بحكم العدل من قاضي السماء

بحكم العدل من قاضي السماء

​بحكم العدل من قاضي السماء​ المؤلف ابن دارج القسطلي


بحكم العدل من قاضي السماء
حباك بحق أحكام القضاء
وراثة مورث الأبناء مما
تحلى من تراث الأنبياء
أب وفاك ميراث المساعي
كما وفيته عهدا لوفاء
تهدى فارتدى حلما وعلما
فلم تسبق إلى ذاك الرداء
لتلبسه فإفضال وفضل
وتنشره بهدي واهتداء
نماك وقد بنى دينا ودنيا
لتخلفه على ذاك البناء
وشيده بإخلاص الأماني
وأسسه بمقبول الدعاء
عليما أن أرفع ما بناه
بناء أسه لك في السماء
وأزكى من زكا صدقا وعدلا
زكي حاز ميراث الزكاء
فما زك ذو الجلال بعلم غيب
وفرك ذو الرياسة عن ذكاء
مليك كلما بلغ انتهاء
من العليا أهل إلى ابتداء
فسودده كجود يديه جار
من الدنيا إلى غير انتهاء
تجلى في بهاء ندى وعدل
ومد عليك من ذاك البهاء
رجاء فيك صدق كي يجازى
كما استدعاك تصديق الرجاء
وجزلا من عطاء الله أعدى
يديك به جزيلات العطاء
لتصرف دعوة المظلوم عنه
كما صرف السوام إلى الرعاء
وترعى موقف الملهوف عنه
يلبي نفسه قبل النداء
وتبسط منك للغرباء وجها
يجلي عنهم كرب الجلاء
فتبلي فيهم سير ابن يحيى
كما أبلاك محمود البلاء
فأعطى القوس باريها وشدت
عراقي الدلو في كرب الرشاء
ورد الروح في جسم المعالي
ولاح النجم في أفق السماء
وجرد للهدى سيف صقيل
محلى بالمحامد والثناء
فولى النكر مهزوم النواحي
وجاء العرف منشور اللواء
وغار الظلم في ظلم الدياجي
ولاح العدل في حلل الضياء
بيمن ألبس الأيام نورا
يديل من الشدائد بالرخاء
وأحكاما بثثن العدل حتى
تقاسمها الأباعد بالسواء
وأخلاقا خلقن من التمني
فلاقت كل هم بالشفاء
فهن الماء في صفو ولين
وسوغ وهي نار في الذكاء
فما بالنفس عنها من تناه
ولا بالسر عنها من خفاء
فكم جليت من نظر جلي
قرأت به أساطير الدهاء
وكم أوريت من زند ثقوب
أراك سراجه عيب الرياء
وكم أحييت من ناء غريب
فقيد الأهل منبت الإخاء
وكم نفست كربة مستكن
تأخر عنه نصر الأولياء
وكم جليت من خطب جليل
وكم داويت من داء عياء
ولا كبني سبيل شردتهم
عن الأوطان قاضية القضاء
عواصف فتنة غمت بغيم
بوارقه سيوف الإعتداء
فأصقعهم براعدة المنايا
وأمطرهم شآبيب الفناء
وطاف عليهم طوفان روع
أفاض بهم إلى القفر الفضاء
سهام نوى إلى بر وبحر
وأغراض لنشاب البلاء
سروا فشروا بأفياء ضواف
فيافي لا يقين من الضحاء
وحمر الموت من خضر المغاني
وسود البيد من بيض الملاء
ومن كلل الستور كلال خوص
وعدنهم النجاة على النجاء
وقد جدعت أنوف العز منهم
خطوب سمنهم أنف الإباء
وألبسهم ثياب الذل خطب
يليهم في ثياب الكبرياء
وألحقهم بلج البحر سيل
يمد مدوده فيض الدماء
فوشكا ما هوى بهم هواء
تألفهم بأفئدة هواء
وحال الموج دون بني سبيل
يطير بهم إلى الغول ابن ماء
أغر له جناح من صباح
يرفرف فوق جنح من مساء
يذكرهم زفيف الريح فيه
تناوحها بربعهم الخلاء
ومحو الماء ما يختط فيه
ديارا خلفوها للعفاء
وصك الموج فيها كل وجه
وجوها ساورتهم بالجفاء
وعدمهم صفاء الماء منه
بعدمهم لإخوان الصفاء
بحيث تبدلوا باللهو هولا
ورحب الماء من رحب الفناء
ومن قصف وراح قصف ريح
ومن لعب الهوى لعب الهواء
كأن البر والبحر استطارا
تجارا همهم بعد الثناء
يبيعون الرغائب بيع بخس
ويشرون المصائب بالغلاء
ولكن البضائع من هموم
علت بالربح فيهم والنماء
فكم طلبوا الأماني بالأماني
وكم باعوا السعادة بالشقاء
وكم فاضت مدامعهم فمدت
عباب البحر بالماء الرواء
وقد وفدت جوانحهم بشجو
ينادي الشمس حي على الصلاء
وكم خاضوا كهمهم بحورا
وكم عدموا الثرى عدم الثراء
وجاء الموت مقتضيا نفوسا
لوت بقضائهن يد القضاء
وما رد الردى عنها حنانا
ولكن مطل داء بالدواء
فلأيا ما أهل بهم بشير
إلى أرض تخيل في سماء
ولأيا ما تجافى اليم عنهم
تجافيه عن الزبد الجفاء
ويا عجب الليالي أي بحر
تغلغل بين أثناء الغثاء
ومن يسمع بأن نجوم ليل
هوت مع بدرها فهم أولاء
وأخطأ سيرهم أفق ابن يحيى
ليخطئ علمهم بالكيمياء
وكم سرت الرفاق بلا دليل
إليه والمطي بلا حداء
وكم وقيت ركاب يممته
سهام النائبات بلا وقاء
فما شربوا مياه الأرض حتى
تركن وجوههم من غير ماء
ولا نشقوا حياة العيش إلا
وقد خلعوا جلابيب الحياء
ولا جابوا إليه القفر حتى
تجاوبت الحمائم بالبكاء
ولا دل الزمان عليه حتى
حسبت عداي قد ماتوا بدائي
ولا ألقوا عصا التسيار حتى
عفت حلق البطان من اللقاء
ولا بلغوا مناخ العيس إلا
وفي الحلقوم بالغة الذماء
وفي رب العباد عزاء عز
لذل غاله عز العزاء
وفي المنصور مأوى وانتصار
لمنبوذ الوسائل بالعراء
وفي قاضي القضاة قضاء حق
لمن يرعاهم راعي الرعاء
أبو الحكم الذي ألقت يداه
إليك الحكم في دان وناء
وإنك منه في عدل وفضل
على أمد البعاد أو الثواء
مكان الفجر أشرق من ذكاء
تألقه وأعرب عن ذكاء
وإن يك قدوة الكرماء جودا
فإنك بالمكارم ذو اقتداء
وإن أحب ما تقضي إليه
لمن آواهم حكم الحباء
وأنت بسمع رأفته سميع
لهم وبعينه في العطف راء
فإن لحظوك من طرف خفي
فقد نادوك من برح الخفاء
لدين لا يدين به لنبع
وأغصان مشذبة اللحاء
ودينهم على الإسلام أولى
ومال الله أوسع للأداء
هو الحق الذي جاءتك فيه
شهود العدل من رب السماء
وما في لحظ طرفك من نبو
ولا في نور رأيك من هباء
فهل ببراءة والحشر ريب
يبين بالنفار أو الجلاء
وإن تزدد فثانية المثاني
وإن تزدد فرابعة النساء
وهل بعد الأسارى والسبايا
مكان للفكاك أو الفداء
وقد قالوا افتقار أو إسار
كما قالوا الجلاء من السباء
وهل بالبحر من ظمإ فيروى
صداه بغير أكباد ظماء
وما في وعد رب العرش خلف
بما للمحسنين من الجزاء
ومن يرغب بقاء العدل يسأل
لك الرحمن طولا في البقاء
وأية حرة من حر نظمي
تجلت للخلائق في جلاء
هدية واصل وهدي كفء
إلى كفء الهدايا والهداء
متوجة بتاج من ودادي
مقلدة بدر من ثنائي
............
..........
............
..........