اليك ما شاهدت عيني من العجب

اليك ما شاهدت عيني من العجب

​اليك ما شاهدت عيني من العجب​ المؤلف معروف الرصافي


اليك ما شاهدت عيني من العجب
في مسرح ماح بين الجدّ واللعبِ
خافوا به أن تقومَ الأسدُ واثبة
حتى بَنوا حاجزاً فيه من الخشب
وحصنوه من الاعلى بمشتبك
من الحبال جديل غير منقضب
به الأسود تمطى في مرابضها
والنمر يخطر بين الخوف والغضب
والذئب يبصر جدى المعز مقترباً
منه فيرجع عنه غير مقترب
اما الكلاب فجاءت وهي كاسية
يرقصن منتصباً في إثر منتصب
قامت على أرجل تمشي معلمة
مشي المليحة في ابرادها القشب
تخشى مؤدبها والصولجانُ له
في الكف فرقعة كالرعد في السحب
ترنو إليه بعين الخوف فاعلة
ما كان يُصدِر من أمر ومن طلب
خضعن للسوط حتى إن أعقدَها
لو يأمر السوط يغدو مرسلَ الذنَب
وكانت الاسد تجرى في اطاعتها
مجرى الكلاب بحكم الخوف والرَهب
كأنما الليثُ لم يُخلق أخا ظُفر
محدد الناب قذافاً الى العطب
شاهدته مشهداً بدعا علمتُ به
أن الغرائز لم تطبع على الشغب
وان ليث البرايا الشرى ما صيغ مفترساً
لكن احالته فرَّاساً يد السغب
وكم من الناس من راح مندفعاً
بدافع الجوع نحو القتل والسلب
وان تربية الانسان يرجعه
اكسيرها وهو من تُربْ الى الذهب
هذا إذا حَسُنَتْ أما إذا قبحت
فالمَندَليُّ بها يمسي من الحطب
فكل ما هو في الانسان مكتسب
فلا تقل شئ غير مكتسب
انى ارى اسوأ الآباء تربية
للابن أحرى بأن يُدعى أعقَّ أب
والمرءُ كالنبت ينمو حَسْب تربته
وليس ينبت نبعٌ مَنبِتَ الغرَب
من عاش في الوسط الزاكي زكا خلقاً
حتى علا في المعالى ارفع الرتب
فاحرص على أدب تحيا النفوس به
فانما قيمة الانسان بالادب