بكر الندى وترفع السدف

بَكرَ النَدى وترفعَ السدَفُ

​بَكرَ النَدى وترفعَ السدَفُ​ المؤلف محمود سامي البارودي


بَكرَ النَدى، وترفعَ السدَفُ
وَأَتَتْ وُفُودُ اللَّهْوِ تَخْتَلِفُ
وَدَعَتْ إِلَى شُرْبِ الصَّبُوحِ وقَدْ
رَقَّ الظَّلامُ حَمائمٌ هتفُ
فانهَض على قَدمِ الربيعِ، فَما
فى نَيلِ أيَّامِ الصبا سَرَفُ
وانظُر، فَثمَّ غَمامةٌ أنفٌ
تُولِى الجميلَ وروضةٌ أُنفُ
زَهْرٌ يَرفُّ عَلَى كَمَائِمِهِ
وَنَدًى يَشِفُّ، وَمُزْنَةٌ تَكِفُ
فالطَّلُ مُنتثِرٌ، ومُنتظِمٌ
وَالْغُصْنُ مُفْتَرِقٌ، وَمُؤْتَلِفُ
والروضُ يَرفلُ فى مُعصفرةٍ
بِالزَّهْرِ لِلأَبْصَارِ تَخْتَطِفُ
عُنِىَ الرَبيعُ بِنَسجِ بُردَتِها
إِنَّ الرَّبِيعَ لَصَانِعٌ ثَقِفُ
لاَ شَيْءَ أَحْسَنُ مِنْ بُلَهْنِيَةٍ
فى العيشِ قَلَّدَ جيدَها الشَغَفُ
وعَصابةٍ غلبَ الكمالُ على
أخلاقِهِم وغذاهمُ التَرفُ
نازعتُهُم طَرَفَ الحديثِ وقد
جَرَتِ الكؤوسُ بِنا، فما اختلفوا
قَلْبِي بِهِمْ كَلِفٌ، وَنَاظِرَتِي
عن حُسنهم تاللهِ تَنحَرِفُ
فَمحبَّتى لَهمُ كما عَرفوا
صِدْقٌ، وَوجْدِي فَوْقَ مَا أَصِفُ
للهِ أيَّامٌ بِهِم سَلَفت
لَو أنَّها بِالوصلِ تؤتنفُ
إِذْ لِمَّتِي فَيْنَانَةٌ، وَيَدِي
فوقَ الأَكُفِّ، وقامَتى ألِفُ
أجرِى على إثرِ الشبابِ، ولا
يَمْشِي إِلَى سَاحَاتِيَ الْجَنَفُ
ضَافي الْغَدِيرَةِ، عَارِمٌ شَرِسٌ
صَعْبُ الْمَرِيرَةِ، سَادِرٌ أَنِفُ
إِنْ سِرْتُ سَارَ النَّاسُ لِي تَبَعاً
وَإِذَا وَقَفْتُ لِحَاجَةٍ وَقَفُوا
فَالآنَ أصْبحُ طائِرِى وَقِعٌ
بَعْدَ السُمُوِ وَصَبْوَتى أَسَفُ
وَغَدَوْتُ بَعْدَ الْكِبْرِياءِ عَلَى
كُلَّ الْوَرَى بِالْعَجْزِ أَعْتَرِفُ
وَكَذَلِكَ الأَيَّامُ، آخِرُها
بَعْدَ الشَبَابِ الضَعْفُ وَالخَرَفُ
وَالْمَرْءُ مَهْمَا طَالَ طَائِلُهُ
يَوْماً لِصَائِبَةِ الرَّدَى هَدَفُ
فَلَبِئْسَ مَا قَدِمَ الْمَشِيبُ بِهِ
وَلَنِعْمَ مَا وَلَّى بِهِ السَّلَفُ