بين الروح والجسد

بين الروح والجسد

​بين الروح والجسد​ المؤلف بدر شاكر السياب


أوحى اليه الشعر من آياته
سحرا تحل به النفوس وتعقد
باتت تلحق في الأعالي روحه
نشوى وبات خياله يتصعد
واهي الكيان كأن خطبا هذه
ذاوي الشفاه لطول ما يتنهد
وهو المعطل من قوام فارع
يسبي العيون ووجنة تتورد
لم يعط من مال سوى أحلامه
وكفى بها من ثروة لا تنفد
ما زوال صرف الدهر أبقى أمه
تأسو الجراح بكفها أو تضمد
كم بات يلتمس الحنان فما رأى
طيف الحنان وفاته ما ينشد
وأحب من جاراته فتانة
ما زال صائد طرفها يتصيد
عف الغرام بحسبه من حبه
نظر يعف عن الآثام ويبعد
غض الاهاب تظل تبرق عينه
سحرا تلوذ به القلوب وتحتمي
جم الثراء سبى العذارى بالغنى
والحسن حتى ما يجدن لمغرم
قد كان يحسبها مثالا للتقى
والطهر والخلق الرفيع الأكرم
ما زال يروي الشعر عن شيطانه
متحلبا شرا صبيغا بالدم
وأحب غانية فهيأ سمه
سرا وخبا صارما في المبسم
حسناء تسفر عن محيا شاحب
ما زال يغلب كل طرف غالب
رمقت صباها وهي في ريعانه
بنواظر عبرى وقلب ناصب
في الريف بين نخيله المتعانق
وعلى جوانب كل نهر دافق
عسب يجاذبه النسيم ظلاله
وندى يصفق بالأريج العابق
وأزهر غيناء رف نديها
فرحا بأجنحة الفراش العاشق
حيتك أنفاس الربيع الباكر
ورعتك آلهة الهوى من شاعر
مرت ليال كنت فيها غائبا
عني فأظلمت الحياة بناظري
لم يلق شعري منك قلبا راضيا
فلقد سقته مآثمي حتى ارتوى
فلتهتفن بكل نغم ساحر
مما تفيض عليك أيام النوى
أو ما تفيض عليك ساعدات اللقا
بين النخيل وعند ذاك الملتوى
أتحب صاحبتي وحبي طاهر
وهواك حب فاجر لم يشرف
نزهتها عن قول هجر قلته
كادت تغص به لهاة المعزف
هيهات لست بتارك هذا الهوى
لا الصد يورثني السلو ولا النوى
مالي ومالك أن تظل رفيقها
ان نلت بعد سويعة تطويقها
أهوي على تلك الشفاه فأرتوي
حينا وأرشف كيف شئت رحيقها
وأمد كفي أينما شاء الهوى
فأعود أقطف نورها وشقشقها
زورا لعمرك ما نطقت وخدعة
تأبى علي محبتي تصديقها
وأطوع الخصر النحيل بضمة
من ساعد ما خلته ليطيقها
لا تفجعن فؤاد باك موجع
بتصورات زوقت تزويقها
رحماك ما أبقيت لي من ملجأ
ان كنت تطمح أن تكون رفيقها
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التي ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
لو كان في وسع المشوق العاشق
ترك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالي اللقاء ويا له من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
لو كان في وسع المشوق العاشق
ترك الهوى لصرفت عنها خافقي