الى كم انت تهتف بالنشيد

الى كم انت تهتف بالنشيدِ

​الى كم انت تهتف بالنشيدِ​ المؤلف معروف الرصافي


الى كم انت تهتف بالنشيدِ
وقد أعياك إيقاظ الرقود
فلست وان شددت عرى القصيد
بمجدٍ في نشيدك أو مفيدِ
إذا أيقظتهم زادوا رقادا
وإن أنهضتهم قعدوا وثادا
فسبحان الذي خلق العبادا
كأنَّ القوم قد خلقوا جمادا
أطلت وكاد يعييني الكلام
ملاماً دون وقعته الحسام
فما انتبهوا ولا نفع الملام
كأن القوم اطفال نيام
اليكِ اليكِ يا بغداد عني
فإني لستُ منكِ ولستِ مِني
ولكني وان كبر التجني
يعزّ علىَّ يا بغداد أني
تتابعت الخطوب عليكِ تترى
وبدل منك حلو العيش مرّ
فهلاً تُنجِبين فتى أغرا
أراكِ عقمت لا تلدين حُرا
اقام الجهل فيك له شهودا
ليهلك فيه من عبث ويُفدَى
متى تبدين منك له جحودا
فهلا عدتِ ذاكرة عهودا
زمانَ نفوذِ حكمكِ مستمرُّ
زمانَ سحاب فيضكِ مستدرُّ
زمانَ العلم أنت له مَقرُّ
زمانَ بناءُ عزك مُشمَخِرُّ
برَحتِ الأوجَ ميلا للحضيض
وضفت وكنت ذات علىً عريض
وقد أصبحت في جسم مريض
وكنتِ بأوجه العز بيض
ترقى العالمون وقد هبطنا
وفي دَرك الهوان قد انحططنا
وعن سنن الحضارة قد شحطنا
فقَطنا يا بني بغداد قَطَنَا
إذن لنضوتُ جلبابَ الوجود
بناءً للعلوم بكل فن
لماذا يا اسرى التأني
أخذنا بالتقهقرِ والتدني
مشوا في منهج جهلوه نهجاً
يجوبون الفلا فجاً ففجا
إلى حيثُ السلامة لا ترجى
فيا لهفي على الشبان تزجى
وكلٌّ مذ غذوا للبيت أما
فودع أهله زوجاً وأما
وضم وَليدَه بيد وشما
بكى الوَالدُ الوحيدُ عليه لما
فقال موجهاً لوماً إلينا
فقال ودمعه بادي الرشاشِ
عساكر قد قضوا عُرياً وجوعا
بحيثُ الأرضُ تبتلع الجموعَا
إلى أن صار أغناهم رُبُوعاً
لِفرط الجوع مرتضيا قنوعا
هناك قضوا وما فتحوا بلادا
هناك بأسرهِم نفذُوا نفادا
فتبرَز منه في وضع جَديدِ
هناك لروعهم فقدوا الرقادا
أناديهم ولي شجنٌ مهيج
وأَذكرهم فينبعثُ النشيج
سكنا من جهالتنا بقاعا
يجور بها المؤمر ما استطاعا
فكدنا أن نموت بها ارتياعا
وهبنا أمة هلكت ضياعا
أياتحرية الصحف أرحمينا
فانا نزل لكِ عاشقينا
متى تصلين كيما تطلقينا
عِدينا في وصالكِ وامطلينا
فانت الروح تشفين الجروحا
يحرج فقدك البلد الفسحا
وليس لبلدة لم تحو روحا
وإن حوت القصور أو الصروحا
قد التفعوا بأسال بوال
لسلطان تجبر واستبدا
تعدى في الامور وما استعدا
ألا يا أيها الملكُ المفدّى
أنم عن أَن تسوس الملك طرفا
أقم ما تشتهي زمراً وعزفا
أطل نكرَ الرعية خل عُرفا
سُم البلدان مهما شئت خسفا
تنعم في قصورك غير دارِ
أَعاش الناسُ أَم هم في بوار
فإنك لن تطالب باعتذار
وهب ان الممالك في دمار
جميع ملوك هذى الارض فلك
وأنت البحر فيك ندَى وهُلكُ
فأنىَّ يبلغوك وذاك إفكُ
لئن وهبوا النقود فانت ملكُ