بدر وشمس ولدا كوكبا

بدرٌ وشمس وَلَدَا كوكبا

​بدرٌ وشمس وَلَدَا كوكبا​ المؤلف ابن الرومي


بدرٌ وشمس وَلَدَا كوكبا
أقسمتُ باللَّه لقد أنجبا
ثلاثةٌ تُشرقُ أنوارُها
لا بُدِّلتْ من مَشرقٍ مَغربا
بدرٌ وشمس أبَوَا مُشتَرٍ
ما نازعتْ شَرْواهُ أمٌّ أبا
قد قلتُ إذ بُشِّرتُ بالمُشتري
قولَ امرىءٍ لم يَخْشَ أن يُكذَبا
يا آل بِشرٍ أبشروا كلّكُمْ
فقد وَلَدْتُمْ مَطلباً مهرَبا
تبارك اللَّهُ وسبحانَهُ
أيَّ شهابٍ منكُمْ أثقبا
إن طابَ أو طِبْتُمْ فما أَبعدتْ
فروعُ مجدٍ أَشبهتْ منصبا
ولا عجيبٌ لا ولا منْكَرٌ
أن تلِدوا الأَطْيَبَ فالأطيبا
أصبحتُم واللَّهُ يُبقيكُمُ
مُنجَعَ الحُرِّ إذا أجدبا
مهما انتقصناهُ إذا زدتُمُ
منْ نِعَمِ اللَّهِ فلن يُحْسَبا
أنتم أناسٌ بأياديكُمُ
يَستغفرُ الدهرُ إذا أذنبا
فلْيشكرِ الدهرُ لكم إِنّهُ
أرضَى بكم من بعدما أغضبا
إذا جَنى الدهرُ على أهلِهِ
وزاد في عِدَّتِكُم أَعتُبا
إنَّ أبا العباس إلاَّ يكُنْ
أَرَّخَ بالفُلجِ فقد شَبّبا
قد بيَّضَ الأوجُه بابنٍ لَهُ
قالتْ له آمالُنا مرحبا
وذاك مِفتاحٌ لإقبالِكُمْ
كذا قضى اللَّهُ ولن يُغْلَبا
وقد تفاءلتُ له زاجراً
كُنيتَهُ لا زاجراً ثعلباً
إني تأملتُ لَهُ كُنيةً
إذا بدا مقلوبُها أعجبا
يصوغها العكسُ أبا سابعٍ
وذاك فأَلٌ لم يعد مَعْطبا
بل ذاك فألٌ صامنٌ سبعةً
مثل الصقور استشرفت أرنبا
يأتون من صلبِ فتىً ماجدٍ
لا كذَّب اللَّهُ ولا خيبا
وقد أتاه منهمُ واحدٌ
فلينتظرْ ستةً غُيَّبا
في مدةٍ تعمُرها نعمة
يجعلها اللَّه له تُرْتُبا
حتى نراهُ جاساً بينهم
أجلَّ من رَضوى ومن كَبْكَبا
كالبدرِ وافى الأرضَ في نُورِهِ
بين نجومٍ سبعةٍ فاحتبى
يُعدي على الدهر إذا ما اعتدى
ويؤمنُ الناسَ إذا استرهبا
وليشكرِ الناجمُ عن هذه
فإنها من بعضِ ما بوَّبا
أسدَى وألحمتُ أخٌ لم أزل
أحمدُ ما سدَّى وما سبَّبا
واسعدْ أبا العباس مُستوهِباً
من ملكٍ أعطاهُ ما استوهبا
عَمِرتَ والمولودَ حتى ترى
أولادَهُ خلفكُما موكبا
من فتيةٍ مثلِ أسودِ الشّرى
وصبيةٍ تحسبُهُمْ ربربا
دونكموها يا بني مَرثدٍ
لا تعدَموا أمثالَها مكسبا
يا رُبَّ جِدٍّ لكم في العلى
قد جعل المالَ لكم ملعبا
لا سَلَبَ اللَّهُ سرابيلَكُمْ
من هذه النُّعمى ولن تُسلبا
وادَّرِعوا من عُرْفكم جُنّةً
تَفُلُّ نابَ الدهرِ والمِخلبا
قلتُ لباغيكم وراجيكُم
ما أبعدَ الغيثَ وما أقربا
سما فأعلى عن يدٍ ملمساً
منه وأدنَى من فمٍ مشربا
كم سبسبٍ جابَ مديحٌ لكم
ما جاب من إحسانكم سبسبا
بل خاض روضاً بين غدرانِهِ
يُرضيه إن صعَّد أو صَوَّبا
قد قلتُ قولاً فيكُم مُعْجباً
أن لم أكنْ ذا حُمُقٍ مُعجبا
قَلَّلتُهُ فيكم وهذَّبتُهُ
عمداً وما قلَّلَ من هذَّبا
ومثلُكُمْ خُصَّ بأمثالِهِ
ومثلُكُمْ عن مثلِهِ ثَوَّبا
وَلي لديكم صاحبٌ فاضلٌ
أُحِبُّ أن يُرعى وأن يُصحبا
مبارَكُ الطائرِ ميمونُهُ
حدَّثني عن ذاك من جرّبا
بل عندكم من يُمنهِ شاهدٌ
قد أفصحَ القولَ وقد أعربا
جاء فجاءت معه غُرَّةٌ
يُقَبِّلُ الناسُ بها كوكبا
يا حبذا بُشرى ابنُ عمَّارِكُمْ
ما أحسن العُقبى التي أعقبا
كان بشيراً بفتىً منكُمْ
بل بربيعٍ منكُم أَخْصبا
وما أرى اللَّه امرأً وجهَهُ
إلا أراهُ ولداً طيّبا
قلت لحُسَّادٍ له أَلهِبوا
أو أطفئوا جمرَكُم الملهبا
إن أبا العباس مستصحِبٌ
يَرضى أبا العباس مُستصحَبا
لكنّ في الشيخ عُزَيريةً
قد تركَتْهُ شَرساً مُشغبا
فاشددْ أبا العباس كفاً بهِ
فقد ثَقفتَ المخْطَبَ المِحرَبا
كلِّم به مُلِّيتَهُ مِقْولاً
وازحَمْ به مُلّئته مَنْكِبا
حاول به أمرأ وقلِّب به
أمراً تجده حُوَّلاً قُلَّبا
باقِعَةً إن أنت خاطبتَهُ
أَعرَبَ أو فاكهتَهُ أغربا
يصلح للجدِّ وما هَزْلُهُ
بدون ما يُحظى وما يُجتبى
أدَّبَهُ الدهْرُ بتصريفهِ
فأحسنَ التأديبَ إذ أدَّبا
وظرفُهُ نُورٌ لآدابِهِ
إذ لم ينوِّرْ كلُّ مَنْ أعشبا
تُقصِّرُ الدهرَ أحاديثُهُ
وتُعجِبُ الأمردَ والأشيبا
وقد غدا يشكُر نُعماكُمُ
في كلِّ وادٍ موجِزاً مطنبا
ولم يحاولْ مُستزادي له
ولم يجِد في فعلكم مَعْتبا
لكن بدأتُ القولَ مستوهباً
فيه لحسنِ الرأي مُستَجلِبا
صُونوهُ لي واوعَوهُ لي واملأُوا
يديه لي لا بل بما استوجَبا
ذاك نصيبي من عطاياكُمُ
إن حكَم الحقُّ بأن أُنصَبا
دع ذا وجاوزْهُ إلى غيرِهِ
يا أكرمَ السادةِ مُستعتَبا
كم موعدٍ منك وكم موعد
أَكدى ولستَ البارقَ الخُلَّبَا
أأمستِ الحيتانُ في ذمّةٍ
أم أصبحتْ من يَمِّها هُرَّبا
حظي من الأسبوع لا تَنْسَهُ
ولا يكونَنْ سهميَ الأخيبا
لا يُخطئنِّي منك لَوزينَجٌ
إذا بدا أعجبَ أو عجّبا
لم تُغلِق الشهوةُ أبوابَها
إلا أبتْ زُلفاهُ أن يُحجَبا
لو شاء أن يذهب في صخرةٍ
لسهَّل الطِّيب لَهُ مذهبا
يدور بالنفخةِ في جامِهِ
دَوْراً ترى الدُّهنَ له لولبا
عاونَ فيه منظرٌ مخبراً
مستحسَنٌ ساعَد مُستعذبا
كالحَسَن المُحسِنِ في شَدوهِ
تمَّ فأضحى مَطرباً مَضرَبا
مُستكثَفُ الحشوِ ولكنهُ
أرقٌّ قشْراً من نسيم الصَّبا
كأنما قُدَّتْ جلابيبُه
من أعينِ القطرِ الذي قُبّبا
يُخالُ من رِقّةِ خرشائِه
شاركَ في الأجنحة الجُنْدَبا
لو أنه صُوِّرَ من خُبزِهِ
ثغرٌ لكان الواضحَ الأشنبا
من كل بيضاءَ يُحبُّ الفتى
أن يجعلَ الكفَّ لها مركبا
مدهونةٍ زرقاءَ مدفونةٍ
شهباءَ تحكي الأزرق الأشهبا
مَلَذُّ عينٍ وفمٍ حُسِّنتْ
وطُيِّبتْ حتى صبا من صبا
ذِيقَ لها اللوزُ فلا مُرَّةٌ
مرّتْ على الذائق إلا أبى
وانتقدَ السُّكَّرَ نُقَّادُهُ
وشاوروا في نقده المُذهبا
فلا إذا العينُ رأتها نَبَتْ
ولا إذا الضِّرس علاها نبا
لا تُنكروا الإدلالَ من وامقٍ
وجَّهَ تلقاءكُمُ المطلبا
إنِّي تسحبتُ على طَوْلكم
بَدءاً فما استخشَنْتُه مَسحبا
فليُنصفِ الوُدَّ فتىً ماجدٌ
أضحى التقاضي معه متعبا
كأنه لم يدرِ أنَّ العلا
تُزْري على العُرف إذا أنصبا
يا رُبَّ معروفٍ له قيمةٌ
كُدِّرَ صافيهِ بأنْ يُطلبا
تَبَرُّعُ التحفةِ زَيْنٌ لها
وعيبُها الفاحشُ أن تُخْطبا
وعزةُ المعروف في ذُلِّه
وذلةُ العُرف إذا استَصْعَبَا