بانت سليمى وأقوى بعدها تبل

بانَتْ سُلَيْمى وأقوى بَعْدَها تُبَلُ

​بانَتْ سُلَيْمى وأقوى بَعْدَها تُبَلُ​ المؤلف النابغة الشيباني



بانَتْ سُلَيْمى وأقوى بَعْدَها تُبَلُ
 
فالفَأْوُ من رُحْبِهِ البِرّيتُ فالرِّجَلُ
وَقَفتُ في دارِها أُصْلاً أُسائِلُها
 
فلم تجب دارها واستعجم الطلل
لمّا تَذَكَّرتُ منها وَهْي نازِحَة ٌ
 
مواعداً قد طبتها دوني العلل
ظلت عساكر من حزنٍ تراوحني
 
وسَكْرة ٌ بطَنَتْ فالقَلْبُ مُخْتَبِلُ
بانَتْ وناءتْ وأبكى رسمُ دمْنتِها
 
عَيْناً تسيلُ كما يَنْفي القذى الوَشَلُ
وقد تبدَّتْ بِها هَوْجاءُ مُعْصِفَة ٌ
 
حنّانة ٌ فترابُ الدارِ مُنْتَخَلُ
كُلُّ الرياحِ تُسَدّيها وتُلْحِمُها
 
وكلُّ غيثٍ رُكامٍ غَيْمُه زَجِلُ
له بروقٌ تهيج الرعد آونة ً
 
كما تَضَرَّمُ في حافاتِها الشُّعَلُ
كأن في مزنه بلقاً مشهرة ً
 
بِيضَ الوجوهِ وفي آذانِها شَقَلُ
باتت تذب فحولاً عن مهارتها
 
فصَدَّ عن عَسْبِها عِلْجٌ ومُفتَحِلُ
كأنَّ مصقولة ً بيضاً يُهَدُّ بِها
 
لَهُ سَجيمة ُ جُوْدٍ كُلُّها هَطِلُ
لهُ حنينٌ إذا ما جاشَ مُبْتَرِكاً
 
كما تحن إلى أطفالها الإبل
ترى العَزالي مُقيماً ما يفارِقُها
 
فاق الغيوث بجودٍ حين يحتفل
يوهي السناسن منها صوب ريقه
 
فليسَ في غَيْمهِ فتقٌ ولا خَلَلُ
حتى إذا عمها بالماء وامتلأت
 
ساقت تواليه شامية ٌ شمل
كسا العراصَ رِياضاً حين فارقَها
 
كالعبقري رواءً كلها خضل
من حَنْوة ٍ يُعجِبُ الرَّوَّادَ بهجتُها
 
ومن خزامى وكرشٍ زانها النفل
منها ذُكورٌ وأحرارٌ مُؤنَّقَة ٌ
 
بدا لها صبحٌ فالنبت مكتهل
بها الظباء مطافيلٌ تربعها
 
والعين والعون في أكنافها همل
وكلٌّ أَخْرَجَ أبدى البيضَ جُؤجؤُهُ
 
كأنه بغُدافيّينِ مُشْتَمِلُ
كأنَّ رِجْلَيْهِ لمّا حَلَّ بينَهُما
 
رِجْلا مُصارِعِ قِرْنٍ حينَ يُعْتَقَلُ
لهُ فراسِنُ منها باطنٌ كَمُلَتْ
 
وفِرْسِنٌ نضعُها في الخَلْق مُفْتصِلُ
ظَلَّ يُراطِنُ عُجْماً وهي تَتْبَعُهُ
 
نَقانِقاً زَعِلاتٍ قادَها زَعِلُ
كأنَّ أعْناقها مِنْ طولِها عُمُدٌ
 
وكلها من نشاطٍ يعتري جذل
كالحُبْشِ منها على أثباجِها بُرَدٌ
 
قُرْعٌ يعنُّ بِها هَيْقٌ لها شَوِلُ
فالوَحْشُ في ربْعِها يرعَيْنَ مُؤْتَنِفاً
 
وقد تكون به إذ ربعها أهل
تلوح فيه رسوم الدار دارسة ً
 
كما تلوح على المسقولة الخلل
إلا الأثافي ضبتها النار تلفحها
 
وهامدٌ بينها في لونه طحل
والنؤْيُ فيها ومشجوجٌ يُجاورُهُ
 
ولَيْسَ أَنْ شُجَّ بالأفهارِ يَرْتَمِلُ
فقد بكيتُ على رسْمٍ لدِمْنتِها
 
فالقلبُ من ذِكْرها ما عِشتُ مُخْتَبَلُ
كأنني نصبٌ مضنى ً تماطله
 
حمى تخونه حمى ويندمل
لو ماتَ حَيٌّ من الأطلالِ تقتلُه
 
إذن لمت وعيني دمعها سبل
أنّى وكيفَ طِلابي حرّة ً شَحَطتْ
 
والرأسُ مِنْ غُلَواءِ الشيْبِ مُشْتعلُ
ربحلة ً إن مشت أرخت مفاصلها
 
فارتجَّ من بُدْنها الأوصالُ والكَفَلُ
شمس النهار وبدر الليل سنتها
 
زين الحلي ولا يزري بها العطل
عَجْزاءُ عَبْهَرة ٌ غَرّاءُ مُكْمَلَة ٌ
 
في مُقلَتَيْها وإنْ لمْ تكتَحِلْ كَحَلُ
ما دُمْية ٌ ظَلَّتِ الرهبانُ تَعْهَدُها
 
يَوْماً بِأَحْسَنَ مِنْها حينَ تغتَسِلُ
يعلو مآكمها فرعٌ لها حسنٌ
 
من السخام أثيثٌ نبته رجل
وزان أنيابها منها إذا ابتسمت
 
أحوى اللثات شتيتٌ نبته رتل
كأنَّ رِيقتَها في مُضاجِعِها
 
شِيبَتْ بِها الثلْجُ والكافورُ والعَسَلُ
ياليت حظي منها من فواضلها
 
مِمّا أؤمِّلُ منها نَظْرة ٌ بَجَلُ
أَبِيتُ ظَهْراً لِبَطْنٍ من تذكّرها
 
كما تقلب مما يشتكي المغل
قلبي يَئِبُّ إلَيْها من تذكُّرِها
 
كما يئبُّ إلى أوْطانهِ الجَمَلُ
أهذي بها في منامي وهي نازحة ٌ
 
كأنني موثقٌ في القد مكتبل
ففلتُ للنفسِ سِرّاً وهي مُثْبَتة ٌ
 
والحِلمُ منّي إذا ما معشرٌ جَهِلوا
كم من مؤمل شيءٍ ليس يدركه
 
والمرءُ يُزْري بهِ في دهرِهِ الأملُ
يرجو الثراء ويرجو الخلد ذا أملٍ
 
ودون مايرتجي الأقدار والأجل
والدهرُ يُبلي الفتى حَتّى يغيّرَهُ
 
كما تغير بعد الجدة السمل
والأَقْورينَ يراها في تقلُّبهِ
 
كما تقلب خلف الباقر العجل
لا يصبح المرء ذو اللب الأصيل ولا
 
يمسي على آلة ٍ إلا له عمل
وفي الأناة يصيب المرء حاجته
 
وقد يُصيبُ نجاحَ الحاجة ِ العَجِلُ
إحْذَرْ ذَوي الضِّغنِ لا تأْمَنْ بَوائقَهم
 
وإن طلبت فلا تغفل إذا غفلوا
قد يسبق المرء أوتارٌ يطالبها
 
ويدرك الوتر بعد الوتر بعد الإمة الخبل
كلُّ المصائِبِ إنْ جلّت وإنْ عَظُمَتْ
 
إلاّ المُصيبة َ في دِينِ الفتى جَلَلُ
والشِّعر شَتّى يهيمُ الناطقونَ بِهِ
 
مِنْهُ غُثاءٌ ومِنهُ صَادِقٌ مَثَلُ
منهُ أَهاذٍ تُشجّي من تَكَلّفَها
 
وَرْدٌ يَسوقُ تَوالي الليلِ مُقْتَبِلُ
والناسُ في الشعْرِ فَرّاثٌ ومُجَتلِبٌ
 
وناطقٌ محتذٍ منهم ومفتعل
ذر ذا ورشح بيوتاً أنت حائكها
 
لابد منها كراماً حين ترتحل
وبلدة ٍ مقفرٍ أصواء لاحبها
 
يكادُ يشمَطُ من أهوالِها الرَّجُلُ
سَمِعْتُ مِنْهَا عزيفَ الجِنِّ ساكِنِها
 
وقد عراني من لون الدجى طفل
تُجاوِبُ البومُ أصداءً تُجاوِبُها
 
والذئب يعوي بها في عينه حول
حتى إذا الصبح ساق الليل يطرده
 
والشمس في فلكٍ تجري لها حول
 
تكاد منها ثياب الركب تشتعل
ترى الحَرابِيَّ فيها وَهْي خاطِرة ٌ
 
وكل ظلًّ قصيرٌ حين يعتدل
ظلت عصافيرها في الأرض حاجلة ً
 
لمّا توقَّدَ منْها القاعُ والقُلَلُ
قد جُبْتُها وظلامُ الليلِ أَقْطَعُهُ
 
بجَسْرة ٍ لمْ يُخالِطْ رِجْلَها عَقَلُ
عَيْرانة ٍ كَقَريعِ الشَّوْلِ مُجْفَرَة ٍ
 
في المرفقين لها عن دفها فتل
كأن في رجلها لما مشت روحاً
 
ولايرى قفدٌ فيها ولا حلل
تخدي بها مجمراتٌ مايؤيسها
 
مروٌ ولا أمعزٌ حامٍ ولا جبل
كأنها وركاب القوم تتبعها
 
نواحة ٌ قد شجاها مأتمٌ ثكل
تنضو جذاع المهارى وهي ريضة ٌ
 
ولا تمالِكُها العيديَّة ُ الذُّلُلُ
مثل الحنيات صفراً وهي قد ذبلت
 
والقومُ مِنْ عُدَواءِ السَّيْرِ قَدْ ذَبَلُوا
كالخُرْسِ لا يستبينُ السمعُ مَنطقَهُمْ
 
كأنهمْ من سُلافِ الخمرِ قد ثَمِلوا
لما رأيتُهُم غُنّاً إذا نَطَقوا
 
وكلُّ أصْواتِهِمْ ممّا بِهِمْ صَحِلُ
وَهُمْ يميلونَ إذْ حلَّ النُّعاسُ بهمْ
 
كما يميلُ إذا ما أُقعِدَ الثَّمِلُ
قلتُ: أنيخوا فعاجوا من أَزِمَّتَها
 
فكلُّهْم عند أيْديهنَّ مُنْجدِلُ
ناموا قليلاً غِشاشاً ثم أفْزَعَهُمْ
 
وردٌ يسرق توالي الليل مقتبل
شَدّوا نُسوعَ المطايا وهْي جائِلَة ٌ
 
بعد الضفور سراعاً ثمت ارتحلوا
يَنْوون مَسْلَمَة َ الفَيّاضَ نائلُهُ
 
وكعبه في يفاع المجد معتدل
صلب القناة ربا والحزم شيمته
 
فليْسَ في أَمْرِهِ وَهْنٌ ولا هَزَلُ
قضاؤهُ مستقيمٌ غيرُ ذي عِوَجٍ
 
فليْسَ في حُكْمِهِ حَيْفٌ ولا مَيَلُ
وأنتَ حِرْزُ بني مروانَ كلِّهُمُ
 
أنتَ لهمْ ولِمنْ يعروهُمُ جَبَلُ
نَمَتْكَ مِن عبدِ شمْسٍ خيرُهم حَسَباً
 
إذا الكرامُ إلى أحْسابهم حَصَلوا
ذَوو جُدودٍ إذا ما نُوضِلَتْ نَضَلتْ
 
إنَّ الجُدودَ تلاقى ثم تَنْتَضِلُ
القائل الفصل والميمون طائره
 
فليسَ في قولِهِ هَذْرٌ ولا خَطَلُ
لاينقض الأمر إلا ريث يبرمه
 
وليسَ يَثْنيهِ عن أمرِ التُّقى كَسَلُ
إنَّ الذينَ بهمْ يَرْمونَ صَخْرَتَهُ
 
لَنْ يبلُغوه وإن عَزّوا وإنْ كَمَلوا
لنْ يُدرِكوكَ ولن يلحقْكَ شأوُهُمُ
 
حتّى يَلِجْ بَيْن سَمِّ الإبْرة ِ الجَمَلُ
أعددت للحرب أقراناً وهم حسبٌ
 
السَّيفُ والدِّرعُ والخِنذيذُ والبَطَلُ
إذا فغمت بقومٍ جئت أرضهم
 
بجحفلٍ أرعن الحافات تنتقل
يصم فيه الموصى من يجاوبه
 
من رز عودٍ إذا ساروا وإن نزلوا
تُعَضِّلُ الأرضُ مِنْهُ وهي مُثْقَلَة ٌ
 
قد هدها كثرة الأقوام والثقل
فيهِ العناجيجُ يَبْري الغزوُ أَسْمَنَها
 
بري القداح عليها جنة ٌ بسل
قُبُّ البطونِ قد اقْوَرَّتْ مَحاسِنُها
 
وفي النُّحورِ إذا استقبَلْتَها رَهَلُ
يَصيحُ نِسْوانُهُمْ لمّا هَزَمْتَهُمُ
 
كما يصيح على ظهر الصفا الحجل
 
تُوصيهُمُ في الوغى: أنِ احمِلوا حَمَلوا
النازلونَ إذا ما الموتُ حَلَّ بِهِمْ
 
إِذا الكماة ُ إلى أمثالِها نَزَلوا