذ الَّذِي عَلَيْهِ الْبَاب وَالثَّالِث أَنه لَا يَحْنَث بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلَا بُد من اجتماعها فَلَو قَالَ لَا أَدخل بَاب هَذِه الدَّار وَلم يشر إِلَى بَاب ومنفذ فَفتح للدَّار بَاب جَدِيد فعلى

وَجه يَحْنَث بِهِ وَبِأَيِّ بَاب كَانَ وعَلى وَجه ينزل على الْمَوْجُود وَقت الْيَمين وَلَو قَالَ لَا أركب دَابَّة ذَلِك العَبْد لَا يَحْنَث بِمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ إِذا لم يملكهُ إِذا قُلْنَا إِنَّه يملك بالتمليك وَلَو قَالَ لَا أركب سرج هَذِه الدَّابَّة وَلَا أبيع جلها حنث بالمنسوب إِلَيْهَا إِلَّا أَن الْملك للدابة غير متوقع فَيحمل على النِّسْبَة وَلَو قَالَ لَا ألبس مَا من بِهِ فلَان عَليّ حنث بِمَا وهبه فِي الْمَاضِي لَا بِمَا يهب فِي الْمُسْتَقْبل لِأَن اللَّفْظ للماضي وَلَو قَالَ بِمَا يمن بِهِ فلَان لم يَحْنَث بِمَا وهب من قبل وَيحنث بِمَا سيهبه ثمَّ سَبيله أَن يُبدل بِثَوْب آخر يَبِيعهُ وَلَو بَاعه ثوبا بمحاباة لم يَحْنَث بِهِ لِأَنَّهُ مَا من بِالثَّوْبِ بل من بِالثّمن وَلَو قَالَ لَا ألبس ثوبا فارتدى بِهِ أَو اتزر حنث وَكَذَلِكَ لَو ارتدى بسراويل واتزر بقميص لتحَقّق اسْم اللّبْس وَالثَّوْب وَلَو طواه وَوَضعه على رَأسه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ حمل وَلَيْسَ بِلبْس وَلَو فرش ورقد عَلَيْهِ لم يَحْنَث وَلَو تدثر بِهِ فَفِيهِ تردد وَلَو قَالَ لَا ألبس قيمصا فارتدى بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان لِأَن ذكر الْقَمِيص يشْعر بلبسه كَمَا يلبس الْقَمِيص وَلَو فتق واتزر بِهِ يجب الْقطع بِأَنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ فِي الْحَال غير قَمِيص وَلَو قَالَ لَا ألبس هَذَا الْقَمِيص فَوَجْهَانِ وَأولى بِأَن يَحْنَث حَتَّى يجْرِي الْخلاف وَإِن فتقه وارتدى بِهِ تَغْلِيبًا للْإِشَارَة على وَجه وَلَو قَالَ لَا ألبس هَذَا الثَّوْب وَهُوَ قَمِيص عِنْد ذكره ففتقه وارتدى بِهِ فَوَجْهَانِ وَأولى بِالْحِنْثِ وَلَو قَالَ لَا أكلم هَذَا وَأَشَارَ إِلَى عبد وَعتق وَكَلمه حنث وَإِن قَالَ لَا أكلم هَذَا العَبْد فَفِي كَلَامه بعد الْعتْق وَجْهَان لاخْتِلَاف الْإِشَارَة والإسم وَلَو قَالَ لَا آكل لحم هَذَا وَكَانَت سخلة فكبرت وَأكل حنث وَلَو قَالَ لَا آكل لحم هَذِه السخلة فكبرت فَوَجْهَانِ وَكَذَلِكَ الرطب

إِذا جف وَالْحِنْطَة إِذا تَغَيَّرت وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يَحْنَث فِي الْحِنْطَة أَو مَا تَغَيَّرت بالصنعة بِخِلَاف السخلة وَالرّطب فَإِن تغيره بالخلقة وَلَو أَشَارَ إِلَى سخلة وَقَالَ لَا آكل لحم هَذِه الْبَقَرَة حنث بأكلها تَغْلِيبًا للْإِشَارَة وَفِي مثله فِي البيع خلاف لِأَن فِي الْعُقُود تعبدات توجب مُلَاحظَة النّظم فِي الْعبارَة وَلَو قَالَ لَا ألبس مِمَّا غزلته فُلَانَة يحمل على مَا غزلته فِي الْمَاضِي وَلَو قَالَ من غزلها عَم الْمَاضِي والمستقبل وَلَو خيط ثَوْبه بغزلها لم يَحْنَث إِذْ الْخَيط غير ملبوس وَلَو كَانَ السّديّ من غزلها واللحمة من غزل غَيرهَا فَالْمَشْهُور أَنه لَا يَحْنَث لِأَن اسْم الثَّوْب لَا يتَنَاوَل بعض الْغَزل وَاسم اللّبْس يتَنَاوَل الثَّوْب قَالَ الإِمَام وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يُقَال لَو حلف لَا يلبس من غزل نسوته فنسج ثوبا وَاحِدًا من غزلهن لَا يَحْنَث وَهُوَ بعيد وَإِنَّمَا يتَّجه هَذَا إِذا قَالَ لَا ألبس ثوبا من غزل فُلَانَة فَإِن الْبَعْض لَيْسَ بِثَوْب أما إِذا قَالَ لَا ألبس من غزل فُلَانَة فَهَذَا فِيهِ غزلها فَلَا يبعد أَن يَحْنَث وَلَو حلف لَا تخرج امْرَأَته بِغَيْر إِذْنه ثمَّ أذن لَهَا بِحَيْثُ لم تسمع فَفِي الْحِنْث إِذا خرجت وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي حد الْإِذْن إِذْ يحْتَمل أَن يُقَال شَرطه اسْتِمَاع الْمَأْذُون فِيهِ وَيحْتَمل أَن يُقَال أَرَادَ بِالْإِذْنِ الرِّضَا وَقد رَضِي ونطق بِهِ والمشكل أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قد نَص أَنَّهَا لَو خرجت مرّة بِإِذْنِهِ انحل الْيَمين وَلَو خرجت بعد ذَلِك بِغَيْر إِذن لم يَحْنَث بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِن خرجت بِغَيْر خف فَأَنت طَالِق فَخرجت بخف ثمَّ خرجت بِغَيْر خف يَحْنَث وَمن أَصْحَابنَا من خرج وَجها أَنه لَا تنْحَل الْيَمين بِالْخرُوجِ بِالْإِذْنِ أَيْضا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ منقاس وَلكنه خلاف النَّص وَالْفرق أَن مَقْصُود الزَّوْج فِي مثله إلزامها التحذر وَإِذا أذن فِي الْخُرُوج مرّة فقد رفع ذَلِك التحذر بِنَفسِهِ فخروجها بعد ذَلِك لَا يتَنَاوَلهُ الْيَمين

النَّوْع الْخَامِس فِي الْحلف على الْكَلَام فَلَو قَالَ وَالله لَا أُكَلِّمك تَنَح عني حنث بقوله تَنَح عني وَكَذَلِكَ بِكُل مَا يذكرهُ بعد الْيَمين من زجر وإبعاد وَشتم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَحْنَث وَلَو كَاتبه لم يَحْنَث فَلَو رمز بِإِشَارَة مفهمة فالجديد أَنه لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِن خرس وَأَشَارَ إِلَيْهِ لِأَن إِشَارَته لَيست بِكَلَام فِي اللُّغَة وَإِنَّمَا أعطي حكم الْكَلَام لضَرُورَة الْمُعَامَلَة وَلَو حلف على مهاجرته فَفِي مُكَاتبَته تردد من حَيْثُ إِنَّهَا ضد المهاجرة وَلَكِن المهاجرة الْمُحرمَة لَا ترْتَفع بهَا وَلَو قَالَ لَا أَتكَلّم فَقَرَأَ الْقُرْآن وَسبح وَهَلل لم يَحْنَث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَحْنَث كَمَا لَو ردد شعرًا مَعَ نَفسه فَإِنَّهُ يَحْنَث عندنَا أَيْضا وَمَا ذكره لَا يَخْلُو عَن احْتِمَال

وَلَو قَالَ لأنثين على الله أحسن الثَّنَاء فالبر أَن يَقُول لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك وَلَو قَالَ لأحمدن الله بِمَجَامِع الْحَمد فَلْيقل مَا علمه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام آدم عَلَيْهِ السَّلَام الْحَمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده وَلَو قَالَ وَالله لَا أُصَلِّي حنث كَمَا يحرم بِالصَّلَاةِ وَإِن أفسدها بعد ذَلِك وَمِنْهُم من قَالَ مَا لم يفرغ من صَلَاة صَحِيحَة لَا يَحْنَث لَكِن هَل يتَبَيَّن استناد الْحِنْث إِلَى أول الصَّلَاة فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا الْخلاف فِي الصَّوْم وَلمن حلف لَا يحجّ حنث بِالْحَجِّ الْفَاسِد لِأَنَّهُ مُنْعَقد بِخِلَاف البيع الْفَاسِد

النَّوْع السَّادِس وَهُوَ تَقْدِيم الْبر وتأخيره وَفِيه أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لآكلن هَذَا الطَّعَام غَدا فَإِن أكل الطَّعَام قبل الْغَد حنث لِأَنَّهُ فَوت الْبر بِاخْتِيَارِهِ وَكَذَلِكَ إِذا أكل الْبَعْض لِأَن الْبر يحصل بِأَكْل جَمِيعه لَكِن الْكَفَّارَة تلْزمهُ فِي الْوَقْت أَو غَدا فِيهِ خلاف وَلَو تلف الطَّعَام قبل مَجِيء الْغَد بِغَيْر اخْتِيَاره فَفِي الْحِنْث خلاف يلْتَفت على الْإِكْرَاه وَالنِّسْيَان فِي الْحِنْث وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَو أتْلفه فِي أثْنَاء الْغَد أَو مَاتَ الْحَالِف وَقد بَقِي من الْغَد بَقِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان يلتفتان على أَن من مَاتَ فِي أثْنَاء وَقت الصَّلَاة هَل يَعْصِي بترك الْمُبَادرَة وَالصَّحِيح أَنه لَا يَعْصِي لِأَن الْوَقْت فسحة التَّأْخِير وَالصَّحِيح أَنه يَحْنَث لِأَنَّهُ فَوت الْبر مَعَ إِمْكَانه وَكَذَلِكَ لَو فَاتَ مهما قُلْنَا

إِن الْحِنْث يحصل بِغَيْر اخْتِيَاره اللَّفْظ الثَّانِي لَو قَالَ لأقضين حَقك غَدا فَمَاتَ الْمُسْتَحق فالوفاء مُمكن بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْوَرَثَة وَإِن مَاتَ الْحَالِف سَوَاء مَاتَ قبل الْغَد أَو بعده فَهُوَ كفوات الطَّعَام فَإِن قُلْنَا يَحْنَث فَفِي مَوته قبل الْغَد نظر لِأَن وَقت الْحِنْث إِنَّمَا يدْخل وَهُوَ ميت وَلَكِن لَا يبعد أَن يَحْنَث وَهُوَ ميت مهما سبق الْيَمين الَّتِي هِيَ السَّبَب فِي حَال الْحَيَاة كَمَا لَو حفر بِئْرا فتردى فِيهَا بعد مَوته إِنْسَان إِذْ يلْزمه الْكَفَّارَة وَالضَّمان فِي مَاله اللَّفْظ الثَّالِث لَو قَالَ لأقضين حلقك عِنْد رَأس الْهلَال فَلَو قضى قبله فقد فَوت الْبر فَيحنث وَلَو قضى بعده فَكَذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يترصد ويحضر المَال ليسلم عِنْد الإستهلال لَا قبله وَلَا بعده وَهَذَا يكَاد يكون محالا إِذْ لَا يقدر عَلَيْهِ فإمَّا أَن يتَسَامَح

فِيهِ ويقنع بالممكن أَو يُقَال الْتزم محالا فَيحنث بِكُل حَال وَلَا ذَاهِب إِلَيْهِ وَلَكِن قَالَ بعض الْأَصْحَاب لَهُ فسحة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَالْيَوْم الأول فَإِن هَذَا فِي الْعَادة يُسمى أول الْهلَال وَهُوَ بعيد اللَّفْظ الرَّابِع لَو قَالَ لأقضين حَقك إِلَى حِين فَهَذَا ينبسط على الْعُمر وَلَا يتَقَدَّر وقته وَلَو قَالَ إِذا مضى حِين فَأَنت طَالِق نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا تطلق بعد لَحْظَة وَهَذَا فِي جَانب الطَّلَاق مُمكن وَغَايَة تَعْلِيله أَن الإسم ينْطَلق على لَحْظَة وَهُوَ تَعْلِيق فَيتَعَلَّق بِأول مَا يُسمى حينا أما إِذا قَالَ لأقضين حَقك إِلَى حِين فَهَذَا وعد فَلَا يتَعَلَّق بِأول اسْم

النَّوْع السَّابِع فِي الْخُصُومَات وَفِيه ثَلَاثَة أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لَا أرى مُنْكرا إِلَّا رفعته إِلَى القَاضِي فَلَيْسَ عَلَيْهِ البدار إِذا رَآهُ بل جَمِيع عمره فسحة وَإِنَّمَا يَحْنَث إِذا مَاتَ هُوَ أَو القَاضِي بعد التَّمَكُّن من الرّفْع وَلَو لم يتَمَكَّن حَتَّى مَاتَ أَحدهمَا فَهَذَا فَوَات الْبر كرها فَيخرج على الْخلاف وَلَو بَادر إِلَى الرّفْع فَمَاتَ القَاضِي قبل الإنتهاء إِلَى مَجْلِسه مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَحْنَث وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف وَلَو عزل القَاضِي الَّذِي عينه وَلم يرفعهُ إِلَيْهِ بعد الْعَزْل قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خشيت أَن يَحْنَث فَأطلق الْأَصْحَاب قَوْلَيْنِ وَإِذا قَالَ رفعته إِلَى القَاضِي فَهَل يتَعَيَّن الْمَنْصُوب فِي الْحَال أم يبر بِالرَّفْع إِلَى كل من ينصب بعده فَفِيهِ وَجْهَان لتردد الْألف وَاللَّام بَين التَّعْرِيف وَالْجِنْس وَلَو رأى مُنْكرا بَين يَدي القَاضِي مَعَ القَاضِي فَلَا معنى للرفع وَلَو اطلع عَلَيْهِ بعد اطلَاع القَاضِي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه فَاتَ الْبر كَمَا لَو رأى مَعَه وَالثَّانِي أَنه يبر بِصُورَة الرّفْع وَإِن لم يكن فِيهِ إِعْلَام

وعَلى الْوَجْه الأول يخرج مَا لَو صب مَاء الْإِدَاوَة بعد أَن حلف على شربة أَو أبرىء عَن الدّين بعد أَن حلف على قَضَائِهِ فَإِن قُلْنَا الْإِبْرَاء يفْتَقر إِلَى قبُول فَقبل يَحْنَث بالفوات قطعا لاختياره اللَّفْظ الثَّانِي إِذا حلف لَا يُفَارق غَرِيمه حَتَّى يَسْتَوْفِي الْحق فَإِن أَبرَأَهُ أَو أَخذ مِنْهُ عوضا حنث لِأَنَّهُ لم يسْتَوْف عين حَقه إِلَّا إِذا نوى وَلَو فَارقه الْغَرِيم فَلم يتَعَلَّق بِهِ وَلم يتبعهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُفَارق وَإِنَّمَا المفارق غَرِيمه وَهُوَ حَالف على فعل نَفسه وَلَو كَانَا يتماشيان فَوقف وَمَشى الْغَرِيم لَا يَحْنَث أَيْضا لِأَن الْمُفَارقَة قد حصلت بحركة الْغَرِيم وَلَا ينْسب إِلَى سكونه وَقَالَ القَاضِي ينْسب إِلَى سكونه فَإِنَّهُ الْحَادِث الْآن بِخِلَاف الصُّورَة الأولى فَإِن الْحَادِث هُوَ أصل الْمَشْي وَهُوَ من الْغَرِيم أما إِذا قَالَ لَا يفْتَرق فَإِن فَارقه الْغَرِيم حنث لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى الْجَانِبَيْنِ وَفِيه وَجه أَنه لَا يَحْنَث اللَّفْظ الثَّالِث إِذا قَالَ لأضربنك مائَة خَشَبَة حصل الْبر بِالضَّرْبِ بشمراخ عَلَيْهِ مائَة من القضبان وَهَذَا بعيد على خلاف مُوجب اللَّفْظ وَلكنه يثبت تعبدا قَالَ الله تَعَالَى {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} فِي قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام

ثمَّ لَا بُد أَن يتثاقل على الْمَضْرُوب بِحَيْثُ تنكبس جَمِيع القضبان حَتَّى يكون لكل وَاحِد أثر وَلَا بَأْس أَن يكون وَرَاء حَائِل إِذا كَانَ لَا يمْنَع التَّأْثِير أصلا وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من ملاقاة جَمِيع بدنه وَلَا يَكْفِي انكباس الْبَعْض على الْبَعْض ثمَّ لَو شككنا فِي حُصُول التثقيل أَو المماسة إِن شرطناها قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حصل الْبر وَنَصّ أَنه لَو قَالَ لَا أَدخل الدَّار إِلَّا أَن يَشَاء زيد ثمَّ دخل وَمَات زيد وَلم يعرف أَنه شَاءَ أم لَا حنث فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج لأجل الْإِشْكَال وَقيل الْفرق أَن الأَصْل عدم الْمَشِيئَة وَلَا سَبَب يظنّ بِهِ وجودهَا وَالضَّرْب هَاهُنَا سَبَب ظَاهر فِي اقْتِضَاء الإنكباس وَلَو قَالَ مائَة سَوط بدل الْخَشَبَة لم تكفه الشماريخ بل عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ مائَة سَوط وَيجمع وَيضْرب دفْعَة وَاحِدَة وَمِنْهُم من قَالَ تكفيه الشماريخ أَيْضا كَمَا فِي لفظ الْخَشَبَة أما إِذا قَالَ لَأَضرِبَن مائَة ضَرْبَة فَلَا يَكْفِي الضَّرْب مرّة وَاحِدَة بالشماريخ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي الضربات بالسياط مَعًا ولنقتصر من صور الْأَلْفَاظ ومعانيها على هَذَا الْقدر فَإِنَّهُ فن لَا يتَصَوَّر أَن يحصر وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ هَاهُنَا وَفِي الطَّلَاق مَا يمهد طَرِيق الْمعرفَة

خَاتِمَة كل فعل يحصل بِهِ الْحِنْث فَإِذا حصل ذَلِك الْفِعْل مَعَ إِكْرَاه أَو نِسْيَان أَو جهل فَفِيهِ نظر لَا بُد من بَيَانه فَلَو قَالَ وَالله لَا أَدخل الدَّار فَأذن حَتَّى حمل وَأدْخل حنث لِأَنَّهُ كالراكب والراكب دَاخل وَلَو حمل قهرا وَأدْخل لم يَحْنَث وَفِيه وَجه أَنه كالإذن وَبَين الدرجتين أَن يحمل وَهُوَ قَادر على الإمتناع فَلَا يمْتَنع فقد ألحقهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْإِذْنِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بالقهر أما إِذا أكره على الدُّخُول أَو نسي الْيَمين فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يَحْنَث لوُجُود الصُّورَة وَلِأَنَّهُ يَحْنَث بِطُلُوع الشَّمْس إِذا حلف عَلَيْهِ فَلَيْسَ يشْتَرط الْفِعْل فِي الْحِنْث وَالثَّانِي أَنه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ الْآن علق على الْفِعْل وَهَذَا لَيْسَ بِفعل شرعا

وَاخْتَارَ الْقفال رَحمَه الله أَن الطَّلَاق يَقع والحنث لَا يحصل فَإِنَّهُ أشبه بالعبادات الَّتِي ينْسب فِيهَا إِلَى الْإِحْرَام وَتَركه فيؤثر فِيهِ النسْيَان وَالْإِكْرَاه ثمَّ قيل النَّاسِي أولى بِأَن يَحْنَث وَقيل أولى بِأَن لَا يَحْنَث وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق وَأما الْجَهْل فَهُوَ أَن يَقُول لَا أسلم على زيد فَسلم فِي ظلمَة وَلَا يدْرِي أَنه زيد فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْحِنْثِ لِأَن الْجَاهِل يفْطر وَالنَّاسِي لَا يفْطر أَعنِي من غلط فَظن غرُوب

الشَّمْس وكل مَا يفوت الْبر بِهِ من انصباب مَاء الْإِدَاوَة وَمَوْت من يتَعَلَّق الْبر بِهِ وهلاكه فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ مَا فعلت أَو لَا أملك شَيْئا وَكَانَ قد فعل وَملك لَكِن نسي خرج على الْقَوْلَيْنِ فرع لَو قَالَ لَا أسلم على زيد فَسلم على قوم هُوَ فيهم وَلكنه لم يعلم فَقَوْلَانِ مرتبان على مَا إِذا رَآهُ فِي ظلمَة فَسلم عَلَيْهِ وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُعينهُ بِالسَّلَامِ وَلَو قَالَ لَا أَدخل على فلَان فَدخل على قوم هُوَ فيهم وَلم يعلم فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْحِنْثِ بِأَن اللَّفْظ أقبل للخصوص من الْفِعْل وَأما إِذا سلم على الْقَوْم واستثناه بِاللَّفْظِ أَو بِالنِّيَّةِ لم يَحْنَث وَلَو لم يسْتَثْن وَهُوَ عَالم بِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَولَانِ وَلَا مَأْخَذ لَهُ إِلَّا أَنه لم يسلم عَلَيْهِ خَاصَّة فَيحمل مُطلق لَفظه على التَّسْلِيم عَلَيْهِ بالتنصيص أما إِذا قَالَ لَا أَدخل عَلَيْهِ ثمَّ دخل على قوم وَهُوَ فيهم وَاسْتثنى بِالنِّيَّةِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يَحْنَث كالسلام وَالثَّانِي أَنه يَحْنَث لِأَن الْعُمُوم يقبل الْخُصُوص وَأما الْفِعْل فَلَا يقبل وَإِن كَانَ هُوَ وَحده فِي الْبَيْت وَلَكِن دخل لشغل آخر فَهُوَ أَيْضا على الْوَجْهَيْنِ وَلَو دخل وَلم يعلم أَنه فِيهِ فَظَاهر النَّص أَنه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يكون دَاخِلا عَلَيْهِ إِذا لم يُعلمهُ وَلم يَقْصِدهُ وَخرج الرّبيع أَن هَذَا كالناسي وَصحح مُعظم الْأَصْحَاب تَخْرِيجه وَالله أعلم

كتاب النذور

عدل

قَالَ الله تَعَالَى {يُوفونَ بِالنذرِ} فَصَارَ هَذَا أصلا فِي لُزُوم الْوَفَاء وَالنَّظَر فِي أَرْكَان النذور وَأَحْكَامه النّظر الأول فِي الْأَركان وَهِي الْمُلْتَزم وَصِيغَة الإلتزام والملتزم أما الْمُلْتَزم فَهُوَ كل مُكَلّف لَهُ أَهْلِيَّة الْعِبَادَة فَلَا يَصح النّذر من كَافِر لِأَنَّهُ لَا يَصح مِنْهُ التَّقَرُّب نعم قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنت نذرت اعْتِكَاف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أوف بِنَذْرِك فَمن هَذَا يحْتَمل التَّصْحِيح وَيحْتَمل أَن يحمل على الإستحباب حَتَّى لَا يكون إِسْلَامه سَببا فِي ترك خير كَانَ قد عزم عَلَيْهِ فِي الْكفْر وَأما الصِّيغَة فَهِيَ ثَلَاثَة

الأولى أَن يَقُول إِن شفى الله مريضي فَللَّه عَليّ كَذَا فَيلْزمهُ وَكَذَلِكَ إِذا علق بِنِعْمَة أَو زَوَال بلية الثَّانِيَة أَن يعلق بِمَا يُرِيد عَدمه وَهُوَ يَمِين الْغَضَب واللجاج وَقد ذَكرْنَاهُ الثَّالِثَة أَن يلْتَزم ابْتِدَاء من غير تَعْلِيق فَيَقُول لله عَليّ صَوْم أَو صَلَاة فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران أَحدهمَا أَنه يجب تَنْفِيذ النّذر وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك كالعوض عَن النِّعْمَة وَهَذَا ابْتِدَاء تبرع فَلَا يصير وَاجِبا بإيجابه لَهُ إِذا قَالَ لله عَليّ كَذَا إِن شَاءَ الله لم يلْزمه شَيْء والإستثناء عقيب الْعُقُود والأيمان وَالنُّذُور كلهَا تدفعها وَأما إِذا قَالَ لله عَليّ كَذَا إِن شَاءَ زيد لم يلْزمه شَيْء وَإِن شَاءَ زيد لِأَنَّهُ لم يلتزمه لله تَعَالَى وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو قَالَ إِن قدم زيد فَللَّه عَليّ كَذَا لِأَن ذَلِك يَمِين الْغَضَب أَو هُوَ تبرر وَلم يعلق فِيهِ لُزُوم الْعِبَادَة بِمَشِيئَة زيد هَكَذَا قَالَه القَاضِي

وَأما الْمُلْتَزم فَكل عبَادَة مَقْصُودَة وَلها مَرَاتِب الرُّتْبَة الأولى أصُول الْعِبَادَات تلْزم بِالنذرِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج وَالصَّدَََقَة ويلتحق بهَا فنان أَحدهمَا صِفَات هَذِه الْعِبَادَات كَمَا لَو نذر الْحَج مَاشِيا أَو طول الْقِرَاءَة وَالْقِيَام فِي الصَّلَاة فَإِن أفرد الصّفة بِأَن الْتزم الْمَشْي فِي حجَّة الْإِسْلَام وَطول الْقِرَاءَة فِي رواتب الْفَرَائِض فَفِي اللُّزُوم وَجْهَان لِأَن هَذِه صِفَات فيبعد أَن تستقل باللزوم

وَالثَّانِي فرض الكفايات فَلَو نذر الْجِهَاد فِي جِهَة قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يلْزمه فِي تِلْكَ الْجِهَة وَكَذَلِكَ لَو نذر تجهيز الْمَوْتَى وَكَذَا كل مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى مَال أما مَالا يحْتَاج إِلَيْهِ كَالصَّلَاةِ على الْجَنَائِز وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَفِيهِ تردد وَالظَّاهِر لُزُومه الرُّتْبَة الثَّانِيَة القربات الَّتِي حث الشَّرْع عَلَيْهَا كعيادة الْمَرِيض وزيارة القادم وإفشاء السَّلَام ذهب المتقدمون من الْأَصْحَاب إِلَى أَنه لَا تلتزم بِالنذرِ فَإِنَّهَا لَيست عبَادَة وَلَو لزم لوَجَبَ قصد التَّقَرُّب بهَا إِلَى الله تَعَالَى ولصارت عبَادَة وَذهب الْمُتَأَخّرُونَ إِلَى أَنَّهَا تلْزم كتجهيز الْمَوْتَى وَالْجهَاد فَإِنَّهَا لم تشرع عبَادَة مَقْصُودَة فَلَا يُمكن الضَّبْط إِلَّا بالقربة الَّتِي يرتجي ثَوَابهَا وَاسْتثنى القَاضِي عَن هَذَا مَا يُخَالف الرُّخْصَة كَقَوْلِه لَا أفطر فِي السّفر فَإِن هَذَا تَغْيِير للشَّرْع إِذْ اللُّزُوم بِالنذرِ لَا يزِيد على إِلْزَام الشَّرْع وَهُوَ يسْقط بِالسَّفرِ وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو الْتزم بِالنذرِ الْوتر والنوافل الرَّوَاتِب لِأَنَّهُ كالتغيير لرخصة الشَّرْع فِي

تَركه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله يَنْبَغِي أَن لَا يجب بِالنذرِ إِلَّا مَا لَهُ أصل وَاجِب فِي الشَّرْع مَقْصُود فَقَالَ لَا يجب بِالنذرِ تَجْدِيد الْوضُوء لِأَنَّهُ لم يجب مَقْصُودا والإعتكاف يجب لِأَنَّهُ مكث وَالْوُقُوف بِعَرَفَة مكث وَاجِب وَقَالَ الإِمَام يجب عِنْدِي تَجْدِيد الْوضُوء بِالنذرِ الرُّتْبَة الثَّالِثَة الْمُبَاحَات كَالْأَكْلِ وَالدُّخُول وَالنَّوْم فَإِنَّهُ وَإِن كَانَت يُثَاب على أكله إِذا قصد التَّقْوَى على الْعِبَادَة وعَلى نومَة إِذا قصد طرد النعاس عِنْد التَّهَجُّد فَهَذَا بِمُجَرَّد الْقَصْد وَهَذِه الْأَفْعَال غير مَقْصُودَة شرعا بِخِلَاف العيادة ورد السَّلَام وَغَيره لَكِن قَالَ القَاضِي إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَدخل أَو آكل وَلم يلْتَزم فَيلْزمهُ بِمُجَرَّد اللَّفْظ كَفَّارَة يَمِين وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أشْرب الْخمر أَو مَحْظُورًا آخر قَالَ فِي لُزُوم الْكَفَّارَة وَجْهَان وَهَذَا لَيْسَ يظْهر لَهُ وَجه يعْتد بِهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من نذر وسمى فَعَلَيهِ مَا سمى وَمن نذر وَلم يسم فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين

وَهَذَا يُمكن أَن يكون المُرَاد بِهِ فِي يَمِين الغلق فَلَا يتْرك الْقيَاس بِمثلِهِ نعم لَو نوى الْيَمين بقوله لله عَليّ أَلا أَدخل الدَّار فَيلْزمهُ الْكَفَّارَة بِالْحِنْثِ فرع إِذا نذر الْجِهَاد فِي جِهَة قَالَ صَاحب التَّلْخِيص تتَعَيَّن الْجِهَة وَقَالَ أَبُو زيد لَا تتَعَيَّن وميل الشَّيْخ أبي عَليّ إِلَى أَن تتَعَيَّن الْجِهَة أَو جِهَة تساويها فِي الْمُؤْنَة والمسافة كَمَا فِي مَوَاقِيت الْحَج

النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام النّذر وَمُوجب النّظر مُقْتَضى اللَّفْظ والملتزم بِالنذرِ أَنْوَاع من الْقرب النَّوْع الأول الصَّوْم وَفِيه أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم فَيلْزمهُ يَوْم وَهُوَ الْأَقَل وَهل يلْزمه تبيت النِّيَّة فِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِأَن مُطلق النّذر ينزل على أقل وَاجِب الشَّرْع أَو على أقل الْجَائِز وَالصَّحِيح أَنه ينزل على أقل الْجَائِز فَلَا يشْتَرط التبيت فَإِن اتِّبَاع الأَصْل أولى من التَّنْزِيل على وَاجِب الشَّرْع وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لله عَليّ صَلَاة تلْزمهُ رَكْعَتَانِ على قَول ويكفيه رَكْعَة على قَول وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لله عَليّ صَدَقَة لم يتَصَدَّق بِخَمْسَة دَرَاهِم لِأَن فِي الْخلطَة قد يجوز إِخْرَاج مَا دونهَا وَلَا خلاف أَنه لَا تخْتَص بِجِنْس مَال الزَّكَاة وَفِي الإعتكاف هَل يَكْفِي الدُّخُول مَعَ النِّيَّة من غير مكث فِيهِ تردد وَإِن كَانَ الْمكْث لَا يشْتَرط فِي كَونه عبَادَة

ثمَّ إِن ثلنا لَا يشْتَرط التبيت فَلَو قَالَ عَليّ صَوْم يَوْم وَنوى نَهَارا فَإِن قُلْنَا إِنَّه صَائِم من ذَلِك الْوَقْت فَلَا يجزىء وَإِن قُلْنَا إِنَّه صَائِم جَمِيع النَّهَار أَجزَأَهُ اللَّفْظ الثَّانِي إِذا عين يَوْمًا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتَعَيَّن الْيَوْم وَتعين الزَّمَان كتعين الْمَكَان وَالْمَسْجِد للصَّلَاة وَالثَّانِي أَنه يتَعَيَّن فَلَا يُجزئهُ قبله وَإِن أخر عَنهُ كَانَ قَضَاء وَلَا خلاف فِي أَنه لَا تثبت خَواص رَمَضَان لذَلِك الْيَوْم الْمعِين بل يجوز فِيهِ صَوْم

آخر بِمَعْنى أَنه ينْعَقد وَلَو نذر شهرا لم يلْزمه التَّتَابُع إِلَّا أَن يلتزمه وَلَو عين الشَّهْر فَقَالَ عَليّ صَوْم رَجَب مُتَتَابِعًا فَفِي وجوب التَّتَابُع فِي قَضَائِهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ الْتزم وَالثَّانِي لَا كقضاء رَمَضَان فَإِن ذكر التَّتَابُع مَعَ تعْيين الشَّهْر لَغْو فَإِن التَّتَابُع يَقع ضَرُورَة فِي الشَّهْر الْمعِين وَلَو شَرط التَّفَرُّق فِي الصَّوْم لم يلْزمه على الْأَصَح لِأَنَّهُ لَيْسَ وَصفا مَقْصُودا وَلم يعين للصَّوْم وقتا حَتَّى يخرج على الْخلاف الْمَشْهُور فِي تعْيين الْوَقْت وَلَو قَالَ عَليّ صَوْم هَذِه السّنة يَكْفِيهِ أَن يَصُوم جَمِيعهَا وينحط عَنهُ صَوْم رَمَضَان وَأَيَّام الْعِيد والتشريق وَهل يلْزمهَا قَضَاء أَيَّام الْحيض وَأما مَا أفطر بِالْمرضِ فَفِيهِ خلاف وَمن لم يُوجب فَكَأَنَّهُ قَالَ النّذر يجْرِي مجْرى الشَّرْع وَالشَّرْع لَا يُوجب عَلَيْهِ صَوْم هَذِه الْأَيَّام أما مَا أفطر فِي السّفر فَالظَّاهِر أَنه يقْضِي إِذْ يظْهر فِيهِ أَن الشَّرْع أوجب لَكِن السّفر اقْتضى التَّخْيِير بَينه

وَبَين عدَّة من أَيَّام أخر أما إِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم سنة فَيلْزمهُ اثْنَا عشر شهرا بِالْأَهِلَّةِ وَلَو ابْتَدَأَ من الْمحرم إِلَى الْمحرم لَا يَكْفِيهِ بل يلْزمه قَضَاء أَيَّام رَمَضَان وَالْعِيدَيْنِ وَفِيه وَجه أَنه يَكْفِيهِ وَهُوَ بعيد اللَّفْظ الثَّالِث إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم يَوْم يقدم فِيهِ فلَان فَقدم لَيْلًا لم يلْزمه شَيْء لِأَنَّهُ قرن الْيَوْم فِي نَذره بالقدوم وَلم يُوجد وَلَو قدم فِي أثْنَاء النَّهَار فنقدم على هَذَا أصلا وَهُوَ أَن من أصبح صَائِما تَطَوّعا فَنَذر إتْمَام ذَلِك الْيَوْم لزمَه وَلَو أصبح ممسكا فالتطوع مُمكن بإنشاء النِّيَّة فَلَو نذر أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم لزمَه على الْأَصَح وَإِن قُلْنَا إِن النّذر الْمُطلق ينزل على وَاجِب الشَّرْع لِأَن هَذَا مُقَيّد وَلِهَذَا قطعُوا بِأَنَّهُ لَو قَالَ لله عَليّ رَكْعَة وَاحِدَة لَزِمته وَالْعجب أَنهم قَالُوا لَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي قَاعِدا وَهُوَ قَادر على الْقيام يلْزمه الْقيام على أحد الْقَوْلَيْنِ وَأخذُوا يفرقون بَين رَكْعَة وَبَين الْقيام غير مُمكن

أما إِذا نذر صَوْم بعض الْيَوْم فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَلْغُو لِأَنَّهُ الْتزم محالا وَالثَّانِي أَنه يَصح وَيلْزمهُ أَن يضم إِلَيْهِ بَقِيَّة الْيَوْم ليَصِح الْبَعْض مَعَ الْبَقِيَّة وعَلى هَذَا يخرج مَا لَو نذر رُكُوعًا أَو سجودا أَنه يَلْغُو أَو تلْزمهُ صَلَاة وَلم يذهب أحد إِلَى أَن السَّجْدَة وَحدهَا تلْزم بِالنذرِ فَإِنَّهَا لَيست عبَادَة إِلَّا مقرونة بِسَبَب كالتلاوة رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَتنَا قطع الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ لَا يخرج عَن النّذر بِصَوْم ذَلِك الْيَوْم وَإِن أصبح ممسكا وَكَانَ قبل الزَّوَال وَهَذَا ميل إِلَى أَنه لَو نذر صَوْم يَوْم لم يكفه إنْشَاء النِّيَّة نَهَارا وَإِن كَفاهُ إِذا لم يذكر الْيَوْم وَذكر مُجَرّد الصَّوْم ثمَّ هَل يلْزمه صَوْم يَوْم آخر فِيهِ قَولَانِ اخْتلفُوا فِي أَصلهمَا مِنْهُم من قَالَ أَصله أَن

من نذر صَوْم بعض يَوْم هَل يلْزمه يَوْم كَامِل وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل أَصله أَن قَوْله يَوْم يقدم فلَان مَحْمُول على يَوْم الْقدوم من أَوله أَو من وَقت قدومه فَإِن قُلْنَا إِنَّه من أَوله لزمَه صَوْم يَوْم وَإِن قُلْنَا إِنَّه من وَقت الْقدوم فَهُوَ محَال لَا يلْزمه شَيْء إِذْ نذر صَوْم بعض الْيَوْم لاغ على الصَّحِيح إِذْ قطعُوا بِأَنَّهُ لَو نذر حج هَذِه السّنة وَلم يبْق من وَالْوَقْت إِلَّا يَوْم وَهُوَ على مائَة فَرسَخ بَطل النّذر ويتبين أثر هَذَا الْبناء فِي الْعتْق فَإِذا قَالَ عَبدِي حر يَوْم يقدم فلَان فَبَاعَهُ ضحوة ثمَّ قدم ذَلِك الْيَوْم فَإِن قُلْنَا بالإستناد تبين بطلَان البيع وَإِلَّا فَالْبيع نَافِذ لتقدمه على الْقدوم التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يلْزمه ثمَّ يظْهر بالعلامة أَنه يقدم غَدا فَنوى لَيْلًا فَقَالَ الْقفال لَا

يَصح التَّرَدُّد وَقَالَ غَيره يَصح للعلامة وللتشوف إِلَى الْوَفَاء بالملتزم وترددوا فِي أَنه هَل يلْزمه الْإِمْسَاك فِي ذَلِك الْيَوْم إِذا أصبح ممسكا فَإِن قُلْنَا يجب الْقَضَاء فَعَلَيهِ الْإِمْسَاك وَإِلَّا فَلَا وَلَو كَانَ صَائِما ذَلِك الْيَوْم عَن نذر آخر فَالْأولى أَن يقْضِي ذَلِك النّذر لِأَنَّهُ تطرق إِلَيْهِ نوع من الإشتراك اللَّفْظ الرَّابِع إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان أبدا فَقدم يَوْم الْإِثْنَيْنِ لزمَه صَوْم الأثانين أبدا تفريفعا على الْأَصَح فِي أَن الْوَقْت يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فِي الصَّوْم وَكَذَلِكَ من نذر صَوْم الأثانين أبدا لزمَه ثمَّ لَو وَافق يَوْم حيض أَو مرض فَفِي الْقَضَاء الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي السّنة هَذَا إِذا كَانَ لَا يغلب وُقُوع الأثانين فِي الْحيض فَإِن كَانَت تحيض عشرا عشرا فَلَا بُد وَأَن يتَنَاوَل اثْنَيْنِ فَالْمَذْهَب أَنه لَا يجب الْقَضَاء لِأَن نذر أَيَّام الْحيض لاغ وَقد تنَاول بنذره أَيَّام الْحيض وَمِنْهُم من طرد الْخلاف لِأَن الْحيض يطول وَيقصر وَلَو صَادف يَوْم عيد فإسقاط الْقَضَاء أظهر لِأَنَّهُ كالمتعين وَمِنْهُم من قَالَ الْهلَال يخْتَلف وَيتَصَوَّر فِيهِ التَّقَدُّم وَالتَّأْخِير فَيجب الْقَضَاء فَإِن يَوْم حَيْضهَا فِي علم الله تَعَالَى أَيْضا مُتَعَيّن أما الأثانين الْوَاقِعَة فِي دور رَمَضَان فَلَا يجب الْقَضَاء قطعا إِذْ لَا بُد من وُقُوع أَربع أثانين فِيهِ أما الْخَامِس فَيخرج على الْخلاف وَلَو كَانَ قد لزمَه من قبل صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين لكفارة ثمَّ نذر الأثانين لم يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَ فِي الصَّوْم المتتابع كرمضان وَفِيه وَجه أَنه يقْضِي كَمَا لَو لزمَه صَوْم الشَّهْرَيْنِ بعد النّذر فَإِنَّهُ يقْضِي لِأَنَّهُ أَدخل سَبَب الْكَفَّارَة على نَفسه

اللَّفْظ الْخَامِس إِذا نذر صَوْم الدَّهْر لزمَه وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ الدَّهْر فَلَا صَامَ أَرَادَ بِهِ أَن لَا يفْطر أَيَّام الْعِيدَيْنِ ثمَّ لَهُ الترخيص بِعُذْر السّفر وَالْمَرَض وَلَا قَضَاء إِذْ لَا يُمكن الْقَضَاء لِأَن الده مُسْتَغْرق وَلَو أفطر عمدا لزمَه الْقَضَاء وَتعذر لاستغراق الدهل فَعَلَيهِ الْمَدّ فَإِن نوى الْقَضَاء فِي يَوْم انْعَقَد قَضَاؤُهُ وَلَكِن فَاتَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم الْأَدَاء فَعَلَيهِ الْمَدّ لذَلِك الْيَوْم أما إِذْ عين نذر يَوْم الْعِيد لَغَا نَذره عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة

رَحمَه الله وَهُوَ عندنَا كنذر يَوْم الْحيض وَفِي نذر يَوْم الشَّك وَنذر الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة خلاف وَكَذَلِكَ فِي أَيَّام التَّشْرِيق إِن قُلْنَا إِنَّه يقبل صَوْم الْمُتَمَتّع

النَّوْع الثَّانِي الْحَج وَمن نذر الْحَج لزمَه فَإِن نذر مَاشِيا فَفِي لُزُوم الْمَشْي قَولَانِ بِنَاء على أَن الْأَفْضَل هُوَ الرّكُوب أَو الْمَشْي فَإِن قُلْنَا الْمَشْي أفضل لزمَه لِأَنَّهُ صَار وَصفا لِلْعِبَادَةِ ثمَّ النّظر فِي ثلَاثه أُمُور الأول فِي وَقت الْمَشْي فَلَو نذر الْمَشْي من دويرة أَهله قبل الْإِحْرَام فَفِي لُزُومه وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمَشْي قبل الْإِحْرَام لَيْسَ بِعبَادة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْحَج مَاشِيا كَذَلِك يكون فَإِن قُلْنَا يلْزم فَلَو أطلق وَقَالَ أحج مَاشِيا أَو أَمْشِي حَاجا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحمل اللَّفْظ على الْعَادة فَيلْزم الْمَشْي من دويرة أَهله وَالثَّانِي يحمل على الْحَقِيقَة وَالْحج من وَقت الْإِحْرَام وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ أحج مَاشِيا فَمن وَقت الْإِحْرَام وَإِن قَالَ أَمْشِي حَاجا مَعْنَاهُ

قَاصِدا لِلْحَجِّ فَمن دويرة أَهله وَأما فِي آخر الْحَج فَلهُ الرّكُوب بعد التحللين وَهل لَهُ ذَلِك بَينهمَا فِيهِ وَجْهَان النّظر الثَّانِي لَو فَاتَهُ الْحَج بعد الشُّرُوع أَو فسد عَلَيْهِ بِالْجِمَاعِ لزمَه لِقَاء الْبَيْت وَفِي لُزُوم الْمَشْي وَجْهَان من حَيْثُ إِن هَذَا غير وَاقع عَن الْمَنْذُور وَلكنه من لوازمه النّظر الثَّالِث لَو ترك الْمَشْي بِعُذْر وَقع الْحَج عَن نَذره وَإِن ترك بِغَيْر عذر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مَا أَتَى بالموصوف وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَنه يَقع لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَصْلِ لَكِن هَل يلْزمه الْفِدْيَة بترك الْمَشْي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَشْي من الأبعاض فِي الْحَج وَالثَّانِي نعم إِذْ لَا معنى للْبَعْض إِلَّا وَاجِب لَا يجوز تَركه وَالثَّالِث أَنه تجب إِن تَركه عمدا وَإِن تَركه بِعُذْر لم تجب فروع أَحدهَا لَو ركب فِي بعض الطَّرِيق وَمَشى فِي بعض قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا عَاد للْقَضَاء مَشى حَيْثُ ركب وَركب حَيْثُ مَشى وَهَذَا تَفْرِيع على لُزُوم الْقَضَاء فَكَأَنَّهُ وَقع الْحَج الأول عَنهُ وَبَقِي الْمَشْي الْوَاجِب فَلم يُمكن قَضَاؤُهُ مُفردا فَقضى بِالْحَجِّ لَهُ وَكَفاهُ بعض الْمَشْي لذَلِك وَمِنْهُم من قَالَ وَجب الْمَشْي فِي جَمِيعه لِأَن الأول لم يَقع عَنهُ

الثَّانِي لَو قَالَ لله عَليّ أَن أحج عَامي هَذَا تعين الْوَقْت لَهُ كَمَا فِي الصَّوْم فَلَو امْتنع بِعُذْر فَفِي الْقَضَاء خلاف كَمَا فِي الصَّوْم وَفِي الْإِحْصَار خلاف مُرَتّب وَأولى أَن لَا يجب الْقَضَاء وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِحْصَار أَنه لَا يجب الْقَضَاء وَالْآخر تَخْرِيج ابْن سُرَيج الثَّالِث لَو قَالَ لله عَليّ أَن أحج رَاكِبًا وَقُلْنَا إِن الرّكُوب أفضل فَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي الْمَشْي

النَّوْع الثَّالِث إتْيَان الْمَسَاجِد إِذا نذر إتْيَان مَسْجِد سوى الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس لم يلْزمه شَيْء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاث مَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَمَسْجِد إيلياء أَي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهَذَا لَا يُوجب تَحْرِيمًا وكراهية فِي شدّ الرّحال إِلَى غَيره على الصَّحِيح بل بَين أَن الْقرْبَة هَذَا فَقَط أما إِذا نذر إتْيَان مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس أَو مَسْجِد الْمَدِينَة فَفِي اللُّزُوم قَولَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ لَا يتَعَلَّق بهما نسك وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهما اختصاصا بالقربة على الْجُمْلَة فَإِن قُلْنَا يلْزم فَهَل يجب أَن يضم إِلَيْهِ قربَة أُخْرَى من اعْتِكَاف أَو صَلَاة فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يلْزم إِذْ يبعد أَن يَكْفِي الإجتياز بِهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يلْزم إِلَّا مَا الْتزم فَهُوَ مُجَرّد زِيَارَة كزيارة الْعلمَاء والقبور فَإِن قُلْنَا تجب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب فِيهِ الإعتكاف لِأَنَّهُ أخص بِالْمَسْجِدِ وَالثَّانِي تجب الصَّلَاة وَلَو رَكْعَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ أظهر فَضِيلَة هَذِه الْمَسَاجِد بهَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا تعدل ألف صَلَاة فِي غَيره وَصَلَاة فِي مَسْجِد إيلياء تعدل ألف صَلَاة فِي غَيره وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تعدل مائَة ألف صَلَاة فِي غَيره

وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا وَزَاد الشَّيْخ أَبُو عَليّ أَنه يَكْفِيهِ زِيَارَة الْقَبْر فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فرع لَو نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة وإيلياء قطع المراوزة باللزوم وَحكى الْعِرَاقِيُّونَ طرد الْقَوْلَيْنِ فِي تعْيين الْمَسْجِد وَلَو نذر الْمَشْي إِلَى المسجدين فَفِي الْمَشْي وَجْهَان كَمَا فِي الْمَشْي من دويرة أَهله قبل الْإِحْرَام وَأما إِذا نذر إتْيَان الْمَسْجِد الْحَرَام فَيلْزمهُ حج أَو عمْرَة إِن قُلْنَا يحمل النّذر على أقل وَاجِب وَإِن قُلْنَا يحمل على مُجَرّد الإسم فَلَا بُد من إِحْرَام إِن قُلْنَا إِن ذَلِك يجب بِدُخُول مَكَّة وَإِن قُلْنَا لَا يجب نزل منزلَة المسجدين فَيخرج اللُّزُوم بِالنذرِ على قَوْلَيْنِ ثمَّ لَا فرق بَين لفظ الْمَشْي وَبَين قَوْله آتِي أَو أَسِير إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب إِلَّا بِلَفْظ الْمَشْي وَلَا فرق بَين أَن يَقُول إِلَى مَكَّة أَو الْحرم أَو الْمَسْجِد أَو مَسْجِد الْخيف وَجَمِيع مَوَاضِع الْحرم ثمَّ إِن قُلْنَا يجب أَن يُضَاف إِلَى الْإِتْيَان اعْتِكَاف أَو صَلَاة فها هُنَا تزيد الْعمرَة وَالْحج فَإِنَّهُمَا أخص بِهِ وَلَا يبعد أَن يكْتَفى بِمُجَرَّد طواف وَهُوَ أَيْضا أخص من الإعتكاف وَلَو قَالَ آتِي عَرَفَة لم يلْزمه شَيْء لِأَن ذَلِك لَيْسَ بقربة إِذا لم يكن فِي حج وَقَالَ القَاضِي إِن خطر لَهُ شُهُود يَوْم عَرَفَة مَعَ الحجيج لم يبعد لُزُومه لما فِيهِ من الْبركَة وَلَو نوى بِهِ الْحَج لزمَه الْحَج وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِلَى بَيت الله تَعَالَى فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن جَمِيع الْمَسَاجِد بَيت الله إِلَّا إِذا نوى بِهِ الْكَعْبَة

النَّوْع الرَّابِع تعْيين الْمَسَاجِد فَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي الْفَرَائِض فِي الْمَسْجِد لزمَه إِذا قُلْنَا إِن صفة الْفَرَائِض تفرض بالالتزام أما إِذا عين مَسْجِدا لم يتَعَيَّن إِلَّا الْمَسَاجِد الثَّلَاث وَهل يقوم بَعْضهَا مقَام بعض فِي الْمَسْجِد سوى الْمَسْجِد الْحَرَام فِيهِ خلاف مِنْهُم من قَالَ يقوم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوى بَينهمَا بالتعديل بِأَلف صَلَاة وعَلى هَذَا يقوم الْمَسْجِد الْحَرَام مقامهما وَمِنْهُم من قَالَ إِذا عين فَلَا بُد من التعين وَمِنْهُم من طرد هَذَا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَقَالَ لَا يقوم مقَام المسجدين وَلَا خلاف أَنه لَو نذر ألف صَلَاة لَا تكفيه صَلَاة وَاحِدَة فِي هَذِه الْمَسَاجِد وَلَو نذر صَلَاة فِي الْكَعْبَة جَازَ الصَّلَاة فِي أرجاء الْمَسْجِد

النَّوْع الْخَامِس فِي الضَّحَايَا والهدايا وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْحَج ونتكلم الْآن فِي أَلْفَاظ خَمْسَة الأول لَو نذر أَن يتَقرَّب بسوق شَاة إِلَى مَكَّة لزمَه وَلم يكفه الذّبْح فِي غير مَكَّة ثمَّ يلْزمه التَّفْرِقَة بِمَكَّة لِأَن التلطيخ وَحده لَيْسَ بِقُرْبِهِ وَفِيه وَجه أَنه لَا تلْزمهُ التَّفْرِقَة بهَا بل يجوز النَّقْل لِأَنَّهُ لم يلتزمه مَقْصُودا وَأما إِذا لم يذكر لفظ الضحية وَلَا لفظا يدل على الْقرْبَة بل قَالَ لله عَليّ أَن أذبح بِمَكَّة فَالْأَظْهر أَنه يلْزمه لِأَن اقترانه بِذكر الله تَعَالَى وَمَكَّة يشْعر بِقصد التَّقَرُّب وَمِنْهُم من قَالَ لَا يلْزمه لِأَن الذّبْح الْمَذْكُور بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بقربة مَا لم يُوصف بِمَا يدل عَلَيْهِ فَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أذبح بنيسابور فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن لفظ مَكَّة قرينَة مَعَ ذكر اسْم الله تَعَالَى التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يلْزم لَو ذكر لفظ التَّضْحِيَة بنيسابور فَهَل يتَعَيَّن تَفْرِقَة اللَّحْم بهَا فِيهِ وَجْهَان يستمدام نن جَوَاز نقل الصَّدَقَة وَيخرج عَلَيْهِ الْخلاف فِي أَن الْفَقِير هَل يتَعَيَّن للتصدق عَلَيْهِ إِذا عين فَفِي وَجه لَا يلْزم إِذْ لم تثبت قربَة فِي هَذِه الْأَعْيَان بِخِلَاف مَكَّة فَإِن قُلْنَا لَا يلْزم فَالظَّاهِر أَنه يلْزم النّذر وَيسْقط التَّعْيِين وَيحْتَمل أَن يُقَال فسد أصل النّذر فَإِن قُلْنَا تتَعَيَّن للتفرقة فَهَل يتَعَيَّن للذبح فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن تَخْصِيص الْبِلَاد بِالزَّكَاةِ مَعْهُود أما بِالذبْحِ فَلَا إِلَّا فِي مَكَّة وَلَكِن لَا يبعد أَن يجب تَابعا للتفرقة اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِبدنِهِ لزمَه بعير وَهل يقوم مقَامه بقرة أَو سبع من الْغنم فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا إِن عدمت الْبَدنَة جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ

وَالثَّانِي إِن وجدت لم يجز وَإِن عدمت فَوَجْهَانِ ومأخذ الْخلاف الإلتفات إِلَى مُوجب اللَّفْظ أَو وضع الشَّرْع فِي التَّعْدِيل وَلَا خلاف فِي أَنه لَو نذر دَرَاهِم فَلَا يتَصَدَّق بِجِنْس آخر التَّفْرِيع إِن جَوَّزنَا الْإِبْدَال فَلَا يشْتَرط المعادلة فِي الْقيمَة وَفِيه وَجه بعيد أَنه يشْتَرط وَأما الصّفة فَالصَّحِيح أَنه يتَعَيَّن من الْإِبِل الْبَعِير الثني الَّذِي يجزىء فِي الضحية بقوله عَليّ أَن أضحي وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه ينزل على مَا يُسمى بَدَنَة وَإِن كَانَ معيبا نعم لَا يجزىء الفصيل فَإِنَّهُ لَا يُسمى بَدَنَة اللَّفْظ الثَّالِث إِذا قَالَ لله عَليّ هدي وَإِن نزلناه على أقل وَاجِب الشَّرْع فَعَلَيهِ حَيَوَان من النعم سليم من الْعُيُوب وَيلْزمهُ السُّوق إِلَى الْحرم وَفِيه وَجه أَن السُّوق لَا يجب لِأَن دم الْإِحْصَار وَدم الْحَيَوَان تجزىء فِي غير الْحرم وَإِن قُلْنَا ينزل على جَائِز الشَّرْع فَكل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْهدى والمنحة وَلَو دانق يتَصَدَّق بِهِ حَيْثُ كَانَ وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من تَبْلِيغ الْحرم لاسم الْهَدْي وَهُوَ بعيد اللَّفْظ الرَّابِع إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أهدي هَذِه الظبية إِلَى مَكَّة لزمَه التَّبْلِيغ وَيتَصَدَّق بهَا حَيَّة بِمَكَّة إِذْ لَا قربَة فِي ذَبحهَا كَمَا لَو نذر عشرَة أَذْرع من كرباس لَا يخيطه قَمِيصًا وَلَو نذر بَعِيرًا معيبا لَا يجزىء فِي الضحية فَفِي وجوب ذبحه بمكه وَجْهَان لِأَنَّهُ من جنس الضحية

وَإِن لم يكن بِصفتِهِ فَلَو عين مَالا وَقَالَ عَليّ أَن أهديه إِلَى مَكَّة لزمَه النَّقْل بِعَيْنِه إِلَّا أَن يكون عقارا أَو حجر رحى مِمَّا لَا يُمكن النَّقْل فيبيع وينقل الْقيمَة وَخرج من هَذَا أَن مَكَّة تتَعَيَّن فِي الصَّدَقَة وَالصَّلَاة إِذا عينت وَهل تتَعَيَّن للصَّوْم الظَّاهِر أَنه لَا تتَعَيَّن إِذْ لم يثبت لَهَا اخْتِصَاص فِي الصَّوْم بِخِلَاف الصَّلَاة وَالصَّدَََقَة اللَّفْظ الْخَامِس إِذا قَالَ عَليّ أَن أستر الْكَعْبَة أَو أطيبها لزمَه لِأَن السّتْر عهد فِي الْعَصْر الأول وَلم يُنكر وَهَذَا يدل على أَن مَا لَيْسَ بقربة مَقْصُودَة أَيْضا يلْزم بِالنذرِ وَيجوز ستر الْكَعْبَة بالحرير لِأَن ذَلِك محرم على الرِّجَال أَن يلبسوه بِأَنْفسِهِم لَا فِي التزين وَفِي إلتزام تطييب المسجدين الآخرين تردد وَالله تَعَالَى أعلم

= كتاب أدب الْقَضَاء = وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي التَّوْلِيَة والعزل وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي التَّوْلِيَة وَفِيه سِتّ مسَائِل الأولى فِي فَضِيلَة الْقَضَاء وَالْقِيَام بمصالح الْمُسلمين والإنتصاف للمظلومين من أفضل القربات وَهُوَ من فروض الكفايات وَهُوَ أفضل من الْجِهَاد وأهم مِنْهُ لِأَن الْجِهَاد لطلب الزِّيَادَة وَالْقَضَاء لحفظ الْمَوْجُود وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَوْم وَاحِد من إِمَام عَادل أفضل من عبَادَة سِتِّينَ سنة وحد يُقَام فِي أَرض بِحقِّهِ أزكى من مطر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا فلأجل فَضِيلَة الْولَايَة وَكَونهَا مهما لنظام الدّين وَالدُّنْيَا تجب الْإِجَابَة على من دعِي إِلَى الحكم وَالْمُسْتَحب أَن يَقُول إِذا دعِي سمعا وَطَاعَة الثَّانِيَة فِي جَوَاز طلب الْقَضَاء والولايات وَقد ورد فِيهِ التحذير مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ من الْفضل فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولي الْقَضَاء فقد ذبح بِغَيْر سكين وَقَالَ لعبد الرحمن بن سَمُرَة لَا تسْأَل الْإِمَارَة فَإنَّك إِن أعطيتهَا عَن

مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا وَإِن أعطيتهَا من غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ مَا من أَمِير وَلَا وَال إِلَّا وَيُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة مغلولة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه أطلقهُ عدله أَو أوبقه جوره وَإِنَّمَا هَذِه التحذيرات لِأَن هَذِه الْولَايَة تستخرج من النَّفس خفايا الْخبث حَتَّى يمِيل على الْعَدو وينتقم مِنْهُ وَينظر للصديق وَيتبع الْأَغْرَاض وَقد يظنّ بِنَفسِهِ التَّقْوَى فَإِذا ولي تغير فَنَقُول للطَّالِب أَرْبَعَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يكون مُتَعَيّنا بِأَن لَا يُوجد غَيره مِمَّن يصلح فالطب فرض عَلَيْهِ وَإِن كَانَ خاملا فَعَلَيهِ أَن يشهر نَفسه عِنْد الإِمَام حَتَّى يُولى ثمَّ إِن كَانَ يخَاف على نَفسه الْخِيَانَة والميل لم يكن هَذَا عذارا بل عَلَيْهِ أَن يُجَاهد نَفسه ويلازم سمت التَّقْوَى فَإِن تولى وَمَال عصى وَإِن امْتنع من الْقبُول خوفًا من الْميل عصى وَهُوَ مُتَرَدّد بَين إِحْدَى معصيتين لَا محَالة الثَّانِيَة أَن يكون فِي النَّاحِيَة من هُوَ أصلح مِنْهُ فَفِي انْعِقَاد إِمَامَة الْمَفْضُول خلاف

فَإِن منعنَا فَفِي انْعِقَاد قَضَاء الْمَفْضُول وتوليته خلاف وَالأَصَح أَنه ينْعَقد لِأَن مَا يفوت من مزية الْإِمَامَة لَا جبر لَهَا ونقصان القَاضِي يجْبرهُ نظر الإِمَام من وَرَائه فَإِن قُلْنَا لَا ينْعَقد حرم عَلَيْهِ الْقبُول وَحرم على الإِمَام التَّوْلِيَة فَإِن قُلْنَا ينْعَقد جَازَ للمفضول الْقبُول إِن ولي بِغَيْر مسأله وَأولى أَن لَا يقبل وَأما الطّلب فمكروه وَلَا يَنْتَهِي إِلَى التَّحْرِيم وَقيل إِنَّه يحرم وَهَذَا كُله فِي الواثق بِنَفسِهِ الَّذِي اختبر ورعها وتقواها فَإِن كَانَ مَعَه استشعار خِيَانَة فَيحرم الطّلب الثَّالِثَة أَن يكون فِي الْبَلَد من هُوَ دونه فَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد ولَايَة الْمَفْضُول الْتحق بالصورة الأولى وَإِن قُلْنَا تَنْعَقِد جَازَ الْقبُول بل هُوَ الأولى لتَحْصِيل تِلْكَ المزية للْمُسلمين وَأما الطّلب فَهُوَ جَائِز وَإِن قلد بِغَيْر سُؤال فَهَل يلْزمه الْقبُول فِيهِ وَجْهَان وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ واثقا بِنَفسِهِ فَإِن كَانَ خَائفًا فَهَذَا لَا يوازيه مزية الْفَضِيلَة فليمتنع الرَّابِعَة أَن يكون فِي النَّاحِيَة مثله فالقبول جَائِز وَإِن ولي بِغَيْر سُؤال فَلَا يجب الْقبُول على الْأَظْهر لِأَنَّهُ غير مُتَعَيّن لَكِن الأولى الْقبُول لِأَنَّهُ أَتَاهُ من غير مَسْأَلَة فيعان عَلَيْهِ وَأما الطّلب فَيحْتَمل أَن يكره للخطر وَيحْتَمل أَن يسْتَحبّ للفضيلة وكل هَذَا إِذا لم يخف على نَفسه فَإِن خَافَ خوفًا ظَاهرا فَعَلَيهِ الحذر وَإِن كَانَ لَا يستشعر ميلًا وَلكنه لم يجرب نَفسه فِي الولايات فَإِن كَانَ لَهُ حَاجَة لطلب رزق وكفاية فَلَا تطلق لَهُ الْكَرَاهِيَة بالتوهم مَعَ الْحَاجة فَلهُ الطّلب وَإِن لم تكن حَاجَة فَيكْرَه لَهُ الطّلب بِمُجَرَّد هَذَا الإستشعار وَلَا يَنْتَهِي إِلَى التَّحْرِيم الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي صِفَات الْقُضَاة وَلَا بُد أَن يكون حرا ذكرا مفتيا بَصيرًا إِذْ لَا ولَايَة للْعَبد وَلَا للْمَرْأَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز تَوْلِيَة الْمَرْأَة فِيمَا لَهَا فِيهِ شَهَادَة

وَقَوْلنَا مفتي أردنَا الْمُجْتَهد الَّذِي تقبل فتواه وَيخرج عَنهُ الصَّبِي وَالْفَاسِق إِذْ لَا تقبل فتواهما نعم الفاص مفت فِي حق نَفسه حَتَّى لَا يجوز لَهُ تَقْلِيد غَيره وَلَكِن لَا يوثق بفتواه ونعني الْمُجْتَهد المتمكن من دَرك أَحْكَام الشَّرْع اسْتِقْلَالا من غير تَقْلِيد غَيره ويستقصى تَفْصِيل ذَلِك فِي علم الْوُصُول أما الْمُقَلّد فَلَا يصلح للْقَضَاء وَأما من بلغ مبلغ الإجتهاد فِي مَذْهَب إِمَام لَا فِي أصل الشَّرْع فَفِي جَوَاز الْفَتْوَى لَهُ خلاف مَبْنِيّ على أَن من قَلّدهُ كَانَ قد قلد إِمَامه الْمَيِّت أم قَلّدهُ فِي نَفسه فَمن جوز تَقْلِيد الْمَيِّت وَهُوَ الصَّحِيح جوز لَهُ

الْفَتْوَى وَمَعَ هَذَا فَلَا تجوز تَوليته مَعَ الْقُدْرَة على مُجْتَهد مُسْتَقل وَإِذا لم يُوجد غَيره وَجب تَقْدِيمه على الْجَاهِل وَالَّذِي لم يبلغ مبلغ الإجتهاد فِي الْمَذْهَب وَيَنْبَغِي أَن يعْتَبر مَعَ هَذِه الْخِصَال الْكَفَاءَة اللائقة بِالْقضَاءِ فمجرد الْعلم لَا يَكْفِي لهَذِهِ الْأُمُور وَفِي تَوْلِيَة الْأُمِّي الَّذِي لَا يحسن الْكِتَابَة وَجْهَان أصَحهمَا الْجَوَاز إِذْ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمِّيا وَأما الْعَمى فمينع الْقَضَاء لِأَنَّهُ لَا يُمَيّز بَين الْخُصُوم وَالشُّهُود ثمَّ هَذِه الشُّرُوط أطلقها أَصْحَابنَا وَقد تعذر فِي عصرنا لِأَن مصدر الولايات خَال عَن هَذِه الصِّفَات وَقد خلا الْعَصْر أَيْضا عَن الْمُجْتَهد المستقل وَالْوَجْه الْقطع بتنفيذ قَضَاء من ولاه السُّلْطَان ذُو الشَّوْكَة كَيْلا تتعطل مصَالح الْخلق فَإنَّا ننفذ قَضَاء أهل الْبَغي للْحَاجة فَكيف يجوز تَعْطِيل الْقَضَاء الْآن نعم يَعْصِي السُّلْطَان بتفويضه إِلَى الْفَاسِق وَالْجَاهِل وَلَكِن بعد أَن ولاه فَلَا بُد من تَنْفِيذ أَحْكَامه للضَّرُورَة الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الإستخلاف وَالْأولَى بِالْإِمَامِ أَن يُصَرح بِالْإِذْنِ فِيهِ فَإِن نهى

امْتنع وَإِن أطلق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يمْتَنع لِأَنَّهُ لم يُفَوض إِلَيْهِ وَولَايَة الْقَضَاء عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تتجزأ حَتَّى لَو فوض إِلَيْهِ قَضَاء الرِّجَال دون النِّسَاء أَو قَضَاء الْأَمْوَال دون النُّفُوس أَو اسْتثْنى شخصا وَاحِدًا عَن ولَايَته نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَكَذَلِك إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ الإستخلاف وَالثَّانِي أَن الْمُطلق ينزل على الْمُعْتَاد فَيجوز لَهُ الإستخلاف وَالثَّالِث أَنه إِن اتسعت خطة الْولَايَة بِحَيْثُ لَا يقدر على الْقيام بِنَفسِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وتشترط صِفَات الْقُضَاة فِي النَّائِب إِلَّا إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ إِلَّا تعْيين الشُّهُود أَو التَّزْكِيَة فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط من الْعلم إِلَّا مَا يَلِيق بِهِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد نَائِب القَاضِي فِي الْقرى إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ إِمْضَاء الحكم بل سَماع الْبَيِّنَة ونقلها فَلَا يشْتَرط منصب الإجتهاد بل الْعلم اللَّائِق بِأَحْكَام الْبَينَات فرع لَيْسَ لَهُ أَن يشْتَرط على النَّائِب الحكم بِخِلَاف اجْتِهَاده أَو بِخِلَاف اعْتِقَاده حَيْثُ يجوز تَوْلِيَة الْمُقَلّد للضَّرُورَة بل اعْتِقَاد الْمُقَلّد فِي حَقه كالإجتهاد فِي حق الْمُجْتَهد فَإِن شَرط حَنَفِيّ على نَائِبه الشَّافِعِي الحكم بِمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله جَازَ لَهُ الحكم فِي كل مَسْأَلَة توَافق فِيهَا المذهبان وَمَا فِيهِ خلاف لَا يحكم فِيهِ أصلا لَا بِمذهب أبي حنيفَة رَحمَه

الله فَإِنَّهُ خلاف اعْتِقَاده وَلَا بِمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ لم يُفَوض إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا نصب فِي بَلْدَة قاضيين على أَن لَا يسْتَقلّ أَحدهمَا دون الآخر لم يجز لِأَن الإختلاف يكثر فِي الإجتهاد فَيُؤَدِّي إِلَى بَقَاء الْخُصُومَات ناشئة وَلَو خصص كل قَاض بِطرف من أَطْرَاف الْبَلَد جَازَ كَمَا يعْتَاد فِي بَغْدَاد وَإِن أثبت لكل وَاحِد الإستقلال فِي جَمِيع الْبَلَد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ يتنازع الخصمان فِي اخْتِيَار أَحدهمَا وَكَذَلِكَ فِي إِجَابَة داعيهما بِخِلَاف دَاعِي الإِمَام وَالْقَاضِي أَو خَلِيفَته فَإِن دَاعِي الأَصْل يقدم وَكَذَلِكَ من اخْتَارَهُ وَالثَّانِي أَنه يجوز وَيحكم عِنْد النزاع بِالْقُرْعَةِ فِي التَّقْدِيم الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي التَّحْكِيم إِذا حكم رجلَانِ اخْتَصمَا فِي مَال هَل ينفذ حكمه عَلَيْهِمَا فِيهِ قَولَانِ وَالنِّكَاح مُرَتّب على المَال وَأولى بِأَن لَا ينفذ والعقوبات مرتبَة على النِّكَاح وَأولى بِأَن لَا تنفذ ثمَّ اخْتلف فِي مَحل الْقَوْلَيْنِ قيل إِنَّه إِذا لم يكن فِي الْبَلَد قَاض فَإِن كَانَ لم يجز وَقيل إِن لم

يكن فَهُوَ جَائِز وَإِن كَانَ فَقَوْلَانِ وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ مُطلقًا وَالأَصَح الْمَنْع بِكُل حَال وَقد ذكرنَا تَوْجِيه ذَلِك فِي مَسْأَلَة مُفْردَة التمس بعضه الْفُقَهَاء بِالشَّام التَّفْرِيع إِن جَوَّزنَا ذَلِك فَلْيَكُن الْمُحكم على صفة تجوز للْقَاضِي تَوليته ثمَّ لَا ينفذ إِلَّا على من رَضِي فَلَو تعلق بثالث كَمَا إِذا كَانَ فِي قتل الْخَطَأ لم يضْرب الدِّيَة على الْعَاقِلَة إِذا لم يرْضوا بِحكمِهِ وَفِيه وَجه أَن رضَا الْقَاتِل كَاف فِيهِ لأَنهم تبع لَهُ وَهُوَ بعيد لِأَن إِقْرَار الْقَاتِل لَا يلْزمهُم فَكيف يلْزمهُم رِضَاهُ وَالْمذهب أَنه لَا يحكم فِي الإستيفاء بل لَيْسَ إِلَيْهِ إِلَّا الْإِثْبَات وَفِيه وَجه وَلَا شكّ أَنه مَمْنُوع من اسْتِيفَاء الْعُقُوبَات لِأَنَّهُ يخرم أبهة الْولَايَة ثمَّ للمحكم أَن يرجع عَن التَّحْكِيم قبل تَمام الحكم وَبعده فَلَا ينفع وَإِن لم يجدد رضَا بعد الحكم فَهَل يلْزم بِمُجَرَّد الرِّضَا السَّابِق ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْعَزْل وَحكمه وَفِيه خمس مسَائِل الأولى فِي الإنعزال وينعزل بِكُل صفة لَو قارنت التَّوْلِيَة لامتنع كالعمى وَالْجُنُون وَالنِّسْيَان أما الْفسق فالإمام الْأَعْظَم لَا يَنْعَزِل بطرآنه إِذْ فِيهِ خطر ويجر ذَلِك فَسَادًا أما القَاضِي إِذا فسق وَجب على الإِمَام عَزله وَقطع الْفُقَهَاء المعتبرون بانعزاله وَقَالَ بعض الْأُصُولِيِّينَ لَا يَنْعَزِل إِلَّا أَن يعْزل فرع لَو جنالقاضي ثمَّ أَفَاق فَهَل يعود قَضَاؤُهُ فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يعود كَالْوكَالَةِ لِأَن الْقَضَاء أَيْضا جَائِز إِذْ للْقَاضِي أَن يعْزل نَفسه الثَّانِيَة فِي جَوَاز الْعَزْل فللإمام عزل القَاضِي إِذا رابه مِنْهُ أَمر وَيَكْفِي غَلَبَة الظَّن فَإِن لم يظْهر سَبَب فَعَزله بِمن هُوَ أفضل نفذ وَإِن عَزله بِمن هُوَ دونه لم ينفذ على الْأَظْهر وَإِن عَزله بِمثلِهِ فَوَجْهَانِ وَاخْتَارَ الإِمَام نُفُوذ عَزله بِكُل حَال إِذْ رُبمَا يرى من هُوَ دونه أصلح لَهُم مِنْهُ نعم عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن لَا يعْزل إِلَّا لمصْلحَة الْمُسلمين فَإِن خَالف الْمصلحَة عصى وَلَكِن يَنْبَغِي أَن ينفذ عَزله فَإِن ذَلِك يجر فَسَادًا فِي الْأَقْضِيَة فرع حَيْثُ ينفذ الْعَزْل فَهَل يقف على بُلُوغ الْخَبَر إِلَيْهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ كَالْوَكِيلِ وَالثَّانِي الْقطع بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِل لما فِيهِ من الضَّرَر

أما إِذا كتب إِذا قَرَأت كتابي هَذَا فينعزل عِنْد الْقِرَاءَة وَكَذَلِكَ إِذا قرىء عَلَيْهِ بِخِلَاف الطَّلَاق فَإِن ذَلِك يَنْبَنِي على اللَّفْظ وَهَذَا يَنْبَنِي على الْمَقْصُود وَلَا يقْصد الإِمَام الجاد فِي الْعَزْل قِرَاءَته بِنَفسِهِ وَفِيه وَجه أَن هَذَا كَالطَّلَاقِ الثَّالِثَة إِذا انْعَزل الإِمَام لم يَنْعَزِل الْقُضَاة وَكَذَا إِذا مَاتَ إِذْ يعظم الضَّرَر فِي خلو الخطة عَن الْقُضَاة وَلَو انْعَزل القَاضِي بعزل أَو موت أَو غَيره انْعَزل كل من فوض إِلَيْهِ شغلا معينا كمن يصغي إِلَى شَهَادَة مُعينَة وَأما خَلِيفَته ونوابه فِي الْقرى وقيم الْأَطْفَال فَفِي انعزالهم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنهم لَا ينعزلون كَمَا لَا يَنْعَزِل القَاضِي بِمَوْت الإِمَام الثَّانِي ينعزلون كَمَا يَنْعَزِل الْوَكِيل وَالثَّالِث أَنه إِن اسْتخْلف بِالْإِذْنِ الصَّرِيح لم ينعزلوا وَإِن اسْتَقل بالإستخلاف انعزلوا الرَّابِعَة إِذا قَالَ القَاضِي بعد الْعَزْل كنت قضيت لفُلَان لم يقبل قَوْله كَالْوَكِيلِ بعد الْعَزْل وَيقبل بِمُجَرَّد قَوْله قبل الْعَزْل وَإِن لم تكن بَيِّنَة وَإِن قضينا بِأَنَّهُ لَا يحكم بِمُجَرَّد علمه وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أهل الْإِنْشَاء فِي الْحَال وَلَو شهد عَدْلَانِ بعد الْعَزْل على قَضَائِهِ ثَبت وَإِن كَانَ هُوَ أحد العدلين وَقَالَ أشهد أَنِّي قضيت لم يقبل وَلَو قَالَ أشهد أَن قَاضِيا قضى فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تقبل كَمَا تقبل شَهَادَة الْمُرضعَة كَذَلِك

وَالثَّانِي لَا لِأَن نِسْبَة الْقَضَاء إِلَيْهِ ظَاهر فَكَأَنَّهُ صرح بِهِ الْخَامِسَة من ادّعى على قَاض مَعْزُول أَنه أَخذ مِنْهُ رشوة حمله إِلَى القَاضِي الْمَنْصُوب ليفصل بَينهمَا الْخُصُومَة بطريقها وَإِن ادّعى أَنه أَخذ مني المَال بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ أَو معلنين بِالْفِسْقِ فَكَذَلِك وَإِن ادّعى مُجَرّد الحكم دون أَخذ المَال فَفِي قبُول الدَّعْوَى وَجْهَان ينبنيان على أَن القَاضِي إِذا أقرّ على نَفسه بذلك هَل يغرم أم يخْتَص الْغرم بالشهود لَو حاسب الصَّارِف الْأُمَنَاء فَادّعى وَاحِد مِنْهُم أَنه أَخذ مِنْهُ أُجْرَة قدرهَا لَهُ الْمَعْزُول فَلَا أثر لتصديق الْمَعْزُول وَلَكِن الزَّائِد على أُجْرَة الْمثل يسْتَردّ وَهل تصدق يَمِينه فِي قدر أُجْرَة الْمثل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مُدع وَالثَّانِي نعم لِأَن الظَّاهِر أَنه لَا يعْمل مجَّانا وَقد فَاتَت مَنَافِعه فَلَا بُد من عوض

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي جَامع آدَاب الْقَضَاء وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي آدَاب مُتَفَرِّقَة وَهِي عشرَة الأول أَن من قبل الْولَايَة فِي الحضرة فليقدم إِلَى الْبَلَد من يشيع ولَايَته فَإِن انْصَرف على الْفَوْر وَقدم فَجْأَة وَلم يستفض فَادّعى أَنه قَاض فَلهم الإمتناع من الطَّاعَة إِن لم يكن مَعَه كتاب وَإِن كَانَ كتاب من غير استفاضة وَلَا شَهَادَة عَدْلَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب اعْتِمَاد الْكتاب مَعَ مخايل الصدْق وَبعد الجرأة على التلبيس فِي مثل هَذَا على السُّلْطَان وَالثَّانِي أَن ابْتِدَاء الْأُمُور الْعَظِيمَة لَا بُد من الإحتياط فِيهَا فَلَا بُد من عَدْلَيْنِ يخبران عَن التَّوْلِيَة وَإِن لم تكن على صِيغَة الشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَيْسَ لذَلِك خصم معِين حَتَّى تُقَام عَلَيْهِ وَلَا ثمَّ قَاض آخر تثبت عِنْده وَإِن ظَهرت مخايل الْخِيَانَة فَلَا حرج على النَّاس فِي التَّوَقُّف أصلا الْأَدَب الثَّانِي أَنه كَمَا قدم فَيَنْبَغِي أَن لَا يشْتَغل بِشَيْء حَتَّى يفتش عَن المحبوسين

فَمن كَانَ مَحْبُوسًا ظلما أَو فِي تَعْزِير أطلقهُ وَمن أقرّ بِأَنَّهُ مَحْبُوس بِحَق رده إِلَى الْحَبْس فَإِن لم يعْتَرف سَأَلَهُ عَن خَصمه فَإِن ذكر خصما حَاضرا أحضرهُ فطالبه بابتداء الْخُصُومَة فَإِن أَقَامَ الْحجَّة على أَن القَاضِي الأول حكم عَلَيْهِ رده إِلَى الْحَبْس وَإِلَّا خلاه حَتَّى يسْتَأْنف الْخُصُومَة فَإِن قَالَ الْمَحْبُوس حبست ظلما قَالَ بَعضهم يخلى فَإِن إمسكانه من غير حجَّة لَا وَجه لَهُ وخصمه يحْتَاج إِلَى ابْتِدَاء الْخُصُومَة لَا محَالة وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا بُد أَن يحضر خَصمه أَولا وَيسْأل فَإِن لم يظْهر لَهُ خصم أطلق فَإِن قَالَ لَا أَدْرِي لم حبست يُنَادى عَلَيْهِ إِلَى حد الإشاعة فَإِن لم يظْهر لَهُ خصم أطلق وَفِي مُدَّة الإشاعة لَا يحبس وَلَا يخلى بل يراقب وَهل يُطَالب بكفيل بِبدنِهِ فِيهِ وَجْهَان وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه لَا يلْزمه ذَلِك فَإِن ذكر خصما غَائِبا وَقَالَ أَنا مظلوم فَمنهمْ من قطع بِأَنَّهُ يخلى وَمِنْهُم من ذكر وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يكْتب إِلَى خَصمه حَتَّى يجْتَهد فِي التَّعْجِيل ويحضر فَإِن تخلف أطلق وَالثَّانِي أَنه يُطلق لِأَن انْتِظَار الْغَائِب يطول بِخِلَاف الْحَاضِر ثمَّ يَنْبَغِي أَن يُبَادر بعد الْفَرَاغ من المحبوسين إِلَى النّظر فِي أَمْوَال الْأَيْتَام والأوصياء ومحاسبتهم فَإِنَّهَا وقائع لَا رَافع لَهَا إِلَيْهِ فَإِن وَقعت حَادِثَة فِي أثْنَاء ذَلِك وَلم يتَفَرَّع لفصلها مَعَ شغل الأوصياء اسْتخْلف من يقوم بِأحد المهمين وَالْغَرَض مبادرة هَذِه الْأُمُور الْأَدَب الثَّالِث أَن يتروى بعد ذَلِك فِي تَرْتِيب الْكتاب والمزكين والمترجمين أما الْكَاتِب

فَلْيَكُن عدلا عَاقِلا نزها عَن الطمع وَيَكْفِي كَاتب وَاحِد وَلَا أقل من مزكيين وَسَتَأْتِي صفاتهم وَأما المترجم فَلَا بُد أَيْضا من عَددهمْ وَأما المسمع وَهُوَ الَّذِي يسمع القَاضِي الْأَصَم فَفِي اشْتِرَاط الْعدَد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يشْتَرط كالمترجم فَإِنَّهُ ينْقل عين اللَّفْظ كَمَا أَن ذَلِك ينْقل معنى اللَّفْظ وَالثَّانِي لَا لِأَن المسمع لَو غير عرفه الخصمان والحاضرون بِخِلَاف التَّرْجَمَة وَالثَّالِث أَن الْعدَد لَا يشْتَرط إِلَّا أَن يكون الخصمان أصمين فَإِن الْقَوْم قد يغفلون عَن تَغْيِيره والخصم هُوَ الَّذِي يعتني بِهِ التَّفْرِيع إِن لم نشترط الْعدَد فَلَا نرعى لفظ الشَّهَادَة وَهل تشْتَرط الْحُرِّيَّة فِيهِ خلاف كَمَا فِي شَهَادَة رُؤْيَة الْهلَال لرمضان وَالصَّحِيح أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الرِّوَايَة وَإِن شَرط الْعدَد فَفِي لفظ الشَّهَادَة وَجْهَان وعَلى الْجُمْلَة لَيست هَذِه شَهَادَة مُحَققَة وَلَكِن لَا يبعد الإستظهار فِيهَا بِالْعدَدِ وَاللَّفْظ وَقد حصل أَن الْعدَد شَرط فِي الشَّاهِد والمزكى والمترجم والمقوم وَلَا يشْتَرط فِي الْقَائِف

للْخَبَر وَهل يشْتَرط فِي الخارص وَالقَاسِم والمسمع فِيهِ وَجْهَان ثمَّ إِن شرطنا الْعدَد فِي المسمع فَلَا بُد من رجلَيْنِ وَإِن كَانَت الْخُصُومَة فِي مَال وَكَذَا فِي الشَّهَادَة على الْوكَالَة بِالْمَالِ لِأَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَال فِي نَفسه وَإِن كَانَ إِلَيْهِ يَئُول فرع إِذا طلب المسمع أُجْرَة فَهِيَ على صَاحب الْحق أم هِيَ من بَيت المَال على وَجْهَيْن الْأَدَب الرَّابِع أَن يتَّخذ القَاضِي مَجْلِسا رفيقعا يكون مهب الرِّيَاح فِي الصَّيف وَفِي الشتَاء كَمَا كسا وَالْمَقْصُود أَن لَا يتسارع إِلَيْهِ الْملَل فيستضر الْخُصُوم وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَّخذ الْمَسْجِد مَجْلِسا للْقَضَاء فَإِن فعل ذَلِك فَهُوَ مَكْرُوه وَلَيْسَ بِمحرم وَسبب الْكَرَاهَة إفضاؤه إِلَى رفع الْأَصْوَات وَدخُول النِّسَاء الْحيض وَالصبيان وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا كنت

أكره ذَلِك فإقامة الْحُدُود أكره وَلَا بَأْس بفصل قَضِيَّة أَو قضايا فِي أَوْقَات مُتَفَرِّقَة وَقد فعل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن لم يَتَّخِذهُ مَجْلِسا وَكَلَام الْمُزنِيّ يُشِير إِلَى أَن اتِّخَاذه مَجْلِسا لَا يكره لَكِن الأولى تَركه وَالصَّحِيح الْكَرَاهِيَة فرع ذكر الصيدلاني وَجْهَيْن فِي أَن القَاضِي هَل يتَّخذ حاجبا وبوابا وَالْوَجْه أَن يُقَال لَهُ ذَلِك إِن كَانَ فِي خلْوَة وَإِن جلس للْحكم وخشي الرَّحْمَة فَلهُ ذَلِك وَإِلَّا فَلْينْظر إِلَى الْمصلحَة نعم ينقدح التَّرَدُّد إِن لم يخمش الزحمة من حَيْثُ إِن فِيهِ توقفا لصَاحب الْحق إِلَى الإستئذان فَيجوز أَن يمْنَع مِنْهُ وَيجوز أَن يحْتَمل ذَلِك ليستعد القَاضِي وَيتْرك انبساطه فِي الْبَيْت ويتصدى لَهُ الْأَدَب الْخَامِس أَن لَا يقْضِي فِي حَال غضب وحزن بَين وألم مبرح وجوع غَالب إِذْ يسوء خلقه فيمتد غَضَبه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان وَفِي

مَعْنَاهُ كل مَا يمْنَع من التؤدة وَاسْتِيفَاء الْفِكر الْأَدَب السَّادِس أَن لَا يخرج حَتَّى يجْتَمع عُلَمَاء الْفَرِيقَيْنِ ليشاورهم فَيكون أبعد من التُّهْمَة قَالَ تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مستغنيا عَن مشاورتهم وَلَكِن أَرَادَ أَن تصير سنة للحكام الْأَدَب السَّابِع أَن لَا يَبِيع وَلَا يَشْتَرِي بِنَفسِهِ وَلَا بوكيل مَعْرُوف لِأَنَّهُ يستحيا مِنْهُ أَو يخَاف فيحابى فَيكون مرتشيا بِقدر الْمُسَامحَة الْأَدَب الثَّامِن إِذا أَسَاءَ وَاحِد أدبه فِي مَجْلِسه بمجاوزة حد الشَّرْع فِي الْخِصَام أَو مشافهة الشُّهُود بالتكذيب زَجره بِاللِّسَانِ فَإِن عَاد عزره وراعى التدريج فِيهِ فَإِن ظهر لَهُ شَهَادَة زور عزّر المزور على مَلأ من النَّاس ونادى عَلَيْهِ حَتَّى لَا يحمل الشَّهَادَة بعده الْأَدَب التَّاسِع أَن لَا يقْضِي لوَلَده وَلَا على عدوه بِعِلْمِهِ وَإِن قُلْنَا يقْضِي بِالْعلمِ وَهل يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ أَسِير شَاهِدين فَلَيْسَ إِلَيْهِ شَيْء بِخِلَاف الشَّاهِد فَإِنَّهُ يقدر على الْكَذِب وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه لَا يقْضِي إِذْ إِلَيْهِ الإستقصاء فِي دقائق أَدَاء الشَّهَادَة وَالرَّدّ بالتهمة وَإِلَيْهِ التسامح فِيهِ فولده كنفسه فيرفع إِلَى الإِمَام فَإِن رفع إِلَى نَائِبه وَحكم بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان يلتفتان على أَنه هَل يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ إِن لم يَنْعَزِل يشابه قَاضِيا مُسْتقِلّا ووصى الْيَتِيم إِذا ولي الْقَضَاء فَلَا يقْضِي لَهُ لِأَنَّهُ خصم فِي حَقه كَمَا فِي حق نَفسه

وَولده وَقَالَ الْقفال يقْضِي لِأَن كل قَاض فَهُوَ ولي الْأَيْتَام وَهُوَ الصَّحِيح الْأَدَب الْعَاشِر أَن لَا ينْقض قَضَاء نَفسه وَلَا قَضَاء غَيره بِظَنّ واجتهاد يُقَارب ظَنّه الأول قضى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِإِسْقَاط الْأَخ من الْأَب وَالأُم فِي مَسْأَلَة المشركة بعد أَن شرك فِي الْعَام الأول فروجع فِيهِ فَقَالَ ذَاك على مَا قضينا وَهَذَا على مَا نقضي وينقض فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول أَن يُخَالف نَص الْكتاب أَو سنة متواترة أَو إِجْمَاعًا وَهَذَا ظَاهر الثَّانِي أَن يُخَالف قِيَاسه واجتهاده خبر الْوَاحِد الصَّحِيح الصَّرِيح الَّذِي لَا يحْتَمل إِلَّا تَأْوِيلا

بَعيدا ينبو الْفَهم عَن قبُوله فينقض قَضَاء الْحَنَفِيّ فِي مَسْأَلَة خِيَار الْمجْلس والعرايا وذكاة الْجَنِين وَألْحق الْأَصْحَاب بِهِ النِّكَاح بِلَا ولي وَالْحكم بِشَهَادَة الْفَاسِق وَبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَأَمْثَاله وَقَالُوا لَا نبالي بتنزيل الْمُتَبَايعين فِي خِيَار الْمجْلس على المتقاولين وتنزيل الْمَرْأَة فِي النِّكَاح بِلَا ولي على الْأمة وَالصَّغِيرَة فَإِنَّهُ جلي الْبطلَان الثَّالِث أَن يُخَالف الْقيَاس الْجَلِيّ فينقض قَضَاء أَصْحَاب الظَّاهِر المعتقدين بطلَان

الْقيَاس لِأَنَّهُ بَاطِل بِدَلِيل أصولي قَاطع وينقض قَضَاء الْحَنَفِيّ إِن قضى بالإستحسان الْمُخَالف للْقِيَاس الْجَلِيّ إِلَّا أَن يعْنى بِهِ اتِّبَاع الْخَبَر أَو الْقيَاس الْخَفي فَمن اسْتحْسنَ بِغَيْر ذَلِك فقد شرع نعم قد اسْتحْسنَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْحلف بالمصحف وَلكنه مصلحَة من غير مُخَالفَة خبر وَقِيَاس فَهُوَ جَائِز وينقض مَذْهَب الْحَنَفِيّ فِي مَسْأَلَة الْقَتْل بالمثقل ومعظم مسَائِل الْحُدُود وَالْغَصْب لِأَنَّهُ على خلاف القانون الْكُلِّي وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أنقض قَضَاء من حكم لزوجة الْمَفْقُود بِأَن تنْكح بعد تربص أَربع سِنِين وَإِن كَانَ ذَلِك مَذْهَب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الرَّابِع أَن يُقَاوم الْقيَاس الْجَلِيّ قِيَاس خَفِي يسْتَند إِلَى وَاقعَة شَاذَّة لَا يُمكن تلفيقه إِلَّا بتكلف كَقَوْل أبي حنيفَة رَحمَه الله إِن الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة لَا يقْتَصر على الْإِذْن بل يتَعَدَّى لقياس يتَكَلَّف استنباطه من مَسْأَلَة الْعهْدَة بالحيلة وَقَوْلنَا إِنَّه يتبع إِذن الْمَالِك قِيَاس جلي يعلم الأصولي سُقُوط خيالهم بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ وعَلى الْجُمْلَة فَإِذا لم ينقدح عِنْده إِمْكَان الْإِصَابَة عِنْد الله عز وَجل بعد إِحَالَة وَقع فينقضه

وَهَذَا مِمَّا يخْتَلف بالمجتهدين والوقائع وَإِنَّمَا لَا ينْقض الْقَضَاء حِين يتقارب النظران تقاربا لَا يبعد وهم الْإِصَابَة أَو الْمصير إِلَى أَن كل وَاحِد مُصِيب ثمَّ الْقَضَاء وَإِن لم ينْقض فَلَا يتَغَيَّر بِهِ الحكم بَاطِنا وَإِنَّمَا ينفذ الْقَضَاء عندنَا ظَاهرا وَإِن وَقع فِي مَحل الإجتهاد وَقَالَ الْقفال يحل بَاطِنا وَقطع الأصوليون بِأَنَّهُ لَا يتَغَيَّر أَمر الْبَاطِن وَهُوَ الصَّحِيح فَلَا يحل للشفعوي شُفْعَة الْجَار وَإِن قضى لَهُ الْحَنَفِيّ بهَا وَهل يمنعهُ الْحَنَفِيّ عَن طلبه على خلاف اعْتِقَاده فِيهِ تردد وَالظَّاهِر أَنه لَا يمْنَع إِذْ القَاضِي لَا يلْتَفت إِلَى مَذْهَب غَيره فرع لَو ظهر لَهُ خطأ فِي وَاقعَة فليتتبع وَإِن لم ترفع إِلَيْهِ وَإِن ظهر لَهُ خطأ القَاضِي الْمَعْزُول لَا يلْزمه التتبع مَا لم ترفع إِلَيْهِ

الْفَصْل الثَّانِي فِي مُسْتَند قَضَائِهِ وَلَا يخفى استناده إِلَى الْحجَج وَالْغَرَض الْقَضَاء بِالْعلمِ والخط أما الْقَضَاء بِمَا ينْفَرد بِعِلْمِهِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يقْضِي بِهِ وَهُوَ أقوى من شَاهِدين وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يتَعَرَّض للتُّهمَةِ ويوغر الصُّدُور وَلَا يَلِيق بالإيالة فتح هَذَا الْبَاب فَيصير أَيْضا وَسِيلَة لقضاة السوء وَفِي الْعُقُوبَات قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يقْضِي وَالصَّحِيح أَنه لَا معنى للتَّرْتِيب مَعَ حُصُول حَقِيقَة الْعلم والعقوبات فِيهِ كَالْمَالِ فَإِن قُلْنَا يقْضِي فَلَا خلاف أَنه لَا يقْضِي بظنه الَّذِي لَا يسْتَند إِلَى بَيِّنَة وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ كَيفَ كَانَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقْضِي إِلَّا بِعلم حصل فِي زمَان ولَايَته وَمَكَان ولَايَته وَإِن قُلْنَا لَا يقْضِي فيستثنى عَنهُ أَرْبَعَة أُمُور

الأول أَنه يتَوَقَّف عَن الْقَضَاء إِذا علم كذب الشُّهُود يَقِينا بل يجب عَلَيْهِ التَّوَقُّف عِنْد الرِّيبَة فَكيف يقْضِي على خلاف معلومه الثَّانِي أَنه يقْضِي بِهِ فِي عَدَالَة الشُّهُود وَمِنْهُم من قَالَ يحْتَاج إِلَى مزكين على هَذَا القَوْل لِأَنَّهُ يتهم وَكَيف لَا وَالْعَدَالَة لَا تعلم يَقِينا الثَّالِث يقْضِي على من أقرّ فِي مجْلِس الْقَضَاء وَإِن رَجَعَ الْمقر فَإِنَّهُ أقوى الْحجَج وَأما إِن أقرّ عِنْده سرا فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من جوز أَيْضا على الْإِقْرَار سرا قولا وَاحِدًا الرَّابِع أَنه لَو شهد شَاهد وَاحِد فَهَل يُغني علمه عَن الشَّاهِد الثَّانِي حَتَّى يكون هُوَ كشاهد آخر فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يَكْفِي أما الْخط فَإِذا رأى القَاضِي خطه بِأَنِّي قضيت بِكَذَا لم يجز لَهُ إمضاؤه وَكَذَا الشَّاهِد

بل لَا بُد وَأَن يتَذَكَّر الْوَاقِعَة بِجَمِيعِ حُدُودهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز الإعتماد على الْخط كَمَا فِي الْيَمين فَإِنَّهُ رأى خطّ أَبِيه جَازَ لَهُ أَن يحلف على الْبَتّ فِي طلب الْحُقُوق وإسقاطها إِذا وثق بِهِ وَقطع أَصْحَابنَا بِالْفرقِ لِأَن التزوير على الْخط بِحَيْثُ لَا يخْتَلف مُمكن وَفِي فتح هَذَا الْبَاب خطر عَام بِخِلَاف الْيَمين فَإِنَّهُ يُبَاح بغالب الظَّن وَلَا تُؤدِّي إِلَى ضَرَر عَام فَإِذن الإعتماد على ثَلَاث دَرَجَات أوسعها الْحلف وأضيقها الْقَضَاء وَالشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَا يعْتَمد فِيهِ مُجَرّد الْخط دون التَّذَكُّر وَبَينهمَا رِوَايَة الْأَحَادِيث فَإِنَّهُ لَا يعْتَمد فِيهِ مُجَرّد الْخط إِن أمكن التحريف لَكِن إِن صحت النُّسْخَة وحفظها بِنَفسِهِ وَأمن من التَّغَيُّر جَازَت الرِّوَايَة على الْأَظْهر وَعَلِيهِ عمل عُلَمَاء الْأَمْصَار وَسوى الصيدلاني بَينهمَا وَقَالَ لَا يحل للمحدث إِلَّا رِوَايَة مَا حفظ وتذكر فليرو كَذَلِك أَو ليترك الرِّوَايَة وَسوى الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد على الْعَكْس من هَذَا وَقَالَ الشَّاهِد إِذا نسخ الْوَاقِعَة وَحفظ النُّسْخَة فِي خزانَة ووثق بِأَنَّهُ لم تحرف جَازَ لَهُ الشَّهَادَة وَإِن لم يذكر وَالْمَشْهُور بَين الْأَصْحَاب الْفرق بَين دَرَجَة الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة فِي صُورَة حفظ النُّسْخَة وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أقرب مِمَّا ذكره الصيدلاني

فروع الأول لَو شهد شَاهِدَانِ عِنْد القَاضِي بِأَنَّهُ قضى لم يجز لَهُ الحكم إِذا لم يتَذَكَّر ويشهدان عِنْد غَيره فَيثبت قَضَاؤُهُ وَإِن لم يذكرهُ وَلم يكذبهما وَلَكِن القَاضِي يَنْبَغِي أَن يطْلب من نَفسه الْيَقِين وَلَا يُمكنهُ طلب الْيَقِين من قَاض آخر وَيجوز هَذَا فِي الرِّوَايَة فَمن الْمَشَايِخ من كَانَ يَقُول حَدثنِي فلَان عني وَقَالَ أَبُو يُوسُف يقبل ذَلِك فِي الْقَضَاء أَيْضا الثَّانِي أَنه لَو ادّعى خصم على قَاض أَنَّك قضيت لي فَأنْكر الْقَضَاء فَلَيْسَ لَهُ أَن يرفعهُ إِلَى قَاض آخر ويحلفه بل هُوَ كالشاهد لَا يحلف إِذا أنكر الشَّهَادَة وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن قُلْنَا إِن الْيَمين الْمَرْدُودَة كَالْإِقْرَارِ فَلهُ ذَلِك حَتَّى إِن نكل حلف الْخصم وَكَانَ كإقرار القَاضِي وَهَذَا ضَعِيف الثَّالِث إِذا التمس صَاحب الْحق من القَاضِي أَن يُعْطِيهِ خطه بِأَنَّهُ قضى لَهُ وَيسلم إِلَيْهِ محضرا ديوانيا هَل تجب الْإِجَابَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب إِذْ بِهِ إحكام الْأَمر وإتمامه وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا اعْتِمَاد على الْخط وَإِنَّمَا الْخط مُذَكّر فَقَط فَإِن قُلْنَا يكْتب فالكاغد على الملتمس إِن لم يُطلق الإِمَام للقراطيس شَيْئا وَذَلِكَ مُسْتَحبّ إِطْلَاقه ثمَّ اعْلَم أَنا وَإِن لم نوجب كتبة الْمحْضر فَيُسْتَحَب للْقَاضِي اسْتِحْبَابا مؤكدا مهما جرت قَضِيَّة أَن يكْتب محضرا يذكر فِيهِ الْوَاقِعَة وَأَسْمَاء الْخَصْمَيْنِ فَإِن كَانَا غريبين كتب الْحِلْية ثمَّ يجمع محَاضِر كل أُسْبُوع فِي إضبارة ومحاضر الشَّهْر فِي قمطرة

ومحاضر السّنة فِي خريطة وَيكْتب عَلَيْهِ التواريخ وَيخْتم القَاضِي على الخريطة بِنَفسِهِ ويحفظه بِنَفسِهِ أَو بِعدْل لَا يتمارى فِيهِ وَيدْفَع نُسْخَة أُخْرَى إِلَى صَاحب الْحق حَتَّى إِن ضَاعَت وَاحِدَة سهل الرُّجُوع إِلَى الْأُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْعَادة فَإِن التَّذَكُّر من غير خطّ بعيد وَمن جوز للأمي أَن يكون قَاضِيا فَلَا يُمكنهُ إِيجَاب الكتبة وَإِن التمس صَاحب الْحق

الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّسْوِيَة بَين الْخَصْمَيْنِ وَفِيه مسَائِل الأولى أَن لَا يخصص أحد الْخَصْمَيْنِ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُول وَلَا بِجَوَاب السَّلَام وَلَا بمزيد الْبشر وَلَا بِالْقيامِ وَلَا بالبداية بالْكلَام وَلَا بِرَفْع الْمجْلس وَلَا بِالنّظرِ بل إِن نظر نظر إِلَيْهِمَا أَو أطرق وَقَالَ عَلَيْكُمَا السَّلَام وَلَو بَادر أَحدهمَا بِالسَّلَامِ صَبر حَتَّى يسلم الثَّانِي فيجيب مَعًا إِلَّا أَن يظْهر التَّقَدُّم فيعذر فِي الْجَواب وَقيل يَنْبَغِي أَن يصبر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ سو بَين الْخَصْمَيْنِ فِي مجلسك ولحظك فيسوى بَين الشريف والوضيع فِي الْمجْلس إِلَّا أَن يكون أَحدهمَا ذِمِّيا فَيجوز أَن يرْتَفع عَلَيْهِ الْمُسلم على أحد الْوَجْهَيْنِ لما رُوِيَ أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دخل مَعَ خصم ذمِّي لَهُ إِلَى شُرَيْح فَقَامَ لَهُ شُرَيْح فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هَذَا أول جورك ثمَّ أسْند عَليّ رَضِي الله عَنهُ ظَهره إِلَى الْجِدَار وَقَالَ أما إِن خصمي لَو كَانَ مُسلما لجلست بجنبه فَلَا بَأْس بِهَذَا الْقدر لأمر الْإِسْلَام أما التَّخْصِيص بِالْقيامِ فقد نهى عَنهُ ثمَّ لَا بَأْس أَن يَقُول القَاضِي من الْمُدَّعِي مِنْكُمَا فَإِذا

ابتدر أَحدهمَا بِدَعْوَى صَحِيحَة فَالظَّاهِر أَنه يَقُول للْآخر مَاذَا تَقول وَقيل إِنَّه يسكت حَتَّى يُجيب الآخر إِن شَاءَ ثمَّ إِن أقرّ ثَبت الْحق وَلم يفْتَقر إِلَى أَن يَقُول قضيت بِخِلَاف مَا لَو قَامَت بَيِّنَة لِأَن ذَلِك يتَعَلَّق بِاجْتِهَاد وَقيل يجب أَن يقْضِي أَيْضا فِي الْإِقْرَار وَإِن أنكر قَالَ للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة وَقيل إِنَّه لَا يَقُول ذَلِك فَإِنَّهُ كالتلقين لإِظْهَار الْحجَّة وَلَيْسَ للْقَاضِي أَن يلقن إِقْرَارا وَإِنْكَارا وَحجَّة وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ سُؤال لَا تلقين فَإِن قَالَ لَا بَيِّنَة لي حَاضِرَة ثمَّ بعد ذَلِك أَقَامَ قبل وَإِن قَالَ لَا بَيِّنَة لي حَاضِرَة وَلَا غَائِبَة ثمَّ أَقَامَ بعد ذَلِك فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تقبل لمناقضة قَوْله وَالثَّانِي يقبل قَوْله فَلَعَلَّهُ تذكر وإصرار الْمُدعى عَلَيْهِ على السُّكُوت كإنكاره فِي جَوَاز إِقَامَة الْبَيِّنَة الثَّانِيَة إِذا تساوق المدعون إِلَى مَجْلِسه فالسبق لمن سبق فَإِن لم يسْبق فالقرعة وَلَا يقدم لفضله إِلَّا أَن الْمُسَافِر يجوز تَقْدِيمه إِن رأى الْمصلحَة ثمَّ من خرجت قرعته اقْتصر على خُصُومَة فَإِن أنشأ دَعْوَى أُخْرَى على ذَلِك الْخصم بِعَيْنِه فَالظَّاهِر الْمَنْع كشخص آخر وَمِنْهُم من جوز إِلَى ثَلَاث دعاوي وَيجوز تَقْدِيم الْمَرْأَة إِذا اقْتَضَت الْمصلحَة ذَلِك وَمِنْهُم من منع ذَلِك فِيهَا وَفِي الْمُسَافِر أصلا وَهُوَ بعيد وَكَذَلِكَ إِذا

ازدحموا على الْمُفْتِي والمدرس فليعول على الْقرعَة أَو السَّبق إِلَّا إِذا كَانَ مَا يطْلب مِنْهُ من الْعلم غير وَاجِب تَعْلِيمه فإليه الإختيار والإيثار فرع لَو سبق أَحدهمَا إِلَى الدَّعْوَى فَقَالَ الآخر كنت الْمُدَّعِي فَيُقَال لَهُ الْآن اخْرُج عَن مُوجب الدَّعْوَى فَإِنَّهُ سبق إِلَى الدَّعْوَى فَإِن ابتدءا مَعًا أَقرع بَينهمَا الثَّالِثَة يَنْبَغِي أَن لَا يقبل الْهَدِيَّة لَا من الْخَصْمَيْنِ وَلَا من أَحدهمَا بل يتْرك قبُول الْهَدَايَا أصلا وَلَا بَأْس بقبولها مِمَّن اعْتَادَ ذَلِك قبل الْقَضَاء وَلَا خُصُومَة لَهُ وَإِن كَانَ لَا يعْتَاد ذَلِك وَلَا خُصُومَة لَهُ فِي الْحَال جَازَ الْقبُول وَالْأولَى أَن يثيب أَو يضع فِي بَيت المَال وَأما من تكون لَهُ خُصُومَة فَيحرم قبُول هديته وَهل يملكهُ إِن قبله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يملك لِأَنَّهُ حرَام وَالثَّانِي أَنه يملك كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة تصح وَيحرم فعلهَا وَكَذَا الْخلاف فِيمَن وهب المَاء وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ لوضوئه من غير عطشان

الرَّابِعَة لَا يكره لَهُ حُضُور الولائم إِذا لم يخصص بالإجابة بَعضهم لِأَن فِي حُضُور الولائم أَخْبَارًا كَثِيرَة وَهَذَا فِي المأدبة الْعَامَّة أما مَا هيىء لأَجله فَلَا يحضرهُ فَإِنَّهُ كالهدية وَلَا يحضر مأدبة الْخَصْمَيْنِ أصلا فَإِنَّهُ رُبمَا يتودد أَحدهمَا بِزِيَادَة تكلّف

الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّزْكِيَة وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الإستزكاء عندنَا حق الله تَعَالَى فَإِن سكت الْخصم وَجب على القَاضِي إِلَّا إِذا علم عدالتهما فَإِن الظَّاهِر أَنه يعول على الْعلم هَهُنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن سكت الْخصم قضى وَلَو أقرّ الْخصم بعدالتهما وَلَكِن قَالَ قد زلا فِي هَذِه الْوَاقِعَة فَفِي وجوب الإستزكاء وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه يقْضِي مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّانِيَة فِي كَيْفيَّة الإستزكاء وَهُوَ أَن يكْتب القَاضِي إِلَى الْمُزَكي اسْم الشَّاهِدين والخصمين وَقدر المَال فَلَعَلَّهُ يعرف

بَينهمَا عَدَاوَة وَرُبمَا يعدله فِي مِقْدَار يسير من المَال دون كثير وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الْعدْل فِي الْيَسِير عدل فِي الْكثير فَذكر قدر المَال لَا يجب وَهُوَ الْأَشْهر وليكتب إِلَى الْمُزَكي سرا حَتَّى لَا يتوسل الشَّاهِد إِلَى الإستمالة والتعرف إِلَى الْمُزَكي بِحسن الْحَال ثمَّ يسْتَحبّ أَن يشافه القَاضِي الْمُزَكي ظَاهرا فِي آخر الْأَمر وَيسْتَحب أَن يكون لَهُ جمَاعَة من المزكين أخفياء لَا يعْرفُونَ الثَّالِثَة صِفَات المزكين كصفات الشُّهُود وَيزِيد أَمْرَانِ أَحدهمَا الْعلم بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل وَالْآخر خبرته ببواطن الشُّهُود فَلَا يجوز التَّعْدِيل بِنَاء على الظَّاهِر وَلَا بُد من الذُّكُورَة وَلَا بُد من الْعدَد إِلَّا إِذا كَانَ مَنْصُوبًا للْحكم بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل وَسَمَاع الْبَيِّنَة فللقاضي أَن يعْتَمد قَوْله وَحده إِذا قَامَت الْبَيِّنَة عِنْده وَيجب على الْمُزَكي أَن يَقُول أشهد بِأَنَّهُ عدل إِن قُلْنَا تجب المشافهة وَإِن اكتفينا بالرقعة مَعَ الرَّسُول فَفِي اشْتِرَاط كتبه لفظ الشَّهَادَة خلاف كَمَا فِي المترجم فرع تركيته لوَلَده أَو وَالِده فِيهِ خلاف كَمَا فِي الْقَضَاء وَالْأَظْهَر أَنه كَالشَّهَادَةِ الرَّابِعَة فِي مُسْتَند الْمُزَكي وَيَنْبَغِي أَن لَا يجرح إِلَّا بمعاينة سَبَب الْفسق أَو يَقِين وَعلم لِأَن ذَلِك يُمكن مَعْرفَته أما الْعَدَالَة فَلَا يُمكن مَعْرفَتهَا يَقِينا لِأَنَّهُ يرجع إِلَى أَنه لَيْسَ بفسق وَهُوَ نفي وَالْإِنْسَان يخفي عيوبه جهده وَإِنَّمَا يعدل إِذا خبر بَاطِنه بالصحبة مَعَه أَو شهد عِنْده

عَدْلَانِ بعدالته إِن كَانَ مَنْصُوبًا للْحكم بالتعديل وَالْأَصْل فِيهِ مَا رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لمن عرف شَاهدا بالصلاح هَل كنت جارا لَهُ فتعرف إصباحه وإمساءه فَقَالَ لَا فَقَالَ هَل عاملته على الدِّينَار وَالدِّرْهَم فبهما تعرف الْأَمَانَات فَقَالَ لَا فَقَالَ هَل صحبته فِي السّفر فبه تعرف أَخْلَاق الرِّجَال فَقَالَ لَا فَقَالَ مَا أَرَاك إِلَّا رَأَيْته فِي الْمَسْجِد يهمهم فِي صلَاته يرفع رَأسه وَيخْفِضهُ هَات من يعرفك فَإِنَّهُ لَا يعرفك وَلِهَذَا يجب على القَاضِي أَن يعرف أَن الْمُزَكي هَل خبر بَاطِن الشَّاهِد أم لَا فِي كل مرّة إِلَّا إِذا علم من عَادَته أَنه لَا يُزكي إِلَّا بعد الْخِبْرَة الْخَامِسَة كَيْفيَّة التَّعْدِيل أَن يَقُول هُوَ عدل عَليّ ولي أَو عدل مَقْبُول الشَّهَادَة فَإِن الْعدْل قد لَا تقبل شَهَادَته لكَون مغفلا وَلَا يجب ذكر سَبَب الْعَدَالَة فَإِنَّهُ لَا ينْحَصر وَيجب ذكر سَبَب الْجرْح من شرب وزنا وَأكل حرَام وَغَيره وَهَذَا وَإِن كَانَ غيبَة فَهُوَ جَائِز لهَذِهِ الْحَاجة وَإِنَّمَا يجب الذّكر لِأَن للنَّاس مَذَاهِب فِي أَسبَاب الْجرْح فَمنهمْ من يفسق بِأَدْنَى خيال وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون الْمُزَكي من المتعصبين فِي الْمَذْهَب والأهواء السَّادِسَة لَا تَكْفِي الرقعة إِلَى القَاضِي بالتعديل فَإِن الْخط لَا يعْتَمد وَالْأَظْهَر أَنه يجب المشافهة وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي يَكْفِي رَسُولا عَدْلَانِ إِذْ تَكْلِيفه الْحُضُور شهرة

وَالْمُسْتَحب إخفاء الْمُزَكي وَمن شَرط المشافهة أوجب لفظ الشَّهَادَة وَمن اكْتفى بالرسول ترددوا فِيهِ السَّابِعَة إِذا زكى المزكون لَكِن ارتاب القَاضِي أَو توهم غَلطا فِي خُصُوص الْوَاقِعَة فليفرق الشُّهُود وليراجع أَنه كَيفَ رأى وَأي وَقت رأى فَرُبمَا عثر على تفَاوت بَين كلاميهما فَيكْشف بِهِ وَجه الْغَلَط والتهمة فَإِذا كَانَ الشَّاهِد فَقِيها فَلهُ الْإِصْرَار على كلمة وَاحِدَة وَلَا يلْزمه التَّفْصِيل فَلَا يفصل وَلَا يزِيد على الْإِعَادَة وَلَيْسَ للْقَاضِي إِجْبَاره وَلَكِن ليبحث عَن جِهَات أخر فَإِن أصر الشَّاهِد وَبحث وَلم تزل الرِّيبَة وَجب الْقَضَاء فَإِنَّهُ غَايَة الْإِمْكَان وَلَو قضى قبل الْبَحْث مَعَ بَقَاء الرِّيبَة لم يجز لَهُ ذَلِك لِأَن الْبَحْث حق الله تَعَالَى

فروع الأول لَو عدل رجلَانِ وجرح رجن فالجرح أولى لِأَنَّهُ مُسْتَند إِلَى عيان وَلَو جرح رجل وَاحِد وَعدل رجلَانِ لم يقبل الْجرْح الثَّانِي يتَوَقَّف القَاضِي إِذا توقف المزكون وَلَا يجوز للمزكي الْجرْح بِالتَّسَامُعِ فِي الْفسق بل التَّوَقُّف إِلَّا إِذا عاين أَو سمع أَو شهد عَدْلَانِ عِنْده على مُشَاهدَة الْفسق وَكَانَ حَاكما فِي التَّعْدِيل فَإِن عدل المزكون فللقاضي إِذا انْفَرد بتسامع الْفسق أَن يتَوَقَّف لِأَنَّهُ مَحل الرِّيبَة الثَّالِث إِذا شهد الْمعدل مرّة أُخْرَى رُوجِعَ الْمُزَكي إِن طَال الزَّمَان إِذْ الْأَحْوَال تَتَغَيَّر وَإِن قرب الزَّمَان فَلَا وَلَو رَجَعَ الْمُزَكي فَفِي غرامته لِلْمَالِ وَجْهَان وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْقَضَاء على الْغَائِب وَكتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْقَضَاء على الْغَائِب يجوز خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بِسِتَّة أَرْكَان الرُّكْن الأول الدَّعْوَى فَيشْتَرط فِيهَا ثَلَاثَة أُمُور الأول الْإِعْلَام فَإِذا ادّعى دينا فليذكر قدره وجنسه وَهَذَا لَا يخْتَص بالغائب فَلَا يَكْفِيهِ أَن يَدعِي عشرَة دَنَانِير أَو دَرَاهِم مَا لم يذكر أَي نوع هِيَ وَلَا ينزل مُطلق الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير على الْغَالِب كَمَا لَا ينزل فِي الْإِقْرَار على الْغَالِب بِخِلَاف الْعُقُود إِذْ الْعَادة تُؤثر فِي الْمُعَامَلَات ثمَّ يعرض القَاضِي عَنهُ أَو يستفصله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يعرض حَتَّى لَا يكون كالتلقين وَكَذَلِكَ إِذا أدّى الشَّاهِد شَهَادَة مَجْهُولَة فَلَا يرشده القَاضِي بل يسكت وَكَذَلِكَ لَو شَبَّبَ الْمُدَّعِي بِمَا لَو ذكره كَانَ إِقْرَارا لم يزجره القَاضِي وَالثَّانِي أَنه يستفصل وَهُوَ الْأَصَح لِأَن هَذَا سُؤال لَا تلقين الثَّانِي صَرِيح الدَّعْوَى فَلَا يَكْفِيهِ أَن يَقُول لي على فلَان كَذَا مَا لم يقل إِنِّي الْآن مطَالب بِهِ فَلَو قَالَ لي عَلَيْهِ كَذَا وَيلْزمهُ التَّسْلِيم إِلَيّ فَهَذَا فِيهِ تردد لِأَنَّهُ لم يذكر

الطّلب وَالدّين لَازم قبل الطّلب فَلَعَلَّهُ لَيْسَ بِطَلَب الثَّالِث أَن يكون مَعَه بَيِّنَة وَيَدعِي جحود الْغَائِب إِذْ لَا معنى للدعوى على الْغَائِب من غير بَيِّنَة وَلَا تسمع الْبَيِّنَة من غير جحود وَمِنْهُم من قَالَ لَا يشْتَرط ذكر الْجُحُود لِأَنَّهُ من أَيْن يعلم جحوده فِي الْغَيْبَة وَكَيف يعول على مُجَرّد قَوْله بل تجْعَل الْغَيْبَة كالسكوت وَالْبَيِّنَة تسمع على السَّاكِت فَلَو قَالَ هُوَ يعْتَرف وَإِنَّمَا أقيم الْبَيِّنَة استظهارا لم تسمع وَلَا خلاف أَنه لَو اشْترى شَيْئا فَخرج مُسْتَحقّا وَالْبَائِع غَائِب سَمِعت بَينته وَإِن لم يذكر الْجُحُود لِأَن تقدم البيع مِنْهُ كالجحود الرُّكْن الثَّانِي الشُّهُود وَلَا بُد أَن يستقصي القَاضِي الْبَحْث وَلَا يخْتَلف ذَلِك عندنَا بالحضور والغيبة فَإِن الْبَحْث حق الله تَعَالَى الرُّكْن الثَّالِث الْمُدَّعِي وَحكمه لَا يخْتَلف إِلَّا فِي دَعْوَى الْجُحُود وإحضار الْبَيِّنَة وَأمر ثَالِث وَهُوَ أَن القَاضِي يحلفهُ أَنه مَا أَبْرَأ عَنهُ وَلَا عَن شَيْء مِنْهُ وَلَا اعتضاض عَنهُ وَلَا عَن شَيْء مِنْهُ وَلَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا شَيْئا مِنْهُ وَأَنه يلْزمه التَّسْلِيم إِلَيْهِ وَأَن الشُّهُود صدقُوا ثمَّ هَذِه الْيَمين وَاجِبَة إِن كَانَت الدَّعْوَى على صبي أَو مَجْنُون أَو ميت فَإِن كَانَ على حَيّ عَاقل بَالغ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب بل يحكم ثمَّ لَا ينحسم بَاب دَعْوَى الْإِبْرَاء والتوفية كَمَا على الْحَاضِر وَالثَّانِي أَنه يجب إِذْ الْحَاضِر يُبَادر الدَّعْوَى والتسليط من غير استقصاء مِنْهُ محَال ثمَّ على هَذَا لَا يجب التَّعَرُّض لصدق الشُّهُود وَإِنَّمَا يجب فِيمَن يحلف مَعَ شَاهد وَاحِد وَأما إِذا كملت الْبَيِّنَة فَلَا هَذَا إِذا ادّعى بِنَفسِهِ فَإِن ادّعى وَكيله وَهُوَ غَائِب فَلَا بُد

من تَسْلِيم الْحق بل لَو حضر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِإِزَاءِ وَكيل الْمُدَّعِي فأقيمت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَقَالَ إِن موكلك قد أبرأني فَأُرِيد يَمِينه توقف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فُقَهَاء الْفَرِيقَيْنِ بمرو فِي وَاقعَة فاستدرك الْقفال وَقَالَ يسلم الْحق إِذْ لَو فتح هَذَا الْبَاب تعذر طلب الْحُقُوق الغائبة بالوكلاء الرُّكْن الرَّابِع فِي إنهاء الحكم إِلَى قَاض آخر وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ أَو الْإِشْهَاد أَو المشافهة أما مُجَرّد الْكِتَابَة فَلَا يعْتَمد إِذْ لَا تعويل على الْخط وَمُجَرَّد الْإِشْهَاد بعدلين دون الْكتاب كَاف وَإِن كتب فَهُوَ تذكرة للشاهدين وَلَا يعْتَمد حَتَّى لَو ضَاعَ لم يضر وَلَو شَهدا بِخِلَاف مَا فِي الْكتاب سمع لِأَن الإعتماد عل الْعلم وَيحصل علمهما بِأَن يجْرِي القَاضِي الْقَضَاء بَين يديهما ويشهدهما عَلَيْهِ وَلَا يَكْتَفِي أَن يسلم إِلَيْهِمَا الْكتاب وَيَقُول أشهد كَمَا أَن هَذَا خطي فَإِن قَالَ أشهد كَمَا أَن مَضْمُون الْكتاب قضائي قَالَ الْإِصْطَخْرِي يَكْفِي ذَلِك لِأَن هَذَا إِقْرَار بِمَجْهُول يُمكن مَعْرفَته وَقَالَ الْأَصْحَاب لَا يَكْفِي حَتَّى يذكر تَفْصِيل قَضَائِهِ للشاهدين وَيقرب من هَذَا مَا لَو سلم الْمقر القبالة إِلَى الشَّاهِد وَقَالَ أشهدك على مَا فِيهِ وَأَنا عَالم بِهِ وَلَعَلَّ الْأَصَح أَن هَذَا يَكْفِي لِأَنَّهُ مقرّ على نَفسه بِمَا لَا يتَعَلَّق بِحَق غَيره وَالْإِقْرَار بِالْمَجْهُولِ صَحِيح وَأما القَاضِي فمقر على نَفسه لَكِن بِمَا يرجع ضَرَره على غَيره فالإحتياط فِيهِ أهم

ثمَّ الأولى أَن يكْتب الْكتاب مَعَ الشُّهُود للتذكرة ويختمه وَيسلم إِلَيْهِمَا نُسْخَة غير مختومة للمطالعة وَيكْتب فِي الْكتاب اسْم الْخَصْمَيْنِ وَاسم أَبِيهِمَا وجدهما وحليتهما ومسكنهما إِلَى حَيْثُ يحصل التَّمْيِيز فَهُوَ الْمَقْصُود وَيذكر قدر المَال وتاريخ الدَّعْوَى وَيَقُول قَامَت عِنْدِي بذلك بَيِّنَة عادلة وحلفته مَعَ الْبَيِّنَة وَالْتمس مني الْقَضَاء والكتبة إِلَيْك لتستوفي فأجبته إِلَى ذَلِك وأشهدت عَلَيْهِ فلَانا وَفُلَانًا وَلَا فَائِدَة فِي ذكر عَدَالَة شَاهِدي الْكتاب فَإِنَّهُ لَا تثبت عدالتهما بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا بِمُجَرَّد الْكتاب وهما يَشْهَدَانِ على الْكتاب بل يَنْبَغِي أَن تظهر عدالتهما للْقَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ بطرِيق آخر فَإِن قيل إِذا لم يبْق إِلَّا اسْتِيفَاء الْحق فَلم لَا يُكَاتب واليا غير القَاضِي حَتَّى يَسْتَوْفِي قُلْنَا لِأَن الْكتاب لَا يثبت عِنْد الْوَالِي إِلَّا بِشَهَادَة الشُّهُود ومنصب سَماع الشَّهَادَة يخْتَص بالقضاة فَإِن شافه الْوَالِي جَازَ لَهُ الإستيفاء فِي بَلْدَة هِيَ من ولَايَة القَاضِي فَإِن كَانَت خَارِجَة عَن ولَايَته فَفِي وجوب اسْتِيفَائه نظر لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ على تِلْكَ الْبقْعَة وَلَكِن الصَّحِيح وُجُوبه لِأَن سَماع الْوَالِي بالمشافهة كسماع قَاض آخر شَهَادَة الشُّهُود أما المشافهة فَهِيَ أقوى لَكِن بِشَرْط أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَحل ولَايَته بِأَن يَكُونَا قاضيي بَلْدَة وَاحِدَة على الْعُمُوم أَو شقي بَلْدَة فيناديا فِي الطَّرفَيْنِ وَإِنَّمَا يَكْفِي ذَلِك إِذا

قَالَ قضيت فاستوف أما إِذا قَالَ سَمِعت الْبَيِّنَة فاحكم فَلَا فَائِدَة لَهُ فِي خبْرَة الْبَيِّنَة لِأَن قَوْله فرع عَن الشُّهُود وَإِنَّمَا يُفِيد عِنْد الْعَجز عَنْهُم بِالْمَوْتِ أَو الْغَيْبَة هَذَا هُوَ الْأَظْهر وَفِيه وَجه سَيَأْتِي أما إِذا اجْتمعَا فِي أحد الشقين فَقَالَ لَهُ صَاحب الْولَايَة إِذا رجعت إِلَى شقك فاستوف فَإِنِّي قد قضيت فَإِذا رَجَعَ جَازَ لَهُ الإستيفاء إِن جَوَّزنَا الْقَضَاء بِالْعلمِ لِأَنَّهُ علم حصل فِي غير مَحل ولَايَته وَإِن لم نجوز فقد أطلق بعض الْأَصْحَاب جَوَازه وَقَالَ الإِمَام لَا يجوز بل هُوَ كسماعه الشَّهَادَة فِي غير مَحل ولَايَته لِأَنَّهُ سمع حَيْثُ لم يكن أَهلا للسماع فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ لَهُ سَمِعت الْبَيِّنَة وَلم يبْق إِلَّا الْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا خلاف أَنه لَا يقْضِي إِذا رَجَعَ إِلَى شقَّه إِذْ قَول القَاضِي فرع لشهادة الشُّهُود فسماعه لَا يزِيد على سَماع الشَّهَادَة وَهَذَا يلْزمه أَن يَقُول الْوَالِي الَّذِي لَيْسَ بقاض لَا يَسْتَوْفِي لِأَن كَونه قَاضِيا لَا يُخرجهُ عَن كَونه واليا لَكِن يُمكن أَن يُجَاب بِأَن الْوَالِي لَا يقْضِي إِلَّا بِعِلْمِهِ ومستند علمه قَوْله قضيت فَكَذَلِك يجوز أَيْضا للْقَاضِي إِذا قُلْنَا إِنَّه يقْضِي بِعِلْمِهِ أما إِذا قَالَ فِي غير مَحل ولَايَته لقاض آخر قضيت فِي ولايتي فاحكم أَو استوف فَلَا خلاف أَنه لَا يسمع إِذْ لَا حجَّة فِي قَوْله إِلَّا فِي مَحل ولَايَته

فروع الأول إِذا كتب إِلَى قَاض فَمَاتَ الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ جَازَ لكل من شهد عِنْده الشُّهُود من الْقُضَاة الحكم بِهِ لِأَن الْحجَّة فِي حكمه لَا فِي كِتَابه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز ذَلِك إِلَّا إِذا كتب إِلَى فلَان وَإِلَى كل من يصل إِلَيْهِ من الْقُضَاة وَكَأَنَّهُ يَجْعَل ذَلِك تفويضا الثَّانِي إِذا قضى القَاضِي وَاقْتصر على قَوْله حكمت على أَحْمد بن مُحَمَّد فاعترف رجل فِي تِلْكَ الْبَلدة بِأَنَّهُ أَحْمد بن مُحَمَّد وَأَنه المعني بِالْكتاب وَأنكر الْحق فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن الحكم فِي نَفسه بَاطِل لِأَنَّهُ على مُتَّهم غير معِين لَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا بِوَصْف مستقص كَامِل فَلَا يتم الحكم باعترافه بِأَنَّهُ المعني إِلَّا أَن يقر بِالْحَقِّ فَيُؤْخَذ الْحق بِإِقْرَارِهِ أما إِذا استقصى فَذكر اسْم أَبِيه وجده وحليته ومسكنه ومحلته وأتى بالممكن فإمكان اشتراكه فِي جملَة هَذِه الصِّفَات على الندور لَا ينقدح فَإِن قَالَ الْمَأْخُوذ لست مُسَمّى بِهَذَا الإسم فعلى الْخصم إِن نقم بَيِّنَة على الإسم وَالنّسب فَإِن عجز حلفه فَإِن حلف انْصَرف عَنهُ الْقَضَاء وَإِن نكل توجه الْحق بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة فَلَو أَخذ يحلف على أَن الْحق لَا يلْزمه وَلَيْسَ يحلف على نفي الإسم فَلَا يسمع بِخِلَاف من ادعِي عَلَيْهِ قرض فَلم يُنكر وَلَكِن قَالَ لَا يلْزَمنِي تَسْلِيم شَيْء يقبل لِأَنَّهُ رُبمَا أخد ورد وَلَو اعْترف لطولب بِالْبَيِّنَةِ لِأَن مُجَرّد الدَّعْوَى لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ وَهَاهُنَا قد قَامَت الْبَيِّنَة على الإسم وَتوجه الْحق إِن ثَبت الإسم وَقَالَ الصيدلاني يقبل ذَلِك مِنْهُ كتلك الْمَسْأَلَة وَهُوَ ضَعِيف وَالْفرق أظهر

وَأما إِذا قَالَ أَنا مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات وَلَكِن فِي الْبَلَد من يساويني فَإِذا أظهر ذَلِك وَلَو مَيتا انْصَرف الْقَضَاء عَنهُ وَهَذَا كُله إِذا قضى القَاضِي بِالْبَيِّنَةِ وَلم يبْق لَهُ إِلَّا الإستيفاء أما إِذا سمع الْبَيِّنَة وَكتب إِلَى قَاض آخر بِسَمَاع الْبَيِّنَة فَهَذَا جَائِز بالإتفاق وساعد عَلَيْهِ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَفِيه إِشْكَال لِأَنَّهُ إِن كَانَ تحملا كَالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة فَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِد وَإِن كَانَ قَضَاء بِقِيَام الْبَيِّنَة وسماعها حَتَّى ينزل سَمَاعه منزلَة سَماع القَاضِي الثَّانِي فَلم يجب ذكر الشُّهُود فِي الْكتاب وصفتهم وَلَا يجب ذكر شُهُود الْوَاقِعَة إِذا تمم القَاضِي وَكَأن هَذَا قَضَاء مشوب بِالنَّقْلِ والأغلب عَلَيْهِ أَنه قَضَاء بأَدَاء الشَّهَادَة حَتَّى يقوم سَمَاعه مقَام سَماع الآخر وَلَكِن وَجب ذكر الشُّهُود لِأَن الآخر إِنَّمَا يقْضِي بقَوْلهمْ والمذاهب فِي الْحجَج مُخْتَلفَة فَرُبمَا لَا يرى القَاضِي الْقَضَاء بقَوْلهمْ ثمَّ لَا خلاف أَنه لَو سمع وَلم يعدل وفوض التَّعْدِيل إِلَى الآخر جَازَ وَإِن كَانَ الأولى أَن يعدل لِأَن أهل بلدهم أعرف بهم وَلَو عدل القَاضِي وَأشْهد على التَّعْدِيل شُهُود الْكتاب جَازَ ذَلِك ثمَّ إِن ادّعى الْخصم جرحا فلظهر شَاهِدين عَدْلَيْنِ فَيقدم بَيِّنَة الْجرْح على التَّعْدِيل الَّذِي فِي الْكتاب فَإِن استمهل أمْهل ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن قَالَ لَا أتمكن مِنْهُ إِلَّا فِي بلد الشُّهُود لم يُمْهل لِأَن ذَلِك يطول وَيصير ذَلِك ذَرِيعَة لَكِن يسلم المَال ثمَّ إِن أثبت الْجرْح اسْتردَّ قولا وَاحِدًا وَلم يخرج على مَا لَو كَانَ الْخصم حَاضرا وَأظْهر الْجرْح بعد الحكم فَإِن فِي نقض الْقَضَاء بِهِ قَوْلَيْنِ لِأَن الْحَاضِر مقصر وَهُوَ مَعْذُور الثَّالِث لَو كَانَ للبلد قاضيان وجوزناه فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر سَمِعت الْبَيِّنَة فَاقْض فَلهُ ذَلِك إِن قُلْنَا الْغَالِب عَلَيْهِ الْقَضَاء وكأنهما تعاونا على حكم وَاحِد وَإِن قُلْنَا الْغَالِب النَّقْل لم يجز ذَلِك مَعَ حُضُور الشُّهُود فَإِن القَاضِي كالفرع للشُّهُود

الرُّكْن الْخَامِس فِي الْمَحْكُوم بِهِ وَذَلِكَ إِن كَانَ دينا أَو عقارا يُمكن تحديده فَهُوَ سهل وَإِن كَانَ عينا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُمكن تَعْرِيفه بِالصّفةِ كالفرس وَالْجَارِيَة وَالْعَبْد أَو يكثر أَمْثَالهَا كالأمتعة والكرباس مثلا أما العَبْد وَأَمْثَاله فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا ترتبط الدَّعْوَى وَالْقَضَاء بِعَيْنِه بل بِقِيمَتِه كالكرباس لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ عرف بِالنّسَبِ وتعريف العَبْد وَالْفرس غير مُمكن وَالثَّانِي أَنه يجوز أَن يقْضِي على عينه كالمحكوم عَلَيْهِ إِذا كَانَ خاملا وَالثَّالِث أَنه يسمع الْبَيِّنَة على عينه وَلَا يقْضِي لِأَن إبراهم الحكم مَعَ هَذِه الْجَهَالَة صَعب التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه يتَعَلَّق بِعَيْنِه فالمدعى عَلَيْهِ إِذا عين عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْبَلدة عبد فَيصْرف الْقَضَاء عَنهُ بِأَن يظْهر فِي الْبَلَد عبد آخر بِتِلْكَ الصّفة إِمَّا من ملكه أَو ملك غَيره فَإِن أظهر من ملكه لم يلْزمه تَسْلِيم أَحدهمَا بل صَار الْقَضَاء بَاطِلا لكَونه مُبْهما وَإِن لم يبين لزمَه تَسْلِيم العَبْد الْمَوْصُوف وَإِن قُلْنَا إِنَّه يسمع الْبَيِّنَة فَقَط ففائدة الْمُدَّعِي أَن يُطَالب بِتَسْلِيم العَبْد إِلَيْهِ حَتَّى يُعينهُ

الشُّهُود فِي بَلَده ثمَّ فِي الإحتياط لملكه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يلْزم الْمُدَّعِي كَفِيلا بِالْبدنِ وَالثَّانِي أَن الْكفَالَة بِالْبدنِ ضَعِيف فَلَا يلْزمه بل يلْزمه أَن يَشْتَرِي ويتكفل بِالْمَالِ ضَامِن حَتَّى إِن تلف تلف من ضَمَانه وَإِن ثَبت ملكه فِيهِ بَان بطلَان الشِّرَاء وَيحْتَمل هَذَا الْوَقْف للْحَاجة وَذكر الفوراني أَنه يلْزمه تَسْلِيم الْقيمَة إِلَيْهِ للْحَيْلُولَة فِي الْحَال من غير بَيِّنَة فَإِن ثَبت ملكه اسْتردَّ الْقيمَة وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ إِذْ كَفَالَة الْبدن ضَعِيفَة الْفَائِدَة وَالْبيع رُبمَا لَا يرضى بِهِ صَاحب الْيَد هَذَا فِي العَبْد أما الْجَارِيَة فتسلم إِلَى أَمِين لِأَن حفظ الْفروج وَاجِب وَمن يَدعِي الْملك لَا يمْتَنع من الْمُبَاشرَة وَإِن قُلْنَا إِنَّه كالكرباس فَلَا ترتبط الدَّعْوَى بِعَيْنِه بل ترتبط بِالْقيمَةِ فيذكر كرباسا أَو عبدا قِيمَته عشرَة مثلا وَلَا بَأْس بِذكر صِفَات الْعين وَلَا يجب كَمَا أَنه لَا بَأْس بِذكر قيمَة الْعقار وَقِيمَة العَبْد على قَوْلنَا تتَعَلَّق بِعَيْنِه وَلَكِن لَا يجب على الظَّاهِر أما إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ حَاضرا وَالْعَبْد والكرباس حاضرين وَلَكِن لم يحضرهُ مجْلِس الحكم فهاهنا يفْتَرق الكرباس وَالْعَبْد إِذْ الْمُنكر لَا يلْزمه إِحْضَار الكرباس لِأَنَّهُ يتماثل وَإِن أحضر وَأما العَبْد فَيحكم القَاضِي بِهِ وَإِن كَانَ غَائِبا إِذا عرفه القَاضِي بِعَيْنِه وَإِن لم يعرفهُ فَلَا بُد من إِحْضَاره للتعيين وَيجب ذَلِك على الْمُدعى عَلَيْهِ إِن اعْترف بِأَن فِي يَده عبدا هَذَا صفته وَإِن لم يعْتَرف حلف على أَنه لَيْسَ فِي يَده مثل هَذَا العَبْد فَإِن نكل فَحلف الْمُدَّعِي أَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَن فِي يَده مثله حبس الْمُدعى عَلَيْهِ حَتَّى يحضر ويتأبد عَلَيْهِ الْحَبْس وَلَا يتَخَلَّص إِلَّا بالإحضار أَو بِدَعْوَى التّلف فَعِنْدَ ذَلِك يقبل قَوْله للضَّرُورَة ويقنع بِالْقيمَةِ ثمَّ إِن حضر فعلى الشُّهُود على الْوَصْف إِعَادَة الشَّهَادَة على الْعين فَإِن علم الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا بَينه لَهُ أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يُبَالِي بِالْحلف عل أَنه لَيْسَ فِي يَده فطريق الْجَزْم لَهُ أَن يصرف الدَّعْوَى إِلَى الْقيمَة وَيثبت الْمَالِيَّة بِالشَّهَادَةِ على الْوَصْف مهما لم يطْلب الْعين فَلَو قَالَ أَدعِي عبدا صفته كَذَا وَقِيمَته كَذَا فإمَّا أَن يرد الْعين أَو الْقيمَة فَهَذِهِ دَعْوَى غير مجزومة فَفِي سماعهَا وَجْهَان وَلَكِن اتّفق الْقُضَاة على سماعهَا للْحَاجة اصْطِلَاحا فرع إِذا حضر العَبْد الْغَائِب وَلم يثبت ملك الْمُدَّعِي فعلى الْمُدَّعِي مئونة الْإِحْضَار

ومئونة الرَّد إِلَى مَكَانَهُ هَذَا مَا ذكره الْأَصْحَاب وَلم يتَعَرَّضُوا لأجرة منفعَته الَّتِي تعطلت وَلَا لمَنْفَعَة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِذا تعطل بالحضور وَكَأن ذَلِك احتملوه لمصْلحَة الإيالة وَجعل ذَلِك وَاجِبا لإجابة القَاضِي فَلم يلْزمه بَدَلا أما مُؤنَة إِحْضَار العَبْد فَلم تحْتَمل الرُّكْن السَّادِس الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَشَرطه أَن يكون غَائِبا فَإِن كَانَ فِي الْبَلَد فَفِي جَوَاز سَماع الْبَيِّنَة قبل استحضاره وَجْهَان أَحدهمَا تسمع إِذْ إِنْكَاره غير مَشْرُوط وَإِنَّمَا الشَّرْط عدم إِقْرَاره وَهُوَ مَعْدُوم فِي الْحَال وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لِأَن إِقْرَاره متوقع على قرب وسلوك أقرب الطّرق وَاجِب فِي الْقَضَاء فَإِن قُلْنَا تسمع فَالْمَذْهَب أَنه لَا يقْضِي إِلَّا فِي حُضُوره فَلَعَلَّهُ يجد مطعنا ودفعا بِخِلَاف الْغَائِب فَإِن انْتِظَاره يطول وَفِيه وَجه بعيد أَنه يقْضِي كالغائب أما إِذا حضر فَفِي جَوَاز سَماع الْبَيِّنَة من دون مُرَاجعَة الْخصم وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَوجه الْجَوَاز أَنه قَادر على الدّفع وَالْكَلَام فَلْيَتَكَلَّمْ إِن أَرَادَ أما إِذا توارى وَتعذر فَالْمَذْهَب أَنه يقْضِي عَلَيْهِ كالغائب وَذكر القَاضِي وَجها أَن الْمَنْع لَا يَجْعَل كالعجز كَمَا أَن منع الْمهْر وَالثمن لَا يلْحق بالإفلاس على وَجه واختتام الْبَاب بتنبيهات الأول أَن فِي قبُول كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِي الْحُدُود قَوْلَيْنِ وَفِي الْقصاص قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْقبُولِ

الثَّانِي أَن حد الْغَيْبَة مَا فَوق مَسَافَة الْعَدْوى وَهُوَ أَن يعدو من بَيته فَلَا يرجع إِلَيْهِ مسَاء فَإِن أمكن ذَلِك فَهُوَ كالحاضر فَيجب عَلَيْهِ إِجَابَة القَاضِي إِذا دَعَاهُ وَإِن دَعَاهُ صَاحب الْحق لم يجب الْحُضُور بل الْوَاجِب هُوَ الْحق إِن كَانَ صَادِقا وَإِلَّا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يجب الْحُضُور طَاعَة للْقَاضِي لأجل الْمصلحَة الثَّالِث أَنه إِن لم يكن على مَسَافَة الْعَدْوى حَاكم فَيجوز للْقَاضِي إِحْضَاره وَلَكِن بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة إِذْ تَكْلِيفه ذَلِك من غير حجَّة إِضْرَار وَلِهَذَا يجب على القَاضِي أَن لَا يخلي مثل هَذِه الْمسَافَة من حَاكم الرَّابِع إِذا كَانَ للْغَائِب مَال فِي الْبَلَد وَجب على القَاضِي التوفية وَهل يُطَالب الْمُدَّعِي بكفيل فَرُبمَا توقع استدارك فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ كل حكم يُمكن فِيهِ الإستدراك وَقد تمّ الحكم فِي الْحَال وَالثَّانِي نعم لِأَن الْخصم غَائِب والإستدراك غَالب الْخَامِس إِذا عزل القَاضِي بعد سَماع الْبَيِّنَة ثمَّ ولي يلْزمه استعادة الْبَيِّنَة إِذْ بَطل بِالْعَزْلِ سَمَاعه السَّابِق وَإِن خرج عَن مَحل ولَايَته ثمَّ رَجَعَ فَفِي الإستعادة وَجْهَان السَّادِس المخدرة لَا تحضر مجْلِس القَاضِي لِأَن ضَرَر إبِْطَال الخدر أعظم من ضَرَر الْمَرَض بل يحضر القَاضِي أَو مَأْذُون من جِهَته فَكل من لَا تخرج أصلا إِلَّا لضَرُورَة مرهقة فَهِيَ مخدرة أما من لَا تخرج إِلَى العزايا والزيارات إِلَّا نَادرا قَالَ القَاضِي هِيَ أَيْضا مخدرة وَقيل بل هِيَ الَّتِي لَا تخرج إِلَّا لضَرُورَة وَقيل بل هِيَ الَّتِي لَا تصير مبتذلة بِكَثْرَة الْخُرُوج وَإِن كَانَت تخرج على الْجُمْلَة وَقَالَ الْقفال يجب إِحْضَار المخدرة لِأَن الْحُضُور بِهَذَا الْعذر لَا

يبطل التخدر وَخَالفهُ جَمِيع الْأَصْحَاب فِيهِ السَّابِع للْقَاضِي أَن يتَصَرَّف فِي مَال حَاضر ليتيم خَارج عَن مَحل ولَايَته إِذا أشرف على الْهَلَاك كَمَا يتَصَرَّف فِي مَال كل غَائِب وَلَكِن هَل لَهُ نصب قيم للتَّصَرُّف فِيهِ تردد القَاضِي فِيهِ وَلم يبت جَوَابا فَإِنَّهُ نصب على الْيَتِيم وَفِي المَال أَيْضا فَإِذا كَانَ الْيَتِيم فِي ولَايَته وَمَاله فِي ولَايَة أُخْرَى رُبمَا أدّى إِلَى أَن ينصب كل وَاحِد من القاضيين قيمًا وَلَعَلَّ الأولى أَن يُلَاحظ مَكَان الْيَتِيم لَا مَكَان المَال وَأما إِذا زوج امْرَأَة خَارِجَة عَن مَحل ولَايَته من غَائِب خَارج عَن مَحل ولَايَته بِرِضَاهَا فَهَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يَصح وَلَا يَكْفِي حُضُور الزَّوْج إِذْ لَا تعلق للولاية بِهِ بل حُضُور الْمَرْأَة مُعْتَبر لِأَنَّهُ ولي عَلَيْهَا بِخِلَاف المَال وَلَيْسَ ذَلِك كَمَا لَو حكم فِي مَحل ولَايَته على غَائِب خَارج عَن مَحل ولَايَته إِذْ الْمُدَّعِي حَاضر وَالْولَايَة مُتَعَلقَة بِهِ

الْبَاب الرَّابِع فِي الْقِسْمَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي القسام وأجرته وَلَا يَنْبَغِي أَن يخلي الْحَاكِم النواحي عَن القسام لمسيس الْحَاجة إِلَيْهِ وَليكن لَهُم رزق من بَيت المَال وَكَذَا القَاضِي والمزكي أما الشَّاهِد فَلَا يعْطى كَيْلا يتهم مَعَ أَن الشُّهُود لَا ينحصرون وَإِن لم يكن لَهُم رزق فَلَا يَنْبَغِي أَن يعين الْحَاكِم وَاحِدًا فيحسم على النَّاس اسْتِئْجَار غَيره وَفِي اشْتِرَاط الْعدَد فِي القسام قَولَانِ مأخذهما أَن منصبه منصب الْحَاكِم أَو الشَّاهِد وَإِن نصب حَاكما للتقويم أَو للتزكية أَو للْقِسْمَة فَيثبت عِنْدهم بِشَاهِدين ثمَّ القَاضِي يعول على قَوْلهم على الإنفراد وَلَا يجوز أَن ينصب حَاكما ليحكم بالتقويم بِاجْتِهَادِهِ أَو ليزكي بِنَظَر نَفسه وَإِن فرعنا على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ نعم للْقَاضِي أَن يعْتَمد على مَا يعرفهُ من

عَدَالَة الشَّاهِد على رَأْي وَهل لَهُ أَن يَكْتَفِي ببصيرة نَفسه فِي التَّقْوِيم مِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ تخمين وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ ثمَّ أُجْرَة القسام عِنْد تفَاوت الحصص تقسم على الرُّءُوس أَو على عدد قدر الحصص فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الشُّفْعَة وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ على قدر الحصص لِأَن الْعَمَل فِي الْكثير بالمساحة أَكثر لَا محَالة هَذَا إِذا أطلق الشُّرَكَاء العقد فَأَما إِذا انْفَرد كل وَاحِد بِذكر نصِيبه أتبع ذَلِك وَلَكِن لَيْسَ لوَاحِد أَن ينْفَرد بالإستئجار دون إِذن الشَّرِيك لِأَن تردده فِي الْملك الْمُشْتَرك مَمْنُوع دون الْإِذْن فَيكون الْعَمَل مَمْنُوعًا وَالْإِجَارَة فَاسِدَة بل يعْقد كل وَاحِد بِإِذن الآخرين أَو الْوَكِيل بِإِذن جَمِيعهم فرع إِذا كَانَ أحد الشَّرِيكَيْنِ طفْلا وَطلب الْقيم الْقِسْمَة حَيْثُ لَا غِبْطَة رد القَاضِي عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فِيهِ غِبْطَة فَعَلَيهِ حِصَّة من الْأُجْرَة وَإِن طلب الشَّرِيك حَيْثُ لَا غِبْطَة فَفِي لُزُوم أُجْرَة لنصيب الطِّفْل وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه يجب إِذا لَزِمت الْإِجَابَة كَمَا فِي الْبَالِغ وَالْأُجْرَة تتبع لُزُوم الْقِسْمَة

الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقِسْمَة فَإِن جرت فِي ذَوَات الْأَمْثَال جَازَت التَّسْوِيَة بِالْوَزْنِ والكيل وَكَذَا فِي الربويات إِن قُلْنَا إِنَّهَا إِفْرَاز حق وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع فَلَا يجوز فِي الْمكيل إِلَّا الْكَيْل فَإِن كَانَت فِي عَرصَة مُتَسَاوِيَة الْأَجْزَاء فالتسوية بالمساحة وتقسم الحصص وَتَكون الْأَجْزَاء على حسب أقل الحصص بَيَانه عَرصَة لوَاحِد نصفهَا ولواحد ثلثهَا ولواحد سدسها فتجعل الأَرْض سِتَّة أَجزَاء مُتَسَاوِيَة بالمساحة وَإِن افْتقر إِلَى التَّعْدِيل بِالْقيمَةِ عدل كَذَلِك ثمَّ يكْتب أَسمَاء الْملاك على ثَلَاثَة رقاع لأَنهم ثَلَاثَة ويدرجها فِي بَنَادِق من شمع أَو طين مُتَسَاوِيَة وتسلم إِلَى من لم يشْهد ذَلِك حَتَّى يخرج وَاحِدًا وَيقف القسام على الطّرف فَإِن خرج اسْم صَاحب النّصْف أعطَاهُ الْجُزْء الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث على الإتصال حَتَّى لَا يتفرق نصِيبه ثمَّ يخرج الآخر فَإِن خرج اسْم صَاحب الثُّلُث أعطَاهُ الرَّابِع وَالْخَامِس وَيتَعَيَّن السَّادِس لصَاحب السُّدس وَإِن خرج اسْم صَاحب السُّدس أعطَاهُ الرَّابِع وَتعين الْبَاقِي لصَاحب الثُّلُث وَتعين مَا مِنْهُ ابْتِدَاء التَّسْلِيم إِلَى تحكم القسام فيقف على أَي طرف شَاءَ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيمَن أعتق عبيدا لَا يملك غَيرهم أَنه يكْتب على الرقعة الْحُرِّيَّة وَالرّق لَا اسْم العبيد وَالْوَرَثَة وَهَا هُنَا لم يكْتب الثُّلُث وَالسُّدُس وَالنّصف فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمِنْهُم من فرق بِأَن مُسْتَحقّ الْحُرِّيَّة هُوَ الله تَعَالَى دون العبيد فَيكْتب الْحُرِّيَّة ليندفع عَنْهَا الْوَرَثَة وَبَقِيَّة العبيد وعَلى الْجُمْلَة هَذَا فِي الإستحباب إِذْ يجوز كتبة الْأَجْزَاء هَا هُنَا وكتبة الْأَسْمَاء ثمَّ

وَالْغَرَض يحصل فَإِن قُلْنَا يكْتب أَسمَاء الْملاك فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يكْتب باسم صَاحب النّصْف ثَلَاث رقاع وباسم صَاحب الثُّلُث اثْنَتَيْنِ لِأَن صَاحب الْكثير أولى بِاسْتِحْقَاق الطّرف وَفِي تَكْثِير اسْمه مَا يُوجب التَّقْدِيم إِذْ الْغَالِب أَنه يسْبق وَاحِد من ثَلَاثَة وَالصَّحِيح أَنه لَا حق لَهُ إِلَّا فِي الْكَثْرَة فَيَكْفِي ثَلَاث رقاع فرعان الأول إِذا اسْتحق الْمَتَاع الْوَاقِع فِي حِصَّة أَحدهمَا أَو بعضه انتقضت الْقِسْمَة فَإِن اسْتحق عينا من يَد وَاحِد وَاسْتحق مثلهَا فِي الْقِسْمَة من يَد الآخر لم تبطل الْقِسْمَة وَفِيه وَجه أَنه تسْتَأْنف الْقِسْمَة ويلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن كَانَ المَال أَرضًا قسم بَينهمَا وَاسْتحق ثلث الْكل فقد بطلت الْقِسْمَة فِي ذَلِك الْقدر وَالْبَاقِي يخرج على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَالأَصَح أَنه لَا ينْتَقض أما إِذا ظهر دين أَو وَصِيَّة بعد الْقِسْمَة فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا إِفْرَاز فالقسمة تبقى على الصِّحَّة إِن وفوا الدّين وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لِأَن الدّين إِمَّا أَن يمْنَع الْملك أَو يَجْعَل التَّرِكَة مَرْهُونَة وَالثَّانِي أَنه يَصح بل التَّرِكَة كَالْعَبْدِ الْجَانِي فَينفذ بَيْعه إِلَّا أَن لَا يُوفي الدّين الْفَرْع الثَّانِي إِذا ادّعى بعض الشُّرَكَاء غَلطا فِي الْقِسْمَة على قسام القَاضِي لم يكن لَهُ تَحْلِيفه لِأَنَّهُ حَاكم لَكِن لم تنقض الْقِسْمَة إِن أَقَامَ بَيِّنَة وَإِلَّا فَلهُ أَن يحلف شركاءه فَإِن حلف بَعضهم وَنكل بَعضهم فتفيد الْيَمين الْمَرْدُودَة نقض الْقِسْمَة فِي حق الناكلين دون الحالفين

هَذَا فِي قسْمَة القَاضِي بالإجبار أما إِذا كَانَ القسام مَنْصُوب الشُّرَكَاء بِالتَّرَاضِي أَو توَلّوا الْقِسْمَة بِأَنْفسِهِم فظهور الْغَلَط بعد تَمام الْقِسْمَة هَل يُوجب نقضهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تنقض لِأَنَّهُ رَضِي بِهِ فَصَارَ كَمَا إِذا اشْترى بِغَبن وَهَذَا يتَّجه على قَوْلنَا إِنَّهَا بيع فَإِن جعلناها إِفْرَاز حق فَلَا يُمكن ذَلِك مَعَ التَّفَاوُت وَكَذَا إِن جَعَلْنَاهُ بيعا وَلم يجر لفظ البيع أَو مَا يقوم مقَامه

الْفَصْل الثَّالِث فِي الْإِجْبَار وَالْقِسْمَة ثَلَاثَة قسْمَة إِفْرَاز أَو تَعْدِيل أَو رد أما قسْمَة الْإِفْرَاز فَهُوَ أَن يكون الشَّيْء متساوي الْأَجْزَاء كَالثَّوْبِ الْوَاحِد والعرصة المتساوية أَو المكيلات والموزونات فَيجْبر على هَذِه الْقِسْمَة من امْتنع قهرا بِشَرْط أَن تبقى الحصص بعد الْقِسْمَة منفعا بهَا الْمَنْفَعَة الَّتِي كَانَت فَلَا يجْبر على قسْمَة الطاحونة وَالْحمام الصَّغِير إِذا لم يُمكن الإنتفاع بِهِ بعده وَفِيه وَجه بعيد أَنه يجْبر إِذا كَانَ يبْقى أصل الإنتفاع وَإِن لم يبْق ذَلِك النَّوْع أما إِذا كَانَ الْحمام كَبِيرا تبقى بِهِ الْمَنْفَعَة عِنْد إِحْدَاث مستوقد آخر وبئر آخر وَمَا يجْرِي مجْرَاه فَفِي الْإِجْبَار تَفْرِيعا على الْمَشْهُور وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجْبر لِأَنَّهُ تَعْطِيل إِلَّا بإحداث أَمر جَدِيد وَالثَّانِي أَنه يجْبر لِأَن إبْقَاء أصل الْمَنْفَعَة بِأَمْر قريب مُمكن فرع إِذا ملك من دَار عشرهَا وَالْعشر الْمُفْرد لَا يصلح للمسكن فَالصَّحِيح أَن صَاحبه لَا يُجَاب إِلَى الْقِسْمَة لِأَنَّهُ متعنت وَهل يلْزمه الْإِجَابَة إِذا طلب شَرِيكه لصِحَّة غَرَضه فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لتمييز ملكه وَالثَّانِي لَا لِأَن فِيهِ تَعْطِيل الْمَنْفَعَة على الشَّرِيك فَكَأَنَّهُ فِي حَقه لَا يقبل الْقِسْمَة وَإِن قُلْنَا لَا قسْمَة لوَاحِد مِنْهُمَا فَلَا شُفْعَة لوَاحِد مِنْهُمَا إِذا بَاعَ صَاحبه لِأَن الشُّفْعَة لدفع ضَرَر مُؤنَة الْقِسْمَة أما إِذا كَانَ النّصْف لوَاحِد وَالنّصف الآخر لخمسة فَإِذا بَاعَ الْخَمْسَة النّصْف فَلصَاحِب النّصْف الآخر الشُّفْعَة لِأَن الْخَمْسَة لَو اجْتَمعُوا وطالبوه بِالْقِسْمَةِ أجبر وَإِنَّمَا لَا يجْبر إِذا كَانَ الطَّالِب وَاحِدًا وَفِيه وَجه أَيْضا أَن صَاحب الْعشْر يُجَاب إِذْ يَقُول لي أَن أعطل الْملك على نَفسِي فَلم لَا أجَاب وَهَذَا وَإِن كَانَ غير مَشْهُور فَهُوَ منقاس الْقِسْمَة الثَّانِيَة قسْمَة التَّعْدِيل وَهُوَ أَن يخلف الرجل على ثَلَاثَة بَنِينَ ثَلَاثَة عبيد متساوي الْقيمَة فَفِي الْإِجْبَار عَلَيْهِ خلاف مَشْهُور ذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنه يجْبر كَمَا فِي الْإِفْرَاز إِذْ لَا ضَرَر فِيهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يجْبر إِذْ كل عبد يخْتَص بغرض وَصفَة لَا تُوجد فِي الْبَاقِي فَلَا يَكْفِي تَسَاوِي الْمَالِيَّة مَعَ تفَاوت الْأَغْرَاض وَذَلِكَ غير مَوْجُود فِي الأَرْض وَذَوَات الْأَمْثَال وَإِن خلف بَين ثَلَاثَة بَنِينَ أَرْبَعَة أعبد قيمَة وَاحِد مائَة وَقِيمَة آخر مائَة وَقِيمَة الْإِثْنَيْنِ

الآخرين مائَة فَالْخِلَاف هَا هُنَا مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يجْبر لِأَن تفَاوت الْعدَد انْضَمَّ إِلَى تفَاوت الصّفة وَفِي الحمامات والطواحين الَّتِي لَا تقبل الْقِسْمَة وتتساوى قيمتهَا خلاف مُرَتّب وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ الْغَرَض يخْتَلف باخْتلَاف أماكنها اخْتِلَافا ظَاهرا فَإِن خلف طاحونة وعبدا وحماما متساوي الْقيم فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى بِالْمَنْعِ أما إِذا خلف قطعا من الأَرْض متباينة وآحادها يقبل قسْمَة الْإِفْرَاز فَلَا يجْبر على قسْمَة التَّعْدِيل بِالْقيمَةِ لِأَن ذَلِك جوز ضَرُورَة للعجز عَن الْإِفْرَاز وميل نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى منع الْإِجْبَار فِي هَذِه الْقِسْمَة فروع الأول دَار مُخْتَلفَة الجوانب فقسمتها من قسْمَة التَّعْدِيل إِلَّا إِذا كَانَ فِي كل جَانب بِنَاء يماثل الْجَانِب الآخر وَيُمكن قسْمَة الْعَرَصَة فَذَلِك كالأراضي فَإِن احْتِيجَ إِلَى التَّعْدِيل بِالْقيمَةِ مَعَ التَّفَاوُت فَلَا فرق بَينهمَا وَبَين الْأَمْتِعَة الثَّانِي عَرصَة بَين شَرِيكَيْنِ وَقِيمَة أحد الْجَانِبَيْنِ تزيد لقُرْبه من المَاء حَتَّى يكون الثُّلُث بالمساحة نصفا بِالْقيمَةِ قَالَ الْأَصْحَاب يجْبر على هَذِه الْقِسْمَة وَلم يخرجوه على الْخلاف وَلم يكترثوا بِمثل هَذَا التَّفَاوُت النَّادِر الثَّالِث قسْمَة اللبنات المتساوية القوالب من قبيل قسْمَة الْإِفْرَاز فَإِن تفاوتت القوالب فَهِيَ من قسْمَة التَّعْدِيل الْقِسْمَة الثَّالِثَة قسْمَة الرَّد وَهُوَ أَن يتْرك عَبْدَيْنِ قيمَة أَحدهمَا سِتّمائَة وَقِيمَة الآخر ألف فَلَو أَخذ أَحدهمَا

النفيس ورد مِائَتَيْنِ اسْتَويَا وَلَكِن هَذَا لَا يجْبر عَلَيْهِ قطعا لِأَن فِيهِ تَمْلِيكًا جَدِيدا لَو قَالَ أَحدهمَا يخْتَص أَحَدنَا بالخسيس وَخمْس من النفيس فَهَذَا هَل يجْبر عَلَيْهِ ليتخلص فِي أحد الْعَبْدَيْنِ عَن الشّركَة فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يجْبر لِأَن أصل الشّركَة لَيْسَ يَنْقَطِع فَإِن قيل فَمَا حَقِيقَة الْقِسْمَة قُلْنَا أما قسْمَة الْإِفْرَاز فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه إِفْرَاز إِذْ لَو كَانَ بيعا لما أجبر عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قد تبين بِالْقِسْمَةِ أَن مَا خصّه هُوَ الَّذِي ملكه وَالثَّانِي أَنه بيع إِذْ يَسْتَحِيل أَن يُقَال إِنَّه لم يَرث من أَبِيه إِلَّا هَذِه الْحصَّة على الْخُصُوص وَأما قسْمَة الرَّد فَهُوَ بيع فِي الْقدر الَّذِي يُقَابله الْعِوَض وَفِي قسْمَة الْبَاقِي وَفِي قسْمَة التَّعْدِيل بيع أَيْضا إِن قُلْنَا لَا يجْبر عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه يجْبر فطريقان مِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ بيع وَلَكِن يجْبر للْحَاجة وَيخرج على الْقَوْلَيْنِ مسَائِل فِي الربويات وَالزَّكَاة وَالْوَقْف فَإِذا قُلْنَا إِنَّه بيع لم يجز فصل الْوَقْف عَن الْملك لِأَنَّهُ بيع أما فصل الْوَقْف من الْوَقْف فَلَا يجوز وَإِن قُلْنَا إِنَّه إِفْرَاز لِأَنَّهُ كالتغيير لشرط الْوَاقِف وَفِيه وَجه أَنه يجوز لِأَنَّهُ قد يشرف على الإنهدام فَيحْتَاج إِلَى الْقِسْمَة فَإِن قيل فَهَل يشْتَرط الرِّضَا قُلْنَا لَا يشْتَرط فِي قسْمَة الْإِجْبَار وَيشْتَرط فِي قسْمَة التَّرَاضِي وَلَا بُد من لفظ وَهُوَ قَوْله رضيت وَيجب تجديده بعد خُرُوج الْقرعَة فَيَقُول رضيت بِهَذَا وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي السُّكُوت بعد الرِّضَا إِلَى خُرُوج الْقرعَة فَلَا يجب التَّجْدِيد وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يشْتَرط لفظ البيع وَإِن قُلْنَا إِنَّه بيع وَمِنْهُم من شَرط أَن يَقُول

قاسمتك على هَذَا الْوَجْه أَو رضيت بِالْقِسْمَةِ ليتلفظ بِالْقِسْمَةِ وَلَا يَكْفِي قَوْله رضيت بِهَذَا لِأَن الْقِسْمَة تُؤدِّي معنى التَّمْلِيك والتملك فرعان أَحدهمَا أَن الْقبَّة والقناة وَالْحمام وَمَا لَا يقبل الْقِسْمَة فَالصَّوَاب الْمُهَايَأَة فِيهَا بِالتَّرَاضِي وَمن رَجَعَ قبل اسْتِيفَاء نوبَته فَلهُ ذَلِك وَإِن استوفى ثمَّ رَجَعَ فَوَجْهَانِ أقيسهما أَنه يرجع وَيغرم مَا انْفَرد بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه مُعَاملَة جرى عَلَيْهَا الْأَولونَ فَلَا تشوش وَقَالَ ابْن سُرَيج يجْبر على الْمُهَايَأَة لِأَن بعض من يَسْتَغْنِي عَنهُ لثروته قد يعطل على الشُّرَكَاء بِكَذَا وَالصَّحِيح أَنهم لَو تنازعوا وتناكدوا تركُوا إِلَى أَن يصطلحوا الثَّانِي أَنه لَو تقدم جمَاعَة فالتمسوا من القَاضِي قسْمَة مَال بَينهم من غير إِقَامَة حجَّة على أَنه ملكهم فَالصَّحِيح أَن القَاضِي يقسم وَيكْتب فِي الْحجَّة إِنِّي قسمت بقَوْلهمْ وَكَذَلِكَ إِذا جَاءَ وَاحِد مِنْهُم وَطلب وَفِيه قَول آخر أَنه لَا يُجيب لِأَنَّهُ رُبمَا يكون متصرفا فِي مَال الْغَيْر من غير بَيِّنَة وَهُوَ بعيد لِأَن الْيَد لَهُم فِي الْحَال

= كتاب الشَّهَادَات = وَفِيه سِتَّة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يُفِيد أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وقبولها من الْأَوْصَاف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة ثَلَاثَة مِنْهَا لَا يطول النّظر فِيهَا وَهِي التَّكْلِيف وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام فَلَا تقبل شَهَادَة صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا تقبل شَهَادَة كَافِر لَا على كَافِر وَلَا على مُسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تقبل على الْكَافِر وَلَا تقبل شَهَادَة العَبْد أصلا وَقَالَ دَاوُد تقبل وَثَلَاثَة يطول النّظر فِيهَا وَهِي الْعَدَالَة وَحفظ الْمُرُوءَة والإنفكاك عَن التُّهْمَة

الْوَصْف الأول الْعَدَالَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ أحد من النَّاس نعلمهُ إِلَّا قَلِيلا يمحض الطَّاعَة حَتَّى لَا يخلطها بِمَعْصِيَة أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْعِصْمَة من الْمعاصِي لَيْسَ بِشَرْط إِذْ ذَلِك يحسم بَاب الشَّهَادَة وَلَكِن من قارف كَبِيرَة أَو أصر على صَغِيرَة لم تقبل شَهَادَته لِأَن ذَلِك يشْعر بالتهاون بِأَمْر الدّيانَة وَمثله جدير بِأَن لَا يخَاف وبال الْكَذِب أما من يلم بالصغيرة أَحْيَانًا لفترة تقع من مراقبة التَّقْوَى وفلتة تقع للنَّفس فِي الْخُرُوج عَن لجام الْوَرع وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَا يَنْفَكّ عَن تندم واستشعار خوف فَهَذَا لَا ترد بِهِ الشَّهَادَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَخْلُو الْمُؤمن من الذَّنب يُصِيبهُ الفينة بعد الفينة أَي الْوَقْت بعد الْوَقْت وَإِنَّمَا الْفسق المرون على الْمعْصِيَة وَإِن كَانَت صَغِيرَة وَالْفرق بَين الصَّغِيرَة والكبيرة يطول وَقد استقصيناه فِي كتاب التَّوْبَة من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين ونشير الْآن إِلَى بعض مَا يعْتَاد من الصَّغَائِر وَهِي سِتَّة الأولى اللّعب بالشطرنج لَيْسَ بِحرَام وَلكنه مَكْرُوه وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُبَاح أردنَا أَنه لَا إِثْم فِيهِ لَا كَرَاهِيَة فِيهِ فَلَا ترد بِهِ الشَّهَادَة إِلَّا أَن يخْتَلط بِهِ قمار وَهُوَ أَخذ مَال المقمور واشتراطه أَو الْيَمين الْفَاجِرَة وَقد رُوِيَ أَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ كَانَ يلْعَب بِهِ

وَهُوَ مستدبره وَلَا يرَاهُ وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون لَعَلَّه كَانَ فِي معرض السُّؤَال إِذْ أشكل عَلَيْهِ صُورَة تِلْكَ الأشكال وَأَنَّهَا مَا هِيَ أما المداومة عَلَيْهِ فقد تقدح فِي الْمُرُوءَة وتعطل الْمُهِمَّات وَقد ينشأ رد الشَّهَادَة من هَذَا وَسَيَأْتِي الثَّانِيَة اللّعب النَّرْد حرَام لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَلْعُون من لعب بالنردشير وَقَالَ اللاعب بالنرد كعابد الوثن وَنقل عَن ابْن خيران وَأبي إِسْحَق الْمروزِي أَنه كالشطرنج وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن الْخَبَر مَانع مِنْهُ ثمَّ وَإِن قُلْنَا إِنَّه حرَام فالمداومة عَلَيْهِ ترد الشَّهَادَة دون الْمرة الْوَاحِدَة وَقيل إِن الْمرة الْوَاحِدَة فسق ترد الشَّهَادَة وَأما اللّعب بالحمام فَلَيْسَ بِحرَام وَتردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي كراهيته ورد الشَّهَادَة بِهِ إِنَّمَا يكون من جِهَة الْمُرُوءَة فِي حق من يقْدَح فِي مروءته الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْحَنَفِيّ إِذا شرب النَّبِيذ حددته وَقبلت شَهَادَته أما الْحَد فللزجر حَتَّى لَا يعود إِلَيْهِ إِذْ يجر إِلَى الْفساد وَأما قبولنا الشَّهَادَة فَلِأَن إقدامه على

شربهَا لم يشْعر بتهاونه إِذْ اعْتقد إِبَاحَته واستبعد الْمُزنِيّ هَذَا الْفرق فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يحد وَلَا تقبل الشَّهَادَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يحد وَتقبل شَهَادَته فتحصلنا على ثَلَاثَة أوجه فَإِن قُلْنَا إِن الْحَنَفِيّ لَا يحد فَفِي الشفعوي وَجْهَان لشُبْهَة الْخلاف فِي الْإِبَاحَة الرَّابِعَة المعازف والأوتار حرَام لِأَنَّهَا تشوق إِلَى الشّرْب وَهُوَ شعار الشّرْب فَحرم التَّشَبُّه بهم وَأما الدُّف إِن لم يكن فِيهِ جلاجل فَهُوَ حَلَال ضرب فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ فِيهِ جلاجل فَوَجْهَانِ وَفِي اليراع وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يحرم والمزمار الْعِرَاقِيّ حرَام لِأَنَّهُ عَادَة أهل الشّرْب والطبول كلهَا مُبَاح إِلَّا الكوبة قَالَ فَإِن طبل المخنثين وَهُوَ طبل طَوِيل متسع الطَّرفَيْنِ ضيق الْوسط وَسبب تَحْرِيمه التَّشَبُّه بهم وَكَذَا الضَّرْب بالصفاقتين حرَام لِأَنَّهُ من عَادَتهم

وَقد ذكرنَا مآخذ هَذِه التحريمات فِي كتاب الوجد وَالسَّمَاع وفصلنا مَا يحل وَيحرم ثمَّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد سَماع الأوتار مرّة لَا يرد الشَّهَادَة وَإِنَّمَا ترد بالإصرار وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كَبِيرَة توجب الْمرة الْوَاحِدَة رد الشَّهَادَة وَلَا شكّ أَن ذَلِك يخْتَلف بالبلاد فَحَيْثُ يعظم أمره فالمرة الْوَاحِدَة تشعر بانخرام مُرُوءَة الشَّاهِد الْخَامِسَة نظم الشّعْر وإنشاده وسماعه بألحان وَغير ألحان لَيْسَ بِحرَام إِلَّا أَن يكون فِي الشّعْر هجو أَو وصف امْرَأَة مُعينَة أَو فحش وَمَا يحرم نثره فَيحرم نظمه فَإِن الشّعْر كَلَام حسنه حسن وقبيحه قَبِيح وَقد أنْشد عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشعار وَلم ينكرها وَإِن أطنب فِي الْمَدْح حَتَّى انْتهى إِلَى حد الْكَذِب قيل إِنَّه حرَام وَالصَّحِيح أَن ذَلِك لَيْسَ بكذب إِذْ ذَلِك لَيْسَ يقْصد مِنْهُ الإعتقاد والتصديق بل هِيَ إِظْهَار صَنْعَة فِي الْكَلَام وَسَمَاع الْغناء مُبَاح لِأَن مَا جَازَ من غير لحن جَازَ مَعَ ألحان إِلَّا أَن يتَّخذ ذَلِك عَادَة

فقد يقْدَح فِي الْمُرُوءَة والرقص أَيْضا مُبَاح وَلَكِن إِذا صَار مُعْتَادا أَو صَار الْغناء مكسبة فيقدح فِي الْمُرُوءَة والتغني بِالْقُرْآنِ جَائِز بل مُسْتَحبّ إِلَّا أَن يَنْتَهِي إِلَى التمطيط المشوش للنظم كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ حسن الترنم بِالْقُرْآنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا قد أُوتِيَ مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام السَّادِس لبس الْحَرِير وَالْجُلُوس عَلَيْهِ حرَام وَترد الشَّهَادَة باستدامة دون الْمرة الْوَاحِدَة وَكَذَا التَّخَتُّم بِخَاتم الذَّهَب وَغلط بعض الْأَصْحَاب فَقَالَ لَو كَانَ شُهُود

النِّكَاح على حَرِير لم ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَتِهِم الْوَصْف الثَّانِي الْمُرُوءَة فَمن يرتكب من الْمُبَاحَات مَا لَا يَلِيق بأمثاله كَالْأَكْلِ فِي الطَّرِيق وَالْبَوْل فِي الشَّارِع وَلبس الْفَقِيه القباء والقلنسوة فِي بِلَادنَا وَغير ذَلِك مِمَّا يخسر بِهِ فِيهِ فَيدل ذَلِك إِمَّا على خبل فِي عقله أَو انحلال فِي نَفسه يبطل الثِّقَة بصدقه فتخل شَهَادَته وَلَا يخفى أَن ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَالْأَحْوَال فذو المنصب إِذا حمل الْمَتَاع إِلَى بَيته لنجله فَلَا مُرُوءَة لَهُ وَإِن أمكن حمله على التَّقْوَى والإقتداء بالأولين فَلَا يقْدَح فِيهِ ويلتحق بِهَذَا الْفَنّ الإكباب على الْمُبَاحَات الْمَانِعَة من الْمُهِمَّات كمداومة الشطرنج واللعب بالحمام والرقص والغناء فَإِن ذَلِك أَيْضا يشْعر بانحلال وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْحَرْف الدنية فَمنهمْ من لم يقبل شَهَادَة الدّباغ والكناس والحجام والمدلك وَمن يتعاطى القذر لِأَن اخْتِيَاره هَذِه الحرفة يشْعر بخسته وَمِنْهُم من قَالَ تقبل إِذا كَانَ ذَلِك صَنْعَة آبَائِهِ ولائقا بأمثاله وَفِي الحائك طَرِيقَانِ قَالَ الْقفال لَا فرق بَينه وَبَين الْخياط وَقَالَ بَعضهم جرت الْعَادة بالإزراء بهم فاختياره مَعَ ذَلِك كاختيار الكنس والحجامة الْوَصْف الثَّالِث الإنفكاك عَن التُّهْمَة وَلَا خلاف أَن شَهَادَة الْعدْل لَا تقبل فِي كل مَوضِع فَنَقُول للتُّهمَةِ أَسبَاب

الأول أَن تَتَضَمَّن الشَّهَادَة جرا أَو دفعا أما الْجَرّ فبأن يشْهد على من جرح مُوَرِثه فالشهادة مَرْدُودَة لِأَن بدل الْجراحَة يحصل لَهُ بِالْإِرْثِ وَالْجرْح سَبَب الْمَوْت المفضي إِلَى الْإِرْث وَلَا خلاف أَنه لَو شهد فِي مرض الْمَوْت للمورث بِمَال جَازَ وَلَا نجْعَل للتُّهمَةِ موضعا وَإِنَّمَا ردَّتْ شَهَادَة الْجرْح لِأَن تزكيته ترجع إِلَيْهِ وَأما الدّفع فبأن يشْهد اثْنَان من الْعَاقِلَة على فسق شُهُود الْقَتْل الْخَطَأ فكأنهم يشْهدُونَ لأَنْفُسِهِمْ فرعان الأول لَو شهد أحد الِابْنَيْنِ على أَخِيه بِأَلف دِرْهَم دين على الْمُورث وَقُلْنَا لَا يجب عِنْد الإنفراد بِالْإِقْرَارِ إِلَّا حِصَّة الْمقر قبلت هَذِه الشَّهَادَة إِذْ لَا دفع فِيهَا وَإِن قُلْنَا إِنَّه يلْزمه تَسْلِيم جَمِيع الْألف من حِصَّته لَو أنكر الآخر فَلَا تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ دَافع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن أقرّ ثمَّ شهد لم تقبل كَمَا لَو قذف ثمَّ شهد وَلَو أنشأ الشَّهَادَة ابْتِدَاء قبل كَمَا لَو شهد على الزِّنَا الثَّانِي لَو شهد شَاهِدَانِ لِرجلَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ لَهما فِي تَرِكَة فشهدا للشاهدين أَيْضا بِوَصِيَّة قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا تقبل للتُّهمَةِ وَهَذَا فَاسد لِأَن كل شَهَادَة مُنْفَصِلَة عَن الْأُخْرَى لَيْسَ فِيهَا جر وَقد قطع الْأَصْحَاب بِأَن رُفَقَاء الْقَافِلَة إِذا شهد بَعضهم لبَعض فِي قطع الطَّرِيق قبل إِذا لم يتَعَرَّض فِي شَهَادَته لنصيب نَفسه السَّبَب الثَّانِي البعضية الْمُوجبَة للنَّفَقَة تمنع قبُول الشَّهَادَة فَلَا تقبل الشَّهَادَة للْوَلَد وَالْوَالِد وَسَائِر الْفُرُوع وَالْأُصُول لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ من مَاله إِلَّا قدر حَاجته وَمَال أُصُوله وفروعه معرض لِحَاجَتِهِ فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ وَفِي شَهَادَة الزَّوْجَيْنِ ثَلَاثَة

أَقْوَال كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقطع بِالسَّرقَةِ وَلَا خلاف أَن شَهَادَة الزَّوْج على إِنْسَان بِأَنَّهُ زنى بِزَوْجَتِهِ لَا تقبل وَكَذَلِكَ إِن شهد على زَوجته بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَة من الْعُدُول لِأَنَّهَا أوغرت صَدره فَنَشَأَ مِنْهُ عَدَاوَة وَلِأَنَّهُ يشْهد بالخيانة على مَحل حَقه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تقبل وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تقبل شَهَادَة الْوَلَد لوالده وَلَا تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَنه تقبل الشَّهَادَة للْوَلَد وللوالد أما الشَّهَادَة عَلَيْهِم فمقبولة لِأَنَّهَا أبعد عَن التُّهْمَة وَفِيه وَجه أَن شَهَادَة الإبن لَا تقبل على الْأَب بالعقوبات إِذْ لَا يكون الإبن سَبَب عُقُوبَة الْأَب وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ مظهر لَا مُوجبا وَفِي حبس الْأَب بدين وَلَده ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يحبس لِأَنَّهُ عُقُوبَة

وَالثَّانِي أَنه يحبس لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودا وَعَلِيهِ أَن يُؤَدِّي الْحق ليتخلص وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يحبس فِي نَفَقَته وَلَا يحبس فِي سَائِر دُيُونه فرع إِذا شهد بِحَق مُشْتَرك بَين وَلَده وأجنبي ورد فِي حق وَلَده فَفِي الرَّد فِي حق الْأَجْنَبِيّ وَجْهَان لأجل تبعيض الشَّهَادَة فِي نَفسهَا السَّبَب الثَّالِث الْعَدَاوَة فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على الْعَدو خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَسلم أَن شَهَادَة المخاصم فِي الْحَال لَا تقبل أما شَهَادَة المخاصم بعد انْقِطَاع الْخُصُومَة فمقبولة بالإتفاق إِذْ يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى أَن من

يستشعر من غَيره إِقَامَة شَهَادَة عَلَيْهِ ينشيء مَعَه خُصُومَة ورد شَهَادَة الْعَدو مُشكل لِأَنَّهُ إِن أخرجته الْعَدَاوَة إِلَى فسق فَترد للفسق وَإِن لم تخرجه إِلَى مَعْصِيّة فَلَا يبْقى إِلَّا مُجَرّد تُهْمَة وَلَا خلاف أَن الشَّهَادَة للصديق مَقْبُولَة وَكَذَا الْأَخ وَالْأَقْرَب وَلَكِن الْمُعْتَمد فِيهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقبل شَهَادَة خصم على خصم وَإِنَّمَا ترد الشَّهَادَة بعداوة ظَاهِرَة موروثة أَو مكتسبة بِحَيْثُ يعلم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يفرح بمساءة صَاحبه ويغتم بمسرته ويبغي الشَّرّ لَهُ وَهَذَا الْقدر لَا يفسق بِهِ فَترد الشَّهَادَة بِهِ وَإِن عرف ذَلِك من أَحدهمَا خصت شَهَادَته بِالرَّدِّ دون شَهَادَة صَاحبه وَقد يكون سَبَب الْعَدَاوَة التعصب للأهواء والمذاهب إِذْ الْمُعْتَزلَة وَسَائِر المبتدعة لَا يكفرون وَأَنه تقبل شَهَادَتهم وَإِن ضللناهم قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ترد شَهَادَة من يطعن فِي الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن يقذف عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَإِنَّهَا مُحصنَة بِنَصّ الْكتاب مبرأة عَن الْفَوَاحِش وَمَا ذكره صَحِيح وَإِنَّمَا تقبل شَهَادَة الْمُخَالفين فِي

الإعتقادات فَإِن من يرى أَن الْكَبِيرَة الْوَاحِدَة توجب الخلود فِي النَّار فَقَوله أوثق السَّبَب الرَّابِع التغافل فَرب عدل مُغفل كثير السَّهْو والغلط وَإِن لم يكذب عمدا وَرُبمَا لَا يفْطن لحقائق الْأَشْيَاء وَيكثر سبقه إِلَى الإعتقاد بالتوهم فَمثل هَذَا لَا تقبل شَهَادَته الْمُرْسلَة إِلَّا فِي أَمر جلي يستقصي الْحَاكِم فِيهِ وَيكثر فِيهِ مُرَاجعَته حَتَّى يتَبَيَّن تثبته وَأَنه لَا يسهو فِي مثله السَّبَب الْخَامِس التَّغَيُّر يرد الشَّهَادَة فالفاسق المستسر بِالْفِسْقِ إِذا ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ حسنت حَالَته فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَة بِعَينهَا لم تقبل وَتقبل سَائِر شهاداته إِذْ المكذب تنبعث فِيهِ دَاعِيَة طبيعية لإِثْبَات صدق نَفسه فَيصير ذَلِك من أهم حظوظه وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْعَبْد إِذا ردَّتْ شَهَادَتهم ثمَّ أعادوها بعد الْأَهْلِيَّة قبل إِذْ لَا عَار عَلَيْهِم فِي الرَّد أما الْفَاسِق الْمُعْلن والعدو وَالسَّيِّد إِذا شهد لمكاتبه فَردَّتْ شَهَادَتهم فأعادوها بعد

هَذِه الْأَعْذَار فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ترد لِأَن أَسبَاب الرَّد ظَاهِرَة فَلَا يتعيرون بهَا كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْد وَالثَّانِي أَنه ترد لانهم اتهموا وَالْمُتَّهَم يتعير فَيدْفَع الْعَار بِالْإِعَادَةِ السَّبَب السَّادِس الْحِرْص على الشَّهَادَة بأدائها قبل الاستشهاد وَذَلِكَ مَرْدُود إِن كَانَ قبل الدَّعْوَى وَإِن كَانَ بعد الدَّعْوَى وَقب الإستشهاد فَفِي الْقبُول وَجْهَان وَإِن لم تقبل فَهَل يصير بِهِ مجروحا فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا فِيمَا لَا تجوز فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة أما مالله تَعَالَى فِيهِ حق كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَتَحْرِيم الرَّضَاع وَالْعَفو عَن الْقصاص فَيثبت بِشَهَادَة الْحِسْبَة من غير تقدم دَعْوَى وترددوا فِي الْوَقْف وَالنّسب وَشِرَاء الْأَب أما الْوَقْف فَالصَّحِيح أَنه لَا يثبت إِلَّا بِالدَّعْوَى إِذا كَانَ لَهُ مُسْتَحقّ معِين فَأَما على الْمَسَاجِد والجهات الْعَامَّة فَيثبت وَأما شِرَاء الْقَرِيب الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ فَيُشبه الْخلْع من وَجه وَالطَّلَاق الْبَائِن يثبت بِالشَّهَادَةِ على الْخلْع وَفِي شِرَاء الْقَرِيب وَجْهَان أَحدهمَا يثبت كالخلع وَقَالَ القَاضِي لَا يثبت دون الدَّعْوَى لِأَن الْعِوَض مَقْصُود فِي

الشِّرَاء وإثباته دون الْعِوَض محَال وَبيع الْعِوَض محَال إِذْ لَا مدعي لَهُ وَأما النّسَب فَقَالَ القَاضِي لَا يثبت دون الدَّعْوَى وَقَالَ الصيدلاني من أَتَت بِولد وَادّعى الزَّوْج أَنه لدوّنَ سِتَّة أشهر قبلت الْبَيِّنَة على أَنه لسِتَّة أشهر وَإِن سكتت الْمَرْأَة وَهَذَا يدل على الْقبُول من غير دَعْوَى فقد تحصلنا فِيهِ على تردد من حَيْثُ إِن النّسَب مُتَعَلق بِكَثِير من حُقُوق الله تَعَالَى كَالطَّلَاقِ وَلَا خلاف فِي أَن من اختفى فِي زَاوِيَة لتحمل شَهَادَة فَلَا يحمل ذَلِك على حرصه على الشَّهَادَة وَلَا ترد لِأَن الْحَاجة قد تمس إِلَى ذَلِك للأقارير وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هَذِه الشَّهَادَة مَرْدُودَة وَقيل إِنَّه قَول للشَّافِعِيّ ضَعِيف

هَذِه مجامع مَا ترد بِهِ الشَّهَادَة أما شَهَادَة الْقَرَوِي على البدوي والبدوي على الْقَرَوِي فمقبولة خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَشَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ مَقْبُولَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَشَهَادَة

الْفَاسِق الَّذِي لَا يكذب ويوثق بقوله لَا تقبل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن من لَا يخَاف الله تَعَالَى إِنَّمَا يصدق لغَرَض وَإِذا تغير غَرَضه لم يبال بِالْكَذِبِ خَاتِمَة بِذكر قاعدتين إِحْدَاهمَا أَن هَذِه الْأَسْبَاب إِذا زَالَت قبلت الشَّهَادَة وَلَا يطول النّظر فِي زَوَال الصَّبِي وَالرّق وَأَمْثَاله وَإِنَّمَا يطول فِي زَوَال الْفسق والعداوة فَإِن التَّوْبَة مِمَّا يخفى وَلَا يَكْفِي قَول الْفَاسِق تبت بل لَا بُد من الإستبراء مُدَّة حَتَّى يظْهر بقرائن الْأَحْوَال صَلَاح سَرِيرَته وَقدر بَعضهم بِسنة لتنقضي الْفُصُول فَإِن العزائم تَتَغَيَّر فِيهِ وَقيل سِتَّة أشهر وَالْكل تحكم بل يخْتَلف ذَلِك بالأحوال والأشخاص وَالْمَطْلُوب غَلَبَة الظَّن أما الْقَاذِف فتوبته فِي إكذابه نَفسه كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا فالمعني بِهِ تَكْذِيبه نَفسه فِي قَوْله أَنا محق بالإظهار والمجاهرة دون الْحجَّة فَيَكْفِي أَن يَقُول تبت وَلَا أَعُود وَهل يَكْفِي مُجَرّد ذَلِك دون الإستبراء إِذا لم يظْهر مِنْهُ فسق آخر فِيهِ نُصُوص مضطربة وَالْحَاصِل أَنه إِن أقرّ على نَفسه بِالْكَذِبِ فيستبرأ لِأَن هَذَا الْكَذِب كَبِيرَة وَإِن لم يقر وَجَاء شَاهدا وَمَا تمت الشَّهَادَة فَقَوْلَانِ وَإِن جَاءَ قَاذِفا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يستبرأ وَالصَّوَاب أَن نقُول إِن علم أَن ذكر ذَلِك حرَام فَهُوَ فَاسق فيستبرأ وَإِن ظن أَن هَذَا الْقَذْف مُبَاح فَلَا حَاجَة إِلَى الإستبراء وَيَكْفِي قَوْله تبت فَإِن أَقَامَ الْحجَّة على صدق نَفسه فَفِي بَقَاء عَدَالَته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تقبل شَهَادَته إِذْ ظهر صدقه

وَالثَّانِي إِذْ لَا نمكن لَهُ أَن يقذف ثمَّ يثبت إِلَّا أَن يَجِيء مَجِيء الشُّهُود الْقَاعِدَة الثَّانِيَة أَن القَاضِي إِذا غلط فَقضى بِشَهَادَة هَؤُلَاءِ ثمَّ عرف بعد الْقَضَاء فينقض الْقَضَاء إِن ظهر كَون الشَّاهِد عبدا أَو صَبيا أَو كَافِرًا وَإِن ظهر كَونه فَاسِقًا فَقَوْلَانِ أقيسهما أَنه ينْقض إِذْ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ شَهَادَة العَبْد أقرب من شَهَادَة الْفَاسِق إِذْ نَص الْقُرْآن يدل على رد الْفَاسِق حَيْثُ قَالَ {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ} وَقَوله {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَالثَّانِي أَنه لَا ينْقض لِأَنَّهُ أهل على الْجُمْلَة وَرُبمَا صدق وَهَذَا ضَعِيف على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلِهَذَا قطع بعض الْأَصْحَاب بِالنَّقْضِ ورد تردد القَوْل إِلَى مَا إِذا فسق بعد الْقَضَاء وَاحْتمل الإستناد وَأول عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْعدَد والذكورة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْعدَد مَشْرُوط فِي كل شَهَادَة فَلَا يثبت بِشَهَادَة وَاحِد إِلَّا رُؤْيَة الْهلَال لرمضان على رَأْي إِذْ يسْلك بِهِ مَسْلَك الْأَخْبَار لتَعَلُّقه بالعبادات أما هِلَال شَوَّال فَلَا يثبت إِلَّا بِاثْنَيْنِ ثمَّ الشَّهَادَات فِي الْعدَد على مَرَاتِب الْمرتبَة الأولى الزِّنَا وَلَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة أَرْبَعَة رجال لقَوْله تَعَالَى {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء} وَيَقُول كل وَاحِد رَأَيْته يدْخل فرجه فِي فرجهَا كالمرود فِي المكحلة فَإِن الشَّاهِد الرَّابِع على زنا الْمُغيرَة لما قَالَ بَين يَدي عمر وَرَأَيْت نفسا يَعْلُو واستا ينبو ورأيتهما يضطربان تَحت لِحَاف ورجلاها على عَاتِقه كَأَنَّهُمَا أذنا حمَار فَقَالَ عمر الله أكر وَجلد سَائِر الشُّهُود وَلم يكتف بِهَذَا وَهل يشْتَرط على الْإِقْرَار بِالزِّنَا أَرْبَعَة فِيهِ قَولَانِ واللواط إِن قُلْنَا إِنَّه كَالزِّنَا أَو يُوجب الْقَتْل فَهُوَ كَالزِّنَا وَإِن لم يُوجب إِلَّا التَّعْزِير فَهَل يشْتَرط فِيهِ أَرْبَعَة فِيهِ قَولَانِ وَهل يجوز للشَّاهِد النّظر إِلَى الْفرج أَو إِلَى العورات لتحمل الشَّهَادَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن الشَّهَادَة أَمَانَة وَالثَّانِي لَا لَكِن إِن وَقع الْبَصَر تحمل الشَّهَادَة وَإِلَّا فَلَا

وَالثَّالِث لَا يجوز لأجل الزِّنَا فَإِن الْحُدُود مَبْنِيَّة على الدّفع أما لعيوب النِّسَاء وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام يجوز فرع لَا تمنع الشَّهَادَة بتقادم الْعَهْد فِي الزِّنَا وَلَا بِأَن يشْهد أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة مجَالِس خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ إِذا انْفَرد وَاحِد فِي مجْلِس حد وَلَا يَنْفَعهُ من يشْهد فِي مجْلِس آخر الْمرتبَة الثَّانِيَة النِّكَاح وَالرَّجْعَة لقَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشهود الْحق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِهِ كل مَا لَيْسَ بِمَال

كَالْقصاصِ وَالْعِتْق والإستيلاد وَالْكِتَابَة والوصايا وَالْوكَالَة وَالْعَفو عَن الْقصاص وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والترجمة فِي مجْلِس الْقَضَاء وَإِثْبَات الرِّدَّة وَالْإِسْلَام وَالنّسب وَالْبُلُوغ وَالْوَلَاء وَالْعدة وَالْمَوْت وَلَا ينظر إِلَى رُجُوع الْوكَالَة والوصايا إِلَى مَال لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا سلطنة وَولَايَة وَلَيْسَ بِمَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وخصص اعْتِبَار الذُّكُورَة بالعقوبات الْمرتبَة الثَّالِثَة الْأَمْوَال وحقوقها وأسبابها تثبت بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ بِدَلِيل آيَة المداينة وَيدخل فِيهِ الشّركَة وَالْإِجَارَة وَإِتْلَاف الْأَمْوَال وعقود الضَّمَان وَالْقَتْل خطأ وكل جِرَاحَة لَا توجب إِلَّا المَال وَحقّ الْخِيَار وَالشُّفْعَة وَفسخ الْعُقُود وَقبض نُجُوم الْكِتَابَة إِلَّا النَّجْم الْأَخير فَيتَعَلَّق بِهِ الْعتْق فَفِيهِ وَجْهَان وَيثبت المَال فِي السّرقَة بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ دون الْقطع وَالصَّحِيح أَن الْأَجَل من حُقُوق المَال وَقيل إِنَّه نوع سلطنة فيضاهي الْوكَالَة ثمَّ ليعلم أَن النِّكَاح إِن لم يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ يثبت فِي حق الْمهْر وَكَذَا الْوكَالَة تثبت فِي حق البيع وَتثبت الْوَصِيَّة وَإِن لم تثبت الْوِصَايَة فرع لَو قَالَ لزوجته إِن غصبت فَأَنت طَالِق أَو إِن ولدت فَثَبت الْغَصْب أَو الْولادَة بِشَهَادَة النسْوَة وَجب المَال وَلحق النّسَب وَلم يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق بهما وَكَذَا لَو علق بِرُؤْيَة الْهلَال وَشهد وَاحِد وَلَو شهد أَولا على غصبهَا رجل وَامْرَأَتَانِ فَقضى القَاضِي بِالضَّمَانِ فَقَالَ إِن كنت غصبت فَأَنت طَالِق قَالَ ابْن سُرَيج إِنَّه يَقع بِخِلَاف مَا إِذا تقدم التَّعْلِيق وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يَقع الْمرتبَة الرَّابِعَة مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا وَيثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وبأربع نسْوَة

كالولادة والبكارة وعيوب النِّسَاء وَالرّضَاع وَمَا يخفى عَن الرِّجَال غَالِبا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تثبت الْولادَة بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا عِنْد قيام الْفراش أَو ظُهُور مخايل الْحمل بعد الطَّلَاق فَإِن قيل فَهَل يتَعَلَّق بِشَاهِد وَاحِد حكم قُلْنَا من أَقَامَ شَاهِدين على مَال فخاف فَوَاته فَلهُ التمَاس الْحَيْلُولَة قبل التَّزْكِيَة وَيجب ذَلِك على القَاضِي فِي الْأمة إِذا أَقَامَت شَاهِدين على الْحُرِّيَّة وَيجب فِي العَبْد إِن طلب العَبْد وَالْعَبْد ينْفق من كَسبه فِي مُدَّة الْحَيْلُولَة وَإِن لم يكن فَمن بَيت المَال ثمَّ يرجع إِلَى السَّيِّد إِن لم يثبت الْعتْق وَكَذَا لَو أَقَامَ شَاهِدين على

زوجية امْرَأَة منعنَا الْمَرْأَة عَن الإنتشار قبل التزكيه وَفِي الْعقار هَل يُجَاب إِلَى الْحَيْلُولَة مَعَ أَنه لَا خوف فِيهِ خلاف فِي هَذِه الْمسَائِل الشَّاهِد الْوَاحِد هَل ينزل فِي اقْتِضَاء الْحَيْلُولَة منزلَة الشَّاهِدين فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن تَمَامه متوقع كالتعديل وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَاحِد لَيْسَ بِحجَّة وَالتَّعْدِيل يبين أَن مَا أَقَامَهُ من قبل كَانَ حجَّة فَإِن قُلْنَا يُؤثر فِي الْحَيْلُولَة فقد ظهر لَهُ فَائِدَة على الْجُمْلَة وَلَو جرى فِي دين فَهَل للْمُدَّعِي أَن يلْتَمس الْحجر خوفًا من أَن يَبِيع مَاله فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَن ضَرَر الْحجر عَظِيم وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَ الْخصم مَعْرُوفا بالحيلة وَخَافَ القَاضِي حيلته حجر عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي مُسْتَند علم الشَّاهِد وتحمله وأدائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي مُسْتَنده وَالْأَصْل فِيهِ الْيَقِين قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أشهد فَقَالَ أَرَأَيْت الشَّمْس طالعة فَقَالَ نعم فَقَالَ على مثل هَذَا فاشهد وَإِلَّا فاسكت هَذَا هُوَ الأَصْل لَكنا قد نلحق الظَّن بِهِ للْحَاجة فَنَقُول الْمَشْهُود عَلَيْهِ يَنْقَسِم إِلَى مَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر دون السّمع وَإِلَى مَا يحْتَاج إِلَى السّمع دون الْبَصَر وإلي مَا يحْتَاج إِلَيْهِمَا الأول مَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر دون السّمع وَهُوَ الْأَفْعَال إِذْ الْبَصَر يدْرك الْفِعْل وَالْفَاعِل جَمِيعًا الْقسم الثَّانِي مَا يحْتَاج إِلَيْهِمَا وَهُوَ الْأَقْوَال إِذْ الْأَقْوَال تدْرك بِالسَّمْعِ وَالْقَائِل لَا

يتَعَيَّن إِلَّا بالبصر وَلَيْسَ للأعمى أَن يعْتَمد الْأَصْوَات فَإِنَّهَا تتشابه بالتلبيس وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَهُ ذَلِك إِذْ يحل لَهُ وَطْء زَوجته فَإِذا سمع إِقْرَارهَا فِي حَالَة الْوَطْء كَيفَ لَا يشْهد عَلَيْهَا فَنَقُول فِي غَيره من الشُّهُود غنية أما حل الْوَطْء والمعاملات فتبنى على الْحَاجَات وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِي سبع الأول إِذا تعلق الْأَعْمَى بشخص فصاح فِي أُذُنه بِالْإِقْرَارِ فجره إِلَى القَاضِي مُتَعَلقا بِهِ وَشهد فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا الْقبُول للثقة وَالثَّانِي لَا لِأَن فتح هَذَا الْبَاب عسير ودرجات التَّعَلُّق والملازمة تخْتَلف وَلَا تنضبط الثَّانِيَة فِي رِوَايَة الْأَعْمَى خلاف لِأَنَّهُ يعجز عَن تَمْيِيز الْمَرْوِيّ عَنهُ وَلَكِن قَالَ بَعضهم

يجوز وَكَانَ الصَّحَابَة يسمعُونَ من عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا من وَرَاء السّتْر فهم فِي حَقّهَا كالعميان أما مَا سَمعه قبل الْعَمى فيروي بل مَا تحمل من الشَّهَادَة قبل الْعَمى على مَعْرُوف النّسَب تقبل فِيهِ شَهَادَته وَالْقَاضِي إِذا سمع بَيِّنَة وَلم يبْق إِلَّا الحكم فانعزل بالعمى فَفِي ذَلِك الحكم وَجْهَان من حَيْثُ إِن الْعَزْل يبعد أَن يتَجَزَّأ الثَّالِثَة فِي المترجم الْأَعْمَى وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَن القَاضِي يُشَاهد المترجم كَلَامه وَالثَّانِي لَا حسما للباب الرَّابِعَة فِي انْعِقَاد النِّكَاح بِحُضُور الأعميين وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات لَكِن الْمَقْصُود الْإِثْبَات الْخَامِسَة إِذا تحمل الْبَصِير شَهَادَة على شخص فَمَاتَ وَلم يكن مَعْرُوفا بِالنّسَبِ فَلَا بُد وَأَن يحضر مَيتا حَتَّى يشْهد على عينه بمشاهدة صورته فَإِن كَانَ قد دفن لم ينبش قَبره إِلَّا إِذا عظمت الْوَاقِعَة واشتدت الْحَاجة وَلم يطلّ الْعَهْد بِحَيْثُ تَتَغَيَّر الصُّورَة فَإِن كَانَ يعرفهُ باسمه وَاسم أَبِيه دون جده فليقتصر عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَة وَإِن عرف القَاضِي بذلك جَازَ وَإِن افْتقر إِلَى اسْم الْجد فَلَيْسَ لَهُ أَن يسْأَل عَن اسْم جده ويذكره وَحكي أَن الْقفال ورد عَلَيْهِ كتاب من قَاض ليزوج فُلَانَة من خاطبها أَحْمد بن عبد الله وَكَانَ جَار الْقفال فَقَالَ أَنا إِنَّمَا أعرفك بِأَحْمَد لَا بِأَحْمَد بن عبد الله فَلم يُزَوّج وَفِي مثل هَذِه الصُّورَة لَو أَقَامَ

عِنْده بَيِّنَة على أَنه أَحْمد بن عبد الله لم تَنْفَع لِأَنَّهُ لم يُفَوض إِلَيْهِ سَماع الْبَيِّنَة كَيفَ وَالصَّحِيح أَن الْبَيِّنَة إِنَّمَا تسمع بعد تقدم دَعْوَى وإنكار السَّادِسَة تحمل الشَّهَادَة على امْرَأَة منتقبة بتعريف عَدْلَيْنِ غير جَائِز إِلَّا على مَذْهَب من يرى أَن التسامع من عَدْلَيْنِ كَاف فِي معرفَة النّسَب بل الطَّرِيق مَا فعله الْقفال رَحمَه الله إِذْ كتب فِي مثل هَذِه الشَّهَادَة أشهدني فلَان وَفُلَان أَنَّهَا فُلَانَة بنت فلَان وَأَنَّهَا أقرَّت وَامْتنع عَن الْأَدَاء فَقَالَ وَكَيف أشهد والشاهدان فِي السُّوق يَعْنِي أَن شهادتي شَهَادَة الْفَرْع لَكِن طَرِيق تحمل الشَّهَادَة أَن تكشف عَن وَجههَا حَتَّى ينظر إِلَيْهَا ويحفظ حليتها ثمَّ إِنَّهَا عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة تكشف ثَانِيًا فَإِن عرفهَا شهد وَإِلَّا فيسكت وَيجوز النّظر لحَاجَة التَّحَمُّل وَإِن كَانَت فِي غَايَة الْجمال وللقاضي عِنْد الشَّهَادَة إِن رابه أَمر أَن يحضر مَعهَا نسْوَة فِي قدها وكسوتها ويمتحن الشَّاهِد فَإِن لم يميزها عَنْهُن لم تقبل شَهَادَته وَقد فعل ذَلِك بعض الْقُضَاة السَّابِعَة إِذا وَقعت الشَّهَادَة على عينهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ بِمَال فَطلب الْخصم التسجيل وَلم يعرفهَا القَاضِي بنسبها لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يسجل على حليتها وَصورتهَا وَلَا يَكْفِي قَوْلهَا إِنِّي فُلَانَة بنت فلَان إِذْ لَا يسمع مُجَرّد قَوْلهَا وَلَا أَن يُقيم الْخصم بَيِّنَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُقَام بعد تقدم دَعْوَى فِي النّسَب وَلَكِن لَو نصب قيمًا حَتَّى يَدعِي عَلَيْهَا دينا وَأَنَّهَا بنت فلَان فتنكر الْمَرْأَة وتقام الْبَيِّنَة جَازَ ذَلِك فعله القَاضِي حُسَيْن فِي مثل هَذِه الْوَاقِعَة وَفِيه إِشْكَال من حَيْثُ إِنَّهَا رُبمَا كَانَت أقرَّت عِنْد القَاضِي بِالنّسَبِ فَكيف تنكره وَلَا دَعْوَى إِلَّا على مُنكر وَمن حَيْثُ إِن القَاضِي عَالم بِأَن هَذِه الدَّعْوَى كذب لَكِن قَالَ القَاضِي حُسَيْن هَذِه حِيلَة جَائِزَة للْحَاجة كَمَا جَازَ بيع ثمار خَيْبَر بِالدَّرَاهِمِ ثمَّ شِرَاء نوع آخر بِهِ وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة الْقسم الثَّالِث مَا لَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر وَهُوَ الَّذِي يثبت بِالتَّسَامُعِ إِذْ لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر

كالإعسار فَإِنَّهُ إِنَّمَا يدْرك بالخبرة الْبَاطِنَة وقرائن الْأَحْوَال فِي الصَّبْر سرا على الضّر والجوع وَلَا يعلم بِيَقِين لَكِن إِذا حصل ظن قريب من الْيَقِين جَازَت الشَّهَادَة أما الَّذِي يثبت بِالتَّسَامُعِ فالنسب وَالْملك الْمُطلق وَاخْتلفُوا فِي الْوَلَاء وَالْوَقْف وَالنِّكَاح وَالْعِتْق لِأَن هَذِه أُمُور يدْرك بالبصر أَسبَابهَا لَكِن قد يستفيض بَين النَّاس ويدوم التفوه بِهِ وتتوفر الطباع على ذكره بِخِلَاف البيع وَالْهِبَة وَأَمْثَاله فَفِي اعْتِمَاد التسامع بِهِ وَجْهَان مِنْهُم من منع لِإِمْكَان الْمُشَاهدَة وَمِنْهُم من ألحق بِالنّسَبِ لحُصُول الظَّن بالإستفاضة وَكَذَا الْخلاف فِي النّسَب من جَانب الْأُم فَإِنَّهُ يُمكن مُشَاهدَة الْولادَة وَلَكِن يُؤثر فِيهِ التسامع أَيْضا وَمِنْهُم من قطع بِأَن جَانب الْأُم كجانب الْأَب وَفِي الْمَوْت أَيْضا طَرِيقَانِ وَالْمَشْهُور أَنه كالنسب يثبت بِالتَّسَامُعِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ يُمكن مشاهدته ثمَّ إِذا قضى بِهِ فالنظر فِي النّسَب وَالْملك أما النّسَب وَمَا يلْحق بِهِ فَفِي حد التسامع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسمع من قوم لَا تجمعهم رابطة التواطؤ كَمَا فِي أَخْبَار التَّوَاتُر وَالثَّانِي ذكر الْعِرَاقِيُّونَ أَنه يَكْفِي أَن يسمع من عَدْلَيْنِ ثمَّ لَا يكون شَاهدا على شَهَادَتهمَا وَهُوَ بعيد ثمَّ زادوا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَو رَآهُ يحمل صَغِيرا وَهُوَ يستلحقه أَو قَالَ الْكَبِير هَذَا ابْني وَهُوَ سَاكِت شهد على النّسَب وَهَذَا غلط إِلَّا أَن يشْهد على الدعْوَة فَلَقَد يثبت النّسَب بِمُجَرَّد الدعْوَة أما الْملك فَلَا يحصل فِيهِ تعْيين لِأَنَّهُ وَإِن شَاهد الشِّرَاء فَمن أَيْن يعلم ملك البَائِع أَو شَاهد الإصطياد فَمن أَيْن يعلم أَنه لم يفلت من غَيره لَكِن يعْتَمد الظَّن الْغَالِب الَّذِي لَو

كلف مزِيد بحث لتعذر إِثْبَات الأملالك وَيحصل ذَلِك باجتماع ثَلَاثَة أُمُور الْيَد وَالتَّصَرُّف والستامع أَعنِي تفاوض النَّاس بِإِضَافَة الْملك إِلَيْهِ فَإِن هَذَا إِذا دَامَ مُدَّة بِلَا مُنَازع غلب على الظَّن الْملك وَهل يَكْفِي مُجَرّد الْيَد وَالتَّصَرُّف دون تفاوض النَّاس بِالْإِضَافَة الْمَشْهُور أَن ذَلِك كَاف وَقَالَ القَاضِي لَا يَكْفِي لِأَن المنازع إِنَّمَا يظْهر إِذا سمع الْإِضَافَة من النَّاس لَكِن يُقَابله أَنه لَو كَانَ تصرفه بالعدوان لظهر التفاوض بعدوانه فِي الْجِيرَان وَأهل الْمحلة فَعدم ذَلِك دَلِيل على عدم الْخصم وَأما مُجَرّد الْيَد دون التَّصَرُّف أَو التَّصَرُّف دون الْيَد فَلَا يَكْفِي وَهل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد التسامع دون الْيَد وَالتَّصَرُّف وتصور ذَلِك فِي ملك معطل قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي ذَلِك وَهُوَ بعيد فكأنهم يظنون أَن الْملك أَيْضا يشْتَهر كَمَا يشْتَهر الْوَقْف ثمَّ إِنَّمَا نعني بِالتَّصَرُّفِ الْهدم وَالْبناء وَالْبيع وَالْفَسْخ وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَلَو لم نر إِلَّا مُجَرّد الْإِجَارَة وَلَكِن مرّة بعد أُخْرَى فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَا يدل إِذْ الْمُسْتَأْجر مُدَّة طَوِيلَة قد يُؤَاجر مرَارًا هَذَا بَيَان مَا يعتمده الشَّاهِد فَتحل لَهُ الشَّهَادَة أما الْخط فقد ذكرنَا أَنه لَا يعْتَمد للشَّهَادَة ويعتمد للحلف وَمِمَّا يجب ذكره هَاهُنَا أَن من شهد على أَن فلَانا مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ سوى فلَان فَهَذَا يسمع وَإِن كَانَ على النَّفْي كبينة الْإِعْسَار وَلَكِن يسمع مِمَّن خبر بَاطِن أَحْوَاله وَعلم شعب نسبه وَيَكْفِي فِيهِ عَدْلَانِ يَقُولَانِ لَا نعلم لَهُ وَارِثا سواهُ مَعَ الْخِبْرَة الْبَاطِنَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة سلم إِلَى الْحَاضِر قدر الْيَقِين فَقَط وَلَا يَقِين إِلَّا فِي فرض من لَا يحجب عائلا كربع الثّمن عائلا للزَّوْجَة وَأما الْأَب فَلَا يستيقن لَهُ مِقْدَار معِين فَإِن لم تكن بَيِّنَة بحث القَاضِي ونادى بِأَنِّي قَاسم مِيرَاثه فَمن عرف لَهُ وَارِثا فليذكر فَإِن لم يظْهر سلم المَال إِلَى الْحَاضِر وَهل يطْلب لَهُ كَفِيلا للقدر الْمَشْكُوك فِيهِ قَولَانِ

الْفَصْل الثَّانِي فِي وجوب التَّحَمُّل وَالْأَدَاء أما الْأَدَاء فَهُوَ وَاجِب على كل متحمل مُتَعَيّن دعِي إِلَى الْأَدَاء من مَسَافَة دون مَسَافَة الْعَدوي فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود فَلَو لم يتَحَمَّل وَلَكِن وَقع بَصَره على فعل وَتعين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب لِأَن المتحمل مُلْتَزم وَهَذَا لم يلْتَزم وَالثَّانِي أَنه يجب صِيَانة للحقوق وَلَو لم يتَعَيَّن فَإِن امْتَنعُوا بجملتهم عَم الْحَرج جَمِيعهم وَإِن امْتنع وَاحِد فَفِي جَوَازه وَجْهَان من حَيْثُ إِن فتح ذَلِك الْبَاب رُبمَا يَدْعُو إِلَى التخاذل وَلَو دعِي من مَسَافَة دون مَسَافَة الْقصر وَفَوق مَسَافَة الْعَدْوى فَوَجْهَانِ كالوجهين فِي لُزُوم قبُول شَهَادَة الْفَرْع فِي غيبَة الأَصْل إِلَى هَذَا الْحَد ثمَّ الشَّاهِد لَا يسْتَحق الْأُجْرَة لِأَنَّهُ الْتزم هَذِه الْأَمَانَة بِخِلَاف الْكَاتِب نعم يسْتَحق الشَّاهِد أُجْرَة المركوب عِنْد طول الطَّرِيق ثمَّ إِذا أَخذهَا فَلهُ أَن لَا يركب وَيَمْشي فَكَأَنَّهُ أُجْرَة نَصبه فِي الْمَشْي وَلَو تعين شَاهِدَانِ فَامْتنعَ أَحدهمَا وَقَالَ احْلِف مَعَ الثَّانِي لم يجز بالإتفاق

أما التَّحَمُّل فِيمَا لَا يَصح دون الشَّهَادَة كَالنِّكَاحِ فالإجابة إِلَى التَّحَمُّل فِيهِ من فروض الكفايات وَمن امْتنع لَا يَأْثَم لِأَنَّهُ غير مُتَعَيّن أما التَّحَمُّل فِي الْأَمْوَال والأقارير هَل هُوَ من فروض الكفايات فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لاستغنائه عَنهُ وَالثَّانِي نعم لحَاجَة الْإِثْبَات عِنْد النزاع وَكَذَا الْخلاف فِي كتبه الصَّك لِأَنَّهُ لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي عصمَة الْحُقُوق

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكل وَاقعَة يقْضى فِيهَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَيقْضى بِشَاهِد وَيَمِين إِلَّا عُيُوب النِّسَاء وبابها وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَضَاء بِشَاهِد وَيَمِين قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقبل شَاهد وَيَمِين ثمَّ عندنَا يَنْبَغِي أَن تتقدم شَهَادَة الشَّاهِد وتعديله على الْيَمين إِذْ الْيَمين قبل تأيد جَانب الْحَالِف بِالْيَدِ أَو اللوث سَاقِط الْأَثر وَيجب على الْحَالِف أَن يصدق الشَّاهِد فِي يَمِينه فَيَقُول أَنا محق وَهُوَ صَادِق وَلَا خلاف فِي أَنه لَو حلف مَعَ امْرَأتَيْنِ لم يجز ثمَّ هَذَا الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ أَو بِالْيَمِينِ أَو بهما وَيظْهر الْأَثر فِي الْغرم عِنْد الرُّجُوع فِيهِ

ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد يعضد جَانب الْحَالِف كاللوث وَالثَّانِي أَنه بِالشَّاهِدِ لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قضى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين وَالثَّالِث أَنه بهما جَمِيعًا ثمَّ إِن قُلْنَا إِنَّه بِالْيَمِينِ أمكن إِيجَاب غرم أَيْضا على الشَّاهِد إِذْ الْيَمين نفذ بِشَهَادَتِهِ كَمَا يجب على رَأْي على الْمُزَكي لِأَن الشَّهَادَة نفذت بتعديله وَتَمام الْبَاب بمسائل أَربع الأولى لَو أَقَامَ الْوَرَثَة شَاهدا وَاحِدًا على دين لمورثهم وحلفوا جَمِيعًا استحقوا وَلَو حلف وَاحِد اسْتحق الْحَالِف نصِيبه دون الناكل وَلَو مَاتَ الناكل لم يكن لوَارِثه أَن يحلف إِذْ بَطل حق الْحلف بِالنّكُولِ وَإِن مَاتَ قبل النّكُول فلوارثه أَن يحلف وَلَكِن هَل يجب إِعَادَة الشَّهَادَة فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا لَو جَاءَ الْوَارِث بِشَاهِد آخر هَل يجب على الأول الْإِعَادَة فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن هَذِه دَعْوَى جَدِيدَة أَو فِي حكم الْبناء وَلَو نكل الْوَارِث وللميت غَرِيم فَهَل يحلف فِيهِ قَولَانِ ذكرناهما فِي الْقسَامَة أما إِذا كَانَ فيهم غَائِب أَو مَجْنُون فَإِذا عَاد أَو أَفَاق حلف من غير حَاجَة إِلَى إِعَادَة الشَّهَادَة بل نفذت تِلْكَ الشَّهَادَة فِي الْحق الْمُشْتَرك بِدَعْوَى وَاحِد من الْوَرَثَة وَإِنَّمَا تخْتَص الدَّعْوَى وَالْحلف دون الْمُشَاهدَة أما إِذا أوصى لشخصين فَحلف أَحدهمَا مَعَ شَاهد وَالثَّانِي غَائِب فَإِذا عَاد فَلَا بُد من إِعَادَة الشَّهَادَة إِذْ ملكه مُنْفَصِل بِخِلَاف حُقُوق الْوَرَثَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يثبت أَولا لشخص وَاحِد وَهُوَ الْمَيِّت فرع لَو حلف بَعضهم مَعَ الشَّاهِد فَهَل يخرج نصيب الْغَائِب من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهِ

قَولَانِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْحَيْلُولَة بِشَاهِد وَاحِد لَكِن هَذَا أبعد لِأَن صَاحب الْحق لم يدع إِلَّا أَن اتِّحَاد الْمَيِّت كَأَنَّهُ يَجْعَل دَعْوَى الْوَاحِد كدعوى الْجَمِيع وَلذَلِك لَا تستعاد الشَّهَادَة أما النَّصِيب الَّذِي أَخذه الْحَالِف الْوَارِث فَلَا يُشَارِكهُ الْغَائِب فِيهِ نَص عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كتاب الصُّلْح لَو ادّعى الوارثان عينا فَأقر لأَحَدهمَا بِنَصِيبِهِ شَاركهُ الآخر فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالصَّحِيح أَنه فرض هَهُنَا فِي الدّين وَذَلِكَ إِنَّمَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُشَارِكهُ فِيهِ وَفِي الصُّلْح فِي جُزْء من الْعين وَهُوَ مُشْتَرك بِإِقْرَارِهِ فَكيف ينْفَرد بِهِ أما إِذا أَقَامَ أَحدهمَا شَاهِدين فينتزع نصيب الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَأما نصيب الْغَائِب فينتزع أَيْضا إِن كَانَ عينا وَإِن كَانَ دينا فَوَجْهَانِ يجريان فِي كل دين يقر بِهِ لغَائِب أَن الْوَالِي هَل يَسْتَوْفِيه أَو يتْركهُ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الوراثة أما الْوَصِيَّة فَيتْرك نصيب الْغَائِب وَإِن كملت بَيِّنَة الْحَاضِر الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا ادّعى ثَلَاثَة أَن أباهم وقف عَلَيْهِم ضَيْعَة وعَلى أَوْلَادهم على التَّرْتِيب وحلفوا مَعَ شَاهد وَاحِد استحقوا وَفِيه وَجه أَن الْوَقْف كَالْعِتْقِ وَلَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين إِن قُلْنَا إِن الْملك فِيهِ لله تَعَالَى وَهُوَ بعيد غير مُعْتَد بِهِ ثمَّ الْبَطن الثَّانِي هَل يَحْتَاجُونَ إِلَى الْحلف عِنْد مَوْتهمْ إِن قُلْنَا إِنَّهُم يَأْخُذُونَ الْحق من الْبَطن الأول فيكفيهم يَمِين الْبَطن الأول وَإِن قُلْنَا من الْوَاقِف فَلَا بُد من التَّجْدِيد لأَنهم لَا يسْتَحقُّونَ بِيَمِين غَيرهم فَلَو كَانَ الشَّرْط الصّرْف إِلَى الْمَسَاكِين بعد مَوْتهمْ فعلى هَذَا لَا يُمكن تَحْلِيف الْمَسَاكِين إِذْ لَا ينحصرون فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنهم يسْتَحقُّونَ بِغَيْر يَمِين للضَّرُورَة وَالثَّانِي أَن الْوَقْف قد تعذر مصرفه وَفِيه خلاف أَنه يبطل أَو يصرف إِلَى أقرب شخص إِلَى الْوَاقِف وَلَو مَاتَ وَاحِد من الحالفين فَنصِيبه للباقين الَّذين حلفوا مَعَه فِي دَرَجَته لِأَنَّهُ وقف تَرْتِيب وَفِي تَجْدِيد يمينهم قَولَانِ مرتبان وَالصَّحِيح أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لأَنهم قد حلفوا مرّة على الْجُمْلَة أما إِذا نكلوا جَمِيعًا فالبطن الثَّانِي لَا يسْتَحقُّونَ إِن لم يحلفوا وَإِن حلفوا استحقوا هَذَا إِن قُلْنَا إِنَّهُم يَأْخُذُونَ من الْوَاقِف وَإِن قُلْنَا يَأْخُذُونَ من الْبَطن الأول فَلَا أثر لحلفهم إِذْ قد بَطل حق الْحلف بنكول الْبَطن الأول أما إِذا حلف وَاحِد وَنكل اثْنَان ثمَّ مَاتُوا فولد الْحَالِف يسْتَحق إِن حلف وَإِن لم يحلف فَقَوْلَانِ وَولد الناكل لَا يسْتَحق إِن لم يحلف وَإِن حلف فَقَوْلَانِ وَإِن مَاتَ الْحَالِف أَولا فَشرط الْوَقْف أَن يكون للآخرين لَكِن أبطلوا حُقُوقهم بِالنّكُولِ وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يصرف إِلَى ولد الْحَالِف وَقد التحقا بالموتى لنكولهم وَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه يصرف إِلَيْهِم ويستحقون بِيَمِين الْمَيِّت وَالثَّالِث أَنه قد تعذر مصرفه إِذن فينتزع من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ أما نصيب الناكلين فَيبقى فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن قُلْنَا يصرف إِلَى الناكلين فَفِي إِيجَاب الْحلف عَلَيْهِم قَولَانِ مرتبان على مَا إِذا كَانَا قد

حلفا وَهَهُنَا أولى بِالْحلف الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو كَانَ الْوَقْف وقف التَّشْرِيك وَحلف الثَّلَاثَة ثمَّ ولد لوَاحِد ولد صَار الْوَقْف أَربَاعًا بعد أَن كَانَ أَثلَاثًا وَيُوقف الرّبع للطفل وَكَذَا غَلَّته فَإِن بلغ وَحلف اسْتحق وَإِن نكل فالنص أَنه يرد على الثَّلَاثَة وَكَأن الناكل مَعْدُوم وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله كَيفَ يرد عَلَيْهِم وهم مقرون بِأَنَّهُم لَا يستحقونه فَهُوَ وقف تعذر مصرفه وَالْقِيَاس مَا ذكره فنجعله قولا مخرجا فَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ ردُّوهُ إِلَيّ فَلَا طَالب لَهُ غَيْرِي فَلَا خلاف أَنه لَا يردهُ إِلَيْهِ إِذْ قد انتزع من يَده بِحجَّة فَلَا يُمكن الرَّد إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة جَارِيَة لَهَا ولد ادعِي إِنْسَان على صَاحب الْيَد أَنَّهَا مستولدته وَالْولد مِنْهُ وَأقَام شَاهدا وَاحِدًا وَحلف سلمت لَهُ الْجَارِيَة وَثَبت ملكه ثمَّ تعْتق عَلَيْهِ إِذا مَاتَ بِإِقْرَارِهِ وبالإستيلاد لَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أما الْوَلَد فَفِي حُرِّيَّته وَنسبه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يثبت بطرِيق التّبعِيَّة للْأُم وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ إِنْسَان مُسْتَقل تدعى فِيهِ الْحُرِّيَّة وَالنّسب كَمَا يدعى فِي الْأُم الإستيلاد وَاسْتشْهدَ الْمُزنِيّ بِمَا لَو أَقَامَ هَذِه الْحجَّة على عبد بِأَنَّهُ كَانَ ملكه وَقد أعْتقهُ فَإِنَّهُ لَا يسمع لِأَنَّهُ معترف فِي الْحَال بحريَّته مَعَ أَنه قد سبق لَهُ ملك فَكيف يسمع فِي الْوَلَد وَلم يجر عَلَيْهِ رق أصلا فَمن أَصْحَابنَا من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من فرق بِأَن الحكم هَاهُنَا وجد منتسبا من ملك حَاضر وَهُوَ الْأُم بِخِلَاف مَسْأَلَة العَبْد وَالْقِيَاس مَا ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي خَمْسَة أَطْرَاف الطّرف الأول فِي مجاريه وَهُوَ جَار فِيمَا لَيْسَ بعقوبة وَفِي الْعُقُوبَات ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يجْرِي لِأَنَّهُ بدل فَلَا يَخْلُو عَن شُبْهَة وَالثَّانِي أَنه يجْرِي لِأَن كَونه بَدَلا لَا يُوجب الشُّبْهَة وَالثَّالِث أَنه يجْرِي فِي حُقُوق الْآدَمِيّين كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف دون حُدُود الله تَعَالَى فَإِنَّهُ يتسارع إِلَيْهِ السُّقُوط بِالشُّبُهَاتِ وَكَذَا الْخلاف فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَكَذَا فِي التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاء الْقصاص لِأَن الْوَكِيل بدل عَن الْمُوكل فَإِذا منعنَا ذَلِك فَلَا معنى لدعوى الْقصاص على غَائِب الطّرف الثَّانِي فِي التَّحَمُّل وَلَا يجوز أَن يشْهد على شَهَادَة غَيره مَا لم يعلم أَن عِنْده شَهَادَة مجزومة ثَابِتَة وَذَلِكَ بِأَن يَقُول لَهُ عِنْدِي شَهَادَة بِكَذَا وَأَنا أشهدك على شهادتي وَإِمَّا بِأَن يرَاهُ بَين يَدي حَاكم وَهُوَ يَقُول أشهد أَن لفُلَان على فلَان كَذَا فَلهُ أَن يتَحَمَّل وَإِن لم يقل لَهُ أشهدك لِأَن ذَلِك لَيْسَ تفويضا حَتَّى يحْتَاج إِلَى إِشْهَاد نعم إِذا رَآهُ يخبر عَن

الشَّيْء لَا فِي معرض الشَّهَادَة وَلَا بِلَفْظ الشَّهَادَة فالإنسان قد يتساهل فِيهِ وَلَو كلف الشَّهَادَة امْتنع فَلذَلِك لَا يتَحَمَّل أما إِذا قَالَ فِي غير مجْلِس القَاضِي عِنْدِي شَهَادَة مثبوتة لَا أتمارى فِيهَا فَفِي جَوَاز التَّحَمُّل وَجْهَان أَحدهمَا نعم لانْقِطَاع الإحتمال وَالثَّانِي لَا إِذْ قد يكون لَهُ فِيهِ غَرَض وَإِذا طُولِبَ بِالْإِقَامَةِ توقف أما إِذا اقْتصر على قَوْله أَنا أشهد بِكَذَا لم يعْتَمد ذَلِك لظُهُور اعْتِمَاد التساهل وَلِأَنَّهُ قد يرِيه بِهِ الْوَعْد وَلَا يَفِي بِهِ فَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف فَيشْهد على إِقْرَاره وَلَا يقدر احْتِمَال إِرَادَة وعد لِأَن الْإِنْسَان لَا يتساهل فِي الْإِقْرَار على نَفسه ويتساهل فِي الْإِخْبَار عَن الْغَيْر وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله لَا يشْهد على إِقْرَاره مَا لم يضفه إِلَى إِتْلَاف أَو ضَمَان أَو غير ذَلِك مِمَّا يقطع هَذَا الإحتمال وَهُوَ بعيد غير مُعْتَد بِهِ ثمَّ الشَّاهِد يَنْبَغِي أَن يَحْكِي مُسْتَند تحمله بِأَن شَاهد الأَصْل أشهده أَو رَآهُ يشْهد عِنْد القَاضِي فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يعرف كَيْفيَّة التَّحَمُّل حَتَّى يبْحَث عَنهُ القَاضِي فَلَو كَانَ فَقِيها فيكفيه أَن يَقُول أشهد على شَهَادَته وَله الْإِصْرَار عَلَيْهِ فَلَو سَأَلَهُ القَاضِي لم يلْزمه التَّفْصِيل الطّرف الثَّالِث فِي الطوارىء على شُهُود الأَصْل وَلَا يضر مَوْتهمْ وغيبتهم ومرضهم بل هُوَ المُرَاد من شُهُود الْفَرْع وَقد ذكرنَا حد الْغَيْبَة أما طرآن فسقهم وعداوتهم وردتهم فَلَا يُؤثر طرآنه بعد الْقَضَاء بِشَهَادَة الْفَرْع وَلَو

طَرَأَ قبل الْقَضَاء منع الْقبُول لِأَن هَذِه أُمُور لَا تهجم بل يتقدمها مُقَدمَات وَلِأَنَّهُ يقبح أَن يشْهد على شَهَادَة مُرْتَد وفاسق وَلَو حضر شُهُود الأَصْل فكذبوا الْفَرْع بعد الْقَضَاء لم يُؤثر وَقبل الْقَضَاء لَو ثَبت تكذيبهم فِي الْغَيْبَة بِبَيِّنَة أَو رجوعهم امْتنع شَهَادَة الْفَرْع وَلَو بَان بعد الْقَضَاء أَنهم كَانُوا كذبُوا أَو رجعُوا قبل الْقَضَاء نقض الحكم قولا وَاحِدًا أما طرآن الْعَمى وَالْجُنُون فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يُؤثر كالموت وَهُوَ الْأَصَح وَالثَّانِي أَنه يُؤثر إِذْ بطلت أهليتها والمقبول شَهَادَتهمَا وَإِنَّمَا اسْتثْنى الْمَوْت للضَّرُورَة وَالثَّالِث أَن الْجُنُون بِخِلَاف الْعَمى فَإِن الْأَعْمَى أهل وَإِنَّمَا يمْتَنع عَلَيْهِ التَّعْيِين أما الْإِغْمَاء فَلَا يُؤثر فِي الْغَيْبَة وَفِي الْحُضُور ينْتَظر زَوَاله فَلَا يُسَلط شَاهد الْفَرْع على الشَّهَادَة ثمَّ إِذا قُلْنَا يمْتَنع بالجنون فَلَو زَالَ فَفِي وجوب تَجْدِيد التَّحَمُّل وَجْهَان أقيسهما أَنه

لَا يجب وأشهرهما أَنه يجب كَمَا لَو أَفَاق الْمُوكل الطّرف الرَّابِع فِي الْعدَد والكمال أَن يشْهد على كل شَاهد شَاهِدَانِ فَإِن شهد اثْنَان على شَهَادَة وَاحِد وهما بأعيانهما شَهدا على الآخر فَقَوْلَانِ أقيسهما أَنه يجوز كَمَا لَو شهد اثْنَان على ألف رجل بِالْإِقْرَارِ وَهُوَ اخْتِيَار أبي حنيفَة رَحمَه الله والمزني وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه حجَّة وَاحِدَة فَلَا يقوم شخص بطرفيها كَمَا لَو شهد أحد شَاهِدي الأَصْل بالفرعية على شَهَادَة آخر فَإِن منعنَا ذَلِك فَلَو شهد أَرْبَعَة على شَهَادَتهمَا فَوَجْهَانِ أَصَحهَا الْجَوَاز إِذْ شهد على كل وَاحِد اثْنَان فتعرضهما للثَّانِي يَنْبَغِي أَن يَجْعَل كَالْعدمِ وَالثَّانِي لَا لِأَن من اسْتَقل بشق لَا تعْتَبر شَهَادَته فِي الثَّانِي وَلَيْسَ أحد الشقين بالإسقاط بِأولى من الآخر وَلَا خلاف أَن مَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فالشهادة على شَهَادَتهم تجْرِي مجْرى الشَّهَادَة على ثَلَاثَة أشخاص فرع الزِّنَا إِن قُلْنَا يثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة فيجتمع فِي عدد الْفَرْع أَرْبَعَة

أَقْوَال فَفِي قَول يَكْفِي اثْنَان يَشْهَدَانِ على شَهَادَة الْأَرْبَعَة الْأُصُول وَهُوَ بِنَاء على أَن الْإِقْرَار بِالزِّنَا يثبت بِشَاهِدين على قَول فَكَذَلِك الشَّهَادَة وَفِي قَول لَا بُد من الْأَرْبَعَة وَفِي قَول ثَمَانِيَة وَفِي قَول سِتَّة عشر ومنشؤه التَّرَدُّد فِي أصلين أَحدهمَا عدد شُهُود الْفَرْع وَالْآخر عدد شُهُود الْإِقْرَار الطّرف الْخَامِس فِي الْعذر المرخص لشهادة الْفَرْع وَهُوَ الْمَوْت والغيبة وَالْمَرَض والغيبة إِلَى مَسَافَة الْقصر ترخص وَدون مَسَافَة الْعَدْوى لَا وَفِيمَا بَينهمَا وَجْهَان وَالْمَرَض هُوَ الْقدر الَّذِي يجوز ترك الْجُمُعَة بِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مشقة لَا مَا يمْنَع مَعَه الْحُضُور وَلَيْسَ على القَاضِي أَن يحضر دَار الْمَرِيض أَو يبْعَث نَائِبه إِلَيْهِ فَإِن ذَلِك يغض من منصب الْقَضَاء وَشَهَادَة الْفَرْع قريب وَلذَلِك جَازَت الرِّوَايَة من الْفَرْع مَعَ حُضُور الشَّيْخ وَالْخَوْف من الْغَرِيم كالمرض

فرع لَيْسَ على شُهُود الْفَرْع الثَّنَاء على شُهُود الأَصْل وتعديلهم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل لَو عدلوا ثبتَتْ الْعَدَالَة وَالشَّهَادَة جَمِيعًا بِشَهَادَتِهِم وَإِلَّا بحث القَاضِي عَنْهُم وَلَيْسَ عَلَيْهِم أَيْضا أَن يشْهدُوا على صدق شُهُود الأَصْل فَإِنَّهُم لَا يعْرفُونَ بِخِلَاف الْحَالِف مَعَ الشَّاهِد فَإِنَّهُ يعرف صدقه وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الْعُقُوبَات والبضع وَالْمَال الأول الْعُقُوبَات وللرجوع ثَلَاثَة أَحْوَال الأول أَن يكون قبل الْقَضَاء فَيمْنَع الْقَضَاء فَإِن كَانَ فِي زنا وَجب حد الْقَذْف فَإِن قَالُوا غلطنا فَفِي وجوب الْحَد قَولَانِ مرتبان على مَا إِذا نقص عدد الشُّهُود وَهَذَا أولى بِالْإِيجَابِ لِأَن التحفظ وَاجِب عَلَيْهِم وَهُوَ إِلَى اختيارهم فَإِن حددنا لم تقبل شَهَادَتهم بعد ذَلِك إِلَّا بعد التَّوْبَة والإستبراء وَإِن لم نجدهم لم تسْقط عدالتهم فَتقبل شَهَادَتهم وَلَو رجعُوا فِي الشَّهَادَة وفسقناهم فعادوا بعد التَّوْبَة وَقَالُوا كذبنَا فِي الرُّجُوع لم تقبل تِلْكَ الشَّهَادَة أصلا مُؤَاخذَة لَهُم بقَوْلهمْ فِي الرُّجُوع الأول وَلَو لم يُصَرح الشَّاهِد بِالرُّجُوعِ وَلَكِن قَالَ للْقَاضِي توقف فَيتَوَقَّف القَاضِي فَإِن عَادوا إِلَى الشَّهَادَة فَفِي الْقبُول وَجْهَان لتطرق التُّهْمَة بِسَبَب التَّوَقُّف والإستمهال للتروي فَإِن قُلْنَا لَا يمْنَع الإستمهال فَهَل يجب إِعَادَة تِلْكَ الشَّهَادَة فِيهِ وَجْهَان

الْحَالة الثَّانِيَة الرُّجُوع بُد الْقَضَاء وَقب الإستيفاء وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا تستوفى لِأَن الْحُدُود تسْقط بِالشُّبُهَاتِ وَالثَّانِي أَنه تستوفى كالأموال لِأَن الْمَحْكُوم بِوُجُوب قَتله كالمقتول وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط كأموالهم وَتسقط حُقُوق الله تَعَالَى الْحَالة الثَّالِث الرُّجُوع بعد اسْتِيفَاء الْعقُوبَة وَله صور الأولى أَن يَقُولُوا تعمدنا الْكَذِب مَعَ الْعلم بِأَن شهادتنا تقبل فيلزمهم الْقصاص عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا خلاف أَن الدِّيَة الْمُغَلَّظَة تجب فِي مَالهم وَلَو رَجَعَ مَعَهم ولي الْقصاص وَهُوَ الَّذِي بَاشر وَجب عَلَيْهِ الْقصاص وَهل يجب على الشُّهُود مَعَه فِي وَجْهَان

أَحدهمَا لَا إِذْ الشَّاهِد بِالشَّهَادَةِ صَار كالممسك مَعَ الْمُبَاشر وَالثَّانِي يجب لأَنهم بِالشَّهَادَةِ أهدروا الدَّم وأبطلوا الْعِصْمَة وَالْقَاضِي إِذا رَجَعَ شَارك الشُّهُود فِي الْقصاص وَالدية الْمُغَلَّظَة فَإِن رَجَعَ الْمُزَكي فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كالشهود وَالثَّانِي أَنه كالممسك وَالثَّالِث أَنه يصلح فعله لإِيجَاب الدِّيَة دون الْقصاص الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا قَالُوا أَخْطَأنَا فَلَا قصاص وَقد يعزرهم القَاضِي وَالدية فِي مَالهم فَإِن صدقهم الْعَاقِلَة فَفِيهِ تردد سَيَأْتِي وَلَو قَالَ بَعضهم أَخْطَأنَا فَلَا قصاص على الْمُعْتَرف بالعمد لِأَنَّهُ شريك خاطىء وَلَو قَالَ كل وَاحِد تَعَمّدت وَأَخْطَأ شَرِيكي فَفِي الْقصاص وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ إِقْرَار بِأَنَّهُ شريك خاطىء فَلَا يجب الْقصاص عَلَيْهِ بِدَعْوَى

الشَّرِيك العمدية وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَن دَعْوَاهُ خطأ الشَّرِيك وَهُوَ مُنكر لَا يدْرَأ عَنهُ قصاص الْعمد الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا قَالُوا تعمدنا وَلَكِن مَا عرفنَا أَنه تقبل شهادتنا فَلَا يجب الْقصاص عِنْد الْأَكْثَرين إِذْ لم يظْهر قصدهم إِلَى الْقَتْل مَعَ أَن نفس الشَّهَادَة لَيْسَ تقتل بِخِلَاف مَا لَو ضرب شخصا ضربا يقتل الْمَرِيض دون الصَّحِيح وَجَهل كَونه مَرِيضا فَإِن الْأَظْهر أَنه يجب الْقصاص وَيحْتَمل فِيهِ وَجه من هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن قُلْنَا لَا قصاص لجهلهم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لتكن الدِّيَة مُؤَجّلَة فَإِنَّهُ قريب من شبه الْعمد

الطّرف الثَّانِي فِيمَا لَا تدارك لَهُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق وموجبه الْغرم وَفِي مِقْدَار مَا يجب على الرَّاجِع فِي الْبضْع قبل الْمَسِيس وَبعده كَلَام سبق وَنَذْكُر الْآن فرعين الأول لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على الْعتْق مثلا فالغرم الْوَاجِب يجب على الرجل النّصْف وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ النّصْف وَلَو كَانُوا عشر نسْوَة فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ إِلَّا النّصْف إِذْ نصف الْبَيِّنَة قَامَ بِالرجلِ أما إِذا شهد رجل وَعشر نسْوَة على رضَاع محرم أوجب التَّفْرِيق بَين الزَّوْجَيْنِ ثمَّ رجعُوا

بعد التَّفْرِيق فَيقسم الْغرم بِاثْنَيْ عشر سَهْما على الرجل سَهْمَان وعَلى كل امْرَأَة سهم وننزل امْرَأتَيْنِ منزلَة رجل لِأَن هَذِه الشَّهَادَة تنفرد بهَا النِّسَاء فَلَا يتَعَيَّن الرجل بِشَطْر هَذِه الْحجَّة وَلَو رَجَعَ الرجل وست نسْوَة فقد أصر أَربع نسْوَة يستقللن بِإِثْبَات الرَّضَاع فَفِي وجوب شَيْء على الراجعين وَجْهَان الصَّحِيح أَنه لَا يجب لِأَن الْحجَّة بعد قَائِمَة وَالثَّانِي أَنه يجب على الراجعين بِقدر حصتهم أما لَو رَجَعَ مَعَه سبع نسْوَة بطلت الْحجَّة فعلى الْوَجْه الضَّعِيف عَلَيْهِم حصتهم وَهِي سَبْعَة من اثْنَي عشر وعَلى الصَّحِيح إِنَّمَا بَطل ربع الْحجَّة فَعَلَيْهِم ربع الْغرم الْفَرْع الثَّانِي أَن شُهُود الْإِحْصَان هَل يشاركون شُهُود الزِّنَا فِي الْغرم عِنْد الرُّجُوع فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ تمّ الرَّجْم بهم وَالثَّانِي لَا لأَنهم مَا شهدُوا إِلَّا على خِصَال كَمَال وَكَذَا الْخلاف فِي شُهُود التَّعْلِيق وَالصّفة فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي حصتهم وَجْهَان أَحدهمَا التَّسْوِيَة وَالثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِم الثُّلُث إِذْ يَكْفِي فِي الْإِحْصَان شَاهِدَانِ وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَة وَيتَفَرَّع من هَذَا أَنه لَو شهد على الْإِحْصَان شَاهِدَانِ وعَلى الزِّنَا أَرْبَعَة وَرجع أحد شَاهِدي

الْإِحْصَان فَفِي قَول لَا شَيْء عَلَيْهِ وَفِي قَول يجب السُّدس وَهُوَ قَول التَّثْلِيث وَفِي قَول يجب الرّبع وَهُوَ قَول التَّسْوِيَة بَين الْإِحْصَان وَالزِّنَا وَكَذَلِكَ يتَفَرَّع صور فِي زِيَادَة الشُّهُود على الْعدَد الْوَاجِب وَفِي رُجُوع بعض شُهُود الزِّنَا وَلَا يخفى تخريجها على الْأَقْوَال السَّابِقَة على متأمل

الطّرف الثَّالِث فِيمَا يقبل التَّدَارُك كَمَا لَو شَهدا على عين مَال ورجعا بعد التَّسْلِيم فَلَا يقبل رجوعهما فِي الإسترداد وَفِي وجوب الْغرم للْحَيْلُولَة قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ يتَوَقَّع إِقْرَار الْخصم فَكيف يغرم وَالْعين قَائِم لَا كالعتاق وَالطَّلَاق اللَّذين لَا تدارك لَهما وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه يجب لِأَن الْحَيْلُولَة تنجزت وَإِقْرَار الْخصم بعيد وَكَذَا الْقَوْلَانِ فِيمَن أقرّ بدار لزيد ثمَّ لعَمْرو وتسلم الدَّار إِلَى زيد وَهل يغرم الْقيمَة لعَمْرو للْحَيْلُولَة فِيهِ قَولَانِ فرع لَو ظهر كَون الشَّاهِدين عَبْدَيْنِ أَو كَافِرين أَو صبيين انْتقض الْقَضَاء وَبَان أَنه لَا طَلَاق وَلَا عتاق وَكَذَا إِن كَانَا فاسقين وَقُلْنَا ينْقض الْقَضَاء وَإِن كَانَ ذَلِك أمرا لَا يتدارك كَقَتل فَيجب الْغرم على القَاضِي بخطئه وَمحله مَاله أَو بَيت المَال فِيهِ قَولَانِ وَلَا يرجع على الصَّبِيَّيْنِ لِأَن التَّقْصِير من جِهَته إِذْ لم يبْحَث وَلَا على الْفَاسِقين فَإِنَّهُمَا معذوران فِي كتمان الْفسق وَهل يرجع على الْعَبْدَيْنِ والكافرين فِيهِ قَولَانِ ذكرنَا

تفصيلهما فِي كتاب ضَمَان الْوُلَاة

كتاب الدَّعْوَى والبينات

عدل

ومجامع الْخُصُومَات يحويها خَمْسَة أَرْكَان الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار وَالْيَمِين والنكول وَالْبَيِّنَة الرُّكْن الأول الدَّعْوَى ونقدم عَلَيْهَا مُقَدّمَة فِي بَيَان من يحْتَاج إِلَى الدَّعْوَى فَنَقُول من لَهُ حق عِنْد إِنْسَان فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون عينا أَو عُقُوبَة أَو دينا أما الْعين فَلهُ أَن ينتزعه من يَده إِن قدر عَلَيْهِ قهرا إِذا كَانَ لَا يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى تَحْرِيك فتْنَة وَأما الْعقُوبَة فَلَا يسْتَقلّ باستيفائها أصلا دون القَاضِي لما فِيهِ من الْخطر وَأما الدّين فَإِن كَانَ على معترف مماطل أَو مُنكر يُمكن رَفعه إِلَى القَاضِي فَلَا يجوز الإنفراد باستيفائه إِذْ لَا يتَعَيَّن حَقه من الدّين إِلَّا بِتَعْيِين من عَلَيْهِ أَو بِتَعْيِين القَاضِي فَإِن

تعذر رَفعه إِلَى القَاضِي لتعززه أَو تواريه أَو هربه فَإِذا ظفر بِجِنْس حَقه فَلهُ أَن يَأْخُذهُ ويتملكه مستبدا فَإِن ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَفِي جَوَاز الْأَخْذ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لهِنْد خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ وَلم يفرق بَين الْجِنْس وَغَيره وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَيفَ يتَمَلَّك وَلَيْسَ من جنس حَقه وَكَيف يَبِيع ملك غَيره بِغَيْر إِذْنه فَإِن قُلْنَا يَأْخُذ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ القَوْل الْمَشْهُور أَنه يرفع إِلَى القَاضِي حَتَّى يَبِيع بِجِنْس حَقه وَلم يذكر الْقفال غير هَذَا وَالثَّانِي أَنه ينْفَرد بِبيعِهِ كَمَا ينْفَرد بِالتَّعْيِينِ فِي جنس حَقه فَإِن هَذِه رخصَة وَلَو كلف ذَلِك كلفه القَاضِي الْبَيِّنَة وَرُبمَا عسر عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه يتَمَلَّك مِنْهُ بِقدر حَقه وَلَا معنى للْبيع وَهَذَا بعيد فِي الْمَذْهَب وَإِن كَانَ متجها فَإِن قُلْنَا يَبِيع فَإِن كَانَ حَقه نَقْدا بَاعَ بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ حِنْطَة أَو شَعِيرًا قَالَ القَاضِي يَبِيع بِالنَّقْدِ ثمَّ يَشْتَرِي بِهِ الْحِنْطَة فَإِنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْمُطلق لَا يَبِيع بِالْعرضِ وَقَالَ غَيره وَهُوَ الْأَصَح يَبِيع بِجِنْس حَقه وَلَا معنى للتطويل هَذَا كُله فِيمَن لَهُ بَيِّنَة فَإِن لم يكن وَعلم أَنه لَو رَفعه إِلَى القَاضِي لجحد وَحلف فَكَلَام

الْقفال فِي تَكْلِيفه بِالرُّجُوعِ إِلَى القَاضِي فِي البيع وَإِقَامَة الْبَيِّنَة يشْعر بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذ شَيْئا وَإِنَّمَا لَهُ حق التَّحْلِيف فَقَط وَلَا يبعد عِنْدِي أَن يجوز لَهُ الْأَخْذ إِذا ظفر بِهِ لِأَن الْمَقْصُود إِيصَال الْحق إِلَيْهِ إِذا تعذر فروع الأول لَو تلفت الْعين الْمَأْخُوذَة قيل بَيْعه فَهِيَ من ضَمَانه وَلَيْسَ لَهُ الإنتفاع بِهِ قبل البيع وَعَلِيهِ مبادرة البيع فَلَو قصر فنقصت الْقيمَة كَانَ محسوبا عَلَيْهِ وَمَا ينقص قبل التَّقْصِير فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَة على مِقْدَار حَقه فِي ضَمَانه لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي أَخذهَا إِلَّا إِذا كَانَ

حَقه خمسين وَلم يظفر إِلَّا بِسيف يُسَاوِي مائَة فَفِي دُخُول الزِّيَادَة فِي ضَمَانه وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالأصل وَالثَّانِي لَا يضمن لِأَنَّهُ لم يَأْخُذ بِحقِّهِ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيهِ بل قَالَ القَاضِي لَو احْتَاجَ إِلَى نقب جِدَاره فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَان النقب إِذْ بِهِ يتَوَصَّل إِلَى حَقه الْفَرْع الثَّانِي لَو كَانَ حَقه صحاحا فظفر بالمكسور جَازَ لَهُ أَن يَتَمَلَّكهُ ويرضى بِهِ وَلَو كَانَ بِالْعَكْسِ فَلَا يَتَمَلَّكهُ وَلَا يَبِيعهُ بالمكسر مَعَ التَّفَاضُل لِأَنَّهُ رَبًّا بل يَبِيع بِالدَّنَانِيرِ وَيَشْتَرِي بِهِ قدر حَقه وَيخرج جَوَاز أَخذه على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ إِذا احْتَاجَ إِلَى البيع فَهُوَ كَغَيْر جنس حَقه وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كجنس حَقه وَلَكِن لَا بُد من البيع للضَّرُورَة الْفَرْع الثَّالِث إِذا اسْتحق شخصان كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه مَا لَا يحصل فِيهِ التَّقَاصّ إِلَّا بِالتَّرَاضِي فَجحد أَحدهمَا فَهَل للْآخر أَن يجْحَد حَقه فعلى وَجْهَيْن يلتفتان إِلَى الظفر بِغَيْر جنس حَقه هَذِه هِيَ الْمُقدمَة رَجعْنَا إِلَى الرُّكْن الأول وَهِي الدَّعْوَى وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي واليمن على من أنكر وَفِي حَده قَولَانِ

أَحدهمَا أَن الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يخلى وسكوته وَالثَّانِي أَنه الَّذِي يَدعِي أمرا خفِيا على خلاف الأَصْل وَيظْهر أثر هَذَا فِي الزَّوْجَيْنِ إِذا أسلما قبل الْمَسِيس فَقَالَ الزَّوْج أسلمنَا مَعًا فَالنِّكَاح

دَائِم وَقَالَت بل على التَّعَاقُب فَالْقَوْل قَوْلهَا إِن قُلْنَا إِن الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَدعِي أمرا خفِيا فَإِن الْأَغْلَب التَّعَاقُب فِي الْإِسْلَام والتساوق خَفِي وَإِن قُلْنَا إِنَّه الَّذِي يخلى وسكوته فَهِيَ مدعية فَالْقَوْل قَول الزَّوْج لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يخلى وسكوته وَقد قَالَ مَالك رَحمَه الله لَا تسمع الدَّعْوَى على من لَا مُعَاملَة بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيف وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا تسمع دَعْوَى الخسيس على الشريف فِي تَزْوِيج ابْنَته وَلَا تسمع أَيْضا دَعْوَى فَقير على سُلْطَان أَو على أَمِير أَنه أقْرضهُ مَالا وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا وَلَا خلاف عندنَا أَن الْمُودع إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة صدق بِيَمِينِهِ وَسَببه الْحَاجة فَإِن الْمُودع اعْترف بِأَنَّهُ أَمِينه فَلَزِمَهُ تَصْدِيقه وَإِذا ثَبت أَن حكم الدَّعْوَى توجه الْيَمين بهَا على الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَا بُد من دَعْوَى صَحِيحَة وَهِي الدَّعْوَى الْمَعْلُومَة الملزمة وَيخرج على الوصفين مسَائِل الأولى أَنه من يَدعِي على غَيره هبة أَو بيعا لم تسمع إِذْ رُبمَا تكون قبل الْقَبْض وَيكون البيع مَعَ الْخِيَار بل يَنْبَغِي أَن يَقُول ويلزمك التَّسْلِيم إِلَيّ فَيحلف الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه لَا يلْزمه التَّسْلِيم وَكَذَلِكَ من قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بِملك فَلَيْسَ لَهُ أَن يحلف الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَة إِلَّا أَن ينشىء دَعْوَى صَحِيحَة كدعوى بيع أَو إِبْرَاء وَلَو ادّعى جرح الشُّهُود فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة وَهل لَهُ

تَحْلِيف الْمُدعى على نفي الْعلم بفسقهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَيْسَ يَدعِي حَقًا لَازِما وَالثَّانِي أَنه يسمع لِأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ فِي حق لَازم كَمَا لَو قذف مَيتا وَطلب الْوَارِث الْحَد فَإِن لَهُ أَن يطْلب يَمِين الْوَارِث على نفي الْعلم بزنا الْمَقْذُوف وَكَذَا يجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَو ادّعى على إِنْسَان إِقْرَارا بِحَق لِأَن الْحق لَا يسْتَحق بِالْإِقْرَارِ وَلَكِن ثُبُوته يُوجب الْحق ظَاهرا فَفِي التلحيف بِهِ وَجْهَان وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ بعد قيام الْبَيِّنَة قد أقرّ لي بِهَذَا وَكَذَلِكَ إِذا توجه الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ فَقَالَ قد حلفني بِهِ مرّة وَأَرَادَ أَن يحلفهُ عَلَيْهِ فَفِي سَماع هَذِه الدعاوي وَجْهَان مأخذهما أَن مَا لَيْسَ عين الْحق وَلَكِن ينفع فِي الْحق فَهَل تسمع الدَّعْوَى بِهِ وَلَا خلاف أَنه لَا تسمع الدَّعْوَى على الشَّاهِد وَالْقَاضِي بِالْكَذِبِ وَلَا يتَوَجَّه الْحلف وَإِن كَانَ ينفع ذَلِك لَكِن يُؤَدِّي فتح بَابه إِلَى فَاسد عَظِيم عَام الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ وَقد قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أمهلوني فَإِن لي بَيِّنَة دافعة حَتَّى أحضرها قَالَ الْأَصْحَاب يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ القَاضِي بل يَوْم وَاحِد لِأَنَّهُ يشبه أَن يكون مُتَعَنتًا

وَلَو قَالَ أبرأني عَن الْحق فحلفوه سمع فَيحلف الْمُدَّعِي أَولا ثمَّ يسْتَوْفى وَقَالَ القَاضِي بل يسْتَوْفى أَولا ثمَّ يحلف لِأَن هَذِه خُصُومَة جَدِيدَة وَهُوَ بعيد نعم لَو قَالَ لي بَيِّنَة على بَيْعه مني أَو على الْإِبْرَاء فَيجوز أَن يُقَال هَذَا يحْتَاج إِلَى مهلة فَلَا يُمْهل أما التَّحْلِيف فِي الْحَال فَيمكن فَكيف يُؤَخر وَلَو قَالَ أبرأني عَن الدَّعْوَى فَهَذَا لَا يسمع إِذْ لَا معنى للإبراء عَن الدَّعْوَى إِلَّا الصُّلْح على الْإِنْكَار وَهُوَ فَاسد وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي يسمع الثَّالِثَة فِي الدَّعْوَى الْمُطلقَة وَفِي البيع وَالنِّكَاح نُصُوص مُخْتَلفَة وحاصلها فِي البيع قَولَانِ وَفِي النِّكَاح ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا بُد من التَّفْصِيل بِذكر الْوَلِيّ وَالشَّاهِد ورضاها وَلَا خلاف أَنه لَا يشْتَرط انْتِفَاء الْمَوَانِع المفسدات من الرِّدَّة وَالْعدة وَالرّضَاع وَالثَّانِي أَنه يَكْفِي دَعْوَى النِّكَاح وَلَا خلاف أَن من ادّعى دينا أَو عينا لَا يلْزمه ذكر

الْجِهَة وَالتَّفْصِيل وَالثَّالِث أَنه إِن ادّعى النِّكَاح فَلَا بُد من التَّفْصِيل وَإِن قَالَ هِيَ زَوْجَتي فَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا خلاف أَن الْقصاص لَا بُد من تَفْصِيل الدَّعْوَى فِيهِ لِأَن أَمر الْعقُوبَة مخطر التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يجب التَّفْسِير فيذكر فِي البيع أَهْلِيَّة الْعَاقِد وَرضَاهُ وَالثمن وَإِن قُلْنَا لَا يشْتَرط فَهَل يجب التَّقْيِيد بِالصِّحَّةِ فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه يشْتَرط لِأَنَّهُ لفظ جَامع وَيجب الْقطع باشتراطه فِي النِّكَاح وَحَيْثُ يشْتَرط تَفْصِيل الدَّعْوَى فَكَذَلِك الشَّهَادَة لِأَنَّهَا تَصْدِيق الدَّعْوَى فتبنى عَلَيْهَا وَالْأَظْهَر أَنه لَا يتشرط التَّفْصِيل فِي إِقْرَار الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ الرَّابِعَة دَعْوَى الزَّوْجِيَّة من الْمَرْأَة إِنَّمَا تسمع إِذا ذكرت النَّفَقَة أَو الْمهْر فَإِن ذكرت مُجَرّد الزَّوْجِيَّة فَفِي سماعهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ الزَّوْجِيَّة حق عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا تَدعِي أَنَّهَا رقيقَة فَلَيْسَتْ دَعْوَى ملزمة وَالثَّانِي أَنه تسمع إِذْ الزَّوْجِيَّة تتَعَلَّق بهَا حُقُوقهَا إِذا ثبتَتْ فَإِن قُلْنَا تسمع فَهَل تبطل بِمُجَرَّد إِنْكَار الزَّوْج فِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الْإِنْكَار هَل هُوَ طَلَاق ويتبين أَثَره فِي أَنه لَو قَالَ غَلطت فِي الْإِنْكَار هَل تسلم الزَّوْجَة إِلَيْهِ فِيهِ خلاف وَقَالَ الْقفال تسلم إِلَيْهِ كَمَا لَو ادَّعَت انْقِضَاء الْعدة قبل الرّجْعَة ثمَّ قَالَت غَلطت إِذْ لَا خلاف أَنه تسمع وَإِن

كَانَ لَهَا حَظّ فِي النِّكَاح وَهُوَ جَار فِي كل من أنكر لنَفسِهِ حَقًا ثمَّ عَاد وادعاه الْخَامِسَة إِن رَأينَا عبدا فِي يَد إِنْسَان وَادّعى أَنه حر الأَصْل فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه لِأَن الأَصْل عدم الرّقّ وَكَونه فِي يَده وتصرفه لَا يُوجب تَصْدِيقه لِأَن الْحُرِّيَّة تدفع الْيَد نعم يجوز للْمُشْتَرِي أَن يعْتَمد الْيَد فِي الشِّرَاء مَعَ سكُوت العَبْد أما مَعَ تصريحه بالإنكار فَلَا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يجوز مَعَ السُّكُوت بل يَنْبَغِي أَن نَسْأَلهُ حَتَّى يقر ثمَّ يَشْتَرِي وَإِن ادّعى الْإِعْتَاق فَالْقَوْل قَول السَّيِّد أما الصَّغِير الْمُمَيز إِذا ادّعى الْحُرِّيَّة هَل تسمع دَعْوَاهُ فِيهِ وَجْهَان يلْتَفت على صِحَة إِسْلَامه ووصيته وَقد قَالَ الشَّافِعِي إِن الصَّغِير الَّذِي لَا يتَكَلَّم كَالثَّوْبِ مَعْنَاهُ أَنه لَا يزَال فِي يَده إِذا قَالَ هُوَ عَبدِي ويشترى مِنْهُ بقوله فَإِن أسقطنا دَعْوَى الْمُمَيز فَبلغ وَعَاد فَفِي الْقبُول وَجْهَان أقيسهما أَنه تقبل وَالثَّانِي لَا إِذْ حكمنَا عِنْد دَعْوَاهُ بِالْملكِ بِنَاء على الْيَد وَالتَّصَرُّف وَسُقُوط الدَّعْوَى السَّادِسَة الدَّعْوَى بِالدّينِ الْمُؤَجل فِيهِ ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَنه لَا تسمع إِذْ لَيست ملزمة فِي الْحَال وَالثَّانِي تسمع إِذْ تثبت أصل الْحق للُزُوم فِي الإستقبال وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة فَتسمع للتسجيل وَإِلَّا فَلَا أما دَعْوَى الإستيلاد وَالتَّدْبِير وَتَعْلِيق الْعتْق بِصفة فَتقبل على الصَّحِيح وَمِنْهُم من خرج ذَلِك على الدّين الْمُؤَجل السَّابِعَة لَو ادّعى شَيْئا وَلم يذكر مَا هُوَ فالدعوى فَاسِدَة إِذْ طلب الْمَجْهُول غير مُمكن وَلَو دفع ثوبا يُسَاوِي خَمْسَة إِلَى دلال ليبيع بِعشْرَة فَجحد وَلم يدر الْمَالِك أَنه بَاعَ أَو أتلف فَقَالَ أَدعِي عَلَيْهِ ثوبا إِن بَاعه فلي عَلَيْهِ عشرَة وَإِن كَانَ بَاقِيا فلي عَلَيْهِ عين الثَّوْب وَإِن كَانَ تَالِفا فلي عَلَيْهِ خَمْسَة قَالَ القَاضِي اصْطلحَ الْقُضَاة على قبُول هَذِه الدَّعْوَى المرددة للْحَاجة وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يَنْبَغِي أَن يَدعِي هَذَا فِي دعاوي مُفْردَة ثمَّ إِذا عين

وَاحِدًا رَآهُ أقرب فنكل فَهَل لَهُ أَن يسْتَدلّ بِنُكُولِهِ وَيحلف كَمَا يسْتَدلّ بِخَط أَبِيه ويستفيد بِهِ ظنا فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا فِي الْمُودع إِذا نكل عَن يَمِين التّلف فَهَل يحل الْحلف اسْتِدْلَالا بِنُكُولِهِ فِيهِ خلاف

الرُّكْن الثَّانِي جَوَاب الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ إِنْكَار أَو سكُوت أَو إِقْرَار أما السُّكُوت فَهُوَ قريب من الْإِنْكَار وَأما الْإِقْرَار فَلَا يخفى حكمه وَقد ذكرنَا إِقْرَار الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ فِي كتاب النِّكَاح وَنَذْكُر الْآن مسَائِل الأولى لَو قَالَ لي من هَذَا الْكَلَام مخرج فَلَيْسَ بِإِقْرَار خلافًا لِابْنِ أبي ليلى فَلَعَلَّ مخرجه الْإِنْكَار وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ أَكثر مِمَّا لَك فَيحْتَمل الإستهزاء وَلَيْسَ بِإِقْرَار وَلَو قَالَ الشُّهُود عدُول فَلَيْسَ بِإِقْرَار إِذْ الْعدْل قد يغلط الثَّانِيَة لَو قَالَ لي عَلَيْك عشرَة فَقَالَ لَا تلزمني الْعشْرَة فَيلْزمهُ أَن يَقُول وَلَا شَيْء مِنْهَا ويكلفه القَاضِي ذَلِك فِي الْإِنْكَار وَالْيَمِين لِأَن مدعي الْعشْرَة مُدع لجَمِيع أَجْزَائِهَا وَقَالَ القَاضِي لَا يكلفه ذَلِك فِي الْإِنْكَار وَإِنَّمَا يكلفه فِي الْيَمين ثمَّ إِن اقْتصر فِي الْيَمين على نفي الْعشْرَة وأصر عَلَيْهِ فَهُوَ ناكل عَمَّا دون الْعشْرَة بِأَقَلّ الْقَلِيل فللمدعي أَن يحلف على مَا دون الْعشْرَة إِذْ لم يسند الْعشْرَة إِلَى قبُول عقد فَإِن الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت أَنه نَكَحَهَا بِخَمْسِينَ وَأقر بِالنِّكَاحِ وَأنكر الْخمسين وَنكل فَلَيْسَ لَهَا الْحلف على مَا دون الْخمسين لِأَنَّهُ يُنَاقض دَعْوَى الْخمسين الثَّالِثَة لَو قَالَ مزقت ثوبي فلي عَلَيْك الْأَرْش فيكفيه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي الْأَرْش وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْجَواب عَن التمزيق فَلَعَلَّهُ جرى بِحَيْثُ لَا يُوجب الْأَرْش وَلَو أقرّ بِهِ لطولب

بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ من ادعِي عَلَيْهِ دين وَكَانَ قد أَدَّاهُ فيكفيه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم وَكَذَا إِذا ادّعى عينا لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ عِنْده رهنا أَو إِجَارَة فكيفه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم فَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على الْملك قَالَ القَاضِي يجب التَّسْلِيم وَهَذَا مُشكل من حَيْثُ إِن لَهُ أَن يَقُول صدق الشُّهُود فِي الْملك وَلَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم وَهَذَا يلْتَفت على أَنه لَو صرح بِأَنَّهُ فِي يَدي بِإِجَارَة فَالْقَوْل قَول صَاحب الْيَد أَو قَول الْمَالِك وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا القَوْل قَول الْمَالِك فَيلْزمهُ أَن يُقيم بَيِّنَة على رهن أَو إِجَارَة إِن كَانَ يَدعِيهِ وَقَالَ الفوراني طَرِيقه أَن يَقُول فِي الْجَواب إِن كنت تَدعِي مُطلقًا فَلَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم وَإِن كنت تَدعِي جِهَة رهن فاذكره حَتَّى أُجِيب وَكَذَا يَقُول إِن ادعيت الدّين الَّذِي لي بِهِ مَال مَرْهُون فحتى أُجِيب وَقَالَ القَاضِي لَا يسمع هَذَا الْجَواب المردد وَلَكِن لَهُ أَن يُنكر الدّين إِن أنكر هُوَ الرَّهْن وَهَذَا بِنَاء على مَسْأَلَة الظفر بِغَيْر جنس الْحق الرَّابِعَة إِن ادّعى ملكا فِي يَد رجل فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ لي وَلَا لَك فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى أَن يضيف إِلَى ثَالِث حَاضر فنحضره فَإِن صدقه انصرفت الدَّعْوَى إِلَيْهِ وللمدعي أَن يحلف الأول إِن قُلْنَا إِنَّه لَو أقرّ لَهُ غرم لَهُ بحيلولته بِالْإِقْرَارِ للثَّالِث وَإِن قُلْنَا لَا

يغرم وَإِن أقرّ فَلَا معنى لتحليفه أما إِذا أحضرناه فَقَالَ لَيْسَ هُوَ لي فَفِيمَا يفعل بِالْمَالِ ثَلَاثَة أوجه أضعفها أَنه يسلم إِلَى الْمُدَّعِي إِذْ لَا طَالب لَهُ سواهُ وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذهُ القَاضِي ويتوقف إِلَى ظُهُور حجَّة ويحفظه وَالثَّالِث هُوَ أَن يتْرك فِي يَد صَاحب الْيَد فَإِنَّهُ أقرّ للثَّالِث وَبَطل إِقْرَاره برده فَصَارَ كَأَنَّهُ لم يقر ثمَّ الْمقر لَهُ لَو رَجَعَ بعد ذَلِك وَقَالَ غَلطت هَل يقبل فِيهِ وَجْهَان وَإِن رَجَعَ الْمقر وَقَالَ بل كَانَت لي وغلطت فَفِي رُجُوعه وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يقبل لِأَنَّهُ نفى الْملك عَن نَفسه وَهَذَا إِذا لم تزل يَده فَإِن أزلناه فَلَا أثر لرجوعه الْحَالة الثَّانِيَة إِذا أضَاف الدَّار إِلَى غَائِب قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ انصرفت الْخُصُومَة إِلَى الْغَائِب فَلَيْسَ لَهُ أَن يحلفهُ إِلَّا لأجل الْغرم على قَوْلنَا يغرم بالحيلولة إِن أقرّ للثَّانِي وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد والفوراني بل يحلف لننزع الْملك من يَده بِالْيَمِينِ والمردودة إِذْ لَو فتح هَذَا الْبَاب صَار ذَرِيعَة بعد انْقِطَاع سلطنته وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي كل من نفى عَن نَفسه شَيْئا

وَرجع مهما لم يقر بِهِ لغيره أَو أقرّ وَلَكِن رد إِقْرَاره بالتكذيب فَإِن قُلْنَا إِنَّه يقبل رُجُوعه فللمدعي أَن يحلفهُ فعساه يرجع ويقر لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا يَصح رُجُوعه فَلَا معنى لتحليفه إِلَى إِسْقَاط الدَّعْوَى بِالْإِضَافَة إِلَى غَائِب لَا يُرْجَى رُجُوعه نعم الْغَائِب إِذا رَجَعَ فالدار مَرْدُودَة إِلَيْهِ وعَلى الْمُدَّعِي اسْتِئْنَاف الْخُصُومَة مَعَه فَإِن كَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة سلمت الدَّار إِلَيْهِ مَعَ الْيَمين لِأَنَّهُ قَضَاء على الْغَائِب عِنْد الْعِرَاقِيّين وَعند الشَّيْخ أبي مُحَمَّد هُوَ قَضَاء على الْحَاضِر فَلَا يحْتَاج إِلَى الْيَمين أما إِذا كَانَ لصَاحب الْيَد بَيِّنَة على أَنه للْغَائِب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا تسمع إِلَّا أَن يثبت وكَالَة نَفسه وَالثَّانِي أَن الْبَيِّنَة تسمع لَا لإِثْبَات الْملك للْغَائِب وَلَكِن ليقطع التَّحْلِيف وَالْخُصُومَة عَنهُ وَالثَّالِث اخْتَارَهُ القَاضِي أَنه إِذا ادّعى لنَفسِهِ علقَة من وَدِيعَة أَو عَارِية سَمِعت وَإِلَّا فَلَا ثمَّ إِن سَمِعت الْبَيِّنَة لثُبُوت الْوكَالَة وَكَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة قدم بَيِّنَة الْوَكِيل لأجل الْيَد وَإِن سمعنَا دون الْوكَالَة فَبَيِّنَة الْمُدَّعِي أولى فَإِنَّهُ لم تسمع إِلَّا لصرف الْيَمين عَنهُ وَلذَلِك يجب على الْغَائِب إِعَادَة الْبَيِّنَة وَلَا يُغْنِيه مَا أَقَامَهُ صَاحب الْيَد لَكِن إِذا رَجَعَ الْغَائِب جَعَلْنَاهُ صَاحب الْيَد حَتَّى إِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة قدمت على بَيِّنَة الْمُدَّعِي وَيكْتب فِي سجل الْمُدَّعِي أَن الْغَائِب على حجَّته وعَلى يَده مهما عَاد

فرعان أَحدهمَا من قَالَ لَا تسمع الْبَيِّنَة دون الْوكَالَة فَلَو ادّعى لنَفسِهِ رهنا أَو إِجَارَة فَفِي سَماع الْبَيِّنَة وَجْهَان فَإِن قُلْنَا تسمع فَفِي التَّقْدِيم على بَيِّنَة الْمُدَّعِي وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه لَا تقدم لِأَنَّهُ إِنَّمَا أثبت إِجَارَته وَرَهنه بعد ثُبُوت ملك الْغَائِب فَإِذن لَا تُؤثر بَينته إِلَّا فِي صرف الْحلف عَنهُ الثَّانِي إِذا ثَبت ملك الْغَائِب بِبَيِّنَتِهِ بعد رُجُوعه لَكِن بعد إِقْرَار صَاحب الْيَد للْمُدَّعِي فَلَيْسَ للْمُدَّعِي تَحْلِيف الْمقر ليغرمه فَإِن الْحَيْلُولَة وَقعت بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ لَو أقرّ للْغَائِب أَيْضا بعد الْإِقْرَار للْمُدَّعِي لَا يغرم للْمُدَّعِي إِذْ رُجُوعه إِلَى الْغَائِب بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِهِ الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَقُول لَيْسَ لي وَلَيْسَ يضيفه إِلَى معِين أَو قَالَ هُوَ لرجل لَا أُسَمِّيهِ فَالْمَذْهَب أَن الْخُصُومَة لَا تَنْصَرِف عَنهُ بِهَذَا الْإِقْرَار فَيحلف وَإِن نكل حلف الْمُدَّعِي وَأخذ وَمِنْهُم من قَالَ يَأْخُذ القَاضِي عَنهُ وَيكون مَوْقُوفا إِلَى أَن تظهر حجَّة وَيبقى تَحْلِيف الْمُدَّعِي صَاحب الْيَد لأجل التغريم أما إِذا أضَاف إِلَى صبي أَو مَجْنُون انصرفت الْخُصُومَة إِلَى وليهما وَلَكِن لَا حَاجَة لتحليف الْمولى وَلَا لتحليف الصَّبِي لَكِن يُؤَخر إِلَى بُلُوغه إِلَّا أَن يكون للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَيحكم بهَا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ هَذَا وقف على وَلَدي أَو على الْفُقَرَاء انصرفت عَنهُ الْخُصُومَة وَلَا يبْقى إِلَّا التَّحْلِيف للتغريم الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا بِبَيِّنَة رَجَعَ المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن إِن لم يُصَرح فِي إِقْرَاره بِالْملكِ للْبَائِع فَإِن صرح وَقَالَ هَذَا ملكي اشْتَرَيْته من فلَان وَكَانَ

ملكه فَفِي الرُّجُوع وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يرجع مُؤَاخذَة لَهُ بقوله فَإِنَّهُ زعم أَن الْمُدَّعِي هُوَ الظَّالِم وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يرجع مهما قَالَ إِنَّمَا قلت ذَلِك على رسم الْخُصُومَة أما إِذا ادّعى جَارِيَة وَأقَام بَيِّنَة وَأَخذهَا واستولدها ثمَّ كذب نَفسه فَعَلَيهِ الْمهْر للْمقر لَهُ وَتلْزَمهُ قيمَة الْوَلَد لِأَنَّهُ انْعَقَد حرا فَلَا تَزُول الْحُرِّيَّة بِرُجُوعِهِ وَكَذَلِكَ يلْزمه قيمَة الْجَارِيَة إِذْ ثَبت لَهَا علقَة الإستيلاد فَلَا تبطل بِرُجُوعِهِ فَلَو صدقته فَالظَّاهِر أَن تصديقها لَا يسْقط علقَة الإستيلاد وَفِيه وَجه أَنه يرد الْجَارِيَة لِأَن الْحق لَا يعدوهم وَقد تصادقوا السَّادِسَة جَوَاب دَعْوَى الْقصاص على العَبْد بِطَلَب من العَبْد لَا من السَّيِّد وَجَوَاب دَعْوَى أرش الْجِنَايَة بِطَلَب من السَّيِّد لَا من العَبْد لِأَن إِقْرَار العَبْد لَا يقبل نعم إِن قُلْنَا يتَعَلَّق الْأَرْش بِذِمَّتِهِ فَيحلف فَإِن نكل وَحلف الْمُدَّعِي لم يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ لِأَن الْيَمين الْمَرْدُودَة إِن كَانَت كالبينة فَلَا تتعدى إِلَى غير المتداعيين وَفِيه وَجه أَنه يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ إِذا جَعَلْنَاهُ كالبينة

الرُّكْن الثَّالِث الْيَمين وَالنَّظَر فِي الْحلف والمحلوف عَلَيْهِ والحالف وَحكم الْحلف وَفِيه أَطْرَاف الطّرف الأول فِي الْحلف وَصورته مَشْهُورَة والتغليظ يجْرِي فِيهِ فِي كل مَاله خطر مِمَّا لَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَيجْرِي فِي عُيُوب النِّسَاء لِأَن ثُبُوتهَا بقول النسْوَة للْحَاجة لَا لنُقْصَان الْخطر وَأما المَال فَلَا يجْرِي التَّغْلِيظ فِي قَلِيله وَيجْرِي فِي كَثِيره وَهُوَ مَا يُسَاوِي نِصَاب الزَّكَاة إِمَّا مِائَتي دِرْهَم أَو عشْرين دِينَار وأجروا التَّغْلِيظ فِي الْوكَالَة وَإِن كَانَت على دِرْهَم لِأَنَّهَا سلطنة فِي نَفسهَا وَلَو ادّعى عبد على مَوْلَاهُ الْعتْق وَقِيمَته دون النّصاب فَلَا تَغْلِيظ على سَيّده إِذْ يثبت لنَفسِهِ ملكا حَقِيرًا فَإِن نكل غلظت الْيَمين الْمَرْدُودَة على العَبْد لِأَنَّهُ يثبت الْعتْق وَفِيه وَجه أَنه تغلظ على السَّيِّد أَيْضا لِاسْتِوَاء الْجَانِبَيْنِ وَلِأَن نفي الْعتْق كإثباته وَهُوَ بعيد وَكَيْفِيَّة التَّغْلِيظ قد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان وَهُوَ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَان وَزِيَادَة اللَّفْظ كَقَوْلِه وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الطَّالِب الْغَالِب فَإِن امْتنع الْحَالِف عَن الْمُغَلَّظَة فَهَل يَجْعَل ناكلا عَن أصل الْيَمين فِيهِ اضْطِرَاب نُصُوص وَيرجع حاصلها إِلَى أَرْبَعَة أوجه ذَكرنَاهَا فِي اللّعان أحدهنا أَن جَمِيعهَا مُسْتَحقّ

وَالثَّانِي أَن الْجَمِيع مُسْتَحبّ وَالثَّالِث أَنه لَا اسْتِحْقَاق إِلَّا فِي الْمَكَان وَالرَّابِع إِلْحَاق الزَّمَان بِالْمَكَانِ ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رَأَيْت بعض الْحُكَّام يسْتَحْلف بالمصحف فاستحسنت ذَلِك وتغليظ الذِّمِّيّ بِحُضُور كنائسهم وعَلى الْمَجُوسِيّ بِحُضُور بَيت النيرَان وَفِيه وَجه أَنه لَا يحضر بَيت النيرَان كَمَا لَا يحضر بَيت الْأَصْنَام إِذْ لم يثبت حرمتهَا فِي الْكتاب التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِن التَّغْلِيظ مُسْتَحقّ فَلَو امْتنع فَهُوَ ناكل وَلَا يُغْنِيه قَوْله حَلَفت بِالطَّلَاق أَن لَا أَحْلف يَمِينا مُغَلّظَة إِذْ يُقَال انكل أَو احْلِف وليقع طَلَاقك وَكَذَلِكَ يجب على المخدرة حُضُور الْمَسْجِد للتحليف تَغْلِيظًا وَإِن لم يلْزمهَا الْحُضُور بِجَوَاب الدَّعْوَى وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُسْتَحبّ فَلَا يلْزمهَا ذَلِك وَأما وَقت الْيَمين فَهُوَ بعد عرض القَاضِي فَمَا يُبَادر إِلَيْهِ قبل عرض القَاضِي لَا يحْسب ويعاد عَلَيْهِ وَشَرطه أَن يُطَابق الْإِنْكَار وَيكون الْإِنْكَار على مُطَابقَة الدَّعْوَى فَمَا لَا يكون كَذَلِك لم يحْسب

الطّرف الثَّانِي فِي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه يحلف على الْبَتّ فِي كل مَا ينْسبهُ إِلَى نَفسه من نفي وَإِثْبَات وَمَا ينْسبهُ إِلَى غَيره من إِثْبَات كَبيع وَإِتْلَاف فَيلْزمهُ الْبَتّ وَأما النَّفْي كنفي الدّين والإتلاف عَن الْمُورث الْمَيِّت فيكفيه الْحلف على نفي الْعلم وَلَو نفى عَن عَبده مَا يُوجب أرش الْجِنَايَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يلْزمه الْبَتّ كالمورث وَالثَّانِي أَنه يلْزمه لِأَن عَبده كأعضائه وَهُوَ مطلع عَلَيْهِ ويلتفت هَذَا على أَنه هَل يتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد فَإِن تعلق بِذِمَّتِهِ فقد صَار شخصا مُسْتقِلّا لَا كالبهيمة فَإِنَّهَا إِذا أتلفت مَا ينْسب صَاحبهَا إِلَى تَقْصِير فَالظَّاهِر أَنه يلْزمه الْبَتّ ثمَّ يجوز لَهُ أَن يبت بِظَنّ يستفيده من خطّ أَبِيه وَخط نَفسه ونكول خَصمه كَمَا سبق الثَّانِيَة أَن الْيَمين على نِيَّة المستحلف وعقيدته أما النِّيَّة فَهُوَ أَن التورية على خلاف رَأْي القَاضِي لَا تَنْفَع وَكَذَلِكَ لَو قَالَ عقيب الْيَمين إِن شَاءَ الله وَلم يسمع القَاضِي انْعَقَدت الْيَمين فاجرة مؤثمة لِأَن هَذَا بَاب لَو فتح بطلت الْأَيْمَان وَلَو سمع القَاضِي الإستثناء لم ينْعَقد الْيَمين وَعَلِيهِ الإستعادة فَإِنَّهُ لم يحلف بعد وَأما العقيدة فَهُوَ أَن الْحَنَفِيّ يحلف الشفعوي على نفس شُفْعَة الْجوَار فَلَا يحل للشفعوي أَن يحلف على أَنه لَا يلْزمه بِتَأْوِيل مَذْهَب نَفسه بل يَأْثَم وتنعقد الْيَمين كَاذِبَة لِأَنَّهُ قد لزمَه

فِي الظَّاهِر كَمَا ألزمهُ القَاضِي وَهل يلْزمه فِي الْبَاطِن فِيهِ خلاف وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها ثَالِثا وَهُوَ أَن الْقَضَاء ينفذ فِي مَحل الإجتهاد بَاطِنا على الْعَوام فَإِن كَانَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مُجْتَهدا لم ينفذ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَا يؤثمه إِذا حلف بِمُوجب اعْتِقَاد نَفسه وَهَذَا بعيد بل الإعتقاد كالإجتهاد وَيَنْبَغِي أَن ينظر إِلَى عقيدة القَاضِي الثَّالِثَة إِذا لم يطب الْمُدَّعِي الْحلف وَلَكِن قَالَ لي بَيِّنَة لَكِن أُرِيد كَفِيلا فِي الْحَال فَلَا يلْزمه بالإتفاق وَلَكِن قد جرى بِهِ رسم القضاه وَلَو شهد شخصان وَلم يعدلا لزمَه الْكَفِيل بِالْبدنِ فَإِن امْتنع حبس لأجل الْكفَالَة لَا لأجل الْحق لِأَنَّهُ رُبمَا يهرب فالحاجة تمس إِلَيْهِ

الطّرف الثَّالِث فِي الْحَالِف وَهُوَ كل مُكَلّف توجه عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَة فِي حق فَيحلف فِي الْإِيلَاء وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالظِّهَار وَالْوَلَاء وَالنّسب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقْضى بِالنّكُولِ فِي هَذِه الْمسَائِل فَلَا تعرض الْيَمين فِيهَا وَلَا يجْرِي التَّحْلِيف فِي عقوبات الله تَعَالَى إِذْ لَا مدعي فِيهَا وَلَا يجوز تَحْلِيف الشَّاهِد وَالْقَاضِي إِذْ نسبتهم إِلَى الْكَذِب دَعْوَى فَاسِدَة تجر فَسَادًا عَظِيما نعم تجوز الدَّعْوَى على القَاضِي الْمَعْزُول فَيحلف عَلَيْهِ وَمن ادّعى أَنه صبي وَهُوَ مُحْتَمل لم يحلف بل ينْتَظر بُلُوغه وَإِن قَالَ أَنا بَالغ صدق وَلم يحلف أَيْضا وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ لَا يحلف على نفي الدّين عَن الْمُوصي لِأَنَّهُ لَو أقرّ لم يقبل قَوْله وَكَذَا لَا يحلف الْوَكِيل الْخصم الْمُنكر لوكالته على نفي الْعلم بِالْوكَالَةِ لِأَنَّهُ وَإِن علم فَلَا يجب التَّسْلِيم إِلَيْهِ لِأَن الْمُوكل رُبمَا جحد وكَالَته وَله أَن يحلف الْوَكِيل على نفي الْعلم بِأَنَّهُ مَا عَزله وَلَا مَاتَ

وسبل الْوَكِيل فِي مجْلِس الحكم أَن يحضر الْخصم وَيَقُول أستحق مخاصمتك فَإِن كَانَ قد وَكله مُوكله فِي مجْلِس الحكم لم يفْتَقر إِلَى حجَّة وَإِن وَكله فِي الْغَيْبَة وَأَرَادَ الْوَكِيل إثْبَاته على الْخصم بِالْحجَّةِ جَازَ وَإِن أَرَادَ إثْبَاته فِي غير وَجه الْخصم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَنَّهُ يثبت حق نَفسه وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ حق على الْخصم

الطّرف الرَّابِع فِي حكم الْيَمين وَفَائِدَته عندنَا قطع الْخُصُومَة فِي الْحَال فَلَا يحصل بهَا بَرَاءَة الذِّمَّة بل يجوز للْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة بعده وَسَوَاء كَانَت الْبَيِّنَة حَاضِرَة أَو غَائِبَة وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز للْمُدَّعِي وَقَالَ مَالك إِن كَانَت الْبَيِّنَة حَاضِرَة لم يجز وَنحن نقُول لَعَلَّه تذكر وَعرف الْآن فَلَو قَالَ أَولا لَا بَيِّنَة لي حَاضِرَة وَلَا غَائِبَة فقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن أما إِذا قَالَ كذب شهودي بطلت الْبَيِّنَة وَفِي بطلَان دَعْوَاهُ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا تبطل فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنهم قَالُوا من غير علم فَإِن قُلْنَا لَا تبطل فَلَو أَنه ادّعى عَلَيْهِ الْخصم إِقْرَاره بكذب الشُّهُود وَأقَام شَاهدا وَأَرَادَ أَن يحلف مَعَه لم يجز إِذْ لَيْسَ مضمونه إِثْبَات مَال بل الطعْن فِي الشُّهُود وَإِن قُلْنَا تسْقط الدَّعْوَى قبل لِأَن الْمَقْصُود إبِْطَال الدَّعْوَى بِمَال فرع إِذا امْتنع عَن الْحلف وَقَالَ حلفني مرّة على هَذِه الْوَاقِعَة فليحلف على أَنه مَا حلفني فَفِي لُزُوم ذَلِك وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي حَقًا وَقَالَ الفوراني لَهُ ذَلِك فَلَو ادّعى أَنه حلفني مرّة على أَنِّي مَا حلفته فليحلف على أَنه مَا حلفني قَالَ لَا يُجَاب إِلَيْهِ لِأَن ذَلِك يتسلسل إِلَى غير نِهَايَة وبمثل هَذَا حسم الْبَاب من حسم وَلم يسمع هَذِه الدَّعْوَى من غير بَيِّنَة

الرُّكْن الرَّابِع فِي النّكُول وَلَا يثبت الْحق على المنكل بِنُكُولِهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل حكم النّكُول رد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَبطلَان حق الناكل عَن الْيَمين حَتَّى لَا يعود وَلَكِن إِنَّمَا يبطل حَقه إِذا تمّ النّكُول وَإِنَّمَا يتم بِصَرِيح قَوْله لَا أَحْلف وَأَنا ناكل فَبعد ذَلِك لَا يعود وَلَا حَاجَة هَاهُنَا إِلَى قَول القَاضِي قضيت بِالنّكُولِ أما إِذا سكت بعد عرض الْيَمين فَيحْتَاج إِلَى الْقَضَاء وَحقّ القَاضِي أَن يعرض الْيَمين عَلَيْهِ ثَلَاثًا وينبهه أَن حكم النّكُول اسْتِيفَاء الْحق بِيَمِين الْمُدَّعِي فَرُبمَا لَا يعرف ذَلِك فَإِذا فعل ذَلِك وَقَالَ قضيت بِنُكُولِهِ لم يُمكنهُ الْحلف بعد ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الْمُدَّعِي أَحْلف فَهُوَ كالقضاء وَلَو أقبل على الْمُدَّعِي بِوَجْهِهِ وَقبل أَن يَقُول احْلِف رَجَعَ الناكل فَهُوَ لَهُ الْيَمين فِيهِ وَجْهَان

وَلَو لم ينبهه على حكمه وَقضى بِنُكُولِهِ فَقَالَ الناكل كنت لَا أعرف حكم النّكُول فَالظَّاهِر أَن الحكم نفذ وَفِيه احْتِمَال وَحَيْثُ منعناه من الْيَمين فَلَو رَضِي الْمُدَّعِي بِأَن يحلف فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز إِذْ الْحق لَا يعدوهما الثَّانِي الْمَنْع إِذْ بَطل حق الْحلف بِالْقضَاءِ فَلَا يُؤثر الرِّضَا ثمَّ إِذا ثَبت النّكُول ورد الْيَمين على الْمُدَّعِي فَلهُ حالتان إِحْدَاهمَا النّكُول فَإِن نكل صَرِيحًا وَقَالَ لَا أَحْلف كَانَ نُكُوله كحلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَا يُمكن من الْعود إِلَى الْيَمين بعد ذَلِك بل لَا تسمع دَعْوَاهُ إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن استمهل أمهلناه ثَلَاثًا ليراجع الْحساب وَلَا يُمْهل الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَن الْمُدَّعِي على اخْتِيَاره فِي طلب الْحق وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ لَا خيرة لَهُ وَكَذَلِكَ إِذا أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا واستمهل للحلف مَعَه أمهلناه وَلَو نكل حكمنَا بِنُكُولِهِ وَلَا يقبل بعد ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة كَامِلَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحكم بنكول الْمُدَّعِي بل هُوَ إِلَى خيرته أبدا مهما عَاد وَحلف مكن كَمَا أَنه على خيرته فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة الْحَالة الثَّانِيَة أَن يحلف الْمُدَّعِي فَيسْتَحق الْحق ثمَّ الْيَمين الْمَرْدُودَة منزلتها منزلَة إِقْرَار الْخصم أَو منزلَة الْبَيِّنَة فِيهِ خلاف مَشْهُور وَقد بنى الْأَصْحَاب عَلَيْهِ مسَائِل على غير وَجهه لِأَنَّهُ وَإِن جعل كالبينة فَلَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل

كَذَلِك فِي حق غير الْحَالِف بل الصَّحِيح أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَقد ذكرنَا تِلْكَ الْمسَائِل فِي موَاضعهَا فَإِن قيل هَل يتَصَوَّر الْقَضَاء بِالنّكُولِ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قُلْنَا مهما كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّن لَا يُمكن الرَّد عَلَيْهِ بِأَن يكون غير معِين كالمساكين أَو يكون هُوَ الإِمَام فَيتَعَيَّن الحكم وَذَلِكَ فِي مسَائِل الأولى النزاع بَين السَّاعِي وَرب المَال فِي الزَّكَاة يُوجب الْيَمين على رب المَال فَإِن نكل تعذر الرَّد على السَّاعِي وعَلى الْمَسَاكِين فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يقْضِي بِالنّكُولِ للضَّرُورَة وَالثَّانِي أَنه يحبس حَتَّى يقر أَو يُؤَدِّي

وَالثَّالِث أَنه إِن ادّعى الْأَدَاء فَهُوَ فِي صُورَة مُدع فيستوفى وَإِن أنكر المَال فَلَا يقْضى عَلَيْهِ الثَّانِيَة ذمِّي غَابَ فَرجع مُسلما وَزعم أَنه أسلم قبل انْقِضَاء السّنة وَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ وَنكل عَن الْيَمين فَفِي وَجه يقْضى عَلَيْهِ وَفِي وَجه يحبس حَتَّى يقر أَو يُقيم بَيِّنَة وَفِي وَجه لَا شَيْء عَلَيْهِ إِذْ هُوَ مُنكر وَلَا حجَّة عَلَيْهِ الثَّالِثَة الصَّبِي الْمُشرك إِذا أنبت وَادّعى أَنه استعجل بالمعالجة حلف فَإِن نكل قتل وَلَيْسَ ذَلِك حكما بِالنّكُولِ بل توجه الْقَتْل بالْكفْر مَعَ الإنبات وَإِنَّمَا الْيَمين دَافع وَلَا

دَافع لَهُ وَفِيه وَجه أَن الْقَتْل بِالنّكُولِ محَال وتحليف من زعم أَنه صبي محَال بل يحبس حَتَّى يبلغ فَإِن حلف ترك وَإِن نكل قتل إِذْ ذَاك وَهَذَا أَجْدَر من تَحْلِيف من يزْعم أَنه صبي وَهُوَ رَكِيك لأَنا نتوهم بُلُوغه وعلامته النّكُول الرَّابِعَة ادّعى وَاحِد من صبيان المرتزقة أَنه بَالغ قَالَ الْأَصْحَاب يثبت اسْمه بِغَيْر يَمِين لِأَنَّهُ إِن كذب فَأَي فَائِدَة فِي يَمِين الصَّبِي وَإِن صدق فليثبت وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص إِن اتهمه السُّلْطَان يحلفهُ فَإِن نكل فَلَا حلق لَهُ الْخَامِسَة مَاتَ من لَا وَارِث لَهُ وَادّعى القَاضِي لَهُ دينا على إِنْسَان فنكل عَن الْيَمين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يقْضِي عَلَيْهِ للضَّرُورَة فَإِنَّهُ مُنْتَهى الْخُصُومَة وَالثَّانِي أَنه يحبس حَتَّى يحلف أَو يقر وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه يعرض عَنهُ وَلم يذكرهُ أحد إِلَّا الشَّيْخ أَو مُحَمَّد

الرُّكْن الْخَامِس الْبَيِّنَة وَقد ذكرنَا شَرطهَا ووصفها فِي الشَّهَادَات وَالْغَرَض تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ وَمهما أمكن الْجمع بَينهمَا جمع فَإِن تناقضا وَأمكن التَّرْجِيح رجح وَإِن تَسَاويا من كل وَجه فَأَرْبَعَة أَقْوَال إِذا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث أَحدهَا التساقط وَالثَّانِي الإستعمال بِالْقُرْعَةِ وَالثَّالِث الْقِسْمَة بَينهمَا وَالرَّابِع الْوَقْف إِلَى أَن يصطلحا وَأما مدارك مثارات التَّرْجِيح فَثَلَاثَة قُوَّة فِي الشَّهَادَة أَو زِيَادَة فِيهَا أَو يَد تقترن بِإِحْدَاهُمَا الْمدْرك الأول قُوَّة الشَّهَادَة وَله صور إِحْدَاهَا أَن يُقيم أَحدهمَا شَاهِدين وَالْآخر ثَلَاثَة فَصَاعِدا أَو كَانَ شُهُود أَحدهمَا أكمل عَدَالَة فَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه لَا تَرْجِيح بِخِلَاف الرِّوَايَة لِأَن نِصَاب الشَّهَادَة قدره الشَّرْع فَالزِّيَادَة عَلَيْهِ لَا تُؤثر عَلَيْهِ بِخِلَاف الرِّوَايَة وَالْقَوْل الْقَدِيم التَّرْجِيح بِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَة وعَلى هَذَا يخرج مَا إِذا كَانَ فِي أحد الْجَانِبَيْنِ شَهَادَة أحل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة الثَّانِيَة شَاهِدَانِ يقدم على شَاهد وَامْرَأَتَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بطرد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ

الْأَظْهر الثَّالِثَة تَقْدِيم الشَّاهِدين على شَاهد وَيَمِين فِيهِ قَولَانِ فِي الْجَدِيد وَالأَصَح التَّرْجِيح ثمَّ حَيْثُ رجحنا لَو اقْترن الْيَد بِالْحجَّةِ الضعيفة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهُمَا يتساويان وَالثَّانِي أَن الْيَد توجب تَرْجِيح الضَّعِيف لِأَنَّهَا أقوى الْمدْرك الثَّانِي الْيَد وَلَا يَخْلُو الْمُتَنَازع فِيهِ إِمَّا أَن يكون فِي يدهما أَو فِي أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث الْحَالة الأولى أَن يكون فِي يَد ثَالِث فَفِي اسْتِعْمَال الْبَيِّنَتَيْنِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهُمَا يتساقطان لتكاذبهما وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَالثَّانِي الإستعمال وَفِي كَيْفيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه يقسم بَينهمَا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن كل بَيِّنَة سَبَب لكَمَال الْملك وَقد ازدحما فيقسط عَلَيْهِمَا وَالثَّانِي أَنه يتَوَقَّف إِلَى الإصطلاح لِأَن من قسم فقد خَالف مُوجب الْبَيِّنَتَيْنِ جَمِيعًا وَالثَّالِث أَنه يقرع بَينهمَا لِأَنَّهُ يقرع عِنْد الْإِشْكَال فعلى هَذَا هَل يجب الْحلف على من خرجت الْقرعَة لَهُ فِيهِ قَولَانِ ثمَّ اعْلَم أَن قَول الإستعمال لَا يجْرِي إِذا تكاذبا صَرِيحًا بِحَيْثُ لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا كَمَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا على قتل فِي وَقت وَشهِدت الْأُخْرَى على الْحَيَاة فِي ذَلِك الْوَقْت

بل حَيْثُ يتَوَهَّم تَأْوِيل كَمَا لَو شَهدا على الْملك فَإنَّا نقُول لَعَلَّ كل وَاحِد سمع وَصيته لَهُ أَو شِرَاء أَو غَيره وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ مَعَ اسْتِحَالَة الْجمع وَهُوَ بعيد وَكَذَلِكَ قَول الْقِسْمَة لَا يجْرِي حَيْثُ تمْتَنع الْقِسْمَة كَالْمَرْأَةِ الَّتِي يدعيها زوجان وَكَذَا قَول الْوَقْف لِأَن الصُّلْح غير مُمكن وَفِي جَرَيَان قَول الْقرعَة وَجْهَان فروع أَحدهَا دَار فِي يَد ثَالِث ادّعى وَاحِد كلهَا وَأقَام بَيِّنَة وَادّعى آخر نصفهَا وَأقَام بَيِّنَة أما النّصْف فقد تَعَارضا فِيهِ فَفِيهِ الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة وَالنّصف الآخر لَا معَارض لَهُ لَكِن إِن قُلْنَا بالتهاتر بطلت بَينته فِي بعض مُوجبهَا فَهَل تبطل فِي الْبَاقِي فِيهِ وَجْهَان الثَّانِي دَار فِي يَد ثَالِث ادّعى وَاحِد نصفهَا فَصدق وَادّعى آخر النّصْف الآخر

فكذبه صَاحب الْيَد وَالْمُدَّعِي الآخر وهما لَا يدعيان لأنفسهما فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنَّهَا تسلم إِلَيْهِ إِذْ لَا مدعي لَهَا سواهُ وَالثَّانِي أَنه مَال لَا مَالك لَهُ وَالثَّانِي يتْرك فِي يَده فَإِنَّهُ لَا حجَّة لمدعيه وَالثَّالِث أَنه تنتزع من يَده وَتحفظ إِلَى أَن نتبين مَالِكه الثَّالِث أقرّ الثَّالِث لأَحَدهمَا فَهَل يُوجب إِقْرَار صَاحب الْيَد التَّرْجِيح بِمَنْزِلَة الْيَد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَالْيَدِ وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه يَد مُسْتَحقَّة الْإِزَالَة بِالْيَقِينِ الْحَالة الثَّانِيَة أَن تكون فِي يَد أَحدهمَا فعندنا تقدم بَيِّنَة صَاحب الْيَد وَهُوَ الدَّاخِل على بَيِّنَة الْخَارِج وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا أثر لبينة صَاحب الْيَد وَلَكنَّا نقُول للداخل فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة سِتَّة مقامات

الْمقَام الأول أَن لَا يكون عَلَيْهِ مُدع وَأَرَادَ إِقَامَة بَيِّنَة للتسجيل فَالْمَذْهَب أَنه لَا تسمع إِذْ لَا حجَّة إِلَّا على خصم فطريقه أَن ينصب لنَفسِهِ خصما وَفِيه وَجه أَنه تسمع لغَرَض التسجيل وَإِثْبَات الْملك فَإِن الْيَد لَا تثبت الْملك الْمقَام الثَّانِي أَن يكون لَهُ خصم مُدع لَا بَيِّنَة لَهُ فَأَرَادَ الرجل إِقَامَة الْبَيِّنَة ليصرف الْيَمين عَن نَفسه فَالْمَذْهَب أَنه لَا تسمع إِذْ الأَصْل فِي جَانِبه الْيَمين بِنَصّ الْخَبَر وَإِنَّمَا يعدل إِلَى الْبَيِّنَة حَيْثُ لَا تكفيه الْيَمين وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه تسمع كَمَا فِي الْمُودع تسمع بَينته وَإِن قدر على الْيَمين الْمقَام الثَّالِث أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة وَلَكِن لم تعدل فَهَل تسمع بَيِّنَة الدَّاخِل قبل التَّعْدِيل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا بعد التَّعْدِيل إِذا قَامَت أصل الْحجَّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى أَن يُخَالف منصبه وينهض مُدعيًا وَالْبَيِّنَة تقبل من الْمُدَّعِي الْمقَام الرَّابِع إِذا عدلت بَيِّنَة الْمُدَّعِي وَلم يبْق إِلَّا الْقَضَاء فَهَذَا أَوَان بَينته فَتسمع عندنَا قطعا لِأَن كَونه صَاحب الْيَد لَا يمنعهُ من دَعْوَى الْملك حَيْثُ لَا تغنيه الْيَد وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول من يَقُول إِن بَينته إِنَّمَا تعتمد ظَاهر يَده لِأَن بَيِّنَة الْخَارِج إِنَّمَا تعتمد أَيْضا يدا كَانَت لَهُ لِأَن الْيَد وَالتَّصَرُّف دَلِيل الْملك وَكَونه مُقَارنًا لَا يُؤثر وَمن أَصْحَابنَا من ارتاع من هَذَا وَشرط فِي بَينه الدَّاخِل أَن تشْتَمل على إِسْنَاد الْملك إِلَى سَبَب وَلم يسمع على الْملك الْمُطلق وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَنَّهُمَا يتهاتران وَيسلم الْملك للداخل بِيَمِينِهِ أَو ترجح بِالْيَدِ فَيحكم لَهُ بِمُوجب الْبَيِّنَة فَإِن قُلْنَا يرجح فَهَل يلْزمه الْحلف مَعَ بَينته فِيهِ وَجْهَان كَمَا ذَكرْنَاهُ عِنْد التَّفْرِيع على قَول الْقرعَة

الْمقَام الْخَامِس إِذا لم تكن بَينته حَاضِرَة حَتَّى أزلنا يَده فَجَاءَت بَينته فَإِن ادّعى ملكا مُطلقًا فَهُوَ بَيِّنَة من خَارج وَإِن ادّعى ملكا مُسْتَندا إِلَى مَا قبل إِزَالَة الْيَد وَزعم أَن الْبَيِّنَة كَانَت غَائِبَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا ترد إِلَيْهِ وترجح بِالْيَدِ وَلَا حكم للإزالة السَّابِقَة وَالثَّانِي أَنه كالخارج لِأَن تيك الْيَد قد اتَّصل الْقَضَاء بزوالها فَلَا ينقص الْمقَام السَّادِس إِذا أَقَامَ بعد الْقَضَاء بِاسْتِحْقَاق الْإِزَالَة وَلَكِن قبل التَّسْلِيم فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن ترجح فرعان الأول لَو أَقَامَ الْخَارِج بَيِّنَة على الْملك الْمُطلق وَأقَام الدَّاخِل بَيِّنَة على أَنه ملكه اشْتَرَاهُ من الْخَارِج تقدم بَيِّنَة الدَّاخِل كَمَا لَو أطلق وَلَا تزَال يَده قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَقَالَ القَاضِي تزَال يَده إِذا ادّعى ذَلِك إِذْ يُقَال اعْترفت لَهُ بِالْملكِ فَسلم إِلَيْهِ ثمَّ أثبت مَا تدعيه من الشِّرَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَدعِي أَنه أَبْرَأ عَن الدّين الْمُدعى بِهِ يُقَال لَهُ سلم الدّين ثمَّ أثبت الْإِبْرَاء فقد انتهضت الْخُصُومَة الأولى كَمَا إِذا ادّعى على الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ إِبْرَاء مُوكله الْغَائِب وجماهير الْقُضَاة على أَنه لَا يُطَالب بِالتَّسْلِيمِ إِذا كَانَت الْبَيِّنَة حَاضِرَة بِخِلَاف الْمُوكل الْغَائِب فَإِن تَأْخِير ذَلِك يطول وَكَذَا لَو قَالَ لي بَيِّنَة غَائِبَة فيكفيه تَسْلِيم الْعين وَالدّين فِي الْحَال الْفَرْع الثَّانِي من أقرّ لغيره بِملك ثمَّ عَاد إِلَى الدَّعْوَى لم تقبل دَعْوَاهُ حَتَّى يدعى تلقي الْملك مِنْهُ أما إِذا أخرج من يَده بَيِّنَة فجَاء يدعى مُطلقًا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يقبل إِذْ الْبَيِّنَة فِي حَقه كَالْإِقْرَارِ وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَن الرجل يؤاخد بِإِقْرَار نَفسه فِي الإستقبال ولولاه لم يكن فِي الأقارير فَائِدَة

أما حكم الْبَيِّنَة فَلَا يلْزم بِكُل حَال وَلَا خلاف أَن دَعْوَى ثَالِث بِالْملكِ مُطلقًا تسمع إِذْ لم يلْزمه حكم الْبَيِّنَة المقامة على غَيره فَهَذَا ثَلَاث مَرَاتِب فلتفهم الْحَالة الثَّالِثَة أَن تكون الدَّار فِي يدهما وَادّعى كل وَاحِد جَمِيعهَا فَإِن لم تكن بَيِّنَة فيتحالفان إِذْ كل وَاحِد مُدع فِي النّصْف مدعى عَلَيْهِ فِي النّصْف فَيبْدَأ القَاضِي بِمن يرَاهُ أَو بِالْقُرْعَةِ فَإِن حلفا أَو نكلا بَقِي الدَّار فِي يدهما كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا يحلف كل وَاحِد على النَّفْي بِخِلَاف المتحالفين فِي البيع إِذْ كل وَاحِد يحلف على إِثْبَات مَا يَدعِيهِ وَنفي مَا يدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُمَيّز فِي البيع الْمُدَّعِي عَن الْمُدعى عَلَيْهِ أما هَا هُنَا فالتمييز ظَاهر إِذْ نصف الدَّار مُمَيّز عَن النّصْف الآخر وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أما إِذا حلف الأول وَنكل الثَّانِي ردَّتْ الْيَمين على الأول فَيحلف على الْإِثْبَات فِي النّصْف الآخر لِأَن هَذِه يَمِين الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَة فَلَو أَقَامَ الناكل بَيِّنَة بعد الْيَمين الْمَرْدُودَة فَفِيهِ وَجْهَان ينبنيان على أَن الْيَمين الْمَرْدُودَة كَالْإِقْرَارِ أَو الْبَيِّنَة فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا كَالْإِقْرَارِ لم تقبل أما إِذا نكل الأول فتعرض على الثَّانِي يَمِين النَّفْي وَالْيَمِين الْمَرْدُودَة وَفِي تعدد الْيَمين وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَتَعَدَّد لتَعَدد الْجِهَة وَالثَّانِي أَنه تَكْفِي يَمِين وَاحِدَة جَامِعَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات للإيجاز فَيحلف أَن جَمِيع الدَّار لَهُ لَيْسَ لصَاحبه فِيهَا حق فَلَو قَالَ وَالله إِن النّصْف الَّذِي يَدعِيهِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ حق وَالنّصف الآخر هُوَ لي اكْتفي بذلك أما إِذا كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة فَتسمع ابْتِدَاء وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي النّصْف وَلَكِن تسمع تَابعا لِلنِّصْفِ الآخر وَإِنَّمَا ينقدح الرَّد على رد بَيِّنَة الدَّاخِل وَحده إِذا أنشأ مَعَ الإستغناء عَنهُ وَهَهُنَا احْتَاجَ لأجل النّصْف وَلَكِن لَو أَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَة فقد قيل الْآن يجب على الأول إِعَادَة بَينته ليَقَع بعد بَيِّنَة

الْخَارِج وَلَا يبعد التساهل فِيهِ أَيْضا الْمدْرك الثَّالِث اشْتِمَال إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ على زِيَادَة تَارِيخ أَو سَبَب ملك وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف الأول فِي التَّارِيخ فَإِن تَسَاويا فِي التَّارِيخ فيتعارضان وَإِن شهِدت إِحْدَاهمَا على الْملك مُنْذُ سنة وَالْأُخْرَى مُنْذُ سنتَيْن فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا يتعارضان إِذْ الْمَطْلُوب هُوَ الْملك فِي الْحَال فَلَا تَأْثِير للسبق وَالثَّانِي ترجح السَّابِقَة وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن مَا سبق ثُبُوته فَالْأَصْل بَقَاؤُهُ فيصلح للترجيح وَاسْتدلَّ الْمُزنِيّ بِمَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا النِّتَاج فِي يَده أَو سَبَب آخر من أَسبَاب الْملك فَإِنَّهُ يقْضِي بتقديمها وَقضى الْأَصْحَاب بطرد الْقَوْلَيْنِ وَإِن شهِدت إِحْدَاهمَا على سَبَب الْملك أَيْضا وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيِّنَة الزَّوْجَيْنِ على الزَّوْجِيَّة إِذا سبق التَّارِيخ فَإِن كَانَت إِحْدَى البنتين مُطلقَة وَالْأُخْرَى مؤرخة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا ترجح لِأَن الْمُطلقَة كالعامة أما إِذا كالن السَّبق فِي جَانب وَالْيَد فِي جَانب فَإِن قُلْنَا السَّبق لَا تَرْجِيح بِهِ فاليد مُقَدّمَة وَإِن رجحنا بِهِ فهاهنا ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَن السَّبق أولى وَالثَّانِي الْيَد أولى وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يتعارضان تَنْبِيهَات الأول إِذا شهِدت الْبَيِّنَة على ملك إِنْسَان بالْأَمْس وَلم تتعرض لَهُ فِي الْحَال لم تقبل على الْجَدِيد بِخِلَاف مَا لَو شهد على إِقْرَاره بالْأَمْس فَإِنَّهُ يثبت الْإِقْرَار وَالْإِقْرَار الثَّابِت مستدام حكمه وَعَلِيهِ عمل الْأَوَّلين وَإِلَّا لبطلت فَائِدَة الأقارير لِأَن الْمقر يخبر عَن تَحْقِيق فَيظْهر استصحابه وَالشَّاهِد يشْهد على تخمين فِي الْملك فَإِذا لم يَنْضَم إِلَيْهِ الْجَزْم فِي الْحَال لم يُؤثر وَكَذَلِكَ لَو شهِدت الْبَيِّنَة على أَنه كَانَ ملكه بالْأَمْس اشْتَرَاهُ من صَاحب الْيَد فَتقبل لِأَنَّهُ يدْرك يَقِينا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ اشْتَرَاهُ من غَيره لِأَنَّهُ لَا يكون حجَّة على صَاحب الْيَد أما إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِملك سَابق وَقَالَ للْمُدَّعِي كَانَ ملكك أمس فَهَل يلْزمه التَّسْلِيم استصحابا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه كَمَا لَو ثَبت إِقْرَاره بالْأَمْس وَالثَّانِي لَا كَمَا لَو شهِدت الْبَيِّنَة على ملكه بالْأَمْس فَإِنَّهُ مردد بَينهمَا ثَلَاث مَرَاتِب وَهَاهُنَا قَول قديم أَن الْبَيِّنَة وَإِن شهِدت على الْملك بالْأَمْس فَتقبل كَالْإِقْرَارِ بالْأَمْس وَوجه غَرِيب مَال إِلَيْهِ القَاضِي أَن الْإِقْرَار السَّابِق إِذا شهِدت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة لَا يسمع مَا لم يتَعَرَّض الشَّاهِد للْملك فِي الْحَال وَالْمَشْهُور الْفرق كَمَا سبق التَّفْرِيع إِذا فرعنا على الْجَدِيد فسبيل الشَّاهِد أَن يَقُول كَانَ ملكه بالْأَمْس وَلم يزل أَو هُوَ الْآن ملكه وَيكون مُسْتَنده فِيهِ الإستصحاب وَيجوز ذَلِك إِذا لم يعلم مزيلا فَلَو

صرح بِأَنِّي مستصحب ملكه فَإِنِّي لَا أعلم مزيلا قَالَ الْأَصْحَاب لَا تقبل كَشَهَادَة الرَّضَاع على صُورَة الإمتصاص وحركة الْحُلْقُوم وَقَالَ القَاضِي تقبل إِذْ نعلم أَنه لَا مُسْتَند لَهُ سواهُ بِخِلَاف الرَّضَاع إِذْ يدْرك ذَلِك بقرائن لَا تعرب الْعبارَة عَنهُ نعم لَو قَالَ الشَّاهِد فِي معرض مرتاب لَا أَدْرِي أَزَال ملكه أَو لم يزل لم تسمع لفساد الصِّيغَة أما إِذا قَالَ لَا أعلم مزيلا كَفاهُ وَأكْثر الْأَصْحَاب على أَنه لَا بُد من الْجَزْم فِي الْحَال وَلَا خلاف أَن الْبَيِّنَة لَو شهِدت بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَد الْمُدَّعِي بالْأَمْس قبل وَجعل الْمُدَّعِي صَاحب الْيَد التَّنْبِيه الثَّانِي لَا توجب الْملك لَكِن تظهره وَمن ضَرُورَته التَّقَدُّم بلحظة على الْإِقَامَة فَلَو كَانَ الْمُدعى دَابَّة فنتاجها الَّذِي نتج قبل الْإِقَامَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ وَمَا نتج بعد الْإِقَامَة وَقبل التَّعْدِيل فللمدعي فَلَو كَانَت شَجَرَة ثَمَرَتهَا بادية فَهِيَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ وَفِي الْحمل احْتِمَال إِذْ انْفِصَال الْملك فِيهِ مُمكن بِالْوَصِيَّةِ وَهَذَا فِي الْبَيِّنَة الْمُطلقَة الَّتِي لَا تتعرض لملك سَابق التَّنْبِيه الثَّالِث أَن مُقْتَضى مَا ذَكرْنَاهُ أَن لَا يرجع المُشْتَرِي بِالثّمن إِذا أَخذ مِنْهُ الْمَبِيع بِبَيِّنَة مُطلقَة لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقْتَضِي الزَّوَال إِلَّا من الْوَقْت قَالَ القَاضِي يحْتَمل أَن يُقَال لَا يرجع إِذا كَانَت الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة مستندة إِلَى ملك سَابق وَإِطْلَاق الْأَصْحَاب يحمل على

أَنهم أَرَادوا ذَلِك فَإِنَّهُ غير نَادِر لكنه قَالَ فِي كَلَام الْأَصْحَاب مَا يدل على خلاف مَا قلته إِذْ قَالُوا لَو أَخذ من المُشْتَرِي أَو الْمُتَّهب من المُشْتَرِي فَلِلْمُشْتَرِي الأول الرُّجُوع على البَائِع مِنْهُ وَلَعَلَّ سَببه أَن الْبَيِّنَة إِذا كَانَت مُطلقَة لَا تشهد على إِزَالَة الْملك فَيحمل على الصدْق الْمُطلق فالحاجة تمس إِلَى ذَلِك فِي عُهْدَة الْعُقُود أما إِذا ادّعى عَلَيْهِ أَنَّك أزلت الْملك فَأنْكر وَقَامَت الْبَيِّنَة على إِزَالَته فَلَا رُجُوع لَهُ وَأما مُجَرّد دَعْوَى الْمُدَّعِي للإحالة عَلَيْهِ فَلَا تمنع الرُّجُوع إِذا لم تشهد الْبَيِّنَة عَلَيْهِ التَّنْبِيه الرَّابِع لَو ادّعى أَرضًا وزرعا فِيهَا وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهَا وَأَنه زَرعهَا وَأقَام صَاحب الْيَد بَيِّنَة أما الأَرْض فَلصَاحِب الْيَد وَأما الزَّرْع فيبنى على أَن السَّبق وَالْيَد إِذا اجْتمعَا أَيهمَا يقدم الْخَامِس إِذا ادّعى ملكا مُطلقًا فَذكر الشَّاهِد الْملك وَسَببه لم يضر لَكِن إِن طلب الْخصم تَقْدِيم حجَّته لاشتمالها على ذكر السَّبَب فَلَا يُجَاب إِلَيْهِ إِلَّا بِأَن تُعَاد الْبَيِّنَة بعد دَعْوَاهُ فَإِن الذّكر قبل الدَّعْوَى لاغ وَلَا تجرح الْبَيِّنَة بِخِلَاف مَا لَو ادّعى ألفا فَشَهِدت البينت على أَلفَيْنِ رد فِي الزِّيَادَة لِأَنَّهَا زِيَادَة مُسْتَقلَّة وَهل ترد فِي الْبَاقِي كَيْلا تتبعض الْبَيِّنَة فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا ترد فَهَل يصير الشَّاهِد مجروحا بِهِ فِيهِ وَجْهَان يجْرِي فِي كل شَهَادَة تُؤدِّي قبل الدَّعْوَى وَلَو ذكر الْمُدَّعِي سَببا وَذكر الشَّاهِد سَببا آخر فَالصَّحِيح أَنه لَا يقبل للتناقض وَقيل تقبل على الْملك ويلغى السَّبَب

الطّرف الثَّانِي التَّنَازُع فِي الْعُقُود وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ صَاحب الدَّار أكريت بَيْتا من الدَّار بِعشْرَة وَقَالَ الْمُكْتَرِي بل اكتريت الْكل بِعشْرَة وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة قَالَ ابْن سُرَيج بَيِّنَة الْمُكْتَرِي أولى لاشْتِمَاله على ذكر زِيَادَة حَتَّى لَو قَالَ الْمكْرِي اكتريت جَمِيع الدَّار بِعشْرين وَقَالَ الْمُكْتَرِي بل بِعشْرَة فَبَيِّنَة الْمكْرِي أولى لِأَن فِيهِ زِيَادَة وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح التَّعَارُض لِأَن هَذِه زِيَادَة فِي مِقْدَار الْمَشْهُود بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة إِيضَاح بِخِلَاف استناد الْملك إِلَى سَبَب أَو تَارِيخ سَابق فَإِن فرعنا على التَّعَارُض ورأينا التهاتر فيتحالفان وَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَة وَلَا تجْعَل الزِّيَادَة مرعية وَبِه يتَبَيَّن ضعف رَأْي ابْن سُرَيج وَإِن قُلْنَا بِالْوَقْفِ فَلَا وَجه لَهُ إِذْ الْمَنَافِع تفوت وَإِن قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ فَكَذَلِك فَإِن الزِّيَادَة يدعيها وَاحِد وينفيها الآخر وَإِنَّمَا يُمكن الْقِسْمَة إِذا ادّعى كل وَاحِد لنَفسِهِ وَأما الْقرعَة فممكن وَلَكِن اسْتِعْمَالهَا ضَعِيف لِأَنَّهَا لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي إِفْرَاز الْحُقُوق الْمُشْتَركَة لينقطع النزاع أَو فِي الْعتْق للْخَبَر وَمن رأى الْقِسْمَة أَو الْوَقْف وَتعذر عَلَيْهِ اخْتلفُوا مِنْهُم من رَجَعَ إِلَى قَول التهاتر لعسر

الإستعمال وَمِنْهُم من رَجَعَ إِلَى الطَّرِيق الْمُمكن فِي الإستعمال وَهُوَ الْقرعَة فَيرى الإستعمال بِأحد الطّرق أولى من التهاتر الثَّانِيَة إِذا ادّعى رجلَانِ دَارا فِي يَد ثَالِث يزْعم كل وَاحِد أَن الثَّالِث قد بَاعه وَقبض مِنْهُ مائَة فِي ثمنهَا فتجري الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة فِي بينتيهما لَكِن لَا بُد من الْبَيِّنَة لأمور أَحدهَا أَنا على قَول الْقرعَة نسلم الدَّار إِلَى من خرجت قرعته ونسلم الثّمن إِلَى الثَّانِي لِأَن الْقرعَة مُؤثرَة فِي مَحل التَّنَاقُض وَهُوَ رَقَبَة الدَّار أما اجْتِمَاع الثمنين عَلَيْهِ فممكن لَا تضَاد فِيهِ وعَلى قَول الْوَقْف تخرج الدَّار وَالثمن من يَده ويتوقف فيهمَا وعَلى قَول الْقِسْمَة يَأْخُذ كل وَاحِد نصف الدَّار وَنصف الثّمن ثمَّ لكل وَاحِد أَن يمْتَنع

عَن النّصْف لتبعض الْمَبِيع عَلَيْهِ فَيرجع إِلَى جَمِيع الثّمن فَإِن فسخ أَحدهمَا فللآخر أَن يطْلب جَمِيع الدَّار إِذْ يَقُول كَانَت الْقِسْمَة لأجل المزاحم وَقد انْدفع وَفِيه وَجه أَنه يقْتَصر على النّصْف الثَّانِي أَن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد قَالَ لَا أجري قَول الْقرعَة إِذا كَانَتَا مطلقتين غير مؤرختين حَتَّى يؤرخا بتاريخ وَاحِد يظْهر تناقضه إِذْ هِيَ لتمييز الْكَاذِب وصدقهما مُمكن بتعاقب عقدين بعد تخَلّل ملك وَهَذَا ضَعِيف بل هِيَ لتقديم أحد المتساويين الثَّالِث أَن الربعِي خرج قولا خَامِسًا وَهُوَ أَن تسْتَعْمل الْبَيِّنَتَانِ لفسخ الْعقْدَيْنِ إِذْ تعذر عقد كل وَاحِد بِسَبَب بَيِّنَة الآخر الرَّابِع أَن الْأَقْوَال تجْرِي إِذا كَانَتَا مطلقتين أَو مؤرختين بتاريخ وَاحِد أما إِذا سبق تَارِيخ إِحْدَاهمَا فَهِيَ مُقَدّمَة لِأَن البيع إِذا ثَبت سبقه منع صِحَة مَا بعده الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عكس الثَّانِيَة وَهُوَ أَن يَدعِي كل وَاحِد مِنْهُمَا بيع الدَّار من الثَّالِث بِأَلف ومقصودهما طلب الْألف وَترك الدَّار فِي يَده فَالصَّحِيح أَن الْأَقْوَال لَا تجْرِي لِأَن الذِّمَّة متسعة لإِثْبَات الثمنين فَيلْزمهُ توفيتهما بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمَطْلُوب مِنْهُ رَقَبَة الدَّار لِأَنَّهَا وَاحِدَة تضيق وَمن الْأَصْحَاب من أجْرى الْأَقْوَال لِأَنَّهُمَا ربطا الثمنين بِعَين وَاحِدَة وَلَا يَصح ذَلِك إِلَّا إِذا عينا وقتا وَاحِدًا يَسْتَحِيل تَقْدِير الْجمع وَإِلَّا فلزوم الثمنين فِي عقدين بَينهمَا بِبَدَل ملك مُمكن إِلَّا أَن تعْيين وَقت وَاحِد لَا يَتَّسِع لكلمتين أَيْضا لَا يُدْرِكهُ الْحس إِلَّا إِذا اكتفينا بِجَوَاز شَهَادَة النَّفْي مهما اسْتندَ إِلَى وَقت معِين فَإِن السُّكُوت عَن البيع يُشَاهد فنعلم أَنه نفى البيع وَفِي مثل تِلْكَ الشَّهَادَة خلاف

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة ادّعى عبد أَن مَوْلَاهُ أعْتقهُ وَادّعى آخر أَن مَوْلَاهُ بَاعه مِنْهُ وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة فَإِن كَانَ فيهمَا تَارِيخ قدم السَّابِق لِأَنَّهُ يمْنَع صِحَة مَا بعده وَإِن لم يكن جرى الْأَقْوَال كلهَا وعَلى قَول الْقِسْمَة يعْتق نصف العَبْد وَيحكم بِالْملكِ فِي النّصْف وَالصَّحِيح أَنه لَا يسري إِلَيْهِ الْعتْق لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِهِ قهرا وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ وَزَعَمُوا أَنه يسري إِلَيْهِ الْعتْق فِي قَول لِأَنَّهُ حكم عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ الْعتْق وَاعْترض الْمُزنِيّ وَقَالَ يَنْبَغِي أَن تقدم بَيِّنَة الْعتْق لِأَن العَبْد كصاحب الْيَد فِي حق رقبته وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ فِي يَد سَيّده مَا لم يثبت عتقه فَهُوَ يَدعِي الْيَد وَلم تثبت بعد

الطّرف الثَّالِث فِي النزاع فِي الْمَوْت وَالْقَتْل وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة الأولى رجل مَعْرُوف بالتنصر مَاتَ وَله ابْن مُسلم يَدعِي أَنه مَاتَ مُسلما والإبن النَّصْرَانِي يَدعِي أَنه لم يسلم فَالْقَوْل قَول النَّصْرَانِي لِأَن الأَصْل عدم الْإِسْلَام وَلَو أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة قدمت بَيِّنَة الْمُسلم لاشتمالها على زِيَادَة ناقلة عَن الإستصحاب وَكَذَلِكَ إِذا ادّعى الإبن الْإِرْث فِي دَار فأقامت زَوْجَة أَبِيه بَيِّنَة أَنه أصدقهَا الدَّار أَو اشترتها من أَبِيه قدمت بينتها أما إِذا شهِدت بَيِّنَة النَّصْرَانِي أَنه نطق بتنصر وَمَات عَقِيبه فقد تَعَارضا فتجري الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي لَا يجْرِي قَول الْقِسْمَة إِذْ لَا يشْتَرك فِي الْمِيرَاث مُسلم وَكَافِر وَهَذَا ضَعِيف إِذْ كل بَيِّنَة تَقْتَضِي كَمَال الْملك لصَاحِبهَا فَانْدفع فِي النّصْف بِالْأُخْرَى إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا بِأولى فَيَكْفِي إِمْكَان الشّركَة فِي جنس الْملك أما إِذا كَانَ الْمَيِّت مَجْهُول الدّين فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لم يزل على ديني حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ أَحدهمَا أولى بِأَن يَجْعَل القَوْل قَوْله فتجعل التَّرِكَة كَمَال فِي يَد اثْنَيْنِ تنازعاه وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَ فِي يَد أَحدهمَا كَانَ القَوْل قَوْله وَهَذِه زلَّة لِأَنَّهُ معترف بِأَن يَده من جِهَة الْمِيرَاث فَلَا أثر ليده مَعَ ذَلِك فَإِن أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة جرت الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة وَقيل بَيِّنَة الْإِسْلَام تقدم لِأَنَّهُ الظَّاهِر فِي

دَار الْإِسْلَام وَهَذَا بعيد إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لجعل القَوْل قَوْله نعم نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن هَذَا الشَّخْص يغسل وَيصلى عَلَيْهِ إِذا أشكل أمره وَالصَّلَاة على نَصْرَانِيّ أَهْون من ترك الصَّلَاة على مُسلم الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مَاتَ نَصْرَانِيّ وَله ابْن مُسلم يَدعِي أَنه أسلم بعد مَوته فيرث وَابْنه النَّصْرَانِي يَدعِي أَنه أسلم قبل مَوته فَلَا يَرث فللمسألة حالتان إِحْدَاهمَا أَن يتَّفقَا على أَنه أسلم فِي رَمَضَان وَلَكِن ادّعى أَن الْأَب مَاتَ فِي شعْبَان وَقَالَ الْأَخ النَّصْرَانِي بل مَاتَ فِي شَوَّال فَالْقَوْل قَول النَّصْرَانِي لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَيَاة فَإِن أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة قَالَ الْأَصْحَاب تقدم بَيِّنَة الْمُسلم لاشتمالها على زِيَادَة علم بِالْمَوْتِ فِي شعْبَان أما كَونه مَيتا فِي شَوَّال فمشترك قَالَ الإِمَام هَذَا ضَعِيف لِأَن من يشْهد على الْمَوْت فِي شَوَّال يشْهد على مَوته عَن حَيَاة وَإِذا ثَبت الْحَيَاة حصل التَّعَارُض فتجري الْأَقْوَال الْحَالة الثَّانِيَة اتفقَا على أَنه مَاتَ فِي رَمَضَان وَلَكِن قَالَ الْمُسلم أسلمت فِي شَوَّال وَقَالَ النَّصْرَانِي بل أسلمت فِي شعْبَان فَالْقَوْل قَول الْمُسلم إِذْ الأَصْل بَقَاء الْكفْر وَإِن كَانَ لَهما بَيِّنَة فَتقدم بَيِّنَة النَّصْرَانِي لِأَن الناقلة أولى من المستصحبه

فرع زَوْجَة مسلمة وَأَخ مُسلم وابنان كَافِرَانِ تنازعوا فِي إِسْلَام الْمَيِّت وتعارضت بينتان فَإِن رَأينَا الْقِسْمَة فالنصف للإثنين فَإِنَّهُمَا فريق وَالنّصف للزَّوْجَة وَالْأَخ ثمَّ الزَّوْجَة تَأْخُذ الرّبع من هَذَا النّصْف لِأَن الإبن مَحْجُوب بقولهمَا فَلَا نردها إِلَى الْيَمين وَلَو خلف أبوين كَافِرين وابنين مُسلمين وَتَنَازَعُوا فِي دين الْمَيِّت فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول الْأَبَوَيْنِ لِأَن الظَّاهِر أَن الْوَلَد يكون على دين الْأَبَوَيْنِ وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الإبنين لِأَن الْإِسْلَام يَنْبَغِي أَن يغلب بِالدَّار الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ لعَبْدِهِ إِن قتلت فَأَنت حر فَشهد اثْنَان أَنه قتل وَشهد آخرَانِ أَنه مَاتَ حتف أَنفه فَقَوْلَانِ أَحدهمَا التَّعَارُض وَالثَّانِي تَقْدِيم بَيِّنَة الْقَتْل لاشتمالها على زِيَادَة إِذْ كل قَتِيل ميت وَلَيْسَ كل ميت قَتِيلا وَلَو قَالَ لسالم إِن مت فِي رَمَضَان فَأَنت حر وَقَالَ لغانم إِن مت فِي شَوَّال فَأَنت حر وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة فَقَوْلَانِ أَحدهمَا التَّعَارُض وَالثَّانِي تَقْدِيم بَيِّنَة رَمَضَان لزِيَادَة علمهَا بِتَقْدِيم الْمَوْت وَقَالَ ابْن سُرَيج بَيِّنَة شَوَّال أولى لِأَنَّهُ رُبمَا يغمى عَلَيْهِ فِي رَمَضَان فيظن مَوته فرع إِذا تنَازع الزَّوْجَانِ فِي مَتَاع الْبَيْت فَهُوَ فِي يدهما وَلَا يخْتَص السِّلَاح بِالرجلِ وَلَا آلَة الْغَزل بِالْمَرْأَةِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

الطّرف الرَّابِع فِي النزاع فِي الْوَصِيَّة وَالْعِتْق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَامَت بَيِّنَة على أَنه أعتق فِي مَرضه عبدا وَهُوَ ثلث مَاله وَقَامَت بَيِّنَة أُخْرَى لعبد آخر فَالْقِيَاس أَن يَجْعَل كَأَنَّهُ أعتقهما مَعًا فيقرع بَينهمَا لَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه يعْتق من كل وَاحِد نصفه فَيجب تَنْزِيله على مَوضِع لَا تجْرِي فِيهِ الْقرعَة وَذَلِكَ بِأَن يتَقَدَّم عتق أَحدهمَا فَإِنَّهُ لَا قرعَة وَلَو تقدم عتق أَحدهمَا وَلَكِن أشكل السَّابِق فَهُوَ كالإعتاق مَعًا أَو كالتعاقب فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا لَا يقرع فَيحمل تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ على هَذِه الصُّورَة ونقول الْغَالِب أَنه أعتقهما ترتيبا وأشكل الْأَمر فَلَا قرعَة فَيقسم عَلَيْهِمَا الثَّانِيَة الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَكِن أحد البعدين سدس المَال فَحَيْثُ يقرع لَو خرج على الخسيس يعْتق بِكَمَالِهِ وَيعتق من النفيس نصفه لتكملة الثُّلُث وَلَو خرج على النفيس اقْتصر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمَال الثُّلُث وَحَيْثُ نرى الْقِسْمَة على قَول فَفِي كفيته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتق من كل وَاحِد ثُلُثَاهُ لِأَن النفيس يضارب بِضعْف مَا يضارب بِهِ الخسيس كَمَا لَو أوصى لزيد بِكُل مَاله ولعمرو بِثلث مَاله وَأَجَازَ الْوَرَثَة الْوَصَايَا إِذْ يقسم المَال بَينهمَا أَربَاعًا فَإِن زيدا يضارب بِثَلَاثَة أَمْثَال مَا يضارب بِهِ عَمْرو

وَالْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه يعْتق من النفيس ثَلَاثَة أَربَاع وَمن الخسيس نصفه لِأَن النفيس يَقُول إِن أعتقت أَولا فجميعي حر وَإِن تَأَخَّرت فنصفي حر فَنصف مُسلم لَا خلاف فِيهِ إِنَّمَا النزاع فِي النّصْف الآخر وَهُوَ قدر سدس بيني وَبَيْنك فَيقسم عَلَيْهِمَا وَهَذَا أَيْضا يَنْبَغِي أَن يطرد فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة فَيَقُول زيد أما الثُّلُثَانِ فَهُوَ مُسلم لي وَإِنَّمَا التزاحم فِي الثُّلُث فَيقسم علينا فَيحصل زيد على خَمْسَة أَسْدَاس وَعَمْرو على سدس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِثَة شهد أجنبيان أَنه أوصى بِعِتْق عَبده غَانِم وَهُوَ ثلث المَال وَشهد وارثان بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنهُ وَأوصى بسالم وَهُوَ أَيْضا ثلث ثَبت بقول الْوَارِثين عتق سَالم وَالرُّجُوع عَن غَانِم إِذْ لَا تُهْمَة عَلَيْهِمَا فِي تَبْدِيل مَحل الْعتْق وَلَا نظر إِلَى تبدل الْوَلَاء فَلَا يتهم الْعدْل بِمثلِهِ أما إِذا كَانَ سَالم سدس المَال فَهُوَ مُتَّهم بتنقيص السُّدس فَترد فِي قدر السُّدس وَالشَّهَادَة إِذا ردَّتْ فِي بعض فَهَل ترد فِي الْبَاقِي قَولَانِ فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا ترد فَيعتق العبدان جَمِيعًا الأول بِالشَّهَادَةِ إِذْ ردَّتْ شَهَادَة الرُّجُوع وَالثَّانِي يعْتق بِإِقْرَار الْوَارِث وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على عتقهما وَإِن قُلْنَا لَا ترد فِي الْبَاقِي فقد شهد على الرُّجُوع عَن جَمِيع غَانِم وَهُوَ مُتَّهم فِي النّصْف إِذْ لم يثبت لَهُ بَدَلا وَلَا يتهم فِي النّصْف فِي نصف غَانِم وَيعتق نصفه مَعَ جَمِيع سَالم لِأَن نصف غَانِم سدس وَجُمْلَة سَالم سدس وَالثلث يَفِي بهما فَكَأَنَّهُ أوصى بِعِتْق نصف غَانِم وَجَمِيع سَالم وَيحْتَمل أَن يُقَال الرُّجُوع لَا يتَجَزَّأ فَتبْطل الشَّهَادَة على الرُّجُوع عَن عتق غَانِم وَتبقى الشَّهَادَة بِالْعِتْقِ لغانم وَشَهَادَة الْوَرَثَة كَشَهَادَة الْأَجَانِب فَكَأَنَّهُ ثَبت عتقهما جَمِيعًا فيقرع بَينهمَا فَإِن خرج على غَانِم عتق فَقَط وَإِن خرج على سَالم عتق وَعتق مَعَه من غَانِم نصفه ليكمل الثُّلُث

الرَّابِعَة شهِدت بَيِّنَة أَنه أوصى لزيد بِالثُّلثِ وَشهِدت أُخْرَى لعَمْرو بِالثُّلثِ وَشهِدت أُخْرَى بِالرُّجُوعِ عَن إِحْدَى الوصيتين لَا بِعَينهَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يقسم الثُّلُث بَينهمَا قَالَ الْأَصْحَاب سَببه رد شَهَادَة الرُّجُوع لِأَنَّهَا مجملة وَقَالَ الْقفال تقبل شَهَادَة الرُّجُوع لِأَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ والمشهود لَهُ معِين وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا لَو كَانَ شهد كل بَيِّنَة بالسدس فَإِن رددنا شَهَادَة الرُّجُوع المجملة أعطينا كل وَاحِد سدسا كَامِلا وَإِن قبلنَا الشَّهَادَة وزعنا سدسا وَاحِدًا عَلَيْهِمَا وَقد تمّ الْكَلَام فِي الدَّعَاوَى فلنذكر دَعْوَى النّسَب

كتاب دَعْوَى النّسَب وإلحاق الْقَائِف

عدل

وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْإِلْحَاق وَهِي ثَلَاثَة الْمُسْتَلْحق والملحق والإلحاق الرُّكْن الأول الْمُسْتَلْحق وَيصِح استلحاق كل حر ذكر يُمكن ثُبُوت النّسَب مِنْهُ بِنِكَاح أَو وَطْء مُحْتَرم فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول الْحُرِّيَّة وَفِي استلحاق العَبْد وَالْمُعتق ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَصح فَلَا فرق بَين الْحر وَالْعَبْد حَتَّى لَو تداعيا جَمِيعًا عرض على الْقَائِف وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يقدم الْحر على العَبْد وَالْمُسلم على الْكَافِر وَعِنْدنَا لَا فرق وَالثَّانِي لَا يلحقهما نسب إِلَّا فِي نِكَاح أَو وَطْء بِشُبْهَة لِأَنَّهُمَا بصدد الْوَلَاء فَلَيْسَ لَهما قطع الْوَلَاء بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وَالثَّالِث أَن العَبْد لَا وَلَاء عَلَيْهِ فيلحقه من يستلحقه أما الْمُعْتق فَالْولَاء عَلَيْهِ حَاصِل فَلَا تصح دَعْوَاهُ وَهَذَا الْخلاف جَار لَو كَانَ الْمُسْتَلْحق عبدا أَو معتقا لأجل الْوَلَاء الْقَيْد الثَّانِي الذُّكُورَة وَفِي استلحاق الْمَرْأَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الصِّحَّة كَالرّجلِ

وَالثَّانِي لَا لِأَن الْولادَة يُمكن إِثْبَاتهَا بِالشَّهَادَةِ بِخِلَاف جَانب الْأَب وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن كَانَت خلية من الزَّوْج لحقها وَإِن كَانَت ذَات زوج فَلَا إِذْ لَا يُمكن الْإِلْحَاق بهَا دون الزَّوْج وَلَا يُمكن الْإِلْحَاق بِالزَّوْجِ مَعَ إِنْكَاره الْقَيْد الثَّالِث الْإِمْكَان وَذَلِكَ بِحَقِيقَة الْوَطْء أَو بِعقد النِّكَاح مَعَ مَعَ إِمْكَان الْوَطْء وَقد ذَكرْنَاهُ وَإِنَّمَا يُمكن النّسَب من شَخْصَيْنِ بِأَن يجتمعا على وَطئهَا فِي طهر وَاحِد إِمَّا بِالشُّبْهَةِ أَو بِملك الْيَمين فَإِن وطىء الثَّانِي بعد تخَلّل حَيْضَة فَالْوَلَد للثَّانِي إِلَّا أَن يكون الأول زوجا فَلَا يَنْقَطِع الْإِمْكَان فِيهِ بِالْحيضِ لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر فِي حَقه وجود الْوَطْء بل يَكْفِي فرَاش النِّكَاح مَعَ إِمْكَان الْوَطْء وَهَذَا مَوْجُود فِي الطُّهْر الثَّانِي وَأما ملك الْيَمين فَلَا يثبت فراشا وَالنِّكَاح الْفَاسِد يلْحق بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح أَو بِملك الْيَمين فِيهِ وَجْهَان وَلَا خلاف أَن فرَاش النِّكَاح الصَّحِيح يَنْقَطِع بفراش آخر نَاسخ لَهُ حَتَّى يلْحق الْوَلَد بِالثَّانِي وَإِن أمكن من حَيْثُ الزَّمَان أَن يكون مِنْهُمَا الرُّكْن الثَّانِي الملحق وَهُوَ كل مدلجي مجرب أهل للشَّهَادَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول المدلجي وَالصَّحِيح الإختصاص بهم إِذْ رجعت إِلَيْهِم الصَّحَابَة مَعَ كَثْرَة الأكياس فيهم وَمِنْهُم من قَالَ هَذِه صَنْعَة تتعلم فَمن تعلم جَازَ اعْتِمَاد قَوْله

وَأما المجرب فنعنى بِهِ أَن من كَانَ مدلجيا أَو ادّعى علم الْقَافة لم يقبل قَوْله حَتَّى يجرب ثَلَاثًا بِأَن يرى صَبيا بَين نسْوَة لَيْسَ فِيهِنَّ أمه فَإِن لم يلْحق أحضرت نسْوَة أُخْرَى لَيْسَ فِيهِنَّ أمه فَإِن ألحق علمنَا أَنه بَصِير فنعرض عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يرى النسْوَة لِأَن ولادتهن نعلمها تَحْقِيقا فَلَا يتَعَيَّن عدد فِي التجربة بل الْمَقْصُود ظُهُور بصيرته وَأما كَونه أَهلا للشَّهَادَة فَلَا بُد مِنْهُ وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا تشْتَرط الذُّكُورَة وَالْحريَّة وَكَأَنَّهُ إِخْبَار وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط الْعدَد وَكَأن الْقَائِف حَاكم الرُّكْن الثَّالِث فِي الْإِلْحَاق وَمحل الْعرض على الْقَائِف إِنَّمَا يعرض على الْقَائِف صَغِير تداعاه شخصان كل وَاحِد لَو انْفَرد بالدعوة للحقه وَلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر وَخرج على هَذِه الْقُيُود مسَائِل أَربع الأولى أَن إِثْبَات النّسَب من أبوين غير مُمكن عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَلذَلِك لزم الْعرض على الْقَائِف ومستند الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حَدِيث مجزز المدلجي وَهُوَ مَعْرُوف وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقُول يلْحق بهما جَمِيعًا وَلَا نظر إِلَى قَول الْقَائِف ثمَّ عندنَا يعْتَمد قَول الْقَائِف فِي مَوْلُود صَغِير أَو بَالغ سَاكِت أما الْبَالِغ الْمَجْهُول إِذا اسْتَلْحقهُ وَاحِد فوافقه فَلَا يقبل قَول الْقَائِف على خِلَافه لِأَن الْحق لَا يعدوها وَلَو أنكرهُ الْبَالِغ وألحقه الْقَائِف لم يصر قَوْله حجَّة عَلَيْهِ

الثَّانِيَة صبي فِي يَد إِنْسَان وَهُوَ مستلحقه فاستلحقه غَيره لم يعرض على الْقَائِف بعد تقدم صَاحب الْيَد وَيَده كفراش النِّكَاح والمولود على فرَاش النِّكَاح إِذا ادَّعَاهُ من يَدعِي وَطْء شُبْهَة لم يلْحقهُ وَإِن وَافقه الزَّوْجَانِ على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ لِأَن حق الْوَلَد يرْعَى فِيهِ بل إِن أَقَامَ بَيِّنَة على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ عرض على الْقَائِف الثَّالِثَة صبي استحلقه رجل ذُو زَوْجَة وَهِي تنكر وِلَادَته أَو استلحقته امْرَأَة ذَات زوج وَالزَّوْج يُنكر وِلَادَتهَا فليلحق بِالرجلِ الْمُسْتَلْحق وَفِي الْمَرْأَتَيْنِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يلْحق زَوْجَة الْمُسْتَلْحق وَإِن أنْكرت وَالثَّانِي أَنه يلْحق بالمدعية وَيقدر أَنَّهَا ولدت من الْمُدَّعِي بِوَطْء شُبْهَة وَالثَّالِث أَنه يعرض فِي حَقّهمَا على الْقَائِف الرَّابِعَة إِن لم نجد الْقَائِف أَو وَجَدْنَاهُ وتحي رفإذا بلغ أمرناه بالإنتساب فَإِن لم ينتسب حبسانه حَتَّى ينتسب فَإِذا انتسب إِلَى أَحدهمَا لحقه وَكَانَ اخْتِيَاره كإلحاق الْقَائِف وَلم يقبل رُجُوعه كَمَا لَا يقبل رُجُوع الْقَائِف ودعواه الْغَلَط وَالصَّحِيح أَن الْمُمَيز لَا يُخَيّر بِخِلَاف الْحَضَانَة فَإِن أَمر النّسَب مخطر فروع أَرْبَعَة الأول وطىء رجلَانِ فِي طهر وَاحِد وحبلت وَادّعى أَحدهمَا وَسكت الآخر

فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يعرف على الْقَائِف وَالثَّانِي أَنه يلْحق بالمدعي الثَّانِي لَو أَلْقَت سقطا يعرض على الْقَائِف وَلَو انْفَصل حَيا وَمَات يعرض مَا لم يتَغَيَّر الثَّالِث نَفَقَة الْوَلَد قبل إِلْحَاق الْقَائِف عَلَيْهِمَا ثمَّ إِذا ألحق بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ على الآخر بِمَا أنْفق وَلَو أوصِي لَهُ قبله كل وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يحصل الْملك لَهُ الرَّابِع من استلحق صَبيا مَجْهُولا فَبلغ وانتفى عَنهُ فَفِيهِ قَولَانِ كالقولين فِيمَن حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا فَبلغ وأعرب عَن نَفسه بالْكفْر

= كتاب الْعتْق = وَلَا يخفى أَن الْعتْق قربَة وَيشْهد لنفوذه الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالنَّظَر فِي أَرْكَانه وخواصه وفروعه

أما أَرْكَانه فَثَلَاثَة الأول الْمُعْتق وَهُوَ كل مُكَلّف لَا حجر عَلَيْهِ بفلس وسفه الثَّانِي الْمُعْتق وَهُوَ كل إِنْسَان مَمْلُوك لم يتَعَلَّق بِعَيْنِه وَثِيقَة وَحقّ لَازم فَإِن ف إِعْتَاق الْمَرْهُون خلافًا وإعتاق الطير والبهيمة لاغ على الْأَصَح الثَّالِث الصِّيغَة وصريحه التَّحْرِير وَالْإِعْتَاق وَفك الرَّقَبَة ورد فِي الْقُرْآن مرّة فَفِي كَونه صَرِيحًا وَجْهَان كالمفاداة فِي الْخلْع وَأما الْكِنَايَة فَكل مَا يحْتَمل كَقَوْلِه أَنْت طَالِق وَلَا سُلْطَان لي عَلَيْك وحبلك على غاربك ونظائره فروع أَرْبَعَة الأول لَو قَالَ لعَبْدِهِ يَا مولَايَ وَنوى عتق وَلَو قَالَ يَا سَيِّدي وَيَا كذبانو للْأمة

وَنوى لم ينفذ لِأَنَّهُ ينبىء عَن التَّرَدُّد وتدبير الْمنزل دون الْعتْق وَيحْتَمل أَن يُقَال ينفذ الثَّانِي أَن يَقُول يَا حرَّة فتعتق إِلَّا أَن يكون اسْمهَا حرَّة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ اسْم الْغُلَام آزاذروي وَإِن كَانَ اسْمهَا قبل الرّقّ حرَّة فبدل اسْمهَا فَقَالَ السَّيِّد يَا حرَّة ثمَّ قَالَ قصدت نداءها باسمها الْقَدِيم لم يقبل فِي الظَّاهِر لِأَن هَذَا الإسم الْآن لَا يَلِيق بهَا فَظَاهر اللَّفْظ صَرِيح وَلَو كَانَ اسْمهَا الْقَدِيم فَاطِمَة فَغير باسم من أَسمَاء الإِمَام فناداها وَقَالَ يَا فَاطِمَة وَنوى الْعتْق لم ينفذ لِأَن اللَّفْظ لَا يشْعر بِهِ الثَّالِث لَو قَالَ يَا آزاذمرد ثمَّ قَالَ أردْت وَصفه بالجود لم يقبل فِي الظَّاهِر لِأَن اللَّفْظ صَرِيح إِلَّا أَن يكون مَعَه قرينه كَمَا لَو قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق وَهُوَ يحل الوثاق عَنْهَا وَفِي قبُول نِيَّته فِي حل الوثاق خلاف الرَّابِع إِذا قَالَ لعبد الْغَيْر أَعتَقتك فَإِن كَانَ فِي معرض الْإِنْشَاء لَغَا وَإِن كَانَ فِي معرض الْإِقْرَار كَانَ مؤاخذا بِهِ إِن ملكه يَوْمًا من الدَّهْر وَاعْلَم أَن الْعتاق وَالطَّلَاق يتقاربان وَقد فصلنا حكم الْأَلْفَاظ والتعليقات فِي الطَّلَاق فَلَا نعيده بل نقتصر على ذكر خَواص الْعتْق

النّظر الثَّانِي فِي خَواص الْعتْق وَهِي خَمْسَة السَّرَايَة والحصول بِالْقَرَابَةِ والإمتناع من الْمَرِيض فِيمَا جَاوز الثُّلُث والقرعة وَالْوَلَاء الخاصية الأولى السَّرَايَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَله مَال قوم عَلَيْهِ الْبَاقِي ففهم من هَذَا أَن الشَّرْع متشوف إِلَى تَكْمِيل الْعتْق فَلذَلِك نقُول لَو أعتق نصف عبد عتق الْجَمِيع بل لَو أعتق يَده أَو عضوا آخر عتق الْجَمِيع وَذَلِكَ بطرِيق السَّرَايَة أَو بطرِيق التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن الْكل فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق وَتظهر فَائِدَته فِي الْإِضَافَة إِلَى الْعُضْو الْمَقْطُوع وَلَا تثبت السَّرَايَة من شخص إِلَى شخص فَإِن أعتق الْجَنِين لم تعْتق الْأُم

خلافًا للأستاذ أبي إِسْحَاق رَحمَه الله وَلَو أعتق الْأُم عتق الْجَنِين تبعا كَمَا يتبع فِي البيع وَلَو كَانَ الْحمل مَمْلُوكا للْغَيْر فَلَا يسري وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسري أما الْعتْق فَإِنَّمَا يسري إِلَى ملك الشَّرِيك بِشُرُوط أَرْبَعَة أَحدهَا أَن يكون الْمُعْتق مُوسِرًا ونعني بِهِ أَن يكون لَهُ من المَال قدر قيمَة نصيب الشَّرِيك وَيعْتَبر فِيهِ كل مَا يُبَاع فِي الدّين فَلَا يتْرك لَهُ إِلَّا دست ثوب يَلِيق بِهِ وَيُبَاع فِيهِ دَاره وَعَبده الَّذِي يحْتَاج إِلَى خدمته وَإِن كَانَ لَا يُبَاع فِي الْكَفَّارَة لِأَن هَذَا دين وَالْمَرِيض لَيْسَ مُوسِرًا إِلَّا بِمِقْدَار الثُّلُث وَلَو أوصى بِعِتْق بعض عبد عِنْد مَوته لم يسر لِأَن الْمَيِّت مُعسر وَقد انْتقل مَاله إِلَى الْوَارِث إِلَّا أَن يَسْتَثْنِي بِالْوَصِيَّةِ فَلَو قَالَ أعتقوا نصفه عتقا ساريا أعتقنا النّصْف وَلم يسر لِأَنَّهُ أوصى بمحال إِلَّا أَن يُوصي بشرَاء النَّصِيب الثَّانِي وإعتاقه فرعان الأول لَو كَانَ لَهُ مَال وَعَلِيهِ مثله دين فَهَل يحلق بالمعسر فِيهِ خلاف كَمَا فِي الزَّكَاة لِأَن السَّرَايَة حق الله تَعَالَى كَالزَّكَاةِ الثَّانِي لَو كَانَ مُعسرا بِبَعْض قيمَة النَّصِيب فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يسري بذلك الْقدر وَالثَّانِي أَنه لَا يسري إِذْ لَا بُد من تبعيض الرّقّ وَالشَّرِيك يتَضَرَّر بتبعيض ملكه كَمَا يتَضَرَّر المُشْتَرِي بتبعيض الْمَبِيع عَلَيْهِ فِي الشُّفْعَة الشَّرْط الثَّانِي أَن يتَوَجَّه الْعتْق على نصيب نَفسه أَو على الْجَمِيع حَتَّى يتَنَاوَل نصِيبه فَلَو قَالَ أعتقت نصيب شَرِيكي لَغَا قَوْله وَلَو قَالَ أعتقت النّصْف من هَذَا العَبْد فَهُوَ مُحْتَمل لكل وَاحِد من الْجَانِبَيْنِ وَلكنه لَا يخصص بِجَانِب شَرِيكه وَهل يخصص بجانبه أم يُقَال هُوَ نصف شَائِع فِي الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وَلَا تظهر هَا هُنَا فَائِدَته لِأَنَّهُ إِذا تنَاول شَيْئا من ملكه سرى إِلَى جَمِيع ملكه ويسري أَيْضا إِلَى شَرِيكه إِلَّا أَن يكون مُعسرا لَكِن تظهر فَائِدَته فِي قَوْله بِعْت هَذَا النّصْف أَو فِي إِقْرَاره بِنصْف الضَّيْعَة الْمُشْتَركَة لثالث فَفِي وَجه يخرج جَمِيع النّصْف من يَده وَفِي وَجه يخرج شطر النّصْف من يَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينزل البيع عَن نصف الْخَاص وَالْإِقْرَار يشيع لِأَن الْإِنْسَان قد يخبر عَمَّا فِي يَد الْغَيْر وَلَا يَبِيع مَال الْغَيْر وَهَذَا مُتَّجه فليجعل وَجها فِي مَذْهَبنَا الشَّرْط الثَّالِث أَن يعْتق بِاخْتِيَارِهِ فَلَو ورث نصف قَرِيبه فَعتق عَلَيْهِ لم يسر لِأَن التَّقْوِيم تغريم يَلِيق بالتلف الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يتَعَلَّق بِمحل السَّرَايَة حق لَازم فَإِن تعلق كَمَا لَو كَانَ مَرْهُونا أَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو مُسْتَوْلدَة فَفِي السَّرَايَة إِلَى جَمِيع ذَلِك خلاف وَبَعضهَا أولى بِأَن

لَا يسري من بعض وَذَلِكَ بِحَسب تَأَكد الْحُقُوق ثمَّ عتق الْمُوسر مَتى يسري فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه فِي الْحَال حَتَّى لَا يَتَبَعَّض الرّقّ مَا أمكن وَالثَّانِي أَنه إِذا أدّى الْقيمَة حَتَّى لَا يَزُول ملك الشَّرِيك إِلَّا بِبَدَل يملكهُ فَإِن ذَلِك أهم من السَّرَايَة وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِذا أدّى تبين السَّرَايَة من وَقت الْعتْق وَإِن تعذر اسْتمرّ الر نظرا إِلَى الْمَعْنيين جَمِيعًا ثمَّ يَنْبَنِي على الْأَقْوَال مسَائِل الأولى فِي سرَايَة استيلاد أحد الشَّرِيكَيْنِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة بالترتيب وَأولى بِأَن لَا يتعجل لِأَنَّهُ علقَة عتاقه لَا حَقِيقَة عتاقه وَقيل أولى بِأَن يتعجل لِأَنَّهُ فعل وَهُوَ أقوى من القَوْل ثمَّ إِذا سريناه لكَونه مُوسِرًا فَعَلَيهِ نصف الْمهْر وَنصف قيمَة الْجَارِيَة وَنصف قيمَة الْوَلَد إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك ينْتَقل قبيل الْعلُوق فَتسقط قيمَة الْوَلَد وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَا يسري وَلَو اسْتَوْلدهَا الثَّانِي أَيْضا وَهُوَ مُعسر فَهِيَ مستولدتهما فَإِن أعتق أَحدهمَا نصِيبه وَهُوَ مُوسر فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يسري لِأَن السَّرَايَة بِتَقْدِير نقل الْملك والمستولدة لَا تقبل النَّقْل وَلَكِن لَا يبعد أَن يقبل مثل هَذَا النَّقْل القهري المفضي إِلَى الْعتْق وَكَذَلِكَ لَو أعتق الْكَافِر نصِيبه من عبد مُسلم فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان إِذْ فِي ضمنهَا نقل الْملك وَلَكِن قهرا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عبد بَين ثَلَاثَة لأَحَدهم ثلثه وَلآخر سدسه

وَللْآخر نصفه فَأعتق اثْنَان نصيبهما مَعًا وسرى فقيمة مَحل السَّرَايَة توزع على عدد رءوسهما أَو على قدر ملكيهما فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الشُّفْعَة وَقيل يقطع هَاهُنَا بالتوزيع على عدد الرُّءُوس لِأَنَّهُ إهلاك فَيُشبه الْجِرَاحَات وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الْجراحَة لَا يتَقَدَّر أَثَرهَا بِقدر غورها حَتَّى يُقَال بِأَن أَربع جراحات أثر كل وَاحِدَة ربع السَّرَايَة وَهَا هُنَا السَّبَب مُقَدّر تَحْقِيقا الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا حكمنَا بِتَأْخِير السَّرَايَة فَالْقيمَة بِأَيّ يَوْم تعْتَبر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَوْم الْإِعْتَاق إِذْ هُوَ سَبَب الزَّوَال وَالثَّانِي بِيَوْم الْأَدَاء إِذْ عِنْده فَوَات الْملك وَالثَّالِث يجب أقْصَى الْقيمَة بَين الْإِعْتَاق وَالْأَدَاء وَهُوَ الْأَصَح كَمَا يجب أقْصَى الْقيمَة بَين الْجراحَة وَالْمَوْت فرع إِذا اخْتلفَا فِي قدر قيمَة العَبْد وَقد مَاتَ وَتعذر مَعْرفَته فَالْقَوْل قَول الْغَارِم لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَفِيه قَول آخر ضَعِيف أَن القَوْل قَول الطَّالِب إِذْ يبعد أَن ينْقل ملكه بقول غَيره أما إِذا ادّعى الْغَارِم نُقْصَان الْقيمَة بِسَبَب نقيصة طارئة فَالْأَصْل عدم النَّقْص وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فَيخرج على قولي تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَلَيْسَ معنى تقَابل الْأَصْلَيْنِ اسْتِحَالَة التَّرْجِيح بل يطْلب التَّرْجِيح من مدرك آخر سوى اسْتِصْحَاب الْأُصُول فَإِن تعذر فَلَيْسَ إِلَّا التَّوَقُّف أما تخير الْمُفْتِي بَين متناقضين فَلَا وَجه لَهُ

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الطوارىء قبل أَدَاء الْقيمَة على قَول التَّوَقُّف كموت الْمُعْتق أَو العَبْد أَو بيع الشَّرِيك أَو عتقه أَو وَطئه أَو إعسار الْمُعْتق أما موت الْمُعْتق فَيُوجب الْقيمَة فِي التَّرِكَة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ عَلَيْهِ الْإِعْتَاق وَأما موت العَبْد هَل يسْقط الْقيمَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِخُرُوجِهِ من قبُول الْعتْق وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ سبق اسْتِحْقَاق الْعتْق على الْمَوْت وَالْقيمَة وَجَبت بِهِ أما بيع الشَّرِيك فَالصَّحِيح أَنه لَا ينفذ فَإِنَّهُ يبطل اسْتِحْقَاق الْعتْق وَأما إِعْتَاقه فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ينفذ لِأَن الأول اسْتحق إِعْتَاقه من نَفسه وَالثَّانِي أَنه يَصح لِأَن الْملك قَائِم وَالْمَقْصُود أصل الْعتْق وَأما وَطْؤُهُ فَيُوجب نصف الْمهْر لنصفها الْحر وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب لِلنِّصْفِ الثَّانِي لِأَن ملكه بَاقٍ وَفِيه وَجه أَنه يجب للشَّرِيك الأول فَإِن الْملك مُسْتَحقّ الإنقلاب إِلَيْهِ وَأما إعسار الْمُعْتق فَالصَّحِيح أَنه يرفع الْحجر عَن الشَّرِيك فِي التَّصَرُّف لأَنا أخرنا الْعتْق لأجل حَقه فَلَا يُمكن تَعْطِيل ملكه بِغَيْر بدل نعم لَو كَانَ مُعسرا أَولا فطرآن الْيَسَار لَا يُؤثر فِي السَّرَايَة الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ أحد الشَّرِيكَيْنِ لصَاحبه إِذا أعتقت أَنْت نصيبك فنصيبي أَيْضا حر فَإِذا أعتق الْمَقُول لَهُ ذَلِك وَكَانَ مُوسِرًا ورأينا تَعْجِيل السَّرَايَة عتق العَبْد كُله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اجْتمع على النّصْف تَعْلِيق وسراية والسراية أولى لكَونهَا قهرية تَابِعَة لعتق النّصْف الآخر الَّذِي لَا يقبل الدّفع وَأما التَّعْلِيق فَلفظ يقبل الدّفع وَإِن فرعنا على التَّأْخِير فَيعتق النّصْف الآخر بِالتَّعْلِيقِ كَمَا لَو أنشأالعتق مَعَه أَو بعده إِلَّا إِذا فرعنا على أَن عتقه لَا ينفذ لاسْتِحْقَاق

السَّرَايَة فَحِينَئِذٍ ينْدَفع التَّعْلِيق بِاسْتِحْقَاق السَّرَايَة كَمَا ينْدَفع بِنَفس السَّرَايَة أما إِذا كَانَ مُعسرا فتلغو السَّرَايَة وَينفذ التَّعْلِيق وَلَو قَالَ فنصيبي حر قبله وَكَانَا معسرين عتق كل نصيب على صَاحبه وَإِن كَانَا موسرين فَهَذَا من الدّور إِذْ لَو عتق قبل مُبَاشَرَته بِحكم التَّعْلِيق لسرى وامتنعت الْمُبَاشرَة بعده وانعدمت الصّفة الَّتِي عَلَيْهَا التَّعْلِيق فتنعدم السَّرَايَة فَهَذَا عِنْد ابْن الْحداد يَقْتَضِي الْحجر على الْمَالِك فِي إِعْتَاق نصيب نَفسه الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه قد أعتقت نصيبك وَأَنت مُوسر فَأنْكر عتق نصيب الْمُدَّعِي مجَّانا مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَذَلِكَ ظَاهر وَلَكِن على قَول تَعْجِيل السَّرَايَة ثمَّ لَهُ أَن يحلفهُ فَلَو نكل فَحلف الْمُدَّعِي أَخذ قيمَة نصِيبه وَلم يحكم بِعِتْق نصيب الْمُدعى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ الْمَرْدُودَة لِأَن دَعْوَاهُ إِنَّمَا قبلت لأجل قيمَة نصِيبه وَإِلَّا فدعوى الْإِنْسَان على غَيره أَنه أعتق ملك نَفسه غير مسموع بل إِنَّمَا تسمع الشَّهَادَة على سَبِيل الْحِسْبَة وَلَو ادّعى كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ على الآخر أَنه أعتق نصيب نَفسه فَإِن كَانَا معسرين بَقِي العَبْد رَقِيقا وَإِن كَانَا موسرين عتق العَبْد وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوف إِذْ لَا يَدعِيهِ أَحدهمَا لنَفسِهِ

الخاصية الثَّانِيَة الْعتْق بِالْقَرَابَةِ وكل من دخل فِي ملكه أحد أَبْعَاضه عتق عَلَيْهِ إِن كَانَ من أهل التَّبَرُّع فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول قَوْلنَا دخل فِي ملكه وَقد تناولنا بِهَذَا الْإِرْث وَالْهِبَة وَالشِّرَاء وكل ملك قهرا كَانَ أَو اخْتِيَارا لِأَن هَذَا الْعتْق صلَة فَلَا يَسْتَدْعِي الإختبار والسراية غَرَامَة فَلَا تحصل إِلَّا بعد الإختيار الثَّانِي الأبعاض وَقد تناولنا بِهِ جَمِيع الْفُرُوع وَالْأُصُول وَهُوَ كل من يسْتَحق النَّفَقَة وأخرجنا الْإِخْوَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق كل ذِي رحم محرم الثَّالِثَة أَهْلِيَّة التَّبَرُّع وَيخرج عَلَيْهِ الطِّفْل وَالْمَرِيض والمحجور أما الطِّفْل لَيْسَ لوَلِيِّه أَن يَشْتَرِي لَهُ قَرِيبه الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ وَلَو وهب لَهُ لم يجز قبُوله حَيْثُ تجب نَفَقَته بِأَن يكون الْمَوْهُوب غير كسوب وَالصَّبِيّ مُوسر وَحَيْثُ لَا تجب النَّفَقَة فِي

الْحَال يجوز الْقبُول وَإِن كَانَ يتَوَقَّع فِي الْمَآل فَلَا ينظر إِلَيْهِ ثمَّ إِذا قبل عتق عَلَيْهِ وَلَو وهب مِنْهُ نصف قَرِيبه وتوقع من قبُوله السَّرَايَة والغرامة فَلَا يقبله الْوَلِيّ وَفِيه وَجه أَنه يقبل وَلَا يسري أما الْمَرِيض فَلَو اشْترى قَرِيبه عتق من ثلثه فَإِن لم يَفِ بِهِ فَلَا يعْتق وَإِن ملكه بِإِرْث أَو هبة فَيعتق من الثُّلُث أَو رَأس المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا من الثُّلُث كَمَا لَو اتهب عبدا وَأَنْشَأَ عتقه وَالثَّانِي من رَأس المَال لِأَنَّهُ عتق بِغَيْر اخْتِيَاره وَلم يبْذل فِي مُقَابلَته شَيْئا وَلَو اشْتَرَاهُ بِأَلف وَهُوَ يُسَاوِي أَلفَيْنِ فَقدر الْمُحَابَاة يخرج على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْبَاقِي يحْسب من الثُّلُث أما الْمَحْجُور بِسَبَب الدّين مَرِيضا كَانَ أَو مفسلا فَيعتق عَلَيْهِ قَرِيبه الَّذِي وَرثهُ أَو اتهبه وَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْسب من رَأس المَال أما إِذا اشْترى فَفِي وَجه يبطل الشِّرَاء وَفِي وَجه يملك وَلَا يعْتق فرع إِذا قهر الْحَرْبِيّ حَرْبِيّا آخر ملكه فَلَو قهر أَبَاهُ فَهَل يملكهُ حَتَّى يَصح بَيْعه قَالَ أَبُو زيد يملكهُ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ يعْتق قهرا فقهر الْعتْق ملك والقهر دَائِم وَقَالَ ابْن الْحداد لَا يملك لِأَن الْقَرَابَة دافعة وَهِي دائمة مَعَ الْقَهْر قَاعِدَة مركبة من عتق الْقَرَابَة والسراية وَهِي أَن الْمُوسر إِذا اشْترى نصف قَرِيبه عتق وسرى وَكَذَا لَو اتهب وَلَو ورث عتق وَلم يسر لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَار

وَاعْلَم أَن اخْتِيَار وَكيله ونائبه شرعا كاختياره حَتَّى لَو أوصى لَهُ بِبَعْض أَبِيه فَمَاتَ قبل الْقبُول وَورثه أَخُوهُ فَقبل بنيابته عتق كُله على الْمَيِّت إِن كَانَ فِي الثُّلُث وَفَاء لِأَن قبُوله كقبول الْمَيِّت فَكَأَن الْمَيِّت ملكه فِي الْحَيَاة وَلَو أوصى لَهُ بِنصْف ابْن أَخِيه فَمَاتَ قبل الْقبُول وَورثه أَخُوهُ وَقبل فَهَل يسر على الْقَابِل فَإِنَّهُ ابْنه فِيهِ وَجْهَان وَوجه منع السَّرَايَة أَن قبُوله يحصل الْملك للْمَيت أَولا ثمَّ ينْتَقل إِلَيْهِ قهرا وَيجْرِي الْوَجْهَانِ فِي كل ملك يحصل غير مَقْصُود فِي نَفسه كَمَا لَو بَاعَ بعض من يعْتق على وَارثه بِثَوْب ثمَّ رد الْوَارِث الثَّوْب بِعَيْب رَجَعَ إِلَيْهِ بعض قَرِيبه ضمنا لرد الْعِوَض وَكَذَلِكَ إِذا عجز مكَاتبه وَكَانَ فِي يَده بعض قَرِيبه وَلَو عجز الْمكَاتب نَفسه فَرجع بعض قريب السَّيِّد إِلَيْهِ لم يسر قطعا

الخاصية الثَّالِثَة امْتنَاع الْعتْق بِالْمرضِ إِذا لم يَفِ الثُّلُث بِهِ فَلَو أعتق عبدا لَا مَال لَهُ غَيره عتق ثلثه ورق ثُلُثَاهُ للورقة فَإِن ظهر عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق بيع كُله فِي الدّين وَلَو مَاتَ العَبْد قبل موت السَّيِّد قَالَ الْقفال مَاتَ وَثلثه حر وثلثاه رَقِيق وَقيل إِنَّه مَاتَ حرا لِأَن الإرقاق إِنَّمَا يكون حَيْثُ يكون للْوَرَثَة فِيهِ فَائِدَة وَقيل يَمُوت كُله رَقِيقا لِأَن الثُّلُث إِنَّمَا يعْتق إِذا حصل للْوَارِث ثُلُثَاهُ وَتظهر فَائِدَة هَذَا فِيمَا لَو وهب عبدا وأقبضه وَمَات ثمَّ مَاتَ السَّيِّد فَيظْهر أثر الْخلاف فِي مُؤنَة التَّجْهِيز وَأَنَّهَا على من أما لَو قبله الْمُتَّهب فَهُوَ كالباقي حَتَّى يغرم قيمَة الزَّائِد على الثُّلُث فرع لَو أعتق ثَلَاثَة أعبد لَا مَال لَهُ غَيرهم وَمَات وَاحِد قبل موت السَّيِّد قَالَ الْأَصْحَاب يدْخل الْمَيِّت فِي الْقرعَة فَإِن خرجت لَهُ رق الْآخرَانِ وَإِن خرج على أحد الْحَيَّيْنِ عتق ثُلُثَاهُ فَقَط وَهَذَا إِنَّمَا يَصح على اخْتِيَار الْقفال فَأَما من جعل الْمَيِّت قبل السَّيِّد كَالْمَعْدُومِ

فَلَا ينقدح عِنْده إِدْخَاله فِي الْقرعَة أما إِذا مَاتَ أحدهم بعد موت السَّيِّد وَلَكِن قبل امتداد يَد الْوَارِث وَقبل الْقرعَة فَيدْخل فِي الْقرعَة فَإِن خرج عَلَيْهِ رق الْآخرَانِ وَإِن خرج على أحد الباقيين عتق ثُلُثَاهُ وَلم يحْتَسب مَا لم يدْخل فِي يَد الْوَارِث عَلَيْهِ وَإِن كَانَ دخل فِي يَده وَلَكِن مَاتَ قبل الْقرعَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحْسب عَلَيْهِ حَتَّى لَو خرجت على وَاحِد من الْحَيَّيْنِ عتق بِكَمَالِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَانَ مَحْجُورا عَن التَّصَرُّف قبل الْقرعَة فَأَي فَائِدَة لليد

الخاصية الرَّابِعَة الْقرعَة وَالنَّظَر فِي محلهَا وكيفيتها أما محلهَا فَإِن أعتق عبيدا مَعًا لَا يَفِي ثلثه بهم فقد أعتق رجل سِتَّة أعبد لَا مَال لَهُ غَيرهم فجزأهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَجزَاء وأقرع بَينهم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا قرعَة ويزع عَلَيْهِم فَيعتق من كل وَاحِد ثلثه وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن تشوف الشَّرْع إِلَى تَكْمِيل الْعتْق فَوَجَبَ اتِّبَاع الْخَبَر وَالْمذهب أَن الْقرعَة جَارِيَة فِيمَا لَو أوصى بعتقهم وَفِيمَا لَو قَالَ الثُّلُث من كل وَاحِد مِنْكُم حر وَفِيه وَجه أَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِي تَنْجِيز الْعتْق على الْجَمِيع فَلَا تلْحق بِهِ الْوَصِيَّة وَلَا صَرِيح التجزئة بل يجْرِي على الْقيَاس أما إِذا أعتق على تَرْتِيب فَلَا خلاف أَن السَّابِق يقدم وَلَا قرعَة وَأما الْوَصِيَّة فَلَا ينظر فِيهَا إِلَى التَّقَدُّم والتأخر لِأَن الْمَوْت جَامع لوقت الْعتْق وَهُوَ وَاحِد نعم لَو دبر عبدا وَأوصى بِعِتْق آخر فالمدبر يتَّصل عتقه بِالْمَوْتِ وَالْوَصِيَّة تقف على الْإِنْشَاء بعده فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تَقْدِيم الْمُدبر وَالثَّانِي التَّسْوِيَة لِأَن اسْتِحْقَاق الْمُوصى بِهِ يُقَارب عتق الْمُدبر

فرع فِي الدّور وَكَيْفِيَّة الْإِخْرَاج من الثُّلُث فَإِذا أعتق ثلَاثه أعبد قيمَة كل وَاحِد مائَة وَلَا مَال لَهُ غَيرهم وَلَكِن اكْتسب وَاحِد مائَة قبل الْمَوْت فيقرع بَينهم فَإِن خرج على المكتسب فَلَا إِشْكَال وَقد عتق وفاز بِالْكَسْبِ ورق الْآخرَانِ وَلَو خرج على غَيره عتق وَلم يقنع بِهِ لِأَنَّهُ يبْقى للْوَرَثَة عَبْدَانِ وَمِائَة أُخْرَى هِيَ الْكسْب فيقرع مرّة أُخْرَى بَين الْعَبْدَيْنِ الآخرين فَإِن خرج على غير المكتسب فَيعتق مِنْهُ ثلثه وَبِه يتم ثلث أَرْبَعمِائَة إِذْ مهما رق المكتسب صَار المَال أَرْبَعمِائَة وَإِن خرج على المكتسب وَقع الدّور لِأَن كل جُزْء يعْتق مِنْهُ فيستتبع جُزْءا من الْكسْب فِي مُقَابلَته وَينْقص مبلغ الْمِيرَاث بِهِ إِذْ مَا يتبع الْجُزْء يخرج من حِسَاب الْمِيرَاث فسبيله الْجَبْر والمقابلة فطريق عمله أَن نقُول عتق من المكتسب شَيْء وَتَبعهُ مثله لِأَن الْكسْب مثل قِيمَته وَلَو كَانَ اكْتسب مِائَتَيْنِ لقلنا تبعه مثلاه وَلَو كَانَ اكْتسب خمسين لقلنا تبعه مثل نصفه فَإِن كَانَ الْكسْب مائَة وَتَبعهُ مثله بَقِي فِي يَد الْوَرَثَة ثَلَاثمِائَة إِلَّا شَيْئَيْنِ إِذْ أعتقنا شَيْئا وَتَبعهُ مثله وَهِي تعدل مثلي مَا أعتقنا فيكُن مِائَتَيْنِ وشيئين أعتقنا مائَة وشيئا فَفِي أَيْديهم ثلثان إِلَّا شَيْئَيْنِ تعدل مِائَتَيْنِ وشيئين فتجبر الثَّلَاث مائَة بشيئين فَيصير فِي أَيْديهم ثَلَاثمِائَة تعدل مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَة أَشْيَاء فالمائتان بالمائتين قصاص تبقى مائَة فِي مُقَابلَة أَرْبَعَة أَشْيَاء فَيكون كل شَيْء ربع الْمِائَة فقد ظهر لنا أَن الَّذِي أعتقنا كَانَ ربع العَبْد وَهُوَ قدر خمس وَعشْرين وَتَبعهُ من الْكسْب مثله فَتَصِير خمسين وَيبقى فِي يَد الْوَرَثَة من بَقِيَّة الْكسْب والعبدين قدر مِائَتَيْنِ وَخمسين وَهُوَ ضعف مَا أعتقناه فَإنَّا أعتقنا مائَة وخمسا وَعشْرين وَذَلِكَ مَا أردنَا أَن نبين وَمهما زَادَت قيمَة عبد فَهُوَ ككسبه وَلَو كَانَت جَارِيَة فَحملت فالحمل كالكسب الطّرف الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقرعَة وَكَيْفِيَّة التجزئة أما كَيْفيَّة الْقرعَة فقد ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْقِسْمَة وَيتَخَيَّر بَين أَن يكْتب اسْم العبيد أَو يكْتب الرّقّ وَالْحريَّة وَلَعَلَّ الأسهل أَن يكْتب اسْم الْحُرِّيَّة فِي رقْعَة وَالرّق فِي رقعتين وتدرج فِي بَنَادِق مُتَسَاوِيَة وتسلم إِلَى صبي حَتَّى يُعْطي كل بعد بندقة وَهَذَا يقطع النزاع فِي الْبِدَايَة باسم من تخرج عَلَيْهِ

وَلَو اتَّفقُوا على أَنه إِن طَار غراب فغانم حر مثلا وَإِن وضع صبي يَده على وَاحِد فَهُوَ حر فَذَلِك لَا أثر لَهُ بل لَا بُد من الْقرعَة كَمَا ورد الشَّرْع نعم لَا يتَعَيَّن الكاغد فِي الرقعة لَكِن يجوز بالخشب وَغَيره وَقد أَقرع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَغَانِم مرّة بالنوى وَمرَّة بالبعر أما كَيْفيَّة التجزئة فَإِن أعتق ثَلَاثَة أعبد أَو سِتَّة وهم متساوو الْقيمَة فيسهل تجزئتهم بِثَلَاثَة أَجزَاء أما إِذا خَالَفت الْقيمَة الْعدَد فَإِن أمكن التجزئة إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء بِالْقيمَةِ فيفعل وَلَا يُبَالِي بتفاوت الْعدَد حَتَّى لَو كَانُوا أَرْبَعَة وَقِيمَة اثْنَيْنِ مائَة وَقِيمَة كل وَاحِد من الآخرين مائَة جعل الْإِثْنَيْنِ جُزْءا وَاحِدًا فإا خرجت لَهما الْقرعَة عتقا أما إِذا لم يُمكن ذَلِك بِأَن كَانُوا ثَمَانِيَة أعبد مثلا وَلَا تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء إِذا تَسَاوَت قيمتهم فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجزأ بِحَيْثُ يقرب من التَّثْلِيث فَيجْعَل ثَلَاثَة وَثَلَاثَة واثنين فَإِن خرج على الثَّلَاثَة قرعَة الْحُرِّيَّة لم يعْتق جَمِيعهم بل تُعَاد الْقرعَة بَينهم بِسَهْم رق وسهمي عتق فَمن خرج لَهُ سهم الرّقّ رق ثلثه وَعتق ثُلُثَاهُ وَالثَّانِي أَنه يجب التَّثْلِيث بل يجوز تجزئتهم مثلا أَرْبَعَة أَجزَاء سهم عتق وَثَلَاثَة أسْهم رق فَأَي عَبْدَيْنِ خرج لَهما الْقرعَة بِالْحُرِّيَّةِ عتقا ثمَّ تُعَاد بَين السِّتَّة فيجزءون بِثَلَاثَة أَجزَاء وَيضْرب بَينهم سهم عتق وَسَهْما رق فَأَي عَبْدَيْنِ خرج لَهما سهم الْعتْق انحصر فيهمَا ثمَّ تُعَاد بَينهمَا فَمن خرج لَهُ عتق ثُلُثَاهُ مَعَ الآخرين وَالصَّحِيح أَن هَذَا فِي الإستحباب وَقَالَ الصيدلاني الْخلاف فِي الإستحقاق فرع إِذا كَانَ على الْمَيِّت دين مُسْتَغْرق بَطل الْعتْق وَإِن لم يسْتَغْرق فالباقي بعد الدّين كَأَنَّهُ كل المَال فَينفذ الْعتْق بِقدر ثلث الْبَاقِي وَإِذا لم يملك إِلَّا عبيدا أعتقهم فيقرع أَولا سهم دين وَسَهْم تَرِكَة حَتَّى يتَعَيَّن بَعضهم للدّين فَيصْرف أَولا إِلَى الدّين ثمَّ يقرع لِلْعِتْقِ وَالْوَرَثَة فِي

البَاقِينَ لِأَنَّهُ رُبمَا يَمُوت من تعين للدّين قبل أَن يصرف إِلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يكْتب رقْعَة لِلْعِتْقِ وَأُخْرَى للدّين وَأُخْرَى للْوَرَثَة دفْعَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ رُبمَا سبق رقْعَة الْعتْق وَلَا يُمكن تنفيذه قبل قَضَاء الدّين وَفِيه وَجه أَنه يجوز ثمَّ إِذا خرج أَولا سهم الْعتْق وقفنا فِي التَّنْفِيذ إِلَى أَن يقْضى الدّين ثمَّ كَيْفيَّة الْقرعَة على الصَّحِيح أَن ينظر فَإِن كَانَ الدّين ربع التَّرِكَة مثلا قسمنا العبيد أَرْبَعَة أَجزَاء وَإِن كَانَ ثَلَاثَة قسمناهم ثَلَاثَة أَجزَاء فَإِذا خرج قرعَة الدّين لقسم صرفناه إِلَى الدّين ثمَّ إِذا دفعنَا بعض الْعتْق فَظهر للْمَيت دين أعدنا الْقرعَة بِقدر مَا اتسعت التَّرِكَة وَلَا يخفى وَجهه

النّظر الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة الأولى إِذا أبهم الْعتْق بَين جاريتين ثمَّ وطىء إِحْدَاهمَا هَل يكون ذَلِك تعيينا للْملك فِيهَا فِيهِ وَجْهَان ذكرناهما فِي الطَّلَاق وَفِي الإستمتاع باللمس والقبلة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يكون تعيينا وَفِي الإستخدام وَجْهَان مرتبان وَيبعد يَجعله تعيينا وَبَقِيَّة أَحْكَام الْإِبْهَام ذَكرنَاهَا فِي الطَّلَاق الثَّانِي إِذا قَالَ لجاريته أول ولد تلدينه فَهُوَ حر فَولدت مَيتا ثمَّ حَيا لم يعْتق الْحَيّ وانحلت الْيَمين بِالْمَيتِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِث لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت ابْني ثَبت نسبه وَعتق إِلَّا أَن يكون أكبر سنا مِنْهُ فَيلْغُو لِأَنَّهُ ذكر محالا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق وَإِن لم يثبت النّسَب وَلَو كَانَ مَشْهُور النّسَب من غَيره لم يثبت النّسَب وَفِي الْعتْق وَجْهَان لِأَن مَا صرح بِهِ مُمْتَنع شرعا لَا حسا بِخِلَاف من هُوَ أكبر مِنْهُ الرَّابِع إِذا أعتق الْوَارِث عبدا من التَّرِكَة قبل قَضَاء دين الْمَيِّت أَو بَاعه فَذَلِك يَنْبَنِي على أَن تعلق حق الْغرم بِالتَّرِكَةِ كتعلق أرش الْجِنَايَة أَو كتعلق الْمُرْتَهن أَو يمْنَع أصل ملك الْوَارِث وَفِيه ثَلَاثَة أوجه وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنه إِن كَانَ مُعسرا لم ينفذ تصرفه وَإِن كَانَ مُوسِرًا فَيكون تصرفه كتصرف الرَّاهِن

الْخَامِس لَو قَالَ إِذا أعتقت غانما فسالم حر ثمَّ أعتق غانما وَهُوَ مَرِيض وكل وَاحِد ثلث مَاله لم يقرع بَينهمَا بل يعْتق غَانِم لِأَنَّهُ رُبمَا تخرج الْقرعَة على سَالم فَيعتق من غير وجود الصّفة وَهُوَ وجود عتق غَانِم وَفِيه وَجه أَنه يقرع وَهُوَ غلط السَّادِس إِذا قَالَ أحد الشَّرِيكَيْنِ إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فنصيبي حر وَقَالَ الآخر إِن لم يكن غرابا فنصيبي حر واستبهم فَإِن كَانَا موسرين نفذ عتق العَبْد إِذْ أَحدهمَا حانث وَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يُطَالب الآخر بِقِيمَة السَّرَايَة وَإِن كَانَا معسرين رق العَبْد إِذْ كل وَاحِد يشك فِي عتق نصيب نَفسه وَالْأَصْل بَقَاء الْملك

فَإِن اشْترى أَحدهمَا نصيب الآخر حكم بِعِتْق نصف العَبْد إِذْ تَيَقّن أَن فِي يَده نصف حر وَكَذَا لَو اشْترى ثَالِث العَبْد حكم عَلَيْهِ بحريّة نصفه وَلَيْسَ لَهُ الرَّد عَلَيْهِمَا وَلَا على أَحدهمَا لِأَن كل وَاحِد يزْعم أَن نصِيبه رَقِيق وَفِيه وَجه أَنه يرد إِذا كَانَ جَاهِلا وَهُوَ فَاسد لِأَن الْعتْق قد نفذ عَلَيْهِ فَكيف ينْقض السَّابِع وقف بَين يَدَيْهِ غَانِم وَسَالم فَقَالَ أَحَدكُمَا حر ثمَّ غَابَ سَالم ووقف ميسر بِجنب غَانِم فَقَالَ أَحَدكُمَا حر ثمَّ مَاتَ قبل الْبَيَان وَقُلْنَا الْوَارِث لَا يقوم مقَامه فِي التَّعْيِين فيقرع بَين غَانِم وَسَالم فَإِن خرج على سَالم عتق وأقرع بَين غَانِم وميسر وَيعتق من خرج أما إِذا خرج أَولا على غَانِم فَهَل تُعَاد بَينه وَبَين ميسر فِيهِ وَجْهَان قَالَ الماسرجسي تُعَاد لانه أبهم مرَّتَيْنِ فيقرع مرَّتَيْنِ وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق لَا تُعَاد لِأَن الْقرعَة كتعيين الْمَالِك أَو بَيَانه لما نَوَاه وَلَو قَالَ الْمَالِك أردْت بالإبهامين غانما فَقَط أَو عين غانما عَن الإبهامين لانقطعت الْمُطَالبَة عَنهُ فَينزل الْأَمر بعد مَوته على الأول ويقنع بِعِتْق غَانِم الثَّامِن إِذا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَالَ أعتقت أَحَدكُمَا على ألف وَقبل كل وَاحِد وَمَات قبل الْبَيَان أَقرع بَينهمَا فَمن خرج لَهُ عتق وَلَزِمَه قيمَة رقبته لفساد الْعِوَض بالإبهام وَفِيه وَجه أَن الْمُسَمّى أَيْضا يحْتَمل الْإِبْهَام تبعا لِلْعِتْقِ فَيلْزم الْألف

التَّاسِع جَارِيَة مُشْتَركَة زوجاها من ابْن أحد الشَّرِيكَيْنِ فَولدت عتق نصفهَا على أحد الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ جد الْمَوْلُود وَلَا يسري عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عتق بِغَيْر اخْتِيَاره وَلَا يَجْعَل بِالْإِذْنِ فِي التَّزْوِيج مُخْتَارًا وَقد تخَلّل بعد الْوَطْء والعلوق بِاخْتِيَار غَيره وَقيل سَببه أَن الْوَلَد ينْعَقد حرا وَإِنَّمَا يسري الْعتْق الطارىء دون الْحُرِّيَّة الْأَصْلِيَّة وَقد قيل إِنَّه ينْعَقد رَقِيقا ثمَّ يعْتق كَمَا لَو اشْترى قَرِيبه ملكه ثمَّ عتق عَلَيْهِ وَعِنْدِي أَنه لَا يملك بل ينْدَفع الْملك بِمُوجب الْعتْق وَيكون الإندفاع فِي معنى الإنقطاع وَكَذَلِكَ الْوَلَد ينْدَفع رقّه وَلِهَذَا غور ذَكرْنَاهُ فِي تحصين المآخذ فِي مَسْأَلَة شريك الْأَب الْعَاشِر الْمَغْرُور بِنِكَاح الْأمة يغرم قيمَة الْوَلَد للسَّيِّد فَلَو غر بِجَارِيَة أَبِيه فَفِي لُزُوم قيمَة الْوَلَد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَنَّهُ يعْتق بِسَبَب الجدودة وَإِن لم يكن ظن الْمَغْرُور فَإِنَّهُ لَو زَوجهَا من ابْنه كَانَ وَلَده حرا وَالثَّانِي أَنه يغرم لِأَن الْأَب لم يرض بتعرض ولد جَارِيَته لِلْعِتْقِ بِنِكَاح ابْنه فَلَا يفوت عَلَيْهِ

الخاصية الْخَامِسَة الْوَلَاء وَالنَّظَر فِي سَببه وَحكمه وفروعه الأول فِي السَّبَب وَسَببه زَوَال الْملك بِالْحُرِّيَّةِ فَكل من زَالَ ملكه عَن رَقِيق بِالْحُرِّيَّةِ فَهُوَ مَوْلَاهُ سَوَاء نجز أَو علق أَو دبر أَو كَاتب فتمت الْكِتَابَة أَو استولد فَمَاتَ أَو أعتق العَبْد بعوض أَو اشْترى قَرِيبه فَعتق عَلَيْهِ أَو وَرثهُ فَعتق عَلَيْهِ قرها أَو سرى عتقه إِلَى نصيب شركه وَسَوَاء اتّفق الدّين عِنْد الْعتْق أَو اخْتلف وَلَو بَاعَ عَبده من نَفسه فَالظَّاهِر أَيْضا أَن الْوَلَاء لَهُ وَفِيه وَجه أَن لَا وَلَاء لَهُ فِي هَذِه الصُّورَة أصلا وَأما حَقِيقَة الْوَلَاء فَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلذَلِك نقُول لَو شَرط فِي الْعتْق نفي الْوَلَاء أَو شَرطه لغيره أَو شَرطه لبيت المَال لَغَا شَرطه وَهَذَا لِأَن الْمُعْتق كَالْأَبِ فَإِنَّهُ سَبَب فِي وجود العَبْد إِذْ كَانَ العَبْد مفقودا لنَفسِهِ مَوْجُودا لسَيِّده فقد أوجده

لنَفسِهِ بِالْعِتْقِ وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يَجْزِي ولد وَالِده حَتَّى يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه لِأَنَّهُ إِذا أعْتقهُ فقد كافأه على الْأُبُوَّة إِذْ صَار سَببا لوُجُوده الْحكمِي كَمَا كَانَ الْأَب سَببا لوُجُوده الْحسي وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَصْحَاب تحرم الصَّدَقَة على موَالِي بني هَاشم وَإِذا أوصى لبني فلَان دخل فيهم مواليهم وَلِهَذَا نقلو لَا يثبت الْوَلَاء بالمخالفة والموالاة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْوَلَاء ثَمَرَة الإنعام بالإيجاد الْحكمِي فَلَا يحصل بالمعاقدة وَلذَلِك نقُول يسترسل وَلَاء الْمُعْتق على أَوْلَاد الْعَتِيق وأحفاده وعَلى مُعتق الْعَتِيق ومعتق مُعْتقه وَإِن سفلوا وَقد حصل لَك من هَذَا أَن الشَّخْص قد يثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ لمعتقه أَو لمعتق أُصُوله من أَب وَأم وجد وَجدّة أَو لمعتق مُعْتقه ويسترسل الْوَلَاء على سَائِر أحفاد الْعَتِيق إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع الأول أَن يكون فيهم من مَسّه الرّقّ فَالْولَاء عَلَيْهِ لمباشر الْعتْق ولعصابته وَلَا ينجر إِلَى مُعتق الْأُصُول أصلا الثَّانِي أَن يكون فيهم من أَبوهُ حر أُصَلِّي مَا مس الرّقّ أَبَاهُ فَلَا وَلَاء على وَلَده كَمَا لَا وَلَاء عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَمِنْهُم من قَالَ يثبت الْوَلَاء نظرا إِلَى جَانب الْأُم فَإِنَّهَا فِي مَحل الْوَلَاء وَهُوَ ضَعِيف لِأَن جَانب الْأَب مقدم فِي بَاب الْوَلَاء كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجد وَفِيه وَجه أَن أَبَاهُ إِن كَانَ عَرَبيا يعلم نسبه وَأَن لَا رق فِي نسبه فَلَا وَلَاء عَلَيْهِ وَإِن حكم بحريَّته بِظَاهِر الْحَال كالتركي والخوزي والنبطي فَيثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِث أَن تكون أمه حرَّة أَصْلِيَّة وَإِنَّمَا الْمُعْتق أَبوهُ فَالظَّاهِر هَا هُنَا ثُبُوت الْوَلَاء نظرا إِلَى جَانب الْأَب وَفِيه وَجه أَنه لَا يثبت فعلى هَذَا لَا يثبت الْوَلَاء بِالسّرَايَةِ من الأَصْل إِلَّا على ولد لَيْسَ فِي أُصُوله حر أُصَلِّي هَذِه قَاعِدَة الْوَلَاء وَالنَّظَر بعده فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالْأَصْل فِيهِ أَن من مَسّه الرّقّ

فَالْولَاء عَلَيْهِ لمباشر الْعتْق لَا لمعتق أَبِيه ومعتق أمه فَإِن لم يمسهُ الرّقّ بِأَن يُولد حرا من رقيقين فِي صُورَة الْغرُور أَو من معتقين فَالْولَاء عَلَيْهِ لموَالِي الْأَب وَهُوَ مقدم على موَالِي الْأُم فَإِن كَانَ الْأَب رَقِيقا بعد لَا وَلَاء عَلَيْهِ فَالْولَاء لموَالِي الْأُم إِلَى أَن يعْتق الْأَب فينجر من موَالِي الْأُم إِلَى موَالِي الْأَب إِلَى أَن يتَعَذَّر جَرّه إِلَى موَالِي الْأَب بِأَن يَشْتَرِي هُوَ أَب نَفسه فَيعتق عَلَيْهِ إِذْ هُوَ مولى أَب نَفسه فَلَا يُمكن إِثْبَات الْوَلَاء على نَفسه وَيبقى الْوَلَاء لموَالِي الْأُم وَقَالَ ابْن سُرَيج ينجر الْوَلَاء إِلَيْهِ وَيسْقط وَيصير كشخص لَا وَلَاء عَلَيْهِ أصلا فرعان أَحدهمَا لَو كَانَ الْأَب رَقِيقا فَأعتق أَب الْأَب فَفِي انجرار الْوَلَاء إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْأَب رَقِيق فَيلْزم أَن ينجر من موَالِي الْجد إِلَى موَالِي الْأَب إِذا أعتق والمنجر يَنْبَغِي أَن يسْتَقرّ وَلَا ينجر ثَانِيًا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه ينجر إِلَيْهِ ثمَّ ينجر إِلَى الْأَب وَلَيْسَ يشْتَرط اسْتِقْرَار المنجر وَلَو أَن مولودا مَا مَسّه الرّقّ وَهُوَ من أبوين مَا مسهما الرّقّ لَكِن لكل وَاحِد من أَبَوَيْهِ أَبَوَانِ رقيقان إِلَّا أم أمه فَإِنَّهَا مُعتقة فَالْولَاء فِيهِ تبع لولاء أمه وَوَلَاء أمه تبع لولاء أمهَا فَإِن أعتق أَب أمه انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أَب الْأُم فَإِن أعتقت أم الْأَب انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أم أمه فَإِن أعتق أَبُو أَبِيه انجر إِلَى موَالِي أَب أَبِيه وَاسْتقر فِيهِ

فَإِن فَرضنَا الْأَب رَقِيقا تصور أَن ينجر إِلَى مُعتق الْأَب من مُعتق الْجد أَيْضا وَالْمَقْصُود أَن أَب الْأُم أولى بالاستتباع من أم الْأُم وَأم الْأَب أولى من أَب الْأُم وَأب الْأَب أولى من أم الْأَب وَالْأَب أولى من أَب الْأَب فَيَقَع الإنجرار بِحَسبِهِ إِلَى أَن يسْتَقرّ على مَا لَا يُوجد أولى مِنْهُ الْفَرْع الثَّانِي لَو أعتق أمة حَامِلا عتق الْجَنِين وَوَلَاء الْجَنِين لموَالِي الْأُم لَا لموَالِي أَبِيه لِأَنَّهُ عتق بِالْمُبَاشرَةِ فالمباشرة أولى لمباشرته لَا لِأَنَّهُ مولى أمه وَهَذَا إِذا علم أَن الْجَنِين كَانَ مَوْجُودا يَوْم الْإِعْتَاق بِأَن يُؤْتى بِهِ لأَقل من سِتَّة اشهر فَإِن كَانَ لأَقل من أَربع سِنِين بِحَيْثُ يفترشها الزَّوْج فَفِيهِ قَولَانِ ذكرنَا نظيرهما فِي مَوَاضِع من حَيْثُ إِن إِثْبَات النّسَب يدل على تَقْدِير وجوده وَقت الْعتْق وَلَكِن يجوز أَن يَكْتَفِي فِي النّسَب بالإحتمال وَلَا يَكْتَفِي فِي الْولَايَة

النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوَلَاء وَهِي ثَلَاثَة ولَايَة التَّزْوِيج وَتحمل الْعقل والوراثة لِأَن الْوَلَاء يُفِيد الْعُصُوبَة وَهَذِه نتائج الْعُصُوبَة وَقد ذَكرنَاهَا فِي مَوَاضِع وَلَكِن ننبه الْآن فِي الْمِيرَاث على أُمُور الأول أَن الْمُعْتق إِذا مَاتَ وَلم يخلف إِلَّا أَب الْمُعْتق وَأمه فَلَا شَيْء للْأُم وَلَو خلف ابْن الْمُعْتق وبنته فَلَا شَيْء للْبِنْت وَلَو خلف أَب الْمُعْتق وَابْنه فَلَا شَيْء للْأَب لِأَن الْأَب لَيْسَ عصبَة مَعَ الإبن وَالْمِيرَاث لعصبة الْمُعْتق وَلَا يعصب الْأَخ أُخْته فِي بَاب الْوَلَاء وعَلى الْجُمْلَة فَالْولَاء يُورث بِهِ وَلَا يُورث فِي نَفسه وَإِنَّمَا يَرث بِهِ الْعَصَبَات فيقد رموت الْمُعْتق بدل موت الْعَتِيق يَوْم موت الْعَتِيق وكل من يَأْخُذ مِيرَاثه بعصوبته فَيَأْخُذ مِيرَاث عتيقه وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذَا إِلَّا الْجد وَالإِخْوَة فَإِن فيهم قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن أَخ الْمُعْتق يقدم على جده لقُوَّة الْبُنُوَّة فِي الْعُصُوبَة وَالثَّانِي أَنهم يتقاسمون كَمَا فِي مِيرَاث النّسَب لَكِن لَا معادة بالأخ للْأَب مَعَ الْجد بل يقدم عَلَيْهِ الْأَخ للْأَب وَلَا يُعَاد عَلَيْهِ الْأَخ للْأَب وَهَذَا مَذْهَب زيد وَفِيه وَجه أَن الْأَخ للْأَب يُسَاوِي الْأَخ للْأَب وَالأُم لِأَنَّهُ لَا أثر للأمومة فِي الْوَلَاء

الثَّانِي أَن الْمَرْأَة لَا يتَصَوَّر أَن تَرث بِالْوَلَاءِ إِلَّا إِذا باشرت الْعتْق فَهِيَ كَالرّجلِ فِي الْمُبَاشرَة حَيْثُ ثَبت لَهَا الْوَلَاء على عتيقها وعَلى أَوْلَاد عتيقها وعَلى عَتيق عتيقها الثَّالِث لَو خلف رجل ابْنَيْنِ وَوَلَاء مولى فَالْولَاء لَهما فَإِن مَاتَ أَحدهمَا عَن ابْن ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فميراثه لِابْنِ الْمُعْتق وَلَيْسَ لِابْنِ الإبن شَيْء لِأَنَّهُ لَو قدر موت الْمُعْتق فِي ذَلِك الْوَقْت مَا وَرثهُ ابْن الإبن فَلَا يَرث عتيقه وَهُوَ معنى قَوْلهم الْوَلَاء لأقعد ولد الْمُعْتق أَي الْأَقْرَب الرَّابِع أَن النِّسْبَة قد تتركب من النّسَب وَالْعِتْق فيلتبس أمره التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فقد يثبت الْوَلَاء لأَب مُعتق الْأَب ولمعتق أَب الْمُعْتق وَيَنْبَغِي أَن يقدم مُعتق الْمَيِّت ثمَّ عصبات مُعْتقه ثمَّ مُعتق مُعْتقه وَلَو قيل لَك مُعتق أَب وَأب مُعتق فَأَيّهمَا أولى فَهَذِهِ أغلوطة فَإِن الْمَيِّت لَهُ مُعتق فولاؤه ولمعتقه وعصبات مُعْتقه فَلَا يكون لمعتق أَبِيه وَأمه حق فِيهِ فَإِن وَلَاء الْمُبَاشرَة لَا ينجر وَإِنَّمَا ينجر وَلَاء السَّرَايَة إِلَى الأولاء فَإِذن من لَهُ أَب مُعتق فَالْولَاء عَلَيْهِ كَانَ بِالْمُبَاشرَةِ لمعتقه أَو لعصبات مُعْتقه أَو لمعتق مُعْتقه إِذا كَانَ لَهُ مُعتق وَلَيْسَ لمعتق أَبِيه وَلَاء أصلا فَكيف يُقَابل بأب الْمُعْتق وَكَذَلِكَ قد يظنّ أَنه مُعتق أَب الْمُعْتق أولى من مُعتق مُعتق الْمُعْتق لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْولَايَةِ حَيْثُ توَسط الْأَب وَهُوَ غلط لما ذَكرْنَاهُ من أَن للْمَيت معتقا فولاؤه بِالْمُبَاشرَةِ فَلَا حق فِيهِ لمن يُدْلِي بِإِعْتَاق أَبِيه فروع مشكلة الأول اشْترى أَخ وَأُخْت أباهما فَعتق عَلَيْهِمَا فَأعتق الْأَب عبدا وَمَات ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فقد غلط فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض فضلا عَن غَيرهم إِذْ قَالُوا مِيرَاث الْعَتِيق بَين الْأَخ وَالْأُخْت لِأَنَّهُمَا معتقا مُعْتقه وَإِنَّمَا الْحق أَن الْمِيرَاث للْأَخ وَلَا شَيْء للْأُخْت لِأَنَّهَا إِن أخذت لِأَنَّهَا مُعتقة الْمُعْتق فَهُوَ محَال إِذْ عصبَة الْمُعْتق أولى وأخوها عصبَة الْمُعْتق بل لَو خلف الْأَب ابْن عَم بعيد لَكَانَ أولى من الْبِنْت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو مَاتَ الْأَخ وَخلف هَذِه الْأُخْت فلهَا نصف مِيرَاثه بالأخوة وَلها من الْبَاقِي نصفه لِأَنَّهَا لما اشترت أَبَاهَا ثَبت لَهَا نصف الْوَلَاء على الْأَب واسترسل على أَوْلَاده

وأخوها من أَوْلَاد أَبِيهَا فلهَا نصف الْوَلَاء عَلَيْهِ فَتحصل على ثَلَاثَة أَربَاع مِيرَاثه وَلَو مَاتَ الْأَب ثمَّ مَاتَ الإبن ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فلهَا ثَلَاثَة أَربَاع مَاله أما النّصْف فَلِأَن لَهَا نصف الْوَلَاء على مُعْتقه وَأما الرّبع فَلِأَن لَهَا الْوَلَاء أَيْضا على أَخِيهَا الَّذِي هُوَ مُعتق نصف الْمُعْتق فَهِيَ فِي اُحْدُ النصفين مُعتقة الْمُعْتق وَفِي نصف النّصْف مُعتقة أبي مُعتق الْمُعْتق الثَّانِي أختَان خلفتا حرتين فِي نِكَاح غرور اشترت إحادهما أَبَاهَا وَالْأُخْرَى أمهَا فولاء الَّتِي اشترت أمهَا انجر إِلَى الَّتِي اشترت أَبَاهَا فَثَبت الْوَلَاء لمشترية الْأَب على مشترية الْأُم وَأما مشترية الْأُم فالمنصوص أَن وَلَاء صاحبتها أَيْضا ثَبت لَهَا فَتكون كل وَاحِدَة مولى صاحبتها لِأَن الَّتِي اشترت الْأَب لَا تقدر أَن تجر وَلَاء نَفسهَا إِلَى نَفسهَا فَيبقى لمشترية الْأُم فَإِنَّهَا مُعتقة الْأُم وَقَالَ ابْن سُرَيج تجر إِلَى نَفسهَا وَيسْقط فَإِذا ثَبت هَذَا فَلَو مَاتَ الْأَب فَلَهُمَا ثلثا مِيرَاثه بالبنوة وَالْبَاقِي لمشترية الْأَب بِالْوَلَاءِ فَإِن مَاتَت بعد ذَلِك مشترية الْأُم وَلَا وَارِث لَهَا سوى الْأُخْت فَنصف مِيرَاثهَا لَهَا بالأخوة وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهَا جرت ولاءها بإعتاب الْأَب وَكَذَلِكَ كَانَ مِيرَاثهَا لمشترية الْأُم على النَّص بالأخوة وَالْوَلَاء وَعند ابْن سُرَيج النّصْف لَهَا وَالْبَاقِي لبيت المَال إِذْ لَا وَلَاء عَلَيْهَا الثَّالِث فِي الدّور اشترت أختَان أمهما وعتقت عَلَيْهِمَا ثمَّ إِن الْأُم شاركت أَجْنَبِيّا فِي شِرَاء أَبِيهِمَا أَعنِي أبي الْأُخْتَيْنِ وأعتقاه فَيثبت الْوَلَاء لَهما نِصْفَانِ على الْأَب وعَلى الْأُخْتَيْنِ أَيْضا لِأَنَّهُمَا ولدا معتقهما وَوَلَاء الْأَب يجر الْوَلَاء من مولى الْأُم والأختان هما موليا أم نفسيهما فَإِذا مَاتَت الْأُم فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالنّسَبِ وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهُمَا اشتريا الْأُم ثمَّ إِذا مَاتَ الْأَب فَلَهُمَا ثلثا مِيرَاثه بالبنوة وَالْبَاقِي بَين الْأَجْنَبِيّ وَالأُم لِأَنَّهُمَا معتقاه

وَلَو مَاتَ الأبوان ثمَّ اتت إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ فَنصف مِيرَاثهَا لأختها بِالنّسَبِ وَالنّصف الآخر بَين الْأَجْنَبِيّ وَالأُم لَو كَانَت حَيَّة لِأَنَّهُمَا معتقا الْأَب والآن فالأم ميتَة فنصيبها وَهُوَ الرّبع يجب أَن يكون لمعتقيها وهما الْأخْتَان الْحَيَّة وَالْميتَة فَيصْرف النّصْف إِلَى الْحَيَّة وَيبقى نصفه وَهُوَ الثّمن للميتة وَالْقِيَاس أَن يصرف إِلَى من لَهُ وَلَاء الْميتَة وَهُوَ الْأَجْنَبِيّ وَالأُم ثمَّ قدر وَلَاء الْأُم يرجع إِلَى الْحَيَّة وَالْميتَة ثمَّ قدر وَلَاء الْميتَة من الْأُم يرجع إِلَى الْأَجْنَبِيّ وَالأُم فيدور بنيهما الثّمن لَا ينْفَصل بل لَا يزَال يرجع مِنْهُ شَيْء إِلَى الْميتَة فَالصَّوَاب أَن يقسم المَال من سِتَّة ثَلَاثَة للْأُخْت بِالنّسَبِ وَالْبَاقِي بَين الْأَجْنَبِيّ وَبَينهمَا بِالْوَلَاءِ أَثلَاثًا للْأَجْنَبِيّ سَهْمَان وَلها سهم فَتحصل الْأُخْت على أَرْبَعَة أسْهم وَالْأَجْنَبِيّ على سَهْمَيْنِ وَغلط ابْن الْحداد فَقَالَ يصرف الثّمن إِلَى بَيت المَال لتعذر مصرفه وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ كلما دَار رَجَعَ إِلَى الْأَجْنَبِيّ ضعف مَا يرجع إِلَى الْأُخْت فَيقسم كَذَلِك وَالله أعلم وَأحكم

كتاب التَّدْبِير

عدل

وَالنَّظَر فِي أَرْكَانه وَأَحْكَامه الأول فِي الْأَركان وَهُوَ اثْنَان الصِّيغَة والأهل أما الْمحل فَلَا يخفى الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي أَن يَقُول إِذا مت فَأَنت حر أَو دبرتك أَو أَنْت مُدبر وَحكمه أَنه يعْتق إِن وَفِي الثُّلُث بِهِ بعد قَضَاء الدُّيُون وَفِيه مسَائِل الأولى أَن لفظ التَّدْبِير صَرِيح نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَشْهُور فِي اللُّغَة لهَذَا الْمَعْنى وَورد الشَّرْع بتقريره وَلَفظ الْكِتَابَة يفْتَقر إِلَى النِّيَّة لِأَن اللُّغَة لَا تجعلها صَرِيحًا فِي حكمهَا الشَّرْعِيّ وَقيل فِيهَا قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِيَة التَّدْبِير الْمُقَيد كالمطلق وَهُوَ أَن يَقُول إِن مت من مرضِي هَذَا أَو قتلت فَأَنت حر وَلَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت مُدبر لَا يصير مُدبرا مَا لم يدْخل الدَّار وَقد علق الْعتْق بصفتين وَلَو قَالَ إِن مت فَأَنت حر بعد موتِي بِيَوْم عتق بعد مَوته بِيَوْم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله صَار وَصِيَّة فتحتاج إِلَى الْإِنْشَاء بعد الْمَوْت فَلَو قَالَ شريكان إِذا متْنا فَأَنت حر فَإِذا مَاتَ أَحدهمَا لم يعْتق نصِيبه لِأَنَّهُ مُعَلّق بموتهما جَمِيعًا لَكِن صَار نصيب الآخر مُدبرا عِنْد موت صَاحبه وَقيل ذَلِك لِأَن تَدْبِير الثَّانِي مُعَلّق بِمَوْت صَاحبه والآن لم يبْق إِلَّا موت الْمَالِك وَلَكِن لَيْسَ للْوَارِث التَّصَرُّف فِي نصيب من مَاتَ أَولا لِأَنَّهُ ينْتَظر الْعتْق بِمَوْت الثَّانِي فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار بعد موتِي فَأَنت حر لم يجز للْوَارِث بَيْعه بعد الْمَوْت كَمَا لَا يَبِيع مَال الْوَصِيَّة قبل قبُول الْمُوصى لَهُ وَلَيْسَ للْوَارِث رفع تَعْلِيق الْمَيِّت كَمَا لَيْسَ لَهُ رفع عاريته الَّتِي أضافها إِلَى مَا بعد الْمَوْت

الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت مُدبر إِن شِئْت فَالْمَشْهُور أَنه لَا بُد من مَشِيئَته على الْفَوْر وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يجب على الْفَوْر لَا هَا هُنَا وَلَا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق إِلَّا أَن يكون الطَّلَاق على عوض أما إِذا قَالَ أَنْت مُدبر مَتى شِئْت فَلَا يجب على الْفَوْر أصلا لَكِن يَقْتَضِي مَشِيئَته فِي حَيَاة السَّيِّد وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر لم يعْتق بِالدُّخُولِ بعد موت السَّيِّد بل مُطلق تَعْلِيقه ينزل على حَيَاته إِلَّا أَن يُصَرح وَيَقُول إِن دخلت الدَّار بعد موتِي فَأَنت حر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن شِئْت بعد موتِي فَأَنت حر فشاء بعد مَوته عتق وَلم يجب الْفَوْر بعد الْمَوْت إِلَّا أَن يرتب بفاء التعقي بفيقول إِن مت فشئت فَأَنت حر فَفِي الْفَوْر وَجْهَان يجريان فِي كل تَعْلِيق بِهَذِهِ الصِّيغَة فرع لَو قَالَ إِذا مت فَأَنت حر إِن شِئْت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تَكْفِي الْمَشِيئَة فِي الْحَيَاة وَالثَّانِي أَنه يحمل على الْمَشِيئَة بعد الْمَوْت وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من مَشِيئَته فِي الْحَال وَأُخْرَى بعد الْمَوْت حَتَّى يحصل الْيَقِين وَلَا يعْتق بِأَحَدِهِمَا

وَلَو قَالَ إِن رَأَيْت الْعين فَأَنت حر وَالْعين اسْم مُشْتَرك لِأَشْيَاء فَالظَّاهِر أَنه إِذا رأى وَاحِدًا يسما عينا عتق الرُّكْن الثَّانِي الْأَهْل وَيصِح التَّدْبِير من كل مُكَلّف مَالك غير مَحْجُور فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود أما الْمُكَلف فنعني بِهِ أَنه لَا ينفذ من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا تَمْيِيز لَهُ وَفِي الْمُمَيز قَولَانِ وَكَذَا فِي وَصيته لِأَنَّهُ قربَة وَلَا ضَرَر عَلَيْهِ فِيهِ وَأما الْمَالِك فَيخرج عَلَيْهِ أَنه لَو دبر نصيب نَفسه من عبد مُشْتَرك لَا يسري إِلَى الآخر وَذكر صَاحب التَّقْرِيب فِي سرايته وَجْهَيْن وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ تَعْلِيق أَو وَصِيَّة لَا تلِيق بِهِ السَّرَايَة بل لَو دبر نصف عَبده لم يسر إل الْبَاقِي لَا فِي الْحَال وَلَا إِذا عتق بعد الْمَوْت لِأَنَّهُ بعد الْمَوْت مُعسر وَأما الْمَحْجُور فَيخرج عَلَيْهِ السَّفِيه وَفِيه طَرِيقَانِ أَحدهمَا الْقطع بنفوذه مِنْهُ وَالثَّانِي أَنه كالمميز وَأما الْمُرْتَد فَإِن قُلْنَا لَا يَزُول ملكه وَقد حجر عَلَيْهِ فَيخرج تَدْبيره على تَدْبِير الْمُفلس الْمَحْجُور وَإِن قُلْنَا يَزُول ملكه لم ينفذ وَإِن قُلْنَا إِنَّه مَوْقُوف فَهُوَ مَوْقُوف

وَلَو دبر ثمَّ ارْتَدَّ فطريقان أَحدهمَا أَنه يخرج بُطْلَانه على أَقْوَال الْملك وَالثَّانِي الْقطع بِأَنَّهُ لَا يبطل لِأَنَّهُ حق العَبْد مُتَعَلق بِهِ فَلَا يُمكن إِبْطَاله كَمَا لَا يبطل حق الْغُرَمَاء وَنَفَقَة الْأَقَارِب عَن مَاله وَإِن قُلْنَا يبطل فَلَو عَاد إِلَى الْإِسْلَام فَفِي عود التَّدْبِير طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يعود كَمَا لَو اسْتَحَالَ الْعصير الْمَرْهُون خمرًا ثمَّ صَار خلا وَالثَّانِي أَنه يخرج على قولي عود الْحِنْث أما إِذا مَاتَ مُرْتَدا وَقُلْنَا لَا يبطل التَّدْبِير فَينفذ إِن وفى بِهِ الثلثه وَفِيه وَجه أَنه لَا ينفذ لِأَن الْوَارِث لَا شي لَهُ من مَاله وَإِنَّمَا تنفذ الْوَصِيَّة فِي مَال يُورث وَمَاله فَيْء وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الْفَيْء مصرفه بَيت المَال فَيعْتَبر الثُّلُث لأَجله أما الْكَافِر الْأَصْلِيّ فَيصح تَدْبيره فَإِن نقض الْعَهْد مكن من اسْتِصْحَاب مدبره لِأَنَّهُ قن وَلَا يُمكن من مكَاتبه وَلَو أسلم مدبره فَهَل يُبَاع عَلَيْهِ فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا نعم كالقن وَالثَّانِي لَا نظرا للْعَبد وَلَكِن يُحَال بَينهمَا ويستكسب لَهُ كالمستولدة وَفِي الْمكَاتب إِذا أسلم طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالمستولدة لَا تتباع عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه كالمدبر فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَامه وَالنَّظَر فِي حكمين ارْتِفَاع التَّدْبِير وسرايته إِلَى الْوَلَد وَيرْفَع التَّدْبِير بِأُمُور خَمْسَة الأول إِزَالَة الْملك بِبيع وَهبة جَائِر ويرتفع التَّدْبِير فِي الْحَال فَإِن عَاد إِلَى الْملك وَقُلْنَا إِن التَّدْبِير وَصِيَّة لم يعد وَإِن قُلْنَا تَعْلِيق فَيخرج على قولي عود الحنق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز إِزَالَة الْملك عَنهُ كَالْمكَاتبِ الثَّانِي صَرِيح الرُّجُوع وَهُوَ جَائِز إِن قَالَ أعتقوه عني بعد موتِي لِأَنَّهُ وَصِيَّة وَإِن قَالَ إِذا مت فَدخلت الدَّار فَأَنت حر لم يجز صَرِيح الرُّجُوع لَكِن يجوز ازالة الْملك لِأَنَّهُ تَعْلِيق مَحْض أما إِذا قَالَ دبرتك أَو أَنْت حر بعد موتِي فَفِيهِ معنى التَّعْلِيق وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُ إِثْبَات حق للْعَبد فَأَيّهمَا يغلب فِيهِ قَولَانِ وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ تَرْجِيح معنى الْوَصِيَّة وتجويز الرُّجُوع فَإِن قُلْنَا إِنَّه وَصِيَّة حصل الرُّجُوع عَنهُ بِمَا يحصل بِهِ الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة حَتَّى الْعرض

على البيع إِلَّا الإستيلاد فَإِنَّهُ يُوَافق مُوجب التَّدْبِير فَلَا يرفعهُ وَيرْفَع الْوَصِيَّة وَلَو قَالَ بعد التَّدْبِير الْمُطلق إِذا مت فَدخلت الدَّار فَأَنت حر كَانَ رُجُوعا عَن التَّدْبِير الْمُطلق وَلَو قَالَ إِن دخلت فَأَنت حر فقد زَاده سَببا آخر للحرية فَلَا رُجُوع فَلَو كَاتبه أَو رَهنه هَل يكون رُجُوعا فِيهِ وَجْهَان وَلَو رَجَعَ عَن التَّدْبِير فِي نصفه فالباقي مُدبر وَلَو رَجَعَ عَن تَدْبِير الْحمل لم يسر الرُّجُوع إِلَى الْأُم وَلَا بِالْعَكْسِ بل يقْتَصر الثَّالِث إِنْكَار السَّيِّد التَّدْبِير وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ القَوْل قَول السَّيِّد وَهَذَا مُشكل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْإِنْكَار رُجُوع فَأَي معنى للتحليف فَمنهمْ من قَالَ فرع الشَّافِعِي على معنى الرُّجُوع الصَّحِيح وَمِنْهُم من قَالَ الْإِنْكَار لَيْسَ بِرُجُوع بل هُوَ رفع الأَصْل فَعَلَيهِ أَن يحلف أَو يرجع فقد تحصلنا على وَجْهَيْن فِي الْإِنْكَار هَل يكون رُجُوعا وَيجْرِي فِي إِنْكَار الْوَصِيَّة أَيْضا وَأما إِنْكَار الْمُوكل فَهُوَ عزل قطعا وَمِنْهُم من طرد الْوَجْهَيْنِ وإنكار البَائِع بِشَرْط الْخِيَار لَيْسَ فسخا وَفِيه احْتِمَال وإنكارالزوج الطَّلَاق الرَّجْعِيّ لَا يكون رَجْعَة قطعا لِأَنَّهُ فِي حكم عقد فيحتاط بِاللَّفْظِ الْإِشْكَال الثَّانِي أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن الدَّعْوَى بِالدّينِ الْمُؤَجل لَا تقبل إِذْ لَا لُزُوم فِي الْحَال فَكيف تقبل دَعْوَى العَبْد فِي التَّدْبِير وَاتفقَ الْأَصْحَاب على آخر الْخلاف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج فَإِن قُلْنَا تقبل دَعْوَى التَّدْبِير فَلَا يَكْفِي فِيهِ شَاهد وَامْرَأَتَانِ لِأَن مَقْصُوده الْعتْق

الرَّابِع مُجَاوزَة الثُّلُث فَلَو كَانَ استوفى ثلثه بتبرع قبل التَّدْبِير لم ينفذ تَدْبيره وَلَو لم يَفِ الثُّلُث إِلَّا بِبَعْضِه اقْتصر على ذَلِك الْقدر وَالتَّدْبِير وَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة فيحسب من الثُّلُث كَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى الْمَوْت أما إِذا علق على صفة فِي الصِّحَّة فَوجدت الصّفة فِي الْمَرَض فَهَل ينْحَصر فِي الثُّلُث فِيهِ قَولَانِ فرع لَو لم يملك إِلَّا عبدا فدبره عتق ثلثه عِنْد الْمَوْت فَلَو كَانَ لَهُ مَال غَائِب فَهَل ينجز الْعتْق فِي الثُّلُث فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْغَائِب لَا يزِيد على الْمَعْدُوم فَقدر الثُّلُث مستيقن بِكُل حَال وَالثَّانِي لَا لِأَن العَبْد لَو تسلط على ثلث نَفسه للَزِمَ تسليط الْوَرَثَة على ثُلثَيْهِ فَكيف يُسَلط ويتوقع عتق الثُّلثَيْنِ بِرُجُوع المَال وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوص وَالْأول مخرج وَالْقَوْلَان جاريان فِي الْوَصِيَّة بِمَال إِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب أَن الْمُوصى لَهُ هَل يسلم إِلَيْهِ الثُّلُث الْحَاضِر فِي الْحَال وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَهُ دين على أحد ابنيه لَا مَال لَهُ غَيره فَهَل يبرأ عَن نصيب نَفسه قبل تَسْلِيم نصيب أَخِيه فِيهِ قَولَانِ الْخَامِس إِذا جنى الْمُدبر بيع فِيهِ فَإِن فدَاه السَّيِّد بَقِي التَّدْبِير وَإِن بَاعَ بعضه فالباقي مُدبر وَإِن مَاتَ قبل الْفِدَاء وَالثلث واف بِالْأَرْشِ وَالْعِتْق وَجب على الْوَارِث فداؤه ليعتق وَفِيه قَول أَنه لَا يجب بِنَاء على أَن أرش الْجِنَايَة يمْنَع نُفُوذ الْعتْق وَفِيه خلاف النّظر الثَّانِي فِي الْوَلَد وَفِيه مسَائِل الأولى ولد الْمُدبرَة من زنا أَو نِكَاح هَل يسري إِلَيْهِ التَّدْبِير فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يسري كالإستيلاد

وَالثَّانِي لَا كَالْوَصِيَّةِ لَو علق عتقهَا بِالدُّخُولِ فَفِي سرَايَة التَّعْلِيق إِلَى وَلَدهَا قَولَانِ نَص عَلَيْهِمَا فِي الْكَبِير فَإِن قُلْنَا يسري فَمَعْنَاه أَنه إِن دخل أَيْضا عتق وَلَا يعْتق بِدُخُول الْأُم لِأَن هَذَا سرَايَة عتق لَا سرَايَة تَعْلِيق وَمِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ أَن يعْتق بِدُخُول الْأُم ثمَّ إِذا سرينا التَّدْبِير كَانَ كَمَا لَو دبرهما مَعًا حَتَّى لَا يكون الرُّجُوع عَن أَحدهمَا رُجُوعا عَن الآخر وَلَو لم يَفِ الثُّلُث بهما أَقرع بَينهمَا وَفِيه وَجه أَنه يقسم الْعتْق عَلَيْهِمَا إِذْ يبعد أَن تخرج الْقرعَة على الْوَلَد فَيعتق دون الأَصْل وَهَذَا ضَعِيف فَإِنَّهُ صَار مُسْتقِلّا بعد السَّرَايَة وَكَذَلِكَ لَو مَاتَت الْأُم بَقِي مُدبرا أما ولد الْمُدبر فَلَا يتبعهُ بل يتبع الْأُم الرقيقة أَو الْحرَّة الثَّانِيَة إِذا مَاتَ السَّيِّد وَهِي حَامِل عتق مَعهَا الْجَنِين بِالسّرَايَةِ وَلَو كَانَت حَامِلا حَال التَّدْبِير فَهَل يسري التَّدْبِير الْمُضَاف إِلَى الْأُم إِلَى الْجَنِين فِيهِ وَجْهَان فعلى هَذَا لَو تبرع الْوَارِث بِالْفِدَاءِ وَعتق فَالْولَاء للْمَيت إِن قُلْنَا إِن إجَازَة الْوَرَثَة لَيْسَ بابتداء عَطِيَّة فرع الْمُدبر الْمُشْتَرك إِذا أعتق أَحدهمَا نصِيبه هَل يسري إِلَى الآخر فِيهِ قَولَانِ أقيسهما أَنه يسري وَالثَّانِي لَا لِأَن الثَّانِي اسْتحق الْعتَاقَة من نَفسه وَهَذَا يضاهي قَوْلنَا إِذا أصدقهَا عبدا فدبرته لم ينشطر بِالطَّلَاق كَيْلا يبطل غرضها من التَّدْبِير فَإِن قُلْنَا لَا يسري فَرجع عَن التَّدْبِير فَهَل يسري الْآن وَجْهَان وَجه قَوْلنَا لَا يسري أَنه لم يسر فِي الْحَال فَلَا يسري بعده كَمَا لَو ظن الْيَسَار فَإِن قُلْنَا يسري فيسري فِي الْوَقْت أَو تتبين السَّرَايَة من الأَصْل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا يسري إِلَيْهِ البيع

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ أدرج فِي البيع لِأَن استثناءه يبطل البيع فرع لَو دبر الْحمل دون الْأُم صَحَّ وَاقْتصر عَلَيْهِ فَلَو بَاعَ الْأُم وَنوى الرُّجُوع صَحَّ البيع وَدخل فِيهِ الْجَنِين وَإِن لم ينْو الرُّجُوع فَكَأَنَّهُ اسْتثْنى الْحمل الثَّالِثَة لَو تنَازعا فَقَالَت ولدت بعد التَّدْبِير فَتَبِعَنِي على قَول السَّرَايَة وَقَالَ السَّيِّد بل قبله فَالْقَوْل قَول السَّيِّد لِأَن الأَصْل بَقَاء ملكه وعَلى قَوْلنَا لَا يسري لَو نازعت الْوَارِث وَقَالَت ولدت بعد الْمَوْت فَهُوَ حر وَقَالَ الْوَارِث بل قبله فَالْقَوْل قَول الْوَارِث وَلَو كَانَ فِي يَد الْمُدبر مَال فَقَالَ الْوَارِث هُوَ من كسبك قبل الْمَوْت وَقَالَ بل بعده فَالْقَوْل قَول الْمُدبر لِأَن الْملك فِي يَده بِخِلَاف الْوَلَد فَإِنَّهُ لَا يَد لَهَا عَلَيْهِ وَهِي تَدعِي حُرِّيَّته

كتاب الْكِتَابَة

عدل

اعْلَم أَن الْكِتَابَة عبارَة عَن الْجمع وَلذَلِك سمي اجْتِمَاع الْحُرُوف كِتَابَة واجتماع الْعَسْكَر كَتِيبَة واجتماع النُّجُوم فِي هَذَا العقد كِتَابَة وَهَذَا عقد مَنْدُوب إِلَيْهِ وَهُوَ مُشْتَمل على أُمُور غَرِيبَة كمقابلة الْملك بِالْملكِ أَعنِي الْكسْب والرقبة وَكِلَاهُمَا ملك للسَّيِّد وَإِثْبَات الْملك للملوك لِأَن الْمكَاتب عبد وَيملك فَكَأَنَّهُ إِثْبَات رُتْبَة بَين الرّقّ وَالْحريَّة إِذْ الْمكَاتب يسْتَقلّ من وَجه دون وَجه لَكِن الْمصلحَة تَدْعُو إِلَيْهِ إِذْ السَّيِّد قد لَا يسمح بِالْعِتْقِ مجَّانا وَالْعَبْد يتشمر للكسب إِذا علق بِهِ عتقه فَاحْتمل لتَحْصِيل مَقْصُوده مَا يَلِيق بِهِ عتقه وَإِن خَالف قِيَاس سَائِر الْعُقُود كَمَا احتملت الْجَهَالَة فِي عمل الْجعَالَة وَربح الْقَرَاض وَغَيره وَإِنَّمَا يسْتَحبّ إِذا جمع العَبْد الْقُوَّة وَالْأَمَانَة فَإِن لم يكن أَمينا فمعاملته لَا تُفْضِي إِلَى الْعتْق غَالِبا فَلَا يسْتَحبّ تَنْجِيز الْحَيْلُولَة لأَجله لَا كَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ يسْتَحبّ بِكُل حَال لِأَنَّهُ تَنْجِيز خلاص وَإِن كَانَ أَمينا غير كسوب فَفِي الإستحباب وَجْهَان وَظَاهر الْكتاب لم يشْتَرط إِلَّا الْأَمَانَة إِذْ قَالَ تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} وَحكى صَاحب التَّقْرِيب

قولا بَعيدا أَن الْكِتَابَة وَاجِبَة وَلَا وَجه لَهُ وَإِن ذهب إِلَيْهِ دَاوُد لِأَنَّهُ إبِْطَال سلطنة الْملك فَحمل الْأَمر على الإستحباب أولى ثمَّ النّظر يتَعَلَّق بأركان الْكِتَابَة وأحكامها أما الْأَركان فَهِيَ أَرْبَعَة الصِّيغَة والعوض والعاقدان الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهُوَ أَن يَقُول مثلا كاتبتك على ألف تُؤَدِّيه فِي نجمين فَإِذا أديته فَأَنت حر فَيَقُول العَبْد قبلت فَإِن لم يُصَرح بتعليق الْحُرِّيَّة وَلَكِن نَوَاه بِلَفْظ الْكِتَابَة كفى وَفِيه قَول مخرج أَن لفظ الْكِتَابَة صَرِيح كالتدبير وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح الْفرق ثمَّ وَإِن صرح بِالتَّعْلِيقِ فالعتق يحصل بِالْإِبْرَاءِ والإعتياض تَغْلِيبًا لحكم الْمُعَاوضَة لَكِن فِي صَحِيح الْكِتَابَة أما فِي فاسدها فيغلب حكم التَّعْلِيق وَلَو اقْتصر على قَوْله أَنْت حر على ألف فَقبل عتق فِي الْحَال وَكَانَ الْألف فِي ذمَّته وَهُوَ نَظِير الْخلْع وَقد ذكرنَا أَحْكَامه وَلَو بَاعَ العَبْد من نَفسه صَحَّ وَالْوَلَاء للسَّيِّد وَكَأَنَّهُ إِعْتَاق على مَال لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَة البيع وَخرج الرّبيع قولا أَنه لَا يَصح إِذْ هُوَ تمْلِيك وَكَيف يملك العَبْد نَفسه وَفِيه وَجه أَنه لَا يَصح وَلَا وَلَاء للسَّيِّد بل عتق على نَفسه كَمَا لَو اشْترى قَرِيبه أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر فَلَا يُمكنهُ أَن يُعْطِيهِ من ملكه إِذْ لَا ملك لَهُ فَيكون كَمَا لَو قَالَ لزوجته إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَأَتَت بِأَلف مَغْصُوبَة فَفِي وُقُوع الطَّلَاق خلاف وَكَذَلِكَ فِي الْعتْق

الرُّكْن الثَّانِي الْعِوَض وَشَرطه أَن يكون دينا مُؤَجّلا منجما مَعْلُوم الْقدر وَالْأَجَل والنجم فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط الأول كَونه دينا إِذْ لَو كَانَ عينا لَكَانَ ملك الْغَيْر فَيفْسد الْعتْق ثمَّ لَا يخفى أَن الدّين يَنْبَغِي أَن يكون مَعْلُوما كَمَا فِي السّلم وَالْإِجَارَة الثَّانِي الْأَجَل فَلَا تصح الْكِتَابَة الْحَالة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لعلتين إِحْدَاهمَا اتِّبَاع السّلف وَالْأُخْرَى أَن العَبْد عقيب العقد عَاجز فَكيف يجوز لَهُ لُزُوم مَا لَا يقدر عَلَيْهِ إِذْ لَو كَانَ على ملاحة وكاتبه على ملح فَلَا بُد من لَحْظَة لأخذ الْملح حَتَّى يملك وَلَا بُد من لَحْظَة لقبُول الْهِبَة إِن قدر ذَلِك نعم يرد عَلَيْهِ أَربع مسَائِل لَا تَخْلُو وَاحِدَة عَن خلاف إِحْدَاهَا من نصفه حر وَنصفه عبد قد يملك مَالا فَفِي الْكِتَابَة الْحَالة مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان لتعارض معنى الإتباع وَالْعجز الثَّانِيَة إِذا كَاتبه على مَال عَظِيم ونجمه بلحظتين فِيهِ أَيْضا وَجْهَان الثَّالِثَة البيع من الْمُفلس صَحِيح لِأَنَّهُ يقدر بِالْمَبِيعِ وَإِن زَاد الثّمن على قيمَة الْمَبِيع فَلَا يبعد وجود زبون يَشْتَرِي الْمَبِيع مِنْهُ وَمَعَ ذَلِك فقد ذكر وَجه أَنه لَا يَصح العقد الرَّابِعَة إِذا أسلم إِلَى مكَاتب عقيب العقد فِيهِ وَجْهَان وَجه التجويز أَنه يملك رَأس المَال الشَّرْط الثَّالِث التنجيم بنجمين فَصَاعِدا إِذْ سَبَب اشْتِرَاطه الإتباع الْمَحْض فَمَا كَاتب أحد من السّلف على نجم وَاحِد ثمَّ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو كَاتبه على

خدمَة شهر ودينار بعده جَازَ إِذْ حصل التنجيم لَكِن النَّجْم الأول حَال إِذْ يتنجز اسْتِحْقَاق الْمَنَافِع عقيب العقد وَإِنَّمَا التَّأْخِير للتوفية وَلذَلِك قَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ يشْتَرط أَن يكون الدِّينَار بعده بل لَو كَانَ بعد العقد بِيَوْم جَازَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله لَا يجوز كَأَنَّهُ تخيل الْخدمَة مُؤَجّلا وَلَا شكّ أَنه لَو لم يُؤَجل الدِّينَار لم يجز إِذْ يكون جَمِيع الْعِوَض حَالا وَلَو كَاتب على خدمَة شَهْرَيْن وَجعل كل نجم شهرا لم يجز لِأَن الْكل يتنجز اسْتِحْقَاقه بِالْعقدِ فَإِن صرح بِإِضَافَة الإستحقاق إِلَى الشَّهْر الْقَابِل خرج على مثل هَذِه الْإِجَارَة فِي الشَّهْر الْقَابِل وَفِيه وَجْهَان أما إِذا أعتق عَبده على أَن يَخْدمه شهرا عتق فِي الْحَال وَيجب الْوَفَاء فَإِن تعذر فَيرجع السَّيِّد إِلَى قيمَة الْأُجْرَة أَو قيمَة الرَّقَبَة قَولَانِ كَمَا فِي بدل الصَدَاق وَالْخلْع الشَّرْط الرَّابِع الْإِعْلَام وَذَلِكَ قد ذَكرْنَاهُ فِي البيع وَمعنى إِعْلَام النَّجْم أَن يُمَيّز الْمحل لكل نجم ومقداره فَلَو كَانَ على مائَة يُؤَدِّيه فِي عشر سِنِين لم يجز حَتَّى يبين قدر كل نجم وَمحله وَلَا يشْتَرط تَسَاوِي النُّجُوم وَلَا تَسَاوِي الْمدَّة وَقد تنشأ الْجَهَالَة من تَفْرِيق الصَّفْقَة فلنذكر مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا لَو كَاتبه بِشَرْط أَن يَبِيعهُ شَيْئا فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ شَرط عقدا فِي عقد أما إِذا بَاعه شَيْئا وكاتبه على عوض وَاحِد منجم فسد البيع لِأَن إِيجَابه يسْبق على قبُول الْكِتَابَة وَهُوَ لَيْسَ أَهلا للشراء قبله إِذْ صيغته أَن يَقُول بِعْتُك هَذَا الثَّوْب وكاتبتك بِأَلف إِلَى نجمين فيتقدم الْإِيجَاب على الْقبُول وَفِيه قَول مخرج أَنه يَصح أخذا من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو قَالَ اشْتريت عَبدك بِأَلف ورهنت بِالْألف دَارا فَأجَاب إِلَيْهِمَا صَحَّ الرَّهْن مَعَ تقدم إِيجَابه على لُزُوم الدّين إِلَّا أَن الرَّهْن من مصَالح البيع فَلَا يبعد مزجه بِهِ وَذَلِكَ فِي الْكِتَابَة يبعد فَإِن أفسدنا البيع فَفِي صِحَة الْكِتَابَة قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن صححنا البيع فَيخرج على قولي الْجمع بَين صفقتين مختلفتين وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي الرَّهْن وَالْبيع لِأَن الرَّهْن تَابع للْبيع ومؤكد لَهُ

الثَّانِيَة لَو كَاتب ثَلَاثَة أعبد على ألف فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَلم يُمَيّز نُجُوم كل وَاحِد فالنص صِحَة الْكِتَابَة وَالنَّص فِي شِرَاء ثَلَاثَة أعبد من ثَلَاثَة ملاك بعوض وَاحِد الْفساد وَالنَّص فِي خلع نسْوَة أَو نِكَاحهنَّ بعوض وَاحِد أَنه على قَوْلَيْنِ فَمن الْأَصْحَاب من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْكل وَهُوَ الْأَصَح لِأَن الْعِوَض مَعْلُوم الْجُمْلَة لَكِن مَجْهُول التَّفْصِيل وَمِنْهُم من قَالَ العبيد فِي الْكِتَابَة يجمعهُمْ مَالك وَاحِد والعوض فِيهِ غير مَقْصُود فَكَأَنَّهُ كعقد وَاحِد وغرض الشِّرَاء مَقْصُود فيخالفه وَالْخلْع وَالنِّكَاح على رُتْبَة بَين الرتبتين فَفِيهِ قَولَانِ وَهَذَا ضَعِيف وَلِأَن جملَة هَذِه الأعواض تفْسد بالجهالة وَإِن كَانَت الْعُقُود لَا تبطل ثمَّ إِن صححنا فَالْقَوْل الصَّحِيح أَنه يوزع الْألف على قدر قيم العبيد لَا على عدد الرُّءُوس وَفِيه قَول أَنه يوزع على عدد الرؤس ثمَّ إِن اعتقدنا التَّوْزِيع على الْعدَد فتنتفي الْجَهَالَة فَيصح لَا محَالة ثمَّ كَيفَ كَانَ فَإِذا أدّى كل عبد نصِيبه عتق وَلم يقف على أَدَاء رَفِيقه وَلَا ينظر إِلَى التَّعْلِيق على أَدَاء الْجَمِيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يعْتق وَاحِد مَا لم يؤد الْجَمِيع نظرا إِلَى التَّعْلِيق الرُّكْن الثَّالِث السَّيِّد الْمكَاتب وَشَرطه أَن يكون مَالِكًا مُكَلّفا أَهلا للتبرع غير دَافع بِالْكِتَابَةِ حَقًا لَازِما أما شَرط الْملك والتكليف فَلَا يخفى فَلَا يَصح كِتَابَة الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَغير الْمَالِك أما أَهْلِيَّة التَّبَرُّع فَيخرج عَلَيْهِ منع ولي الطِّفْل من كِتَابَة عَبده وَلَو بأضعاف ثمنه فَإِنَّهُ مَمْنُوع لِأَن مَا يكسبه يكون ملكا للطفل وَكَذَا الْمَرِيض تحسب كِتَابَته من الثُّلُث

وَلَو كَاتب فِي الصِّحَّة وَوضع النُّجُوم عَنهُ فِي الْمَرَض أَو أعْتقهُ اعْتبرنَا خُرُوج الْأَقَل من الثُّلُث فَإِن كَانَت الرَّقَبَة أقل اعْتبرنَا خُرُوجهَا لِأَنَّهُ لَو عجز لم يكن للْوَرَثَة إِلَّا الرَّقَبَة وَإِن كَانَ النُّجُوم أقل فَكَذَلِك وَكَذَا لَو أوصى بإعتاقه أَو بِوَضْع النُّجُوم عَنهُ وَلَو كَاتب فِي الصِّحَّة وَأقر فِي الْمَرَض بِأَنَّهُ كَانَ قبض النُّجُوم صَحَّ إِقْرَاره لِأَنَّهُ حجَّة وَأما قَوْلنَا لَا يرفع بهَا حَقًا لَازِما فَيخرج عَلَيْهِ كِتَابَة الْمَرْهُون فَإِنَّهُ لَا يَصح وَكِتَابَة الْكَافِر لعَبْدِهِ الْمُسلم بعد أَن توجه عَلَيْهِ الْأَمر بِالْبيعِ فِي صِحَّته وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ البيع لَازم عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْجَوَاز نظرا إِلَى العَبْد فَذَلِك أصلح لَهُ ثمَّ إِن عجز بعناه وَلَو كَاتب ثمَّ أسلم وَقُلْنَا لَا يَصح استبراؤه فَفِي دَوَامه وَجْهَان لقُوَّة الدَّوَام وَلَو دبر ثمَّ أسلم فَيُبَاع عَلَيْهِ أم تضرب الْحَيْلُولَة فِيهِ خلاف أَيْضا أما الْمُرْتَد فكتابته بعد الْحجر وَقَبله تخرج على أَقْوَال الْملك فِي تصرف الْمَحْجُور وَأما الْحَرْبِيّ فَتَصِح كِتَابَته للْعَبد الْكَافِر لَكِن لَا يظْهر أَثَره فَإِنَّهُ لَو قهره بعد أَدَاء النُّجُوم ملكه فَكيف قبله لَكِن لَو أدّى النُّجُوم ثمَّ أسلما قبل الْقَهْر فَلَا رق عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بعض النُّجُوم خمرًا وَقد بَقِي مِنْهُ شَيْء وَقبض الْبَاقِي بعد الْإِسْلَام عتق لَكِن يرجع السَّيِّد على العَبْد بِقِيمَتِه كلهَا وَلَا توزع على مَا بَقِي وعَلى مَا قبض وَقد ذكرنَا نَظِير ذَلِك فِي الْخلْع فَلَا نعيده الرُّكْن الرَّابِع العَبْد الْقَابِل وَله شَرْطَانِ الأول كَونه مُكَلّفا فَلَا يَصح كِتَابَة الصَّغِير الْمُمَيز نعم إِن علق صَرِيحًا على الْأَدَاء عتق لَكِن لَا يرجع السَّيِّد بِقِيمَتِه بِخِلَاف الْكِتَابَة الْفَاسِدَة لِأَن هَذِه الْكِتَابَة بَاطِلَة

الشَّرْط الثَّانِي أَن يُورد الْكِتَابَة على كُله ليستفيد عقيبها اسْتِقْلَالا فَلَو كَاتب بِنصْف عَبده فَالْمَذْهَب أَن الْكِتَابَة فَاسِدَة وَلَو كَاتب النّصْف الرَّقِيق مِمَّن نصفه حر صحت لحصور الإستلال وَلَو كَاتب أحد الشَّرِيكَيْنِ دون إِذن صَاحبه فَالْمَذْهَب أَنَّهَا فَاسِدَة وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ فَفِيهِ قَولَانِ وَالْأَظْهَر فَسَاده لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد الإستقلال بالمسافرة وَأخذ الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة لَا تصرف إِلَى من نصفه رَقِيق وَنصفه حر فَأَي فَائِدَة لإذن وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أما المسافرة فقد نقُول لَا يسْتَقلّ بهَا الْمكَاتب كُله وَأما الصَّدَقَة فَيجوز صرفهَا إِلَيْهِ على رَأْي فَمن هَاهُنَا خَرجُوا طرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو كَاتب بِغَيْر إِذْنه أَيْضا وَخَرجُوا قولا قيمًا لَو كَاتب نصف عبد نَفسه وَلَا خلاف أَنَّهُمَا لَو كَاتبا على مَال وَاحِد صَحَّ وانقسمت النُّجُوم على قدر الحصتين فَلَو شرطا تَفَاوتا على قدر الحصص فقد انْفَرد كل عقد عَن صَاحبه فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي كِتَابَة أَحدهمَا بِإِذن شَرِيكه فرع لَو كاتباه ثمَّ عَجزه أَحدهمَا وَأَرَادَ الثَّانِي إنظاره وإبقاء الْكِتَابَة فِي نصفه فَفِيهِ

ثَلَاثَة طرق أَحدهَا الْقطع بِالْمَنْعِ إِذْ يُرِيد إبْقَاء الْكِتَابَة بِغَيْر رِضَاء صَاحبه وَالثَّانِي تَخْرِيجه على قَوْلَيْنِ إِذْ الشَّرِيك لما وَافق فِي ابْتِدَاء العقد فقد رَضِي بلوازم وتوابع وَهَذَا مِنْهَا وَالثَّالِث الْقطع بِالْجَوَازِ لِأَن الدَّوَام يحْتَمل مَا لَا يحْتَملهُ الإبتداء

وَلَو كَاتب وَاحِد عبدا ثمَّ مَاتَ وَخلف ابْنَيْنِ وعجزه أَحدهمَا فَفِي إنظار الآخر هَذِه الطّرق وَأولى بامتناع التَّبْعِيض لِأَن العقد ابْتِدَاء وجد من وَاحِد هَذَا مَا يَصح من الْكِتَابَة ثمَّ مَا لَا يَصح يَنْقَسِم إِلَى بَاطِن وفاسد وَالْبَاطِل لَا حكم لَهُ إِلَّا مُوجب التَّعْلِيق إِن كَانَ قد صرح بِهِ وَالْفَاسِد لَهُ حكم وَمهما تطرق الْخلَل إِلَى أصل الْأَركان الْأَرْبَعَة فَبَاطِل كَمَا لَو كَانَ السَّيِّد صَغِيرا أَو مَجْنُونا أَو مكْرها والقابل كَذَلِك أَو صدر من ولي الطِّفْل وَمن لَيْسَ بِمَالك أَو عدم أصل الْعِوَض أَو شرطا شَيْئا لَا تقصد مَالِيَّته كالحشرات أَو اختلت الصِّيَغ بِأَن لم تنتظم أَو فقد الْإِيجَاب أَو الْقبُول أَو صدر من غير أَهله نعم اخْتلفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن الْبعد لَو كَانَ مَجْنُونا نقل الرّبيع أَنه عتق بِالْأَدَاءِ وَرجع السَّيِّد بِالْقيمَةِ وَالرُّجُوع من حكم الْفَاسِد فَكَأَنَّهُ جعل قبُول الْمَجْنُون فَاسِدا وَقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله ضِدّه وَهُوَ الصَّحِيح فَإِن قبُول الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فكلا قبُول فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ الثَّانِيَة لَو ترك لفظ الْكِتَابَة وَاقْتصر على قَوْله إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر فقد ذكرنَا خلافًا فِي أَنه لَو أعْطى هَل يعْتق لِأَن مَا يُعْطِيهِ فِي حكم الْمَغْصُوب فَإِن قُلْنَا يعْتق فَهَل يرجع السَّيِّد عَلَيْهِ بِقِيمَة الرَّقَبَة فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه لَا يرجع فَإِن قُلْنَا يرجع فَهَل يستتبع الْكسْب وَالْولد فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يستتبع وَمن رأى الرُّجُوع والإستتباع فقد ألحقهُ بالفاسد فقد حصل من هَذَا أَن الْفَاسِد مَا امْتنع صِحَّته بِشَرْط فَاسد أَو لفَوَات شَرط فِي الْعِوَض كالإعلام أَو فِي العَبْد ككتابة نصفه أَو كَتَرْكِ الْأَجَل والنجوم فَإِن قيل فَمَا حكم الْفَاسِد قُلْنَا الْفَاسِد يُسَاوِي الصَّحِيح فِي ثَلَاثَة أَحْكَام ويفارقه فِي

حكمين يُسَاوِيه فِي الْعتْق عِنْد أَدَاء مَا علق عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِحكم التَّعْلِيق حَتَّى لَا يحصل بِالْإِبْرَاءِ والإعتياض فيغلب التَّعْلِيق على الْفَاسِد ويساويه فِي استتباع الْكسْب وَالْولد أَعنِي وَلَده من جَارِيَته لِأَنَّهُ فِي حكم كَسبه أما ولد الْمُكَاتبَة فَفِي سرَايَة الْكِتَابَة الْفَاسِدَة إِلَيْهِ قَولَانِ كالقولين فِي سرَايَة التَّدْبِير وَتَعْلِيق الْعتْق وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ يتبعهُ ويسري إِلَيْهِ ويساويه أَيْضا فِي اسْتِقْلَال العَبْد عَقِيبه بالإكتساب وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ سُقُوط نَفَقَته عَن مَوْلَاهُ وَجَوَاز مُعَامَلَته إِيَّاه وَاخْتلفُوا فِيمَا يتَعَلَّق باستقلاله فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا فِي مسافرته وَفِيه وَجْهَان إِن رَأينَا أَن الْمكَاتب كِتَابَته صَحِيحَة يُسَافر وَكَذَلِكَ فِي صرف الزَّكَاة إِلَيْهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْكِتَابَة غير لَازِمَة من جِهَة السَّيِّد فَلَا يوثق بانصرافه إِلَى الْعتْق أما مَا يفْتَرق فِيهِ فأمران أَحدهمَا أَن مَا يقبضهُ وَيحصل الْعتْق بِهِ يجب رده وَالرُّجُوع إِلَى قيمَة الرَّقَبَة كَمَا فِي الْخلْع الْفَاسِد وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تلْزم من جِهَة السَّيِّد بل لَهُ أَن يفْسخ وَمهما فسخ أَو قضى القَاضِي بردهَا انْفَسَخ حَتَّى لَا يعْتق بأَدَاء النُّجُوم ويرتفع التَّعْلِيق أَيْضا لِأَن معنى قَوْله إِن أدّيت إِلَيّ فِي ضمن مُعَاوضَة فَأَنت حر وَالْفَسْخ يرفع الْمُعَاوضَة ثمَّ يبتني على هَذَا اعني على عدم لُزُومه لَو مَاتَ السَّيِّد فَأدى إِلَى الْوَارِث لم يعْتق لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقَاتِل إِن أدّيت إِلَيّ فَأَنت حر وَالتَّعْلِيق غَالب على الْفَاسِد وَيتَفَرَّع مِنْهُ أَنه لَو

أعْتقهُ عَن كَفَّارَته صَحَّ وَيكون كَأَنَّهُ فسخ الْكِتَابَة وَلَا يستتبع الْكسْب وَالْولد بِخِلَاف مَا لَو أعتق الْمكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة فَإِنَّهُ يَقع عَن الْكِتَابَة وَلَا يبرأ عَن الْكَفَّارَة ويتبعه الْكسْب وَالْولد وَلم تخَالف الْكِتَابَة الْفَاسِدَة قِيَاس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَّا فِي شي وَاحِد وَهُوَ إِثْبَات الإستقلال فِي الإكتساب وَحُصُول الْعتْق بِالْأَدَاءِ تشوفا إِلَيْهِ فَوَجَبَ السَّعْي فِي تَحْصِيل الْعتْق فَلَا يُمكن إِلَّا بِإِثْبَات الإستقلال بِالْكَسْبِ فَأصل الْكسْب يسلم لَهُ مهما اسْتَقل وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ سُقُوط نَفَقَته وَصِحَّته مُعَامَلَته أما إِلْزَامه من جهد السَّيِّد وَتَصْحِيح الْمُسَمّى حَتَّى لَا يرجع إِلَى الْقيمَة فَلَا ضَرُورَة فِيهِ فأجري على الْقيَاس

النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْكِتَابَة وَحكمهَا الْعتْق عِنْد بَرَاءَة الذِّمَّة بأَدَاء أَو إِبْرَاء أَو اعتياض واستقلال العَبْد بالإكتساب عقيب العقد وَيتَفَرَّع عَنهُ تَبَعِيَّة الْكسْب وَالْولد وَوُجُوب الْأَرْش وَالْمهْر على السَّيِّد عِنْد الْوَطْء وَالْجِنَايَة وَالْكِتَابَة تَقْتَضِي نُفُوذ تَصَرُّفَات الْمكَاتب بِمَا لَا ينْزع فِيهِ وَامْتِنَاع تصرف السَّيِّد فِي رقبته ومجموع هَذِه التفاصيل ترجع إِلَى خَمْسَة أَحْكَام الحكم الأول فِيمَا لَا يحصل بِهِ الْعتْق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أَبْرَأ عَن بعض النُّجُوم أَو قبض بعضه لم يعْتق مِنْهُ شَيْء بل هُوَ عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعْتق بِكُل جُزْء من النُّجُوم جُزْء من رقبته وَأما الْإِبْرَاء فِي الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَلَا توجب الْعتْق الثَّانِيَة إِذا جن السَّيِّد فَقبض النُّجُوم لم يعْتق لِأَن قَبضه فَاسد حَتَّى يقبض وليه وللمكاتب اسْتِرْدَاده وَإِن تلف فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ المضيع بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ وَلَو جن الْمكَاتب فَقبض السَّيِّد مِنْهُ عتق لِأَن فعل العَبْد لَيْسَ بِشَرْط بل إِذا تعذر فعله فللسيد أَخذه هَكَذَا أطلقهُ الْأَصْحَاب وَفِيه نظر إِذْ لَا يبعد لُزُوم رَفعه إِلَى القَاضِي حَتَّى يُوفي النُّجُوم إِن رأى الْمصلحَة أما اسْتِقْلَال السَّيِّد فمشكل عِنْد إِمْكَان مُرَاجعَة القَاضِي أما الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَظَاهر النَّص أَنَّهَا تَنْفَسِخ بجنون السَّيِّد كَمَا تَنْفَسِخ بِمَوْتِهِ وَلَا تَنْفَسِخ بجنون العَبْد فَاخْتَلَفُوا فِي النصين وَحَاصِل مَا ذكر نقلا وتخريجا ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا وَهُوَ الأقيس أَنه لَا تَنْفَسِخ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ جَائِزا فمصيره إِلَى اللُّزُوم كَالْبيع فِي زمَان الْخِيَار وَالثَّانِي أَنه يَنْفَسِخ لضعف الْفساد الثَّالِث أَنه يَنْفَسِخ بجنون الْمولى دون العَبْد فَإِن الْكِتَابَة أبدا جَائِزَة من جَانب العَبْد فَلم يُؤثر الْفساد فِي جَانِبه وَلَا خلاف أَن موت العَبْد يُوجب فسخ الْكِتَابَة الصَّحِيحَة أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن خلف وَفَاء فللوارث أَدَاء نجومه وَأخذ الْفَاضِل بالوراثة فَإِن قُلْنَا لَا تَنْفَسِخ بجنون العَبْد فأفاق وَأدّى عتق وَإِن قُلْنَا تَنْفَسِخ بجنون العَبْد فأفاق وَأدّى فَهَل يحصل الْعتْق بِمُجَرَّد التَّعْلِيق فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه لَا يحصل كَمَا لَو فسخ السَّيِّد لِأَن هَذَا تَعْلِيق فِي ضمن مُعَاوضَة وَالثَّالِثَة إِذا كَاتبا عبدا ثمَّ أعتق أَحدهمَا نصِيبه نفذ وسرى إِلَى نصيب شَرِيكه إِن كَانَ مُوسِرًا لَكِن يسري فِي الْحَال أَو يتَأَخَّر إِلَى أَن يعجز الْمكَاتب فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا التَّأْخِير إِلَى أَن يعجز إِذْ السَّيِّد قد نصب سَبَب الْعتْق لنَفسِهِ بِالْكِتَابَةِ فَكيف يجوز إِبْطَاله وَالثَّانِي أَنه يسري فِي الْحَال وَيقدر انْتِقَاله إِلَى الْمُعْتق من غير انْفِسَاخ فِي الْكِتَابَة بل يعْتق عَن جِهَة الْكِتَابَة عَن الْمُعْتق حَتَّى يكون الْوَلَاء للشَّرِيك وَلَا يُؤَدِّي إِلَى بطلَان الْكِتَابَة وَمِنْهُم من قَالَ ينْتَقل وتنفسخ الْكِتَابَة إِذْ الْعتْق أقوى من الْكِتَابَة فَيعتق كُله على الشَّرِيك الْمُعْتق وَمن هَذَا الْإِشْكَال حكى صَاحب التقري بوجها أَن الْكِتَابَة تمنع الْعتْق أصلا فَلَا يسري فَإِذا فرعنا على الصَّحِيح وَهُوَ أَنه يسري فإبراؤه عَن نصِيبه وَقبض نصِيبه حَيْثُ

يجوز الْقَبْض على مَا سَيَأْتِي كإعتاقه فِي اقْتِضَاء السَّرَايَة وَلَا نقُول إِنَّه مجبر على الْقَبْض فَلَا يسري لِأَنَّهُ مُخْتَار فِي إنْشَاء الْكِتَابَة الَّتِي اقْتَضَت إِجْبَاره على الْقَبْض نعم إِذا مَاتَ وَخلف مكَاتبا فبض أحد الِابْنَيْنِ نصِيبه عتق نصِيبه وَلم يسر لِأَنَّهُ مجبر على الْقبُول وَلم يصدر العقد مِنْهُ أما إِذا ادّعى العَبْد على الشَّرِيكَيْنِ أَنه وفى نجومهما فَصدق أَحدهمَا وَكذبه الآخر عتق نصيب الْمُصدق وَهل يسري إِلَى الْبَاقِي فِيهِ قَولَانِ وَجه قَوْلنَا إِنَّه لَا يسري مَعَ أَنه مُخْتَار فِي التَّصْدِيق أَن مُقْتَضى إِقْرَاره عتق الْكل فَكيف يعْمل بِخِلَاف مُوجبه وَيقدر عتق الْبَعْض حَتَّى يسري الرَّابِعَة أحد الإبنين الْوَارِثين إِذا أعتق نصِيبه من الْمكَاتب نفذ وَهل يقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن قَومنَا على أحد الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ قَولَانِ وَجه الْفرق أَن عتقه يَقع عَن الْمَيِّت وَلذَلِك يكون الْوَلَاء للْمَيت وَيُمكن بِنَاء الْقَوْلَيْنِ على أَن الْوَارِث هَل يملك الْمكَاتب وَيحْتَمل أَن لَا يملك بِنَاء على أَن الدّين الْمُسْتَغْرق يمْنَع الْملك وَكَذَا الْخلاف فِي السَّرَايَة عِنْد إبرائه أما عِنْد قَبضه نصِيبه فَلَا سرَايَة لِأَنَّهُ مجبر التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه لَا يسري ورق النَّصِيب الآخر بِالْعَجزِ فَفِي وَلَاء النّصْف الأول وَجْهَان أَحدهمَا أَنه بَين الْإِثْنَيْنِ لِأَن الْعتْق وَقع عَن الْمَيِّت فَلهُ الْوَلَاء وَلَهُمَا عصوبته وَالثَّانِي أَنه للْمُعْتق وكأنا بِالآخِرَة تَبينا أَن الْعتْق وَقع عَن الْمُعْتق وتضمن انْفِسَاخ الْكِتَابَة لِأَن الْكِتَابَة لَا تقبل التَّبْعِيض وَقد انْفَسَخ فِي الْبَاقِي وَهَكَذَا الْخلاف إِن فرعنا على أَن الْعتْق يسري وَلَكِن يتَضَمَّن انْفِسَاخ الْكِتَابَة فِي مَحل السَّرَايَة لِأَنَّهُ قد انْفَسَخ فِي الْبَعْض أما الْوَلَاء فِي مَحل السَّرَايَة فينبني على انْفِسَاخ الْكِتَابَة فَإِن رَأينَا أَنَّهَا تَنْفَسِخ بِالسّرَايَةِ

فَالْولَاء فِيهِ لمن سرى عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا لَا تَنْفَسِخ فقد عتق العَبْد كُله عَن جِهَة كِتَابَة الْمَيِّت فَالْولَاء لَهما بعصوبته فرع إِذا خلف ابْنَيْنِ وعبدا فَادّعى العَبْد أَن الْمُورث كَاتبه فَصدقهُ أَحدهمَا وَكذبه الآخر وَحلف صَار نصيب الْمُصدق مكَاتبا فيستقل العَبْد بِنصْف كَسبه ليصرفه إِلَى النُّجُوم ثمَّ إِن عتق نصيب الْمُصدق بِقَبْضِهِ النُّجُوم لم يسر لِأَنَّهُ مجبر عَلَيْهِ وَإِن عتق بِإِعْتَاق سرى وَلم يُمكن تَخْرِيجه على الْخلاف فِي السَّرَايَة إِلَى الْمكَاتب لِأَن الشَّرِيك يزْعم أَن نصِيبه رَقِيق فَلَا بُد وَأَن يسري إِلَيْهِ وَإِن عتق بِالْإِبْرَاءِ لم يسر فَإِن الشَّرِيك المكذب يَقُول الْإِبْرَاء لاغ إِذْ لَا كِتَابَة فَلَا يسري حَتَّى يُصَرح الْمُصدق بِلَفْظ يُوجب الْإِعْتَاق ثمَّ الصَّحِيح أَن الْمُصدق يشْهد مَعَ غَيره على المكذب فَيجوز لِأَن نصِيبه من النُّجُوم قد سلم بِإِقْرَار العَبْد فَلَا تُهْمَة فِيهِ الْخَامِسَة إِذا قبض النُّجُوم ثمَّ وجدهَا نَاقِصَة فِي الْوَصْف فَإِن رَضِي اسْتمرّ الْعتْق وَيكون حُصُول الْعتْق عِنْد الْقَبْض أَو عِنْد الرِّضَا فِيهِ خلاف يَنْبَنِي على أَن الدّين النَّاقِص يملك عِنْد الْقَبْض أَو عِنْد الرِّضَا وَإِن أَرَادَ الرَّد فَلهُ ذَلِك ويرتد الْعتْق على معنى أَنه يتَبَيَّن أَنه لم يحصل لعدم الْقَبْض فِي الْمُسْتَحق وَهُوَ ظَاهر إِذا قُلْنَا لَا يحصل الْملك بِالْقَبْضِ وَإِن قُلْنَا يحصل فَيحصل الْعتْق أَيْضا بِحَسبِهِ حصولا غير مُسْتَقر بل ينْدَفع عِنْد الرَّد فَلَو اطلع على النُّقْصَان بعد تلف النُّجُوم فَلهُ طلب الْأَرْش ويتبين أَن لَا عتق حَتَّى يُؤَدِّي الْأَرْش فَإِن عَجزه السَّيِّد وأرقه جَازَ كَمَا فِي نفس النُّجُوم ثمَّ الْأَرْش قدر قيمَة

نُقْصَان النُّجُوم أَو مَا يُقَابله من الرَّقَبَة فِيهِ خلاف يجْرِي مثله فِي الْمُعَاوَضَات الْمُتَعَلّقَة بالديون السَّادِسَة إِذا خرج النَّجْم مُسْتَحقّا تبين أَن لَا عتق وَلَيْسَ هُوَ كَمَا لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر فجَاء بمغصوب فَيحصل الْعتْق أَو الطَّلَاق فِي مثله على وَجه لتجرد حكم التَّعْلِيق وَوُجُوب صُورَة الْإِعْطَاء أما هَا هُنَا إِذا صحت الْمُعَامَلَة فَلَا يعْتق إِلَّا بِبَرَاءَة الذِّمَّة نعم يجْرِي الْخلاف فِي الْكِتَابَة الْفَاسِدَة إِذا صرح بِالتَّعْلِيقِ على أَدَاء الْألف فرع لَو قَالَ لَهُ عِنْد أَدَاء النُّجُوم اذْهَبْ فَإنَّك حر أَو عتقت فَلهُ رد الْعتْق وَلَا يؤاخد بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بِنَاء على ظَاهر الْحَال كالمشتري فَإِنَّهُ يرجع بِالثّمن إِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا وَإِن كَانَ قد قَالَ هُوَ ملكي وَملك بائعي وَقد ذكرنَا فِيهِ وَجها أَنه لَا يرجع وَيجْرِي هَا هُنَا أَيْضا إِذْ لَا فرق أما إِذا أقرّ بِعِتْق أَو طَلَاق ثمَّ قَالَ كنت أطلقت لَفْظَة ظننتها نَافِذَة فراجعت الْمُفْتِي فَأفْتى بِأَنَّهُ لَا ينفذ قَالَ الصيدلاني يقبل قِيَاسا على هَذِه الْمَسْأَلَة وَهَذَا بعيد لِأَن الْإِقْرَار حجَّة صَرِيحَة وَفتح هَذَا الْبَاب يمْنَع الأقارير إِلَّا أَن قَوْله بعد قبض النُّجُوم أَنْت حر أَو عتقت هُوَ إِقْرَار وَلَا فرق بَين أَن يَقُوله جَوَابا إِذا سُئِلَ عَن حُرِّيَّته أَو ابْتِدَاء وَبَين أَن يَقُوله مُتَّصِلا بِقَبض النُّجُوم أَو بعده فَإِنَّهُ مَعْذُور فِي الْأَحْوَال كلهَا لظَنّه فَإِذا عذر هَا هُنَا فَلَا يبعد أَن يفتح هَذَا الْبَاب فِي كَلَام يجْرِي مجْرَاه الحكم الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بأَدَاء النُّجُوم وَفِيه سبع مسَائِل الأولى أَنه يجب الإيتاء لقَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله} وَلِأَنَّهُ مَا كَاتب أحد من السّلف إِلَّا وضع شَيْئا وَلنْ الْمُطلقَة تنْتَظر مهْرا فَإِذا لم تسلم تأذت فَوَجَبت الْمُتْعَة دفعا للأذى فَكَذَا العَبْد ينْتَظر الْعتْق مجَّانا فَإِذا كَانَ بعوض فَيَتَأَذَّى فَلَا بُد من إمتاعه

ثمَّ النّظر فِي مَحَله وَوَقته وجنسه وَقدره أما الْمحل فَهُوَ الْكِتَابَة الصَّحِيحَة وَفِي الْفَاسِدَة وَجْهَان بِنَاء على أَن الأَصْل فِي الإيتاء حط شَيْء من وَاجِب النُّجُوم أَو بذل شَيْء مَعَ أَنه لَا خلاف أَن الْوُجُوب يتَأَدَّى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِذا قُلْنَا الأَصْل هُوَ حط الْوَاجِب فَلَا يجب فِي الْفَاسِد النُّجُوم بل يجب قيمَة الرَّقَبَة بعد الْعتْق أما لَو بَاعَ العَبْد من نَفسه أَو أعْتقهُ على مَال فَالْمَشْهُور أَنه لَا يجب الإيتاء وَفِيه وَجه أَنه يجب لأجل الْعِوَض وَلَا خلاف أَن الْعتْق مجَّانا لَا يُوجب شَيْئا فَإِنَّهُ عين الإيتاء والإمتاع أما الْوَقْت فَلَا يجب البدار عقيب العقد وَهل يجوز التَّأْخِير عَن الْعتْق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن مَقْصُوده أَن يكون بلغَة بعد الْعتْق وَالثَّانِي لَا لِأَن مَقْصُوده أَن يكون مَعُونَة على الْعتْق وَأما مِقْدَاره فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه أقل مَا يتمول إِذْ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الإيتاء بِخِلَاف الْمُتْعَة فَإِنَّهُ قدر بِالْمَعْرُوفِ وَالثَّانِي أَنه لَا يَكْفِي ذَلِك إِذْ الْحبَّة لَا يحصل بهَا لَا بلغَة وَلَا مَعُونَة بل لَا بُد من قدر يَلِيق بِحَال السَّيِّد وَالْعَبْد وَقدر النُّجُوم وَيظْهر لَهُ أثر فِي التَّيْسِير وَالتَّخْفِيف وَقد كَاتب ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ عبدا لَهُ بِخَمْسَة

وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ حط عَنهُ خَمْسَة آلَاف وَهُوَ تسع المَال وَإِن كَانَ السَّبع إِلَى الْعشْر لائقا وَلَكِن لَا يتَقَدَّر بِهِ بل يجْتَهد القَاضِي عِنْد النزاع فَإِن شكّ فِي مِقْدَاره فيتقابل فِيهِ أصلان بَرَاءَة ذمَّة السَّيِّد وَبَقَاء الْأَمر بالإيتاء فليرجح فرع لَو بَقِي من النُّجُوم قدر لَا يقبل فِي الإيتاء أقل مِنْهُ فَلَيْسَ للسَّيِّد تعجيزه أصلا بل يرفعهُ إِلَى القَاضِي ليرى فِيهِ رَأْيه أما الْجِنْس فليبرىء من بعض النُّجُوم أَو ليرد عَلَيْهِ مِمَّا أَخذ مِنْهُ أَو من جنسه فَإِن عدل إِلَى غير جنسه فَوَجْهَانِ وَجه الْمَنْع أَنه تعبد فهم من قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} وعنى بِهِ النُّجُوم فضاهى قَوْله تَعَالَى {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} وَالأَصَح أَن هَذِه مُعَاملَة فيتطرق الْعِوَض إِلَيْهَا فرع لَو مَاتَ السَّيِّد قبل الإيتاء فَهُوَ فِي تركته لَكِن النَّص أَنه يضارب بِهِ الْوَصَايَا وَهُوَ مُشكل لِأَن حق الدّين أَن يقدم فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا إِذا قدر زِيَادَة على الْوَاجِب فَمَاتَ وَمِنْهُم من قَالَ وجوب الإيتاء ضَعِيف فينقلب اسْتِحْبَابا بِالْمَوْتِ وَمِنْهُم من قَالَ أقل مَا يتمول دين وَالزِّيَادَة إِذا أوجبناها إِنَّمَا أَوجَبْنَا لِأَنَّهَا لائقة بِالْحَال وَلَا تلِيق بِمَا

بعد الْمَوْت فَهُوَ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا عجل النُّجُوم قبل الْمحل أجبر السَّيِّد على الْقبُول لأجل فك الرَّقَبَة كَمَا يجْبر فِي الدّين الَّذِي بِهِ رهن أما فِي سَائِر الدُّيُون المؤجلة فَوَجْهَانِ ثمَّ إِنَّمَا يجْبر على قبُول النَّجْم إِذا لم يكن على السَّيِّد ضَرَر وَمؤنَة وَلم يكن وَقت نهب وغارة فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ ضَرَر لم يلْزمه فَإِن كَانَ النهب مَقْرُونا بِوَقْت العقد فَفِي الْإِجْبَار وَجْهَان وَحَيْثُ يجْبر فَلَو كَانَ غَائِبا أَو امْتنع قبض القَاضِي عَنهُ وَعتق وَيقبض النَّجْم الأول وَإِن لم يكن فِيهِ عتق أَيْضا لِأَنَّهُ تمهيد سَبَب لِلْعِتْقِ وَلَو قَالَ لَا آخذه فَإِنَّهُ حرَام فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب وَيجب أَخذه وَيعتق بِهِ ثمَّ يجب عَلَيْهِ رده إِلَى مَالِكه إِن أَضَافَهُ إِلَى مَالك فَإِن لم يضف فَهَل ينتزع من يَده فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا ينتزع فَلَو كذب نَفسه فَالظَّاهِر قبُوله وَيعود تصرفه فِيهِ

فرع إِذا قَالَ السَّيِّد عدل لي بعض النُّجُوم لأبرئك عَن الْبَعْض فقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله فِي ذَلِك ترددا وَجعل الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ وَمحل الْقَوْلَيْنِ مُشكل لِأَن السَّيِّد إِن قَالَ إِذا عجلت فقد أَبْرَأتك فَهُوَ تَعْلِيق إِبْرَاء فَاسد وَإِن قَالَ العَبْد خُذ هَذَا بِشَرْط أَن تبرئني فأداؤه بِالشّرطِ فَاسد فَلَعَلَّ مَحل التَّرَدُّد أَن يبتدىء العَبْد الْأَدَاء بِالشّرطِ فأداؤه فَاسد لَكِن لَو أَبْرَأ السَّيِّد واستأنف العَبْد رضَا فِي دوَام الْقَبْض صَار الْقَبْض صَحِيحا فَلَو لم يسْتَأْنف فَهَل نقُول رِضَاهُ الأول كَانَ رِضَاء بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الْإِبْرَاء وَقد تحقق فَهَل يَكْتَفِي بِهِ يحْتَمل فِيهِ تردد الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي تعذر النُّجُوم وَله خَمْسَة أَسبَاب الأول الإفلاس عِنْد الْمحل وَللسَّيِّد مبادرة الْفَسْخ فَإِن لم يُبَادر فَلهُ الْفَسْخ مَتى شَاءَ وَلَيْسَ هَذَا على الْفَوْر وَلَو استمهل الْمكَاتب لم يلْزمه إِلَّا بِقدر مَا يخرج المَال من المخزن فَإِن كَانَ مَاله غَائِبا فَلهُ الْفَسْخ وَلَو كَانَ لَهُ عرُوض لَا تشترى إِلَّا بعد زمَان فَلهُ الْفَسْخ وَقَالَ الصيدلاني لَا يفْسخ وَهُوَ بعيد وَإِذا عجز عَن الْبَعْض فَلهُ الْفَسْخ وَالْبَاقِي سلم للسَّيِّد إِلَّا مَا كَانَ من الزكوات فَإِنَّهَا ترد إِلَى أَصْحَابهَا الثَّانِي إِذا غَابَ وَقت الْمحل فَلهُ الْفَسْخ وَلَا يحْتَاج إِلَى الرّفْع إِلَى القَاضِي على الصَّحِيح وَلَو كَانَ أذن لَهُ فِي السّفر فَلهُ أَن يرجع وَلَكِن لَا يُبَادر الْفَسْخ حَتَّى يعرفهُ الرُّجُوع عَن الْإِذْن فَإِن قصر بعد ذَلِك فِي الإياب وَالْأَدَاء فسخ الثَّالِث أَن يمْنَع مَعَ الْقُدْرَة فَلهُ ذَلِك إِذْ لَيْسَ النُّجُوم لَازِما على العَبْد بل الْكِتَابَة جَائِزَة فِي جَانِبه لَكِن للسَّيِّد الْفَسْخ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَيْسَ للْعَبد الْفَسْخ لَكِن لَهُ أَن لَا يُؤَدِّي مَعَ الْقُدْرَة حَتَّى يفْسخ السَّيِّد وَهُوَ متناقض لِأَن العقد إِن كَانَ لَازِما فليجب الْوَفَاء بِهِ

الرَّابِع إِذا جن العَبْد وَقُلْنَا لَا يَنْفَسِخ على الْأَصَح فَالْقَاضِي إِن علم لَهُ مَالا وَرَأى مصْلحَته فِي الْعتْق أدّى عَنهُ وَإِن رأى أَنه يضيع إِن عتق فَلهُ أَن لَا يُؤَدِّي عَنهُ وَكَلَام الْأَصْحَاب يُشِير إِلَى أَن السَّيِّد يسْتَقلّ بِالْأَخْذِ إِذْ ذكرُوا أَن الْقَبْض من العَبْد الْمَجْنُون يُوجب الْعتْق وَفِيه نظر إِذْ رُبمَا لم يرضى بِالْعِتْقِ وَالْأَدَاء إِذا أَفَاق إِلَّا أَن هَذَا لَا فَائِدَة فِيهِ فَإِن السَّيِّد يقدر على إِعْتَاقه بِكُل حَال فَأَي فرق بَين أَن يَأْخُذ كَسبه عَن جِهَة النُّجُوم أَو عَن جِهَة رالرق الْخَامِس الْمَوْت وَذَلِكَ يُوجب انْفِسَاخ الْكِتَابَة وَإِن خلف وَفَاء لتعذر الْعتْق بعد الْمَوْت فرع لَو استسخر الْمكَاتب شهرا وَغرم لَهُ أُجْرَة الْمثل فَإِذا حل النَّجْم وَعجز فَلهُ الْفَسْخ وَفِيه وَجه أَنه يلْزمه أَن ينظره مثل مُدَّة الإستسخار لِأَنَّهُ كَانَ يتَوَقَّع اتِّفَاق فتوح فِي ذَلِك الشَّهْر فيعوضه بِمثل تِلْكَ الْمدَّة فَلَعَلَّهُ يتَحَقَّق توقعه الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي ازدحام الدُّيُون وَلها صور الأولى أَن يكون الدّين للسَّيِّد فَإِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين مُعَاملَة ونجوم وَفِي يَده مَا يَفِي بِأَحَدِهِمَا فَلَو تطوع السَّيِّد وَأخذ عَن النُّجُوم عتق وَدين الْمُعَامَلَة يبْقى فِي ذمَّته وَله أَن يَأْخُذ عَن جِهَة الْمُعَامَلَة ويعجزه وَلَو أَرَادَ تعجيزه قبل أَن يَأْخُذ مَاله عَن جِهَة الدّين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَهُ ذَلِك لَان لَهُ طلبهما جَمِيعًا ويتضمن ذَلِك عَجزه عَن بعض النُّجُوم لَا محَالة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قَادر على النُّجُوم وَإِنَّمَا تَزُول الْقُدْرَة بإخلاء يَده عَن المَال فرع لَو قبض المَال مُطلقًا وَقصد السَّيِّد الدّين وَقصد العَبْد النُّجُوم فالإعتبار بِأَيّ قصد فِيهِ وَجْهَان وَتظهر فَائِدَته فِي التَّحْلِيف عِنْد النزاع فَإِن القَوْل قَول من تعتمد نِيَّته الثَّانِيَة أَن يكون عَلَيْهِ دين مُعَاملَة وَأرش لأَجْنَبِيّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ للسَّيِّد إِلَّا النُّجُوم فَإِن لم يحْجر القَاضِي بعد عَلَيْهِ فَلهُ أَن يقدم أَي دين شَاءَ وَإِن حجر بالتماس الْغَيْر فالنص أَنه يوزع

على الدُّيُون لِأَن كل وَاحِد لَو انْفَرد لاستغرق تَمام حَقه وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن الْمُقدم دين مُعَاملَة الْأَجْنَبِيّ لِأَنَّهُ لَا يجد مُتَعَلقا من الرَّقَبَة بِخِلَاف الْأَرْش والنجم ثمَّ أرش الْأَجْنَبِيّ يقدم على النَّجْم لِأَنَّهُ يقدم على حق الْمَالِك حَتَّى يُبَاع فِيهِ العَبْد الثَّالِثَة أَن يعجز الْمكَاتب نَفسه فَتسقط عَنهُ النُّجُوم وَيبقى للأجانب الْأَرْش وَدين الْمُعَامَلَة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ الصَّحِيح أَنه يقسم مَا فِي يَده عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالثَّانِي أَنه يقدم دين الْمُعَامَلَة لتَعلق صَاحب الْأَرْش بِالرَّقَبَةِ وَالثَّالِث وَهُوَ غَرِيب أَن يقدم الْأَرْش وَيُقَال لصَاحب الْمُعَامَلَة قد قنعت بذمية فَاتبعهُ إِذا عتق وَهَذَا يلْزم طرده فِي الصُّورَة الثَّانِيَة وَهُوَ بعيد جدا التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يقدم الْمُعَامَلَة فَلَو مَاتَ الْمكَاتب وَخلف شَيْئا فَالصَّحِيح أَنه يسوى بَينه وَبَين الْأَرْش إِذْ لم يبْق طمع فِي الرَّقَبَة ليتعلق بهَا الْأَرْش وَمِنْهُم من استصحب دين الْمُعَامَلَة فرعان أَحدهمَا أَن لمستحق الْأَرْش تعجيز الْمكَاتب حَتَّى يفْسخ الْكِتَابَة وَيبِيع الرَّقَبَة فَلَو أَرَادَ السَّيِّد فداءه لتستمر الْكِتَابَة لم يجب على الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبُوله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ بعد انْفِسَاخ الْكِتَابَة وَإِنَّمَا لَهُ الْفِدَاء عِنْد التَّعْلِيق وَفِيه وَجه أَنه يجب قبُوله لغَرَض السَّيِّد فِي دوَام الْكِتَابَة

وَأما صَاحب دين الْمُعَامَلَة فَلَيْسَ لَهُ التَّعْجِيز على الْمَذْهَب إِذْ لَيْسَ لَهُ طمع فِي الرَّقَبَة فَلَا فَائِدَة لَهُ فِي التَّعْجِيز الْفَرْع الثَّانِي لَو كَانَ للسَّيِّد دين مُعَاملَة وَنجم فَلَا يضارب الْغُرَمَاء بِالنَّجْمِ ويضارب بدين الْمُعَامَلَة لِأَنَّهُ لَا يقْضِي من الرَّقَبَة وَفِيه وَجه أَنه لَا يضارب لِأَن حَقه على عَبده ضَعِيف وعرضة للسقوط الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا كَاتبا عبدا فَلَيْسَ للْعَبد أَن يقْضِي نصيب أَحدهمَا وَحده لِأَن كل مَا فِي يَده كالمشترك بَين السيدين لَكِن لَو وكل أَحدهمَا صَاحبه بِقَبض نصِيبه فَإِذا قبض الْجَمِيع عتق العَبْد وَلَو استبد بِتَسْلِيم الْجَمِيع إِلَى أَحدهمَا لم يعْتق مِنْهُ شَيْء لِأَن الْقَابِض لَا يملك مِنْهُ شَيْئا مَا لم يملك شَرِيكه مثله وَفِيه وَجه أَنه يعْتق نصِيبه إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ رفع الْيَد إِلَّا عَن النّصْف وَلَو رَضِي أَحدهمَا بِتَقْدِيم الآخر بِنَصِيبِهِ فَهَل يَصح الْأَدَاء فِيهِ وَجْهَان ينبنيان على نُفُوذ التَّبَرُّع بِإِذن السَّيِّد وَقيل يَنْبَنِي على أَن كِتَابَة أَحدهمَا بِإِذن صَاحبه هَل تصح فِي نصِيبه وَحده لِأَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن يعْتق الْبَعْض وَتبقى الْكِتَابَة فِي الْبَاقِي التَّفْرِيع إِن قضينا بِفساد الْأَدَاء فَهُوَ رَقِيق وَيسْتَرد مِنْهُ وَإِن قُلْنَا صَحِيح فَلَا نقُول بِعِتْق نصِيبه ويسري بل إِن كَانَ فِي يَده وَفَاء أدّى نصيب الثَّانِي وَعتق كُله عَلَيْهِمَا وَإِن عجز عَن نصيب الثَّانِي قَالَ ابْن سُرَيج لَا يُشَارك الأول فِيمَا قبض بِإِذْنِهِ وَلَكِن عتق على الأول نصِيبه وَهل يقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور فِي سرَايَة عتق الشَّرِيك فِي الْمكَاتب وَقَالَ غَيره بل يُشَارِكهُ فِيمَا قبض لِأَنَّهُ أذن فِي التَّقْدِيم لَا فِي التَّكْمِيل ثمَّ إِذا شَارك فَلَهُمَا التَّعْجِيز بِسَبَب الْبَاقِي ويرق العَبْد فرع لَو ادّعى أَنه وفاه النُّجُوم فَصدقهُ أَحدهمَا وَكذبه الآخر فَلهُ أَن يُشَارك الْمُصدق فِيمَا أقرّ بِقَبْضِهِ وَله أَن يُطَالب الْمكَاتب بِتمَام نصِيبه إِن شَاءَ ثمَّ لَا تراجع بَين الْمكَاتب والمصدق فِيمَا يَأْخُذهُ المكذب مِنْهُمَا إِذْ مُوجب قَوْلهمَا أَن المكذب ظَالِم وَلَا يرجع الْمَظْلُوم إِلَّا على ظَالِم

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا كَاتب عَبْدَيْنِ فجَاء أَحدهمَا بِمَال ليتبرع بأَدَاء نُجُوم الثَّانِي وَقُلْنَا لَا ينفذ تبرعه بِالْإِذْنِ فَالْمَال للمؤدي لَكِن قد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن الْمُؤَدِّي لَو عتق بِمَال آخر لم يرجع إِلَى ذَلِك المَال وَنَصّ على أَن الْمكَاتب لَو عَفا عَن أرش جِنَايَة ثَبت لَهُ على سَيّده فَإِذا عتق رَجَعَ فِيهِ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج بِنَاء على أَن تصرف الْمُفلس إِذا رد للحجر فَإِذا انْقَضتْ دُيُونه فَهَل ينفذ بعده وَلَا خلاف أَنه لَو اسْتردَّ قبل الْعتْق ثمَّ عتق لم يكن للسَّيِّد اسْتِرْدَاده فَإِنَّمَا إِنَّمَا ينفذ بعد الْعتْق إِذا لم يقبضهُ قبل الْعتْق أما إِذا تكفل أحد الْعَبْدَيْنِ بنجوم الآخر لم يَصح لِأَن النُّجُوم لَيْسَ بِلَازِم على العَبْد فَلَا يَصح ضَمَانه وَلَو شَرط ضَمَان أَحدهمَا للْآخر فسد العقد فرع لَو كَانَا متفاوتي الْقيمَة وَجَاء المَال ثمَّ ادّعى الخسيس أَنَّهُمَا أديا على عدد الرؤس وَقَالَ الآخر بل على قدر النُّجُوم فَفِيهِ نصان مُخْتَلِفَانِ فَقيل قَولَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول من يَدعِي الإستواء لِأَنَّهُ كَانَ فِي يدهما وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي القَوْل قَول الآخر لِأَن قرينَة التَّفَاوُت فِي النُّجُوم تشهد لَهُ وَقيل بل الْمَسْأَلَة على حَالين فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الإستواء إِلَى أَن يَقْتَضِي ذَلِك فِي النَّجْم الْأَخير اسْتِرْدَاد شَيْء من السَّيِّد فَالْقَوْل قَول من يُنكره الْمَسْأَلَة السَّابِعَة فِي النزاع وَله صور الأولى إِذا اخْتلف السَّيِّد وَالْمكَاتب فِي قدر النُّجُوم أَو فِي جنسه أَو فِي مِقْدَار الْأَجَل تحَالفا وتفاسخا وَإِن كَانَ بعد حُصُول الْعتْق بالإتفاق وَفَائِدَة الْفَسْخ الرُّجُوع إِلَى قيمَة الرَّقَبَة

أما رد الْعتْق فَغير مُمكن وَصورته أَن يقبض مِنْهُ أَلفَيْنِ وَيَدعِي العَبْد أَن بعضه وَدِيعَة وَقَالَ السَّيِّد بل النُّجُوم أَلفَانِ الثَّانِيَة أَن يختلفا فِي أصل الْأَدَاء أَو فِي أصل الْكِتَابَة فَالْقَوْل قَول السَّيِّد فَلَو قَالَ العَبْد لي بَيِّنَة على الْأَدَاء أمْهل ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أَتَى بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ قبل إِلَّا فِي النَّجْم الْأَخير فَفِيهِ وَجْهَان لتعليق الْعتْق بِهِ الثَّالِثَة لَو مَاتَ الْمكَاتب وَله ولد من مُعْتقه كَانَ وَلَاؤُه لموَالِي الْمُعتقَة فَلَو قَالَ السَّيِّد عتق قبل الْمَوْت وجر إِلَيّ وَلَاء أَوْلَاده فَالْقَوْل قَول مولى الْأُم إِنَّه مَاتَ قبل الْعتْق لِأَن الأَصْل عدم الْقَبْض واستمرار الْوَلَاء الرَّابِعَة كَاتب عَبْدَيْنِ وَأقر بِأَنَّهُ قبض نُجُوم أَحدهمَا فَلِكُل وَاحِد أَن يَدعِي فَإِن أقرّ لأَحَدهمَا وَنكل عَن يَمِين الآخر حَتَّى حلف الْمُدَّعِي عتق هَذَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَعتق الأول بِالْإِقْرَارِ وَإِن مَاتَ قبل الْبَيَان فللوارث أَن يحلف على نفي الْعلم بِمَا عناه الْمُورث وَإِذا حلف استبهم فَهَل يقرع بَينهمَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عتق استبهم وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ دين استبهم من عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عتق عبد معِين من عَبْدَيْنِ وَإِنَّمَا تجْرِي الْقرعَة عِنْد إِعْتَاق الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا وقصور الثُّلُث عَن الْوَفَاء وإبهام الْعتْق بَينهمَا لَكِن إِذا قُلْنَا لَا يقرع فللوارث أَن يعجزهما ليحصل تعجيز الرّقّ مِنْهُمَا وَبعد ذَلِك يستبهم عتق بَين عَبْدَيْنِ فَلَا تبعد الْقرعَة

الحكم الثَّالِث حكم التَّصَرُّفَات أما تَصَرُّفَات السَّيِّد فَفِيهَا خمس مسَائِل الأولى بيع الْمكَاتب كِتَابَة فَاسِدَة صَحِيح وَهُوَ رُجُوع وَإِن كَانَت الْكِتَابَة صَحِيحَة فَهُوَ بَاطِل على القَوْل الْجَدِيد لِأَن العَبْد اسْتحق عتقا عَلَيْهِ وَفِي بيع العَبْد نقل الْوَلَاء إِلَى غَيره وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه يَصح وَيكون مكَاتبا على المُشْتَرِي إِن أدّى إِلَيْهِ النُّجُوم عتق وَله الْوَلَاء وَإِن عجز رق لَهُ الثَّانِيَة بيع نُجُوم الْكِتَابَة بَاطِل لِأَن ضَمَانه أَيْضا بَاطِل لعدم لُزُومه وَفِي الإستبدال عَنهُ وَجْهَان وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يَصح بَيْعه ثمَّ إِذا منعنَا بَيْعه فَقبض المُشْتَرِي النُّجُوم لم يعْتق وَيرد على الْمكَاتب وَفِيه وَجه أَنه يعْتق لِأَنَّهُ مَأْذُون فِي الْقَبْض من البَائِع فَكَأَنَّهُ وَكيله فعلى هَذَا ترد النُّجُوم على السَّيِّد إِذا عتق عَلَيْهِ الثَّالِثَة للسَّيِّد مُعَامَلَته بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَيَأْخُذ الشُّفْعَة مِنْهُ وَيَأْخُذ هُوَ من السَّيِّد ويلتزم كل وَاحِد الْأَرْش عِنْد الْجِنَايَة على صَاحبه فَلَو ثَبت لَهُ على السَّيِّد دين مثل النُّجُوم فِي قدره وجنسه عتق حَيْثُ نوى وُقُوع التَّقَاصّ وَفِي أصل التَّقَاصّ عِنْد تَسَاوِي الدينَيْنِ أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يَقع مَعَ الرِّضَا لإنه إِبْدَال دين بدين وَالثَّانِي يَقع إِن رَضِينَا جَمِيعًا وَكَأَنَّهُ يشبه الْحِوَالَة وَالثَّالِث أَنه يَقع إِن رَضِي أَحدهمَا كَمَا يجْبر أحد الشَّرِيكَيْنِ على الْقِسْمَة عِنْد طلب أَحدهمَا وَالرَّابِع أَنه يَقع التَّقَاصّ لِأَن طلبه مِنْهُ إِذا كَانَ هُوَ مطالبا بِمثلِهِ عنت وَلَعَلَّه الْأَصَح وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِن أجرينا التَّقَاصّ فِي النَّقْدَيْنِ فَفِي ذَوَات الْأَمْثَال

وَجْهَان فَإِن أجرينا فَفِي الْعرُوض المتساوية وَجْهَان وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يجوز التَّقَاصّ بَين المكسر وَالصَّحِيح وَالْحَال والمؤجل الرَّابِعَة لَو أوصى بِرَقَبَة الْمكَاتب لم يَصح وَإِن عجز إِلَّا أَن يضيف إِلَى الْعَجز فَيَقُول إِن عجز فقد أوصيت بِهِ لفُلَان فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على مَا لَو قَالَ إِن ملكت ذَلِك العَبْد فقد أوصيت بِهِ لفُلَان وَهَذَا أولى بِالصِّحَّةِ لقِيَام أصل الْملك وَلَو أوصى بالنجوم لإِنْسَان جَازَ فِيمَا يخرج من الثُّلُث فَإِن عجز فللوارث التَّعْجِيز وَإِن أنظر الْمُوصى لَهُ وَحَيْثُ تصح الْوَصِيَّة بِرَقَبَتِهِ إِذا عجز فللموصى لَهُ تعجيزه وَإِن أنظر الْوَارِث وَإِنَّمَا يتعاطى القَاضِي تعجيزه إِذا تحقق ذَلِك عِنْده الْخَامِسَة إِذا قَالَ ضَعُوا عَن الْمكَاتب أَكثر مَا عَلَيْهِ وَمثل نصفه والنجوم ثَمَانِيَة مثلا فَيُوضَع لأجل الْأَكْثَر أَربع وَشَيْء وَلقَوْله مثل نصفه نصف الْأَرْبَعَة وَالشَّيْء فَيجوز أَن يبْقى عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ إِلَّا شَيْئَيْنِ وَلَو قَالَ ضَعُوا عَنهُ مَا شَاءَ فشاء الْكل لم يوضع بل لَا بُد من إبْقَاء شَيْء وَإِن قل وَفِيه وَجه أَنه يوضع الْكل بِخِلَاف مَا لَو قَالَ ضَعُوا من نجومه مَا شَاءَ فَإِن من تَقْتَضِي التَّبْعِيض أما تَصَرُّفَات الْمكَاتب فَهُوَ فِيهِ كَالْحرِّ إِلَّا مَا فِيهِ تبرع أَو خطر فَوَات أما التَّبَرُّع كَالْهِبَةِ وَالْعِتْق وَالشِّرَاء بِالْعينِ وَالْبيع بالمحاباة والضيافة والتوسع فِي المطاعم والملابس وَأما الْخطر فَهُوَ كَالْبيع بِالنَّسِيئَةِ وَإِن استوثق بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يدْرِي عاقبته وَقد يجوز مثل ذَلِك فِي مَال الطِّفْل بِالْمَصْلَحَةِ وَلَكِن هَا هُنَا لَا تطلب مصلحَة الْمكَاتب بل مصلحَة الْعتْق وَالْيَد وَلذَلِك لَا ترفع يَد السَّيِّد عَن الْمَبِيع قبل قبض الثّمن وَلَا يهب بِثَوَاب مَجْهُول وَلَا يُكَاتب وَلَا يتَزَوَّج لِأَنَّهُ يتَعَرَّض للنَّفَقَة وَالْمهْر وَلَا يتسرى إِذْ تتعرض الْجَارِيَة للهلاك بالطلق

وَلَا يَشْتَرِي من يعْتق عَلَيْهِ وَلَا يتهب أَيْضا من يعْتق عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ كسوبا لَا تجب نَفَقَته وَأما إِقْرَاره فَيقبل كَالْمَرِيضِ وكل مَا منع إِذا اسْتَقل فَلَو أذن فِيهِ السَّيِّد فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَن الْحق لَا يعدوهما وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن حق الْعتْق ملحوظ أَيْضا وَإِذن السَّيِّد لَا أثر لَهُ وَقد اسْتَقل الْمكَاتب بِنَفسِهِ فروع الأول نِكَاحه بِإِذْنِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَقيل إِنَّه يَصح قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ من حَاجته وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لاستقل بِهِ ولجاز التَّسَرِّي وَلِأَن للكتابة آخرا فَإِن الصَّبْر إِلَيْهِ مُمكن الثَّانِي فِي تَزْوِيج الْمُكَاتبَة طَرِيقَانِ أَحدهمَا التَّخْرِيج على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْجَوَاز قطعا إِذْ تسْتَحقّ المه روالنفقة وَلَا يلْزمهَا تَسْلِيم نَفسهَا نَهَارا بل تكتسب كالأمة لَا كَالْحرَّةِ وَقيل إِنَّه لَا يجوز قولا وَاحِدًا وَهُوَ ضَعِيف الثَّالِث ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي مسافرة الْمكَاتب دون الْإِذْن وَجْهَيْن ثمَّ مِنْهُم من طرد فِي كل سفر وَمِنْهُم من خصص بِالسَّفرِ الطَّوِيل وَقَالَ هُوَ انسلال عَن لحاظ السَّيِّد بِالْكُلِّيَّةِ الرَّابِع لَو وهب من السَّيِّد شَيْئا خرج على الْقَوْلَيْنِ وَقيل يَصح قطعا كَمَا يعجل النَّجْم الأول إِلَيْهِ وَلَا يعجل الدّين إِلَى غَيره الْخَامِس لَو اتهب الْمكَاتب نصف من يعْتق عَلَيْهِ فكاتب عَلَيْهِ حَتَّى يعْتق بِعِتْقِهِ ويرق برقه فَإِن عتق فَعتق النّصْف قَالَ ابْن الْحداد يقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن كَانَ مُوسِرًا عِنْد الْعتْق لِأَنَّهُ مُخْتَار فِيهِ وَقَالَ الْقفال لَا يسري لِأَنَّهُ لم يسر عِنْد حُصُول الْملك فَلَا يسري بعده وَهُوَ الْأَصَح السَّادِس لَو اشْترى من يعْتق على سَيّده صَحَّ ثمَّ إِن عجز وانقلب إِلَى السَّيِّد عتق عَلَيْهِ وَلَو اتهب العَبْد الْقِنّ دون إِذن السَّيِّد فَفِيهِ وَجْهَان فَإِن جَوَّزنَا فاتهب من يعْتق عَلَيْهِ وَهُوَ غير كسوب لم يجز إِلَّا بِالْإِذْنِ لأجل النَّفَقَة

وَإِذا اتهب نصف قَرِيبه فَفِي وَجه يَصح وَلَا يسر وَفِي وَجه لَا يَصح حذرا من السَّرَايَة وَفِي وَجه يَصح ويسري لِأَن اخْتِيَار العَبْد كاختياره ثمَّ إِذا صححنا قبُول العَبْد فَهَل للسَّيِّد رده فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَهُ رده فَهُوَ دفع لأصل الْملك أَو قطع من حِين الرَّد فِيهِ وَجْهَان السَّابِع إِعْتَاق الْمكَاتب عَبده بِإِذن سَيّده فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا التَّخْرِيج على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْقطع بِالْمَنْعِ لما نذكرهُ من إِشْكَال الْوَلَاء فَإِن قُلْنَا ينفذ فَفِي الْوَلَاء قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد لِأَن الْمكَاتب رَقِيق وَفَائِدَة الْوَلَاء الْمِيرَاث وَالتَّزْوِيج وَتحمل الْعقل وكل ذَلِك يُنَافِيهِ الرّقّ وَالثَّانِي أَنه مَوْقُوف فَإِن عتق الْمكَاتب يَوْمًا مَا فَهُوَ لَهُ وَإِن مَاتَ رَقِيقا فَهُوَ للسَّيِّد فعلى هَذَا لَو مَاتَ الْمُعْتق بل موت الْمكَاتب وعتقه وَهُوَ فِي مُدَّة التَّوَقُّف فَفِي مِيرَاثه وَجْهَان أَحدهمَا يُوقف حَتَّى يتَبَيَّن أَمر الْوَلَاء فَيصْرف إِلَى من يسْتَقرّ عَلَيْهِ من السَّيِّد أَو من الْمكَاتب وَالثَّانِي أَنه لبيت المَال لِأَن مَا يتَبَيَّن من بعد لَا يسند الْوَلَاء إِلَى مَا مضى فَإِن قُلْنَا يثبت الْوَلَاء للسَّيِّد فِي الْحَال فَإِذا عتق الْمكَاتب فَهَل ينجر إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان فرع كِتَابَة الْمكَاتب عَبده كإعتاقه فَإِن قُلْنَا ينفذ فَلَو عتق وَالْعَبْد الأول رَقِيق بعد فَفِي ولائه الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان فِي الْإِعْتَاق

الثَّامِن لَيْسَ للْمكَاتب أَن يكفر إِلَّا بِالصَّوْمِ فَإِن أذن السَّيِّد فِي الْإِطْعَام فعلى الْقَوْلَيْنِ وَقيل يجوز إِذا قُلْنَا إِن الْقِنّ لَا يملك وَالْمكَاتب أَيْضا لَا يملك وَإِنَّمَا تصرفه بِحكم الضَّرُورَة فَلَا يَصح التَّكْفِير بِالْمَالِ وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح أَن الْمكَاتب يملك التَّاسِع إِذا استولد الْمكَاتب جَارِيَة فولده مكَاتب عَلَيْهِ وَهل يثبت للْأُم علقَة أُميَّة الْوَلَد حَتَّى تصير مُسْتَوْلدَة إِذا عتق فِيهِ قَولَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يثبت لِأَنَّهَا علقت بِولد رَقِيق

الحكم الرَّابِع حكم ولد الْمُكَاتبَة إِذا كَانَ من نِكَاح أَو زنا وَفِيه قَولَانِ كَمَا فِي سرَايَة التَّدْبِير إِلَّا أَن ولد الْمُدبرَة لَا يعْتق بِإِعْتَاق الْأُم وَهَذَا يعْتق لِأَن أمة تعْتق عَن جِهَة الْكِتَابَة إِذا عتقت وَلذَلِك يستتبع الْوَلَد فَإِن قُلْنَا يسري فلحق الْملك فِي الْوَلَد للسَّيِّد أَو الْمُكَاتبَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد كالأم وَالثَّانِي أَنه للْأُم لِأَنَّهُ من كسبها وَيتَفَرَّع على هَذَا النَّفَقَة وَالْكَسْب وَلَا شكّ أَنه ينْفق عَلَيْهِ من كَسبه والفاضل مِنْهُ يصرف إِلَى الْأُم إِن قُلْنَا لَهَا الْحق وَإِن قُلْنَا للسَّيِّد لم يصرف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كسب مُكَاتبَة فَيُوقف فَإِن عتق الْوَلَد تعْتق الْأُم فالكسب لَهُ وَإِن رق سلم للسَّيِّد وَفِيه وَجه أَنه يصرف فِي الْحَال إِلَى السَّيِّد فَإِن قُلْنَا الْكسْب للْأُم فعلَيْهَا نَفَقَته إِذا لم يكن كسب وَإِن قُلْنَا مَوْقُوف للسَّيِّد فَهِيَ على السَّيِّد وَقيل إِنَّه على بَيت المَال لِأَنَّهُ يتَضَرَّر إِن توقفنا فِي الْكسْب إِذْ يُطَالِبهُ بِالنَّفَقَةِ وَكَذَلِكَ إِعْتَاق السَّيِّد ينفذ إِن قُلْنَا لَهُ حق الْملك وَإِن قُلْنَا للْأُم فَلَا كَمَا لَا ينفذ فِي عبد مكَاتبه وَأما أرش الْجِنَايَة عَلَيْهِ فَهُوَ كالكسب إِلَّا أَن يكون على روحه فَإِنَّهُ لَا يُمكن التَّوَقُّف لانتظار الْعتْق فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد وَالْآخر أَنه للْأُم أما ولد الْمكَاتب من جَارِيَته فَهُوَ ككسب الْمكَاتب فَلَا يتَصَرَّف السَّيِّد فِيهِ لَكِن لَو جنى

الْوَلَد لم يكن للْمكَاتب أَن يفْدِيه لِأَنَّهُ لَا يتَصَرَّف فِيهِ بِالْبيعِ ويتصرف فِي مَال الْفِدَاء وَفِيه ضَرَر وفداؤه كشرائه إِذا وطىء السَّيِّد الْمُكَاتبَة فَلَا حد وَلَكِن عصى وَوَجَب الْمهْر للشُّبْهَة فَإِن أحبلها وَولدت وَهِي مُكَاتبَة بعد فَعَلَيهِ قيمَة الْوَلَد لَهَا إِن قُلْنَا إِن بدل وَلَدهَا الْقَتِيل يصرف إِلَيْهَا ثمَّ هِيَ مُسْتَوْلدَة ومكاتبة فَإِن عتقت بأَدَاء النُّجُوم فَذَاك وَإِلَّا بقيت مُسْتَوْلدَة فتعتق بِمَوْت السَّيِّد وَمهما أَتَت بِالْوَلَدِ بعد الْعَجز أَو بعد الْعتْق فَلَيْسَ لَهَا قيمَة الْوَلَد قولا وَاحِدًا

الحكم الْخَامِس حكم الْجِنَايَة وَفِيه صور الأول إِذا جنى على سَيّده أَو على أَجْنَبِي لزمَه الْأَرْش فَإِن زَاد على رقبته فَهَل يُطَالب بِتمَام الْأَرْش فِيهِ قَولَانِ وَجه قَوْلنَا لَا يُطَالب أَنه يقدر على أَن يعجز نَفسه فَيرد حق الْأَرْش إِلَى قدر الرقبه الثَّانِيَة جنى عبد من عبيد الْمكَاتب فَلَيْسَ لَهُ فداؤه بِأَكْثَرَ من قِيمَته لِأَنَّهُ تبرع الثَّالِثَة جنى الْمكَاتب على أَجْنَبِي فَأعْتقهُ السَّيِّد فَعَلَيهِ فداؤه لِأَنَّهُ فَوت الرَّقَبَة كَمَا لَو قَتله وَلَو عتق بأَدَاء النُّجُوم فَلَا فدَاء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يجْبر على الْقبُول الرَّابِعَة لَو جنى على السَّيِّد فَأعْتقهُ سقط الْأَرْش إِن لم يكن فِي يَده شَيْء لِأَنَّهُ لَا يُطَالب عبد نَفسه بِالْجِنَايَةِ بعد الْعتْق وَقَالَ الإِمَام يَنْبَغِي أَن يُطَالِبهُ بعد الْعتْق لِأَن الْمُطَالبَة تَوَجَّهت عِنْد الْجِنَايَة بِخِلَاف الْقِنّ أما إِذا كَانَ فِي يَده شَيْء فَهَل يتَعَلَّق بِمَا فِي يَده إِن قُلْنَا لَا يتبع ذمَّته ذكر الْأَصْحَاب وَجْهَيْن إِذْ شبه فَوَات رقبته بِالْعِتْقِ لما عسرت مُطَالبَته بالفوات بِالْمَوْتِ الْخَامِسَة لَو جنى ابْن الْمكَاتب فَلَا يفْدِيه لِأَنَّهُ فِي معنى شِرَائِهِ وَلَو جنى ابْنه على عَبده فَهَل يتبع الابْن وَجْهَان السَّادِسَة لَو قتل عبد الْمكَاتب عبدا آخر فَلهُ أَن يقْتله قصاصا بِغَيْر الْإِذْن للزجل وَكَذَا لَو

كَانَ الْقَاتِل عبدا أَجْنَبِي لم يلْزمه طلب الدِّيَة وَخرج الرّبع قولا أَنه لَا قصاص إِلَّا بِإِذن السَّيِّد وَيتَعَيَّن طلب الْأَرْش لحق السَّيِّد السَّابِعَة لَو جنى على سَيّده بِمَا يُوجب الْقصاص فللسيد اسْتِيفَاء الْقصاص وَلَو قتل الْمكَاتب مَاتَ رَقِيقا وَللسَّيِّد طلب الْقيمَة من الْقَاتِل

كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد

عدل

مَذْهَب الْعلمَاء قاطبة فِي هَذِه الْأَعْصَار أَن من استولد جَارِيَته عتقت عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَلم يجز بيعهَا قبل الْمَوْت وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَول قديم وَهُوَ مَذْهَب عَليّ كرم الله وَجهه أَنه يجوز البيع فَإِن لم يتَّفق عتقت بِالْمَوْتِ وَقيل معنى قَوْله الْقَدِيم أَنَّهَا لَا تعْتق بل الإستيلاد كالإستخدام بإرضاع الْوَلَد لَكِن اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَنه لَو قضى قَاض بِبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد هَل ينْقض قَضَاؤُهُ وَكَأَنَّهُم يرَوْنَ الإتفاق بعد الإختلاف قَاطعا أثر الِاخْتِلَاف ثمَّ النّظر فِي أَرْكَانه وَأَحْكَامه أما أَرْكَانه فَأَرْبَعَة الأول أَن يظْهر على الْوَلَد خلقَة الْآدَمِيّ فَإِن كَانَ قِطْعَة لحم فَفِيهِ كَلَام مضى فِي الْعدة الثَّانِي أَن ينْعَقد حرا فَلَو انْعَقَد رَقِيقا لم يُوجب الإستيلاد بعده الثَّالِث أَن يقارن الْملك الْوَطْء فَلَو وطىء بِالشُّبْهَةِ أَو غر بِجَارِيَة فَولدت مِنْهُ حرا فَإِذا ملكهَا بعد ذَلِك فَفِي الإستيلاد قَولَانِ الرَّابِع أَن يكون النّسَب ثَابتا مِنْهُ وَقد ذكرنَا مَظَنَّة لُحُوق النّسَب وَأما أَحْكَامه فَهِيَ كَثِيرَة ذَكرنَاهَا فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة وننبه الْآن على أُمُور أَرْبَعَة الأول أَن ولد الْمُسْتَوْلدَة من زنا أَو نِكَاح يسري إِلَيْهِ حكمهَا فَيعتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن مَاتَت الْأُم قبل موت السَّيِّد وَلَا يعْتق بِإِعْتَاق السَّيِّد أمه بل بِمَوْتِهِ

وَإِذا فرعنا على أَنه لَو اشْتَرَاهَا بعد الإستيلاد صَارَت مُسْتَوْلدَة فَإِنَّمَا يسري إِلَى ولد يحدث بعد الشِّرَاء وَوَلدهَا قبل ذَلِك قن نعم لَو اشْتَرَاهَا وَهِي حَامِل فَالظَّاهِر أَن الإستيلاد يسري إِلَى الْحمل وَيجوز أَن يخرج على سرَايَة التَّدْبِير الثَّانِي تَصَرُّفَات السَّيِّد كلهَا نَافِذَة إِلَّا إِزَالَة الْملك أَو مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا كَالرَّهْنِ فَلهُ الْإِجَارَة والإستخدام وَالتَّزْوِيج بِغَيْر رِضَاهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يُزَوّج إِلَّا بِرِضَاهَا وَوجه أَنَّهَا لَا تزوج أصلا وَوجه أَن القَاضِي يُزَوّجهَا بِرِضَاهَا ورضاء السَّيِّد وَالْكل ضَعِيف الثَّالِث أرش الْجِنَايَة على طرفها وَزوجهَا للسَّيِّد وَلَو مَاتَت فِي يَد غاصبها فَعَلَيهِ الضَّمَان للسَّيِّد وَلَو شهد شَاهِدَانِ على إِقْرَاره بالإستيلاد ورجعا بعد الحكم غرما للْوَرَثَة عِنْد عتقهَا بِمَوْت السَّيِّد وَلم يغرما فِي الْحَال إِذْ لم يزيلا إِلَّا سلطنة البيع وَذَلِكَ لَا يتقوم الرَّابِع مُسْتَوْلدَة اسْتَوْلدهَا شريكان معسران فَهِيَ مستولدتهما فَلَو قَالَ كل وَاحِد ولدت مني أَولا وهما موسران فَهِيَ مُسْتَوْلدَة لَكنا لَا نَدْرِي أَنَّهَا مُسْتَوْلدَة من فَلَو مَاتَا عتقت ظَاهرا وَبَاطنا وَالْوَلَاء مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَحدهمَا عتق نصِيبه مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَلَو كَانَا معسرين فماتا فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْوَلَاء إِذْ لَيْسَ يثبت لكل وَاحِد إِلَّا نصف الإستيلاد وَحكى الرّبيع أَن الْوَلَاء مَوْقُوف هَا هُنَا أَيْضا وَهُوَ غلط وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب

تمّ الْكتاب بِحَمْد الله تَعَالَى وَمِنْه وَحسن توفيقه وَقد وَقع الْفَرَاغ مِنْهُ على يَد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الراجي رَحْمَة ربه الْمُعْتَرف بِذَنبِهِ إِسْحَاق بن مَحْمُود بن ملكويه البشيا ابْن خوامني البردجردي فِي الْخَامِس من ربيع الأول سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ المحروسة رحم الله من طالعه أَو نظر فِيهِ أَو ترحم على كَاتبه وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وعترته وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا تمّ تَدْقِيقه بِحَمْد الله