بالله يا أيام يثرب عودي
باللهِ يا أيامَ يثربَ عودي
باللهِ يا أيامَ يثربَ عودي
عُودي لبلِّ حُشاشةِ المعمودِ
ما كان أنضرَ بينهنّ محاسني
في أَعينٍ رُمُقٍ وأخضرَ عودي!
أيّامَ لم يحنِ النَّوائبُ صَعْدَتي
بمرورهنّ ولا لوين عمودي
كلاّ ولا عبثتْ بيضاتُ الردى
في مفرَقي أو عارِضيَّ بسودِ
يا بعدَ ما بيني وبين حبائبي
و الشيبُ في فوديَّ غيرُ بعيدِ
ولقد علمتُ وقد نُزِعْتُ شبيبتي
أنْ لا نصيبٌ في الظباءِ الغيدِ
قد كانَ لي سَهمٌ سديدٌ في الدُّمَى
لكنه بالششيب غيرُ سديدِ
قُل للّتي ضنَّتْ عليَّ بنظرةٍ
ذاتِ اللَّمى واللّؤلؤِ المنضودِ:
لِمْ تأسفينَ على المحبِّ بقُبلَةٍ؟
فكأنَّ ثغراً منك غيرُ بَرودِ!
خلي القطوبَ من الأسرةِ " واكتفي "
عن عقدهنّ بفرعك المعقودِ
أنتِ الطليقةُ في هواهُ فاعلمي
وتحكَّمي في الموثَقِ المَصْفودِ
قد كنتُ جلداً في الهوى لكنني
يوم الفراقِ عليهِ غيرُ جليدِ
كم في الهوادج من قضيبٍ مائسٍ
أو مُرتوٍ ماءَ الصِّبا أُمْلودِ
ما إنْ درى ماذا إليه يقودني
من حُبِّهِ ويَعُودني من عيدي
ما لي وقد لفَّ الصباحُ خيامهمْ
غيرُ الزفير وأنةِ المورودِ
و مماطلٍ إنْ جاء يوماً وعده
غلطاً ومكراً ضنّ بالموعودِ
في جيدهِ من حسنِه حَلْيٌ له
والحَلْيُ خيرٌ منه حسنُ الجِيدِ
لي فرقتان ففرقةٌ بيد النوى
أو فرقةٌ لتجنبٍ وصدودِ
قُلْ للذي ساقَ الظّعائنَ: ربَّما
سوقتَ قلبي بين تلك البيدِ
و رميتَ في قلبي وفي عيني معاً
بالنارِ ذاك وتلك بالتسهيدِ
وإذا دموعي يومَ سِلنَ شَهِدن بال
ـوجدِ المبرح لم يفدكَ جحودي
ما ضرَّ مَن يَسْري سُراهُ ووجههُ
خلفَ البدور على ليالٍ سُودِ
في ليلةٍ بُرْدُ السَّماءِ موشَّحٌ
بنجومها والنجمُ كالعنقودِ
في كلّ يومٍ تستجدّ قطيعةً
وجديدُ لؤمِ المرءِ غيرُ جديدِ
يا صاحبي فزْ بالرشاد وخلني
قد كنتَ جاري في شبيةِ أَعصُري
هبْ لي الملامَ على الغرام فإنَّني
ملآنُ من عذلٍ ومن تَفْنيدِ
قمْ سلَّ قلبي كيف شئتَ ولا ترمْ
منه السلوَّ عن النساءِ الرودِ
لا تسألني أن أعيشَ بلا هوىً
فيهنّ واسألْ طارفي وتليدي
قد كنتَ جاري في شبيبة أعصري
فكن المجاور في الزمان المودي
وامزجْ صفاءً قد عداكَ برَمْقِه
و اخلطْ زماناً ناعماً بديدِ
ما إنْ رأيتُ ولم أكن مستثنياً
في هذه الأيامِ من محمودِ
و إذا التفتّ إلى الذين ذخرتهمْ
لشديدتي لم ألفِ غيرَ حسودِ
أنا بينَ خالٍ من جميلٍ قلبُه
و من القبيح وبين كلّ حقودِ
وإذا صُددتُ عن المواردِ جمَّةً
فمتى يكونُ وقد ظمئتُ ورودي؟
لا بُلِّغتْ عِيسي مَداها إنْ نحَتْ
غيرَ الكرامِ وقيدت بقيودِ
إنْ لم أثِرْها كالقَطا نحوَ العُلا
يطوين بالإرفادِ كلَّ صعيدِ
وتلفُّ أيديها على طولِ الوَجا
لفّ الإزارِ تهائماً بنجودِ
لا تستفيقُ منَ الدُّؤوبِ وإنَّما
يضربْنَ بيداً في الفَلاةِ ببيدِ
فعرِيتُ في يومِ الفَخارِ على الوَرى
من فخر آبائي وفخر جدودي
قوم إذا سمعوا بداعيةِ الوغى
طَلعوا النِّجادَ على الجيادِ القُودِ
لا يعبؤون إذا الرّماحُ تشاجَرَتْ
يوماً بما نسجتْ يدا داودِ
و دفاعهمْ وقراعهمْ أدراعهمْ
يومَ الوغَى من طعنِ كلِّ وريدِ
سادوا أكابرَ قومِ كلِّ عشيرةٍ
من قبلِ قطعِ تمائمِ المولود
فإذا سرحْتَ الطَّرفَ بينَ بيوتِهم
لم تلقَ غيرَ مُغَبَّطٍ محسودِ
و أنا الذي أطلقتُ أسرَ سماحةٍ
في النّاسِ أو أنشرتُ مَيْتَ الجودِ
ما الفرقُ إنْ لم أعطِ ماليّ مُعْدماً
ما بين إعدامي وبين وجودي؟
فلو أنّ حاتمَ طيءٍ وقبيله
وَفدوا عليَّ تعلَّموا من جُودي
ما للرجال إذا همُ حذروا سوى
حرمي الأمينِ وظليَ الممدودِ
لم أتلُ قطُّ مسرَّةً بمضرَّةٍ
فيهمْ ولا وعْداً لهمْ بوعيدِ
نقضُ الجبال الشُمِّ لا يُعْيي وقد
أعيا على الأيام نقضُ عهودي
و إذا عقدتُ فليس يطمع طامعٌ
في أن يحلَّ براحتيهِ عقودي
و الحادثاتُ إذا طرقن فلم أكن
عنهنّ نَوّاماً ولا بهجودِ
إنْ أُضْحِ عَضْباً فالقاً قِممَ العِدَى
فلربَّ عضبٍ عِيقَ عن تجريدِ
ليس الأسودُ - وإن منعنَ فرائساً
و ربضن في الغاباتِ - غيرَ أسودِ
و إذا قعدتُ فسوف تبصرُ أعينٌ
مني قيامي في خلال قعودي
أنا مُلجَمٌ بالحزمِ عن قَولي الّذي
لو قلته لأشبتُ كلَّ وليدِ
حتى متى أنا في ثيابِ " إضامةٍ "
أقرى المناجي زفرةَ المجهودِ
أُلوى عنِ الأوطانِ لا تَدْنو لها
كفايَ ليَّ الأرقم المطرود
و اذادُ عن وردي وبي صدأٌ وكمْ
ظمآنِ قومٍ كان غيرَ مَذودِ
أَبغي الرَّذاذَ منَ الجَهام وتارةً
أرجو وأمري درَّ كلَّ جدودِ
والخيلُ تعثرُ بالجماجم والطُّلَى
مخضلةً عن يابس الجلمودِ
للهِ دركمُ بني موسى وقد
صُدِمَ الحديدُ لدى وغًى بحديدِ!
ما إن ترى إلاّ صريعاً هافياً
كرع الحمامَ وليس بالملحودِ
ومُجدَّلاً بالقاعِ طارَ بصفوهِ
نَسْرٌ وبقَّى شِلْوَه للسِّيدِ
هذا وكم جيشٍ أتاهُمْ ساحِباً
فوق الإكامِ ذيولَ كلَّ برودِ
غصانَ من خيلٍ به فوارسٍ
ملآنَ من عُدَدٍ لهُ وعديدِ
ردوا رؤساً كنَّ فيه منيعةً
بالضَّرب بينَ مُشجَّجٍ وحَصيدِ
ومتَى استَرَبْتَ بنَجْدتي في خُطَّةٍ
فمِنَ الطَّعانِ أوِ الضِّرابِ شهودِ
خُذها فما تسطيعُ تَدفعُ إنَّها
في الغايةِ القُصوى منَ التَّجويدِ
مالاكها من شاعرٍ حنكٌ ولا
أفضَى إليها ذهنُ كلِّ مُجيدِ
غرّاءَ لو تُليتْ على ظُلَمِ الدُّجَى
شابتْ لها لممُ الرجالِ السودِ
ينسيك نظمٌ حيك بين كلامها
نَظْمَ الثُّغورِ ونَظْمَ كلِّ فريدِ
ليسَ الّذي اعتسفَ القريضَ بشاعرٍ
و إذا أصابَ فليس بالمحمود
و إذا التوى الكلمُ الفصيحُ على امرئٍ
يوماً فأحرارُ الكلامِ عبيدي
و إذا أردتَ تعافُ ما سطر الورى
فاسمعْ قصيدي تارةً ونشيدي