بسم الثغر في محيا الوادي

بسم الثغر في محيا الوادي

​بسم الثغر في محيا الوادي​ المؤلف جبران خليل جبران


بسم الثغر في محيا الوادي
لك يا ابن الأعزة الأجواد
وتجلت ذكاء توقد زينات
أفانين في الرياض النوادي
وعلت نغمة السرور ورقت
جأرات الخضم ذي الإزباد
وعلى إكليل العروسين قد بارك
فاد إكليله من قتاد
فأعاد النوار أبهج نبت
ضاحك النور في دموع الغوادي
والمصابيح في البخور كأطيار
عكوف جماعة وبداد
أو أزاهير في قوارير من
شبه الجنان المعلقات بوادي
والتهاليل والمعازف تشجي
بضروب الإيقاع والإنشاد
نغمات تزودت كل نفس
من صداها للعمر أطيب زاد
حبذا في الصروح صرح مشيد
لعميم القرى كثير الرماد
حسنات الفنون جمعن فيه
من تؤام محبب وفراد
مبدعات توافر الذوق فيها
بل تناهى في كل شيء مجاد
ظبيات في نمرق رائعات
ورياض نضر من السجاد
أتقنتها أيدي الصناعات
ليس فيها الإتقان بالمستزاد
حبذا في رحابه وذراه
زينة العيد أبهج الأعياد
وتلاقي أولي الإمارات عقلا
ونجارا وثروة في احتشاد
علية القوم بينها في طواف
ما تشاء المنى وفي ترداد
وردوا من عيون تلك المعاني
ما شفى غلة النفوس الصوادي
وأصابوا لحسهم ما استطابوا
من هنيء ومن مريء براد
وتساقوا عتيقة بنت رق
لم تبعها الأسواق بيع كساد
شربوها وكلهم مستعيد
من عهود ما ليس بالمستعاد
فإذا الفجر بازع من دجاها
وإذا الأنس بعد أن راح غادي
كل آيات نبلها صادرات
عن تمام الحجى ورفق الفؤاد
يا سليل الكرام من عنصر يرجع
في جاهه إلى آماد
وأديبا بين السراة غريبا
جاء في جيله من الأفراد
ومجيدا فن السماع اتباعا
وابتداعا على أجل المبادي
فإذا ما استوحى فنثر الشواكي
في أغاريده ونظم الشوادي
قر عينا بفضل ربك واقرأ
سورة البشر في وجوه العباد
وتلق العروس يوفدها الخدر
إلى القصر أيما إيفاد
غاية في الجمال بورك فيها
لك زوجا وآية في الرشاد
أدب رائع وعلم وفير
وحديث عذب ولطف بادي
وحياء في عزة في احتشام
من أبيها وأمها مستفاد
إن يوم الوصال هذا لوعد
كان بين الروحين قبل الولاد
سر ما سر من قلوب وأجلى
عن سماء الصفاء كل اربداد
وأتم النعماء أن كان فيه
مثل حظ السراة حظ السواد
كيف تحظى بالنور عين إذا لم
يتكامل بياضها بالسواد
ما كثير الإحسان إلا قليل
في تفادي الأذى ورد نآدا
وببعض الإصلاح من شأن عاف
يتقى طائل من الإفساد
ذلكم ما به يجيب نجيب
أبدا داعي الضمير المنادي
هل نجيب وقد ندا الناس إلا
من له حيث كان صدر النادي
وله في التجلة الرتبة العليا
ويزداد قدرها بالوداد
هو في القوم واحد بعلاه
جاء في فترة من الآحاد
ذو مقام بنفسه وكثيرا
ما يكون المقام بالإسناد
عرفت قدره البلاد فأعلت
قدره فوق مطمع الأنداد
أدب يلبس الملامات ظرفا
إن يقلها في معرض الإرشاد
همة لا يعوقها عن مداها
عائق من تردد أو تفادي
والأماني ليس تدرك وثبا
بل بعزم لا ينثني واطراد
أتراني أحصي مزايا نجيب
وهي تعصي التقييد بالتعداد
مبدع في طرائق النبل هل
أبديء فضل ولم يكن بالبادي
صادق الوعد صدق حر ولكن
قد يرى وهو مخلف الإيعاد
وله في سياسة الناس وحي
شف عن رأي حاذق نقاد
ربما خلت أنه مستشاط
غضبا وهو ساكن الطبع هادي
رب لحظ من ناعم الظفر فيه
سطوة لا تكون في الآساد
رب قول يخافت الصوت فيه
واقع فوق موقع الإرغاد
رب رأي أنال ما لم ينله
بطش غاز بعسكر وعتاد
طالب الصعب والنصير نجيب
ليس تعدوه عن نجاح عوادي
كل آو إلى نجيب فقد لاذ
بركن الندى وحصن الذياد
كل علم وكل فن مصيب
في ذراه حظا من الإمداد
وله في النوال مبتكرات
شملت كل ناطق بالضاد
إن بالشرق روضة من بيان
برزت من حلاه في أبراد
أي شيء أشهى إلى النفس من
إنصات أطيارها وفياض شادي
خير فخر لأمة ذات مجد
فخرها بالأكارم الأمجاد
أي باق في صفحة الحمد أبقى
من مساع خلدتها وأياد
يوم تصلى ممالك الأرض حربا
ويغطى وجه الثرى بجساد
ويئن الشآم تحت كروب
شاملات الأغوار والأنجاد
يا لها نكبة بقومي حلت
أرهقتهم في مدنهم والبوادي
كلما جد ما يصورها لي
أو يداني ذكرتها بارتعاد
فاق فيها بشدة كل يوم
ما حكوا عن سبع السنين النداد
كل حال أحالها الذعر حتى
أنكرت أخرياتهن المبادي
فعل الجوع في النفوس فعالا
عاد منها الأحرار كالأوغاد
لهف نفسي على ألوف توفوا
من جياع النساء والأولاد
ورجال دكوا لفرط هزال
وهم قبل ذاك كالأطواد
ما نجا غير من تدارك منهم
في خفاء ندى همام جواد
ففداهم من المنون وكانوا
بين أيدي المنون أكرم فادي
وأقال الأعراض من عثرات
مستعان ما ضن بالإنجاد
يا بلادي هل في العناء كما عانيته
من ضروب الاستعباد
أي تعس كتعس دار عليها
يتوالى الفساد بعد الفساد
كل جيش إن قام فيها بدعوى
رد عاد أقام عذرا لعادي
أو أتى ظافرا فيا نكر شكر
يتقاضاه ظافر الأجناد
إذ تولى قياد قوم لحين
ثم ألقى لخصمه بالقياد
عد عما تجد أدهار ذل
في نفوس من سوء الاستعداد
في بلاد كن الأوائل عمرانا
وعزا فصرن في الأبلاد
تر ما جره على وحدة القوم
انفكاك العرى من الأحقاد
أبهذا الشتات في كل شيء
يجمعون القوى لصد أعادي
أم يرون البناء أن يتباهوا
ببناء الآباء من عهد عاد
تلك حال وقد رآها نجيب
دارك الجرح بالأسا والضماد
وله في الذماء أي رجاء
وله بالبقاء أي اعتداد
من لنا أن نرى تحقق حلم
ليس بابن الكرى بل ابن السهاد
أمة عند ظننا تتآخى
وقلوب كهمنا في اتحاد
عل يوما ولا يكون بعيدا
يلتقي والمنى على ميعاد
فيعز الله البلاد ويقضي
لأعزائها بنجح المراد
يا صديقي ما قلته فيك حق
وعلى الحق ما حييت اعتمادي
قلته عن صداقة وإذا آياتك
ازددن فهو رهن ازدياد
وأنا لا أحب في المرء إلا
ما له عند قومه من أيادي
ليس لي مطمع ولا لي دين
غير هذا لمبدإ أو معاد