بقية مجد ودعت يوم ودعا
بِقِيَّةَ مَجدٍ وُدِّعتْ يَومَ وُدّعا
بِقِيَّةَ مَجدٍ وُدِّعتْ يَومَ وُدّعا
وَآمالُ عِزٍّ آنَ أَن تَتَقَطَّعا
وَلَم تَنعَهُ الأَيّامُ إِلّا وَأَدمَجَت
مِنَ الشِرقِ شَطراً في مُنيَتِهِ مَعا
لَقَد جادَنا نَوءُ الزَمانِ مَصائِباً
يَلوحُ لَنا أَنَّ مُزنَها لَيسَ مُقَطَّعا
وَسُبحانَ مَن ساقَ الرَدى بِوُجوهِهِ
فَلَقى لَعَمري الجَمعَ وَالفَردَ مَصرَعا
إِذا شَنَّ جَيشُ النَحسِ في القَومِ غارَةً
فَما أَجدَرُ الأَرزاءِ أَن تَتَنَوَّعا
وَما كُنتُ حَتّى اليَومَ أَحسَبُ دَهرَنا
إِذا ساءَ لا يَرتادُ لِلعُذرِ مَوضِعا
أَلَم يَكفِهِ ما غالَ مِن كُلِّ غايَةٍ
وَأَفسَدَ مِن مَعنى وَعَطَلَ مَرجِعا
وَضيقُ الخَطبِ وَليَفدَحَ الأَسى
وَتَنقَلِبُ العُليا بِمارِنٍ أَجدَعا
أَجَلَّ وَيُجَلّي الدَهرُ النَوادِبُ عَبرَتي
عَلَيَّ فائَت وَليَنعَ دَهرُكَ مَن نَعى
فَهَيهاتَ ما إِن أَسطارٍ لِفاجِعٍ
إِذا كانَ مَن أَودى الأَمينَ المُشَيَّعا
أَحِبَّتَنا إِن قيلَ في الصَبرِ رُجلَةً
فَإِنّي فَتى أَبغي أَنوحُ وَأجَزَعا
تَرَكتُ لَكُم فَضلِ التَصَبُّرِ صَبرَةً
وَقُلتُ لِطَرفي اليَومَ لا تَألُ مَدمَعا
وَشَعشَعَ كُؤوسَ الدَمعِ بِالدَمِ ساقِياً
فَكُلُّ شَرابٍ زينُهُ أَن يُشَعشَعا
وَاِعتَدُّها نَحوَ الأَمينِ خِيانَةً
إِذا أَنا لَم أَشتَفَّ كاسَكَ مَترَعا
فَما كانَ وُدّي لِلأَعِزَّةِ ضائِعاً
وَما كانَ قَلبي مِن أَخي الوُدِّ بَلقَعا
حَمَلتُ لَهُ بَينَ الضُلوعِ أَمانَةً
لَو اِحتَمَلتُها الشَمُّ مالَت تَصدَعا
وَأَصفَيتُهُ مِنّي إِخاءَ لَو أَنَّهُ
أَعارَ اللَيالي صَفوَهُ رُقنَ مَشرَعا
وَما زِلتُ أَرعاهُ عَلى البُعدِ صاحِباً
وَقَبلي نُجومُ الأُفقِ مِثلِيَ مَن رَعى
فَإِن يَكُ هَذا التُربُ غَرَّبَ بَدرَهُ
فَلا زَهَرَت تِلكَ الكَواكِبُ مَطلَعا
وَلا لَمَعَت تِلكَ البُروقُ وَقَد خَبَت
بُروقُ أَمانٍ كُنَّ بِالأَمسِ لَمَّعا
أَما في دُجى الخَطبِ المُخَيِّمِ حاجِبٌ
لِكُلِّ مُنيرٍ أَن يُضيءَ وَيَسطَعا
قَضى اليَومَ مَن راعَ البَرِيَّةَ رُزؤَهُ
وَلَيسَ يُراعُ الناسُ إِلّا لِأَروَعا
وَلَم يَأتِ فيهِ المَوتُ مَصرَعَ واحِدٍ
وَلَكِنَّهُ كانَ المَصارِعُ أَجمَعا
أَصابَ الحِجى وَالعِلمَ وَالحَزمَ وَالمَضا
وَصَدَّقَ المَبادي وَالذِمامِ المُمَنَّعا
وَما بَقِيَت في المَكرُماتِ سَجِيَّةً
وَلا خُطَّةً إِلّا ثَوَت مَعَهُ مَضجَعا
فَلَو نَفَعَت عِندَ المَنونِ شَفاعَةً
كَفَتهُ فَريداتُ الخِصالِ مُشَفَّعا
وَدافَعَ عَن حَوبائِهِ طَيِّبُ الثَنا
وَخَلَّدَهُ لَو أَنَّ في الخُلدِ مَطمَعا
وَلَكِنداعي المَوتِ لا يَقبَلُ الرُشى
وَأَنفَسَ مِنهُ لَيسَ يَلقى وَأَرفَعا
تَصَيَّدَهُ عَن ساعِدِ الغَدرِ فَجأَةً
فَكانَ كَرَجعِ الطَرفَ أَو كانَ أَسرَعا
مُصابٌ لَهُ الأَقطارُ إِذ شاعَ زَلزَلَت
فَلا رُكنٌ لِلعَلياءِ إِلّا تَزَعزَعا
أَذَلَّ إِباءَ الدَمعِ مِن كُلِّ جامِدٍ
فَلَم يَبقَ عاصٍ مِنهُ إِلّا تَطَوَّعا
وَلَم أَرَ في الأَرزاءِ أَبعَدَ غارَةٍ
وَلا مِن قُلوبِ الخَلقِ أَقرَبَ مَوقِعا
عَشِيَّةَ لا في الناسِ مالِكُ عَبرَةٍ
وَلا زَفَراتِ الصَدرِ إِلّا تَصَنُّعا
عَشِيَّةَ آبِ الناسِ سُكري وَإِنَّما
بِما لَم يَكُن يَوماً لَهُ الكَرَمُ مَنبَعا
عَشِيَّةَ لَم تُبقِ الفَجيعَةِ مُسكَةً
وَلا حَزَمَ لِلمَحزونِ إِلّا مُضَيَّعا
عَشِيَّةَ وارى الناسَ شَمساً وَأَظلَمَت
لَها الشَمسُ حَتّى لا تَرُدَّ بِيوشَعا
وَقيلَ أَمينُ المَجدِ تَدُقُّ بِأُختِها
وَكَم شِفَةً باتَت تُجاوِرُ أُصبَعا
فَإِن يَكُ وادي النَيلِ أَشعِر فَقدَهُ
فَلا جَبَلٌ في الشامِ إِلّا تَضَعضَعا
كَريمٌ بِهِ لَفظَ الكَريمِ مُقصِرٌ
إِذا قيلَ عَن قَومٍ كِرامٍ تَوَسُّعا
تَوَخّى طَريقُ الخَيرِ مَحَضّاً كَأَنَّهُ
مِنَ المَهدِ حَتّى اللَحدِ جاءَ لِيَنفَعا
لَهُ خَلقٌ سَهلٌ وَنَفسٌ أَبِيَّةٌ
وَحَسُنَ خِلالَ دَونِها الرَوضُ مِمرَعا
وَأَقلامُ صِدقٍ راجِعٌ في وَلائِها
لِأَكتُبَ مَن أوتي الكِتابَ وَأَبرَعا
وَمِن بَعدِ عَبدِ اللَهِ كانَ مُؤَمَّلاً
بِأَن لَم يَغِب ذا الأَصلُ إِلّا وَفَرَّعا
فَما زالَ حَتّى أَتبَعَ الفَرعَ أَصلَهُ
زَمانٌ لِتَنقادَ الكِرامَ تَتبَعا
وَما زالَ فَقَدَ البَدرَ لِلناسِ موجِعا
وَفي اللَيلَةِ الدَهماءِ أَنكى وَأَوجَعا
فَإِن تَطوِهِ أَيدي المَنونِ فَما طَوى
كُرورُ اللَيالي ذِكرُهُ المُتَضَوِّعا
وَإشن تَكُنِ الأَكفانُ بيضاً نَواصِعاً
فَإِنَّ لَهُ مِن أَبيَضِ الذِكرِ أَنصَعا
أَلا في ذِمامِ اللَهِ سَيرَكَ إِنَّهُ
مُسَيَّرُ فَتى ماضٍ أَغذَ وَأَوضَعا
سَبَقَت إِلى حَوضٍ كَأَنَّهُ ناهِلٌ
عَلى نَكظٍ خافَ الزِحامَ فَأَهرَعا
وَنازَلتَ قَرنَ المَوتِ لا مُتَهَيِّباً
وَحَسبُكَ أَلفاظُ الشَهادَةِ أَدرَعا
أُناديكَ لا راجي الجَوابَ فَقَد مَضى
وَيا لَهفَ قَلبي أَن أَقولَ وَتَسمَعا
أَخلَفتَ ثَغراً بَعدَ بُعدِكَ باسِماً
وَطَرفاً تَمَنّى أَن يَنامَ وَيَهجَعا
وَلَو ساكِناتِ الأَيكطِ يَعمَلنَ مَن ثَوى
لِما نَحنُ إِلّا في رِثائِكَ سَجَّعا
رَجَوناكَ لِلأَوطانِ أَحوَجَ ما غَدَت
إِلى مَن يَرقيها وَأَوحَشَ أَربُعا
فَلَم تَسمَحِ الدُنيا وَلَم نَعلَمِ الوَفا
وَلَم تَرَ إِلّا أَن تَغَرَّ وَتَخدَعا
وَما هَذِهِ الدارُ الَّتي لِفِنائِها
يُشُّ وَيَهوى أَن يُمالَ وَيَنزَعا
مَتاعٌ قَليلٌ ثُمَّ مَأوى لِحَفرَةٍ
فَماذا عَسى الإِنسانُ أَن يَتَمَتَّعا