بلوت هذا الدهر أطواره

بلوتُ هذا الدَّهرَ أطوارهُ

​بلوتُ هذا الدَّهرَ أطوارهُ​ المؤلف مهيار الديلمي


بلوتُ هذا الدَّهرَ أطوارهُ
علىَّ طوراً ومعي تارهْ
وبصَّرتني كيفَ أخلاقهُ
تجاربٌ كشَّفنَ أخبارهْ
فصرتُ لا أنكرُ أحلاءهُ
يوماً ولا أنكرُ أمرارهْ
لا هو أنْ شدَّ رأى كاهلي
رخواً ولا نفسي خوَّاره
ولا تصِّباني منْ سلمهِ
زخارفٌ للعينِ غرَّارهْ
منْ عاذري منهُ على أنَّني
ضرورةً أقبلُ أعذارهُ
دعهُ وبتْ منهُ على نجوةٍ
خائفةِ الرَّقبةِ حذَّارهُ
واسلمْ فما تسلمُ منْ جورهِ
إلاَّ إذا ما لمْ تكنْ جاره
تنقُّلي يا ركبَ العيسِ بي
منجدةً يوماً وغوَّاره
لا خطرَ الضِّيمُ ببالِ امرئٍ
وأنتِ بالبيداءِ خطَّارهُ
قدْ بنتِ البيداءُ بي جالساً
أرجو الأماني وهي غدَّاره
أظلمُ نفسي بينَ أبنائها
والنَّفسُ لا تظلمُ مختاره
ويطَّبيني وطنٌ تربهُ
مستعبدٌ يلفظُ أحراره
وكمْ ترى تسحرني بابلٌ
وبابلٌ بالطَّبعِ سحَّاره
إنْ كنتَ يا قلبي منِّي فلا
تخدعكَ منها هذه الشَّاره
أولى بمنْ تحملهُ قدرةً
فراقُ منْ تجهلُ مقداره
لا شمتُ بروقَ الهونِ في دوركمْ
والعزِّ في الأبرقِ والدَّاره
اللهُ لي منتصفٌ منْ أخٍ
يكيلني بالعرفِ إنكاره
يحمي لساني أبداً عرضهُ
ويبتغي في عرضي الغاره
أعفُّ عنْ جمَّتهِ مفعماً
تناهزُ الورَّادَ تيَّاره
ولا يراني ناسياً عهدهُ
إن غاضَ أو كابدَ إعساره
فليتهُ صانَ مكاني كما
صانَ على البذلةِ ديناره
لولا بنو أيَّوبَ لولاهمُ
ما وجدَ المظلومُ أنصاره
قومٌ إذا استنجدتهمْ لم أخفْ
سهماً ولو ناضلني القاره
وبتُّ فيهمْ حيثُ لا يؤكلُ ال
جارُ ولا تنتهكُ الجاره
البيتُ لا ينكرُ طرَّاقه
واللَّيلُ لا يعدمُ سمَّاره
والجفناتُ الغرُّ يسنى لها
كلِّ غضوبِ الغلى غدَّاره
ترى الجذورَ العبلَ في قلبها
أعشارهُ تلعنُ جزَّاره
إن صمَّ عنكَ النَّاسُ أو غمَّضتْ
في الخطبِ عينٌ وهي نظَّاره
فتحتَ منهمْ في مغاليقه
أسماعَ ذا الدَّهر وأبصاره
نموا شهاباً منْ أبي طالبٍ
خيراً وبثَّ اللهُ أنواره
والأفقُ العلويُّ إنْ غوَّرتْ
شموسهُ أطلعَ أقماره
قصَّ حديثَ المجدِ عنهمْ فتىً
يصدِّقُ السُّوددُ أخباره
وبرَّزوا سبقاً ولكنَّهمْ
لم يدركوا في المجدِ مضماره
ناصى عميدُ الرؤساءِ العلا
والنَّاسُ يقتصُّونَ آثاره
وطالتَ النَّجمَ بهِ همَّةٌ
تقضي منَ الغاياتِ أوطاره
أبلجُ ودَّ البدر لو صيِّرتْ
لوجههِ عمَّتهُ داره
مولَّهُ المجدِ لم يكترثْ
إقلالهُ المالَ وإكثاره
كفتْ بهِ القدرةُ لما سطتْ
أيدٍ مع القدرةِ جبَّاره
سالمهُ واحذر صافيا ماءهُ
وهجهُ واحذر صاليا ناره
إنْ نامَ راعَ السَّرحَ في الأمنِ لم
يكحلْ بطعمِ النَّومِ أشفاره
ولمْ تكنْ سلَّتهُ نهزةً
يطمعُ فيها الذئبُ أظفاره
أو شرعوا في الشَّرِّ عافتْ لهُ
نفسٌ بفعلِ الخيرِ أمَّاره
كفى الإمامينِ بتدبيرهِ
مخاوفَ الخطبِ وأخطاره
واستسبغا منْ رأيهِ نثلةً
ضافيةَ الأذيلِ جرَّاره
حلَّتْ عن الماضي فعادتْ يدُ ال
باقي بها تعقدُ أزراره
قامَ بأمرِ اللهِ مستخلفٌ
كنتَ لجرحِ الدِّينِ مسباره
أرهفَ منْ نصحكَ صمصمامةً
بيضاءَ مثلَ البدرِ نيَّاره
أُخرستْ الفتنةُ عنْ ملكهِ
بالأمسِ والفتنةُ نعَّاره
وزارةٌ حصَّنتَ أمواله
فيها كما حصَّنتَ أسراره
فابلغْ به أقصى المنى مثلما
بلَّغهُ سعيكَ إيثاره
واستخدمْ الأيَّامَ نفاعةً
تجري بما شئتَ وضرَّاره
لا يرفعُ الإقبالُ مستقبلاً
غطاءهُ عنكَ وأستاره
يزيركَ النَّيروزُ في روضةٍ
من مدحي أحسنَ زوَّاره
غنَّاءَ شقَّ الشِّعرَ ثرثاره
لها وأجرى الفكرُ أخطاره
مقيمةٌ عندكَ لكنَّها
بعرفها في الأرضِ سيَّاره
تحققتْ بالكلمِ الفصلِ فال
ملكُ لها والنَّاسُ نظَّاره
تشربُ من حوضِ المعاني وما
تفضلُ للواردِ أسآره
وهي مع الإفراطِ في حبِّكمْ
حاملةٌ للهجرِ صبَّاره
تنسى وتقصى غيرَ منسيَّةٍ
وهي مع الإعراضِ ذكَّاره
تحنُّ للجافي وتحنال لُل
مقصِّرِ المهملِ أعذاره
يقنعها الإنصافُ لو أنصفتْ
وتطلبُ المالَ وإكثاره
حظُّكَ منها صفوُ سلسالها
إنْ رنَّقَ المادحُ أشعاره
وإنَّ صدقي فيكَ أعتدُّهُ
من كذبي في النَّاسِ كفَّاره