بكيت الديار وأطلالها

بكيتُ الدّيارَ وأطلالها

​بكيتُ الدّيارَ وأطلالها​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


بكيتُ الدّيارَ وأطلالها
وقد بدَّلَ البينُ تمثالها
وأخنى عليها خطوبُ الزمان
فما خالَها تلك مَن خالِها
وفي مهجتي للجوى لوعةٌ
تُقَطِّع بالوَجْد أوصالها
لقد سوَّلَتْ ليَ سَيْلَ الدموع
فما قلتُ يومئذٍ ما لها
تذكّرتُ عصرَ الصبا والهوى
يهيّجُ للنفس بلبابها
وما اختلس الدهر من لذَّةٍ
لعهدَ الصبابة وکغتالها
زمانٌ أُعاقِرُ فيه العقار
وأَعصي بِلَهْويَ عذّالها
وأمشي بها مرحاً تستميل
من السكر بالراح ميّالها
وكم غادةٍ في ليالي الوصال
جمعتُ مع القرط خلخالها
وما زلتُ أرشف من ريقها
لماها وأشربُ جريالها
لئنْ كان ريقك يحيي النفوس
فقد كان لحظك قتالها
وساقيةٍ عمَّها حسنها
بجنحِ دجىً قد حكى خالها
تديرُ النضار بكأس اللجين
فتحكي المصابيحَ سيّالها
كُمَيْتاً تجولُ بمضمارها
جاذرُ تصرعُ أبطالها
فيا طيب معسول ذاك اللمى
إذا هصرَ الصبُّ عسَّالها
ولستُ بناسٍ لها ما مضى
وإنْ كنتُ أعْمَلْتُ إهمالها
ليالي لم أبد تفصيلها
إذا أنا أبديتُ إجمالها
وأُبْتُ لمشبهة في المسير
زفيفَ النَّعامة أو رالها
كأنَّي تكلَّفتُ مسحاً بها
عروضَ البلاد وأطوالها
طويتُ القفار وخضتُ البحار
ورضتُ الخطوبَ وأهوالها
وجرَّبتُ أبناءَ هذا الزمان
وعرَّفني الدهرُ أحوالها
وإنّي لذاكَ الذي تعرفونَ
حَمَلْتُ المروءَة أثقالها
وإنْ قلَّ مافي يدي لك أكنْ
لأشكو من العصر إقلالها
وإنْ أنا أتربتُ فالمكرمات
تحدَّثُ بأنيَّ فعّالها
وحسبك من ذي يدٍ أصبحت
تطولُ ولا ذو يدٍ طالها
وإنْ أعْضَلَتْ مشكلاتُ الأمور
أزال وفسَّر إشكالها
وقافية من شرود الكلام
بأخبار سلمان قد قالها
وأرسلها مثلاً في الثناء
وخصَّ بمن شاء إرسالها
فتىً يقتفي إثْرَ آبائه
وحاكَتْ مزاياه أفعالها
تنال من الله نعمَ الثوابُ
وتُنْفِقُ لله أموالَها
تفجَّر من راحتيه النَّدى
وأَوْرَدَ من شاء سلسالها
من السّادة النجبِ الطاهرين
تزينُ العصور وأجيالها
لقَد طهَّر الله تلك الذوات
وأجرى على الخير أعمالها
بني الغوثِ غوث فحول الرجال
ـال إذا کشتَدّ بالناس ما هالها
وأفعالها في جميع الصَّنيع
من البرِّ تسبقُ أقوالها
فما زلتُ أذكر تفضيلها
وما زلت أشكر إفضالها
بكم يُستغاث إذا ما الخطوب
أهالت على الخلق أهوالها
فكنْتُم من الناس أقطابَها
وكنتمْ من الناس أبدالها
فلو حلتِ الأرض من مثلكم
لزُلْزِلَتِ الأرض زلزالها
أبا مصطفى أَنتَ صوبُ الغمام
ويا ربَّما فُقْتَ هطالها
وقد نَفَقَتْ فيك سُوق القريض
وكان نوالُك دَلاّلها
ولما بَلَغْتُ المنى في العُلى
وبَلَّغْتُ نَفسي آمالَها
أَتَتْك النقابة تسعى إليك
تجرُّ من التيه أذايالها
وأَلْقَتْ إليكَ مقاليدها
وأَبْدَتْ لعزّك إذلالها
وراثة آبائك الطاهرين
فما أحدٌ غيرهم نالها
عليكم وفيكم ومنكم نرى
وجوهَ السَّعادة إقبالها
إذا لم تكنْ أنتَ أهلاً لها
من الأنجبين فمن ذا لها
فقد نلتَ ما لم ينله سواك
فضائل نشكر أفضالها
كلامك يشفي صدور الرجال
ويرضي الملوكَ وعمّالها
وحيثُ أخلَّت بها خُلَّةٌ
سددتَ برأيك إخلالها
وكم يدٍ لك في الصالحات
سبقتَ من البرّ أمثالها
وإنْ أَغْلَقَتْ بابها المكرمات
فإنَّك تفتحُ أقفالها