بحر بلا ساحل : ابن عربي والكتاب والشرع
بحر بلا ساحل : ابن عربي والكتاب والشَّرْع
عدللـميشيل شودكيفتش
كان القاضي الفقيه ابن حجر الحيتمي، الذي عاش في القرن السادس عشر، على كونه من المدافعين الأشداء عن ابن عربي، يقرُّ ببعض ما يأخذه منتقدوه عليه: فكتاباته، على حدِّ قوله، "لدقة معانيها، ولطائف إشاراتها، وإبهام مبناها"، هي للعوام "سمٌّ ناقع"[1]. إذ إن الاهتمام المشروع بالذود عن إيمان الجهَّال يقود بعض فقهاء الشريعة إلى أن تأخذهم العزَّة بالإثم، على ما يخلص إليه، لكنه يبقى من الصحيح أن ابن عربي ليس ممَّن يصح أن تتداوله سائرُ الأيدي. وعلى كلِّ حال، أكدتْ شهاداتٌ أحدث أن مؤلَّفات الشيخ الأكبر لا تبوح بأسرارها بسهولة. فقبل الحرب العالمية الأخيرة ببضع سنين، اقترح نيكلسون على أحد طلاَّبه المصريين قراءة مؤلَّفات ابن عربي. وقد اعترف هذا الطالب – وهو أبو العلا عفيفي، الذي ندين له، في جملة كتب أخرى، بكتاب فلسفة محيي الدين بن عربي الصوفية[2] – لاحقًا[3] أنه، بعد عدة قراءات للـفصوص ولشرح القاشاني عليه، لم يفتح الله عليه بشيء! وقد كتب يقول: "فالكتاب عربي مبين، وكلُّ لفظ فيه، إذا أخذته بمفرده، مفهوم المعنى، ولكن المعنى الإجمالي لكلِّ جملة، أو لكثير من الجمل، ألغاز وأحاجٍ لا تزداد مع الشرح إلا تعقيدًا وإمعانًا في الغموض. ذهبت إلى الأستاذ [نيكلسون] أشكوه حالي، وأذكِّره بأن هذه أول مرة استعصى فيها عليَّ فهمُ كتاب باللغة العربية إلى هذا الحد." ولم تكن حيرة المستشرقين المهتمين بالشيخ الأكبر لَتقلُّ عن ذلك: فكليمان هُوار لا يخفي حرجه من أثر "تهويمات مخيِّلته الفوضوية"[4]. وكان آربري يرثي لـ"تشويش عالم ابن عربي الذهني" و "اصطلاحاته غير المتجانسة وغير المتسقة"[5]. وقد صرَّح روم لانداو بأن "من شأن ملابساته وتناقضاته أن تقودنا إلى حافة اليأس"، محذِّرًا كلَّ من يريد التوفُّر على كتبه بأنْ وحده إعجاب عميق جدًّا يمكن أن يشجعه على "مجابهة تلك المصاعب التي لا تُحصى والتي ارتأى ابن عربي أن من الضروري إيجادها"[6]. إن من شأن تعقيد مذهبٍ يحيط في تأليف مذهل بميادين العلوم النقلية كافة، من الاجتهاد الفقهي وصولاً إلى الإلهيات، والصياغات الملتبسة والملغَّزة التي كثيرًا ما يُلبِسها إياها الشيخُ الأكبر، ناهيكم أخيرًا عن ضخامة مؤلَّفات تشتمل على عشرات آلاف الصفحات، أن يثبط همة الساعي إلى نشر التعاليم الأكبرية. لكن ليت صيت هذه المصنفات الهائلة يقتصر على رميها بالغموض! فهي كذلك، في الإسلام، مرارًا ما تُرمى بالزندقة، وذلك منذ أكثر من سبعة قرون؛ وهذه السِّجالات تتواصل في يوم الناس هذا بنفس الحدة التي كانت عليها أيام ابن تيمية. وحتى عند مشايخ الصوفية، فإن التنبيهات تتواتر. والمريدون في ابتداء أمرهم غالبًا ما يحذَّرون من قراءة الفصوص والفتوحات، وذلك لأسباب نستشف طبيعتها من ملاحظات ابن حجر. يبدو، إذن، وكأن الشروط كلَّها اجتمعت لحَصْر معرفة أفكار ابن عربي في أوساط ضيقة من المتعلِّمين الذين لا تُرهِبهم لا صعوبة التصانيف ولا إدانات الفقهاء؛ لكن الأمر ليس على هذا النحو. لاحظ العديد من الباحثين اتساع المدى الجغرافي – من المغرب إلى الشرق الأقصى – لتأثير ابن عربي. لكن الأهم من ذلك هو قياس عمق هذا التأثير وفهمه: إن سمة التعليم الأكبري لم تنطبع في الصوفية "العقلية" وحسب؛ إذ يمكن تحسُّسها أيضًا وسط نطاق من الطُّرُق التي تتداخل فيها جميع الطبقات الاجتماعية ومختلف المستويات الثقافية. فـ"العارفون" الذين يخصُّهم ابن حجر بقراءة ابن عربي ليسوا دومًا بين أصحاب العلم المعترَف بهم؛ وعلى العكس، فإن "الجهَّال" ممَّن يرون في قراءة الفصوص والفتوحات "سُمًّا زعافًا" مرارًا ما يتجنَّدون في عِداد رجال الدين. كذلك فإن جاك بيرك، في المؤلَّف الذي خصَّصه للصوفي المغربي اليوسي[7] (توفي في العام 1691)، حيث يصر على الدين الكبير الذي يدين به هذا الأخير لابن عربي[8]، يلفت الانتباه بهذا الصدد إلى الاندماج، في مغرب القرن السابع عشر ذاك، بين "تيارَيْ سِيَر الأولياء الشعبية والنَظَر العالِم". فقد كتب يقول: "كان تصوف ذلك الزمان يجمع بين العلوم النقلية الأكثر تفقهًا، الواردة من الأندلس أو من المشرق، وبين هَبَّة ريفية."[9] وهذه الملاحظات لا تصح على اليوسي ومغاربة عصره وحسب، بل أغلب الظن أنها تستوجب التعميم، كما يشهد على ذلك السريان الواسع لمفاهيم أساسية تعود بأصلها إلى تصانيف الشيخ الأكبر. إن بحثًا مستفيضًا لكيفيات هذا الانتشار وقنواته لَيستدعي تحليل عددٍ لا يُحصى من النصوص، تنتمي إلى مختلف الميادين اللغوية، والقيام بالعديد من التحريات الميدانية. إنما على أساس توثيقي أكثر تواضعًا بكثير، يبدو من الممكن إيضاح بعض جوانب هذه الظاهرة، واقتراح بعض المؤشِّرات لِمَن قد يتوفرون على إظهار بعض العلامات، المكتومة غالبًا، لهذا التشريب الأكبري وعلى توضيح آلياته. وجلي أن هذه المشكلة لا تخص المختصين بابن عربي فقط: فيما يتعدى الاعتبارات التي تهم تاريخ الفكر، فإن المسألة المطروحة هي أيضًا مسألة المسافة الفاصلة بين التصوف "المثقف" والتصوف "الشعبي". وقد ميَّز الباحثون الذين تتناول مؤلَّفاتهم الشيخ الأكبر وأخلافه العقليين تمييزًا طبيعيَّا دراسةَ الأدب "النبيل" – ذاك الذي تعاطاه كبار مريديه وشارحيه، كالقنوي والجيلي والقاشاني والجامي إلخ. وهذه الدراسة لا يجوز إهمالها من المنظور الذي أشرنا إليه لتوِّنا؛ إذ إن الانتشار الجغرافي لمخطوطات هؤلاء المؤلِّفين، وعدد مؤلَّفاتهم المطبوعة، وتاريخ نشر طبعاتها ومكانه – كل ذلك يقدِّم دلائل هامة على إمكانات ولوج المذهب الأكبري، في هذا الوقت أو ذاك، أو في هذا المكان أو ذاك. لكن من الجوهري أن نأخذ بالحسبان أيضًا المؤلِّفين الأكثر تواضعًا، ذوي الصيت المحلِّي المحض، وحتى كتبًا مجهولة المؤلِّفين أو ممَّن يصعب تحديدهم. غير أن الحيطة تفرض نفسها على الفور: إن غياب المرجعية البيِّنة الخاصة بابن عربي، وحتى وجود مرجعية سلبية، ليسا ذوَيْ دلالة مسبَّقًا. لذلك، وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، فإني لن أذكر حاليًّا غير مثال واحد شديد الإنارة: في الطريقة العلوية (وهي فرع من الطريقة الشاذلية الدرقاوية، أسَّسه الشيخ أحمد بن عليوا المستغانمي، المتوفى في العام 1934)، مازال الفقراء والمريدون – وجلُّهم من العمال الجزائريين المقيمين في أوروبا – يقرؤون تصانيف المؤسِّس ويشرحونها. وبين هذه التصانيف نجد تفسيرًا (جزئيًّا) للقرآن بعنوان البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور: وهذا التفسير قد طُبِعَ أخيرًا في مستغانم، بعد أن تداوله القوم على هيئة نسخ مخطوطة. والشيخ ابن عليوا يفسِّر أولاً الآيات 5-7 من سورة البقرة، فيفسِّرها أولاً على الطريقة النقلية في عرض من خمس نقاط – ثم يضيف لهذا التفسير ما يسميه "إشارة"[10]، يبسط فيها الشيخ تأويلاً كان ابن تيمية، في جملة آخرين، يستنكره عند ابن عربي بوصفه من صريح الكفر، مستعيرًا الحجة فعلاً، وعلى نحو شبه حرفي، من الباب الخامس من الفتوحات[11] الذي سنتحدث عنه أدناه. بيد أن الشيخ أحمد بن عليوا لا يذكر ابن عربي البتة، في حين أنه يُتفَّق له في تفسيره أن يشير بالاسم إلى مؤلِّفين آخرين. يجوز لنا هاهنا أن نفسر هذا الصمت بحدَّة السِّجالات التي كانت دائرة آنذاك بينه وبين ممثِّلي حركة الإصلاحيين، وخاصة منهم الشيخ ابن باديس. من هنا فإن إضافة إحالة إلى الشيخ الأكبر إلى نصٍّ فاضح في حدِّ ذاته قد تكون بمثابة استفزاز عديم الجدوى. مهما يكن من أمر، فإن هذا التفسير، شأنه شأن غالبية مؤلَّفات الشيخ ابن عليوا، يتضمن استعمالاتٍ أخرى لمفاهيم أكبرية حصرًا، وغير مشار إليها بوصفها كذلك، هي من الكثرة بحيث لا مجال لإيرادها هنا. إذا كان بالإمكان، عن عمد أو عن غير تعمُّد، تقديم مباحث من المذهب الأكبري من دون أن يُذكَر مصدرها – ولسوف نقع على حالات أخرى من هذا النوع – فقد يصادف أيضًا أن نلحظ، في النصِّ نفسه (وحتى في عبارة المخاطَب نفسه)، وفي الوقت نفسه، شجبًا لابن عربي يَرِدُ إلى جانب أفكار وعبارات أكبرية حصرًا. وهذا الالتباس، سواء كانت تُمليه مبرِّرات مناسبة روحية أو حذر سياسي، كان في واقع الأمر موقفًا شديد الشيوع وقديمًا للغاية – إذا صدَّقنا نكتة تعود روايتُها، على ما يبدو، إلى الفيروزبادي،[12] فإن القاضي الشافعي الشهير عز الدين بن عبد السلام لزم الصمت حين وُصِفَ الشيخُ الأكبر أمامه بالزنديق – وهو مصطلح كان يوصَم به المانويون عادة، إنما طبَّقه مؤرِّخو البدع على كلِّ من يُشتبَه في كونهم من المفكِّرين الأحرار أو الملاحدة – إنما حين سأله، مساء ذلك اليوم، أحد مريديه ممَّن شهدوا الحادثة، أجابه بأن ابن عربي كان قطب وقته، أي رئيس مراتب أولياء زمانه. في بعض الطُّرُق – وتخطر ببالنا حصرًا الطريقة الخلوتية وفروعها المختلفة – فإن نفوذ الشيخ الأكبر أمر مقرَّر. لكنْ في الكثير من الطرق الأخرى، فالأشيع أن العديد من المشايخ، ممَّن أبدوا تحفظات على ابن عربي، ينتقدون مواقفه ويمنعون مريديهم من قراءة كتبه. وهذا الموقف قد يكون مجرد احتراز خطابي للتحايل على رقابة الفقهاء. أما في الأغلب الأعم، فإن هذه التحذيرات والتحريمات إنما دافعها الحرص على تجنب سريان أفكار، على كونها صحيحة من حيث الجوهر، إلا أنه قد يُسيء فهمَها مريدون ليسوا مؤهَّلين روحيًّا بما يكفي، فتعرِّض صحة إيمانهم للخطر. من هذا المنظور، على ما يبدو لنا، ينبغي فهم موقف زرُّوق في كتابه قواعد التصوف[13]، ومواقف غيره من مشايخ الشاذلية. وهذا الحذر نفسه يقود شيخ كالشعراني إلى توصية المريد بأن يعرف تأويل تلك الإشارة اللطيفة التي يلمِّح إليه بها شيخُه، آمرًا إياه بقطع قراءته بصوت مرتفع على الفور إذا اتفق لجُهَّال أن يحضروا[14]: هو مجرد تذكير، للمناسبة، بقاعدة عامة التطبيق جدًّا، كما يتبيَّن لنا، إنْ من قراءة النصوص القديمة أو من مراقبة مسلك شيوخ اليوم. ففي فقرة من كتابه رَشَحَات عين الحياة – وهو واحد من الكتب الأساسية في تاريخ النقشبندية حتى أوائل القرن السادس عشر – يروي المؤلِّف بأن الشيخ عبيد الله أحرار كان يشرح له الفصوص عندما جاءه زوار؛ فصمت الشيخ من فوره وأخفى الكتاب. وعبيد الله أحرار نفسه كثيرًا ما كان يقبس من ابن عربي؛ وفي لقائه الشهير بالجامي في طشقند في العام 1469، فسَّر له نقطة من المذهب لم يستطع أن يدركها في الفتوحات المكِّية[15]. وقد كانت التحفظات أو الانتقادات المستهدِفة لابن عربي التي نصادفها بقلم كتَّاب نقشبنديين من عصور مختلفة تترافق في الواقع باتِّكالٍ أقصى على تعاليمه، كما بيَّن ذلك فريدمان أحسن بيان بخصوص أحمد السرهندي. ومؤلَّفات ر. س. أوفاهي تشدِّد بالمثل عند وجه آخر كبير من وجهاء الصوفية "الإصلاحية" – هو أحمد بن إدريس، الذي أسَّس مريدوه الطريقتين السنوسية والختمية – على وفاء للمذهب الأكبري، الأمر الذي عرَّضهم لهجمات وهابية شديدة[16]. نستخلص مما سبق نتيجة عملية، ألا وهي أنه لكي يستنبط الطالب في النصوص – سواء كانت شهيرة أو مغمورة – تأثيرًا قد يكون إما غير واعٍ وإما مغيَّب تغييبًا إراديًّا وإما حتى منكَرًا بقوة، فإن معرفةً بأفكار ابن عربي لا تكفي؛ إذ ينبغي أن تُضاف إليها ألفة تامة بمفرداته وبخصائص أسلوبه، وببعض العبارات الخاصة به التي يدل تكرارُها في كتاباته على مبلغ أهميتها. إن هذه الألفة بالاصطلاحات وبالأساليب البيانية وبالمباحث المتكررة لتصانيف الشيخ الأكبر هي، إلى ذلك، أمور لا غنى عنها للتمييز، في مؤلَّفات كاتب ما، بين ما يخص التراث المشترك للتصوف وما يشكل خصوصية إبداع ابن عربي: فأصالته القوية يجب ألا تُنسينا بأنه، في الواقع، وريثٌ وناقلٌ لموروث سابق غني أيضًا؛ إذ يمكن، بالتالي، تعليل ما نجد من تشابهات مع فكره بالعودة المباشرة إلى الينابيع التي استقى منها. لكن ورود بعض المصطلحات – "النَّفَس الرحماني"، "الفيض الأقدس"، "الفيض المقدس"، "ختم الأولياء"، "تجديد الخلق"، إلخ – في كتابٍ ما هو عادة مؤشر لا يخدع: حتى إنْ ظهر بعض هذه العبارات أحيانًا ظهورًا طارئًا في نصوص سابقة لابن عربي، فإن مؤلَّفاته هي التي منحتْها استعمالاً دقيقًا وضَمِنَتْ لها البقاء في لغة الصوفية. وأحيل هنا بهذا الصدد، على سبيل المثال، إلى ما سبق لي أن عرضت له في غير مكان بخصوص عقيدة الولاية، وبخاصة مفهوم " ختم الوَلاية" – الذي ظهر، كما هو معلوم، عند الحكيم الترمذي في القرن الثالث للهجرة، إنما الذي تبسَّط ابن عربي في شرحه في مذهبه بما جعله بعدئذٍ واحدًا من العناصر الأساسية لكتب طبقات الأولياء اللاحقة[17]. إن معرفة معمَّقة بأشكال الخطاب الأكبري، وليس بمضمونه وحسب، يسمح بالعثور على "تصاديات" كاشفة للغاية كان يمكن، لولا هذه المعرفة، أن تمرَّ من غير أن تُلحَظ. ففي قصيدة غير منشورة لشيخ جزائري معاصر كبير يَرِدُ البيت التالي: وسبع المثاني حقيقة أمري سرعان ما يذكِّر أيَّ قارئ لابن عربي ببيت وارد في مستهل الفتوحات [18] ونقع عليه متكرِّرًا في مناسبات عدة في مؤلَّفات أخرى: أنا القرآن والسبع المثاني مما لا ريب فيه البتة هاهنا أننا أمام إشارة مقصودة، ولا نستغرب، من ثَمَّ، حين نعلم أن كاتب هذه القصيدة وابنه توفرا طويلاً على كتب ابن عربي، لا بل وقع بين أيديهما، يوم كانا في رحلة إلى سورية، مخطوطٌ بخطِّ يده لإحدى رسائله التي كانت تُعتبَر مفقودة. لقد سبق لنا الإصرار، من أجل التأكد من نفوذ الشيخ الأكبر خارج نطاق المثقفين وتعيين وسائط هذا النفوذ، على ضرورة التمعُّن فيما يمكن تسميته بـ"كتب الرفِّ الثاني"؛ ونعني بها، بصفة خاصة، الكتيبات الأساسية المكتوبة من أجل المريدين في ابتداء أمرهم، ولكنْ الأخبار الإقليمية أيضًا – والكثير منها غير منشور – وكذلك دواوين القصائد المستعمَلة في الطُّرُق، والموالد التي وُضِعَتْ على شرف أولياء محلِّيين، وإجازات [المبايعة بالطريقة]، وسلاسل المشايخ المغمورين ممَّن لم يتخطَّ صيتُهم حدود قريتهم أو قبيلتهم قط. فإن من شأن نشر هذه النصوص – التي هي ليست في الغالب إلا كراريس موجزة مطبوعة طباعة رديئة وتُباع بأسعار بخسة – أن يفسِّر أمورًا كثيرة. إن تأثير ابن عربي محسوس جدًّا، على سبيل المثال، في كتاب واسع الانتشار من كتب التجانية، ألا وهو ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية للشيخ عبيدة بن محمد الصغير الشنقيطي (توفي في العام 1284 هـ). وهو أبْيَن في وجيز لقواعد الرحمانية (التي كانت، بما لا ريب فيه، الطريقة الأكثر شعبية في الجزائر) طُبِعَ في تونس (العام 1351 هـ) بأمر من محمد بن بلقاسم، شيخ زاوية بوسعادة: ففيه تَرِدُ صراحة أقوالٌ لابن عربي ويُدافَع عنه ضدَّ خصومه. ولا تقل عن ذلك صراحة الوصية الكبرى لعبد السلام الأسمر الفيتوري (مؤسِّس فرع ليبي للطريقة العروسية، المتفرعة من الشاذلية)، المطبوعة في بيروت في العام 1958، حيث يصرِّح المؤلِّف (ص 60): "إخواني، وعليكم بمحبة محيي الدين بن العربي وتعظيمه." وهنالك حالة أخرى جديرة بالملاحظة، هي حالة كراس صغير، طُبِعَ للمرة الأولى في حلب في العام 1351 هـ ومازال متداولاً في سورية، عنوانه رسالة السلوك الخادمة لجميع الطرق؛ وهو عبارة عن عرض شديد الإيجاز لأشواط الطريقة (التي يعدِّد النص سبعة منها)، ويتضمن كذلك الأساليب الخاصة للـذكر واللطائف المقابلة لها على التوالي في بنية الإنسان. والقواعد الواردة في هذا النص، يشير واضعاها صراحة أنهما اشتقاها "من مؤلَّفات الشيخ الأكبر"؛ لا بل إن أحدهما – وهو المدعو محمد رجب الطائي – يقدِّم نفسه على أنه من ذرية ابن عربي. ولا بدَّ لنا هاهنا من الإشارة إلى أن جميع الكتابات من هذا النوع إنما تشدد أكثر ما تشدد على السلوك في الطريقة وعلى درجاتها، لا على المبادئ المذهبية. لذا فإن الكلمات المفاتيح التي ينبغي التفتيش عنها فيها هي، إذن، تلك التي بين مفردات ابن عربي تتعلق بـ"السلوك" الصوفي وبـ"الولاية"، وليس تلك التي يختص بها مذهبُه في الإلهيات. إن تجريدًا منهجيًّا لهذه الكراريس يبيِّن، أية كانت الحال، أن الحالات المعدودة المذكورة أعلاه ليس فيها من الاستثناء شيء على الإطلاق وأن بوسع أيِّ باحث أن يكتشف غيرها كثير من غير عناء. لكن العديد من أنماط الكتابات الأخرى التي كان لها دور لا يستهان به – وإنْ على مقياس محدود – لا بدَّ من أخذه بالحسبان؛ وهذا يصح على الطبقات أو الأخبار المتنوعة التي ندين بها لأساتذة محليين. وهنا قد يكون من المثير للاهتمام، على سبيل المثال، استخراج الإحالات التي يسهل التعرف إليها بوضوح إلى مؤلَّفات ابن عربي من كتاب يعرفه جيدًا المؤرخون المغاربة: سلوة الأنفاس في من أُقبِرَ من العلماء والصلحاء بفاس لمؤلِّفه محمد بن جعفر بن إدريس الكتَّاني (1857-1927). وهو كتاب غني بالتفاصيل عن طبوغرافية فاس، سبق أن استعمله كلٌّ من رونيه باسِّيه وليفي بروفنسال، من بين آخرين. لكن ما يستلفت انتباهنا في سلوة الأنفاس هو أن كاتبه، لكي يحدِّد القامة الروحية للأولياء الذين يخصهم بالترجمة، يلجأ إلى مصطلحات أكبرية: فهذا الولي "موسوي المقام"، وذاك "عيسوي المقام"؛ ومفهوم "ختم الأولياء" الخاص للغاية بابن عربي وارد عدة مرات[19]. وما ينبغي النظر فيه، بهذه المناسبة، ليس ألفة الكتَّاني الصريحة بمقامات الأولياء بحسب ابن عربي – وهذا ليس بمستغرب جدًّا كما سنرى – بل دور الناقل الذي يمكن لمؤلَّف كمؤلَّفه أن يلعبه حيال قرَّاء ليسوا جميعًا راغبين حتمًا بالاطِّلاع على الفتوحات المكية أو قادرين على ذلك. فمن خلال تشرُّب غير واعٍ غالبًا، تصير مصطلحات كاتب عصيٍّ على الفهم ومشبوه نوعًا ما، بفضل كتب من هذا النوع – وهي كثيرة –، هي اللغة الصريحة التي يجري الكلام بها على الولاية والأولياء. فلئن لم يكن سلوة الأنفاس مخصصًا لصفوة عقلية – ولم تقرأه هذه الصفوة وحسب – فإنه لا ينتمي قطعًا إلى "الأدب الشعبي". غير أن تلك هي حالة كتاب ينتسب إلى ذلك الجنس الشهير الذي يُقبِل عليه دومًا جهورٌ عريض، كتاب جُمِعَتْ فيه "خصائص" بعض سور القرآن، والذي ينتسب إلى مجال ما يمكن أن نسميه بـ"السحر اليومي" – ونقصد هنا كتاب نعت البدايات وتوصيف النهايات، الذي طُبِعَ عدة مرات (في فاس وفي القاهرة) والمنتشر جدًّا في المغرب كما في الشرق الأدنى. وهناك نصوص أخرى مشابهة تنطبق عليها الملاحظات عينها؛ لكننا لا نخص هذا النص بالتنويه إلا بسبب شخصية كاتبه ولأنه أُلِّف في الزمن المعاصر، شاهدًا بذلك على دوام انتشار المفاهيم الأكبرية. إن نعت البدايات من تصنيف ماء العينين الشهير، الوجيه المرموق الذي حمَّلتْه البروباغاندا الاستعمارية الفرنسية (ظلمًا) مسؤولية اغتيال كزافييه كوبولاني[20]. إن التصانيف بقلم هذا "المرابط" الموريتاني (ويجوز لنا أن نعتقد بأن الأمر يصح على تعليمه الشفوي) حافلة بالإحالات الصريحة إلى ابن عربي وإلى عدد من الكتَّاب من مدرسته، كعبد الرزاق القاشاني وعبد الوهاب الشعراني وإسماعيل حقي[21]. وهكذا فإن ما يبدو، للوهلة الأولى، مجرد مجموعة من الوصفات التقية، يتبيَّن، عند الفحص عنه، مشبعًا بإحكام بمنقول تأويلي يعود إلى الشيخ الأكبر. إن نعت البدايات، بهذه المثابة، لا يقدِّم إلا نسخة مفتقرة قطعًا من ذلك الميراث الغني، لكنها ليست غير وفية له. وإلى هذا النمط من الأدب الشعبي تنتمي مؤلَّفات من نحو شمس المعارف الكبرى للبوني (الذي يذكر ابن عربي في سلاسل نقله) أو كنز الأسرار لمحمد النازلي (توفي في العام 1884)، الذي مرارًا ما يقبس من ابن عربي ويورد مقتطفًا طويلاً من رسالة الأنوار (وليس من التدبيرات الإلهية، كما جاء في عنوان الباب). إن كتاب كنز الأسرار، الواسع الانتشار في العالم العربي، هو كذلك، على سبيل المثال، في إندونيسيا، حيث أعيد طبعه مؤخرًا. لكن بعض تفاسير القرآن أسهمت إسهامًا أكثر مباشرةً في ذيوع صيت ابن عربي وفي سريان أفكاره. وهذه هي الحال مع روح البيان لإسماعيل حقي، حيث تحتشد المقبوسات عن ابن عربي. وهذا التفسير واسع الانتشار للغاية، إلى حدِّ أنه تمَّ رصد وجود مجموعة كاملة من أجزائه العشرة في إحدى مكتبات مكة قبل حوالى خمس عشرة سنة، حيث قصَّرتْ رقابة المراقبين الوهابيين عن القيام بدورها. وبالوسع كذلك بلا تردد إطلاقُ وظيفة التوسُّط نفسها على أحد أوسع نصوص الطريقة التجانية انتشارًا، ألا وهو جواهر المعاني لعلي حرازم، الذي لا بدَّ لجميع أعضاء هذه الطريقة عمليًّا من قراءته، لكنه حَظِيَ بقرَّاء كثيرين جدًّا خارجها أيضًا. ونسختنا من الجواهر موشاة بإشارات إلى ما لا يُحصى من المقاطع التي لمسنا فيها ذكرًا لابن عربي[22] أو تلميحات إلى هذا المبحث أو ذاك في مؤلَّفاته. فإلى جانب المقبوسات العديدة – المعلنة أو غير المعلنة، لكنْ التي يمكن تمييزها دومًا – من نظرية ابن عربي في الولاية[23]، يدمج أحمد التجاني، في الأحاديث أو الرسائل التي دوَّنها علي حرازم بعناية فائقة، في مذهبه سمات عديدة من مذهب ابن عربي، مستعملاً نفس المصطلحات التي يستعملها: "النَّفَس الرحماني"[24]، مفهوم "الحضرات" الخمس[25]، "الحقيقة المحمدية"[26] وكلِّية الرحمة الإلهية التي تشمل حتى الهالكين[27]... كذلك من ابن عربي، وتحديدًا من الباب الثامن من الفتوحات، يستقي التجاني ما يسمِّه بـ"أرض السَّمْسَمَة"، في دلالة رمزية إلى "عالم الخيال"[28]. والمثير للانتباه أكثر هو أن جميع كتَّاب التجانية، على غرار علي حرازم، أو أحمد التجاني نفسه بالأصح، سوف ينهلون من النبع الأكبري، ويسهمون في بثِّ ما جمعوه. وهذه، حصرًا، حالة محمد الشنقيطي في كتابه بغية المستفيد[29]، مثلما هي حالة الحاج عمر في مؤلَّفه كتاب الرمه[30]، حيث توجد إشارات متكررة إلى الشيخ الأكبر، ولاسيما، مرة أخرى أيضًا، الاستعمال المنهجي لمذهبه في الولاية[31]. واسم الشعراني (المتوفى في العام 1565)، الذي كثيرًا ما يَرِدُ في المؤلَّفَيْن الأخيرين، يقودنا هاهنا إلى إيراد تفصيل هام. إن الكتابات المتنوعة – الحديثة نسبيًّا على العموم والتي مازالت إلى اليوم قيد التداول – التي ارتأينا الإشارة إليها كحوامل محتمَلة لتأثير ابن عربي هي عبارة عن ضرب من التبسيط نوعًا ما؛ لكنْ يمكن لها، بدورها، أن تكون محلَّ شبهة النقل عن تبسيطات سابقة: بعبارة أخرى، فإن ما تتضمَّنه من مقبوسات وشروح وملخصات عن ابن عربي لا يقيم دليلاً على أن كتَّابها قرؤوا شخصيًّا مؤلَّفات الشيخ الأكبر. فمحمد الشنقيطي يصرِّح بأن رسالة عنقاء مغرب وقعت بين يديه، لكنه يعترف بأنه لم يفهم منها شيئًا يُذكَر؛ فمن الجلي أن مقبوساته من ابن عربي إنما تمرُّ عبر وسيط أيسر فهمًا يقبس منه أيضًا، ألا وهو اليواقيت والجواهر للشعراني، وهو كتاب يقدِّم نفسه كشرح على الفتوحات المكية، لكنه في واقع الأمر وجيز ميسَّر له: فجميع ضروب المسائل، وفق تصنيف يتطابق بشكل عام مع بنود "عقيدة" تقليدية، تجد أجوبة عليها مستقاة من الفتوحات، مع إشارة إلى الباب الذي استُقِيَتْ منه[32]. وهناك عدة طبعات متتالية من اليواقيت، وقد ساهمت تطوراتُ المطبعة العربية قطعًا في انتشاره؛ لكن شعبيته سابقة لذلك بزمان طويل: فنحن نعرف – من الشعراني نفسه ومن المليجي، مترجم سيرته – بأن نسخًا من مؤلَّفاته، ما أن يتم إنجازها حتى كانت تطير إلى مختلف أرجاء العالم الإسلامي، من شمال أفريقيا حتى الهند،الأمر الذي يؤكده، على كلِّ حال، تناثُر المخطوطات المبوَّبة [33]. ويستند الحاج عمر بالتأكيد على الشعراني مرارًا، وإن يكن قطعًا على اطِّلاع مباشر على الفتوحات. لكن لا يمكن، بالمقابل، قول الشيء نفسه عن مؤلِّف آخر من أفريقيا السوداء، هو السنغالي إبراهيم نياس (توفي في العام 1975)، الذي أسَّس طريقته الخاصة، قبل أن يُنشئ الاتحاد الإسلامي الأفريقي، والذي أشار مِرفِن هِسكِت إلى ما يدين به إلى ابن عربي[34]. لقد كان بوسع إبراهيم نياس، المنشق عن التجانية، أن يجد حتمًا عند مشايخ هذه الطريقة العديد من العناصر الأكبرية الأصل. لكننا نميل إلى الاعتقاد بأن تصوراته النشورية تدين بالكثير من عناصرها إلى اليواقيت، وليس إلى توفُّرٍ دؤوب على كتب ابن عربي. ولدينا الشك نفسه أيضًا فيما يتعلق بـ"المهدي" السوداني، محمد بن عبد الله، الذي كان ينتمي، كما هو معلوم، إلى الطريقة السمَّانية التي أسَّسها أحد مريدي الشيخ مصطفى كمال الدين البكري، مريد النابلسي. وتشهد كتابات الشيخ البكري – ولا غرابة في الأمر في تلك الظروف – على تأثير كبير لابن عربي (يَسِمُ بقوة فروع الطريقة الخلوتية التي كان ينتسب إليها كافة: فعلي قره باش، الوارد في سلسلته، كان صاحب شرح على الفصوص)؛ مما لا يستبعد أن يكون "المهدي" قد حصَّل بهذه الطريقة شيئًا من الألفة بأفكار تعود إلى ابن عربي. لكن هل يكفي هذا لشرح تلك الفقرات من المنشورات[35] التي تقبس من الشيخ الأكبر؟ لقد أشارت نيكول غراندان بأن "المهديين" المعاصرين يذكرون رسالة عنقاء مغرب لابن عربي بوصفها المصدر الرئيسي لمذهب المهدي[36]؛ وربما كان الباب 366 من الفتوحات، الذي يبحث في "وزراء المهدي"، مصدرًا من تلك المصادر. لكن هل الأمر عبارة فعلاً عن استعمال مباشر لهذه المصادر، أم هو استخدام حصيف للمقتطفات المخصَّصة للاستخدام الشعبي التي يوردها الشعراني في اليواقيت أو في بعض كتبه الأخرى؟ إن الفرضية القائلة بأن "المهدي" قد اطَّلع على التفسير الكبير للقرآن لابن عربي مستبعَدة على كلِّ حال: بعد التحقق من الأمر، فإن الإشارات إلى هذا التفسير في المنشورات لا تحيل إلى أحد مؤلَّفات ابن عربي، بل بالأحرى إلى المقطع الواحد عينه من تفسير القاشاني (الذي يصر النُسَّاخ والناشرون منذ وقت طويل على نسبته إلى الشيخ الأكبر)[37]. ترجمة: أكرم أنطاكي مراجعة: ديمتري أفييرينوس
هوامش
عدل{{ [1] ابن حجر الحيتمي، الفتاوى الحديثية، القاهرة، 1970، ص 296. [2] Cambridge, 1939; 2nd ed., Lahore, 1964. [3] فصوص الحكم، المقدمة، ص 21. [4] Clément Huart, Littérature arabe, Paris, 1932, p. 275. [5 A.J. Arberry, Sufism: An Account of the Mystics of Islam, London, 1950. [6] Rom Landau, The Philosophy of Ibn ‘Arabī, London, 1959, pp. 24-25. [7] J. Berque, Al-Yousi, Paris-La Haye, 1958. حول هذه الشخصية، راجع أيضًا: C. Geertz, Islam Observed, Chicago, 1968 (index s.v. Liyusi); P. Rabinow, Symbolic Domination, Chicago, 1975; E. Gellner, Muslim Societies, Cambridge, 1981, chap. 10.
[8] Voir J. Berque, op. cit., pp. 40, 121-126.
[9] Ibid., pp. 123 et 126.
[10] البحر المسجور، مستغانم، ب.ت.، الصفحة 69. [11] الفتوحات المكية، القاهرة، 1329 هـ، مج 1، 115؛ بتحقيق عثمان يحيى، مج 2، ص 208-209. [12]
القاري البغدادي، الدر الثمين في مناقب محيي الدين، بيروت، 1959، ص 27 و28؛ المقاري، نفح الطيب، بيروت، 1968، مج 2،ص 178. [13]
أبو العباس محمد زرُّوق، قواعد التصوف، القاهرة، 1328/1968 (حول ابن عربي، انظر: ص 35، 41، 52، 129). يمكن الرجوع أيضًا إلى علي ف. خشيم،زرُّوق الصوفي، طرابلس (ليبيا)، 1976، ص 14و148. [14]
عبد الوهاب الشعراني، الأنوار القدسية في معرفة القواعد الصوفية، طب 2، بيروت 1985، مج 2، ص 28. [15] فخر الدين علي بن الحسين واعظ الكاشفي، رشحات عين الحياة، في مجلدين، طهران، 2356، مج 1، ص 249-250. الإشارات إلى ابن عربي في كلام السادة النقشبندية التي يوردها المؤلِّف كثيرة جدًّا؛ انظر، من بين أمور أخرى (الفهرس)، إلى أقوال برهان الدين أبو نصر بارسا ومحمد شمس الدين الكوسوي. كذلك تورد سيرة شيخ نقشبندي معاصر (محمد أمين الكردي، المتوفى في العام 1914) سلوكًا مشابهًا لسوك عبيد الله أحرار: "كان يقرأ عليَّ فصولاً من الفتوحات؛ لكن ما أن يدخل علينا أحد حتى يطوي الكتاب ويسكت." (محمد أمين الكردي، تنوير القلوب، القاهرة، ب.ت.، ص 42) [16] Y. Friedmann, Shaykh Ahmad Sirhindī, Montréal-London, 1971. تجدر الإشارة، بهذا الصدد، إلى الرأي الشائع بأن النقشبندية – وهي طريقة سُنية – مناوئة عمومًا لابن عربي، وأن ما كان يصح على الشيوخ القدامى يصح كذلك على شيوخها الأحدث. فالشيخ خالد، المتوفى في العام 1827، يوصف في مصنَّف ظهر في نهاية القرن الماضي – السعادة الأبدية لعبد المجيد الخاني، دمشق، 1313 هـ، ص 2 – بأنه "أكبري العرفان". كذلك ينقل كتاب آخر من الفترة نفسها – الحديقة الندية لسليمان الحنفي البغدادي، على هامش كتاب أصفى الموارد، القاهرة، 1313 هـ، ص 60-61 – أنه عند موت خالد، فإن أحد مريديه حصلت له رؤيا رأى فيها ابن عربي خارجًا من قبره ليقبِّله. كذلك يؤكد مخطوط فهرست مكتبة الشيخ خالد، الذي حصلنا على نسخة مصورة عنه، أنه كانت لديه مؤلَّفات ابن عربي ومريديه الرئيسيين. أما فيما يتعلق بموقف أوائل مشايخ النقشبندية من ابن عربي، فيوجد العديد من التفاصيل الإضافية في مداخلة الأب حامد الجار في ندوة انعقدت حول ابن عربي في نوتو (صقلية، نيسان 1989) قيد النشر: Views of Ibn ‘Arabī in Early Naqshbandi Tradition. بالنسبة لأحمد بن إدريس، راجع: R.S. O’Fahey, Enigmatic Saint, Ahmad b. Idrīs and the Idrīsī Tradition, London, 1990, pp. 90-106. [17] M. Chodkiewicz, Le Sceau des saints, prophétie et sainteté dans la doctrine d’Ibn ‘Arabī, Paris, 1986. بخصوص مصطلحات ابن عربي، نحيل القارئ إلى كتاب سعاد الحكيم النفيس المعجم الصوفي، بيروت، 1981، الذي يُعتبَر أداة لا غنى للباحث عنها. وهناك أمثلة عديدة تشهد أن أنماط الولاية في المذهب الأكبري يستعملها العديد من الكُتَّاب لتأويل رجعي لحال صوفيين متقدِّمين على ابن عربي. وقد ذكرتُ (ختم الأولياء، ص 104) حالة عين القضاة الحمداني (المتوفى في العام 1131). وبالإمكان كذلك ذكر حالة أحمد الرفاعي (المتوفى في العام 1182)، الذي يرجع حفيدُه، من أجل أن يعيِّن النمط الروحي لجدِّه ولعدد من معاصريه – بدون أن يصرِّح بذلك – إلى معايير ابن عربي وعباراته، كما وإلى مفهوم "ختم الولاية". راجع: M. Tahrali, Ahmad al-Rifā‘ī, sa vie, son œuvre et sa tarīqa, thèse de 3e cycle, Paris III, 1973, pp. 134-135. والمقاطع المذكورة واردة في كتاب المعارف المحمدية في الوظائف الأحمدية لعز الدين أحمد الصياد، القاهرة، 1888، ص 59-60. [18] الفتوحات المكية، مج 1، ص 9؛ وبتحقيق عثمان يحيى، مج 1، ص 70. [19] الكتاني، سلوة الأنفاس...، فاس، طبعة بالحجر، 1316 هـ؛ راجع، مثلاً، الباب الثاني، ص 241، 288، 332-333، 340. [20] حول ماء العينين، راجع: Encyclopédie de l’Islam, s.v., and B.G. Martin, Muslim Brotherhoods in 19th Century Africa, Cambridge, 1976, chap. 5. [21] نعت البدايات...، القاهرة ب.ت.، حيث توجد أمثلة على إحالات إلى ابن عربي، ص 91-92؛ إلى القاشاني، ص 67، 120؛ إلى إسماعيل حقي، ص 69-70، 74، 77، 80؛ وإلى الشعراني، ص 98، 103، 167. [22] جواهر المعاني، القاهرة، 1384 هـ. نجد ذكرًا مباشرًا لابن عربي (إما على هذا الشكل وإما على شكل الحاتمي) مرات عديدة (انظر مثلاً: 1، ص 66، 75، 126، 147، 151، 183، 245–247؛ 2،ص7، 70، 84، 116، 117، 150). لكن العديد من الاستعارات البيِّنة لا يُشار إليها على أنها كذلك، كما هي حالة نكتة (نكتة الجوهري) الواردة في 1، ص 241، والمنقولة مباشرة عن الفتوحات (2، ص 82). [23] للاطلاع على مقطع نوعي يتعلق بمذهب الولاية (مع ذكر "الختم") راجع: جواهر، 2، ص 21، 84–85. [24] جواهر، 2، ص 37. [25] نفس المرجع، 2، ص 39. [26] نفس المرجع، 1، ص 147؛ 2، ص 143. [27] نفس المرجع، 1، ص 183-184؛ 2، ص 30. [28] نفس المرجع، 2، ص 25. [29] بغية المستفيد، القاهرة، 1380/1959. راجع، على سبيل المثال، الكلام على مراتب الأولياء، ص 187–194. هذا ويُستشهَد بابن عربي عدة مرات في الكتاب. [30] مطبوع على هامش الجواهر. [31] انظر: 2، ص 4، 15، 16. [32] الشعراني، اليواقيت والجواهر، القاهرة، 1369 هـ. وعلى هامش هذا الكتاب نجد للمؤلِّف نفسه ملخَّصًا آخر للـفتوحات: الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر، الذي هو، بدوره، ملخَّص لكتاب ثالث للشعراني: لواقح الأنوار القدسية. حول الشعراني وحياته نحيل القارئ إلى: Michael Winter, Society and Religion in Early Ottoman Egypt, New Brunswick, 1982. [33] Cf. M. Winter, op. cit., p. 2 and note 2, p. 9. [34] Cf. Mervyn Hiskett, “The Community of Grace and Its Opponents,” African Languages Studies, London, 1980, XVII, pp. 99-140. [35] منشورات الإمام المهدي، طبعة بالحجر (4 مجلدات)، الخرطوم، 1963، 1، ص 5-6 ، 13؛ 2، ص 49، 62، إلخ. [36] رسالة مؤرخة في 20 تشرين الثاني 1988. وتضيف السيدة غراندان أنه – لهذا السبب – يُعتبَر عنقاء مغرب واسع الانتشار اليوم في أوساط النخبة المهدية المتعلِّمة في السودان. [37] المقطع الذي تشير إليه المنشورات موجود (تفسيرًا للآية 182 من سورة الأعراف) في مج 2، ص 460، من تأويلات القاشاني (لكن المنشور باسم ابن عربي)، بيروت، 1968. فيما يخص التفسير الأصلي للشيخ الأكبر (الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل، فهرست أعمال ابن عربي، 172)، الذي كان يضم 64 مجلدًا ويبلغ حتى سورة مريم، يبدو أنه اختفى اختفاءً غامضًا بعد أن عرف طويلاً تداولاً على نطاق ضيق نوعًا ما. وفي عصر "المهدي" كان أصلاً شديد الاستغلاق، ووحده عدد محدود من الأكبريين الاستثنائيين، على ما يبدو، كان ما يزال بمستطاعه الرجوع إليه. إن استعمال – أو بالأحرى الشطط في استعمال – مرجعية ابن عربي كان مستشريًا في ذلك الوقت نفسه في حركة مخالفة للإجماع هي حركة غلام أحمد، مؤسِّس النحلة الأحمدية، الذي استلهم صراحة معطيات أكبرية حول "النبوة المطلقة" و"الولاية العيسوية". راجع بهذا الخصوص كتاب: 3.Y. Friedmann, Prophecy Continuous, Berkeley, 1989, Part}}