باكر تداماك بكأس العقار

باكر تداماك بكأسِ العقارْ

​باكر تداماك بكأسِ العقارْ​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


باكر تداماك بكأسِ العقارْ
فَقَد مَضى اللّيل وجاء النهار
وداوني فيها وسارع بها
فإنَّ في الخمر دوائر الخمار
أما ترى الورقاء قد غرَّدَتْ
في وَرَقِ الدوح وغنّى الهزار
وکبتسمت للطلّ أزهارُه
وأدمع الطلّ عليها نثار
وقد دَعَتْ للّهو أبناءها
أوقاتَ أيام السرور القصار
فهاتها صرفاً وممزوجة
بين احمرار برزت واصفرار
واملأ لنا أكبر أقداحها
فالله يعفو عن ذنوب كبار
خذها بإعلان ولا تستَتِرْ
فما يطيب العيش بالاستتار
وَعَدِّ عمّن لام من جهله
وعدَّها عاراً وليست بعار
ما عرفَ الَّلذةَ من عافها
وقابل العاذل بالاعتذار
وَخَلِّهِ واللوم في معزل
لا تصغ فيها لنهيق الحمار
إذ يدّعي النُّسكَ ولا يهتدي
به وينعى بخراب الديار
إنّ المرائين إذا استُكْشِفوا
وَجَدْتَهم شرَّ الأنام الشرار
لو لم يجدْ شاربها لذَّةً
وفي المسرات عليها المدار
ماوعد الله بها المتقي
في جنّة الخلد ودار القرار
يا مولعاً بالمُرد إنّي امرؤ
ما لي عن وجه الحبيب اصطبار
إيّاك والإعراض عن غادة
في وجهها للحسن نور ونار
كم ليلةٍ زار حبيبٌ به
يشكو إلى المشتاق بُعد المزار
جمعتُ فيها بين ما أشتهي
من غنجٍ أحوى وذات احورار
أقسمُ بالعود وأوتاره
ونغمةِ الناي وضرب الإطار
ما لذَّةُ سوى ساعةٍ
في مجلسٍ يخلعُ فيه العذار
يقضي به الماجنُ أوطاره
وكان مبناه على الاختصار
إنَّ الخلاعاتِ لفي فتية
لم يلبسوا في الأنس ثوب الوقار
تغنيهم الراح إذا أملقوا
كأنّها في الكأس ذوب النضار
يا طالما قد زرت خمّارها
وقلت أنت اليوم ممَّن يزار
فقام يجلوها كغصن النقا
يحمل في راحته الجلّنار
حتى إذا استكفيتُ من شربها
لو شئتُ أدركت من الدهر ثار
غفوتُ عن ذنب زمانٍ مضى
ما أحسنَ العفوَ مع الاقتدار
هذا هو العيش ومن لي به
قبل کنقضاء العُمُرِ المستعار
لا خيرَ في العيش إذا لك يكن
في ظلّ عبد الله عالي المنارْ
ما جئته إلاّ وأبصرتني
أسحبُ من نعماه ذيل الفخارْ
قيَّدَني في برِّه ماجدٌ
كأنّما أطلقني من أسار
موفّق يسعى إليه الغِنى
من غير ما سعي وخوض الغمار
لا يقتني المالَ ولم يدّخرْ
شيئاً ولا مالَ إلى الادّخار
إنّي لأغنى الناس عن غيره
ولي إليه بالسرور کفتقار
المنجزُ الوعدَ بلا منّةٍ
ولم أكنْ من وعده بانتظار
ما فارق الأُنسَ له طلعة
بل سار في خدمته حيث سار
كم طائل قصَّر عن شأوه
ولاحقٍ ما شقَّ منه الغبار
ومستميح نال ما يبتغي
منه وحاز العزّ والافتخار
يروق كالصّمصام إفرنده
أبيض مثل السيف ماضي الغرار
أمّا جميل الصنع منه فمن
شعاره أكرمْ به من شعار
يركبُ في الجدِّ جوادَ المنى
إذ يأمنُ الراكبُ فيه العثار
حديقةُ الأفراح في ربعه
للمجتني منها شهيّ الثمار
فلم أبلْ ما دمت خلاًّ له
ما كان من أمري ولا كيف صار
وكلّ ما کستَطْيَبْته كائن
من طيِّب الذات كريم النجار
من كابرٍ ينمة إلى كابرٍ
ومن خيار قد نمّته الخيار
هم الزهيريّون زهر الرُّبا
والأنجمُ الزهر التي تستنار
فهم أجلُّ الناس قدراً وهم
أعزُّ من تعرف في الناس جار
فلا يمسّ السُّوء جاراً لهم
ما ذلَّ مَن لاذ بهم وکستجار
يُوفُونَ بالعَهد ويَرْعَوْنَه
في زمنٍ لم يرعَ فيه الذمار
ألا ترى كلّ کمرىءٍ منهم
لنائل يرجى ونقعٍ مثار
يلتمس المعروف من برِّهم
ويستفاض الجود فيض البحار
من كلِّ معروفٍ بمعروفه
في كلّ قطرٍ من نداه قطار
إذا دعته للوغى همّةٌ
كان هو المقدام والمستشار
تغدو رياضي فيه مخضرةً
أشبهَ شيءٍ بکخضرار العذار
أصلح شاني بأبي صالح
وأغتدي فيه نقيّ الأزار
باهى بي الأزهار في روضها
فرحتُ أزهو مثل ورد البهار
لا زلت في نور صباح الهنا
يا كوكباً لاح وبدراً أنار