تاريخ الإسلام/الجزء الأول

​تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام​ المؤلف الذهبي
الجزء الأول



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف عدل

قال الشيخ الإمام العالم العامل الناقد البارع الحافظ الحجة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله تعالى وأدام النفع به وغفر له ولوالديه:

الحمد لله موفق من توكل عليه القيوم الذي ملكوت كل شيء بيديه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين وخاتما للنبيين وحرزا للأميين وإماما للمتقين بأوضح دليل وأفصح تنزيل وأفسح سبيل وأنفس تبيان وأبدع برهان. اللهم آته الوسيلة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المجاهدين وأزواجه أمهات المؤمنين. أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع جمعته وتعبت عليه واستخرجته من عدة تصانيف يعرف به الإنسان مهم ما مضى من التاريخ من أول تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا من وفيات الكبار من الخلفاء والقراء والزهاد والفقهاء والمحدثين والعلماء والسلاطين والوزراء والنحاة والشعراء ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم بأخصر عبارة وألخص لفظ وما تم من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة والعجائب المسطورة من غير تطويل ولا استيعاب ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم وأترك المجهولين ومن يشبههم وأشير إلى الوقائع الكبار إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلدة بل أكثر لأن فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلدا. وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنفات كثيرة ومادته من: دلائل النبوة للبيهقي. وسيرة النبي لابن إسحاق. ومغازيه لابن عائذ الكاتب. والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقدي. وتاريخ أبي عبد الله البخاري. وبعض تاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة. وتاريخ يعقوب الفسوي. وتاريخ محمد بن المثنى العنزي وهو صغير. وتاريخ أبي حفص الفلاس. وتاريخ أبي بكر بن أبي شيبة. وتاريخ الواقدي. وتاريخ الهيثم بن عدي. وتاريخ خليفة بن خياط. والطبقات له. وتاريخ أبي زرعة الدمشقي. والفتوح لسيف بن عمر. وكتاب النسب للزبير بن بكار. والمسند للإمام أحمد. وتاريخ المفضل بن غسان الغلابي. والجرح والتعديل عن يحيى بن معين. والجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم. ومن عليه رمز فهو في الكتب الستة أبو بعضها لأنني طالعت مسودة (تهذيب الكمال) لشيخنا الحافظ أبي الحجاج يوسف المزي ثم طالعت المبيضة كلها. فمن على اسمه (ع) فحديثه في الكتب السنة ومن عليه (٤) فهو في السنن الأربعة ومن عليه (خ) فهو في البخاري ومن عليه (م) ففي مسلم ومن عليه (د) ففي سنن أبي داود ومن عليه (ت) ففي جامع الترمذي ومن عليه (ن) ففي سنن النسائي ومن عليه (ق) ففي سنن ابن ماجه. وإن كان الرجل في الكتب إلا فرد كتاب فعليه (سوى ت) مثلا أو (سوى د).

وقد طالعت أيضا عليه من التواريخ التي اختصرتها. تاريخ أبي عبد الله الحاكم. وتاريخ أبي سعيد بن يونس. وتاريخ أبي بكر الخطيب. وتاريخ دمشق لأبي القاسم الحافظ. وتاريخ أبي سعد بن السمعاني. والأنساب له. وتاريخ القاضي شمس الدين بن خلكان. وتاريخ العلامة شهاب الدين أبي شامة. وتاريخ الشيخ قطب الدين بن اليونيني وتاريخه ذيل على تاريخ مرآة الزمان للواعظ شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزي وهما على الحوادث والسنين. وطالعت أيضا كثيرا من: تاريخ الطبري. وتاريخ ابن الأثير. وتاريخ ابن الفرضي. وصلته لابن بشكوال. وتكملتها لابن الأبار. والكامل لابن عدي. وكتبا كثيرة وأجزاء عديدة وكثيرا من: مرآة الزمان. ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي بل اتكلوا على حفظهم فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعي فكتبنا أسماءهم على الطبقات تقريبا ثم اعتنى المتأخرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة إلى معرفتنا لهم فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين. وأيضا فإن عدة بلدان لم يقع إلينا أخبارها إما لكونها لم يؤرخ علماءها أحد من الحفاظ أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا. وأنا أرغب إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب وأن يغفر لجامعه وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين.


بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر نسب سيد البشر عدل

محمد رسول الله أبو القاسم سيد المرسلين وخاتم النبيين . هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم - واسمه عمرو بن عبد مناف - واسمه المغيرة بن قصي - واسمه زيد بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر بن كٍنانة بن خُزَيمة بن مُدرِكة - واسمه عامر - بن إلياس بن مُضَر بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان، وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم - بإجماع الناس. لكن اختلفوا فيما بين عدنان وبين إسماعيل من الآباء فقيل بينهما تسعة آباء. وقيل سبعة وقيل مثل ذلك عن جماعة. لكن اختلفوا في أسماء بعض الآباء وقيل بينهما خمسة عشر أبا وقيل بينهما أربعون أبا وهو بعيد وقد ورد عن طائفة من العرب ذلك.

وأما عروة بن الزبير فقال: ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا قحطان إلا تخرصا. وعن ابن عباس قال: بين معد بن عدنان وبين إسماعيل ثلاثون أبا، قاله هشام بن الكلبي النسابة عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس، ولكن هشام وأبوه متروكان. وجاء بهذا الإسناد أن النبي كان إذا انتهى إلى عدنان أمسك ويقول: (كذب النسابون) قال الله تعالى: {وقرونا بين ذلك كثيرا}. وقال أبو الأسود يتيم عروة: سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة وكان من أعلم قريش بأنسابها وأشعارها يقول: ما وجدنا أحدا يعلم ما وراء معد بن عدنان في شعر شاعر ولا علم عالم. قال هشام بن الكلبي: سمعت من يقول: إن معدا كان على عهد عيسى ابن مريم عليه السلام. وقال أبو عمر بن عبد البر: كان قوم من السلف منهم عبد الله بن مسعود ومحمد بن كعب القرظي وعمرو بن ميمون الأودي إذا تلوا { والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } قالوا: كذب النسابون، قال أبو عمر: معنى هذا عندنا على غير ما ذهبوا إليه وإنما المعنى فيها والله أعلم: تكذيب من ادعى إحصاء بني آدم. وأما أنساب العرب فإن أهل العلم بأيامها وأنسابها قد وعوا وحفظوا جماهيرها وأمهات قبائلها واختلفوا في بعض فروع ذلك. والذي عليه أئمة هذا الشأن أنه عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح ين يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل بن آزر - واسمه تارح - بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام بن لمك بن متوشلخ بن خنوخ - وهو إدريس عليه السلام - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام. قال: وهذا الذي اعتمده محمد بن إسحاق في السيرة وقد اختلف أصحاب ابن إسحاق عليه في بعض الأسماء. قال ابن سعد: الأمر عندنا الإمساك عما وراء عدنان إلى إسماعيل. وروى سلمة الأبرش عن ابن إسحاق هذا النسب إلى يشجب سواء ثم خالفه فقال يشجب بن يانش بن ساروغ بن كعب بن العوام ابن قيذار بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. وقال ابن إسحاق: يذكرون أن عمر إسماعيل بن إبراهيم الخليل مائة وثلاثون سنة وأنه دفن في الحجر مع أمه هاجر. وقال عبد الملك بن هشام: حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن شيبان بن زهير عن قتادة قال: إبراهيم خليل الله هو ابن تارح بن ناحور بن أشرع بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ ابن يرد بن مهلاييل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم.

وروى عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه أنه وجد نسب إبراهيم عليه السلام في التوراة: إبراهيم بن تارح بن ناحور ابن شروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متشالخ بن خنوخ - وهو إدريس - بن يارد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وقال ابن سعد: ثنا هشام بن الكلبي قال: علمني أبي وأنا غلام نسب النبي محمد الطيب المبارك ولد عبد الله بن عبد المطلب - واسمه شيبة الحمد - بن هاشم - واسمه عمرو - بن عبد مناف - واسمه المغيرة - بن قصي - واسمه زيد - بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قال أبي: وبين معد وإسماعيل نيف وثلاثون أبا وكان لا يسميهم ولا ينفذهم.

قلت: وسائر هذه الأسماء أعجمية وبعضها لا يمكن ضبطه بالخط إلا تقريبا. وقد قيل في قوله تعالى: { وفصيلته التي تؤويه }: فصيلة النبي بنو عبد المطلب أعمامه وبنو أعمامه وأما فخذه فبنو هاشم قال: وبنو عبد مناف بطنه وقريش عمارته وبنو كنانة قبيلته. ومضر شعبة. قال الأوزاعي: حدثني شداد أبو عمار حدثني واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله : اصطفى الله كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم. رواه مسلم. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، فهي أقرب نسبا إلى كلاب من زوجها عبد الله برجل.

مولده المبارك صلى الله عليه وسلم عدل

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق نا أحمد بن أبي الفتح والفتح ابن عبد الله قالا: أنبأ محمد بن عمر الفقيه أنا أبو الحسين أحمد بن محمد ابن النقور أنا علي بن عمر الحربي ثنا أحمد بن الحسن الصوفي ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي ولد يوم الفيل صحيح.

وقال ابن إسحاق: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة بن المطلب قال: ولدت أنا ورسول الله عام الفيل. كنا لدين أخرجه الترمذي وإسناده حسن. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: ثنا سليمان النوفلي عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم قال: ولد رسول الله عام الفيل وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل. وتنبأ رسول الله على رأس أربعين سنة من الفيل. قال شباب العصفري: ثنا يحيى بن محمد ثنا عبد العزيز بن عمران حدثني الزبير بن موسى عن أبي الحويرث سمعت قباث بن أشيم يقول: أنا أسن من رسول الله وهو أكبر مني وقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله وولد رسول الله عام الفيل. يحيى هو أبو زكير وشيخه متروك الحديث. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: بعث الله محمدا على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وكان بينه وبين مبعثه وبين أصحاب الفيل سبعون سنة. كذا قال. وقد قال إبراهيم بن المنذر وغيره. هذا وهم لا يشك فيه أحد من علمائنا. إن رسول الله ولد عام الفيل وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل. وقال يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن ابزى قال: كان بين الفيل وبين مولد رسول الله عشر سنين. وهذا قول منقطع. وأضعف منه ما روى محمد بن عثمان بن أبي شيبة وهو ضعيف قال: ثنا عقبة بن مكرم ثنا المسيب بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده قال: حمل برسول الله في عاشوراء المحرم وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل وهذا حديث ساقط كما نرى. وأوهى منه ما يروى عن الكلبي - وهو متهم ساقط عن أبي صالح باذام عن ابن عباس قال: ولد رسول الله قبل الفيل بخمس عشرة سنة. قد تقدم ما يبين كذب هذا القول عن ابن عباس بإسناد صحيح. قال خليفة بن خياط: المجمع عليه أنه ولد عام الفيل. وقال الزبير بن بكار: ثنا محمد بن حسن عن عبد السلام بن عبد الله عن معروف بن خربوذ وغيره من أهل العلم قالوا: ولد رسول الله عام الفيل وسميت قريش آل الله وعظمت في العرب ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول وقيل: من رمضان يوم الاثنين حين طلع الفجر. وقال أبو قتادة الأنصاري: سأل أعرابي رسول الله فقال: ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه وفيه أوحي إلي. أخرجه مسلم.

وقال عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وغيره أن رسول الله ولد في ليلة الاثنين من ربيع الأول عند ابهرار النهار. وروى ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت قال: إني لغلام يفعة إذ سمعت يهوديا وهو على أطمة يثرب يصرخ: يا معشر يهود فلما اجتمعوا إليه قالوا: ويلك ما لك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة. وقال ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش عن ابن عباس قال: ولد نبيكم يوم الاثنين ونبئ يوم الاثنين. وخرج من مكة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وفتح مكة يوم الاثنين ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين. رواه أحمد في مسنده وأخرجه الفسوي في تاريخه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي في السيرة من تأليفه عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ولد رسول الله يوم الاثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك في النصف من المحرم. وقال أبو معشر نجيح: ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. قال الدمياطي: والصحيح قول أبي جعفر قال: ويقال: إنه ولد في العشرين من نيسان. وقال أبو أحمد الحاكم: ولد بعد الفيل بثلاثين يوما. قاله بعضهم: قال: وقيل بعده بأربعين يوما. قلت: لا أبعد أن الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عاما أو أربعين عاما فكأنه أراد أن يقول يوما فقال عاما. وقال الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبد المطلب ختن النبي يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا. وهذا أصح مما رواه ابن سعد: أنبأ يونس بن عطاء المكي ثنا الحكم بن أبان العدني ثنا عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس قال: ولد النبي مختونا مسرورا فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن. تابعه سليمان بن سلمة الخبائري عن يونس لكن أدخل فيه بين يونس والحكم: عثمان بن ربيعة الصدائي. قال شيخنا الدمياطي: ويروى عن أبي بكرة قال: ختن جبريل رسول الله لما طهر قلبه. قلت: هذا منكر.

أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته عدل

الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت النبي يقول: إن لي أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب قال الزهري: والعاقب الذي ليس بعده نبي. متفق عليه. وقال الزهري: وقد سماه الله رؤوفا رحيما. وقال حماد بن سلمة عن جعفر بن أبي وحشية عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول الله يقول: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر وأنا الماحي والخاتم والعاقب. وهذا إسناد قوي حسن. وجاء بلفظ آخر قال: أنا أحمد ومحمد والمقفي والحاشر ونبي الرحمة ونبي الملحمة. وقال عبد الله بن صالح: ثنا الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن عقبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم: أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: أتحصي أسماء رسول الله التي كان جبير يعدها؟ قال: نعم هي ستة: محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماح. فأما حاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم وأما عاقب فإنه عقب الأنبياء وأما ماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه. فأما عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله يسمي لنا نفسه أسماء فقال: أنا محمد وأحمد والحاشر والمقفي ونبي التوبة والملحمة رواه مسلم.

وقال وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن النبي مرسلا قال: أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة. ورواه زياد بن يحيى الحساني عن سعير بن الخمس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولا. وقد قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. وقال وكيع: عن إسماعيل الأزرق عن ابن عمر عن ابن الحنفية قال: يس محمد . وعن بعضهم قال: لرسول الله في القرآن خمسة أسماء: محمد وأحمد وعبد الله ويس وطه. وقيل: طه لغة لعك أي يا رجل فإذا قلت لعكي: يا رجل لم يلتفت فإذا قلت له: طه التفت إليك. نقل هذا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس والكلبي متروك. فعلى هذا القول لا يكون طه من أسمائه.

وقد وصفه الله تعالى في كتابه فقال: رسولا ونبيا أميا وشاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ورؤوفا رحيما ومذكرا ومدثرا ومزملا وهاديا إلى غير ذلك. ومن أسمائه: الضحوك والقتال. جاء في بعض الآثار عنه أنه قال: أنا الضحوك أنا القتال. وقال ابن مسعود: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق وفي التوراة فيما بلغنا أنه حرز للأميين وأن اسمه المتوكل. ومن أسمائه الأمين. وكانت قريش تدعوه به قبل نبوته. ومن أسمائه الفاتح وقثم. وقال علي بن زيد بن جدعان: تذاكروا أحسن بيت قالته العرب فقالوا: قول أبي طالب في النبي : (وشق له من اسمه ليجله..... فذو العرش محمود وهذا محمد) وقال عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله قال: لقيت رسول الله في بعض طرق المدينة فقال: أنا محمد وأنا أحمد وأنا نبي الرحمة ونبي التوبة والمقفي وأنا الحاشر ونبي الملحمة قال: المقفي الذي ليس بعده نبي رواه الترمذي في الشمائل وإسناده حسن وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم فقال عن زر عن حذيفة نحوه. ويروى بإسناد واه عن أبي الطفيل قال: قال النبي : لي عشرة أسماء فذكر منها الفاتح والخاتم. قلت: وأكثر ما سقنا من أسمائه صفات له لا أسماء أعلام. وقد تواتر أن كنيته أبو القاسم. قال ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم: : سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي متفق عليه. وقال محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : لا تجمعوا اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا أقسم.

وقال ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن أنس قال: لما ولد إبراهيم ابن النبي من مارية كاد يقع في نفسه منه حتى أتاه جبريل عليه السلام - قال: السلام عليك يا أبا إبراهيم. ابن لهيعة ضعيف.

ذكر ما ورد في قصة سطيح وخمود النيران ليلة المولد وانشقاق الإيوان عدل

قال ابن أبي الدنيا وغيره: ثنا علي بن حرب الطائي أنا أبو يعلى أيوب بن عمران البجلي حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وكان قد أتت عليه مائة وخمسون سنة قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى من شأن إيوانه فصبر عليه تشجعا ثم رأى أن لا يستر ذلك عن وزرائه ومرازبته فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك. فبينا هم على ذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار فازداد غما إلى غمه فقال الموبذان: وأنا قد رأيت - أصلح الله الملك - في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدث يكون في ناحية العرب وكان أعلمهم في أنفسهم فكتب كسرى عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه. فوجه إليه بعبد المسيح بن حيان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليسألني الملك فإن كان عندي علم إلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بما رأى فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال: فائته فسله عما سألتك وائتني بجوابه فركب حتى أتى على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول: (أصم أم يسمع غطريف اليمن..... أم فاد فازلم به شأو العنن) (يا فاصل الخطة أعيت من ومن..... أتاك شيخ الحي من آل سنن) (وأمه من آل ذئب بن حجن..... أزرق نهم الناب صرار الأذن) (أبيض فضفاض الرداء والبدن..... رسول قيل العجم يسري للوسن)

(تجوب بي الأرض علنداة شزن..... ترفعني وجنا وتهوي بي وجن) (لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن..... كأنما أخرج من جوف ثكن) (حتى أتى عاري الجآجي والقطن..... تلفه في الريح بوغاء الدمن) فقال سطيح: عبد المسيح جاء إلى سطيح وقد أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادي السماوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه وسار عبد المسيح إلى رحله وهو يقول: (شمر فإنك ماضي الهم شمير..... لا يفزعنك تفريق وتغيير) (إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم..... فإن ذا الدهر أطوار دهارير) (فربما ربما أضحوا بمنزلة..... تهاب صولهم الأسد المهاصير) (منهم أخو الصرح بهرام وإخوته..... والهرمزان وسابور وسابور) (والناس أولاد علات فمن علموا..... أن قد أقل فمحقور ومهجور) (وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا..... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور) (والخير والشر مصفودان في قرن..... فالخير متبع والشر محذور) فلما قدم على كسرى أخبره بقول سطيح فقال كسرى: إلى متى يملك منا أربعة عشر ملكا تكون أمور فملك منهم عشرة أربع سنين وملك الباقون إلى آخر خلافة عثمان رضي الله عنه. هذا حديث منكر غريب. وبالإسناد إلى البكائي عن ابن إسحاق قال: كان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة فرأى رؤيا هالته وفظع منها فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بها وبتأويلها قالوا: أقصصها علينا نخبرك بتأويلها قال: إني إن أخبرتكم عنها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها إنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها فقيل له: إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما فبعث إليهما فقدم سطيح قبل شق فقال له: رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة. قال: ما أخطأت منها شيئا فما تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرتين من حنش ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش. فقال الملك: وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائط موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون هاربين. قال: من يلي ذلك من إخراجهم؟ قال: يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحدا باليمن. قال: أفيدوم ذلك؟ قال: بل ينقطع بنبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي. قال: وممن هو؟ قال: من ولد فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون. قال: أحق ما تخبرني؟ قال: نعم والشفق والغسق والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق. ثم قدم عليه شق فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال لسطيح لينظر أيتفقان قال: نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة فلما قال ذلك عرف أنهما قد اتفقا فوقع في نفسه فجهز أهل بيته إلى العراق وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ فأسكنهم الحيرة فمن بقية ولد ربيعة بن نصر: النعمان بن المنذر فهو في نسب اليمن النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر.

باب منه عدل

عن ابن عباس عن النبي قال: خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح. هذا حديث ضعيف فيه متروكان: الواقدي وأبو بكر بن أبي سبرة. وورد مثله عن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن علي وهو منقطع إن صح عن جعفر بن محمد ولكن معناه صحيح. وقال خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن ابن أبي الجدعاء قال: قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. وقال منصور بن سعد وإبراهيم بن طهمان واللفظ له: ثنا بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: سألت رسول الله متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. وقال الترمذي: ثنا الوليد بن شجاع ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة سئل النبي : متى وجبت لك النبوة؟ قال: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه قال الترمذي: حسن غريب. قلت: لولا لين في الوليد بن مسلم لصححه الترمذي.

وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب رسول الله أنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي كأن نورا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام. وروينا بإسناد حسن - إن شاء الله - عن العرباض بن سارية أنه سمع النبي يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى لي ورؤيا أمي التي رأت. وإن أم رسول الله رأت حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام. رواه الليث وابن وهب عن معاوية بن صالح سمع سعيد بن سويد يحدث عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض فذكره. ورواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد عن العرباض نفسه. وقال فرج بن فضالة: ثنا لقمان بن عامر سمعت أبا أمامة قال قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام. رواه أحمد في مسنده عن أبي النضر عن فرج.

قوله: لمنجدل أي ملقى وأما دعوة إبراهيم فقوله: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} وبشارة عيسى قوله: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}. وقال أبو ضمرة: ثنا جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي قال: قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلت منها ثم اختار العرب من الناس ثم اختار قريشا من العرب ثم اختار بني هاشم من قريش ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم ثم اختارني من بني عبد المطلب هذا حديث مرسل. وروى زحر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال: سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة يقول: هاجرت إلى رسول الله منصرفه من تبوك فسمعت العباس يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك. قال: قل لا يفضض الله فاك فقال: (من قبلها طبت في الظلال وفي..... مستودع حيث يخصف الورق) (ثم هبطت البلاد لا بشر..... أنت ولا مضغة ولا علق) (بل نطفة تركب السفين وقد..... ألجم نسرا وأهله الغرق) (تنقل من صالب إلى رحم..... إذا مضى عالم بدا طبق) (حتى احتوى بيتك المهيمن من..... خندف علياء تحتها النطق) (وأنت لما ولدت أشرقت الأرض..... وضاءت بنورك الأفق) (فنحن في ذلك الضياء وفي النور..... وسبل الرشاد تخترق) الظلال: ظلال الجنة قال الله تعالى {إن المتقين في ظلال وعيون}. والمستودع: هو الموضع الذي كان فيه آدم وحواء يخصفان عليهما من الورق أي يضمان بعضه إلى بعض يتستران به ثم هبطت إلى الدنيا في صلب آدم وأنت لا بشر ولا مضغة. وقوله: (تركب السفين) يعني في صلب نوح. وصالب لغة غريبة في الصلب ويجوز في الصلب الفتحتان كسقم وسقم. والطبق: القرن كلما مضى عالم وقرن جاء قرن ولأن القرن يطبق الأرض بسكناه بها؟ ومنه قوله عليه السلام في الاستسقاء: اللهم اسقنا غيثا مغيثا طبقا غدقا أي يطبق الأرض. وأما قوله تعالى {لتركبن طبقا عن طبق} أي حالا بعد حال. والنطق: جمع نطاق وهو ما يشد به الوسط ومنه المنطقة. أي أنت أوسط قومك نسبا. وجعله في علياء وجعلهم تحته نطاقا. وضاءت: لغة في أضاءت. وأرضعته ثويبة جارية أبي لهب مع عمه حمزة ومع أبي سلمة ابن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنهما. قال شعيب عن الزهري عن عروة إن زينب بنت أبي سلمة وأمها أخبرته أن أم حبيبة أخبرتهما قالت: قلت: يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان. قال: أو تحبين ذلك؟ قلت: لست لك بمخلية وأحب إلي من يشركني في خير أختي. قال: إن ذلك لا يحل لي فقلت: يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة فقال: والله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن. أخرجه البخاري. وقال عروة في سياق البخاري: ثويبة مولاة أبي لهب أعتقها فأرضعت النبي فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم بشر حيبة يعني حالة. فقال له: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم رخاء غير أني أسقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة. وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها. ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وأخذته معها إلى أرضها فأقام معها في بني سعد نحو أربع سنين ثم ردته إلى أمه.

قال يحيى بن أبي زائدة: قال محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله السعدية قالت: خرجت في نسوة نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء قد أذمت بالركب وخرجنا في سنة شهباء لم تبق شيئا ومعنا شارف لنا والله إن تبض علينا بقطرة ومعي صبي لي لا ننام ليلنا مع بكائه فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله فتأباه وإنما كنا نرجو كرامة رضاعة من أبيه وكان يتيما فلم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت صبيا غيري. فقلت لزوجي: لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه فأتيته فأخذته فقال زوجي: عسى الله أن يجعل فيه خيرا. قالت: فوالله ما هو إلا أن جعلته في حجري فأقبل عليه ثديي بما شاء من اللبن فشرب وشرب أخوه حتى رويا وقام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا بها حافل فحلب وشربنا حتى روينا فبتنا شباعا رواء وقد نام صبياننا قال أبوه: والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نسمة مباركة ثم خرجنا فوالله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهن حتى ما يتعلق بها أحد فقدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر فقدمنا على أجدب أرض الله فوالذي نفسي بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم ويسرح راعي غنمي فتروح غنمي بطانا لبنا حفلا وتروح أغنامهم جياعا فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة؟ فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه راعينا فتروح أغنامهم جياعا ما بها من لبن وتروح غنمي لبنا حفلا. فكان يشب في يومه شباب الصبي في الشهر ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة قالت: فقدمنا على أمه فقلنا لها: ردي علينا ابني فإنا نخشى عليه وباء مكة قالت ونحن أضن شيء به مما رأينا من بركته قالت: ارجعا به فمكث عندنا شهرين فبينا هو يلعب وأخوه خلف البيوت يرعيان بهما لنا إذ جاء أخوه يشتد قال: أدركا أخي قد جاءه رجلان فشقا بطنه فخرجنا نشتد فأتيناه وهو قائم منتقع اللون فاعتنقه أبوه وأنا ثم قال: ما لك يا بني؟ قال: أتاني رجلان فأضجعاني ثم شقا بطني فوالله ما أدري ما صنعا فرجعنا به. قالت: يقول أبوه يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا أنه أضيب فانطلقي فلنرده إلى أهله. فرجعنا به إليها فقالت: ما ردكما به؟ فقلت: كفلناه وأدينا الحق ثم تخوفنا عليه الأحداث فقالت والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما فما زالت بنا حتى أخبرناها. قالت: فتخوفتما عليه كلا والله إن لابني هذا شأنا إني حملت به فلم أحمل حملا قط كان أخف منه ولا أعظم بركة ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى ثم وضعته فما وقع كما يقع الصبيان وقع واضعا يديه بالأرض رافعا رأسه إلى السماء دعاه وألحقا شأنكما. هذا حديث جيد الإسناد. قال أبو عاصم النبيل: أخبرني جعفر بن يحيى أنا عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: رأيت رسول الله وأقبلت إليه امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فقلت: من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته. أخرجه أبو داود. قال مسلم: ثنا شيبان ثنا حماد ثنا ثابت عن أنس: أن رسول الله أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق قلبه فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني مرضعته فقالوا: إن محمدا قد قتل فاستقبلوه منتقع اللون. قال أنس: قد كنت أرى أثر المخيط في صدره. وقال بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن ابن عمرو السلمي عن عتبة بن عبد فذكر نحوا من حديث أنس. وهو صحيح أيضا وزاد فيه: فرحلت - يعني ظئره - بعيرا فحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك فقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام. وقال سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله : أتيت وأنا في أهلي فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فحشي بها صدري - قال أنس: ورسول الله يرينا أثره - فعرج بي الملك إلى السماء الدنيا. وذكر حديث المعراج. وقد روى نحوه شريك بن أبي نمر عن أنس عن أبي ذر وكذلك رواه الزهري عن أنس عن أبي ذر أيضا. وأما قتادة فرواه عن أنس عن مالك بن صعصعة بنحوه. وإنما ذكرت هذا ليعرف أن جبريل شرح صدره مرتين في صغره ووقت الإسراء به.

ذكر وفاة عبد الله بن عبد المطلب عدل

وتوفي عبد الله ابوه وللنبي ثمانية وعشرون شهرا. وقيل: أقل من ذلك. وقيل: وهو حمل.

توفي بالمدينة غريبا وكان قدمها ليمتار تمرا وقيل: بل مر بها مريضا راجعا من الشام فروى محمد بن كعب القرظي وغيره: أن عبد الله ابن عبد المطلب خرج إلى الشام إلى غزة في عير تحمل تجارات فلما قفلوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار فأقام عندهم مريضا مدة شهر فبلغ ذلك عبد المطلب فبعث إليه الحارث وهو أكبر ولده ؛ فوجده قد مات ؛ ودفن في دار النابغة أحد بني النجار ؛ والنبي يومئذ حمل على الصحيح. وعاش عبد الله خمسا وعشرين سنة. قال الواقدي: وذلك أثبت الأقاويل في سنه ووفاته. وترك عبد الله من الميراث أم أيمن وخمسة أجمال وغنما فورث ذلك النبي . وتوفيت أمه آمنة بالأبواء وهي راجعة به - - إلى مكة من زيارة أخوال أبيه بن عدي بن النجار وهو يومئذ ابن ست سنين ومائة يوم. وقيل: ابن أربع سنين. فلما ماتت ودفنت حملته أم أيمن مولاته إلى مكة إلى جده فكان في كفالته إلى أن توفي جده وللنبي - ثمان سنين فأوصى به إلى عمه أبي طالب. قال عمرو بن عون: أنبا خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن عباس بن عبد الرحمن عن كندير بن سعيد عن أبيه قال: حججت في الجاهلية فإذا رجل يطوف بالبيت ويرتجز يقول (رب رد إلي راكبي محمدا..... يا رب ردة واصطنع عندي يدا) قلت: من هذا؟ قال عبد المطلب ذهب إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها ولم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها وقد احتبس عليه فما برحت حتى جاء محمد - - وجاء الإبل فقال: يا بني لقد حزنت عليك حزنا ؛ لا تفارقني أبدا. وقال خارجة بن مصعب عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده أن حيدة بن معاوية اعتمر في الجاهلية فذكر نحوا من حديث كندير عن أبيه.

وقال إبراهيم بن محمد الشافعي عن أبيه عن أبان بن الوليد عن أبان بن تغلب حدثني جلهمة بن عرفطة قال: إني لبالقاع من نمرة إذ أقبلت عير من أعلى نجد فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير فجاء حتى تعلق بأستار الكعبة ثم نادى يا رب البنية أجرني ؛ وإذا شيخ وسيم قسيم عليه بهاء الملك ووقار الحكماء. فقال: ما شأنك يا غلام فأنا من آل الله وأجير من استجار به؟ قال: إن أبي مات وأنا صغير وإن هذا استعبدني وقد كنت أسمع أن لله بيتا يمنع من الظلم فلما رأيته استجرت به. فقال له القرشي: قد أجرتك يا غلام قال: وحبس الله يد الجندعي إلى عنقه. قال جلهمة: فحدثت بهذا الحديث عمرو بن خارجة وكان قعدد الحي فقال: إن لهذا الشيخ ابنا يعني أبا طالب. قال: فهويت رحلي نحو تهامة أكسع بها الحدود وأعلوا بها الكدان حتى انتهيت إلى المسجد الحرام وإذا قريش عزين قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون فقائل منهم يقول: اعتمدوا اللات والعزى ؛ وقائل يقول: اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى. وقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم عليه السلام وسلالة إسماعيل؟ قالوا له: كأنك عنيت أبا طالب. قال: إيها. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه فخرج إلينا رجل حسن الوجه مصفر عليه إزار قد اتشح به فثاروا إليه فقالوا: يا أبا طالب قحط الوادي وأجدب العباد فهلم فاستسق ؛ فقال: رويدكم زوال الشمس وهبوب الريح ؛ فلما زاغت الشمس أو كادت خرج أبو طالب معه غلام كأنه دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة ؛ فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ بأضبعه الغلام وبصبصت الأغيلمة حوله وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي ؛ وفي ذلك يقول أبو طالب: (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه..... ربيع اليتامى عصمة للأرامل) (تطيف به الهلاك من آل هاشم..... فهم عنده في نعمة وفواضل) (وميزان عدل لا يخيس شعيرة..... ووزان صدق وزنه غير عائل) وقال عبد الله بن شبيب - وهو ضعيف - ثنا أحمد بن محمد الأزرقي حدثهم سعيد بن سالم نا ابن جريج قال: كنا مع عطاء فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة وأحسنهم وجها ما رآه أحد قط إلا أحبه وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره ولا يجلس عليه معه أحد وكان الندى من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش ؛ فجاء رسول الله - - وهو غلام لم يبلغ فجلس على المفرش فجبذه رجل فبكى ؛ فقال عبد المطلب - وذلك بعد ما كف بصره -: ما لابني يبكي؟ قالوا له: إنه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه فقال: دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه شرفا وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده. قال: ومات عبد المطلب والنبي - - ابن ثمان سنين وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون. وقد رعى الغنم فروى عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ما من نبي إلا وقد رعى الغنم قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة. رواه البخاري.

وقال أبو سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول الله بمر الظهران نجتني الكباث فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيب قلنا: وكنت ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال: نعم وهل من نبي إلا قد رعاها. متفق عليه.

سفره مع عمه إن صح عدل

قال قراد أبو نوح: ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه محمد وأشياخ من قريش ؛ فلما أشرفوا على الراهب [بحيرى] نزلوا فخرج إليهم وكان قبل ذلك لا يخرج إليهم فجعل يتخللهم وهم يحلون رحالهم ؛ حتى جاء فأخذ بيده - - وقال: هذا سيد العالمين [هذا رسول رب العالمين] هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ؛ فقال أشياخ قريش: وما علمك بهذا؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي لأعرفه بخاتم النبوة أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعاما ؛ فلما أتاهم به [و كان - - في رعية الإبل قال: فأرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه - يعني إلى فيء شجرة - فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال: انظروا [إلى] فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينا هو قائم عليه يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم لو رأوه عرفوه بصفته فقتلوه ؛ فالتفت فإذا بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم الراهب فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا قد بعث إليه ناس وإنا قد أخبرنا فبعثنا إلى طريقك هذا فقال لهم: هل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟ قالوا: لا. إنما أخبرنا خبره بطريقك هذا ؛ قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. قال: فتابعوه وأقاموا معه قال: فأتاهم فقال: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قال أبو طالب: أنا ؛ فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت. تفرد به قراد واسمه عبد الرحمن بن غزوان ثقة احتج به البخاري والنسائي ؛ ورواه الناس عن قراد وحسنه الترمذي. وهو حديث منكر جدا وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله - بسنتين ونصف ؛ وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد ؛ وأيضا فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها ولم نر النبي - - ذكر أبا طالب قط بقول الراهب ولا تذاكرته قريش ولا حكته أولئك الأشياخ مع توفر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار ولبقي عنده - - حس من النبوة ؛ ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولا بغار حراء وأتى خديجة خائفا على عقله ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه - -. وأيضا فلو آثر هذا الخوف في أبي طالب ورده كيف كانت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرا لخديجة؟ وفي الحديث ألفاظ منكرة تشبه ألفاظ الطرقية مع أن ابن عائذ قد روى معناه في مغازيه دون قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا إلى آخره فقال: ثنا الوليد بن مسلم أخبرني أبو داود سليمان بن موسى فذكره بمعناه.

وقال ابن إسحاق في السيرة: إن أبا طالب خرج إلى الشام تاجرا في ركب ومعه النبي - - وهو غلام فلما نزلوا بصرى وبها بحيرا الراهب في صومعته وكان أعلم أهل النصرانية ؛ ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب يصير إليه علمهم عن كتاب فيهم فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر ؛ قال: فنزلوا قريبا من الصومعة فصنع بحيرا طعاما وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم فنزل بظل شجرة فنزل بحيرا من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم فجاءوه فقال رجل منهم: يا بحيرا ما كنت تصنع هذا فما شأنك؟ قال: نعم ولكنكم ضيف وأحببت أن أكرمكم فاجتمعوا وتخلف رسول الله لصغره في رحالهم. فلما نظر بحيرا فيهم ولم يره قال: يا معشر قريش لا يتخلف عن طعامي هذا أحد. قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا. قال: فلا تفعلوا ادعوه. فقال رجل: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا ثم قام واحتضنه وأقبل به فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا شبعوا وتفرقوا قام بحيرا فقال: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه فزعموا أنه قال: لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط. فقال له: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فجعل يسأله عن أشياء من حاله فتوافق ما عنده من الصفة. ثم نظر فيه أثر خاتم النبوة فأقبل على أبي طالب فقال: ما هو منك؟ قال: ابني. قال: ما ينبغي أن يكون أبوه حيا قال: فإنه ابن أخي. قال: ارجع به واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفته ليبغنه شرا فإنه كائن لابن أخيك شأن فخرج به أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته. وذكر الحديث. وقال معتمر بن سليمان: حدثني أبي عن أبي مجلز: أن أبا طالب سافر إلى الشام ومعه محمد فنزل منزلا فأتاه راهب فقال: فيكم رجل صالح ثم قال: أين أبو هذا الغلام؟ قال أبو طالب: هأنذا وليه. قال: احتفظ به ولا تذهب به إلى الشام؟؟ إن اليهود قوم حسد وإني أخشاهم عليه. فرده. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن جعفر وجماعة عن داود بن الحصين أن أبا طالب خرج تاجرا إلى الشام ومعه محمد فنزلوا ببحيرا الحديث. روى يونس عن ابن شهاب حديثا طويلا فيه: فلما ناهز الاحتلام ارتحل به أبو طالب تاجرا فنزل تيماء فرآه حبر من يهود تيماء فقال لأبي طالب: ما هذا الغلام؟ قال: هو ابن أخي قال: فوالله إن قدمت به الشام لا تصل به إلى أهلك أبدا ليقتلنه اليهود إنه عدوهم فرجع به أبو طالب من تيماء إلى مكة. قال ابن إسحاق: كان رسول الله - - فيما ذكر لي - يحدث عما كان الله تعالى يحفظه به في صغره قال: لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب الغلمان به كلنا قد تعرى وجعل إزاره على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراها لكمة وجيعة وقال: شد عليك إزارك فأخذته فشددته ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي.

حرب الفجار عدل

قال ابن إسحاق: وهاجت حرب الفجار ولرسول الله عشرون سنة سميت بذلك لما استحلت كنانة وقيس عيلان في الحرب من المحارم بينهم فقال رسول الله : كنت أنبل على أعمامي أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم. وكان قائد قريش حرب بن أمية.

شأن خديجة عدل

قال ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهي أقرب منه إلى قصي برجل كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال وكانت تستأجر الرجال في مالها وكانت قريش تجارا فعرضت على النبي أن يخرج في مال لها إلى الشام ومعه غلام لها اسمه ميسرة فخرج إلى الشام فنزل تحت شجرة بقرب صومعة فأطل الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا؟ فقال: رجل من قريش قال: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي. ثم باع النبي تجارته وتعوض ورجع فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير. وروى قصة خروجه إلى الشام تاجرا المحاملي عن عبد الله ابن شبيب وهو واه ثنا أبو بكر بن شيبة حدثني عمر بن أبي بكر العدوي حدثني موسى بن شيبة حدثتني عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية أخت يعلى قالت: لما بلغ رسول الله خمسا وعشرين سنة. فذكر الحديث بطوله وهو حديث منكر. قال: فلما قدم مكة باعت خديجة ما جاء به فأضعف أو قريبا. وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعن الملكين وكانت لبيبة حازمة فبعثت إليه تقول: يا بن عمي إني قد رغبت فيك لقرابتك وأمانتك وصدقك وحسن خلقك ثم عرضت عليه نفسها فقال ذلك لأعمامه فجاء معه حمزة عمه حتى دخل على خويلد فخطبها منه وأصدقها النبي عشرين بكرة فلم يتزوج عليها حتى ماتت. وتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة. وقال أحمد في مسنده: حدثنا أبو كامل ثنا حماد عن عمار ابن أبي عمار عن ابن عباس - فيما يحسب حماد -: أن رسول الله ذكر خديجة وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه فصنعت هي طعاما وشرابا فدعت أباها وزمرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا فقالت لأبيها: إن محمدا يخطبني فزوجني إياه فزوجها إياه فخلقته وألبسته حلة كعادتهم فلما صحا نظر فإذا هو مخلق فقال: ما شأني؟ فقالت: زوجتني محمدا فقال: وأنا أزوج يتيم أبي طالب ! لا لعمري فقالت: أما تستحي؟ تريد أن تسفه نفسك معي عند قريش بأنك كنت سكران فلم تزل به حتى رضي. وقد روى طرفا منه الأعمش عن أبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة أو غيره. وأولاده كلهم من خديجة سوى إبراهيم وهم: القاسم والطيب والطاهر وماتوا صغارا رضعا قبل المبعث ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة - رضي الله عنهم - فرقية وأم كلثوم تزوجتا عثمان بن عفان وزينب زوجة أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس وفاطمة زوجة علي - رضي الله عنهم - أجمعين.

حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر عدل

قال ابن إسحاق: فلما بلغ خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها. وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جده فتحطمت فأخذوا خشبها وأعدوه لتسقيفها وكان بمكة نجار قبطي فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتشرف على جدار الكعبة فكانت مما يهابون وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها فبينا هي يوما تشرف على جدار الكعبة بعث الله إليها طائرا فاختطفها فذهب بها قال: فاستبشروا بذلك ثم هابوا هدمها. فقال الوليد بن المغيرة: أنا ابدؤكم في هدمها فأخذ المعول وهو يقول: اللهم لم ترع اللهم لم نرد إلا خيرا. ثم هدم من ناحية الركنين وهدموا حتى بلغوا أساس إبراهيم - عليه السلام - فإذا حجارة خضر آخذ بعضها ببعض. ثم بنوا فلما بلغ البنيان موضع الركن. يعني الحجر الأسود اختصموا فيمن يضعه وحرصت كل قبيلة على ذلك حتى تحاربوا ومكثوا أربع ليال. ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتناصفوا فزعموا أن أبا أمية بن المغيرة وكان أسن قريش قال: اجعلوا بينكم فيما تختلفون أول من يدخل من باب المسجد ففعلوا فكان أول من دخل عليهم رسول الله فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا به فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر فقال: هاتوا لي ثوبا فأتوا به فأخذ الركن بيده فوضعه في الثوب ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده وبني عليه.

حديث الحمس عدل

وقال ابن وهب عن يونس عن الزهري قال: لما بلغ رسول الله الحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تضعه؟ قالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا فطلع عليهم رسول الله وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أخذ سيد كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه ثم طفق لا يزداد على السن إلا رضا حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه وحي فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها.

ويروى عن عروة ومجاهد وغيرهما: أن البيت بني قبل المبعث بخمس عشرة سنة. وقال داود بن عبد الرحمن العطار ثنا ابن خثيم عن أبي الطفيل قال: قلت: له يا خال حدثني عن شأن الكعبة قبل أن تبنيها قريش قال: كان برضم يابس ليس بمدر تنزوه العناق وتوضع الكسوة على الجدر ثم تدلى ثم إن سفينة للروم أقبلت حتى إذا كانت بالشعيبة انكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها وأخذوا خشبها ورومي يقال له باقوم نجار بان فلما قدموا مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا - عز وجل - واجتمعوا لذلك ونقلوا الحجارة من أجياد الضواحي فبينا رسول الله ينقل إذ انكشفت نمرته فنودي: يا محمد عورتك فذلك أول ما نودي والله أعلم. فما رؤيت له عورة بعد. وقال أبو الأحوص عن سماك بن حرب: إن إبراهيم بنى البيت وذكر الحديث إلى أن قال: فمر عليه الدهر فانهدم فبنته العمالقة فمر عليه الدهر فانهدم فبنته جرهم فمر عليه الدهر فانهدم فبنته قريش. وذكر في الحديث وضع النبي الحجر الأسود مكانه. وقال يونس عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة - رجل وامرأة من جرهم - زنيا في الكعبة فمسخا حجرين. وقال موسى بن عقبة: إنما حمل قريشا على بناء الكعبة أن السيل كان يأتي من فوقها من فوق الردم الذي صنعوه فأخربه فخافوا أن يدخلها الماء وكان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة فأرادوا أن يشيدوا بناءها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءوا فأعدوا لذلك نفقة وعمالا. وقال زكريا بن إسحاق: ثنا عمرو بن دينار أنه سمع جابرا يقول: إن رسول الله كان ينقل الحجارة للكعبة مع قريش وعليه إزار فقال له عمه العباس: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة ففعل ذلك فسقط مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانا. متفق عليه. وأخرجاه أيضا من حديث ابن جريج. مسلم الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: جلس رجال من قريش فتذاكروا بنيان الكعبة فقالوا: كانت مبنية برضم يابس وكان بابها بالأرض ولم يكن لها سقف وإنما تدلى الكسوة على الجدر وتربط من أعلى الجدر من بطنها وكان في بطن الكعبة عن يمين الداخل جب يكون فيه ما يهدى للكعبة بنذر من جرهم وذلك أنه عدا على ذلك الجب قوم من جرهم فسرقوا ما به فبعث الله تلك الحية فحرست الكعبة وما فيها خمسمائة سنة إلى أن بنتها قريش وكان قرنا الكبش معلقين في بطنها مع معاليق من حلية. إلى أن قال: حتى بلغوا الأساس الذي رفع عليه إبراهيم وإسماعيل القواعد فرأوا حجارة كأنها الإبل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا يحرك الحجر منها فترتج جوانبها قد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلة بين حجرين فانفلقت منه فلقة فأخذها رجل فنزت من يده حتى عادت في مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم ورجفت مكة بأسرها فأمسكوا. إلى أن قال: وقلت النفقة عن عمارة البيت فأجمعوا على أن يقصروا عن القواعد ويحجروا ما يقدرون ويتركوا بقيته في الحجر ففعلوا ذلك وتركوا ستة أذرع وشبرا ورفعوا بابها وكسوها بالحجارة حتى لا يدخلها السيل ولا يدخلها إلا من أرادوا وبنوها بساف من حجارة وساف من خشب حتى انتهوا إلى موضع الركن فتنافسوا في وضعه. إلى أن قال: فرفعوها بمدماك حجارة ومدماك خشب حتى بلغوا السقف فقال لهم باقوم النجار الرومي: أتحبون أن تجعلوا سقفها مكبسا أو مسطحا؟ قالوا: بل مسطحا وجعلوا فيه ست دعائم في صفين وجعلوا ارتفاعها من ظاهرها ثمانية عشر ذراعا وقد كانت قبل تسعة أذرع وجعلوا درجة من خشب في بطنها يصعد منها إلى ظهرها وزوقوا سقفها وحيطانها من بطنها ودعائمها وصوروا فيها الأنبياء والملائكة والشجر وصوروا إبراهيم يستقسم بالأزلام وصوروا عيسى وأمه وكانوا أخرجوا ما في جب الكعبة من حلية ومال وقرني الكبش وجعلوه عند أبي طلحة العبدري وأخرجوا منها هبل فنصب عند المقام حتى فرغوا فأعادوا جميع ذلك ثم ستروها بحبرات يمانية. وفي الحديث عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن حويطب بن عبد العزى وغيره: فلما كان يوم الفتح دخل رسول الله - - إلى البيت فأمر بثوب فبل بماء وأمر بطمس تلك الصور ووضع كفيه على صورة عيسى وأمه وقال: امحوا الجميع إلا ما تحت يدي. رواه الأزرقي. ابن جريج قال: سأل سليمان بن موسى الشامي عطاء بن أبي رباح وأنا أسمع: أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى؟ قال: نعم أدركت تمثال مريم مزوقا في حجرها عيسى قاعد وكان في البيت ستة أعمدة سواري وكان تمثال عيسى ومريم في العمود الذي يلي الباب فقلت لعطاء: متى هلك؟ قال في الحريق زمن ابن الزبير قلت: أعلى عهد رسول الله - - تعني كان؟ قال: لا أدري وإني لأظنه قد كان على عهده. قال داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج: ثم عاودت عطاء بعد حين فقال: تمثال عيسى وأمه في الوسطى من السواري. قال الأزرقي: ثنا داود العطار عن عمرو بن دينار قال: أدركت في الكعبة قبل أن تهدم تمثال عيسى وأمه قال داود: فأخبرني بعض الحجبة عن مسافع بن شيبة: أن النبي - - قال: يا شيبة امح كل صورة إلا ما تحت يدي قال: فرفع يده عن عيسى ابن مريم وأمه. قال الأزرقي عن سعيد بن سالم حدثني يزيد بن عياض بن جعدبة عن ابن شهاب: أن النبي دخل الكعبة وفيها صور الملائكة فرأى صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام ثم رأى صورة مريم فوضع يده عليها فقال: امحوا ما فيها إلا صورة مريم. ثم ساقه الأزرقي بإسناد آخر بنحوه وهو مرسل ولكن قول عطاء وعمرو ثابت وهذا أمر لم نسمع به إلى اليوم. وقال معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل قال: لما بني البيت كان الناس ينقلون الحجارة والنبي معهم فأخذ الثوب فوضعه على عاتقه فنودي: (لا تكشف عورتك) فألقى الحجر ولبس ثوبه. رواه أحمد في مسنده. وقال عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي: ثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه قال: (كنت أنا وابن أخي ننقل الحجارة على رقابنا وأزرنا تحت الحجارة فإذا غشينا الناس ائتزرنا فبينا هو أمامي خر على وجهه منبطحا فجئت أسعى وألقيت حجري وهو ينظر إلى السماء فقلت: ما شأنك؟ فقام وأخذ إزاره وقال: نهيت أن أمشي عريانا فكنت أكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون). رواه قيس بن الربيع بنحوه عن سماك. وقال حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي - رضي الله عنه - قال: لما تشاجروا في الحجر أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب فكان أول من دخل النبي - - فقالوا: قد جاء الأمين. أخبرنا سليمان بن حمزة أنا محمد بن عبد الواحد أنا محمد بن أحمد أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم أنبأ ابن بريدة أنبأ الطبراني ثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن أبي الطفيل قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدر وكانت قدر ما نقتحمها وكانت غير مسقوفة إنما توضع ثيابها عليها ثم تسدل عليها سدلا وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة فأقبلت سفينة من أرض الروم فانكسرت بقرب جدة فخرجت قريش ليأخذوا خشبها فوجدوا رجلا روميا عندها فأخذوا الخشب وكانت السفينة تريد الحبشة وكان الرومي الذي في السفينة نجارا فقدموا به وبالخشب فقالت قريش: نبني بهذا الذي في السفينة بيت ربنا فلما أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الجائز سوداء الظهر بيضاء البطن فجعلت كلما دنا أحد إلى البيت ليهدم أو يأخذ من حجارته سعت إليه فاتحة فاها فاجتمعت قريش: عند المقام فعجوا إلى الله وقالوا: ربنا لم نرع أردنا تشريف بيتك وتزيينه فإن كنت ترضى بذلك وإلا فما بدا لك فافعل فسمعوا خوارا في السماء فإذا هم بطائر أسود الظهر أبيض البطن والرجلين أعظم من النسر فغرز مخلابه في رأس الحية حتى انطلق بها يجرها ذنبها أعظم من كذا وكذا ساقطا فانطلق بها نحو أجياد فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينا النبي - - يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبرزت عورته من صغر النمرة فنودي: يا محمد خمر عورتك فلم ير عريانا بعد ذلك.

وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين. هذا حديث صحيح. وقد روى نحوه داود العطار عن ابن خثيم. ورواه محمد بن كثير المصيصي عن عبد الله بن واقد عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن نافع بن سرجس قال: سألت أبا الطفيل فذكر نحوه. وقال عبد الصمد بن النعمان: حدثنا ثابت بن يزيد ثنا هلال بن خباب عن مجاهد عن مولاه أنه حدثه أنه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهلية قال: ولي حجر أنا نحته بيدي أعبده من دون الله فأجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه فيجيء الكلب فيلحسه ثم يشغر فيبول فبنينا حتى بلغنا الحجر وما يرى الحجر منا أحد فإذا هو وسط حجارتنا مثل راس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل فقال بطن من قريش: نحن نضعه وقال آخرون: بل نحن نضعه. فقالوا: اجعلوا بينكم حكما. قالوا: أول رجل يطلع من الفج فجاء النبي - - فقالوا: أتاكم الأمين فقالوا له فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه فوضعه هو. اسم مولى مجاهد: السائب بن عبد الله.

وقال إسرائيل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: كان البيت قبل الأرض بألفي سنة {وإذا الأرض مدت} قال: من تحته مدا. وروى نحوه عن منصور عن مجاهد. ومما عصم الله به محمدا من أمر الجاهلية أن قريشا كانوا يسمون الحمس يعني الأشداء الأقوياء وكانوا يقفون في الحرم بمزدلفة ولا يقفون مع الناس بعرفة يفعلون ذلك رياسة وبأوا وخالفوا بذلك شعائر إبراهيم - عليه السلام - في جملة ما خالفوا. فروى البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت النبي واقفا مع الناس بعرفة فقلت: هذا من الحمس فما شأنه هاهنا. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن جده سمع رسول الله يقول: ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية مرتين عصمني الله فيهما قلت ليلة لفتى من قريش: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما تسمر الفتيان. قال: نعم فخرجت حتى جئت أدنى دار من دور مكة فسمعت غناء وصوت دفوف ومزامير فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلهوت بذلك حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي ثم فعلت ليلة أخرى مثل ذلك فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته وروى مسعر عن العباس بن ذريح عن زياد النخعي ثنا عمار ابن ياسر أنهم سألوا رسول الله : هل أتيت في الجاهلية شيئا حراما؟ قال: لا وقد كنت معه على ميعادين أما أحدهما فحال بيني وبينه سامر قومي والآخر غلبتني عيني أو كما قال. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر ثنا أبو بكر بن أبي سبرة عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال: حدثتني أم أيمن قالت: كان بوانة صنما تحضره قريش تعظمه وتنسك له النساك ويحلقون رؤوسهم عنده ويعكفون عنده يوما في السنة وكان أبو طالب يكلم رسول الله أن يحضر ذلك العيد فيأبى حتى رأيت أبا طالب غضب ورأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوبا فقلن: ما دهاك؟ قال: إني أخشى أن يكون لي لمم فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت؟ قال: إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح: (وراءك يا محمد لا تمسه) قالت: فما عاد إلى عيد لهم حتى نبئ. وقال أبو أسامة: ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة بتمسح المشركون به إذا طافوا فطاف رسول الله وطفت معه فلما مررت مسحت به فقال رسول الله : لا تمسه قال زيد: فطفنا فقلت في نفسي: لأمسنه حتى أنظر ما يكون فمسحته فقال رسول الله : ألم تنه. هذا حديث حسن. وقد زاد فيه بعضهم عن محمد بن عمرو بإسناده: قال زيد فوالله ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أنزل عليه. وقال جرير بن عبد الحميد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: كان النبي شهد مع المشركين مشاهدهم فسمع ملكين خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب بنا حتى نقوم خلف رسول الله فقال: كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلام الأصنام قبيل؟ قال: فلم يعد بعد ذلك أن يشهد مع المشركين مشاهدهم تفرد به جرير وما أتى به عنه سوى شيخ البخاري عثمان بن أبي شيبة. وهو منكر. وقال إبراهيم بن طهمان ثنا بديل بن ميسرة عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت رسول الله بيعا قبل أن يبعث فبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك. قال: فنسيت يومي والغد فأتيته في اليوم الثالث فوجدته في مكانه فقال: يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك. أخرجه أبو داود. وأخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي أنبأ أبو محمد بن البن أنا جدي أنا أبو القاسم علي بن أبي العلاء أنا عبد الرحمن بن أبي نصر أنا علي بن أبي العقب أنا أحمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عائذ حدثني الوليد أخبرني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عمن حدثه أن رسول الله قال: بينا أنا بأعلى مكة إذا براكب عليه سواد فقال: هل بهذه القرية رجل يقال له أحمد؟ فقلت ما بها أحمد ولا محمد غيري فضرب ذراع راحلته فاستناخت ثم أقبل حتى كشف عن كتفي حتى نظر إلى الخاتم الذي بين كتفي فقال: أنت نبي الله؟ قلت: ونبي أنا؟ قال: نعم. قلت: بم أبعث؟ قال بضرب أعناق قومك قال: فهل من زاد؟ فخرجت حتى أتيت خديجة فأخبرتها فقالت: حريا أو خليقا أن لا يكون ذلك فهي أكبر كلمة تكلمت بها في أمري فأتيته بالزاد فأخذه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى زودني نبي الله طعاما وحمله لي في ثوبه.

ذكر زيد بن عمرو بن نفيل عدل

قال موسى بن عقبة: أخبرني سالم أنه سمع أباه يحدث عن رسول الله : أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل أسفل بلدح وذلك قبل الوحي فقدم إليه رسول الله سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل وقال: لا آكل مما يذبحون على أنصابهم أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه. رواه البخاري ؛ وزاد في آخره: فكان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ إنكارا لذلك وإعظاما له. ثم قال البخاري: قال موسى: حدثني سالم بن عبد الله ولا أعلمه إلا تحدث به عن ابن عمر: أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إني لعلي أن أدين دينكم قال: إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأني أستطيعه فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فخرج زيد فلقي عالما من النصارى فذكر له مثله فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال: ما أفر إلا من لعنة الله فقال له كما قال اليهودي فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج فلما برز رفع يديه فقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. هكذا أخرجه البخاري. وقال عبد الوهاب الثقفي: ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن عن أسامة بن زيد عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله يوما حارا وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية فقال له النبي : يا زيد ما لي أرى قومك قد شنفوا لك؟ قال: والله يا محمد إن ذلك لبغير نائلة ترة لي فيهم ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى أقدم على أحبار فدك فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي فقدمت الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فخرجت فقال لي شيخ منهم: إنك تسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالجزيرة فأتيته فلما رآني قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل بيت الله قال: من أهل الشوك والقرظ؟ إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك قد بعث نبي قد طلع نجمه وجميع من رأيتهم في ضلال قال: فلم أحس بشيء. قال: فقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد؟ قال: شاة ذبحت للنصب. قال: ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه قال: فتفرقا. وذكر باقي الحديث. وقال الليث عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والله ما منكم أحد على دين إبراهيم غيري وكان يحيي الموءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه ! لا تقتلها أنا أكفيك مؤونتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها. هذا حديث صحيح. وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أسامة بن زيد عن أبيه أن زيد بن عمرو بن نفيل مات ثم أنزل على النبي فقال النبي : إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. إسناده حسن. أنبئت عن أبي الفخر أسعد أخبرتنا فاطمة أنا ابن ريدة أنا الطبراني أنا علي بن عبد العزيز أنا عبد الله بن رجاء أنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد عن أبيه عن جده قال: خرج أبي وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى مرا بالشام فأما ورقة فتنصر وأما زيد فقيل له: إن الذي تطلب أمامك فانطلق حتى أتى الموصل فإذا هو براهب فقال: من أين أقبل صاحب الراحلة؟ قال: من بيت إبراهيم قال: ما تطلب؟ قال: الدين فعرض عليه النصرانية فأبى أن يقبل وقال: لا حاجة لي فيه قال: أما إن الذي تطلب سيظهر بأرضك فأقبل وهو يقول: (لبيك حقا..... تعبدا ورقا) (البر أبغى لا الخال..... وما مهجر كمن قال) (عذت بما عاذ به إبراهيم.......... (أنفي لك اللهم عان راغم..... مهما تجشمني فإني جاشم)

ثم يخر فيسجد للكعبة. قال: فمر زيد بالنبي ويزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال: يا بن أخي لا آكل مما ذبح على النصب قال: فما رؤي النبي يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذاك حتى بعث. قال: وجاء سعيد بن زيد إلى النبي : فقال: يا رسول الله إن زيدا كان كما رأيت أو كما بلغك فاستغفر له قال: نعم فاستغفروا له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: كانت قريش حين بنوا الكعبة يتوافدون على كسوتها كل عام تعظيما لحقها وكانوا يطوفون بها ويستغفرون الله عندها ويذكرونه مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم ودينهم كله. وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث بن أسد وهو ابن عم ورقة وعبيد الله بن جحش بن رئاب وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حضروا قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض وقالوا: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض فقال قائلهم: تعلمن والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين إبراهيم وخالفوه وما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع فابتغوا لأنفسكم فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتبعون الحنيفية دين إبراهيم فأما ورقة فتنصر ولم يكن منهم أعدل شأنا من زيد ابن عمرو اعتزل الأوثان وفارق الأديان إلا دين إبراهيم. وقال الباغندي: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله : دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين. وقال البكائي عن ابن إسحاق: حدثني هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش والذي نفسي بيده ! ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ثم يقول: اللهم لو أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ثم يسجد على راحلته. قال ابن إسحاق: فقال زيد في فراق دين قومه: (أربا واحدا أم ألف رب..... أدين إذا تقسمت الأمور) (عزلت اللات والعزى جميعا..... كذلك يفعل الجلد الصبور) في أبيات.

قال ابن إسحاق: وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخوه لأمه يعاتبه ويؤذيه حتى أخرجه إلى أعلى مكة فنزل حراء مقابل مكة فإذا دخل مكة سرا آذوه وأخرجوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد. ثم خرج يطلب دين إبراهيم فجال الشام والجزيرة. إلى أن قال ابن إسحاق: فرد إلى مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه.

باب (صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة) عدل

أخبرتنا ست الأهل بنت علوان أنبأنا البهاء عبد الرحمن أنا منوجهر ابن محمد أنا هبة الله بن أحمد حدثنا الحسين بن علي بن بطحا أنبأ محمد بن الحسين الحراني ثنا محمد بن سعيد الرسعني ثنا المعافى بن سليمان ثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا. قال عطاء: ثم لقيت كعب الأحبار فسألته فما اختلفا في حرف إلا أن كعبا يقول بلغته: (أعينا عموما وآذانا صموما وقلوبا غلوقا). أخرجه البخاري عن العوفي عن فليح. وقد رواه سعيد بن أبي هلال عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام فذكر نحوه. ثم قال عطاء: وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قال ابن سلام. قلت: وهذا أصح فإن عطاء لم يدرك كعبا. وروى نحوه أبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم أن عبد الله بن سلام قال: صفة النبي في التوراة وذكر الحديث وروى عطاء بن السائب عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه: إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجل الجنة فدخل الكنيسة فإذا هو بيهود وإذا بيهودي يقرأ التوراة فلما أتوا على صفة النبي أمسكوا وفي ناحية الكنيسة رجل مريض فقال النبي : (ما لكم أمسكتم؟) قال المريض: أتوا على صفة نبي فأمسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي وأمته فقال: هذه صفتك وأمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال النبي : لوا أخاكم. أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده. أخبرنا جماعة عن ابن اللتي أن أبا الوقت أخبره أنا الداودي أنا ابن حمويه أنا عيسى السمرقندي أنا الدارمي أنبأ مجاهد بن موسى حدثنا معن بن عيسى حدثنا معاوية بن صالح عن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل كعبا: كيف تجد نعت رسول الله في التوراة؟ قال: نجده محمد ابن عبد الله يولد بمكة ويهاجر إلى طابة ويكون ملكه بالشام وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق ولا يكافئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء ويكبرون الله على كل نجد يوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء. قلت: يعني الأذان. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن أم الدرداء قالت: قلت لكعب الحبر: كيف تجدون صفة النبي في التوراة. فذكر نحو حديث عطاء.

باب قصة سلمان الفارسي عدل

قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد عن ابن عباس. حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا من أهل فارس من أهل إصبهان من قرية يقال لها جي وكان أبي دهقان أرضه وكان يحبني حبا شديدا لم يحبه شيئا من ماله ولا ولده فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها فلا أتركها تخبو ساعة فكنت لذلك لا أعلم من أمر الناس شيئا إلا ما أنا فيه حتى بنى أبي بنيانا له وكانت له ضيعة فيها بعض العمل فدعاني فقال: أي بني إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه ولا بد لي من اطلاعها فانطلق إليها فمرهم بكذا وكذا ولا تحتبس علي فإنك إن احتبست عني شغلني ذلك عن كل شيء فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة للنصارى فسمعت أصواتهم فقلت: ما هذا؟ قالوا: النصارى فدخلت فأعجبني حالهم فوالله ما زلت جالسا عندهم حتى غربت الشمس. وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى ضيعته فقال: أين كنت؟ فقلت: مررت بالنصارى فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم فجلست أنظر كيف يفعلون. قال: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم فقلت: لا والله ما هو بخير من دينهم هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له نحن نعبد نارا نوقدها بأيدينا إذا تركناها ماتت فخاف فجعل في رجلي حديدا وحبسني فبعثت إلى النصارى فقلت: أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ قالوا: بالشام فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك ناس فآذنوني قالوا: نفعل فقدم عليهم ناس من تجارهم فآذنوني بهم فطرحت الحديد من رجلي ولحقت بهم فقدمت معهم الشام فقلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف صاحب الكنيسة فجئته فقلت: إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك وأعبد الله فيها معك وأتعلم منك الخير قال: فكن معي قال: فكنت معه فكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوها له اكتنزها ولم يعطها المساكين فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله فلم ينشب أن مات فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم: هذا رجل سوء كان يأمركم بالصدقة ويتكنزها قالوا: وما علامة ذلك؟ قلت: أنا أخرج إليكم كنزه فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوا ذلك قالوا: والله لا يدفن أبدا فصلبوه ورموه بالحجارة وجاءوا برجل فجعلوه مكانه ولا والله يا بن عباس ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأشد اجتهادا ولا أزهد في الدنيا ولا أدأب ليلا ونهارا وما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبه فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة فقلت: قد حضرك ما ترى من أمر الله فماذا تأمرني وإلى من توصيني؟ قال لي: أي بني والله ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فأته فإنك ستجده على مثل حالي. فلما مات لحقت بالموصل فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد فقلت له: إن فلانا أوصى بي إليك. قال: فأقم أي بني فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة فقلت: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصيني؟ قال: والله ما أعلمه إلا رجلا بنصيبين فلما دفناه لحقت بالآخر فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت فأوصى بي إلى رجل من عمورية بالروم فأتيته فوجدته على مثل حالهم فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقيرات ثم احتضر فكلمته فقال: أي بني والله ما أعلم بقي أحد على مثل ما كنا عليه ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم مهاجره بين حرتين أرض سبخة ذات نخل وإن فيه علامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه فلما واريناه أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب فقلت: لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأنا أعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى فوالله لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة فابتاعني فخرج بي حتى قدمنا المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها فأقمت في رقي. وبعث الله رسوله بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق حتى قدم قباء وأنا أعمل لصاحبي في نخله فوالله إني لفيها إذ جاء ابن عم له فقال: يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء - يقول الرعدة - حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: ما لك ولهذا أقبل على عملك. فقلت: لا شيء إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته وذهبت إلى رسول الله وهو بقباء فقلت له: بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحابا لك غرباء وقد كان عندي شيء للصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد فهاكها فكل منه فأمسك وقال لأصحابه: كلوا فقلت في نفسي هذه واحدة ثم رجعت وتحول رسول الله إلى المدينة فجمعت شيئا ثم جئته به فقلت: هذا هدية فأكل وأكل أصحابه فقلت: هذه خلتان ثم جئته وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه فاستدرت لأنظر إلى الخاتم فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت شيئا وصف لي فوضع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال: تحول يا سلمان هكذا فتحولت فجلست بين يديه وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه فحدثته يا بن عباس كما حدثتك. فلما فرغت قال: كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له وأربعين أوقية فأعانني أصحاب رسول الله بالنخل ثلاثين ودية وعشرين ودية وعشرا فقال لي رسول الله فقرها فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي. ففقرتها وأعانني أصحابي يقول حفرت لها بموضع حيث توضع حتى فرغنا منها وخرج معي فكنا نحمل إليه الودي فيضعه بيده ويسوي عليها فوالذي بعثه ما مات منها ودية واحدة. وبقيت علي الدراهم فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب فقال: أين الفارسي؟ فدعيت له فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك (قلت: يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي؟ قال: فإن الله سيؤدي بها عنك) فوالذي نفس سلمان بيده لوزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وعتق سلمان وحبسني الرق حتى فاتتني بدر وأحد ثم شهدت الخندق ثم لم يفتني معه مشهد.

قوله: قطن النار جمع قاطن أي مقيم عندها أو هو مصدر كرجل صوم وعدل. وقال يونس بن بكير وغيره عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة حدثني من سمع عمر بن عبد العزيز قال: وجدت هذا من حديث سلمان قال: حدثت عن سلمان: أن صاحب عمورية قال له لما احتضر: إئت غيضتين من أرض الشام فإن رجلا يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد به مرض إلا شفي فسله عن هذا الدين دين إبراهيم فخرجت حتى أقمت بها سنة حتى خرج تلك الليلة وإنما كان يخرج مستجيزا فخرج وغلبني عليه الناس حتى دخل في الغيضة حتى ما بقي إلا منكبه فأخذت به فقلت: رحمك الله الحنيفية دين إبراهيم؟ فقال: تسأل عن شيء ما سأل عنه الناس اليوم قد أظلك نبي يخرج عند أهل هذا البيت بهذا الحرم ويبعث بسفك الدم فلما ذكر ذلك سلمان لرسول الله قال: لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواري عيسى ابن مريم عليه السلام. وقال مسلمة بن علقمة المازني: ثنا داود بن أبي هند عن سماك بن حرب عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي من البادية يقال له قدامة فقال: أحب أن ألقى سلمان الفارسي فأسلم عليه فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفا ووجدناه على سرير يشق خوصا فسلمنا عليه فقلت: يا أبا عبد الله هذا ابن أخت لي قد قدم علي من البادية فأحب أن يسلم عليك قال: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. قلت: يزعم أنه يحبك قال: أحبه الله فتحدثنا وقلنا: يا أبا عبد الله ألا تحدثنا عن أصلك؟ قال: أما أصلي فأنا من أهل رامهرمز كنا قوما مجوسا فأتى رجل نصراني من أهل الجزيرة كانت أمه منا فنزل فينا واتخذ فينا ديرا وكنت من كتاب الفارسية فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروبا يبكي قد ضربه أبواه فقلت له يوما: ما يبكيك؟ قال: يضربني أبواي. قلت: ولم يضربانك؟ فقال: آتي صاحب هذا الدير فإذا علما ذلك ضرباني وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا. قلت: فاذهب بي معك فأتيناه فحدثنا عن بدء الخلق وعن الجنة والنار فحدثنا بأحاديث عجب فكنت أختلف إليه معه وفطن لنا غلمان من الكتاب فجعلوا يجيئون معنا فلما رأى ذلك أهل القرية أتوه فقالوا: يا هناه إنك قد جاورتنا فلم تر من جوارنا إلا الحسن وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك ونحن نخاف أن تفسدهم علينا أخرج عنا. قال: نعم. فقال لذلك الغلام الذي كان يأتيه: أخرج معي. قال: لا أستطيع ذلك. قلت: أنا أخرج معك وكنت يتيما لا أب لي فخرجت معه فأخذنا جبل رامهرمز فجعلنا نمشي ونتوكل ونأكل من ثمر الشجر فقدمنا نصيبين. فقال لي صاحبي: يا سلمان إن هاهنا قوما هم عباد أهل الأرض فأنا أحب أن ألقاهم. قال: فجئناهم يوم الأحد وقد اجتمعوا فسلم عليهم صاحبي فحيوه وبشوا به. وقالوا: أين كانت غيبتك؟ فتحدثنا ثم قال: قم يا سلمان فقلت: لا دعني مع هؤلاء. قال: إنك لا تطيق ما يطيقون هؤلاء يصومون من الأحد إلى الأحد ولا ينامون هذا الليل وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة فكنت فيهم حتى أمسينا فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه فلما أمسينا قال ذاك الرجل الذي من أبناء الملوك: هذا الغلام لا تضيعوه ليأخذه رجل منكم فقالوا: خذه أنت فقال لي: هلم فذهب بي إلى غاره وقال لي: هذا خبز وهذا أدم فكل إذا غرثت وصم إذا نشطت وصل ما بدا لك ونم إذا كسلت ثم قام في صلاته فلم يكلمني فأخذني الغم تلك السبعة الأيام لا يكلمني أحد حتى كان الأحد وانصرف إلي فذهبنا إلى مكانهم الذي يجتمعون فيه في الأحد فكانوا يفطرون فيه ويلقى بعضهم بعضا ويسلم بعضهم على بعض ثم لا يلتقون إلى مثله قال: فرجعنا إلى منزلنا فقال لي مثل ما قال أول مرة ثم لم يكلمني إلى الأحد الآخر فحدثت نفسي بالفرار فقلت: اصبر أحدين أو ثلاثة فلما كان الأحد واجتمعوا قال لهم: إني أريد بيت المقدس. فقالوا: ما تريد إلى ذلك؟ قال: لا عهد لي به. قالوا: إنا نخاف أن يحدث بك حدث فيليك غيرنا قال: فلما سمعته يذكر ذلك خرجت فخرجنا أنا وهو فكان يصوم من الأحد إلى الأحد ويصلي الليل كله ويمشي بالنهار فإذا نزلنا قام يصلي فأتينا بيت المقدس وعلى الباب مقعد يسأل فقال: أعطني قال: ما معي شيء فدخلنا بيت المقدس فلما رأوه بشوا إليه واستبشروا به فقال لهم: غلامي هذا فاستوصوا به فانطلقوا بي فأطعموني خبزا ولحما ودخل في الصلاة فلم ينصرف إلى الأحد الآخر ثم انصرف فقال: يا سلمان إني أريد أن أضع رأسي فإذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني فبلغ الظل الذي قال فلم أوقظه مأواة له مما دأب من اجتهاده ونصبه فاستيقظ مذعورا فقال يا سلمان ألم أكن قلت لك: إذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني؟ قلت: بلى ولكن إنما منعني مأواة لك من دأبك. قال: ويحك إني أكره أن يفوتني شيء من الدهر لم أعمل لله فيه خيرا ثم قال: اعلم أن أفضل دين اليوم النصرانية قلت: ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية - كلمة ألقيت على لساني -. قال: نعم يوشك أن يبعث نبي يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإذا أدركته فاتبعه وصدقه. قلت: وإن أمرني أن أدع النصرانية؟ قال: نعم فإنه لا يأمر إلا بحق ولا يقول إلا حقا والله لو أدركته ثم أمرني أن أقع في النار لوقعت فيها. ثم خرجنا من بيت المقدس فممرنا على ذلك المقعد فقال له: دخلت فلم تعطني وهذا تخرج فأعطني فالتفت فلم ير حوله أحدا قال: أعطني يدك فأخذ بيده فقال: قم بإذن الله فقام صحيحا سويا فتوجه نحو أهله فأتبعته بصري تعجبا مما رأيت وخرج صاحبي مسرعا وتبعته فتلقاني رفقة من كلب فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقا فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة فاشتراني رجل من الأنصار فجعلني في حائط له ومن ثم تعلمت عمل الخوص أشتري بدرهم خوصا فأعمله فأبيعه بدرهمين فأنفق درهما أحب أن آكل من عمل يدي وهو يومئذ أمير على عشرين ألفا. قال فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله فمكثنا ما شاء الله أن نمكث فهاجر إلينا فقلت: لأجربنه فذهبت فاشتريت لحم خروف بدرهم ثم طبخته فجعلت قصعة من ثريد فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه. فقال: أصدقة أم هدية؟ قلت: صدقة. فقال لأصحابه: كلوا باسم الله وأمسك ولم يأكل فمكثت أياما ثم اشتريت لحما فأصنعه أيضا وأتيته به فقال: ما هذه؟ قلت: هدية. فقال لأصحابه: كلوا باسم الله وأكل معهم قال: فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة فأسلمت ثم قلت له: يا رسول الله أي قوم النصارى؟ قال: لا خير فيهم ثم سألته بعد أيام قال: لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم قلت في نفسي: فأنا والله أحبهم قال: وذاك حين بعث السرايا وجرد السيف فسرية تدخل وسرية تخرج والسيف يقطر. قلت يحدث لي الآن أني أحبهم فيبعث فيضرب عنقي فقعدت في البيت فجاءني الرسول ذات يوم فقال: يا سلمان أجب قلت: هذا والله الذي كنت أحذر فانتهيت إلى رسول الله فتبسم وقال: أبشر يا سلمان فقد فرج الله عنك ثم تلا علي هؤلاء الآيات {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} إلى قوله {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} قلت: والذي بعثك بالحق لقد سمعته يقول: لو أدركته فأمرني أن أقع في النار لوقعتها. هذا حديث منكر غريب والذي قبله أصح وقد تفرد مسلمة بهذا وهو ممن احتج به مسلم ووثقه ابن معين وأما أحمد بن حنبل فضعفه رواه قيس بن حفص الدارمي شيخ البخاري عنه. وقال عبد الله بن عبد القدوس: حدثنا عبيد المكتب نا أبو الطفيل حدثني سلمان قال: كنت من أهل جي وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء فقيل لي: إن الدين الذي تطلب بالمغرب فخرجت حتى أتيت الموصل فسألت عن أفضل رجل بها فدللت على رجل في صومعة ثم ذكر نحوه. كذا قال الطبراني قال وقال في آخره: فقلت لصاحبي: بعني نفسي قال: على أن تنبت لي مائة نخلة فإذا نبتن جئتني بوزن نواة من ذهب فأتيت رسول الله فأخبرته فقال: اشتر نفسك بالذي سألك وائتني بدلو من ماء النهر الذي كنت تسقي منه ذلك النخل قال: فدعا لي ثم سقيتها فوالله لقد غرست مائة فما غادرت منها نخلة إلا نبتت فأتيت رسول الله فأخبرته أن النخل قد نبتن فأعطاني قطعة من ذهب فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ووضع في الجانب الآخر نواة قال: فوالله ما استعلت القطعة الذهب من الأرض قال: وجئت إلى رسول الله فأخبرته فأعتقني.

علي بن عاصم أنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين (لزيد بن صوحان أتياه يكلم لهما سلمان أن يحدثهما بحديثه كيف كان إسلامه فأقبلا معه حتى لقوا سلمان رضي الله عنه وهو بالمدائن أميرا عليها وإذا هو على كرسي قاعد وإذا خوص بين يديه وهو يشقه قالا: فسلمنا وقعدنا فقال له زيد: يا أبا عبد الله إن هذين لي صديقان) ولهما أخ وقد أحبا أن يسمعا حديثك كيف كان أول إسلامك؟ قال: فقال سلمان: كنت يتيما من رامهرمز وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه فلزمته لأكون في كنفه وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنيا في نفسه وكنت غلاما فقيرا فكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه فإذا تفرقوا خرج فتقنع بثوبه ثم يصعد متنكرا فقلت: لم لا تذهب بي معك؟ فقال: أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء قلت: لا تخف قال: فإن في هذا الجبل قوما في برطيل لهم عبادة يزعمون أنا عبدة النيران وأنا على غير دين فأستأذن لك قال: فاستأذنهم ثم واعدني وقال: أخرج في وقت كذا ولا يعلم بك أحد فإن أبي إن علم بهم قتلهم قال: فصعدنا إليهم. قال علي - وأراه قال - وهم ستة أو سبعة قال: وكأن الروح قد خرجت منهم من العبادة يصومون النهار ويقومون الليل يأكلون الشجر وما وجدوا فقعدنا إليهم فذكر الحديث بطوله وفيه أن الملك شعر بهم فخرجوا وصحبهم سلمان إلى الموصل واجتمع بعابد من بقايا أهل الكتاب فذكر من عبادته وجوعه شيئا مفرطا وأنه صحبه إلى بيت المقدس فرأى مقعدا فأقامه فحملت المقعد على أتانه ليسرع إلى أهله فانملس مني صاحبي فتبعت أثره فلم أظفر به فأخذني ناس من كلب وباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله فاشتراني أبو بكر فأعتقني. وهذا الحديث يشبه حديث مسلمة المزني لأن الحديثين يرجعان إلى سماك ولكن قال هنا عن زيد بن صوحان فهو منقطع فإنه لم يدرك زيد بن صوحان وعلي بن عاصم ضعيف كثير الوهم والله أعلم. عمرو العنقزي: أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي قرة الكندي عن سلمان قال: كان أبي من الأساورة فأسلمني الكتاب فكنت أختلف ومعي غلامان فإذا رجعا دخلا على راهب أو قس فدخلت معهما فقال لهما ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما فقال لي: يا سلمان إني أحب أن أخرج من هذه الأرض. قلت: وأنا معك فأتى قرية فنزلها وكانت امرأة تختلف إليه فلما حضر قال: احفر عند رأسي فحفرت فاستخرجت جرة من دراهم فقال: ضعها على صدري فجعل يضرب بيده على صدره ويقول: ويل للقنائين ! قال: ومات فاجتمع القسيسون والرهبان هممت أن أحتمل المال ثم إن الله عصمني فقلت للرهبان فوثب شباب من أهل القرية فقالوا: هذا مال أبينا كانت سريته تختلف إليه فقلت لأولئك: دلوني على عالم أكون معه قالوا: ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص فأتيته فقال: ما جاء بك إلا طلب العلم. قلت: نعم. قال: فإني لا أعلم أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة في هذا الشهر فانطلقت فوجدت حماره واقفا فقصصت عليه فقال: اجلس هاهنا حتى أرجع إليك فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل فقال: وإنك لهاهنا بعد؟ قلت: نعم قال: فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء وهو نبي وهذا زمانه وإن انطلقت الآن وافقته وفيه ثلاث: خاتم النبوة ولا يأكل الصدقة ويأكل الهدية. وذكر الحديث.

وقال ابن لهيعة: أنبأنا يزيد بن أبي حبيب حدثني السلم بن الصلت عن أبي الطفيل عن سلمان قال: كنت رجلا من أهل جي مدينة إصبهان فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس فسألته: أي الدين أفضل؟ قال ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل فذهبت إليه. وذكر الحديث. وفيه: فأتيت حجازيا فقلت: تحملني إلى المدينة؟ قال ما تعطيني؟ قلت: أنا لك عبد فلما قدمت جعلني في نخلة فكنت أستقي كما يستقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ولا أجد أحدا يفقه كلامي حتى جاءت عجوز فارسية تستقي فقلت لها: أين هذا الرجل الذي خرج؟ فدلتني عليه فجمعت تمرا وجئت فقربته إليه. وذكر الحديث.

ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم عدل

قال الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول ما بدئ به النبي من الوحي الرؤيا الصالحة ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه أي يتعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: إقرأ قال: فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: إقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني الثانية فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: إقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى بلغ إلى قوله {ما لم يعلم} قالت: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة مالي ! وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت علي فقالت له: كلا فوالله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان أمرا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الخط العربي فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا قد عمي. فقالت: اسمع من ابن أخيك فقال: يا بن أخي ما ترى؟ فأخبره فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني فيها جذعا حين يخرجك قومك قال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم لم يأت أحد بما جئت به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي. فروى الترمذي عن أبي موسى الأنصاري عن يونس بن بكير عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن عائشة سئل النبي عن ورقة فقالت له خديجة: إنه - يا رسول الله - كان صدقك وإنه مات قبل أن تظهر فقال رأيته في المنام عليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك. وجاء من مراسيل عروة أن رسول الله قال: رأيت لورقة جنة أو جنتين. وقال الزهري عن عروة عن عائشة: وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله حزنا شديدا وغدا مرارا كي يتردى من شواهق الجبال وكلما أوفى بذروة ليلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال مثل ذلك. رواه أحمد في مسنده والبخاري. وقال هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث رسول الله لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين. رواه البخاري. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: أنزل على رسول الله صلى اله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين سنة فمكث بمكة عشرا وبالمدينة عشرا. وقال محمد بن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل القرآن فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة ومات وهو ابن ثلاث وستين. أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي أنا عبد القوي بن الجباب أنبأ عبد الله بن رفاعة أنا علي بن الحسن الخلعي أنا أبو محمد بن النحاس أنا عبد الله بن الورد أنا عبد الرحيم بن عبد الله البرقي ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال: كانت الأحبار والرهبان وكهان العرب قد تحدثوا بأمر محمد قبل مبعثه لما تقارب من زمانه أما أهل الكتاب فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان عهد إليهم أنبياؤهم من شأنه وأما الكهان فأتتهم الشياطين بما استرقت من السمع وأنها قد حجبت عن استراق السمع ورميت بالشهب. قال الله تعالى: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} فلما سمعت الجن القرآن من النبي عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس الأمر فآمنوا وصدقوا وولوا على قومهم منذرين. وعن يعقوب بن عتبة أنه بلغه أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم ثقيف فجاءوا إلى عمرو بن أمية وكان أدهى العرب فقالوا: ألا ترى ما حدث؟ قال: بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها وتعرف بها الأنواء هي التي يرمي بها فهي والله طي الدنيا وهلاك أهلها وإن كانت نجوما غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا أمر أراد الله به هذا الخلق فما هو. قلت: روى حديث يعقوب بنحوه حصين عن الشعبي لكن قال: فأتوا عبد يا ليل بن عمرو الثقفي وكان قد عمي.

وقد جاء غير حديث بأسانيد واهية أن غير واحد من الكهان أخبره رئية من الجن بأسجاع ورجز فيها ذكر مبعث النبي وسمع من هواتف الجان من ذلك أشياء. وبالإسناد إلى ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه لنا أنا كنا نسمع من يهود وكنا أصحاب أوثان وهم أهل كتاب وكان لا يزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم قالوا إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم وكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله أجبناه حين دعانا وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففي ذلك نزل {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} الآيات. حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار يهودي فخرج يوما حتى وقف على بني عبد الأشهل وأنا أحدثهم سنا فذكر القيامة والحساب والميزان والجنة والنار قال ذلك لقوم أصحاب أوثان لا يرون بعثا بعد الموت فقالوا له: ويحك يا فلان أو ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون ! قال: نعم قالوا: فما آية ذلك؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار إلى مكة واليمن قالوا: ومتى نراه؟ قال فنظر إلي وأنا حدث فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له: ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ! قال: بلى ولكن ليس به. حدثني عاصم بن عمر عن شيخ من بني قريظة قال لي: هل تدري عم كان الإسلام لثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد نفر من أخوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام؟ قلت: لا والله قال: إن رجلا من يهود الشام يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكان إذا قحط عنا المطر يأمرنا بالصدقة ويستسقي لنا فوالله ما يبرح من مجلسه حتى نسقى قد فعل ذلك غير مرتين ولا ثلاث ثم حضرته الوفاة فلما عرف أنه ميت قال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس؟ قلنا: أنت أعلم قال: إنما قدمت أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجرة فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن غليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه.

فلما بعث محمد وحاصر خيبر قال هؤلاء الفتية وكانوا شبانا أحداثا: يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا: ليس به فنزل هؤلاء وأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم. وبه قال ابن إسحاق: وكانت خديجة قد ذكرت لعمها ورقة بن نوفل وكان قد قرأ الكتب وتنصر ما حدثها ميسرة من قول الراهب وإظلال الملكين فقال: لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرف أن لهذه الأمة نبيا ينتظر زمانه قال: وجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول: حتى متى وقال: لججت وكنت في الذكرى لجوجا..... لهم طالما بعث النشيجا) (ووصف من خديجة بعد وصف..... فقد طال انتظاري يا خديجا) (ببطن المكتين على رجائي..... حديثك أن أرى منه خروجا) (بما خبرتنا من قول قس..... من الرهبان أكره أن يعوجا) (بأن محمدا سيسود قوما..... ويخصم من يكون له حجيجا) (ويظهر في البلاد ضياء نور..... يقيم به البرية أن تموجا) (فيلقى من يحاربه خسارا..... ويلقى من يسالمه فلوجا) (فيا ليتني إذا ما كان ذاكم..... شهدت فكنت أولهم ولوجا) فإن يبقوا وأبق تكن أمور..... يضج الكافرون لها ضجيجا) وقال سليمان بن معاذ الضبي عن سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله : إن بمكة لحجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني لأعرفه الآن رواه أبو داود. وقال يحيى بن أبي كثير: ثنا أبو سلمة قال: سألت جابرا أي القرآن أنزل أول {يا أيها المدثر} أو {اقرأ باسم ربك} فقال: ألا أحدثكم بما حدثني به رسول الله ؟ قال: إني جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر شيئا ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على عرش في الهواء يعني الملك فأخذني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله {يا أيها المدثر قم فأنذر}. وقال الزهري: عن أبي سلمة عن جابر: سمعت رسول الله يحدث عن فترة الوحي قال: بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا فرجعت فقلت: زملوني فدثروني ونزلت: {يا أيها المدثر} إلى قوله {والرجز فاهجر} وهي الأوثان. متفق عليه. وهو نص في أن {يا أيها المدثر} نزلت بعد فترة الوحي الأول وهو {اقرأ باسم ربك} فكان الوحي الأول للنبوة والثاني للرسالة. فأول من آمن به خديجة (رض) قال عز الدين أبو الحسن بن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين لم يتقدمها رجل ولا امرأة. وقال الزهري وقتادة وموسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي وسعيد بن يحيى الأموي وغيرهم: أول من أمن بالله ورسوله: خديجة وأبو بكر وعلي. وقال حسان بن ثابت وجماعة: أبو بكر أول من أسلم. وقال غير واحد: بل علي. وعن ابن عباس: فيهما قولان. لكن أسلم علي وله عشر سنين أو نحوها على الصحيح وقيل: وله ثمان سنين وقيل: تسع وقيل: اثنتا عشرة وقيل: خمس عشرة وهو قول شاذ فإن ابنه محمدا وأبا جعفر الباقر وأبا إسحاق السبيعي وغيرهم قالوا: توفي وله ثلاث وستون سنة. فهذا يقضي بأنه أسلم وله عشر سنين حتى إن سفيان بن عيينة روى عن جعفر الصادق عن أبيه قال: قتل علي وله ثمان وخمسون سنة. وقال ابن إسحاق: أول ذكر آمن بالله علي رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين ثم اسلم زيد مولى النبي ثم أسلم أبو بكر. وقال الزهري: كانت خديجة أول من آمن بالله وقبل الرسول رسالة ربه وانصرف إلى بيته وجعل لا يمر على شجرة ولا صخرة إلا سلمت عليه فلما دخل على خديجة قال: أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن لي أرسله إلي ربي وأخبرها بالوحي فقالت: أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فأقبل الذي جاءك من الله فإنه حق ثم انطلقت إلى عداس غلام عتبة بن ربيعة وكان نصرانيا من أهل نينوى فقالت: أذكرك الله إلا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل؟ فقال عداس: قدوس قدوس. قالت: أخبرني بعلمك فيه قال: فإنه أمين الله بينه وبين النبيين وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام. فرجعت من عنده إلى ورقة. فذكر الحديث.

وقد رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير بنحو منه وزاد ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ ومحمد ينظر إليه فوضا وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم نضح فرجه وسجد سجدتين مواجه البيت ففعل النبي كما رأى جبريل يفعل.

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم عدل

قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي عن بعض أهل العلم أن رسول الله حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه وكان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه. وقال سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله إني لأعرف حجرا بمكة يسلم علي قبل أن أبعث. أخرجه مسلم. وقال الوليد بن أبي ثور وغيره عن إسماعيل السدي عن عباد بن عبد الله عن علي رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله بمكة فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله. أخرجه الترمذي وقال: غريب. وقال يوسف بن يعقوب القاضي: ثنا أبو الربيع ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي وهو خارج من مكة قد خضبه أهل مكة بالدماء قال: ما لك؟ قال: خضبني هؤلاء بالدماء وفعلوا وفعلوا قال: تريد أن أريك آية؟ قال: نعم قال: ادع تلك الشجرة فدعاها رسول الله فجاءت تخط الأرض حتى قامت بين يديه قال: مرها فلترجع إلى مكانها قال: ارجعي إلى مكانك فرجعت فقال رسول الله : حسبي. هذا حديث صحيح. وقال ابن إسحاق: حدثني وهب بن كيسان سمعت عبد الله بن الزبير يقول لعبد الله بن عمير بن قتادة الليثي حدثت أبا عبيد الله عن كيف كان بدء ما ابتدأ به رسول الله من النبوة حين جاءه جبريل فقال عبيد الله بن عمير: كان رسول الله يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما تتحنث به قريش في الجاهلية. والتحنث التبرر. قال ابن إسحاق: فكان يجاور ذلك في كل سنة يطعم من جاءه من المساكين فإذا قضى جواره من شهره كان أول ما يبدأ به الكعبة فيطوف ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله كرامته وذلك الشهر رمضان خرج إلى حراء ومعه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته جاءه جبريل بأمر الله تعالى. قال رسول الله : جاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: إقرأ قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: إقرأ فقلت: وما أقرأ؟ فغتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: إقرأ قلت: وما أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي فقال: {اقرأ باسم ربك} إلى قوله {ما لم يعلم} فقرأتها ثم انتهى عني وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا. في هذا المكان زيادة زادها يونس بن بكير عن ابن إسحاق وهي: ولم يكن في خلق الله أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون فكنت لا أطيق أن أنظر إليهما فقلت: إن الأبعد يعني نفسه لشاعر أو مجنون ثم قلت: لا تحدث عني قريش بهذا أبدا لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي فلأستريحن فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فرفعت رأسي إلى السماء فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء فقال: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فوقفت أنظر إليه فما أتقدم ولا أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني فانصرفت إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا أعلى مكة ورجعوا ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: أبشر يا بن عمي واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان قد تنصر وقرأ الكتب فأخبرته بما رأى وسمع فقال ورقة: قدوس قدوس والذي نفسي بيده لئن كنت صدقت يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت فرجعت خديجة إلى رسول الله فأخبرته بقول ورقة فلما قضى جواره طاف بالكعبة فلقيه ورقة وهو يطوف فقال: أخبرني بما رأيت وسمعت فأخبره فقال: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذنه ولتخرجنه ولتقاتلنه ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه.

وقال موسى بن عقبة في مغازيه: كان فيما بلغنا أول ما رأى أن الله أرآه رؤيا في المنام فشق ذلك عليه فذكرها لخديجة فعصمها الله وشرح صدرها بالتصديق فقالت: أبشر ثم أخبرها أنه رأى بطنه شق ثم طهر وغسل ثم أعيد كما كان قالت: هذا والله خير فأبشر ثم استعلن له جبريل وهو بأعلى مكة فأجلسه في مجلس كريم معجب كان النبي يقول: أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك فيه الياقوت واللؤلؤ فبشره برسالة الله عز وجل حتى اطمأن. الذي فيها من شق بطنه يحتمل أن يكون أخبرها بما تم له في صغره ويحتمل أن يكون شق مرة أخرى ثم شق مرة ثالثة حين عرج به إلى السماء. وقال ابن بكير عن ابن إسحاق فأنشد ورقة: إن يك حقا يا خديجة فاعلمي..... حديثك إيانا فأحمد مرسل) (وجبريل يأتيه وميكال معهما..... من الله وحي يشرح الصدر منزل) (يفوز به من فاز فيها بتوبة..... ويشقى به العاني الغوي المضلل) (فسبحان من تهوى الرياح بأمره..... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل) (ومن عرشه فوق السماوات كلها..... وأقضاؤه في خلقه لا تبدل)

وقال ابن إسحاق حدثني إسماعيل بن أبي حكيم أن خديجة قالت لرسول الله : أي ابن عم إن استطعت أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال: نعم قال فلما جاءه قال: يا خديجة هذا جبريل هل تراه؟ قالت: يا بن عم قم فاجلس على فخذي اليسرى فقام فجلس عليها قالت: هل تراه: قال نعم قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى فتحول فقعد على فخذها قالت: هل تراه؟ قال: نعم قالت: فاجلس في حجري ففعل قالت: هل تراه: قال: نعم فتحسرت فألقت خمارها ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا قالت: إثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان. قال: وحدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث هذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله بينها وبين درعها فذهب عند ذلك جبريل فقالت: إن هذا لملك وما هو بشيطان. وقال أبو صالح: نا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنزل الله على نبيه {اقرأ باسم ربك} إلى قوله {ما لم يعلم} فقالوا: هذا صدرها الذي أنزل على رسول الله يوم حراء ثم أنزل آخرها بعد بما شاء الله.

وقال ابن إسحاق: ابتدئ رسول الله بالتنزيل في رمضان قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة). قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: همز جبريل بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين فتوضأ جبريل ومحمد ثم صلى ركعتين ورجع وقد أقر الله عينه وطابت نفسه فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم صلى ركعتين هو وخديجة ثم كان هو وخديجة يصليان سرا ثم إن عليا جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما يصليان فقال علي: ما هذا يا محمد. فقال: دين اصطفاه الله لنفسه وبعث به رسله فأدعوك إلى الله وحده وكفر باللات والعزى. فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم فلست بقاض أمرأ حتى أحدث به أبا طالب وكره رسول الله أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن عليه أمره فقال له: يا علي إن لم تسلم فاكتم فمكث علي تلك الليلة ثم أوقع الله في قلبه الإسلام فأصبح فجاء إلى رسول الله وبقي يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم إسلامه.

وأسلم زيد بن حارثة فمكثا قريبا من شهر يختلف علي إلى رسول الله وكان مما أنعم الله على علي أنه كان في حجر رسول الله قبل الإسلام. وقال سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال: أصابت قريشا أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة فقال النبي للعباس عمه - وكان موسرا - إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى فانطلق لنخفف عنه من عياله فأخذ النبي عليا وضمه إليه فلم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي وآمن به. وقال الدراوردي عن عمر بن عبد الله عن محمد بن كعب القرظي قال: إن أول من أسلم خديجة وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام وإن عليا كان يكتم الإسلام فرقا من أبيه حتى لقيه أبوه فقال: أسلمت؟ قال: نعم قال: آزر ابن عمك وانصره. وقال: أسلم علي قبل أبي بكر. وقال يونس: عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله قال: ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم عنه حين ذكرته وما تردد فيه. وقال إسرائيل عن ابن إسحاق عن أبي ميسرة إن النبي كان إذا برز سمع من يناديه يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فأسر ذلك إلى أبي بكر وكان نديما له في الجاهلية.

إسلام السابقين الأولين عدل

قال ابن إسحاق: ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ومعه علي فيصليان فإذا أمسيا رجعا ثم إن أبا طالب عبر عليهما وهما يصليان فقال للنبي : يا ابن أخي ما هذا؟ قال: أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين إبراهيم بعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابني وأعانني فقال أبو طالب: أي ابن أخي لا أستطيع أن أفارق دين آبائي ولكن والله لا يخلص إليك شيء تكرهه ما بقيت ولم يكلم عليا بشيء يكره فزعموا أنه قال: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فاتبعه. ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي رضي الله عنهما.

وكان حكيم بن حزام قدم من الشام برقيق فدخلت عمته خديجة بنت خويلد فقال: اختاري أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك فاختارت زيدا فأخذته فرآه النبي فاستوهبه فوهبته له فأعتقه وتبناه قبل الوحي ثم قدم أبوه حارثة لموجدته عليه وجزعه فقال النبي : إن شئت فأقم عندي وإن شئت فانطلق مع أبيك قال: بل أقيم عندك وكان يدعى زيد بن محمد فلما نزل {ادعوهم لآبائهم} قال: أنا زيد بن حارثة. وقال ابن إسحاق: وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وكان تاجرا ذا خلق ومعروف فجعل لما أسلم يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم بدعائه: عثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص فجاء بهم إلى رسول الله حين أسلموا وصلوا فكان هؤلاء النفر الثمانية أول من سبق بالإسلام وصلوا وصدقوا. ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله المخزومي والأرقم بن أبي الأرقم ابن أسد بن عبد الله المخزومي. وعثمان بن مظعون الجمحي وأخواه قدامة وعبد الله وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطلبي وسعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي وامرأته فاطمة أخت عمر بن الخطاب وأسماء بنت أبي بكر وخباب بن الأرت حليف بني زهرة وعمير بن أبي وقاص أخو سعد وعبد الله بن مسعود وسليط بن عمرو بن عبد شمس العامري وأخوه حاطب وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وامرأته أسماء وخنيس بن حذافة السهمي وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب وعبد الله وأبو أحمد ابنا جحش بن رئاب الأسدي وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس وحاطب بن الحارث الجمحي وامرأته فاطمة بنت المجلل وأخوه خطاب وامرأته فكيهة بنت يسار ومعمر بن الحارث أخوهما والسائب بن عثمان بن مظعون والمطلب بن أزهر بن عبد عوف العدوي الزهري وامرأته رملة بنت أبي عوف والنحام وهو نعيم بن عبد الله ابن أسد العدوي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية وامرأته أمينة بنت خلف وحاطب بن عمرو وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة وواقد بن عبد الله حليف بني عدي وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير حلفاء بني عدي وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم وصهيب بن سنان النمري حليف بني تيم. وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال طلحة بن عبيد الله: حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة: قلت: نعم أنا فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ فإياك أن تسبق إليه قال طلحة: فوقع في قلبي فأسرعت إلى مكة فقلت: هل من حدث؟ قالوا: نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة فدخلت عليه فقلت: اتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم فانطلق فاتبعه فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج به حتى دخلا على رسول الله فأسلم طلحة وأخبر رسول الله بذلك فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم وكان نوفل يدعى أسد قريش فلذلك سمي أبو بكر وطلحة: القرينيز. وقال إسماعيل بن مجالد عن بيان بن بشر عن وبرة عن همام قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: رأيت رسول الله وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. أخرجه البخاري. قلت: ولم يذكر عليا لأنه كان صغيرا ابن عشر سنين. وقال العباس بن سالم ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله وهو بمكة مستخفيا فقلت: من أنت؟ قال: نبي قلت: وما النبي؟ قال: رسول الله قلت: الله أرسلك؟ قال: نعم قلت: بم أرسلك؟ قال: بأن يعبد الله وتكسر الأوثان وتوصل الأرحام قلت: نعم ما أرسلت به فمن تبعك؟ قال: حر وعبد يعني أبا بكر وبلالا فكان عمرو يقول: لقد رأيتني وأنا رابع أربعة فأسلمت وقلت: أتبعك يا رسول الله قال: لا ولكن الحق بقومك فإذا أخبرت بأني قد خرجت فاتبعني أخرجه مسلم. وقال هاشم بن هاشم عن ابن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: لقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. أخرجه البخاري. وقال زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: النبي وأبو بكر وعمار وأمه وصهيب وبلال والمقداد. تفرد به يحيى بن أبي كثير. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن سعيد بن زيد قال: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام قبل أن يسلم عمر ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان لكان. أخرجه البخاري. وقال الطيالسي في مسنده: ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال: كنت يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى علي رسول الله وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقالا: يا غلام هل عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما فقالا: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟ قلت: نعم فأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ النبي الضرع فدعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شربا وسقياني ثم قال للضرع: اقلص فقلص فلما كان بعد أتيت رسول الله فقلت: علمني من هذا القول الطيب يعني القرآن فقال: إنك غلام معلم فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد.

فصل في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته إلى الله وما لقي من قومه عدل

قال جرير: عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} دعا النبي قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها. أخرجه مسلم عن قتيبة وزهير عن جرير واتفقا عليه من حديث الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة. وقال سليمان التيمي عن ابي عثمان عن قبيصة بن المخارق وزهير بن عمرو قالا: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} انطلق رسول الله إلى رضمة من جبل فعلاها ثم نادى: يا بني عبد مناف إني نذير إنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فهتف: يا صباحاه أخرجه مسلم. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} قال رسول الله : عرفت أني إن بادأت قومي رأيت منهم ما أكره فصمت عليها فجاءني جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك قال علي: فدعاني فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره فصمت ثم جاءني جبريل فقال: إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام وأعد لنا عس لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلت فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فقدمت إليهم تلك الجفنة فأخذ رسول الله منها حذية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال: كلوا باسم الله فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ثم قال رسول الله : اسقهم يا علي فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعا وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فلما أراد النبي أن يتكلم بدره أبو لهب فقال: لهدما سحركم صاحبكم فتفرقوا ولم يكلمهم فقال لي النبي من الغد: عد لنا يا علي بمثل ما صنعت بالأمس ففعلت وجمعتهم فصنع رسول الله كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نهلوا وشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا فقال النبي : يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة. قال أحمد بن عبد الجبار العطاردي: بلغني أن ابن إسحاق إنما سمعه من عبد الغفار بن القاسم أبي مريم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث. وقال يونس عن ابن إسحاق: فكان بين ما أخفى النبي أمره إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين. وقال الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} خرج رسول الله حتى صعد الصفا فهتف ؛ يا صباحاه قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد فاجتمعوا إليه فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا جمعتنا ثم قام فنزلت (تبت يدا أبي لهب وقد تب) كذا قرأ الأعمش. متفق عليه إلا وقد تب فعند بعض أصحاب الأعمش وهي في صحيح مسلم. وقال ابن عيينة: ثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: (مذمما أبينا..... ودينه قلينا..... وأمره عصينا) والنبي في المسجد فقال أبو بكر: يا رسول الله قد أقبلت وأخاف أن تراك قال: إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به وقرأ {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} فوقفت على أبي بكر ولم تر النبي فقالت: إني أخبرت أن صاحبكم هجاني فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها. روى نحوه علي بن مسهر عن سعيد بن كثير عن أبيه عن أسماء. وقال أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة إن رسول الله قال: انظروا قريشا كيف يصرف الله عني شتمهم ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد. أخرجه البخاري. وقال ابن إسحاق: وفشا الإسلام بمكة ثم أمر الله رسوله فقال {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} وقال {وقل إني أنا النذير المبين} قال: وكان أصحاب رسول الله إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر بشعب إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم وعابوا عليهم وقاتلوهم فضرب سعد رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه فكان أول دم في الإسلام فلما بادى رسول الله قومه وصدع بالإسلام لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه - فيما بلغني - حتى عاب آلهتهم فأعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته فحدب عليه عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه فلما رأت قريش أن محمدا لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه ورأوا أن عمه يمنعه مشوا إلى أبي طالب فكلموه وقالوا: إما أن تكفه عن آلهتنا وعن الكلام في ديننا وإما أن تخلي بيننا وبينه فقال لهم قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا. ثم بعد ذلك تباعد الرجال وتضاغنوا أكثرت قريش ذكر رسول الله وحض بعضهم بعضا عليه ومشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: إن لك نسبا وشرفا فينا وإنا استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه وإنا والله ما نصبر على شتم آلهتنا وتسفيه أحلامنا حتى تكفه أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوته لهم ولم يطب نفسا أن يسلم رسول الله لهم ولا أن يخذله. وقال يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى بن عبيد الله عن موسى بن طلحة قال: أخبرني عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا فقال: يا عقيل انطلق فائتني بمحمد فانطلقت إليه فاستخرجته من حفش أو كبس - يقول بيت صغير - فلما أتاهم قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن أذاهم فحلق رسول الله ببصره إلى السماء فقال: أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم قال: فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا. رواه البخاري في التاريخ عن أبي كريب عن يونس. وقال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة أن قريشا حين قالت لأبي طالب ما قالوا بعث إلى رسول الله فقال: يا بن أخي إن قومك قد جاءوا إلي فقالوا: كذا وكذا فأبق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله أنه قد بدا لعمه بداء وأنه خاذله ومسلمة فقال: يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته. ثم استعبر رسول الله ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا بن أخي فأقبلت إليه فقال: اذهب فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك أبدا. قال ابن إسحاق فيما رواه عنه يونس: ثم قال أبو طالب في ذلك شعرا. (والله لن يصلوا إليك بجمعهم..... حتى أوسد في التراب دفينا) (فامض لأمرك ما عليك غضاضة..... أبشر وقر بذاك منك عيونا) (ودعوتني وزعمت أنك ناصحي..... فلقد صدقت وكنت قدما أمينا) (وعرضت دينا قد عرفت بأنه..... من خير أديان البرية دينا) (لولا الملامة أو حذاري سبة..... لوجدتني سمحا بذاك مبينا) وقال الحارث بن عبيد: ثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان رسول الله يحرس حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} وأخرج رأسه من القبة فقال لهم: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن عباد الدؤلي قال: رأيت النبي بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول لا يغرنكم عن دينكم ودين آبائكم. قلت: من هذا؟ قالوا: أبو لهب. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ربيعة بن عباد من بني الدئل وكان جاهليا فأسلم أنه رأى النبي بذي المجاز وهو يمشي بين ظهراني الناس يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. ووراءه أبو لهب. فذكر الحديث. قال ربيعة: وأنا يومئذ أزفر القربة لأهلي. وقال شعبة عن الأشعث بن سليم عن رجل من كنانة قال: رأيت رسول الله بسوق ذي المجاز وهو يقول: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. وإذا خلفه رجل يسفي عليه التراب فإذا هو أبو جهل ويقول: لا يغرنكم هذا عن دينكم فإنما يريد أن تتركوا عبادة اللات والعزى. إسناده قوي. وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فأتى رسول الله وهو يصلي ليطأ على رقبته فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقا من نار فقال رسول الله لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا. أخرجه مسلم. وقال عكرمة عن ابن عباس قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه فبلغ النبي فقال: لو فعل لأخذته الملائكة عيانا. أخرجه البخاري. وقال محمد بن إسحاق: ثم إن قريشا أتوا أبا طالب فقالوا: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصرته واتخذه ولدا فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك نقتله فإنما رجل كرجل فقال: بئس والله ما تسومونني أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه ! هذا والله ما لا يكون أبدا. فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكره فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال: والله ما أنصفوني لكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم فقال أبو طالب: (ألا قل لعمرو والوليد ومطعم..... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر) (من الخور حبحاب كثير رغاؤه..... يرش على الساقين من بوله قطر) (أرى أخوينا من أبينا وأمنا..... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر) (أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا..... هما نبذانا مثلما ينبذ الجمر) وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني شيخ من أهل مصر منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس في قصة طويلة جرت بين المشركين وبين النبي فلما قام عنهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وسب آلهتنا وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر فإذا سجد فضخت به رأسه فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وجلس وأتى النبي فقام يصلي بين الركنين الأسود واليماني وكان يصلي إلى الشام وجلست قريش في أنديتها ينظرون فلما سجد رسول الله احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع مرعوبا منتقعا لونه قد يبست يداه على حجره حتى قذف به من يده فقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط فهم أن يأكلني. قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله قال: ذاك جبريل عليه السلام لو دنا مني لأخذه. وقال المحاربي وغيره عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر أبو جهل بالنبي وهو يصلي فقال: ألم أنهك عن أن تصلي يا محمد؟ لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فانتهره النبي فقال جبريل: {فليدع ناديه سندع الزبانية}. والله لو دعا نادية لأخذته زبانية العذاب. وقال البيهقي: أنا الحاكم أنا محمد بن علي الصنعاني بمكة نا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: ليعطوك فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله قال: قد علمت أني من أكثرها مالا قال: فقيل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر لها أو أنك كاره له قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر بأثره عن غيره فنزلت {ذرني ومن خلقت وحيدا} يعني الآيات. هكذا رواه الحاكم موصولا. ورواه معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة مرسلا. ورواه مختصرا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا. قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا قالوا: فأنت فقل وأقم لنا رأيا قال: بل أنتم فقولوا وأنا أسمع قالوا: نقول كاهن فقال: ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسجعه. فقالوا: نقول مجنون فقال: ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قالوا: فنقول شاعر قال: ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر. قالوا: فنقول ساحر؟ قال: ما هو بساحر قد رأينا السحار وسحرهم فما هو ينفثه ولا عقده. فقالوا: ما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله حلاوة وإن أصله لغدق وإن فرعه لجني فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل. وإن أقرب القول أن نقول ساحر يفرق بين المرء وبين ابنه وبين المرء وبين أخيه وبين عشيرته فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه. فأنزل في الوليد: {ذرني ومن خلقت وحيدا}. إلى قوله {سأصليه سقر} وأنزل الله في الذي كانوا معه {الذين جعلوا القرآن عضين} أي أصنافا {فوربك لنسألنهم أجمعين}. وقال ابن بكير عن ابن إسحاق عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال: قام النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال: يا معشر قريش إنه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر ولا بكاهن ولا بشاعر قد رأينا هؤلاء وسمعنا كلامه فانظروا في شأنكم. وكان النضر من شياطين قريش ممن يؤذي رسول الله وينصب له العداوة. وقال محمد بن فضيل: ثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر ابن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره فقال عتبة: لقد سمعت بقول السحر والكهانة والشعر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي إن كان كذلك فأتاه فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله؟ فلم يجبه قال: فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأسنا ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله ساكت فلما فرغ قال رسول الله : بسم الله الرحمن الرحيم. {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} فقرأ حتى بلغ {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم فقال أبو جهل: يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه فأتوه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما حسبنا إلا إنك صبأت فإن كانت بك حاجة جمعنا لك ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبدا وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} حتى بلغ {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب. رواه يحيى بن معين عنه. وقال داود بن عمرو الضبي: ثنا المثنى بن زرعة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: لما قرأ النبي على عتبة بن ربيعة {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} أتى أصحابه فقال لهم: يا قوم أطيعوني في هذا اليوم واعصوني فيما بعده فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي قط كلاما مثله وما دريت ما أرد عليه. ابن إسحاق: ثنا يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة لما أسلم حمزة قالوا له: يا أبا الوليد كلم محمدا فأتاه فقال: يا بن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة والمكان في النسب وإنك أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به بينهم وسفهت أحلامهم وعبت به آلهتهم فاسمع مني قال: قل يا أبا الوليد قال: إن كنت تريد مالا جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا سودناك وملكناك وإن كان الذي يأتيك رئيا طلبنا لك الطب حتى إذا فرغ قال: فاسمع مني قال: أفعل قال: بسم الله الرحمن الرحيم. {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته} ومضى فأنصت عتبة وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه فلما انتهى رسول الله إلى السجدة سجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك فقام إلى أصحابه فقال بعضهم: نحلف والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس قالوا: ما وراءك؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا: سحرك والله بلسانه قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني الزهري قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يتسمعون من رسول الله وهو يصلي بالليل في جوف بيته وأخذ كل رجل منهم مجلسا وكل لا يعلم بمكان صاحبه فلما أصبحوا تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقالوا: لا نعود فلو رآنا بعض السفهاء لوقع في نفسه شيء ثم عادوا لمثل ليلتهم فلما تفرقوا تلاقوا فتلاوموا لذلك فلما كان في الليلة الثالثة وأصبحوا جمعتهم الطريق فتعاهدوا أن لا يعودوا ثم إن الأخنس بن شريق أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به ثم أتى أبا جهل فقال: ما رأيك؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا واعطوا فأعطينا حتى إذا يجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان. قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه فقام الأخنس عنه. وقال يونس بن بكير عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول الله أني أمشي أنا وأبو جهل إذ لقينا رسول الله فقال لأبي جهل: يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا هل تريد إلا أن نشهد أن قد بلغت فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق ما اتبعتك فانصرف رسول الله وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن بنو قصي قالوا فينا الحجابة فقلنا نعم فقالوا فينا الندوة قلنا نعم ثم قالوا: فينا اللواء فقلنا: نعم وقالوا: فينا السقاية فقلنا: نعم ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي والله لا أفعل.

شعر أبي طالب في معاداة خصومه عدل

وقال ابن إسحاق: ثم إن قريشا وثبت كل قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم فمنع الله رسوله بعمه أبي طالب فقام أبو طالب فدعا بني هاشم وبني المطلب إلى ما هو عليه من منع رسول الله والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه إلا ما كان من الخاسر أبي لهب فجعل أبو طالب يمدحهم ويذكر قديمهم ويذكر فضل محمد وقال في ذلك أشعارا ثم إنه لما خشي دهماء العرب أن يركبوه مع قومه لما انتشر ذكره قال قصيدته التي منها: (ولما رأيت القوم لا ود فيهم..... وقد قطعوا كل العرى والوسائل) (وقد صارحونا بالعداوة والأذى..... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل) (صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة..... وأبيض عضب من تراث المقاول) (وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي..... وأمسكت من أثوابه بالوصائل) (أعوذ برب الناس من كل طاعن..... علينا بسوء أو ملح بباطل) وفيها يقول: (كذبتم وبيت الله نبزى محمدا..... ولما نطاعن دونه ونناضل) (ونسلمه حتى نصرع حوله..... ونذهل عن أبنائنا والحلائل) وينهض قوم نحوكم غير عزل..... يبيض حديث عهدها بالصياقل) (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه..... ثمال اليتامى عصمة للأرامل) (يلوذ به الهلاك من آل هاشم..... فهم عنده في رحمة وفواضل) (لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد..... وإخوته دأب المحب المواصل) (فمن مثله في الناس أي مؤمل..... إذا قاسه الحكام عند التفاضل) (حليم رشيد عادل غير طائش..... يوالي إلها ليس عنه بغافل) (فوالله لولا أن أجيء بسبة..... تجر على أشياخنا في المحافل) (لكنا أتبعناه على كل حالة..... من الدهر جدا غير قول التهازل) (لقد علموا أن ابننا لا مكذب..... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل) (فأصبح فينا أحمد ذو أرومة..... يقصر عنها سورة المتطاول) (حدبت بنفسي دونه وفديته..... ودافعت عنه بالذرى والكلاكل) (جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا..... عقوبة شر عاجلا غير آجل) فلما انتشر ذكر رسول الله بين العرب ذكر بالمدينة ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله حين ذكر وقبل أن يذكر من الأوس والخزرج وذلك لما كانوا يسمعون من الأحبار وكانوا حلفاء يعني اليهود في بلادهم وكان أبو قيس بن الأسلت يحب قريشا وكان لهم صهرا وعنده أرنب بنت أسد بن عبد العزى وكان يقيم بمكة السنين بزوجته فقال: (أيا راكبا إما عرضت فبلغا..... مغلغلة عني لؤي بن غالب) (رسول امرىء قد راعه ذات بينكم..... على النأي محزون بذلك ناصب) (أعيذكم بالله من شر صنعكم..... وشر تباغيكم ودس العقارب) (متى تبعثوها تبعثوها ذميمة..... هي الغول للأقصين أو للأقارب) (أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم..... لنا غاية قد نهتدي بالذوائب) (فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا..... بأركان هذا البيت بين الأخاشب) (فعندكم منه بلاء ومصدق..... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب) (فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم..... جنود المليك بين ساف وحاصب) (فولوا سراعا هاربين ولم يؤب..... إلى أهله ملجيش غير عصائب) أبو يكسوم ملك أصحاب الفيل. وقال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت أصابت قريش من رسول الله فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وفعل وفعل فطلع عليهم رسول الله فاستلم الركن وطاف بالبيت فلما مر غمزوه ببعض القول فعرفت ذلك في وجهه فلما مر الثانية غمزوه فلما مر الثالثة غمزوه فوقف فقال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده جئتكم بالذبح قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائرا وقع حتى إن أشدهم فيه وطأة ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه يقول: انصرف يا أبا القاسم فوالله ما كنت جهولا فانصرف رسول الله حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبيناهم في ذلك إذ طلع النبي فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ فيقول: نعم فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه فقام أبو بكر دونهم يبكي ويقول: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} ثم انصرفوا عنه فحدثني بعض آل أبي بكر أن أم كلثوم بنت أبي بكر قالت: لقد رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحيته وكان كثر الشعر.

إسلام أبي ذر (رض) عدل

قال سليمان بن المغيرة: نا حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وهيئة فأكرمنا فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس فجاء خالنا فثنا علينا ما قيل له فقلت له: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته ولا جماع لك فيما بعد فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي فانطلقنا فنزلنا بحضرة مكة فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله بثلاث سنين فقلت: لمن؟ قال لله قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني الله أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل القيت كأني خفاء - يعني الثوب - حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني حتى آتيك فأتى مكة فراث - أي أبطأ - علي ثم أتاني فقلت ما حبسك قال: لقيت رجلا بمكة يزعم أن الله أرسله على دينك قلت: ما يقول الناس؟. قال: يقولون: إنه شاعر وساحر وكاهن وكان أنيس أحد الشعراء. فقال: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر ووالله إنه لصادق وإنهم لكاذبون. قال: قلت له: هل أنت كافيني حتى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم وكن من أهل مكة على حذر فإنهم قد شنفوا له وتجهموا فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلى الصابئ قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر فأتيت زمزم فشربت من مائها وغسلت عني الدم ودخلت بين الكعبة وأستارها ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم وما لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع. فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان قد ضرب الله على اصمخة أهل مكة فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين فأتتا علي وهما تدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى قال: فما تناهتا عن قولهما - وفي لفظ: فما ثناهما ذلك عما قالتا - فأتتا علي فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا. فاستقبلهما رسول الله وأبو بكر وهما هابطان من الجبل فقالا لهما: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قالا: ما قال لكما؟ قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم. فجاء رسول الله وصاحبه فاستلم الحجر ثم طافا فلما قضى صلاته أتيته فكنت أول من حياة بتحية الإسلام. فقال: وعليك السلام ورحمة الله. ثم قال: ممن أنت؟ قلت: من غفار فأهوى بيده فوضعها على جبينه فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار فأهويت لآخذ بيده فقدعني صاحبه وكان أعلم به مني ثم رفع رأسه فقال: متى كنت ها هنا؟ قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فقال: إنها مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم. فقال أبو بكر: إئذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة ففعل فانطلقا وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من زبيبن الطائف فكان ذلك أول طعام أكلته بها. قال فغبرت ما غبرت ثم أتيت رسول الله فقال: إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل لا أحسبها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟ فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا فقال لي: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت ثم أتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فأسلمت ثم احتملنا حتى أتينا قومنا غفار فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله المدينة وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رخصة الغفاري وكان سيدهم يومئذ وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله أسلمنا فقدم المدينة فأسلم بقيتهم. وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه فاسموا فقال: غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله أخرجه مسلم عن هدبة عن سليمان [بن المغيرة]. وفي الصحيحين من حديث المثنى بن سعيد عن أبي جمرة الضبعي أن ابن عباس حدثهم بإسلام أبي ذر قال: أرسلت أخي فرجع وقال: رأيت رجلا يأمر بالخير فلم يشفني فأتيت مكة فجعلت لا أعرفه وأشرب من زمزم فمر بي علي فقال: كأنك غريب قلت: نعم قال: انطلق إلى المنزل فانطلقت معه فلم أسأله فلما أصبحنا جئت المسجد ثم مر بي علي فقال: أما آن لك أن تعود؟ قلت: لا قال: ما أمرك؟ قلت: إن كتمت علي أخبرتك ثم قلت: بلغنا أنه خرج نبي قال: قد رشدت فاتبعني فأتينا النبي فقلت: اعرض علي الإسلام فعرضه علي فأسلمت فقال: اكتم إسلامك وارجع إلى قومك قلت: والله لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد فقال: يا معاشر قريش أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا فضربت لأموت فأدركني العباس فأكب علي وقال: تقتلون ويلكم رجلا من بني غفار ومتجركم وممركم على غفار فأطلقوا عني. ثم فعلت من الغد كذلك وأدركني العباس أيضا. وقال النضر بن محمد اليمامي: ثنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك بن الوليد عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت ربع الإسلام اسلم قبلي ثلاثة نفر أتيت النبي فقلت: السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فرايت الاستبشار في وجهه.

إسلام حمزة عدل

وقال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم وكان واعية أن أبا جهل مر برسول الله عند الصفا فآذاه وشتمه فلم يكلمه النبي ومولاة لعبد الله بن جدعان تسمع ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له وكان صاحب قنص وكان إذا رجع من قنصه بدأ بالطواف بالكعبة وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة فلما مر بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة [لو رأيت] ما لقي ابن أخيك آنفا من أبي الحكم وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ولم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته فخرج يسعى مغذا لأبي جهل فلما رآه جالسا في القوم أقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ثم قال: أتشتمه ! فأنا على دينه أقول ما يقول فرد علي ذلك إن استطعت فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فوالله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا وتم حمزة على إسلامه فلما أسلم عرفت قريش أن رسول الله : قد عز وامتنع وأن حمزة رضي الله عنه سيمنعه فكفوا بعض الشيء.

إسلام عمر رضي الله عنه عدل

وقال عبد بن حميد وغيره: ثنا أبو عامر العقدي ثنا خارجة بن عبد الله ابن زيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام. وروي نحوه عن عبيد الله بن دينار عن ابن عمر. وقال مبارك بن فضالة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن ابن عباس أن النبي قال: اللهم أعز الدين بعمر. وقال عبد العزيز الأوسي: ثنا الماجشون بن أبي سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة. قال إسماعيل بن أبي خالد: ثنا قيس قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. أخرجه البخاري. وقال أحمد في مسنده: نا أبو المغيرة ثنا صفوان ثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر: خرجت أتعرض رسول الله فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش فقرأ {إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} الآيات فوقع في قلبي الإسلام كل موقع. وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عبد الله ابن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر قال: كان أول إسلام عمر أن عمر قال: ضرب أختي المخاض ليلا فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة فجاء النبي فدخل الحجر وعليه تبان فصلى ما شاء الله ثم انصرف فسمعت شيئا لم أسمع مثله فخرج فأتبعته فقال: من هذا؟ قلت: عمر قال: يا عمر ما تدعني ليلا ولا نهارا فخشيت أن يدعو علي فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال: يا عمر أسره. قلت: لا والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك.

وقال محمد بن عبيد الله بن المنادي: ثنا إسحاق الأزرق ثنا القاسم ابن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال: خرج عمر رضي الله عنه متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فقال: ما أراك إلا قد صبأت. قال: أفلا أدلك على العجب إن ختنك وأختك قد صبآ وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب فلما سمع بحس عمر توارى في البيت فدخل فقال: ما هذه الهينمة؟ وكانوا يقرءون طه قالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا قال: فلعلكما قد صبأتما؟ فقال له ختنه: يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عليه فوطئه وطئا شديدا فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقراه وكان عمر يقرأ الكتاب فقالت أخته: إنك رجس وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ (طه) حتى انتهى إلى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} فقال عمر: دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك ليلة الخميس: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام. وكان رسول الله في أصل الدار التي في أصل الصفا. فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة وطلحة وناس فقال حمزة: هذا عمر إن يرد الله به خيرا يسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال: والنبي داخل يوحى إليه فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ فهذا عمر اللهم أعز الإسلام بعمر فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله. وقد رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق وقال فيه: زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو. وقال ابن عيينة عن عمرو عن ابن عمر قال: إني لعلى سطح فرأيت الناس مجتمعين على رجل وهم يقولون: صبأ عمر فجاء العاص بن وائل عليه قباء ديباج فقال: إن كان عمر قد صبأ فمه أنا له جار قال: فتفرق الناس عنه قال: فعجبت من عزه. أخرجه البخاري عن ابن المديني عنه.

قال البكائي عن ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه قال ابن عمر: وغدوت أتبع أثره وأنا غلام أعقل حتى جاءه فقال: أعلمت أني أسلمت؟ فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال يقول عمر من خلفه: كذب ولكني أسلمت وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم قال وطلح (فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم) أو تركتموها لنا فبينا هو على ذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر قال: فمه ! رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون ! أترون بني كعب بن عدي يسلمونه ! خلوا عنه قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه فقلت لأبي بعد أن هاجر: يا أبه من الرجل الذي زجر القوم عنك؟ قال العاص بن وائل. وأخرجه ابن حبان من حديث جرير بن حازم عن ابن إسحاق.

وقال إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال لنا عمر: كنت أشد الناس على رسول الله فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة في بعض طريق مكة إذ لقيني رجل فقال: عجبا لك يا بن الخطاب إنك تزعم أنك وأنك وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب وقد كان رسول الله إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لا شيء له ضمهما إلى من في يده سعة فينالان من فضل طعامه وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين فلما قرعت الباب قيل: من هذا؟ قيل: عمر فتبادروا فاختفوا مني وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم تركوها أو نسوها فقامت أختي تفتح الباب فقلت: يا عدوة نفسها أصبأت وضربتها بشيء في يدي على رأسها فسال الدم وبكت وقالت: يا بن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد صبأت قال: ودخلت حتى جلست على السرير فنظرت إلى الصحيفة فقلت: ما هذا ناولينها قالت: لست من أهلها أنت لا تطهر من الجنابة وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون فما زلت بها حتى ناولتنيها ففتحتها فإذا فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت منه فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها {سبح لله ما في السماوات والأرض} فذعرت فقرأت إلى {آمنوا بالله ورسوله} فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله فخرجوا إلي متبادرين وكبروا وقالوا: أبشر فإن رسول الله دعا يوم الاثنين فقال: اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك إما أبو جهل وإما عمر ودلوني على النبي في بيت بأسفل الصفا فخرجت حتى قرعت الباب فقالوا: من؟ قلت: ابن الخطاب وقد علموا شدتي على رسول الله فما اجترأ أحد أن يفتح الباب حتى قال: افتحوا له ففتحوا لي فأخذ رجلان بعضدي حتى أتيا بي النبي فقال: خلوا عنه ثم أخذ بمجامع قميصي وجذبني إليه ثم قال: أسلم يابن الخطاب اللهم اهده فتشهدت فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة وكانوا مستخفين فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب ويضرب إلا رأيته ولا يصيبني من ذلك شيء فجئت خالي وكان شريفا فقرعت عليه الباب فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب وقد صبأت قال: لا تفعل ثم دخل وأجاف الباب دوني. فقلت: ما هذا بشيء فذهبت إلى رجل من عظماء قريش فناديته فخرج إلي فقلت مثل ما قال لخالي وقال لي مثل ما قال خالي فدخل وأجاف الباب دوني فقلت: ما هذا بشيء إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب فقال لي رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم. قال: فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلانا - لرجل لم يكن يكتم السر - فقل له فيما بينك وبينه إني قد صبأت فإنه قلما يكتم السر فجئت وقد اجتمع الناس في الحجر فقلت فيما بيني وبينه: إني قد صبأت قال: أوقد فعلت؟ قلت: نعم فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ فبادروا إلي فما زلت أضربهم ويضربونني واجتمع علي الناس قال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر قد صبأ فقام على الحجر فأشار بكمه: ألا إني قد أجرت ابن أختي فتكشفوا عني فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني ما يصيب المسلمين فأتيت خالي فقلت: جوارك رد عليك فما زلت أضرب واضرب حتى أعز الله الإسلام. ويروى عن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق؟ فقال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام فخرجت إلى المسجد فأسرع أبو جهل إلى النبي يسبه فأخبر حمزة فأخذ قوسه وجاء إلى المسجد إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل فنظر إليه فعرف أبو جهل الشر في وجهه فقال: ما لك يا أبا عمارة؟ فرفع القوس فضرب بها أخدعيه فقطعه فسالت الدماء فأصلحت ذلك قريش مخافة الشر قال: ورسول الله مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فانطلق حمزة فأسلم وخرجت بعده بثلاثة أيام فإذا فلان المخزومي فقلت: أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقا مني قلت: ومن هو؟ قال: أختك وختنك فانطلقت فوجدت همهمة فدخلت فقلت: ما هذا؟ فما زال الكلام بيننا حتى أخذت برأس ختني فضربته وأدميته فقامت إلي أختي فأخذت برأسي وقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك فاستحييت حين رأيت الدماء فجلست وقلت: أروني هذا الكتاب فقالت: إنه لا يمسه إلا المطهرون فقمت فاغتسلت فأخرجوا إلي صحيفة فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) قلت: أسماء طيبة طاهرة {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} إلى قوله {له الأسماء الحسنى} فتعظمت في صدري وقلت: من هذا فرت قريش فأسلمت وقلت: أين رسول الله ؟ قالت: فإنه في دار الأرقم فأتيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر قال: وعمر ! افتحوا له الباب فإن أقبل قبلنا منه وإن أدبر قتلناه فسمع ذلك رسول الله فخرج فتشهد عمر فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قلت: يا رسول الله ألسنا على الحق؟ قال: بلى فقلت: ففيم الاختفاء فخرجنا صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلي وإلى حمزة فأصابتهم كآبة شديدة فسماني رسول الله (الفاروق) يومئذ وفرق بين الحق والباطل. وقال الواقدي: ثنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن ابن المسيب قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة فلما أسلم ظهر الإسلام بمكة. وقال الواقدي: ثنا معمر عن الزهري أن عمر أسلم بعد أن دخل النبي دار الأرقم وبعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء فلما أسلم أنزل جبريل فقال: يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر.

وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من الصحابة إلى الحبشة. فحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه ليلى قالت: كان عمر من أشد الناس علينا في إسلامنا فلما تهيأنا للخروج إلى الحبشة جاءني عمر وأنا على بعير نريد أن نتوجه فقال: إلى أين يا أم عبد الله؟ فقلت: قد آذيتمونا في ديننا فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى في عبادة الله فقال: صحبكم الله ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة فأخبرته بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب فقال: ترجين أن يسلم؟ قلت: نعم قال: فوالله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب. يعني من شدته على المسلمين. قال يونس: عن ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشرة امرأة.

الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية عدل

قال يعقوب الفسوي في تاريخه حدثني العباس بن عبد العظيم حدثني بشار بن موسى الخفاف ثنا الحسن بن زياد البرجمي - إمام مسجد محمد بن واسع - ثنا قتادة قال: أول من هاجر إلى الله تعالى بأهله عثمان بن عفان سمعت النضر بن أنس يقول: سمعت أبا حمزة يعني أنس بن مالك يقول: خرج عثمان برقية بنت رسول الله إلى الحبشة فأبطأ خبرهم فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد قد رأيت ختنك ومعه امرأته فقال: على أي حال رأيتهما؟ قالت: رأيته حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها فقال رسول الله : صحبهما الله إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط. ورواه يحيى بن أبي طالب عن بشار عن عبد الله بن إدريس ثنا ابن إسحاق حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعروة وعبد الله بن أبي بكر وصلت الحديث عن أبي بكر عن أم سلمة قالت: لما أمرنا بالخروج إلى الحبشة قال رسول الله حين رأى ما يصيبنا من البلاء: إلحقوا بأرض الحبشة فإن بها ملكها لا يظلم عنده أحد فأقيموا ببلاده حتى يجعل الله لكم مخرجا مما أنتم فيه فقدمنا عليه فاطمأننا في بلاده. الحديث. قال البغوي في تاسع المخلصيات: وروى ابن عون عن عمير بن إسحاق عن عمرو بن العاص بعض هذا الحديث. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول الله ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه وأنه لا يقدر أن يمنعهم من البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج عند ذلك المسلمون مخافة الفتنة وفرارا بدينهم إلى الله. فخرج عثمان بزوجته وأبو حذيفة ولد عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو فولدت له بالحبشة محمدا والزبير بن العوام ومصعب بن عمير العبدري وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته أم سلمة أم المؤمنين وعثمان بن مظعون الجمحي وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب وامرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى العامري وسهيل بن بيضاء وهو سهيل بن وهب الحارثي فكانوا أول من هاجر إلى الحبشة. قال: ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إلى الحبشة. ثم سمي ابن إسحاق جماعتهم وقال: فكان جميع من لحق بأرض الحبشة أو ولد بها ثلاثة وثمانين رجلا فعبدوا الله وحمدوا جوار النجاشي فقال عبد الله بن الحارث بن قيس السهمي: (يا راكبا بلغا عني مغلغلة..... من كان يرجو بلاغ الله والدين) (كل امرئ من عبد الله مضطهد..... ببطن مكة مقهور ومفتون) (إنا وجدنا بلاد الله واسعة..... تنجي من الذل والمخزاة والهون) (فلا تقيموا على ذل الحياة وخزي..... في الممات وعيب غير مأمون) (إنا تبعنا نبي الله واطرحوا..... قول النبي وعالوا في الموازين) (فاجعل عذابك في القوم الذين بغوا..... وعائذ بك أن يعلوا فيطغوني) وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف ابن عمه وكان يؤذيه: (أتيم بن عوف والذي جاء بغضة..... ومن دونه الشر مان والبرك أكتع) (أأخرجتني من بطن مكة آثما..... وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع)

(تريش نبالا لا يواتيك ريشها..... وتبري نبالا ريشها لك أجمع) (وحاربت أقواما كراما أعزة..... وأهلكت أقواما بهم كنت تفزع) (ستعلم إن نابتك يوما ملمة..... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع) وقال موسى بن عقبة ثم إن قريشا ائتمروا واشتد مكرهم وهموا بقتل رسول الله أو إخراجه فعرضوا على قومه أن يعطوهم ديته ويقتلوه فأبوا حمية. ولما دخل رسول الله شعب بني عبد المطلب أمر أصحابه بالخروج إلى الحبشة فخرجوا مرتين ؛ رجع الذين خرجوا في المرة الأولى حين أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون: لو كان محمد يذكر آلهتنا بخير قررناه وأصحابه ولكنه لا يذكر من حالفه من اليهود والنصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله يتمنى هداهم فأنزلت {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فألقى الشيطان عندها كلمات وإنهن الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى فوقعت في قلب كل مشرك بمكة ودالت بها ألسنتهم وتباشروا بها. وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى ديننا فلما بلغ آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان شيخا كبيرا رفع ملء كفية ترابا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود بسجود رسول الله عجب المسلمون بسجود المشركين معهم ولم يكن المسلمون سمعوا ما ألقى الشيطان وأما المشركون فاطمأنوا إلى رسول الله وأصحابه لما ألقي في أمنية رسول الله ؛ وحدثهم الشيطان أن رسول الله قد قرأها في السجدة فسجدوا تعظيما لآلهتهم. وفشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين عثمان بن مظعون وأصحابه وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا وأن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان وأنزلت {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} الآيات. فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم. وكان عثمان بن مظعون وأصحابه فيمن رجع فلم يستطيعوا أن يدخلوا مكة إلا بجوار فأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون فلما رأى عثمان ما يلقى أصحابه من البلاء وعذب طائفة منهم بالسياط والنار وعثمان معافى لا يعرض له استحب البلاء فقال للوليد: يا عم قد أجرتني وأحب أن تخرجني إلى عشيرتك فتبرأ مني فقال: يا بن أخي لعل أحدا آذاك أو شتمك؟ قال: لا والله ما اعترض لي أحد ولا آذاني فلما أبى إلا أن يتبرأ منه أخرجه إلى المسجد وقريش فيه كأحفل ما كانوا ولبيد بن ربيعة الشاعر ينشدهم فأخذ الوليد بيد عثمان وقال: إن هذا قد حملني على أن أتبرأ من جواره وإني أشهدكم أني بريء منه إلا أن يشاء فقال عثمان: صدق أنا والله أكرهته على ذلك وهو مني بريء ثم جلس مع القوم فنالوا منه. قال موسى: وخرج جعفر بن أبي طالب وأصحابه فرارا بدينهم إلى الحبشة فبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة وأمروهما أن يسرعا ففعلا وأهدوا للنجاشي فرسا وجبة ديباج وأهدوا لعظماء الحبشة هدايا فقبل النجاشي هديتهم وأجلس عمرا على سريره فقال: إن بأرضك رجالا منا سفهاء ليسوا على دينك ولا ديننا فادفعهم إلينا فقال: حتى أكلمهم وأعلم على أي شيء هم فقال عمرو: هم أصحاب الرجل الذي خرج فينا وإنهم لا يشهدون أن عيسى ابن الله ولا يسجدون لك إذا دخلوا فأرسل النجاشي إلى جعفر وأصحابه فلم يسجد له ولا أصحابه وحيوه بالسلام فقال عمرو: ألم نخبرك بخبر القوم فقال النجاشي: حدثوني أيها الرهط ما لكم لا تحيوني كما يحييني من أتاني من قومكم وأخبروني ما تقولون في عيسى وما دينكم؟ أنصارى أنتم؟ قالوا: لا قال: أفيهود أنتم؟ قالوا: لا قال: فعلى دين قومكم؟ قالوا: لا قال: فما دينكم؟ قالوا: الإسلام قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا قال: من جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل منا قد عرفنا وجهه ونسبه بعثه الله كما بعث الرسل إلى من كان قبلنا فأمرنا بالبر والصدقة والوفاء والأمانة ونهانا أن نعبد الأوثان وأمرنا أن نعبد الله فصدقناه وعرفنا كلام الله فعادانا قومنا وعادوه وكذبوه وأرادونا على عبادة الأصنام ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا فقال النجاشي: والله إن خرج هذا الأمر إلا من المشكاة التي خرج منها أمر عيسى قال: وأما التحية فإن رسولنا أخبرنا أن تحية أهل الجنة السلام فحييناك بها وأما عيسى فهو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول. فخفض النجاشي يده إلى الأرض وأخذ عودا فقال: والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت هذا الحبشة لتخلعنك فقال: والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا وما أطاع الله الناس في حين رد إلي ملكي فأنا أطيع الناس في دين الله ! معاذ الله من ذلك. وكان أبو النجاشي ملك الحبشة فمات والنجاشي صبي فأوصى إلى أخيه أن إليك ملك قومك حتى يبلغ ابني فإذا بلغ فله الملك فرغب أخوه في الملك فباع النجاشي لتاجر وبادر بإخراجه إلى السفينة فأخذ الله عمه قعصا فمات فجاءت الحبشة بالتاج وأخذوا النجاشي فملكوه وزعموا أن التاجر قال: ما لي بد من غلامي أو مالي قال النجاشي صدق ادفعوا إليه ماله. قال: فقال النجاشي حين كلمه جعفر: ردوا إلى هذا هديته - يعني عمرا - والله لو رشوني على هذا دبر ذهب - والدبر بلغته الجبل - ما قبلته وقال لجعفر وأصحابه: أمكثوا آمنين وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق. وألقى الله العداوة بين عمرو وعمارة بن الوليد في مسيرهما فمكر به عمرو وقال: إنك رجل جميل فاذهب إلى امرأة النجاشي فتحدث عندها إذا خرج زوجها فإن ذلك عون لنا في حاجتنا فراسلها عمارة حتى دخل عليها فلما دخل عليها انطلق عمرو إلى النجاشي فقال: إن صاحبي هذا صاحب نساء وإنه يريد أهلك فاعلم علم ذلك فبعث النجاشي فإذا عمارة عند امرأته فأمر به فنفخ في إحليله سحرة ثم ألقي في جزيرة من البحر فجن وصار مع الوحش ورجع عمرو خائب السعي. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع ما نكره فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين جلدين وأن يهودا للنجاشي فبعثوا بالهدايا مع عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص. وذكر القصة بطولها وستأتي إن شاء الله رواها جماعة عن ابن إسحاق. وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية كانت سنة خمس من المبعث. وقال حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله : إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلا ومعنا جعفر وعثمان بن مظعون وبعثت قريش عمارة وعمرو بن العاص وبعثوا معهما بهدية إلى النجاشي فلما دخلا عليه سجدا له وبعثا إليه بالهدية وقالا: إن ناسا من قومنا رغبوا عن ديننا وقد نزلوا أرضك فبعث إليهم فقال لنا جعفر: أنا خطيبكم اليوم قال: فاتبعوه حتى دخلوا على النجاشي فلم يسجدوا له فقال: وما لكم لم تسجدوا للملك؟ فقال: إن الله قد بعث إلينا نبيه فأمرنا أن لا نسجد إلا لله فقال النجاشي: وما ذاك؟ قال عمرو: إنهم يخالفونك في عيسى قال: فما تقولون في عيسى وأمه؟ قال: نقول كما قال الله هو روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يفرضها ولد فتناول النجاشي عودا فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما تزيدون على ما يقول هؤلاء ما يزن هذا فمرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه نبي ولوددت أني عنده فأحمل نعليه - أو قال أخدمه - فانزلوا حيث شئتم من أرضي فجاء ابن مسعود فشهد بدرا. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن حديج. وقال عبيد الله بن موسى: أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال: أمرنا رسول الله أن ننطلق مع جعفر إلى الحبشة. وساق كحديث حديج. ويظهر لي أن إسرائيل وهم فيه ودخل عليه حديث في حديث وإلا أين كان أبو موسى الأشعري ذلك الوقت. رجعنا إلى تمام الحديث الذي سقناه عن أم سلمة قالت: فلم يبق بطريق من بطارقة النجاشي إلا دفعا إليه هدية قبل أن يكلما النجاشي وأخبرا ذلك البطريق بقصدهما ليشير على الملك بدفع المسلمين إليهم ثم قربا هدايا النجاشي فقبلها ثم كلماه فقالا: أيها الملك إنه قدم إلى بلادك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت فقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من أقاربهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم قالت: ولم يكن أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي فقالت بطارقته حوله: صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم من دينهم فأسلمهم إليهما فغضب ثم قال: لاها الله إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقولان فأرسل إلى الصحابة فدعاهم فلما جاءوا وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم سألهم فقال: ما دينكم؟ فكان الذي كلمه جعفر فقال: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة وأمرنا بالصدق والأمانة وصلة الرحم وعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه واتبعناه فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا وضيقوا علينا فخرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك قالت: قال: وهل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال جعفر: نعم وقرأ عليه صدرا من (كهيعص) فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة إنطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكاد. قالت: فلما خرجا من عنده قال عمرو: والله لآتينهم غدا بما أستأصل به خضراءهم فقال له ابن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحاما قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد ثم غدا عليه فقال له ذلك فطلبنا قالت: ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله ما قال الله كائنا في ذلك ما كان فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فأخذ النجاشي عودا ثم قال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته حوله فقال: وإن نخرتم والله إذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم: الآمنون - من سبكم غرم ما أحب أن لي دبرا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم ردوا هداياهما فلا حاجة لي فيها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به. قالت: فإنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه فوالله ما علمنا حزنا قد كان أشد علينا من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. فسار إليه النجاشي وكان بينهما عرض النيل فقال أصحاب رسول الله : من رجل يخرج حتى يحضر الوقعة ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير: أنا فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها يلتقي القوم ثم انطلق حتى حضرهم ودعونا الله تعالى للنجاشي فإنا لعلى ذلك إذ طلع الزبير يسعى فلمع بثوبه وهو يقول: ألا أبشروا فقد ظهر النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده. قال الزهري: فحدثت عروة بن الزبير هذا الحديث فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة إلى آخره؟ قلت: لا قال: فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشي وكان للنجاشي عم من صلبه اثنا عشر رجلا فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا هذا وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ولأخيه اثنا عشر ولدا فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا فعدوا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه. فمكثوا حينا ونشأ النجاشي مع عمه فكان لبيبا حازما فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزلة فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت بينها: والله لقد غلب هذا على عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا وإن ملك ليقتلنا بأبيه فكلموا الملك فقال: ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم ! بل أخرجه من بلادكم قالت: فخرجوا به فباعوه لتاجر بستمائة درهم فقذفه في سفينة وانطلق به حتى إذا كان آخر النهار هاجت سحابة فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو محمق ليس في ولده خير فمزج الأمر فقالوا: تعلموا والله إن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتموه غدوة فخرجوا في طلبه فأدركوه وأخذوه من التاجر ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير ملكه فجاء التاجر فقال: مالي قالوا: لا نعطيك شيئا فكلمه فأمرهم فقال: أعطوه دراهمه أو عبده قالوا: بل نعطيه دراهمه فكان ذلك أول ما خبر من عدله رضي الله عنه. وروى يزيد بن رومان عن عروة قال: إنما كان يكلم النجاشي عثمان بن عفان رضي الله عنه.

أنبأنا إبراهيم بن حمد وجماعة أنا ابن ملاعب ثنا الأرموي أنا جابر بن ياسين أنا المخلص أنا البغوي ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ثنا أسد بن عمرو البجلي عن مجالد عن الشعبي عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: بعثت قريش عمرا وعمارة بهدية إلى النجاشي ليؤذوا المهاجرين. فخلوهم فقال عمرو: وإنهم يقولون في عيسى غير ما تقول: فأرسل إلينا وكانت الدعوة الثانية أشد علينا فقال: ما يقول صاحبكم في عيسى؟ قال: وذكر الحديث فقال النجاشي أعبيد هم لكم؟ قالوا: لا قال: فلكم عليهم دين؟ قالوا: لا قال: يقول: هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول فقال: ادعوا لي فلانا القس وفلانا الراهب فأتاه أناس منهم فقال: ما تقولون في عيسى؟ قالوا: أنت أعلمنا قال: وأخذ شيئا من الأرض فقال: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء مثل هذا ثم قال: أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم فنادى من آذى منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا فأضعفها قال: فلما ظهر النبي وهاجر أخبرناه قال فزودنا وحملنا ثم قال: أخبر صاحبك بما صنعت إليكم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله وقل له يستغفر لي فأتينا المدينة فتلقاني النبي فاعتنقني وقال: ما أدري أنا بقدوم جعفر أفرح أم بفتح خيبر وقال: اللهم اغفر للنجاشي ثلاث مرات وقال المسلمون: آمين.

إسلام ضماد عدل

داود بن أبي هند عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قدم ضماد مكة وهو من أزد شنوءة وكان يرقي من هذه الرياح فسمع سفهاء من سفهاء الناس يقولون إن محمدا مجنون فقال: آتي هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي قال: فلقيت محمدا فقلت: إني أرقي من هذه الرياح وإن الله يشفي على يدي من يشاء فهلم فقال محمد: إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (ثلاث مرات) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات فهلم يدك أبايعك على الإسلام فبايعه رسول الله وقال له: وعلى قومك فقال: وعلى قومي. فبعث النبي سرية فمروا بقوم ضماد. فقال صاحب الجيش للسرية: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم مطهرة فقال: ردوها عليهم فإنهم قوم ضماد. أخرجه مسلم.

إسلام الجن عدل

قال الله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} الآيات وقال: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} وأنزل فيهم سورة الجن. وقال أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله على الجن ولا رآهم انطلق رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. قال: فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فأنزلت {قل أوحي إلي}. متفق عليه. ويحمل قول ابن عباس: إن النبي ما قرأ على الجن ولا رآهم يعني أول ما سمعت الجن القرآن ثم إن داعي الجن أتى النبي - كما في خبر ابن مسعود وابن مسعود قد حفظ القصتين فقال سفيان الثوري عن عاصم بن زر عن عبد الله قال: هبطوا على رسول الله وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه أنصتوا قالوا: صه وكانوا سبعة أحدهم زوبعة فأنزل الله: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} الآيات. وقال مسعر: عن معن ثنا أبي سألت مسروقا: من آذن النبي بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه آذنته بهم شجرة. متفق عليه. وقال داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب رسول الله ليلة الجن منكم أحد؟ فقال: ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا اغتيل استطير ما فعل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان في وجه الصبح - أو قال في السحر - إذا نحن به يجيء من قبل حراء فقلت: يا رسول الله فذكروا الذي كانوا فيه فقال: إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. رواه مسلم. وقد جاء ما يخالف هذا فقال عبد الله بن صالح: حدثني الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي من أهل الشام أنه سمع ابن مسعود يقول: إن رسول الله قال لأصحابه وهو بمكة من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل فلم يحضر منهم أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى ما بقي منهم رهط وفرغ رسول الله مع الفجر فانطلق فتبرز ثم أتاني فقال: ما فعل الرهط؟ فقلت: هم أولئك يا رسول الله فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه زادا ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث. أخرجه النسائي من حديث يونس. وقال سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي أن ابن مسعود أبصر زطا في بعض الطريق فقال: ما هؤلاء؟ قالوا هؤلاء الزط قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن وكانوا مستنفرين يتبع بعضهم بعضا. صحيح. يقال: استنفر الرجل بثوبه إذا أخذ ذيله من بين فخذيه إلى حجزته فغرزه. وكذا يقال في الكلب إذا جعل ذنبه بين فخذيه ومنه قوله للحائض: استنفري. وقال عثمان بن عمر بن فارس عن مستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن ابن مسعود قال: انطلقت مع رسول الله ليلة الجن حتى أتى الحجون فخط علي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيد لهم يقال له وردان: إني أنا أرحلهم عنك فقال: إني لن يجيرني من الله أحد. وقال زهير بن محمد التميمي عن ابن المنكدر عن جابر قال: قرأ رسول الله سورة الرحمن ثم قال: ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فبأي آلاء ربكما تكذبان} إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد. زهير ضعيف. وقال عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص عن جده سعيد قال: كان أبو هريرة يتبع رسول الله بأداوة لوضوئه. فذكر الحديث وفيه: أتاني جن نصيبين فسألوني الزاد فدعوت الله لهم أن لا يمروا بروثة ولا بعظم إلا وجدوا عليها طعاما. أخرجه البخاري. ويدخل هذا الباب في باب شجاعته وقوة قلبه. ومنه حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي قال: إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان {رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} فرددته خاسئا. وفي لفظ: فأخذته ففدغته يعني خنقته. متفق عليه.

فصل فيما ورد من هواتف الجان وأقوال الكهان عدل

قال ابن وهب: أنا عمر بن محمد حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن فبينا عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني أو إن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم على الرجل فدعي له فقال له عمر: لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني فقال: كنت كاهنهم في الجاهلية فقال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينا أنا جالس جاءتني أعرف فيها الفزع قالت: (ألم تر الجن وإبلاسها..... وياسها من بعد إنكاسها) (ولحوقها بالقلاص وأحلاسها)

قال عمر: صدق بينا أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء بعجل فذبحه فصرخ منه صارخ لم أسمع صارخا أشد صوتا منه يقول: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله فوثب القوم قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا فأعاد قوله قال: فقمت فما نشبت أن قيل هذا نبي. أخرجه البخاري هكذا. وظاهره أن عمر بنفسه سمع الصارخ من العجل وسائر الروايات تدل على أن الكاهن هو الذي سمع. فروى يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن عبد الله بن سليمان عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر قال: بينما رجل مار فقال عمر: قد كنت مرة ذا فراسة وليس لي رئي ألم يكن قد كان هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة أدعوه لي فدعوه فقال عمر: من أين قدمت؟ قال: من الشام قال: فأين تريد؟ قال: أردت هذا البيت ولم أكن أخرج حتى آتيك قال: هل كنت تنظر في الكهانة؟ قال: نعم قال: فحدثني قال: إني ذات ليلة بواد إذ سمعت صائحا يقول: يا جليح خبر نجيح رجل يصيح يقول: لا إله إلا الله الجن وإياسها والإنس وإبلاسها والخيل وأحلاسها فقلت: من هذا؟ إن هذا لخبر يئست منه الجن وأبلست منه الإنس وأعملت فيه الخيل فما حال الحول حتى بعث رسول الله . ورواه الوليد بن مزيد العذري عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن ابن مسكين الأنصاري قال: بينا عمر جالس. وهذا منقطع. ورواه حجاج بن أرطأة عن مجاهد. ويروى عن ابن كثير أحد القراء عن مجاهد موقوفا. ويشبه أن يكون هذا الكاهن هو سواد بن قارب المذكور في حديث أحمد بن موسى الحمار الكوفي ثنا زياد بن يزيد القصري ثنا محمد بن تراس الكوفي ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء قال: بينا عمر يخطب إذ قال: أفيكم سواد بن قارب؟ فلم يجبه أحد تلك السنة فلما كانت السنة المقبلة قال: أفيكم سواد بن قارب؟ قالوا: وما سواد بن قارب؟ قال: كان بدء إسلامه شيئا عجبا فبينا نحن كذلك إذ طلع سواد بن قارب فقال له: حدثنا ببدء إسلامك يا سواد قال: كنت نازلا بالهند وكان لي رئي من الجن فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ جاءني في منامي ذلك قال: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب ثم أنشأ يقول: (عجبت للجن وأنجاسها..... وشدها العيس بأحلاسها) (نهوي إلى مكة تبغي الهدى..... ما مؤمنوها مثل أرجاسها) (فانهض إلى الصفوة من هاشم..... واسم بعينيك إلى راسها) يا سواد إن الله قد بعث نبيا فانهض إليه تهتد وترشد فلما كان من الليلة الثانية أتاني فأنبهني ثم قال: (عجبت للجن وتطلابها..... وشدها العيس بأقتابها) (تهوي إلى مكة تبغي الهدى..... ليس فداماها كأذنابها) (فانهض إلى الصفوة من هاشم..... واسم بعينيك إلى نابها) فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فأنبهني ثم قال: (عجبت للجن وتخبارها..... وشدها العيس بأكوارها) (تهوي إلى مكة تبغي الهدى..... ليس ذوو الشر كأخيارها) (فانهض إلى الصفوة من هاشم..... ما مؤمنو الجن ككفارها) فوقع في قلبي حب الإسلام وشددت رحلي حتى أتيت النبي فإذا هو بالمدينة والناس عليه كعرف الفرس فلما رآني قال: مرحبا بسواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك قلت: يا رسول الله قد قلت شعرا فاسمعه مني: (أتاني رئيي بعد ليل وهجعة..... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب) (ثلاث ليال قوله كل ليلة..... أتاك نبي من لؤي بن غالب) (فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت..... بي الذعلب الوجناء عند السباسب) (فأشهد أن الله لا شيء غيره..... وأنك مأمون على كل غائب) (وأنك أدنى المرسلين شفاعة..... إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب) (فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى..... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب) (فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة..... سواك بمغن عن سواد بن قارب) فضحك رسول الله وقال لي: أفلحت يا سواد فقال له عمر: هل يأتيك رئيك الآن؟ قال: منذ قرأت القرآن لم يأتني ونعم العوض كتاب الله من الجن. هذا حديث منكر بالمرة ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما وأخاف أن يكون موضوعا على أبي بكر بن عياش ولكن أصل الحديث مشهور. وقد قال أبو يعلى الموصلي وعلي بن شيبان: ثنا يحيى بن حجر الشامي ثنا علي بن منصور الأبناوي ثنا أبو عبد الرحمن الوقاصي عن محمد بن كعب القرظي قال: بينما عمر جالس إذ مر به رجل فقال قائل: أتعرف هذا؟ قال: ومن هو؟ قال: سواد بن قارب فأرسل إليه عمر فقال: أنت سواد بن قارب؟ قال: نعم. قال: أنت الذي أتاه رئية بظهور النبي ؟ قال: نعم. قال: فأنت على كهانتك. فغضب وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت. قال عمر: سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم قال: فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله . قال: بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب اسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى عبادة الله ثم ذكر الشعر قريبا مما تقدم ثم أنشأ عمر يقول: كنا يوما في حي من قريش يقال لهم آل ذريح وقد ذبحوا عجلا والجزار يعالجه إذ سمعنا صوتا من جوف العجل ولا نرى شيئا وهو يقول: يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح يشهد أن لا إله إلا الله. أبو عبد الرحمن اسمه عثمان بن عبد الرحمن متفق على تركه وعلي بن منصور فيه جهالة مع أن الحديث منقطع. وقد رواه الحسن بن سفيان ومحمد بن عبد الوهاب الفراء عن بشر بن حجر أخي يحيى بن حجر عن علي بن منصور عن عثمان بن عبد الرحمن بنحوه. وقال ابن عدي في كامله: ثنا الوليد بن حماد بالرملة ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا الحكم بن يعلى المحاربي ثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد سمعت سعيد بن جبير يقول: أخبرني سواد بن قارب قال: كنت نائما على جبل من جبال الشراة فأتاني آت فضربني برجله وقال: قم يا سواد أتى رسول من لؤي بن غالب فذكر الحديث. كذا فيه سعيد يقول: أخبرني سواد وعباد ليس بثقة يأتي بالطامات. وقال معمر عن الزهري عن علي بن الحسين قال: أول ما سمع بالمدينة أن امرأة من أهل يثرب تدعى فطيمة كان لها تابع من الجن فجاء يوما فوقع على جدارها فقالت: ما لك لا تدخل؟ فقال: إنه قد بعث نبي يحرم الزنى فحدثت بذاك المرأة عن تابعها من الجن فكان أول خبر تحدث به بالمدينة. وقال يحيى بن يوسف الزمي: ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: أول خبر قدم عن النبي بالمدينة أن امرأة كان لها تابع فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دارهم فقالت له المرأة: انزل قال: لا إنه قد بعث بمكة نبي يحرم الزنى قد منع منا القرار. وفي الباب عدة أحاديث عامتها واهية الأسانيد.

انشقاق القمر عدل

قال الله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم}. قال شيبان عن قتادة عن أنس: إن أهل مكة سألوا نبي الله أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين. أخرجاه من حديث شيبان لكن لم يقل البخاري (مرتين). وقال معمر عن قتادة عن أنس مثله وزاد (فانشق فرقتين مرتين). وللبخاري نحو منه عن ابن أبي عروبة عن قتادة. وأخرجاه من حديث شعبة عن قتادة. وقال ابن عيينة وغيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: رأيت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فقالوا: سحر القمر. لفظ عبد الرزاق عن ابن عيينة وأراد (قبل مخرج النبي ) يعني إلى المدينة. وأخرجاه من حديث ابن عيينة ولفظه: انشق القمر على عهد رسول الله شقتين فقال رسول الله اشهدوا. وأخرجاه عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش ثنا إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله قال: انفلق القمر ونحن مع رسول الله فصارت فلقة من وراء الجبل وفلقة دونه فقال رسول الله : اشهدوا. وأخرجاه من حديث شعبة عن الأعمش. وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السفار فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم فجاء السفار فقالوا: ذلك صحيح. وقال هشيم عن مغيرة نحوه. وقال بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال: إن القمر انشق على زمان رسول الله . متفق عليه من حديث بكر. وقال شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر في قوله {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال: قد كان ذلك على عهد رسول الله انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل فقال النبي (اللهم اشهد). أخرجه مسلم. وقال إبراهيم بن طهمان وهشيم عن حصين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله . وكذا رواه أبو كدينة والمفضل بن يونس عن حصين. ورواه محمد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير عن حصين عن محمد بن جبير عن أبيه والأول أصح.

باب ويسألونك عن الروح عدل

قال يحيى بن أبي زائدة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا: سلوه عن الروح فنزلت {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة فيها حكم الله ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا قال: فنزلت {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي} الآية. وهذا إسناد صحيح. وقال يونس عن ابن إسحاق حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا فقدما المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله ووصفوا لهم أمره ببعض قوله فقالت لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها وما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو فقدما مكة فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فجاءوا رسول الله فقالوا: يا محمد أخبرنا وسألوه فقال: أخبركم غدا ولم يستثن فانصرفوا عنه فمكث خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولم يأته جبريل حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا غدا واليوم خمس عشر وأحزن رسول الله مكث الوحي ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه وخبر الفتية والرجل الطواف وقال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}. وأما حديث ابن مسعود فيدل على أن سؤال اليهود عن الروح كان بالمدينة. ولعله سئل مرتين. وقال جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة رسول الله أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا فيها. فقال الله: إن شئت آتيناهم ما سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم وإن شئت أن أستأني بهم. قال: بل تستأني بهم. وأنزل الله: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}. حديث صحيح ورواه سلمة بن كهيل عن عمران عن ابن عباس وروى عن أيوب عن سعيد بن جبير.

ذكر أذية المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عدل

الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة قال: سألت عبد الله بن عمرو قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله . قال: أقبل عقبة بن أبي معيط والنبي يصلي عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه فدفعه عن رسول الله ثم قال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}. أخرجه البخاري. ورواه ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه عن عبد الله. ورواه سليمان بن بلال وعبيدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص. وهذه علة ظاهرة لكن رواه محمد بن فليح عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو فهذا ترجيح للأول. وقال سفيان وشعبة واللفظ له: ثنا أبو إسحاق سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله قال: بينا رسول الله ساجد وحوله ناس من قريش وثم سلى بعير فقالوا: من يأخذ سلى هذا الجزور فيقذفه على ظهره فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره وجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك قال عبد الله فما رأيت رسول الله دعا عليهم إلا يومئذ فقال: اللهم عليك الملأ من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف - أو أبي بن خلف شك شعبة ولم يشك سفيان أنه أمية - قال عبد الله: فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب غير أن أمية كان رجلا بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به البئر. أخرجاه من حديث شعبة ومن حديث سفيان. وقال (م): ثنا عبد الله بن عمر بن أبان أنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلى جزور فيضعه على كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقاهم فأخذه فوضعه بين كتفيه فضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته والنبي ما يرفع رأسه فجاءت فاطمة وهي جويرية فطرحته عنه وسبتهم فلما قضى صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال: اللهم عليك بقريش ثلاثا فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه. فوالذي بعث محمدا بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر. وقال زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: إن أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد. فأما رسول الله فمنعه الله بعمه أبي طالب. وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس فما من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد. حديث صحيح. وقال هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله مر بعمار وأهله وهم يعذبون فقال: أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. وقال الثوري عن منصور عن مجاهد قال: كان أول شهيد في الإسلام أم عمار سمية طعنها أبو جهل بحربة في قبلها. وقال يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله سبعة فذكر منهم الزنيرة قال: فذهب بصرها وكانت ممن يعذب في الله على الإسلام فتأبى إلا الإسلام فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى فقالت: كلا والله ما هو كذلك فرد الله عليها بصرها. وقال إسماعيل بن أبي خالد وغيره: ثنا قيس قال: سمعت خبابا يقول: أتيت رسول الله وهو متوسد برده في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة شديدة فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه فقال إن كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله. متفق عليه وزاد البخاري من حديث بيان بن بشر والذئب على غنمه. وقال البكائي عن ابن إسحاق حدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قلت لابن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم يجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له: آللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له: [أ] هذا الجعل إلهك من دون الله فيقول: نعم إفتداء منهم مما يبلغون من جهده. وحدثني الزبير بن عكاشة أنه حدث أن رجالا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد وكانوا قد أجمعوا أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا منهم سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة قال: فقالوا له وخشوا شره: إنا قد أردنا أن تعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي قد أحدثوا فإنا نأمن بذلك في غيره قال: هذا فعليكم به فعاتبوه يعني أخاه الوليد ثم إياكم ونفسه وقال: (ألا لا تقتلن أخي عييشا..... فيبقى بيننا أبدا تلاحي) احذروا على نفسه فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا قال: فتركوه فكان ذلك مما دفع الله به عنه. وقال عمرو بن دينار فيما رواه عنه ابن عيينة: لما قدم عمرو بن العاص من الحبشة جلس في بيته فقالوا: ما شأنه ما له لا يخرج؟ فقال: إن أصحمة يزعم أن صاحبكم نبي. ويروى عن ابن إسحاق من طريق محمد بن حميد الرازي أن النبي كتب إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام وذلك مع عمرو بن أمية الضمري وأن النجاشي كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة بن أبحر سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته أشهد أنك رسول الله وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين وقد بعثت إليك أريحا ابني فإني لا أملك إلا نفسي وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله. قال يونس عن ابن إسحاق: كان اسم النجاشي مصحمة وهو بالعربية عطية وإنما النجاشي اسم الملك كقولك كسرى وهرقل. وفي حديث جابر أن النبي صلى على أصحمة النجاشي وأما قوله مصحمة فلفظ غريب.

ذكر شعب أبي طالب والصحيفة عدل

قال موسى بن عقبة عن الزهري قال: ثم إنهم اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد واشتد عليهم البلاء واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله علانية فلما رأى أبو طالب عملهم جمع بني هاشم وأمرهم أن يدخلوا رسول الله شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم فمنهم من فعله حمية ومنهم من فعله إيمانا فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوه أجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا رسول الله للقتل وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا للقتل. فلبث بنو هاشم في شعبهم يعني ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق وكان أبو طالب إذا نام الناس أمر رسول الله فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته فاضطجع على فراش رسول الله . ويأتي رسول الله فراش ذلك فينام عليه فما كان رأس ثلاث سنين. تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال أمهاتهم من نساء بني هاشم ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه. وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق ويقال كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك اسما لله إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم فأطلع الله رسوله على ذلك فأخبر به أبا طالب فقال أبو طالب: لا والثواقب ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فأنكروا ذلك فقال أبو طالب: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح فأتوا بها وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد وجعلتموه خطرا للهلكة قال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني أن الله بريء من هذه الصحيفة ومحا كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم وقطيعتكم فإن كان كما قال فأفيقوا فوالله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فرضوا وفتحوا الصحيفة فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا: والله إن كان هذا قط إلا سحرا من صاحبكم فارتكسوا وعادوا لكفرهم فقال بنو عبد المطلب: إن أولى بالكذب والسحر غيرنا فكيف ترون وإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد الصحيفة وهي في أيديكم أفنحن السحرة أم أنتم؟ فقال أبو البختري ومطعم بن عدي وزهير بن أبي أمية بن المغيرة وزمعة بن الأسود وهشام بن عمرو - وكانت الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي - في رجال من أشرافهم: نحن براء مما في هذه الصحيفة فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل. وذكر نحو هذه القصة ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة. وذكر ابن إسحاق نحوا من هذا وقال: حدثني حسين بن عبد الله أن أبا لهب - يعني حين فارق قومه من الشعب - لقي هندا بنت عتبة بن ربيعة فقال لها: هل نصرت اللات والعزى وفارقت من فارقها؟ قالت: نعم فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة. وأقام بنو هاشم سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إليهم شيء إلا سرا مستخفى به. وقد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد ومعه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة وهي في الشعب فتعلق به وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري بن هشام فقال: ما لك وله ! قال: يحمل الطعام إلى بني هاشم ! قال: طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ له أبو البختري لحى بعير فضربه فشجه ووطئه وطئا شديدا وحمزة يرى ذلك ويكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله وأصحابه فيشتموا بهم. قال: ورسول الله على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا سرا وجهرا. وقال موسى بن عقبة: فلما أفسد الله الصحيفة خرج رسول الله ورهطه فعاشوا وخالطوا الناس.

باب إنا كفيناك المستهزئين عدل

قال الثوري عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين} قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري وأبو زمعة الأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى والحارث بن عيطل السهمي والعاص بن وائل فأتاه جبريل فشكاهم النبي إليه فأراه الوليد وأومأ جبريل إلى أبجله فقال ما صنعت قال كفيته ثم أراه الأسود فأومأ جبريل إلى عينيه فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته ثم أراه أبا زمعة فأومأ إلى رأسه فقال: ما صنعت؟ قال كفيته ثم أراه الحارث فأومأ إلى رأسه أو بطنه وقال: كفيته فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبالا فأصاب أبجله فقطعها وأما الأسود فعمي. وأما ابن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها وأما العاص فدخل في رأسه شبرقة حتى امتلأت فمات منها وقال غيره: إنه ركب إلى الطائف حمارا فربض به على شوكة فدخلت في أخمصه فمات منها. حديث صحيح.

دعوته قريش بالسنة عدل

قال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في المسجد إذ قال فيما يقول: يوم تأتي السماء بدخان مبين قال: دخان يكون يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكمة فقمنا فدخلنا على عبد الله بن مسعود فأخبرناه فقال: أيها الناس من علم منكم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم فإن من العلم أن يقول العالم لما لا يعلم (الله أعلم) قال الله لرسوله: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}. وسأحدثكم عن الدخان: إن قريشا لما استعصت على رسول الله وأبطئوا عن الإسلام قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة فحصت كل شيء حتى أكلوا الجيف والميتة حتى إن أحدهم كان يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع ثم دعوا فكشف عنهم يعني قولهم {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}. ثم قرأ عبد الله {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} قال: فعادوا فكفروا فأخروا إلى يوم بدر {يوم نبطش البطشة الكبرى}. قال عبد الله يوم بدر فانتقم منهم. متفق عليه. وقال علي بن ثابت الدهان - وقد توفي سنة تسع عشرة ومائتين: أنبأ أسباط بن نصر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: لما رأى رسول الله من الناس إدبارا قال: اللهم سبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام فجاءه أبو سفيان وغيره فقال: إنك تزعم أنك بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فدعا فسقوا الغيث. قال ابن مسعود: مضت آية الدخان وهو الجوع الذي أصابهم وآية الروم والبطشة الكبرى وانشقاق القمر. وأخرجا من حديث الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال عبد الله: خمس قد مضين: اللزام والروم والدخان والقمر والبطشة. وقال أيوب وغيره عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله يستغيث من الجوع لأنهم لم يجدوا شيئا حتى أكلوا العلهز. بالدم فنزلت: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}.

ذكر الروم عدل

وقال أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر فذكره للنبي فقال: أما إنهم سيظهرون فذكر أبو بكر لهم ذلك فقالوا: اجعل بيننا وبينكم أجلا فجعل بينهم أجل خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله فقال: ألا جعلته - أراه قال - دون العشر قال: فظهرت الروم بعد ذلك. فذلك قوله تعالى: {غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين}.

قال سفيان الثوري: وسمعت أنهم ظهروا يوم بدر. وقال الحسين بن الحسن بن عطية العوفي: حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس: {الم غلبت الروم} قال: قد مضى ذلك وغلبتهم فارس ثم غلبتهم الروم بعد ذلك ولقي نبي الله مشركي العرب والتقت الروم وفارس فنصر الله النبي على المشركين ونصر الروم على مشركي العجم ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ونصر أهل الكتاب. قال عطية: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال: التقينا مع رسول الله نحن ومشركو العرب والتقت الروم وفارس فنصرنا الله على المشركين ونصر الله أهل الكتاب على المجوس ففرحنا بنصرنا ونصرهم. وقال الليث: حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لما نزلت هاتان الآيتان - يعني أول الروم - ناحب أبو بكر بعض المشركين - يعني راهن قبل أن يحرم القمار - على شيء إن لم تغلب فارس في سبع سنين فقال رسول الله: لم فعلت فكل ما دون العشر بضع فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين وظهور الروم على فارس في تسع سنين. ثم أظهر الله الروم عليهم زمن الحديبية ففرح بذلك المسلمون.

وقال ابن أبي عروبة عن قتادة {في أدنى الأرض} قال: غلبهم أهل فارس على أدنى الشام قال: فصدق المسلمون ربهم وعرفوا أن الروم سيظهرون بعد فاقتمروا هم والمشركون على خمس قلائص وأجلوا بينهم خمس سنين فولي قمار المسلمين أبو بكر وولي قمار المشركين أبي بن خلف وذلك قبل أن ينهى عن القمار فجاء الأجل ولم تظهر الروم فسأل المشركون قمارهم فقال رسول الله : ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلا دون العشر فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر فزايدوهم ومادوهم في الأجل ففعلوا فأظهر الله الروم عند رأس السبع من قمارهم الأول وكان ذلك مرجعهم من الحديبية وفرح المسلمون بذلك. وقال الوليد بن مسلم: ثنا أسيد الكلابي أنه سمع العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم وظهورهم على الشام والعراق كل ذلك في خمس عشرة سنة. ثم توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة. يقال في قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم}. أنها نزلت في أبي طالب ونزل فيه {إنك لا تهدي من أحببت}.

قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس يقول في قوله تعالى: {وهم ينهون عنه} قال: نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله وينأى عنه. ورواه حمزة الزيات عن حبيب فقال: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقال معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال له النبي يا عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقالا: أي أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ! قال: فكان آخر كلمة أن قال: على ملة عبد المطلب فقال رسول الله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآيتين ونزلت: {إنك لا تهدي من أحببت}. أخرجه مسلم. وللبخاري مثله من حديث شعيب بن أبي حمزة.

وقد حكى عن أبي طالب واسمه عبد مناف ابنه علي وأبو رافع مولى النبي . ابن عون عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي فعطشت فشكوت إليه فأهوى بعقبه إلى الأرض فنبع الماء فشربت. وعن بعض التابعين قال: لم يكن أحد يسود في الجاهلية إلا بمال إلا أبا طالب وعتبة بن ربيعة. قلت: ولأبي طالب شعر جيد مدون في السيرة وغيرها. وفي مسند أحمد من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن حبة العرني قال: رأيت عليا ضحك على المنبر حتى بدت نواجذه ثم ذكر قول أبي طالب ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله نصلي ببطن نخلة فقال: ماذا تصنعان يا بن أخي؟ فدعاه رسول الله إلى الإسلام فقال: ما بالذي تصنعان من بأس ولكن والله لا يعلوني استي أبدا فضحكت تعجبا من قول أبي. وروى معتمر بن سليمان عن أبيه أن قريشا أظهروا لبني عبد المطلب العداوة والشتم فجمع أبو طالب رهطه فقاموا بين أستار الكعبة يدعون الله على من ظلمهم وقال أبو طالب: إن أبى قومنا إلا البغي علينا فعجل نصرنا وخل بينهم. وبين الذي يريدون من قتل ابن أخي ثم دخل بآله الشعب. ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال: لما أتى النبي أبا طالب قال: أي عم قل لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة قال: يا بن أخي والله لولا أن تكون سبة على أهل بيتك يرون أني قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها. فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع عنه فقال: يا رسول الله قد والله قالها فقال رسول الله : لم أسمع. قلت: هذا لا يصح ولو كان سمعه العباس يقولها لما سأل النبي وقال: هل نفعت عمك بشيء ولما قال علي بعد موته: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات. صح أن عمرو بن دينار روى عن أبي سعيد بن رافع قال: سألت ابن عمر: {إنك لا تهدي من أحببت} نزلت في أبي طالب؟ قال: نعم. زيد بن الحباب ثنا حماد عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن العباس أنه سأل النبي ما ترجو لأبي طالب؟ قال: كل الخير من ربي. أيوب عن ابن سيرين قال: لما احتضر أبو طالب دعا النبي فقال: يا بن أخي إذا أنا مت فأت أخوالك من بني النجار فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم. قال عروة بن الزبير: قال رسول الله : ما زالت قريش كاعة عني حتى مات عمي. كاعة جمع كائع وهو الجبان يقال: كع إذا جبن وانقبض. وقال يزيد بن كيسان: حدثني أبو حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لعمه: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فقال: لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنما حمله عليه الجزع لأقررت بها عينك. فأنزل الله: {إنك لا تهدي من أحببت} الآية. أخرجه مسلم. وقال أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن العباس أنه قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. أخرجاه. وكذلك رواه السفيانان عن عبد الملك. وقال الليث: عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله يقول: - وذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. أخرجاه. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان عن ابن عباس أن رسول الله قال: أهون أهل النار عذابا أبو طالب منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه. وقال الثوري وغيره عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: لما مات أبو طالب أتيت النبي فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات قال: اذهب فوار أباك ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني فأتيته فأمرني فاغتسلت ثم دعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء.

ورواه الطيالسي في مسنده عن شعبة عن أبي إسحاق فزاد بعد: اذهب فواره: فقلت: إنه مات مشركا قال: اذهب فواره. وفي حديثه تصريح السماع من ناجية قال: شهدت عليا يقول. وهذا حديث حسن متصل. وقال عبد الله بن إدريس: ثنا محمد بن أبي إسحاق عمن حدثه عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله سفيه من قريش فألقى عليه ترابا فرجع إلى بيته فأتت بنته تمسح عن وجهه التراب وتبكي فجعل يقول: أي بنية لا تبكين فإن الله مانع أباك ويقول ما بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب. غريب مرسل. وروي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي عارض جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا. تفرد به إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزمي. وهو منكر الحديث يروي عنه عيسى غنجار والفضل الشيباني. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال: لما أتى رسول الله أبا طالب في مرضه قال: أي عم قل لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة فقال: يا بن أخي والله لولا أن تكون سبة عليك وعلى أهل بيتك من بعدي يرون أني قلتها جزعا حين نزل بي الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغى إليه العباس ليستمع قوله فرفع العباس عنه فقال: يا رسول الله قد والله قال الكلمة التي سألته فقال النبي : لم أسمع. إسناده ضعيف لأن فيه مجهولا وأيضا فكان العباس ذلك الوقت على جاهليته ولهذا إن صح الحديث لم يقبل النبي روايته وقال له: لم أسمع وقد تقدم أنه بعد إسلامه قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك فلو كان العباس عنده علم من إسلام أخيه أبي طالب لما قال هذا ولما سكت عند قول النبي هو في ضحضاح من النار ولقال: إني سمعته يقول: لا إله إلا الله ولكن الرافضة قوم بهت. وقال ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله المصائب بموتهما. وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام كان يسكن إليها. وذكر الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وأنهما توفيا في ذلك العام وتوفيت خديجة قبل أبي طالب بخمسة وثلاثين يوما.

وذكر أبو عبد الله الحاكم أن موتها كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام وكذا قال غيره. وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدية. قال الزبير بن بكار: كانت تدعى في الجاهلية الطاهرة وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم العامرية. وكانت خديجة تحت أبي هالة بن زرارة التميمي واختلف في اسم أبي هالة ثم خلف عليها بعده عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ثم النبي . وقال ابن إسحاق: بل تزوجها أبو هالة بعد عتيق. وكانت وزيرة صدق على الإسلام. وعن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة وقيل: كان موتها في رمضان ودفنت بالحجون وقيل: إنها عاشت خمسا وستين سنة. وقال الزبير: تزوجها النبي ولها أربعون سنة وأقامت معه أربعا وعشرين سنة. قال مروان بن معاوية الفزاري عن وائل بن داود عن عبد الله البهي قال: قالت عائشة: كان رسول الله إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها يوما فاحتملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن فرأيته غضب غضبا أسقطت في خلدي وقلت في نفسي: اللهم إنك إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد إلى ذكرها بسوء فلما رأى النبي ما لقيت قال: كيف قلت: والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس وآوتني إذا رفضني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ورزقت منها الولد وحرمتموه مني قالت: فغدا وراح علي بها شهرا. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة مما كنت أسمع من ذكر رسول الله لها وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. متفق عليه. وقال الزهري: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. وقال ابن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة سمع أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليه السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب متفق عليه. وقال عبد الله بن جعفر: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: سمعت النبي يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد وخير نسائها مريم بنت عمران. أخرجه مسلم.

ذكر الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى عدل

قال موسى بن عقبة عن الزهري أسري برسول الله إلى بيت المقدس قبل الهجرة بسنة. وكذا قال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة. وقال أبو إسماعيل الترمذي: ثنا إسحاق بن العلاء بن الضحاك الزبيدي بن زبريق ثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي محمد بن الوليد ثنا الوليد بن عبد الرحمن أن جبير بن نفير قال: ثنا شداد بن أوس قال: قلنا يا رسول الله كيف أسري بك؟ قال: صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل فقال: اركب فاستصعب علي فرازها بأذنها ثم حملني عليها فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا ذات نخل فأنزلني فقال: صل فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بيثرب صليت بطيبة فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا فقال انزل فصل ففعلت ثم ركبنا. قال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بمدين عند شجرة موسى عليه السلام. ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصور فقال: انزل فصليت وركبنا. فقال لي: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر فصليت من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني فأتيت بإناءين لبن وعسل أرسل إلي بهما جميعا فعدلت بينهما ثم هداني الله فأخذت اللبن فشربت حتى قرعت به جبيني وبين يدي شيخ متكئ على مثراه له فقال: أخذ صاحبك الفطرة إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي. قلت: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمأة السخنة ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد ضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر فقال: أين كنت الليلة فقد التمستك في مظانك؟ قلت: علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة. فقال: يا رسول الله إنه مسيرة شهر فصفه لي قال: ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه قال: أشهد أنك رسول الله فقال المشركون: أنظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة فقال: إني مررت بعير لكم بمكان كذا وقد أضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا ويأتونكم يوم كذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريب من نصف النهار حين أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. قلت: ابن زبريق تكلم فيه النسائي. وقال أبو حاتم: شيخ. قال حماد بن سلمة: ثنا أبو حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أن رسول الله قال: أتيت بالبراق فركبته خلف جبريل فسار بنا فكان إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه فسار بنا في أرض فيحاء طيبة فأتينا على رجل قائم يصلي فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: أخوك محمد فرحب ودعا لي بالبركة وقال: سل لأمتك اليسر ثم سار فذكر أنه مر على موسى وعيسى قال: ثم أتينا على مصابيح فقلت: ما هذا؟ قال: هذه شجرة أبيك إبراهيم تحب أن تدنو منها؟ قلت: نعم فدنونا منها فرحب بي ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس ونشر لي الأنبياء من سمى الله ومن لم يسم وصليت بهم إلا هؤلاء النفر الثلاثة: موسى وعيسى وإبراهيم فربطت الدابة بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فقربت لي الأنبياء من سمى الله منهم ومن لم يسم فصليت بهم. هذا حديث غريب وأبو حمزة هو ميمون. ضعف. وقال يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك. متفق عليه. قرأت على القاضي سليمان بن حمزة أخبركم محمد بن عبد الواحد الحافظ أنا الفضل بن الحسين أنا علي بن الحسن الموازيني أنا محمد بن عبد الرحمن أنا يوسف القاضي أنا أبو يعلى التميمي ثنا محمد بن إسماعيل الوساوسي ثنا ضمرة عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن أبي صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ قالت: دخل علي رسول الله بغلس وأنا على فراشي فقال: شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام فأتى جبريل فذهب بي إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين فركبته وكان يضع حافره مد بصره إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه وجبريل لا يفوتني حتى انتهينا إلى بيت المقدس فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها فنشر لي رهط من الأنبياء فيهم إبراهيم وموسى وعيسى فصليت بهم وكلمتهم وأتيت بإناءين أحمر وأبيض فشربت الأبيض فقال لي جبريل: شربت اللبن وتركت الخمر لو شربت الخمر لارتدت أمتك ثم ركبته إلى المسجد الحرام فصليت به الغداة. قالت: فتعلقت بردائه وقلت: أنشدك الله يا بن عم ألا تحدث بهذا قريشا فيكذبك من صدقك فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق إزاره وكأنه طي القراطيس وإذا نور ساطع عند فؤاده يكاد يختطف بصري فخررت ساجدة فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج فقلت لجاريتي نبعة: ويحك اتبعيه فانظري فلما رجعت أخبرتني أنه انتهى إلى قريش في الحطيم فيهم المطعم بن عدي وعمرو بن هشام والوليد بن المغيرة فقص عليهم مسراه فقال عمرو كالمستهزئ: صفهم لي قال: أما عيسى ففوق الربعة عريض الصدر ظاهر الدم جعد الشعر تعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي وأما موسى فضخم آدم طوال كأنه من رجال شنوءة كثير الشعر غائر العينين متراكب الأسنان مقلص الشفتين خارج اللثة عابس وأما إبراهيم فوالله لأشبه الناس بي خلقا وخلقا فضجوا وأعظموا ذلك فقال المطعم: كل أمرك كان قبل اليوم أمما غير قولك اليوم أنا أشهد أنك كاذب ! نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهرا أتيته في ليلة ! وذكر باقي الحديث وهو حديث غريب الوساوسي ضعيف تفرد به. (م) ثنا محمد بن رافع ثنا حجين بن المثنى نا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام. وقد رواه أبو سلمة أيضا عن جابر مختصرا. قال الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة قال: سمعت جابر بن عبد الله يحدث أنه سمع رسول الله يقول: لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطففت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه. أخرجاه. وقال إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب: سمعت ابن المسيب يقول: إن رسول الله حين انتهى إلى بيت المقدس لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى ثم أخبر انه أسري به فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه. وذكر الحديث وهذا مرسل. وقال محمد بن كثير المصيصي ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لما أسري بالنبي إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن آمن وسعوا إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ! قال: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم قال: لئن قال ذلك لقد صدق قالوا: وتصدقه ! قال: إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخير السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق. وقال معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه سمع أنسا يقول: حدثني بعض أصحاب النبي أن النبي ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره. وذكر الحديث. وقال عبد العزيز بن عمران بن مقلاص الفقيه ويونس وغيرهما: حدثنا ابن وهب حدثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن أنس بن مالك قال: لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليهما وسلم بالبراق فكأنها أمرت ذنبها فقال لها جبريل: مه يا براق فوالله إن ركبك مثله وسار رسول الله فإذا هو بعجوز على جانب الطريق فقال: ما هذه يا جبريل قال له: سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير. فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد فقال جبريل: سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير قال: فلقيه خلق من الخلق فقالوا: السلام عليك يا آخر السلام عليك يا حاشر فرد السلام فانتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الماء والخمر واللبن فتناول اللبن فقال له جبريل: أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت أمتك وغرقت ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم رسول الله تلك الليلة ثم قال له جبريل: أما العجوز فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى. وقال النضر بن شميل: وروح وغندر أنا عوف ثنا زرارة بن أوفى قال: قال ابن عباس: قال رسول الله : لما كانت ليلة أسري بي ثم أصبحت بمكة فظعت بأمري وعلمت بأن الناس يكذبوني قال: فقعد معتزلا حزينا فمر به أبو جهل فجاء فجلس فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله : نعم قال: ما هو؟ قال: إني أسري بي الليلة قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس قال: ثم أصبحت بين أظهرنا ! قال: نعم قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث فقال: أرأيت إن دعوت إليك قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ قال: نعم فدعا قومه فقال: يا معشر بني كعب بن لؤي هلم فانتقضت المجالس فجاءوا حتى جلسوا إليهما فقال: حدثهم فقال رسول الله : إني أسري بي الليلة قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس قالوا: ثم أصبحت بين ظهرينا ! قال: نعم قال: فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه مستعجب للكذب زعم قال: وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد فقال: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ فقال رسول الله : فذهبت أنعت فما زلت حتى التبس علي بعض النعت قال: فجيء بالمسجد حتى وضع دون دار عقيل أو عقال. قال: فنعته وأنا أنظر إليه فقالوا: أما النعت فقد والله أصاب. ورواه هوذة بن عوف. مسلم بن إبراهيم: ثنا الحارث بن عبيد ثنا أبو عمران عن أنس قال: قال رسول الله : بينما أنا قاعد ذات يوم إذ دخل جبريل فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها مثل وكرى الطائر فقعد في واحدة وقعدت في أخرى فارتفعت حتى سدت الخافقين فلو شئت أن أمس السماء لمسست وأنا أقلب طرفي فالتفت إلى جبريل فإذا هو لاطئ فعرفت فضل علمه بالله وفتح لي باب السماء ورأيت النور الأعظم ثم أوحى الله إلي ما شاء أن يوحي. إسناده جيد حسن والحارث من رجال مسلم. سعيد بن منصور: ثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة عن أبي هريرة قال: لما رجع رسول الله ليلة أسري به قال: يا جبريل إن قومي لا يصدقوني قال: يصدقك أبو بكر وهو الصديق. رواه إسحاق بن سليمان عن يزيد بن هارون أنا مسعر عن أبي وهب هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: فحدثهم بعلامة بيت المقدس فارتدوا كفارا فضرب الله رقابهم مع أبي جهل. وقال أبو جهل: يخوفنا محمد بشجرة الزقوم هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا. ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام وعيسى وموسى وإبراهيم. وذكر الحديث.

وقال حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن حذيفة أن النبي أتي بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل فلم يزايلا ظهره هو وجبريل حتى انتهيا به إلى بيت المقدس فصعد به جبريل إلى السماء فاستفتح جبريل فأراه الجنة والنار ثم قال لي: هل صلى في بيت المقدس؟ قلت: نعم قال: اسمك يا أصلع قلت: زر بن حبيش قال: فأين تجده صلاها؟ فتأولت الآية: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: فإنه لو صلى لصليتم كما تصلون في المسجد الحرام قلت لحذيفة: أربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء؟ قال: أكان يخاف أن تذهب منه وقد أتاه الله بها كأن حذيفة لم يبلغه أنه صلى في المسجد الأقصى ولا ربط البراق بالحلقة. وقال ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله ليلة أسري به. {والشجرة الملعونة في القران} قال: هي شجرة الزقوم أخرجه البخاري.

ذكر معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء عدل

قال الله تعالى: {علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى} وقال {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى}. تفسير ذلك: قال زائدة وغيره عن أبي إسحاق الشيباني قال: سألت زر بن حبيش عن قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى} فقال: ثنا عبد الله بن مسعود أنه رأى جبريل له ستمائة جناح. أخرجاه. وروى شعبة عن الشيباني هذا لكن قال: سألته عن قوله تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} فذكر أنه رأى جبريل له ستمائة جناح.

وقال (خ) قبيصة: ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} قال: رأى رفرفا أخضر قد ملأ الأفق. وقال حماد بن سلمة: ثنا عاصم عن زر عن عبد الله {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: قال رسول الله : رأيت جبريل عند سدرة عليه ستمائة جناح ينفض من ريشه التهاويل الدر والياقوت. عاصم بن بهدلة القارئ ليس بالقوي. وقال مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال: لما أسري بالنبي فانتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة - كذا قال - وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها حتى يقبض منها {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: غشيها فراش من ذهب وأعطي رسول الله الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته المقحمات. أخرجه مسلم. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله {ما كذب الفؤاد ما رأى} قال: رأى رسول الله جبريل عليه حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. وقال عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة: {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: رأى جبريل عليه السلام أخرجه مسلم. وقال زكريا بن أبي زائدة عن ابن أشوع عن الشعبي عن مسروق قال: قلت لعائشة: فأين قوله تعالى: {دنا فتدلى} ؟ قالت: إنما ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد أفق السماء. متفق عليه.

وقال ابن لهيعة: حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة أن نبي الله كان أول شأنه يرى المنام فكان أول ما رأى جبريل بأجياد أنه خرج لبعض حاجته فصرخ به: يا محمد يا محمد فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا ثم نظر فلم ير شيئا فرفع بصره فإذا هو ثانيا إحدى رجليه على الأخرى في الأفق فقال: يا محمد جبريل جبريل يسكنه فهرب حتى دخل في الناس فنظر فلم ير شيئا ثم رجع فنظر فرآه فذلك قوله تعالى: {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى}. محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن ابن عباس {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى} قال: دنا ربه منه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى. قال ابن عباس قد رآه النبي إسناده حسن. أخبرنا التاج عبد الخالق أنا ابن قدامة أنا أبو زرعة أنا المقدمي أنا القاسم بن أبي المنذر أنا ابن سلمة أنا ابن ماجه ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة قال: قال رسول الله أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا. رواه أحمد في مسنده عن الحسن وعفان عن حماد وزاد فيه: رأيت ليلة أسري بي لما انتهينا إلى السماء السابعة. أبو الصلت مجهول. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي أنبأ أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه أنبأ هبة الله بن الحسن بن هلال أنبأ عبد الله بن علي بن زكري سنة أربع وثمانين وأربعمائة أنبأ علي بن محمد بن عبد الله أنبأ أبو جعفر محمد بن عمرو ثنا سعدان بن نصر ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن عون قال: أنبأنا القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق. أخرجه البخاري عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج عن الأنصاري. قلت: قد اختلف الصحابة في رؤية محمد ربه فأنكرتها عائشة وأما لروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله. وذكرها في الصحيح وغيره. قال يونس عن ابن شهاب عن أنس قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ثم أفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فقال خازنها: افتح قال: من هذا؟ قال: جبريل قال: هل معك أحد؟ قال: نعم محمد قال: أرسل إليه؟ قال: نعم ففتح فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: آدم وهذه الأسودة نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة والتي عن شماله أهل النار ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح فقال له خازنها. مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح. فقال أنس: فذكر أنه وجد في السموات: آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم ولم يثبت - يعني أبا ذر - كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة فلما مر جبريل ورسول الله بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال: ثم مر قلت: من هذا؟ قال: إدريس قال: ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح: قلت: من هذا؟ قال: موسى ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت: من هذا؟ قال: عيسى ثم مررت بإبراهيم فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت: من هذا؟ قال: إبراهيم. قال ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال رسول الله : ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوفى أسمع فيه صريف الأقلام. قال ابن شهاب: قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال رسول الله ففرض الله على أمتي خمسين صلاة كل يوم قال: فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة قال موسى: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: فراجعت ربي فوضع عني شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك فقلت: قد استحييت من ربي قال: ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك. أخبرنا بهذا الحديث يحيى بن أحمد المقري بالإسكندرية ومحمد بن حسين الفوي بمصر قالا: أنا محمد بن عماد أنا عبد الله بن رفاعة أنا علي بن الحسن الشافعي أنا عبد الرحمن بن عمر البزار ثنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني ثنا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي نا ابن وهب قال: أخبرني يونس فذكره. رواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب. وروى النسائي شطره الثاني من قول ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة إلى آخره عن يونس فوافقناه بعلو. وقد أخرجه البخاري من حديث الليث عن يونس وتابعه عقيل عن الزهري. وقال همام: سمعت قتادة يحدث عن أنس أن مالك بن صعصعة حدثه أن نبي الله حدثهم عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم - وربما قال قتادة في الحجر - مضطجعا إذ أتاني آت - فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال: فأتاني وقد سمعت قتادة يقول - فشق ما بين هذه إلى هذه قال قتادة: قلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته؟ قال: فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض - فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال: نعم - يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا آدم فيها فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فرد السلام ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا يوسف قال: هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد وقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا إدريس قال: هذا إدريس فسلم عليه فسلمت ورد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا هارون قال: هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل فقيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء قال: ففتح فلما خلصت فإذا موسى قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام؟ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال فلما جاوزت بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنه غلام بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا إبراهيم عليه السلام قال: هذا إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت لي سدرة المنتهى. فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة فقال: هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما. الظاهران فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن. فقال: هذه الفطرة أنت عليها وأمتك. قال: ثم فرضت علي الصلاة خمسون صلاة في كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة في كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف. قلت: قد سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم فلما نفرت ناداني مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. أخرجه البخاري عن هدبة عنه. وقال معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة ثنا أنس عن مالك بن صعصعة أن رسول الله قال: فذكر نحوه وزاد فيه: فأتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن فغسل بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا. أخرجه مسلم بطوله. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة عن النبي قال: بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين قال: فأتيت فانطلق بي ثم أتيت بطست من ذهب فيه من ماء زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا قال قتادة: قلت لصاحبي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه وحشي أو قال: كنز إيمانا وحكمة - شك سعيد - ثم أتيت بدابة أبيض يقال له البراق فوق الحمار ودون البغل يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملني عليه ومعي صاحبي لا يفارقني فانطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا. وساق الحديث كحديث همام إلى قوله البيت المعمور فزاد يدخله كل يوم سبعون ألف ملك حتى إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. قلت: وهذه زيادة رواها همام في حديثه وهو أتقن من ابن أبي عروبة فقال: قال قتادة فحدثنا الحسن عن أبي هريرة أنه رأى البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه. ثم رجع إلى حديث أنس وفي حديث ابن أبي عروبة زيادة: {في سدرة المنتهى} إن ورقها مثل آذان الفيلة ولفظه: ثم أتيت على موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة قال: إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فحط عني خمس صلوات فما زلت أختلف بين ربي وبين موسى كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم فلما أتيت على موسى قال كمقالته قلت: لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم فنوديت أن: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وجعلت بكل حسنة عشر أمثالها. أخرجه مسلم. وقد رواه ثابت البناني وشريك بن أبي نمر عن أنس فلم يسنده لهما لا عن أبي ذر ولا عن مالك بن صعصعة ولا بأس بمثل ذلك فإن مرسل الصحابي حجة. قال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله قال: أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فركبته حتى أتينا بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت فصليت فأتاني بإناءين خمر ولبن فاخترت اللبن فقال: أصبت الفطرة ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل ففتح لنا فإذا بآدم. فذكر الحديث وفيه: فإذا يوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير إلى أن قال: لما فتح له السماء السابعة: فإذا بإبراهيم وإذا هو مستند إلى البيت المعمور فرحب بي ودعا لي بخير فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها قال فدنا فتدلى فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض علي في كل يوم خمسون صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وجربتهم وخبرتهم قال: فرجعت فقلت: أي رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فعلت؟ قلت: قد حط عني خمسا فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال: هي خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة. أخرجه مسلم دون قوله: فدنا فتدلى وذلك ثابت في رواية حجاج بن منهال وهو ثبت في حماد بن سلمة. وقال سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال: سمعت أنسا يقول وذكر حديث الإسراء وفيه: ثم عرج به إلى السماء السابعة ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء إلى سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. أخرجه البخاري عن عبد العزيز بن عبد الله عن سليمان. وقال شيبان عن قتادة عن أبي العالية ثنا ابن عباس قال: قال نبي الله رأيت ليلة أسري بي موسى عليه السلام رجلا طوال جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس قال: وأري مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه قال: {فلا تكن في مرية من لقائه}. فكان قتادة يفسرها أن نبي الله قد لقي موسى. أخرجه مسلم. وفي الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال النبي حين أسري به لقيت موسى وعيسى - ثم نعتهما - ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به. وقال مروان بن معاوية الفزاري عن قنان النهمي ثنا أبو ظبيان الجنبي قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة بن عبد الله ومحمد بن سعد بن أبي وقاص فقال محمد لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري برسول الله فقال: أبو عبيدة: لا بل حدثنا أنت عن أبيك قال: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت فأنشأ أبو عبيدة يحدث قال: قال رسول الله : أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل فحملني عليه فانطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه مع يديه وإذا هبط استوت يداه مع رجليه حتى مررنا برجل طوال سبط آدم كأنه من رجال أزد شنوءة وهو يقول ويرفع صوته ويقول: أكرمته وفضلته فدفعنا إليه فسلمنا فرد السلام فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد. قال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته. قال: ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: موسى قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك قلت: ويرفع صوته على ربه ! قال: إن الله قد عرف له حدته. قال: ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرج وتحتها شيخ وعياله فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم فسلمنا عليه فرد السلام وقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: ابنك أحمد فقال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته يا بني إنك لاق ربك الليلة فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل. قال: ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربته فضرب جبريل منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد ثم أقيمت الصلاة فأممتهم ثم انصرفنا فأقبلنا... هذا حديث حسن غريب. فإن قيل: فقد صح عن ثابت وسليمان التيمي عن أنس بن مالك أن رسول الله قال أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره وقد صح عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال: رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى يصلي وذكر إبراهيم وعيسى قال: فحانت الصلاة فأممتهم. ومن حديث ابن المسيب أنه لقيهم في بيت المقدس. فكيف الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما تقدم من أنه رأى هؤلاء الأنبياء في السموات وأنه راجع موسى؟ فالجواب: أنهم مثلوا له فرآهم غير مرة فرأى موسى في مسيره قائما يصلي في قبره ثم رآه في بيت المقدس ثم رآه في السماء السادسة هو وغيره فعرج بهم كما عرج بنبينا صلوات الله على الجميع وسلامه والأنبياء أحياء عند ربهم كحياة الشهداء عند ربهم وليست حياتهم كحياة أهل الدنيا ولا حياة أهل الآخرة بل لون آخر كما ورد أن حياة الشهداء بأن جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فهم أحياء عند ربهم بهذا الاعتبار كما أخبر سبحانه وتعالى وأجسادهم في قبورهم. وهذه الأشياء أكبر من عقول البشر والإيمان بها واجب كما قال تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب}. أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله أنا أبو روح عبد المعز بن محمد كتابة أن تميم بن أبي سعيد الجرجاني أخبرهم أنبأ أبو سعد محمد بن عبد الرحمن أنا أبو عمرو بن حمدان أنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله قال: مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة فقلت: ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال: هذه ماشطة بنت فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت: باسم الله قالت بنت فرعون: أبي قالت: ربي ورب أبيك قالت: أقول له إذا قالت: قولي له قال لها: أو لك رب غيري ! قالت ربي وربك الذي في السماء قال فاحمي لها بقرة من نحاس فقالت: إن لي إليك حاجة قال: وما هي؟ قالت: أن تجمع عظامي وعظام ولدي قال: ذلك لك علينا لما لك علينا من الحق. فألقي ولدها في البقرة واحدا واحدا واحدا فكان آخرهم صبي فقال: يا أمه اصبري فإنك على الحق. قال ابن عباس: فأربعة تكلموا وهم صبيان: ابن ماشطة بنت فرعون وصبي جريج وعيسى ابن مريم والرابع لا أحفظه. هذا حديث حسن. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر عن أبي بكر أبي سبرة وغيره قالوا: كان رسول الله يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ورسول الله نائم في بيته أتاه جبريل بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرج به إلى السموات سماء سماء فلقي فيها الأنبياء وانتهى إلى سدرة المنتهى. قال ابن سعد: وأنبأ محمد بن عمر حدثني أسامة بن زيد الليثي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال محمد بن عمر: وثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن أبيه عن جده عن أم سلمة. ونا موسى بن يعقوب عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة. وحدثني إسحاق بن حازم عن وهب بن كيسان عن أبي مرة عن أم هانئ وحدثني عبد الله بن جعفر عن زكريا بن عمرو عن ابن أبي مليكه عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: أسري برسول الله ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس وساق الحديث إلى أن قال: وقال بعضهم في الحديث: فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه حين فقد يلتمسونه حتى بلغ العباس ذا طوى فجعل يصرخ: يا محمد يا محمد فأجابه رسول الله: لبيك فقال: يا بن أخي عنيت قومك منذ الليلة فأين كنت. قال: أتيت من بيت المقدس. قال: في ليلتك ! قال: نعم. قال: هل أصابك إلا خير؟ قال: ما أصابني إلا خير. وقالت أم هانئ: ما أسري به إلا من بيتنا: نام عندنا تلك الليلة بعد ما صلى العشاء فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح فقام فلما صلى الصبح قال: يا أم هانئ جئت إلى بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم. فقالت: لا تحدث الناس فيكذبونك قال: والله لأحدثنهم فأخبرهم فتعجبوا وساق الحديث. فرق الواقدي كما رأيت بين الإسراء والمعراج وجعلهما في تاريخين. وقال عبد الوهاب بن عطاء: أنبأ راشد أبو محمد الحماني عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال له أصحابه: يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها فقرأ أول {سبحان} وقال: بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا ثم عدت في النوم ثم أيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا ثم نمت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا فإذا أنا بهيئة خيال فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى شبهه بدوابكم هذه بغالكم مضطرب الأذنين يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي يقع حافره مد بصره فركبته فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه فسرت ثم دعاني داع عن يساري: يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه ثم إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة فقالت: يا محمد أنظرني أسألك فلم ألتفت إليها حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة فأتاني جبريل بإناءين: خمر ولبن فشربت اللبن فقال: أصبت الفطرة فحدثت جبريل عن الداعي الذي عن يميني قال: ذاك داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك والآخر داعي النصارى لو أجبته لتنصرت أمتك وتلك المرأة الدنيا لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلينا ركعتين ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم تر الخلائق أحسن من المعراج أما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء فإنما يفعل ذلك عجبه به فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك قال تعالى: {وما يعلم جنود ربك إلا هو}. فاستفتح جبريل قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين. ثم مضت هنية فإذا أنا بأخونة - يعني بالخوان المائدة - عليها لحم مشرح ليس بقربها أحد وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح ونتن وعندها أناس يأكلون منها. قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام قال: ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر يقول: اللهم لا تقم الساعة وهم على سابلة آل فرعون فتجيء السابلة فتطاردهم فسمعتهم يضجون إلى الله قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل فتفتح أفواههم ويلقمون الجمر ثم يخرج من أسافلهم فيضجون قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ثم مضت هنية فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهن يضججن إلى الله قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الزناة من أمتك ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون فيقال له: كل ما كنت تأكل من لحم أخيك قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون. ثم صعدت إلى السماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل على الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي ثم صعدت إلى السماء الثالثة فإذا أنا بيحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما. ثم صعدت إلى الرابعة فإذا أنا بإدريس ثم صعدت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه هذا هارون بن عمران ومعه نفر من قومه فسلمت عليه ثم صعدت إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص وإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا بل هذا أكرم على الله مني قلت: من هذا؟ قال: موسى. ثم صعدت السابعة فإذا أنا بإبراهيم ساند ظهره إلى البيت المعمور فدخلته ودخل معي طائفة من أمتي عليهم ثياب بيض ثم دفعت إلى سدرة المنتهى فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه الأمة وإذا فيها عين تجري يقال لها سلسبيل فيشق منها نهران أحدهما الكوثر والآخر نهر الرحمة فاغتسلت فيه فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ثم إني دفعت إلى الجنة فاستقبلتني جارية فقلت: لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة ثم عرضت علي النار ثم أغلقت ثم إني دفعت إلى سدرة المنتهى فتغشى لي وكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة وفرضت علي الصلاة خمسين ثم دفعت إلى موسى - فذكر مراجعته في التخفيف. أنا اختصرت ذلك وغيره إلى أن قال - فقلت: رجعت إلى ربي حتى استحييته. ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب فقال: إني أتيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ورأيت كذا ورأيت كذا فقال أبو جهل: ألا تعجبون مما يقول محمد وذكر الحديث. هذا حديث غريب عجيب حذفت نحو النصف منه. رواه نجي بن أبي طالب عن عبد الوهاب وهو صدوق عن راشد الحماني وهو مشهور روى عنه حماد بن زيد وابن المبارك وقال أبو حاتم: صالح الحديث عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي وهو ضعيف شيعي. وقد رواه عن أبي هارون أيضا هشيم ونوح بن قيس الحداني بطوله نحوه حدث به عنهما قتيبة بن سعيد. ورواه سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن روح بن القاسم عن أبي هارون العبدي بطوله. ورواه أسد بن موسى عن مبارك بن فضالة ورواه عبد الرزاق عن معمر والحسن بن عرفة عن عمار بن محمد كلهم عن أبي هارون وبسياق مثل هذا الحديث صار أبو هارون متروكا وقال إبراهيم بن حمزة الزبيري: ثنا حاتم بن إسماعيل حدثني عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة. (ح) وقال هاشم بن القاسم ويونس بن بكير وحجاج الأعور ثنا أبو جعفر الرازي وهو عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره عن النبي أنه قال في هذه الآية {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: أتي بفرس فحمل عليه خطوة منتهى بصره فسار وسار معه جبريل فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}. ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت ! قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع والزقوم ورضف جهنم قال: يا جبريل ما هؤلاء؟ قال: الذين لا يؤدون الزكاة ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها شيء إلا قصعته يقول الله تعالى: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون}. ثم مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها قال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت. قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة. ثم نعت الجنة والنار إلى أن قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس فدخل وصلى ثم أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم. وذكر حديثا طويلا في ثلاث ورقات كبار. تفرد به أبو جعفر الرازي وليس هو بالقوي والحديث منكر يشبه كلام القصاص إنما أوردته للمعرفة لا للحجة.

وروى في المعراج إسحاق بن بشر حديثا وليس بثقة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وقال معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة على النبي بمكة ركعتين ركعتين فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا وأقرت صلاة السفر ركعتين. أخرجه البخاري. آخر الإسراء.

زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة وسودة أمي المؤمنين عدل

قال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله متوفى خديجة قبل الهجرة وأنا ابنة ست وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع سنين جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة فهيأنني وصنعنني ثم أتين بي إليه. قال عروة: ومكثت عنده تسع سنين. وهذا حديث صحيح. وقال أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي ابنة تسع. أخرجه البخاري هكذا مرسلا. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله قال: أريتك في المنام مرتين أرى أن رجلا يحملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف فأراك فأقول: إن كان هذا من عند الله يمضه. متفق عليه. وقال عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قالت عائشة: لما ماتت خديجة رضي الله عنهما جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله فقالت: ألا تزوج؟ قال: ومن؟ قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا. قال: من البكر ومن الثيب. فقالت: أما البكر فعائشة بنت أحب خلق الله إليك. وأما الثيب فسودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك قال: اذكريهما علي. قالت: فأتيت أم رومان فقلت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قالت: ماذا؟ قالت: رسول الله يذكر عائشة. قالت: انتظري فإن أبا بكر آت فجاء أبو بكر فذكرت ذلك له. فقال: أوتصلح له وهي ابنة أخيه؟ فقال رسول الله : أنا أخوه وهو أخي وابنته تصلح لي. قالت: وقام أبو بكر فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه والله ما أخلف وعدا قط تعني أبا بكر. قالت: فأتى أبو بكر المطعم فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية. قال: فأقبل على امرأته فقال لها: ما تقولين؟ فأقبلت على أبي بكر فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تصبئه وتدخله في دينك. فأقبل عليه أبو بكر فقال: ما تقول أنت؟ فقال: إنها لتقول ما تسمع فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شيء فقال لها: قولي لرسول الله فليأت فجاء رسول الله فملكها قالت: ثم انطلقت إلى سودة بنت زمعة وأبوها شيخ كبير قد جلس عن الموسع فحييته بتحية أهل الجاهلية وقلت: أنعم صباحا قال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم فرحب بي وقال ما شاء الله أن يقول قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة بنت زمعة قال: كفؤ كريم ماذا تقول صاحبتك. قلت: تحب ذلك قال: قولي له فليأت قالت: فجاء رسول الله فملكها. قالت: وقدم عبد بن زمعة فجعل يحثو على رأسه التراب فقال بعد أن أسلم: إني لسفيه يوم أحثو على رأسي التراب أن تزوج رسول الله سودة. إسناده حسن.

عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل عدل

قال إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: كان رسول الله يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي. أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير عن إسرائيل وهو على شرط البخاري. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان رسول الله في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول: لا أكره أحدا منكم على شيء من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذاك ومن كره لم أكرهه إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي وحتى يقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء فلم يقبله أحد ويقولون: قومه أعلم به اترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه فكان ذلك مما ذخر الله للأنصار. وتوفي أبو طالب وابتلي رسول الله أشد ما كان فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة ثقيف: عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء وما انتهك منه قومه. فقال أحدهم: أنا أسرق أستار الكعبة إن كان الله بعثك قط. وقال الآخر: أعجز على الله أن يرسل غيرك. وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا والله لئن كنت رسول الله لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك ولئن كنت تكذب على الله لأنت اشر من أن أكلمك وتهزأوا به وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به وقعدوا له صفين على طريقه فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة وأدموا رجليه فخلص منهم وهما تسيلان الدماء فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبلة منه وهو مكروب موجع فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداسا وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب فلما جاء عداس قال له رسول الله : من أي أرض أنت يا عداس؟ قال: من أهل نينوى فقال له النبي : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال: أنا رسول الله والله أخبرني خبر يونس فلما أخبره خبر عداس ساجدا لرسول الله وجعل يقبل قدميه وهما تسيلان الدماء فلما أبصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا فلما أتاهما قالا: ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى فضحكا به. وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك فإنه رجل خداع فرجع رسول الله إلى مكة.

وقال يونس بن يزيد عن الزهري: أخبرني عروة أن عائشة حدثته أنها قالت لرسول الله : هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: ما لقيت من قومك كان أشد منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا هو جبريل فناداني إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ثم ناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله : بل أرجو أن يخرج الله من أشرارهم - أو قال: من أصلابهم - من يعبد الله لا يشرك به شيئا. أخرجاه. وقال البكائي عن ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادتهم وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو وأخواه مسعود وحبيب وعند أحدهم امرأة من قريش من جمح فجلس إليهم ودعاهم إلى الله فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر: أما وجد الله من يرسله غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك. وذكره كما في حديث ابن شهاب وفيه زيادة وهي: فلما اطمأن قال فيما ذكر لي: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ارحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك. وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس سمعت ربيعة بن عباد يحدث أبي قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله يقف على القبائل من العرب يقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوه لا تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه وأن تؤمنوا وتصدقوني وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به قال: وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية فإذا فرغ رسول الله من قوله قال: يا بني فلان عن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الحي من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عمه عبد العزى أبو لهب.

وحدثني ابن شهاب أنه أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه. وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أنه أتى كلبا في منازلهم إلى بطن منهم يقال له بنو عبد الله فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه حتى إنه ليقول: يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم فدعاهم إلى الله فلم يقبلوا. وحدثني بعض أصحابنا أنه أتى بني حنيفة في منازلهم ودعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح ردا منهم. وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فقال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال له: أرأيت إن تابعناك على أمرك؟ ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء قال: أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه.

حديث سويد بن الصامت عدل

وقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا: قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا وكان سويد يسميه قومه فيهم (الكامل) لسنه وجلده وشعره فتصدى له رسول الله ودعاه إلى الله فقال سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي فقال له رسول الله : وما الذي معك؟ قال: مجلة لقمان يعني حكمة لقمان قال: اعرضها فعرضها عليه فقال: إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل منه قرآن أنزله الله علي فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال: أن هذا لقول حسن ثم انصرف فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج فكان رجال من قومه يقولون: إنا لنرى أنه قتل وهو مسلم وكان قتله يوم بعاث. وقال البكائي عن ابن إسحاق قال: وسويد الذي يقول: (ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى..... مقالته بالغيب ساءك ما يفري) (مقالته كالشهد ما كان شاهدا..... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر) (يسرك باديه وتحت أديمه..... تميمة غش تبتري عقب الظهر) (تبين لك العينان ما هو كاتم..... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر) (فرشني بخير طالما قد بريتني..... وخير الموالي يريش ولا يبري)

حديث يوم بعاث عدل

قال يونس عن ابن إسحاق: حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن سعد ابن معاذ عن محمود بن لبيد قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله فأتاهم فقال لهم: هل لكم إلى خير مما جئتم له؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال إياس وكان غلاما حدثا: يا قوم هذا والله خير مما جئتم له فيأخذ أبو الحيسر حفنة من الحصباء فيضرب بها وجه إياس وقال: دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا فسكت وقام النبي عنهم وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات وكانوا لا يشكون أنه مات مسلما. وقد كان استشعر منه الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله ما سمع. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه الله عز وجل لرسوله فقدم رسول الله المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم - يعني وجرحوا - قدمه الله لرسوله في دخولهم في الإسلام. أخرجه البخاري.

ذكر مبدإ خبر الأنصار والعقبة الأولى عدل

قال أحمد بن المقدام العجلي: ثنا هشام بن محمد الكلبي ثنا عبد الحميد بن أبي عبس بن جبر عن أبيه قال: سمعت قريش قائلا يقول في الليل على أبي قبيس: (فإن يسلم السعدان يصبح محمد..... بمكة لا يخشى خلاف المخالف) فلما أصبحوا قال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بن بكر أو سعد بن تميم؟ فلما كان في الليلة الثانية سمعوا الهاتف يقول: (أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا..... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف) (أجيبا إلى داعي الهدي وتمنيا..... على الله في الفردوس منية عارف) (فإن ثواب الله للطالب الهدى..... جنان من الفردوس ذات رفارف) فقال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.

وقال البكائي عن ابن إسحاق: لما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه خرج رسول الله في الموسم الذي لقيه فيه الأنصار فعرض نفسه على القبائل كما كان يصنع فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه أن رسول الله لما لقيهم قال: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وكانوا [هم] أهل شرك وأوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما كلم رسول الله أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه فأجابوه وأسلموا وقالوا: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك به فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا.

قال ابن إسحاق: وهم فيما ذكر ستة من الخزرج: أسعد بن زرارة وعوف بن عفراء ورافع بن مالك الزرقي وقطبة بن عامر السلمي وعقبة بن عامر رواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق فقال بدل عقبة: معوذ بن عفراء وجابر بن عبد الله أحد بني عدي بن غنم فلما قدموا المدينة ذكروا لقومهم رسول الله ودعوهم إلى الإسلام وفشا فيهم ذكر رسول الله فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوا رسول الله بالعقبة وهي (العقبة الأولى) فبايعوا رسول الله على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب وهم أسعد بن زرارة وعوف ومعوذ ابنا الحارث وهما ابنا عفراء وذكوان بن عبد قيس ورافع بن مالك وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة البلوي وعباس بن عبادة بن نضلة وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر وهم من الخزرج وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة وهما من الأوس. وقال يونس وجماعة عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة حدثني عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله ليلة العقبة الأولى ونحن اثنا عشر رجلا فبايعناه بيعة النساء على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وذلك قبل أن تفترض الحرب فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عذب. أخرجاه عن قتيبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب. أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن وإسماعيل بن أبي عمرو قالا: أنا الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن البن أنا جدي أبو القاسم الحسين أنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء سنة تسع وسبعين وأربعمائة أنا عبد الرحمن بن عثمان المعدل أنبأ علي بن يعقوب أنا أحمد بن إبراهيم القرشي أنا محمد بن عائذ أخبرني إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله عز وجل لا تأخذنا فيه لومة لائم وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة. رواه زهير بن معاوية عن ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن عبادة قال نحوه. (خالفه داود بن عبد الرحمن العطار ويحيى بن سليم فرويا عن ابن خثيم هذا المتن بإسناد آخر وهو عن أبي الزبير عن جابر. وسيأتي). وقال البكائي عن ابن إسحاق: فلما انصرف القوم بعث رسول الله مصعب بن عمير العبدري يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين فنزل على أسعد بن زرارة فحدثني عاصم بن عمر أنه كان يصلي بهم وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض. قال ابن إسحاق: وكان يسمى مصعب بالمدينة المقرئ. وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة واستغفر له فقلت: يا أبه ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ! قال: أي بني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم من حرة بني بياضة يقال له نقيع الخضمات قلت: وكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا.

وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار منهم معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة ورافع بن مالك وذكوان وعبادة بن الصامت وأبو عبد الرحمن بن تغلب وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة. فأتاهم رسول الله فأخبرهم خبره وقرأ عليهم القرآن فأيقنوا به واطمأنوا وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب فصدقوه ثم قالوا: قد علمت الذي كان بين الأوس والخزرج من سفك الدماء ونحن حراص على ما أرشدك الله به مجتهدون لك بالنصيحة وإنا نشير عليك برأينا فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنذكر لهم شأنك وندعوهم إلى الله فلعل الله يصلح ذات بينهم ويجمع لهم أمرهم فنواعدك الموسم من قابل فرضي بذلك رسول الله ورجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا وتلوا عليهم القرآن حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم فيها ناس ثم بعثوا إلى رسول الله معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن أبعث إلينا رجلا من قبلك يفقهنا فبعث مصعب بن عمير فنزل في بني تميم على أسعد بن زرارة يدعو الناس سرا ويفشو فيهم الإسلام ويكثر ثم أقبل مصعب وأسعد فجلسا عند بئر بني مرق وبعثا إلى رهط من الأنصار فأتوهما مستخفين فأخبر بذلك سعد بن معاذ - ويقول بعض الناس: بل أسيد بن حضير - فأتاهم في لأمته معه الرمح حتى وقف عليهم فقال لأبي أمامة أسعد: علام أتيتنا في دورنا بهذا الوحيد الغريب الطريد يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه لا أراك بعدها تسيء من جوارنا فقاموا ثم إنهم عادوا مرة أخرى لبئر بني مرق أو قريبا منها فذكروا لسعد بن معاذ الثانية فجاءهم فتواعدهم وعيدا دون وعيده الأول فقال له أسعد: يا بن خالة اسمع من قوله فإن سمعت حقا فأجب إليه وإن سمعت منكرا فاردده بأهدى منه فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليه مصعب: {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} فقال سعد: ما أسمع منكم إلا ما أعرفه فرجع سعد وقد هداه الله ولم يظهر لهما إسلامه حتى رجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر لهم إسلامه وقال: من شك منهم فيه فليأت بأهدى منه فوالله لقد جاء أمر لتحزن منه الرقاب فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد بن معاذ إلا من لا يذكر. ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد فانتقل مصعب إلى سعد بن معاذ يدعو آمنا ويهدي الله به. وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعز من بالمدينة وكان مصعب أول من جمع الجمعة بالمدينة ثم رجع إلى رسول الله . هكذا قال ابن شهاب: إن مصعبا أول من جمع بالمدينة. وقال البكائي: عن ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن المغيرة بن معيقيب وعبد الله بن أبي بكر بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر وقالا على بئر مرق فاجتمع إليهما ناس وكان سعد وأسيد بن حضير سيدي بني عبد الأشهل فلما سمعا به قال سعد لأسيد: انطلق إلى هذين فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا فلولا أسعد بن زرارة ابن خالتي كفيتك ذلك فأخذ أسيد حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد قال: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه قال مصعب: إن يجلس أكلمه قال: فوقف عليهما فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا واعتزلانا إن كان لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره قال: أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا فيما بلغنا: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا: تغتسل وتتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي فقام فاغتسل وأسلم وركع ركعتين ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه من قومه أحد وسأرسله إليكما ثم انصرف إلى سعد بن معاذ وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما رآه سعد مقبلا قال: أقسم بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ولى به ثم قال له: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين. فما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفرونك فقام سعد مغضبا مبادرا متخوفا فأخذ الحربة وقال: والله ما أراك أغنيت عنا شيئا ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتما. ثم قال لأسعد: يا أبا أمامة والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت مني هذا أتغشانا في دارينا بما نكره ! وقد قال اسعد لمصعب: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان فقال: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وإن كرهت عزلنا عنك ما تكره قال: أنصفت فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن فعرفنا في وجهه والله الإسلام قبل أن يتكلم به لإشراقه وتسهله. ثم فعل كما عمل أسيد وأسلم وأخذ حربته وأقبل عائدا إلى نادي قومه ومعه أسيد فلما رآه قومه قالوا: نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فقال: يا بني عبد الأشهل كيف تعرفون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ورجع مصعب وأسعد إلى منزلهما ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت وهو صيفي وكان شاعرا لهم وقائدا يستمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام فلم يزل على ذلك حتى مضت أحد والخندق.

العقبة الثانية عدل

قال يحيى بن سليم الطائفي وداود العطار - وهذا لفظه - ثنا ابن خثيم عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في المواسم: مجنة وعكاظ ومنى يقول: من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة؟ فلا يجد حتى إن الرجل يرحل صاحبه من مضر أو اليمن فيأتيه قومه أو ذو رحمه يقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله يشيرون إليه بأصابعهم حتى بعثنا الله له من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من يثرب إلا وفيها رهط يظهرون الإسلام ثم ائتمرنا واجتمعنا سبعين رجلا منا فقلنا: حتى متى نذر رسول الله يطوف في جبال مكة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا شعب العقبة فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده فقلنا يا رسول الله: علام نبايعك؟ قال: على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فقلنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين إلا أنا فقال: رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله وأما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله. فقلنا: أمط يدك يا أسعد فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا يأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة. زاد في وسطه يحيى بن سليم: فقال له عمه العباس يا بن أخي لا أدري ما هذا القوم الذين جاؤوك إني ذو معرفة بأهل يثرب قال: فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم هؤلاء أحداث فقلنا: علام نبايعك. وقال أبو نعيم: ثنا زكريا عن الشعبي قال: انطلق النبي معه عمه العباس إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة قال: ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا فقال أسعد: سل يا محمد لربك ما شئت ثم سل لنفسك ثم أخبرنا ما لنا على الله قال: أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك قال: لكم الجنة قالوا: فلك ذلك. ورواه أحمد بن حنبل عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نا مجالد عن الشعبي عن أبي مسعود الأنصاري بنحوه قال: وكان أبو مسعود أصغرهم سنا. وقال ابن بكير عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر أن العباس بن عبادة بن نضلة أخا بني سالم قال: يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون رسول الله ؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود فإن كنتم ترون أنها إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا تركتموه وأسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم مستعلنون به وافون له فهو والله خير الدنيا والآخرة قال عاصم: فوالله ما قال العباس هذه المقالة إلا ليشد لرسول الله بها العقد. وقال ابن أبي بكر: ما قالها إلا ليؤخر بها أمر القوم تلك الليلة ليشهد أمرهم عبد الله بن أبي فيكون أقوى قالوا: فما لنا بذلك يا رسول الله؟ قال: الجنة قالوا: ابسط يدك وبايعوه فقال عباس بن عبادة: إن شئت لنميلن عليهم غدا بأسيافنا فقال: لم أؤمر بذلك. وقال الزهري: ورواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة وقاله موسى بن عقبة وهذا لفظه: إن العام المقبل حج من الأنصار سبعون رجلا أربعون من ذوي أسنانهم وثلاثون من شبابهم أصغرهم أبو مسعود عقبة بن عمرو وجابر بن عبد الله فلقوه بالعقبة ومع رسول الله عمه العباس فلما أخبرهم بما خصه الله من النبوة والكرامة ودعاهم إلى الإسلام وإلى البيعة أجابوه وقالوا: اشترط علينا لربك ولنفسك ما شئت فقال: أشترط لربي أن لا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. فلما طابت بذلك أنفسهم من الشرط أخذ عليهم العباس المواثيق لرسول الله بالوفاء وعظم العباس الذي بينهم وبين رسول الله وذكر أن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النجار. وذكر الحديث بطوله. قال عروة فجميع من شهد العقبة من الأنصار سبعون رجلا وامرأة. وقال ابن إسحاق: سبعون رجلا وامرأتان إحداهما أم عمارة وزوجها وابناهما. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: فحدثني معبد بن كعب بن مالك بن القين عن أخيه عبيد الله عن أبيه كعب قال: خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله بالعقبة مع مشركي قومنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا حتى إذا كنا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء تعلموا إني قد رأيت رأيا والله ما أدري توافقونني عليه أم لا فقلنا: وما هو يا أبا بشر؟ قال: إني قد أردت أن أصلي إلى هذه البنية ولا أجعلها مني بظهر فقلنا: لا والله لا تفعل والله ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام قال: فإني والله لمصل إليها فكان إذا حضرت الصلاة توجه إلى الكعبة وتوجهنا إلى الشام حتى قدمنا مكة فقال لي البراء: يا بن أخي انطلق بنا إلى رسول الله حتى أسأله عما صنعت فلقد وجدت في نفسي بخلافكم إياي قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله فلقينا رجل بالأبطح فقلنا: هل تدلنا على محمد؟ قال: وهل تعرفانه إن رأيتماه؟ قلنا: لا والله قال: فهل تعرفان العباس؟ فقلنا: نعم وقد كنا نعرفه كان يختلف إلينا بالتجارة فقال: إذا دخلتما المسجد فانظروا العباس قال: فهو الرجل الذي معه قال: فدخلنا المسجد فإذا رسول الله والعباس ناحية المسجد جالسين فسلمنا ثم جلسنا فقال رسول الله : هل تعرف هذين يا أبا الفضل؟ قال: نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك فوالله ما أنسى قول رسول الله : (الشاعر)؟ قال: نعم فقال له البراء: يا رسول الله إني قد كنت رأيت في سفري هذا رأيا وقد أحببت أن أسألك عنه قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها فقال له رسول الله : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فرجع إلى قبلة رسول الله وأهله يقولون: قد مات عليها ونحن أعلم به قد رجع إلى قبلة رسول الله وصلى معنا إلى الشام. ثم واعدنا رسول الله العقبة أوسط أيام التشريق ونحن سبعون رجلا للبيعة ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر وإنه لعلى شركه فأخذناه فقلنا: يا أبا جابر والله إنا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه. فتكون لهذه النار غدا حطبا وإن الله قد بعث رسولا يأمر بتوحيده وعبادته. وقد أسلم رجال من قومك وقد واعدنا رسول الله للبيعة فأسلم وطهر ثيابه وحضرها معنا فكان نقيبا فلما كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله بمنى أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فرشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتى رسول الله وعمه العباس ليس معه غيره أحب أن يحضر أمر ابن أخيه فكان أول متكلم فقال: يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم وهو في منعة من قومه وبلاده قد منعناه ممن هو على مثل رأينا منه وقد أبى إلا الانقطاع إليكم وإلى ما دعوتموه إليه فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما وعدتموه فأنتم وما تحملتم وإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه فقلنا: قد سمعنا ما قلت تكلم يا رسول الله فتكلم ودعا إلى الله وتلا القرآن ورغب في الإسلام فأجبناه بالإيمان والتصديق له وقلنا له: خذ لربك ولنفسك فقال: إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم فأجابه البراء بن معرور فقال: نعم والذي بعثك بالحق نمنعك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام حبالا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن الله أظهرك أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال: بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم فقال له البراء بن معرور: أبسط يدك يا رسول الله نبايعك. فقال رسول الله : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا فأخرجوهم له فكان نقيب بني النجار. أسعد بن زرارة ونقيب بني سلمة البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام ونقيب بني ساعدة: سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ونقيب بني زريق: رافع بن مالك ونقيب بني الحارث بن الخزرج: عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع ونقيب بني عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت - وبعضهم جعل بدل عبادة بن الصامت خارجة بن زيد - ونقيب بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة ونقيب بني عبد الأشهل - وهم من الأوس - أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان قال: فأخذ البراء بيد رسول الله فضرب عليها وكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا فصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمعته قط فقال: يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصبأة معه قد اجتمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله : هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب أما والله لأفرغن لك ارفضوا إلى رحالكم. فقال العباس بن عبادة أخو بني سالم: يا رسول الله: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل مني غدا بأسيافنا فقال: إنا لم نؤمر بذلك فرحنا إلى رحالنا فاضطجعنا فلما أصبحنا أقبلت جلة من قريش فيهم الحارث بن هشام فتى شاب وعليه نعلان له جديدتان فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا لتستخرجوه من بين أظهرنا وإنه والله ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم فانبعث من هناك من قومنا من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان من هذا من شيء وما فعلنا فلما تثور القوم لينطلقوا قلت كلمة كأني أشركهم في الكلام: يا أبا جابر - يريد عبد الله ابن عمرو - أنت سيد من سادتنا وكهل من كهولنا لا تستطيع أن تتخذ مثل نعلي هذا الفتى من قريش فسمعه الحارث فرمى بهما إلي وقال: والله لتلبسنهما فقال أبو جابر: مهلا أحفظت لعمر الله الرجل - يقول: أخجلته - أردد عليه نعليه فقلت: لا والله لا أردهما فأل صالح إني لأرجو أن أسلبه.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر قال: ثم انصرفوا عنهم فأتوا عبد الله بن أبي يعني ابن سلول فسألوه فقال: إن هذا الأمر جسيم وما كان قومي ليتفوتوا علي بمثله فانصرفوا عنه. وقال ابن إدريس عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله قال لهم: ابعثوا منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم فقال أسعد بن زرارة: نعم يا رسول الله قال: فأنت نقيب على قومك ثم سمى النقباء كرواية معبد بن مالك. وقال ابن وهب: حدثني مالك حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير للنبي إلى من يجعله نقيبا قال مالك: كنت أعجب كيف جاء من قبيلة رجل ومن قبيلة رجلان حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل كان يشير إليهم يوم البيعة قال مالك: وهم تسعة نقباء من الخزرج وثلاثة من الأوس. وقال: ابن إسحاق: تسمية من شهد العقبة قلت: تركت النقباء لأنهم قد تقدموا. فمن الأوس: سلمة بن سلامة بن وقش. ومن بني حارثة: ظهير بن رافع وأبو بردة بن نيار وبهير بن الهيثم. ومن بني عمرو بن عوف: رفاعة بن عبد المنذر - وعده ابن إسحاق نقيبا عوض أبي الهيثم بن التيهان - وعبد الله بن جبير بن النعمان أمير الرماة يوم أحد ويومئذ استشهد ومعن بن عدي قتل يوم اليمامة وعويم بن ساعدة. فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا. ومن الخزرج من بني النجار: أبو أيوب خالد بن زيد ومعاذ بن عفراء وأخوه عوف وعمارة بن حزم وقتل يوم اليمامة. ومن بني عمرو بن مبذول: سهل بن عتيك بدري. ومن بني عمرو بن النجار: وهم بنو حديلة: أوس بن ثابت وأبو طلحة زيد بن سهل. ومن بني مازن بن النجار: قيس بن أبي صعصعة وعمرو بن غزية. ومن بلحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد استشهد يوم أحد وبشير بن سعد وعبد الله بن زيد صاحب النداء وخلاد بن سويد استشهد يوم قريظة وأبو مسعود عقبة بن عمرو. ومن بني بياضة: زياد بن لبيد وفروة بن عمرو وخالد بن قيس. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس وكان خرج إلى مكة فكان مع رسول الله فكان يقال له: مهاجري أنصاري واستشهد يوم أحد وعباد بن قيس والحارث بن قيس. ومن بني سلمة: بشر بن البراء بن معرور ابن أحد النقباء وسنان بن صيفي والطفيل بن النعمان واستشهد يوم الخندق ومعقل بن المنذر ومسعود بن يزيد والضحاك بن حارثة ويزيد بن حرام وجبار بن صخر والطفيل بن مالك. ومن بني غنم بن سواد: سليم بن عمرو وقطبة بن عامر ويزيد بن عامر وأبو البسر كعب بن عمرو وصيفي بن سواد. ومن بني نابي بن عمرو: ثعلبة بن غنمة وقتل بالخندق وأخوه عمرو وعبس بن عامر وعبد الله بن أنيس وخالد بن عدي. ومن بني حرام: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ومعاذ بن عمرو بن الجموح وثابت بن الجذع استشهد بالطائف وعمير بن الحارث وخديج بن سلامة ومعاذ بن جبل. ومن بني عوف بن الخزرج: العباس بن عبادة استشهد يوم أحد وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوي حليف لهم وعمرو بن الحارث. ومن بني سالم بن غنم بن عوف: رفاعة بن عمرو وعقبة بن وهب. ومن بني ساعدة: النقيبان سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو الذي كان أميرا يوم بئر معونة فاستشهد. وأما المرأتان فأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي وأم عمارة نسيبة بنت كعب حضرت ومعها زوجها زيد بن عاصم بن كعب وابناها حبيب وعبد الله وحبيب هو الذي مثل به مسيلمة الكذاب وقطعه عضوا عضوا. قال ابن إسحاق: فلما تفرق الناس عن البيعة فتشت قريش من الغد عن الخبر والبيعة فوجدوه حقا فانطلقوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة وهرب منذر بن عمرو فشدوا يدي سعد إلى عنقه بتسعة وكان ذا شعر كثير فطفقوا يحبذونه بجمته ويصكونه ويلكزونه إلى أن جاء مطعم بن عدي والحارث بن أمية وكان سعد يجيرهما إذا قدما المدينة فأطلقاه من أيديهم وخليا سبيله. قال: وكان معاذ بن عمرو بن الجموح قد شهد العقبة وكان أبوه من سادة بني سلمة وقد اتخذ في داره صنما من خشب يقال له مناف فلا أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل وابنه معاذ بن عمرو وغيرهما كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيأخذونه ويطرحونه في بعض الحفر وفيها عذر الناس منكسا على رأسه فإذا أصبح عمرو قال ويلكم من عدا على آلهتنا في هذه الليلة ثم يلتمسه حتى إذا وجده غسله: وطهره وطيبه ثم قال: أما والله لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزيته. فإذا أمسى ونام فعلوا به مثل ذلك وفعل مرات وفي الآخر علق عليه سيفه ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى فإن كان فيك خير فامتنع وهذا السيف معك فلما كان الليل أخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فعلقوه وربطوه به وألقوه في جب عذرة فغدا عمرو فلم يجده فخرج يتبعه حتى وجده في البئر منكسا مقرونا بالكلب فلما رآه أبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم وحسن إسلامه وقال: (تالله لو كنت إلها لم تكن..... أنت وكلب وسط بئر في قرن) (أف لمصرعك إلها مستدن..... الآن فتشناك عن سوء الغبن) (الحمد لله العلي ذي المنن..... الواهب الرزاق وديان الدين) (هو الذي أنقذني من قبل أن..... أكون في ظلمة قبر مرتهن)

ذكر أول من هاجر إلى المدينة عدل

عقيل وغيره عن الزهري عن عروة عن عائشة قال النبي للمسلمين بمكة: قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين. وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة عند ذلك ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر: وترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه وعلف راحلتين عنده ورق السمر أربعة أشهر. أخرجه البخاري. وقال البكائي عن ابن إسحاق قال: فلما أذن الله لنبيه في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة أمر رسول الله قومه بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحوق بالأنصار فخرجوا أرسالا. فكان أول من هاجر أبو سلمة بن عبد الأسد إلى المدينة هاجر إليها قبل العقبة الكبرى بسنة وقد كان قدم من الحبشة مكة فآذته قريش وبلغه أن جماعة من الأنصار قد أسلموا فهاجر إلى المدينة. فعن أم سلمة قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج رحل لي بعيره ثم حملني وابني عليه ثم خرج بي يقودني فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ! فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه وغضب عند ذلك رهط أبي سلمة فقالوا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم فانطلق زوجي إذ فرقوا بيننا فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فلا أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبا منها. حتى مر بي رجل من بني عمي فرحمني فقال: ألا تخرجون من هذه المسكينة فرقتم بينها وبين ولدها؟ فقالوا لي: إلحقي بزوجك قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. فارتحلت بعيري ثم وضعت سلمة في حجري وخرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله. قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة العبدري فقال: إلى أين يا بنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أو ما معك أحد؟ قالت: قلت: لا والله إلا الله وبني هذا قال: والله ما لك من مترك. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي فوالله ما صحبت رجلا من العرب أرى أنه أكرم منه كان أبدا إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجر ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فرحله ثم استأخر عني وقال: اركبي فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينزل بي فلم يزل يصنع ذلك حتى أقدمني المدينة فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعا. ثم كان أول من قدمها بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة حليف بني عدي ابن كعب مع امرأته ثم عبد الله بن جحش حليف بني أمية مع امرأته وأخيه أبي أحمد وكان أبو أحمد ضرير البصر وكان يمشي بمكة بغير قائد وكان شاعرا وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب فنزل هؤلاء بقباء على مبشر بن عبد المنذر. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: فلما اشتدوا على رسول الله وأصحابه أمر رسول الله أصحابه بالهجرة فخرجوا رسلا رسلا فخرج منهم قبل مخرج رسول الله : أبو سلمة وامرأته وعامر بن ربيعة وامرأته أم عبد الله بنت أبي حثمة ومصعب بن عمير وعثمان بن مظعون وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعبد الله بن جحش وعثمان بن الشريد وعمار بن ياسر ثم خرج عمر وعياش بن أبي ربيعة وجماعة فطلب أبو جهل والحارث بن هشام عياشا وهو أخوهم لأمهم فقدموا المدينة فذكروا له حزن أمه وأنها حلفت لا يظلها سقف وكان بها برا فرق لها وصدقهم فلما خرجا به أوثقاه وقدما به مكة فلم يزل بها إلى قبل الفتح. قلت: وهو الذي كان يدعو له النبي في القنوت: اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة. الحديث. قال ابن شهاب: وخرج عبد الرحمن بن عوف فنزل على سعد بن الربيع وخرج عثمان والزبير وطلحة بن عبيد الله وطائفة ومكث ناس من الصحابة بمكة حتى قدموا المدينة بعد مقدمه منهم: سعد بن أبي وقاص على اختلاف فيه. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس فأصبحت عندها أنا وعياش وحبس هشام وفتن وقدمنا المدينة فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة قوم عرفوا الله وآمنوا به وصدقوا رسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم في الدنيا فأنزلت: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} فكتبتها بيدي كتابا ثم بعثت بها إلى هشام فقال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى أصعد فيها النظر وأصوبه لأفهمها فقلت: اللهم فهمنيها فعرفت إنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله قال: فقتل هشام بأجنادين. وقال عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قدمنا من مكة فنزلنا العصبة عمر بن الخطاب وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة فكان يؤمهم سالم لأنه كان أكثرهم قرآنا. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير فقلنا له: ما فعل رسول الله ؟ قال: هو مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعده عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ثم عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وبلال ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا ثم أتانا رسول الله وأبو بكر معه فلم يقدم علينا رسول الله حتى قرأت سورا من المفصل. أخرجه مسلم. وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: ومكث رسول الله بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وإن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم على أن يأخذوا رسول الله فإما أن يقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه فأخبره الله بمكرهم في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية فخرج رسول الله وأبو بكر تحت الليل قبل الغار بثور وعمد علي فرقد على فراش رسول الله يواري عنه العيون. وكذا قال موسى بن عقبة وزاد: فباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يجثم على صاحب الفراش فيوثقه إلى أن أصبحوا فإذا هم بعلي فسألوه عن النبي فأخبرهم أنه لا علم له به فعلموا عند ذلك أنه قد خرج فارا منهم فركبوا في كل وجه يطلبونه. وكذا قال ابن إسحاق: لما أيقنت قريش أن محمدا قد بويع وأمر رسول الله من كان بمكة من أصحابه أن يلحقوا بإخوانهم بالمدينة تآمروا فيما بينهم فقالوا: الآن فأجمعوا في أمر محمد فوالله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه. فاجتمعوا له في دار الندوة ليقتلوه. فلما دخلوا الدار اعترضهم الشيطان في صورة رجل جميل في بت له فقال: أأدخل؟ قالوا: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل نجد سمع بالذي اجتمعتم له فأراد أن يحضره معكم فعسى أن لا يعدمكم منه نصح ورأي قالوا: أجل فادخل فلما دخل قال بعضهم لبعض: قد كان من الأمر ما قد علمتم فأجمعوا رأيا في هذا الرجل فقال قائل: أرى أن تحبسوه فقال النجدي: ما هذا برأي والله لئن فعلتم ليخرجن رأيه وحديثه إلى من وراءه من أصحابه فأوشك أن ينتزعوه من أيديكم ثم يغلبوكم على ما في أيديكم من أمركم فقال قائل منهم: بل نخرجه فننفيه فإذا غيب عنا وجهه وحديثه ما نبالي اين وقع قال النجدي: ما هذا برأي أما رأيتم حلاوة منطقه وحسن حديثه وغلبته على من يلقاه ولئن فعلتم ذلك ليدخل على قبيلة من قبائل العرب فأصفقت معه على رأيه ثم سار بهم إليكم حتى يطأكم بهم فقال أبو جهل: والله إن لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه قالوا: وما هو؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة من قريش غلاما جلدا نهدا نسيبا وسيطا ثم تعطوه شفارا صارمة فيضربوه ضربة رجل واحد فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل فلم تدر عبد مناف بعد ذلك ما تصنع ولم يقووا على حرب قومهم وإنما غايتهم عند ذلك أن يأخذوا العقل فتدونه لهم قال النجدي: لله در هذا الفتى هذا الرأي وإلا فلا شيء فتفرقوا على ذلك واجتمعوا له وأتى رسول الله الخبر وأمر أن لا ينام على فراشه تلك الليلة فلم يبت موضعه بل بيت عليا في مضجعه. رواه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي عن أبيه. ثنا ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس. (ح). قال ابن إسحاق: وحدثني الكلبي عن باذام مولى أم هانئ عن ابن عباس فذكر معنى الحديث وزاد فيه: وأذن الله عند ذلك بالخروج وأنزل عليه بالمدينة (الأنفال) يذكر نعمته عليه وبلاءه عنده {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك} الآية.

سياق خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا عدل

قال عقيل: قال ابن شهاب وأخبرني عروة أن عائشة زوج النبي قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا ويأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشيا فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة قال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي قال: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك وارتحل ابن الدغنة مع أبي بكر فطاف في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وقالوا له: مر أبا بكر يعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن أبناءنا ونساءنا فقال ذلك لأبي بكر فلبث يعبد ربه ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فيصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر لا يكاد يملك دمعه حين يقرأ فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك وابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد عليك جوارك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر: أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله. والنبي يومئذ بمكة فقال النبي للمسلمين: قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين. هما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة. وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي قال: هل ترجو بأبي أنت ذلك؟ قال: نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر. فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قيل لأبي بكر: هذا رسول الله مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي أما والله إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت: فجاء واستأذن فأذن له فدخل فقال لأبي بكر: أخرج من عندك قال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال: اخرج فقد أذن لي في الخروج قال: فخذ مني إحدى راحلتي قال: بالثمن وقالت عائشة: فجهزتهما أحث الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب فبذلك كانت تسمى ذات النطاقين ثم لحق رسول الله وأبو بكر بغار في جبل يقال له (ثور) فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح في قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكيدون به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة ويريح عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل منحتهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث واستأجر رسول الله وأبو بكر رجلا من بني الدئل هاديا خريتا قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على جاهليته فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث فارتحلا وانطلق عامر بن فهيرة والدليل الدئلي فأخذ بهما في طريق الساحل. أخرجه البخاري. عن عمر رضي الله عنه قال: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر خرج رسول الله هاربا من أهل مكة ليلا فتبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه يحرسه فمشى رسول الله ليلته حتى حفيت رجلاه فلما رآهما أبو بكر حمله على كاهله حتى أتى به فم الغار وكان فيه خرق فيه حيات فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه - الحيات والأفاعي - ودموعه تتحدر ورسول الله يقول: {لا تحزن إن الله معنا} وأما يومه فلما ارتدت العرب قلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فقال: جبار في الجاهلية خوار في الإسلام بم أتألفهم أبشعر مفتعل أم بقول مفترى ! وذكر الحديث. وهو منكر سكت عنه البيهقي وساقه من حديث يحيى بن أبي طالب أنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي حدثني فرات بن السائب عن ميمون عن ضبة بن محصن عن عمر. وآفته من هذا الراسبي فإنه ليس بثقة مع كونه مجهولا ذكره الخطيب في تاريخه فغمزه. وقال الأسود بن عامر: ثنا إسرائيل عن الأسود عن جندب قال: كان أبو بكر مع رسول الله في الغار فأصاب يده حجر فقال: (إن أنت إلا إصبع دميت..... وفي سبيل الله ما لقيت) الأسود: هو ابن قيس سمع من جندب البجلي واحتجا به في الصحيحين. وقال همام: ثنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: كنت مع رسول الله في الغار فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم ينظر إلى تحت قدميه لأبصرنا فقال النبي : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما. متفق عليه. وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم به ويجعلون لهم الجعل العظيم إلى أن قال: فأجاز بهما الدليل أسفل مكة ثم مضى بهما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان ثم سلك في أمج ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا ثم سلك في الخرار ثم أجاز على ثنية المرة ثم سلك مدلجة لقف ثم استبطن مدلجة مجاح ثم بطن مرجح ذي العصوين ثم أجاز القاحة ثم هبط العرج ثم أجاز في ثنية الغائر عن يمين ركوبة ثم هبط بطن ريم ثم قدم قباء من قبل العالية. وقال مسلم بن إبراهيم: ثنا عون بن عمرو القيسي: سمعت أبا مصعب المكي قال: أدركت المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك وزيد بن أرقم فسمعتهم يتحدثون أن النبي ليلة الغار أمر الله بشجرة فنبتت في وجه النبي فسترته وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش بعصيهم وسيوفهم فجاء رجل ثم رجع إلى الباقين فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنه ليس فيه أحد. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى رحلي فقال له عازب لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله حين خرجتما والمشركون يطلبونكما. قال: أدلجنا من مكة ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه فإذا صخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظل لها فسويته ثم فرشت لرسول الله فروة ثم قلت: اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا فإذا براعي يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أريد يعني الظل فسألته: لمن أنت؟ فقال: لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا فضرب إحداهما على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد روات معي لرسول الله إداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فأتيت رسول الله فوافيته وقد استيقظ فقلت: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت: قد آن الرحيل قال: فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله قال: {لا تحزن إن الله معنا} فلما أن دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة قلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله وبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: أما والله ما على نفسي أبكي ولكني إنما أبكي عليك فدعا عليه رسول الله فقال: اللهم اكفناه بما شئت فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله : لا حاجة لنا في إبلك وغنمك فدعا له فانطلق راجعا إلى أصحابه ومضى رسول الله وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا. أخرجاه من حديث زهير بن معاوية سمعت أبا إسحاق قال: سمعت البراء. وأخرج البخاري حديث إسرائيل عن عبد الله بن رجاء عنه. وقال عقيل عن الزهري: أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما في قتله أو أسره فبينا أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم قلما لبثت في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي فتهبطها من وراء أكمة فتحبسها علي فأخذت رمحي وخرجت من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي فخررت فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي واستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أو لا أضرهم فخرج الذي أكره: لا أضرهم فركبت فرسي وعصيت الأزلام فرفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر التلفت ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره لا أضرهم فناديتهما بالأمان فوقفا لي وركبت فرسي حتى جئتهما ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما أنه سيظهر أمر رسول الله فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيكما الدية وأخبرتهما أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني شيئا ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله . أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة: نا ابن شهاب الزهري حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم أخبره. ثم ساق الحديث وزاد فيه: وأخرجت سلاحي ثم لبست لأمتي وفيه: فكتب لي أبو بكر ثم ألقاه إلي فرجعت فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى فتح الله مكة وفرغ رسول الله من حنين خرجت لألقاه ومعي الكتاب فدخلت بين كتيبة من كتائب الأنصار فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك حتى دنوت من رسول الله وهو على ناقته أنظر إلى ساقه في غرزة كأنها جمارة فرفعت يدي بالكتاب فقلت: يا رسول الله هذا كتابك فقال: يوم وفاء وبر إذن قال: فأسلمت ثم ذكرت شيئا أسأل عنه رسول الله قال ابن شهاب: سأله عن الضالة وشيء آخر قال: فانصرفت وسقت إلى رسول الله صدقتي. وقال البكائي عن ابن إسحاق: حدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله وأبو بكر أتى نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك؟ قلت: لا أدري والله أين أبي فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا خبيثا - فلطمني على خدي لطمة طرح منها قرطي. وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم فانطلق به معه فدخل علينا جدي أبو قحافة - وقد ذهب بصره - فقال: والله إني لأراه فجمعكم بماله مع نفسه قالت: كلا يا أبت قد ترك لنا خيرا كثيرا قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة من البيت كان أبي يضع فيها ماله ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقالت: ضع يدك على هذا المال فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن في هذا بلاغ لكم قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ. وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال: لما خرج رسول الله من مكة مهاجرا جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده قال: فبينا أنا جالس أقبل رجل منا فقال: والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مروا علي آنفا إني لأراهم محمدا وأصحابه فأومأت إليه يعني أن اسكت ثم قلت: إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال: لعله قال: فمكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي فذكر نحو ما تقدم. قال: وحدثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت: فمكثنا ثلاث ليال ما ندري أين وجه رسول الله حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه ويسمعون صوته حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول: (جزى الله رب الناس خير جزائه..... رفيقين حلا خيمتي أم معبد) (هما نزلا بالبر ثم تروحا..... فأفلح من أمسى رفيق محمد) (ليهن بني كعب مكان فتاتهم..... ومقعدها للمؤمنين بمرصد)

قالت: فعرفنا حيث وجه رسول الله وأن وجهه إلى المدينة. قلت: قد سقت خبر أم معبد بطوله في صفته كما يأتي إن شاء الله تعالى. وقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر الصديق قال: خرجت مع النبي من مكة فانتهينا إلى حي من أحياء العرب فنظر النبي إلى بيت منتحيا فقصد إليه فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبدي الله إنما أنا امرأة وليس معي أحد فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى قال: فلم يجبها وذلك عند المساء فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها فقالت له: يا بني انطلق بهذه العنز والسفرة إليهما فقل: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا فلما جاء قال النبي : انطلق بالشفرة وجئني بالقدح قال: إنها قد عزبت وليس لها لبن قال: انطلق فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي ضرعها ثم حلب حتى ملأ القدح ثم قال: انطلق به إلى أمك فشربت حتى رويت ثم جاء به فقال: انطلق بهذه وجئني بأخرى ففعل بها كذلك ثم سقى أبا بكر ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك ثم شرب قال فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا فكانت تسمية المبارك وكثر غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة فمر أبو بكر فرآه ابنها فعرفه فقال: يا أمه إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: وما تدرن من هو ! قالت: لا. قال: هو النبي قالت: فأدخلني عليه فأدخلها عليه فأطعمها وأعطاها. رواه محمد بن عمران بن أبي ليلى وأسد بن موسى عن يحيى وإسناده نظيف لكن منقطع بين أبي بكر وعبد الرحمن بن أبي ليلى. أوس بن عبد الله بن بريدة: نا الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي كان يتفاءل وكانت قريش قد جعلت مائة من الإبل لمن يرده عليهم فركب بريدة في سبعين من بني سهم فلقي نبي الله ليلا فقال له: من أنت؟ قال: بريدة فالتفت إلى أبي بكر فقال: برد أمرنا وصلح ثم قال: وممن؟ قال: من أسلم قال لأبي بكر: سلمنا ثم قال: ممن؟ قال: من بني سهم قال: خرج سهمك. فأسلم بريدة والذين معه جميعا فلما أصبحوا قال بريدة للنبي : لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يدي النبي وقال: يا نبي الله تنزل علي قال: إن ناقتي مأمورة. فسار حتى وقفت على باب أبي أيوب فبركت. قلت: أوس متروك. وقال الحافظ أبو الوليد الطيالسي: ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط ثنا أبي عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي وأبو بكر مستخفيين مرا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ها هنا عناقا حملت أول الشاء وقد أخدجت وما بقي لها لبن فقال: ادع بها فدعا بها فاعتقلها النبي ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت وجاء أبو بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر ثم حلب فسقى الراعي ثم حلب فشرب فقال الراعي: بالله من أنت فوالله ما رأيت مثلك قط؟ قال: أتكتم علي حتى أخبرك؟ قال: نعم قال: فإني محمد رسول الله فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ قال: إنهم ليقولون ذلك قال: فأشهد أنك نبي وأشهد أن ما جئت به حق وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي وأنا متبعك قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك فإذا بلغك أني قد ظهرت فائتنا. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من قومه قالوا: لما بلغنا مخرج رسول الله من مكة كنا نخرج كل غداة فنجلس له بظاهر الحرة نلجأ إلى ظل الجدر حتى تغلبنا عليه الشمس ثم نرجع إلى رحالنا حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه رسول الله جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا رجعنا جاء رسول الله فرآه رجل من يهود فنادى: يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجنا ورسول الله قد أناخ إلى ظل هو وأبو بكر والله ما ندري أيهما أسن هما في سن واحدة حتى رأينا أبا بكر ينحاز له عن الظل فعرفنا النبي بذلك وقد قال قائل منهم: إن أبا بكر قام فأظل النبي بردائه فعرفناه. وقال محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبلة: حدثني عقبة بن وساج عن أنس بن مالك أن النبي قدم يعني المدينة وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر فغلفها بالحناء والكتم. أخرجه البخاري من حديث محمد بن حمير. وقال شعبة أنبأنا أبو إسحاق سمعت البراء يقول: أول من قدم علينا من الصحابة مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا ثم جاء رسول الله فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء قط فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يسعون في الطرق يقولون: (جاء رسول الله) فما قدم المدينة حتى تعلمت {سبح اسم ربك الأعلى} في مثلها من المفصل. خ. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء في حديث الرحل قال أبو بكر: ومضى رسول الله وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول الله : إني أنزل الليلة على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك وقدم الناس حين قدمنا المدينة في الطريق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: جاء رسول الله جاء رسول الله الله أكبر جاء محمد الله أكبر جاء محمد فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر. متفق عليه. وقال هاشم بن القاسم: ثنا سليمان - هو ابن المغيرة - عن ثابت عن أنس قال: إني لأسعى في الغلمان يقولون: (جاء محمد) وأسعى ولا أرى شيئا ثم يقولون: (جاء محمد) فأسعى حتى جاء النبي وصاحبه أبو بكر فكمنا في بعض جدر المدينة ثم بعثا رجلا من أهل البادية ليؤذن بهما الأنصار قال: فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما فقالوا: انطلقا آمنين مطاعين فأقبل رسول الله وصاحبه بين أظهرهم فخرج أهل المدينة حتى إن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيهم هو؟ قال: فما رأينا منظرا شبيها به يومئذ. صحيح. وقال الوليد بن محمد الموقري وغيره عن الزهري قال: فأخبرني عروة أن الزبير كان في ركب تجار بالشام فقفلوا إلى مكة فعارضوا رسول الله وأبا بكر بثياب بياض وسمع المسلمون بمخرج رسول الله فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم نحر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لشأنه فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلام فلقوا رسول الله بظهر الحرة فعدل بهم رسول الله ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف من الأنصار وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر يذكر الناس وجلس رسول الله صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله يحسبه أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرفوا رسول الله عند ذلك فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة. وأسس المسجد الذي أسس على التقوى فصلى فيه ثم ركب راحلته فسار فمشى معه الناس حتى بركت بالمدينة عند مسجده وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين أخوين في حجر أسعد بن زرارة من بني النجار فقال حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل. ثم دعا الغلامين فساومهما المربد ليتخذه مسجدا فقالا: بل نهبه لك فأبى حتى ابتاعه وبناه. وقال عبد الوارث بن سعيد وغيره: ثنا أبو التياح عن أنس قال: لما قدم رسول الله المدينة نزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم فكأني أنظر إلى رسول الله وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب. متفق عليه. وقال عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما دخل النبي المدينة مر على عبد الله بن أبي وهو جالس على ظهر الطريق فوقف عليه رسول الله ينتظر أن يدعوه إلى المنزل وهو يومئذ سيد (أهل المدينة) في أنفسهم فقال عبد الله: أنظر الذين دعوك فأتهم فعمد إلى سعد بن خيثمة فنزل عليه في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى والرضوان. ثم إنه ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم فجمع فيهم وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة واستقبل بيت المقدس فلما أبصرته اليهود صلى إلى قبلتهم طمعوا فيه للذي يجدونه مكتوبا عندهم ثم ارتحل فاجتمعت له الأنصار يعظمون دين الله بذلك يمشون حول ناقة النبي لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة فقال: خلوا سبيل الناقة فإنما أنزل حيث أنزلني الله حتى انتهى إلى دار أبي أيوب في بني غنم فبركت على الباب فنزل ثم دخل دار أبي أيوب فنزل عليه حتى ابتنى مسجده ومسكنه في بني غنم وكان المسجد موضعا للتمر لابني أخي أسعد بن زرارة فأعطاه النبي وأعطى ابني أخيه مكانه نخلا له في بني بياضة فقالوا: نعطيه النبي لا نأخذ له ثمنا وبنى النبي لحمزة ولعلي ولجعفر وهم بأرض الحبشة وجعل مسكنهم في مسكنه وجعل أبوابهم في المسجد مع بابه ثم إنه بدا له فصرف باب حمزة وجعفر. كذا قال: وهم بأرض الحبشة وإنما كان علي بمكة. رواه ابن عائذ عن محمد بن شعيب عنه. وقال موسى بن عقبة: لما دنا النبي وأبو بكر من المدينة وقدم طلحة بن عبيد الله من الشام خرج طلحة عامدا إلى مكة لما ذكر له النبي وأبو بكر خرج إما متلقيا لهما وإما عامدا عمده بمكة ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام فلما لقيه أعطاه الثياب فلبس النبي وأبو بكر منها. وقال الوليد بن مسلم عن عبد الله بن يزيد عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه: قدم النبي المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول فأقام بالمدينة عشر سنين. وقال ابن إسحاق: المعروف أنه قدم المدينة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول قال: ومنهم من يقول لليلتين مضتا منه. رواه يونس وغيره عن ابن إسحاق. وقال عبد الله بن إدريس: ثنا ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة عن عبد الرحمن بن عويم أخبرني بعض قومي قال: قدم النبي يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول فأقام بقباء بقية يومه وثلاثة أيام وخرج يوم الجمعة على ناقته القصواء. وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه لبث فيهم ثماني عشرة ليلة. وقال زكريا بن إسحاق: ثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: مكث النبي بمكة ثلاث عشرة سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. متفق عليه.

وقال سفيان بن عيينة: ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عجوز لهم قالت: رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة أبي قيس الأنصاري وكان يروي هذه الأبيات: (ثوى في قريش بضع عشرة حجة..... يذكر لو ألفى صديقا مواتيا) (ويعرض في أهل المواسم نفسه..... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا) (فلما أتانا واطمأنت به النوى..... وأصبح مسرورا بطيبة راضيا) (وأصبح ما يخشى ظلامة ظالم..... بعيد ولا يخشى من الناس باغيا (بذلنا الأموال من جل مالنا..... وأنفسنا عند الوغى والتآسيا) (نعادي الذي عادى من الناس كلهم..... جميعا وإن كان الحبيب المواسيا) (ونعلم أن الله لا شيء غيره..... وأن كتاب الله أصبح هاديا) وقال عبد الوارث: ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: أقبل نبي الله إلى المدينة وهو مردف أبا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله شاب لا يعرف - يريد دخول الشيب في لحيته دونه لا في السن - قال أنس: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا رجل يهديني السبيل، فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق وإنما يعني طريق الخير. فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال: يا نبي الله هذا فارس قد لحق بنا فقال: اللهم اصرعه فصرعه فرسه ثم قامت تحمحم. فقال: يا نبي الله مرني بما شئت قال: تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا قال: فكان أول النهار جاهدا على النبي وآخر النهار مسلحة له فنزل النبي جانب الحرة وأرسل إلى الأنصار فجاءوا إلى رسول الله وأبي بكر فسلموا عليهما فقالوا: إركبا آمنين مطاعين فركبا وحفوا حولهما بالسلاح فقيل في المدينة (جاء رسول الله جاء رسول الله ) وأقبل حتى نزل إلى جانب بيت أبي أيوب قال: فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم منه فعجل أن يضع التي يخترف فيها فجاءه وهي معه فسمع من نبي الله ثم رجع إلى أهله فقال نبي الله : أي بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله هذه داري قال: أذهب فهيئ لنا مقيلا فذهب فهيأ لهما مقيلا ثم جاء فقال: يا نبي الله قد هيأت لكما مقيلا قال: قوما على بركة الله فقيلا. فلما جاء نبي الله جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله حقا وأنك جئت بحق ولقد علمت يهود أني سيدهم وأعلمهم. وذكر الحديث. أخرجه البخاري.

وقد تقدم من سيرته ومغازيه في العشر السنين التي لبث فيها بالمدينة ما فيه مغنى إن شاء الله تعالى.

فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى ما مضى في غضون المغازي عدل

قال حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب النبي ومعه غلام له. فذكر الحديث ثم قال: حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده فقال: سرنا مع رسول الله حتى نزلنا واديا أفيح فذهب النبي يقضي حاجته واتبعته بإداوة من ماء فنظر النبي فلم ير شيئا يستتر به وإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق النبي إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان يالمنصف فيما بينهما لأم بينهما فقال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا قال جابر فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله بقربي - يعني فيبتعد - فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا فرأيت رسول الله وقف وقفة فقال برأسه هكذا يمينا وشمالا ثم أقبل فلما انتهى إلي قال: يا جابر هل رأيت مقامي؟ قلت: نعم يا رسول الله قال: فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة غصنا فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يسارك قال: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وجشرته فانذلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ثم أقبلت أجرهما حتى إذا قمت مقام النبي أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري ثم لحقت فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك؟ قال: إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين. ثم ذكر حديثا طويلا وفيه إعواز الناس الماء وأنه أتاه بيسير ماء فوضع يده فيه في قصعة قال: فرأيت الماء يتفور من بين أصابعه فاستقى منه الناس حتى رووا. أخرجه مسلم. وقال الأعمش وغيره عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: بينما نحن في سفر مع النبي إذ حضرت الصلاة وليس معنا ماء إلا يسير فدعا بماء فصبه في صحفة ووضع كفه فيه فجعل الماء يتفجر من بين أصابعه فأقبل الناس فتوضئوا وشربوا قال الأعمش: فحدثت به سالم بن أبي الجعد فقال: حدثنيه جابر فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال خمس عشرة مائة. أخرجه (خ). وقال عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: كنا مع رسول الله في سفر فأصابنا عطش فجهشنا إلى رسول الله فوضع يده في تور من ماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه كأنه العيون فقال: خذوا باسم الله فشربنا فوسعنا وكفانا ولو كنا مائة ألف لكفانا قلت: كم كنتم؟ قال: ألفا وخمسمائة. صحيح. وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن عمر بن الخطاب أن النبي كان على الحجون لما آذاه المشركون فقال: اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها قال: فأمر فنادى شجرة فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه ثم أمرها فرجعت. وروى الأعمش نحوه عن أبي سفيان عن أنس وروى المبارك بن فضالة نحوا منه عن الحسن مرسلا. وقال عبد الله بن عمر بن أبان: ثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان عن عطاء عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال: أين تريد؟ قال الأعرابي: إلى أهلي قال: هل لك إلى خير؟ قال: ما هو؟ قال تسلم قال: هل من شاهد؟ قال: هذه الشجرة فدعاها فأقبلت تخد الأرض خدا فقامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت له كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعوني آتك بهم وإلا رجعت إليك فكنت معك. غريب جدا وإسناده جيد. أخرجه الدارمي في مسنده عن محمد بن طريف عن ابن فضيل. وقال شريك عن سماك عن أبي ظبيان عن ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم فدعاه فجعل ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقز حتى أتى النبي ثم قال له: ارجع فرجع حتى عاد إلى مكانه فقال: أشهد أنك رسول الله وآمن. رواه البخاري في تاريخه عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني عنه.

وقال يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال: خرج النبي لحاجته وتبعته بالإداوة فإذا شجرتان بينهما أذرع فقال: انطلق فقل لهذه الشجرة الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفهما ففعلت فرجعت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ثم رجعتا. وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أتى النبي رجل من بني عامر فقال: إني أطب الناس فإن كان بك جنون داويتك فقال: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم قال: فادع ذاك العذق فدعاه فجاءه ينقز على ذنبه حتى قام بين يديه ثم قال: ارجع فرجع فقال: يا لعامر ما رأيت رجلا أسحر من هذا. أخبرنا عمر بن محمد وغيره قالوا: أنا عبد الله بن عمر أنا عبد الأول بن عيسى أنا عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا عبد الله بن حمويه أنا عيسى بن عمر ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند أنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجت مع النبي في سفر وكان لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى فنزلنا بفلاة من الأرض ليس فيها شجر ولا علم فقال: يا جابر اجعل في إداوتك ماء ثم انطلق بنا قال: فانطلقنا حتى لا نرى فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع فقال: انطلق إلى هذه الشجرة فقل: يقول لك: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما فرجعت إليها فجلس رسول الله خلفهما ثم رجعتا إلى مكانهما. فركبنا مع رسول الله وهو بيننا كأنما علينا الطير تظلنا فعرضت له امرأة معها صبي فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات. فتناوله فجعله بينه وبين مقدم الرحل ثم قال: اخس عدو الله أنا رسول الله اخس عدو الله أنا رسول الله ثلاثا ثم دفعه إليها فلما قضينا سفرنا مررنا بذلك المكان فعرضت لنا المرأة معها صبيها ومعها كبشان تسوقهما فقالت: يا رسول الله اقبل مني هديتي فوالذي بعثك بالحق ما عاد إليه بعد فقال: خذوا منها واحدا وردوا عليها الآخر. قال: ثم سرنا ورسول الله بيننا كأنما علينا الطير تظلنا فإذا جمل ناد حتى إذا كان بين السماطين خر ساجدا فجلس رسول الله وقال على الناس: من صاحب الجمل؟ فإذا فتية من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول الله قال: فما شأنه قالوا: استنينا عليه منذ عشرين سنة وكانت له شحيمة فأردنا أن ننحره فتقسمه بين غلماننا فانفلت منا قال: بيعونيه قالوا: هو لك يا رسول الله. قال: أما لي فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله فقال المسلمون عند ذلك: يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم قال: لا ينبغي لشيء أن يسجد لشيء ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن. رواه يونس بن بكير عن إسماعيل وعنده: لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر وهو أصح.

وقد رواه بمعناه يونس بن بكير ووكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال: سافرت مع النبي فرأيت منه أشياء: نزلنا منزلا فقال: انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل: إن رسول الله يقول لكما أن تجتمعا. وذكر الحديث. مرة: هو ابن أبي مرة. وقد رواه وكيع مرة فقال فيه: عن يعلى بن مرة قال: رأيت من النبي عجبا. الحديث. قال البخاري: إنما هو عن يعلى نفسه. قلت: ورواه البيهقي من وجهين من حديث عطاء بن السائب عن عبد الله بن حفص ومن حديث عمر بن عبد الله بن يعلى عن أبيه كلاهما عن يعلى نفسه. وقال مهدي بن ميمون: أنبأ محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي حن إليه وذرفت عيناه فأتاه النبي فمسح ذفريه فسكن فقال: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه. أخرج مسلم منه إلى قوله حائش نخل وباقيه على شرط مسلم. وقال إسماعيل بن جعفر: ثنا عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة - ثقة - عن جابر بن عبد الله أن ناضحا لبعض بني سلمة اغتلم فصال عليهم وامتنع حتى عطشت نخله فانطلق إلى النبي فاشتكى ذلك إليه فقال النبي انطلق وذهب النبي معه فلما بلغ باب النخل قال: يا رسول الله لا تدخل قال: ادخلوا لا بأس عليكم فلما رآه الجمل أقبل يمشي واضعا رأسه حتى قام بين يديه فسجد فقال النبي : ائتوا جملكم فاخطموه وارتحلوه ففعلوا وقالوا: سجد لك يا رسول الله حين رآك قال: لا تقولوا ذلك لي لا تقولوا ما لم أبلغ فلعمري ما سجد لي ولكن سخره الله لي. وقال عفان: نا حماد بن سلمة: سمعت شيخا من قيس يحدث عن أبيه قال: جاء النبي وعندنا بكرة صعبة لا نقدر عليها فدنا منها النبي فمسح ضرعها فحفل فاحتلب وشرب. وفي الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى تفرد به فائد أبو الورقاء وهو ضعيف. وحديث لجابر آخر تفرد به الأجلح عن الذيال بن حرملة عنه. أخرجه الدارمي وغيره. وقال يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن عائشة قالت: كان لأهل رسول الله وحش فإذا خرج رسول الله لعب وذهب وجاء. فإذا جاء رسول الله ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله في البيت. صحيح. وقال أبو داود الطيالسي: ثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: كنا مع رسول الله في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترفرف على رأس النبي وأصحابه فقال: أيكم فجع هذه فقال رجل: أنا أخذت بيضتها. فقال: رده رده رحمة لها. عبد الرحمن لم يسمع من أبيه. وقال أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري: ثنا علي بن قادم أنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية عن أبي سعيد قال: مر رسول الله بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني فقال رسول الله : صيد قوم وربيطة قوم قال: فأخذ عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله ثم استوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال: لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا. علي وأبو العلاء صدوقان وعطية فيه ضعف. وقد روى نحوه عن زيد بن أرقم. وقال القاسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: بينما راع يرعى بالحرة إذ عرض ذئب لشاة فحال الراعي بين الذئب وبين الشاة فأقعى الذئب على ذنبه ثم قال للراعي: ألا تتقي الله تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام الإنس ! فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني: رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق فساق الراعي شاة حتى أتى المدينة فزواها زاوية ثم دخل على النبي فحدثه بحديث الذئب فخرج رسول الله إلى الناس فقال للراعي: قم فأخبرهم قال: فأخبر الناس بما قال الذئب فقال رسول الله : صدق الراعي ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع للإنس والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده. أخرجه الترمذي وقال: صحيح غريب. وقال عبد الحميد بن بهرام ومعقل بن عبيد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري نحوه وهو حديث حسن صحيح الإسناد. وقال سفيان بن حمزة: ثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن ربيعة بن أوس عن أنس بن عمرو عن أهبان بن أوس أنه كان في غنم له فكلمه الذئب فأتى النبي فأسلم. قال البخاري: ليس إسناده بالقوي.

وقال يوسف بن عدي: ثنا جعفر بن جسر أخبرني أبي ثنا عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن عمر: كان راع على عهد رسول الله في غنم له إذ جاء الذئب فأخذ شاة ووثب الراعي حتى انتزعها من فيه فقال له الذئب: أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني ! وذكر الحديث. وقال منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا مع النبي ونحن نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. (خ).

فصل في تسبيح الحصى في يده صلى الله عليه وسلم عدل

وقال قريش بن أنس: ثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن رجل قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته: كنت رجلا أتتبع خلوات النبي فرأيته وحده فجلست فجاء أبو بكر فسلم وجلس ثم جاء عمر ثم عثمان وبين يدي النبي سبع حصيات فأخذهن فوضعهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن. ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن ثم وضعهن فخرسن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن ثم وضعهن فخرسن فقال رسول الله : هذه خلافة النبوة. صالح لم يكن حافظا والمحفوظ رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له فذكر هذا الحديث عن أبي ذر. ويروى مثله عن جبير بن نفير وعن عاصم بن حميد عن أبي ذر. وجاء مثله عن أنس من وجهين منكرين. وقال عبد الواحد بن أيمن: حدثني أبي عن جابر أن رسول الله كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو إلى نخلة فقيل له: ألا نجعل لك منبرا؟ قال: إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة ذهب إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي فنزل فضمها إليه كانت تئن أنين الصبي الذي يسكن قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها. (خ). ورواه جماعة عن جابر. وقال أبو حفص بن العلاء المازني - واسمه عمر - عن نافع عن عبد الله أن رسول الله كان يخطب إلى جذع فلما وضع له المنبر حن إليه حتى أتاه فمسحه فسكن. أخرجه البخاري عن ابن مثنى عن يحيى بن كثير عنه وهو من غرائب الصحيح. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه: كان النبي يصلي إلى جذع ويخطب إليه فصنع لرسول الله المنبر فلما جاوز النبي ذلك الجذع خار حتى تصدع وانشق فنزل النبي لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا. روي من وجهين عن ابن عقيل. مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: هل ترون قبلتي ها هنا فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم إني لأراكم وراء ظهري متفق عليه. قال الشافعي: هذه كرامة من الله أبانه بها من خلقه. وقال المختار بن فلفل عن أنس نحوه وفيه: فإني أراكم من أمامي ومن خلفي وايم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا يا رسول الله: وما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار. أخرجه مسلم. وقال بشر بن بكر: ثنا الأوزاعي عن ابن شهاب أخبرني القاسم بن محمد عن عائشة قالت: دخل علي النبي وأنا مستترة بقرام فيه صورة فهتكه ثم قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله. قال الأوزاعي: قالت عائشة: أتاني رسول الله ببرنس فيه تمثال عقاب فوضع رسول الله يده عليه فأذهبه الله. وهذه الزيادة منقطعة. وقال عاصم عن زر عن عبد الله قال: كنت غلاما يافعا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتى علي رسول الله ومعه أبو بكر فقال: يا غلام هل عندك لبن؟ قلت: نعم ولكن مؤتمن قال: فائتني بشاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها رسول الله ثم دعا ومسح ضرعها حتى أنزلت فاحتلب في صحفة وسقى أبا بكر وشرب بعده ثم قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان ثم أتيت رسول الله فقلت: علمني من هذا القول فمسح رأسي وقال: إنك غلام معلم فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر. إسناده حسن قوي. مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفته فيه ودسته تحت ثوبي وأرسلتني إلى رسول الله فوجدته جالسا في المسجد ومع الناس فقمت عليهم فقال رسول الله : أرسلك أبو طلحة؟ قلت: نعم فقال لمن معه قوموا قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال: يا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله فأقبل معه حتى دخل فقال رسول الله : هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله ما شاء الله أن يقول: ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا فأكل القوم وشبعوا وهم سبعون أو ثمانون رجلا. متفق عليه. وقد مر مثل هذا في غزوة الخندق من حديث جابر. وقال سليمان التيمي عن أبي العلاء عن سمرة بن جندب أن رسول الله أتى بقصعة فيها طعام فتعاقبوها إلى الظهر منذ غدوة يقوم قوم ويقعد آخرون فقال رجل لسمرة: هل كانت تمد؟ قال: فمن أيش تعجب؟ ما كانت تمد إلا من ها هنا وأشار إلى السماء وأشار يزيد بن هارون إلى السماء. هذا حديث صحيح. وقال زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه أن سلمان أتى النبي بهدية فقال: لمن أنت؟ قال لقوم قال: فاطلب إليهم أن يكاتبوك قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم ويقوم عليها سلمان حتى تطعم قال فجاء النبي فغرس النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر فأطعم نخلة من سنته إلا تلك النخلة فقال النبي : من غرسها؟ قالوا: عمر فغرسها رسول الله بيده فحملت من عامها. رواته ثقات.

أخبرنا ابن أبي عمر وابن أبي الخير كتابة عن محمد بن أحمد وجماعة أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم أنا ابن ريدة أنا الطبراني ثنا الوليد بن حماد الرملي ثنا عبد الله بن الفضل حدثني أبي عن أبيه عاصم بن عمر عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان قال: أهدي إلى رسول الله قوس فدفعها إلي يوم أحد فرميت بها بين يديه حتى اندقت عن سيتها ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله ألقى السهام بوجهي كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله ميلت رأسي لأقي وجهه فكان آخر سهم ندرت منه حدقتي على خدي وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي فسعيت بها إلى رسول الله فلما رآها في كفي دمعت عيناه فقال: اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا فكانت أحد عينيه نظرا. حديث غريب وروي من وجه آخر ذكرناه. وقال حماد بن زيد: ثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله بتمرات فقلت: ادع لي فيهن بالبركة قال: فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال: خذهن فاجعلهن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثرهن نثرا قال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوي لا يفارق حقوي فلما قتل عثمان انقطع. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب. وروي في جزء الحفار من حديث أبي هريرة وفيه: فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله وكان معلقا خلف رحلي فوقع في زمان عثمان فذهب. وله طريق أخرى غريبة. وقال معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته ومن ضيفاه حتى كاله فأتى رسول الله فقال له: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم. وكانت أم مالك تهدي للنبي في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسالون الأدم وليس عندهم شيء. فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه إلى رسول الله فتجد فيه سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت رسول الله فقال: أعصرتيها؟ قالت: نعم قال: لو تركتيها ما زال قائما. أخرجه مسلم. وقال طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله في مسير. فنفدت أزواد القوم حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من الأزواد فدعوت الله عليها ففعل فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره فدعا حتى إنهم ملأوا أزوادهم فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. أخرجه مسلم. وروى نحوه وأطول منه المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبد الرحمن بن أبي عمرو الأنصاري عن أبيه وزاد: فما بقي في الجيش وعاء إلا ملؤوه وبقي مثله فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله لا يلقى الله عبد مؤمن بها إلا حجب عن النار. رواه الأوزاعي عنه. وقال سلم بن زرير: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: ثنا عمران بن حصين أنهم كانوا مع النبي في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان في وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس فكان أول من استيقظ أبو بكر فاستيقظ عمر بعده فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى يستيقظ النبي فلما استيقظ والشمس قد بزغت قال: ارتحلوا فسار بنا حتى ابيضت الشمس فنزل فصلى بنا واعتزل رجل فلم يصل فلما انصرف قال: يا فلان ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى وجعلني رسول الله في ركوب بين يديه أطلب الماء وكنا قد عطشنا عطشا شديدا فبينا نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين قلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهات فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة فقلنا: انطلقي إلى رسول الله قالت: وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى استقبلنا بها رسول الله فحدثته أنها مؤتمة فأمر بمزادتيها فمج في العزلاوين العلياوين فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وكل إداوة وغسلنا صاحبنا وهي تكاد تضرج من الماء ثم قال لنا: هاتوا ما عندكم فجمعنا لها من الكسر والتمر حتى صر لها صرة فقال: اذهبي فأطعمي عيالك واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا فلما أتت أهلها قالت: لقد أتيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا. اتفقا عليه.

وقال حماد بن سلمة وغيره عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله في سفر فقال: إن لا تدركوا الماء تعطشوا فانطلق سرعان الناس تريد الماء ولزمت رسول الله تلك الليلة فمالت به راحلته فنعس قال: فمال فدعمته فادعم ومال فدعمته فادعم ثم مال حتى كاد أن ينقلب فدعمته فانتبه فقال: من الرجل؟ قلت: أبو قتادة فقال: حفظك الله بما حفظت به رسول الله ثم قال: لو عرسنا فمال إلى شجرة فنزل فقال: أنظر هل ترى أحدا؟ فقلت: هذا راكب هذان راكبان حتى بلغ سبعة فقال: احفظوا علينا صلاتنا قال: فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس فانتبهنا فركب رسول الله وسار وسرنا هنية ثم نزلنا فقال: أمعكم ماء؟ قلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء قال: فاتني بها فتوضئوا وبقي في الميضأة جرعة فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه سيكون لها شأن ثم أذن بلال فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى الفجر ثم ركب وركبنا فقال بعض لبعض: فرطنا في صلاتنا فقال رسول الله : ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمر دينكم فإلي قلنا: فرطنا في صلاتنا قال: لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها. ثم قال: ظنوا بالقوم فقلنا: إنك قلت بالأمس: إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا فأتى الناس الماء فقال: أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم فقال بعض القوم: إن رسول الله بالماء وفي القوم أبا بكر وعمر قالا: أيها الناس إن رسول الله لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويحلفكم وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا قالها ثلاثا فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله فقالوا: يا رسول الله هلكنا عطشا انقطعت الأعناق قال: لا هلك عليكم ثم قال: يا أبا قتادة ائتني بالميضأة فأتيته بها فقال: حل لي غمري - يعني قدحه - فحللته فجعل يصب فيه ويسقي الناس فقال: أحسنوا الملء فكلكم سيصدر عن ري فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله فصب لي فقال: اشرب قلت: اشرب أنت يا رسول الله قال: إن ساقي القوم آخرهم شربا فشربت ثم شرب بعدي ؛ وبقي من الميضأة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة. قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد فقال: من الرجل؟ فقلت: أنا عبد الله بن رباح الأنصاري فقال: القوم أعلم بحديثهم أنظر كيف تحدث فإني أحد السبعة تلك الليلة فلما فرغت قال: ما كنت أحسب أن أحدا يحفظ هذا الحديث غيري ورواه بكر بن عبد الله المزني أيضا عن عبد الله بن رباح. رواه مسلم. وقال الأوزاعي: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني أنس قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله فبينا رسول الله على المنبر يوم الجمعة يخطب الناس فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثارت سحابة أمثال الجبال ثم لم ينزل عن المنبر حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد حتى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وجاع العيال فادع الله لنا فرفع رسول الله يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيديه إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت حتى صارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي وادي قباء شهرا ولم يجيء أحد من ناحية من النواحي إلا حدث بالجود. اتفقا عليه. ورواه ثابت وعبد العزيز بن صهيب وغيرهما عن أنس. وقال عثمان بن عمر وروح بن عبادة: ثنا شعبة عن أبي جعفر الخطمي سمع عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي فقال: ادع الله أن يعافيني قال: فإن شئت أخرت ذلك فهو خير لك وإن شئت دعوت الله قال: فادعه قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي. ففعل الرجل فبرأ. قال البيهقي: وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي.

وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي: حدثني أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المديني الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال: سمعت رسول الله وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال: ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري اللهم شفعه في وشفعني في نفسي قال عثمان: فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضرر قط. رواه يعقوب الفسوي وغيره عن أحمد بن شبيب. وقال عبد الرزاق: أنبأ معمر عن قتادة قال: حلب يهودي للنبي فقال النبي : اللهم جمله قال فاسود شعره حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا. ويروى نحوه عن ثمامة عن أنس وفيه: فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء. وقال سعيد بن أبي مريم: أنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عاصم بن عمر بن قتادة عن جده قتادة بن النعمان قال: كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر فقلت: لو أني اغتنمت العتمة مع النبي ففعلت فلما انصرف أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه فقال: يا قتادة تخرج هذه الساعة؟ قلت: اغتنمت شهود الصلاة معك فأعطاني العرجون فقال: إن الشيطان قد خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستعن به حتى تأتي بيتك فتجده في زاوية البيت فاضربه بالعرجون فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا فاستضأت به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ فلم أزل أضربه به حتى خرج. عاصم عن جده ليس بمتصل لكنه قد روي من وجهين آخرين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وحديث أبي سعيد حديث قوي. وقال حرمي بن عمارة: ثنا عزرة بن ثابت عن علباء بن أحمر حدثني أبو زيد الأنصاري قال: قال لي رسول الله أدن مني. قال: فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم قال: اللهم جمله وأدم جماله فقال: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح موصول وأبو زيد هو عمرو بن أخطب. وقال علي بن الحسن بن شقيق: ثنا الحسين بن واقد ثنا أبو نهيك الأزدي عن عمرو بن أخطب - وهو أبو زيد - قال: استسقى النبي فأتيته بإناء فيه ماء وفيه شعرة فرفعتها ثم ناولته فقال: اللهم جمله قال: فرأيته ابن ثلاث وتسعين سنة وما في رأسه ولحيته طاقة بيضاء. وقال معتمر بن سليمان: نا أبي عن أبي العلاء قال: كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه فمر رجل في مؤخر الدار قال: فرأيته في وجهه قال: وكان رسول الله مسح وجهه قال: وكنت قلما رأيته إلا رأيته كأن على وجهه الدهان. رواه عارم ويحيى بن معين عن معتمر. وقال عكرمة بن عمار: ثنا إياس بن سلمة بن الأكوع حدثني أبي أن رجلا أكل عند رسول الله بشماله فقال: كل بيمينك قال: لا أستطيع قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه بعد. أخرجه مسلم. وقال حميد: عن أنس قال: جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله مقدمة المدينة فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة والولد ينزع إلى أبيه وينزع إلى أمه. قال: أخبرني بهن جبريل آنفا - قال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة - أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه إلى أبيه وإذا سبق ماء المرأة نزعه إلى أمه. فأسلم ابن سلام. وذكر الحديث. أخرجه البخاري. وقال يونس بن بكير عن أبي معشر المدني عن المقبري مرسلا فذكر نحوا منه وفيه: فأما الشبه فأي النطفتين سبقت إلى الرحم فالولد به أشبه. وقال معاوية بن سلام عن زيد بن سلام عن أبي سلام: أخبرني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه قال: كنت قائما عند رسول الله فجاء حبر فقال: السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال: لم تدفعني؟ قلت: ألا تقول: يا رسول الله ! قال: إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله : إن اسمي الذي سماني به أهلي (محمد) فقال اليهودي: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال: في الظلمة دون الجسر قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين؟ قال: مما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد نون قال: فما غذاؤهم على أثره؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلا قال: صدقت قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال: ينفعك إن حدثتك؟. قال: أسمع بأذني قال: سل قال: جئت أسألك عن الولد قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله؟ وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله فقال اليهودي: صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فقال رسول الله : إنه سألني هذا الذي سألني عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به. رواه مسلم. وقال عبد الحميد بن بهرام عن شهر حدثني ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود يوما النبي فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي قال: سلوا عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه أتبايعني على الإسلام؟ قالوا: لك ذلك قال: فسلوني عما شئتم قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنها: أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا وكيف تكون الأنثى منه حتى تكون أنثى ومن وليك من الملائكة قال: فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتبايعني فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق قال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه منه فنذر الله لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه: ألبان الإبل وأحب الطعام إليه لحمانها؟ قالوا: اللهم نعم فقال رسول الله : اللهم أشهد عليهم قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله فإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن الله؟ قالوا: اللهم نعم قال: اللهم اشهد قال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم قال: اللهم اشهد عليهم. قالوا: أنت الآن حدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال: وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك قال: ولم؟ قالوا: إنه عدونا من الملائكة. فأنزل الله عز وجل: {من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك} الآية. ونزلت {فباءو بغضب على غضب}. وقال يزيد بن هارون: أنبأ شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله فقال الآخر: لا تقل نبي فإنه إن سمعك تقول نبي كانت له أربعة أعين فانطلقا إلى النبي فسألاه عن قوله تسع آيات بينات قال: لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تفروا من الزحف ولا تقذفوا محصنة - شك شعبة - وعليكم خاصة معشر اليهود أن لا تعدوا في السبت. فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي قال: فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود سأل ربه أن لا يزال في ذريته نبي ونحن نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود. وقال عفان: نا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجال الجنة فدخل النبي كنيسة فإذا هو بيهود وإذا يهودي يقرأ التوراة فلما أتى على صفته أمسك وفي ناحيتها رجل مريض فقال النبي : ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة وقال: ارفع يدك فقرأ حتى أتى على صفته فقال: هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم مات فقال النبي لو أخاكم. وقال يزيد بن هارون: ثنا حماد بن سلمة عن الزبير أبي عبد السلام عن أيوب بن عبد الله بن مكرز عن وابصة - هو الأسدي - قال: أتيت رسول الله وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه فجعلت أتخطى الناس فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله فقلت: دعوني أدنو منه فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه. فقال: أدن يا وابصة فدنوت حتى مست ركبتي ركبته فقال: يا وابصة أخبرك بما جئت تسألني عنه؟ فقلت: أخبرني يا رسول الله قال: جئت تسأل عن البر والإثم؟ قلت: نعم قال: فجمع أصابعه فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك استفت نفسك البر: ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك. وقال ابن وهب: حدثني معاوية عن أبي عبد الله محمد الأسدي سمع وابصة الأسدي قال: جئت رسول الله أسأله عن البر والإثم فقال من قبل أن أسأله: جئت تسألني عن البر والإثم؟ قلت: إي والذي بعثك بالحق إنه للذي جئت أسألك عنه فقال: البر ما انشرح له صدرك والإثم ما حاك في نفسك وإن أفتاك عنه الناس. وقال محمد بن إسحاق وروح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير سمع عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله حين خرجنا إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من قوم ثمود فلما أهلك الله قومه منعه مكانه من الحرم فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه. قال: فابتدرناه فاستخرجنا الغصن.

باب من إخباره صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر عدل

شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن زيد عن حذيفة قال: لقد حدثني رسول الله بما يكون حتى تقوم الساعة غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها. رواه مسلم. وقال الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله - وفي لفظ: حفظه من حفظه - وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه. رواه الشيخان بمعناه. وقال عزرة بن ثابت: ثنا علباء بن أحمر ثنا أبو زيد قال: صلى بنا رسول الله الفجر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى أظنه قال: حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس قال: فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأحفظنا أعلمنا. رواه مسلم. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن خباب قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسد برده في ظل الكعبة فقلنا: ألا تدعو الله لنا ألا تستنصر الله لنا؟ فجلس محمارا وجهه ثم قال: والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فتحفر له الحفرة فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون. متفق عليه. وقال الثوري عن ابن المنكدر عن جابر قال: قال لي رسول الله : هل لك من أنماط قلت: يا رسول الله وأنى يكون لي أنماط؟ قال: أما إنها ستكون قال: فأنا أقول اليوم لامرأتي: نحي عني أنماطك فتقول: ألم يقل رسول الله إنها ستكون لكم أنماط بعدي فأتركها. متفق عليه. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير النميري قال: سمعت رسول الله يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح الشام فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح العراق فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. أخرجاه. وقال الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبر ثنا بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول: أتيت رسول الله في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال لي: يا عوف اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا. أخرجه البخاري. وقال ابن وهب: أخبرني حرملة بن عمران عن عبد الرحمن بن شماسة سمع أبا ذر يقول: قال رسول الله : إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما. رواه مسلم. وقال الليث وغيره عن ابن شهاب عن ابن لكعب بن مالك إن رسول الله قال: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما. مرسل مليح الإسناد. وقد رواه موسى بن أعين عن إسحاق بن راشد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه متصلا. قال ابن عيينة: من الناس من يقول: هاجر أم إسماعيل كانت قبطية ومن الناس من يقول: مارية أم إبراهيم قبطية. وقال معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : يهلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله. متفق عليه. أما كسرى وقيصر الموجودان عند مقالته فإنهما هلكا ولم يكن بعد كسرى كسرى آخر وأنفق كنوزهما في سبيل الله بأمر عمر رضي الله عنه وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية لقول النبي ثبت ملكه حين أكرم كتاب النبي إلى أن يقضي الله تعالى فتح القسطنطينية ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله مزق الله ملكه حين مزق كتاب النبي . وروى حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن أن عمر أتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال: الحمد لله سوارا كسرى في يد سراقة أعرابي من بني مدلج. وقال ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن عدي بن حاتم قال: قال النبي : مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها فقام رجل فقال: يا رسول الله هب لي ابنة بقيلة قال: هي لك فأعطوه إياها فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم قال: بكم؟ أحكم ما شئت قال: ألف درهم قال: قد أخذتها قالوا له: لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها قال: وهل عدد أكثر من ألف. وقال سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد ومكحول عن أبي إدريس الخولاني عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال: قال رسول الله : إنكم ستجندون أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن فقلت: يا رسول الله خر لي قال: عليك بالشام فمن أبى فليلحق بيمينه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله قال أبو إدريس: من تكفل الله به فلا ضيعة عليه. صحيح. وقال معمر: عن همام عن أبي هريرة أن النبي قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان - قوما من الأعاجم - حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر. (خ).

وقال هشيم عن سيار أبي الحكم عن جبر بن عبيدة عن أبي هريرة قال: وعدنا رسول الله غزوة الهند فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر. غريب. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال النبي : رأيت ذات ليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخر وأن ديننا قد طاب. رواه مسلم. وقال شعبة عن فرات القزاز سمع أبا حازم يقول: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يقول عن النبي قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلف نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم. اتفقا عليه.

وقال جرير بن حازم عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي قال: إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وكائنا خلافة ورحمة وكائنا ملكا عضوضا وكائنا عتوا وجبرية وفسادا في الأمة يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله. وقال عبد الوارث وغيره عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: قال رسول الله : خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتى الله الملك من يشاء. قال لي سفينة: أمسك أبو بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان اثنتي عشرة وعلي ستا. قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن خليفة قال: كذبت أستاه بني الزرقاء يعني بني مروان. كذا قال في علي ستا وإنما كانت خلافة علي خمس سنين إلا شهرين وإنما تكمل الثلاثون سنة بعشرة أشهر زائدة عما ذكر لأبي بكر وعمر. أخرجه أبو داود. وقال صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله في اليوم الذي بدئ فيه فقلت: وارأساه فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك فقلت غيري: كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك فقال: بل أنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن: أني ولا ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. رواه مسلم وعنده: فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنى ولا.

وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: صعد النبي أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه النبي برجله وقال: أثبت عليك نبي وصديق وشهيدان. أخرجه البخاري. وقال أبو حازم عن سهل بن سعد نحوه لكنه قال حراء بدل أحد وإسناده صحيح. وقال سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة إن رسول الله كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي : اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. أخرجه مسلم. أبو بكر صديق والباقون قد استشهدوا. وقال إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أخبرني إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري عن أبيه أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال: ولم؟ قال: نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال ونهانا أن نرفع أصواتنا وأنا جهير الصوت فقال: يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله قال: فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. مرسل وثبت أنه قتل يوم اليمامة.

وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله : إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن التحريش. رواه مسلم. وقال الشعبي عن مسروق عن عائشة حدثتني فاطمة: إن رسول الله أسر إلي أنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك. متفق عليه. وقال سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله : إنه كان في الأمم محدثون فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب. رواه مسلم. وقال شعبة عن قيس عن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك. ومن وجوه عن علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. وقال يحيى بن أيوب المصري عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر بعث جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح (يا سارية الجبل) فقدم رسول من ذلك الجيش فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا فإذا صائح يصيح (يا سارية الجبل) فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله فقلنا لعمر: كنت تصيح بذلك. وقال ابن عجلان: وحدثنا إياس بن معاوية بذلك. وقال الجريري عن أبي نضرة عن أسير بن جابر فذكر حديث أويس القرني بطوله وفيه: فوفد أهل الكوفة إلى عمر وفيهم رجل يدعى أويسا فقال عمر: أما ها هنا من القرنيين أحد؟ قال: فدعي ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله حدثنا أن رجلا من أهل اليمن يقدم عليكم ولا يدع بها إلا أما له قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدرهم يقال له أويس فمن لقيه منكم فليأمره فليستغفر لكم. أخرجه مسلم مختصرا عن رجاله عن الجريري وأخرجه أيضا مختصرا من وجه آخر. وقال حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن أسير قال: لما أقبل أهل اليمن جعل عمر يستقرئ الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتى أتى على قرن قال: فوقع زمام عمر أو زمام أويس فتناوله عمر فعرفه بالنعت فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أويس قال: هل كانت لك والدة؟ قال: نعم قال: هل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم دعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي فقال له عمر: استغفر لي قال: أنت أحق أن تستغفر لي أنت صاحب رسول الله فقال: إني سمعت رسول الله يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني وله والدة وكان به بياض. الحديث.

وقال هشام الدستوائي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أسير بن جابر قال: كان عمر إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: ألك والدة؟ قال: نعم فقال: سمعت رسول الله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي فاستغفر له ثم قال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصوا بك خيرا؟ فقال: لأن أكون في غبراء الناس أحب إلي فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأله عمر عن أويس كيف تركته؟ قال: رث البيت قليل المتاع قال عمر: سمعت رسول الله يقول: يأتي عليكم أويس مع أمداد اليمن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فلما قدم الرجل أتى أويسا فقال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي وقال لقيت عمر بن الخطاب؟ قال: نعم قال: فاستغفر له قال ففطن له الناس فانطلق على وجهه. قال أسير بن جابر: فكسوته بردا فكان إذا رآه إنسان قال: من أين لأويس هذا. رواه مسلم بطوله.

وقال شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول الله يقول: خير التابعين أويس القرني. وقال الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله في الفتنة؟ قلت: أنا قال: هات إنك لجريء فقلت: ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: ليس هذا أعني إنما أعني التي تموج موج البحر قلت: يا أمير المؤمنين ليس ينالك من تلك شيء إن بينك وبينها بابا مغلقا قال: أرأيت الباب يفتح أو يكسر؟ قال: لا بل يكسر قال إذا لا يغلق أبدا قلت: أجل فقلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن غدا دونه الليلة وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليظ فسأله مسروق: من الباب؟ قال: عمر. أخرجاه. وقال شريك بن أبي نمر عن ابن المسيب عن أبي موسى الأشعري في حديث القف: فجاء عثمان فقال النبي : ائذن له وبشره بالجنة على بلوى - أو بلاء - يصيبه. متفق عليه. وقال القطان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة أن رسول الله قال: ادعي لي - أو ليت عندي - رجلا من أصحابي قالت: قلت: أبو بكر؟ قال: لا قلت: عمر؟ قال: لا قلت: ابن عمك علي؟ قال: لا قلت: فعثمان؟ قال: نعم قالت: فجاء عثمان فقال: قومي قال: فجعل النبي يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار قلنا: ألا تقاتل؟ قال: لا إن رسول الله عهد إلي أمرا فأنا صابر نفسي عليه. وقال إسرائيل وغيره عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي - فيه جهالة - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : تدور رحى الإسلام عند رأس خمس أو ست وثلاثين سنة فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإلا تروخي عنهم سبعين سنة فقال عمر: يا رسول الله أمن هذا أو من مستقبله؟ قال: من مستقبله. وقال إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها كلاب الحوءب فقالت: أي ماء هذا؟ قالو: الحوءب قالت: ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوءب. فقال الزبير: تقدمي لعل الله أن يصلح بك بين الناس. وقال أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة. رواه البخاري. وأخرجا من حديث همام عن أبي هريرة نحوه. وقال صفوان بن عمرو: كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا وكان أهل العراق مائة ألف وعشرين ألفا فقتل منهم أربعون ألفا وذلك يوم صفين. وقال شعبة: حدثنا أبو مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: حدثني من هو خير مني - يعني أبا قتادة - أن النبي قال لعمار تقتلك الفئة الباغية. وقال الحسن عن أمه عن أم سلمة عن النبي مثله. رواهما مسلم. وقال عبد الرزاق: أنبأ ابن عيينة أخبرني عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ: جاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله ! قال: فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء. رواه الرمادي عنه. وقال أبو نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق. رواه مسلم. وقال سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد أن عليا رضي الله عنه بعث إلى رسول الله - يعني هو باليمن - بذهب في تربتها فقسمها النبي بين أربعة: بين عيينه بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة الكلابي والأقرع بن حابس الحنظلي وزيد الخيل الطائي فغضبت قريش والأنصار وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ؛ فقال رسول الله : إنما أعطيهم أتألفهم فقام رجل غائر العينين محلوق الرأس مشرف الوجنتين ناتئ الجبين فقال: اتق الله فقال رسول الله : فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني أهل السماء ولا تأمنوني؟ فاستأذنه رجل في قتله فأبى ثم قال: يخرج من ضئضيء هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. رواه مسلم وللبخاري بمعناه. الأوزاعي عن الزهري: حدثني أبو سلمة والضحاك يعني المشرفي عن أبي سعيد قال: بينا رسول الله يقسم ذات يوم قسما فقال ذو الخويصرة من بني تميم: يا رسول الله اعدل. فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل. فقام عمر فقال: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه قال: لا إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر. قال أبو سعيد: أشهد لسمعت هذا من رسول الله وأشهد أني كنت مع علي رضي الله عنه حين قتلهم فالتمس في القتلى وأتي به على النعت الذي نعت رسول الله . أخرجه البخاري. وقال أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال: ذكر علي رضي الله عنه أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلونهم على لسان محمد قلت: أنت سمعت هذا؟ قال: أي ورب الكعبة. رواه مسلم. وقال حماد بن زيد عن جميل بن مرة عن أبي الوضي السحيمي قال: كنا مع علي بالنهروان فقال لنا: التمسوا المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فأتوه فقال: ارجعوا فالتمسوا المخدج فوالله ما كذبت ولا كذبت حتى قال ذلك مرارا فرجعوا فقالوا: قد وجدناه تحت القتلى في الطين فكأني أنظر إليه حبشيا له ثدي كثدي المرأة عليه شعيرات كالشعيرات التي على ذنب اليربوع فسر بذلك علي. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده. وقال شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب قال: جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له: اتق الله فإنك ميت فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكني مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى. وقال أبو النضر: ثنا محمد بن راشد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبوه بدريا - قال: خرجت مع أبي عائدا لعلي من مرض أصابه ثقل منه فقال له أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة ! تحمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك فقال: إن رسول الله عهد إلي أني لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه من دم هذه - يعني لحيته من دم هامته - فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين. وقال الحسن عن أبي بكرة: رأيت رسول الله على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين. أخرجه البخاري دون (عظيمتين). وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمير بن الأسود حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو بساحل حمص وهو في بناء له ومعه امرأته أم حرام قال: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم قالت: ثم قال رسول الله : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم قالت أم حرام: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا. أخرجه البخاري. فيه إخباره عليه السلام أن أمته يغزون البحر ويغزون مدينة قيصر. وقال شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي. رواه مسلم واتفقا عليه من حديث أبي هريرة.

وقال الأسود بن شيبان عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت للحجاج: أما إن رسول الله حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. أخرجه مسلم تعني بالكذاب المختار بن أبي عبيد. وقال الوليد بن مسلم عن مروان بن سالم الجزري ثنا الأحوص بن الحكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت قال رسول الله : يكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب الله له الحكمة ورجل يقال له غيلان هو أضر على أمتي من إبليس. مروان ضعيف.

وقال ابن جريج: أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي قبل موته بشهر يقول: تسألون عن الساعة وإنما علمها عند الله فأقسم بالله ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة. رواه مسلم. وقال شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلاة العشاء ليلة في آخر حياته فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد متفق عليه. فقال الجريري: كنت أطوف مع أبي الطفيل فقال: لم يبق أحد ممن لقي رسول الله غيري قلت: كيف كان رسول الله ؟ قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم. وأصح الأقوال أن أبا الطفيل توفي سنة عشر ومائة.

وقال إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر أن النبي قال له: يعيش هذا الغلام قرنا قال: فعاش مائة سنة. وقال بشر بن بكر والوليد بن مسلم: نا الأوزاعي حدثني الزهري حدثني سعيد بن المسيب قال: ولد لأخي أم سلمة غلام فسموه الوليد فقال رسول الله : تسمون بأسماء فراعنتكم غيروا اسمه - فسموه عبد الله - فإنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو شر لأمتي من فرعون لقومه. هذا ثابت عن ابن المسيب ومراسيله حجة على الصحيح. وقال سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال: إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا ومال الله دولا. غريب ورواته ثقات. وقد روى الأعمش عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا مثله لكنه قال: ثلاثين رجلا. وقال سليمان بن حيان الأحمر: نا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن طلحة النصري قال: قدمت المدينة مهاجرا وكان الرجل إذا قدم المدينة فإن كان له عريف نزل عليه وإن لم يكن له عريف نزل الصفة فنزلت الصفة وكان يرافق بين الرجلين ويقسم بينهم مدا من تمر فبينا رسول الله ذات يوم في صلاته إذ ناداه رجل فقال: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف قال: وإن رسول الله حمد الله وأثنى عليه وذكر ما لقي من قومه ثم قال: لقد رأيتني وصاحبي مكثنا بضع عشرة ليلة ما لنا طعام غير البربر - وهو ثمر الأراك - حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم وكان جل طعامهم التمر والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم لأطعمتكموه وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم تلبسون أمثال أستار الكعبة ويغدى ويراح عليكم بالجفان. قالوا: يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير أنتم اليوم إخوان وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض.

وقال محمد بن يوسف الفريابي: ذكر سفيان: عن يحيى بن سعيد عن أبي موسى يحنس قال: قال رسول الله : إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض. حديث مرسل.

وقال عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أقبلنا مع رسول الله حتى مررنا على مسجد بني معاوية فدخل فصلى ركعتين وصلينا معه فناجى ربه طويلا ثم قال: سألت ربي ثلاثة: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. رواه مسلم. وقال أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال النبي : إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يسبي بعضا وبعضهم يقتل بعضا. وقال: إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة. ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى يعبدوا الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى. رواه مسلم. وقال يونس وغيره عن الحسن عن عطاء بن عبد الله عن أبي موسى أن رسول الله قال: بين يدي الساعة الهرج. قيل: وما الهرج؟ قال: القتل قالوا: أكثر مما نقتل؟ قال: إنه ليس بقتلكم المشركين ولكن بقتل بعضكم بعضا. قالوا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ قال: إنه تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان ويخلف لهم هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء. وقال سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله : صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر ويضربون الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم. وقال أبو عبد السلام عن ثوبان قال رسول الله : يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثنا أبو عبد السلام. وقال معمر عن همام: نا أبو هريرة قال: قال رسول الله : والذي نفسي بيده ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني ثم لأن يراني أحب إليه من مثل أهله وماله معهم. رواه مسلم. وللبخاري مثله من حديث أبي هريرة. وقال صفوان بن عمرو: حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة. أخرجه أبو داود. وقال عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال: قال رسول الله : إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل وتشرب الخمر ويظهر الزنا. متفق عليه.

وقال هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. متفق عليه. وقال كثير النواء عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله يكون في أمتي قوم يسمون الرافضة هم براء من الإسلام. كثير ضعيف تفرد به.

وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة نا زهدم أنه سمع عمران بن حصين قال: قال النبي : خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون قوم بعدهم يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن. رواه مسلم. والأحاديث الصحيحة والضعيفة في إخباره بما يكون بعده كثيرة إلى الغاية اقتصرنا على هذا القدر منها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور نسأل الله تعالى أن يكتب الإيمان في قلوبنا وأن يؤيدنا بروح منه.

باب جامع من دلائل النبوة عدل

قال سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال: فرفعوه: قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا. رواه مسلم. وقال عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال: كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي فعاد نصرانيا وكان يقول: ما أرى يحسن محمد إلا ما كنت أكتب له. فأماته الله فأقبروه فأصبح وقد لفظته الأرض قالوا: هذا عمل محمد وأصحابه قال: فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه من الله تعالى. أخرجه البخاري. وقال الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة إن رسول الله قال: ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. متفق عليه. قلت: هذه هي المعجزة العظمى وهي (القرآن) فإن النبي من الأنبياء عليهم السلام كان يأتي بالآية وتنقضي بموته فقل لذلك من يتبعه وكثر أتباع نبينا لكون معجزته الكبرى باقية بعده فيؤمن بالله ورسوله كثير ممن يسمع القرآن على ممر الأزمان ولهذا قال: فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. وقال زائدة: عن المختار بن فلفل عن أنس قال: قال رسول الله : ما صدق نبي ما صدقت إن من الأنبياء من لا يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد. رواه مسلم.

وقال جرير: عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بموقع النجوم فكان الله تعالى ينزله على رسول الله بعضه في إثر بعض. قال تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}.

باب آخر سورة نزلت عدل

قال أبو العميس عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعا؟ قلت: نعم {إذا جاء نصر الله والفتح} قال: صدقت. رواه مسلم. وقال أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {إذا جاء نصر الله والفتح} قال: أجل رسول الله أعلمه إياه إذا فتح الله عليك فذاك علامة أجلك قال ذلك لعمر فقال: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم يا بن عباس. أخرجه البخاري بمعناه. وقال شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء يقول: آخر سورة نزلت (براءة) وآخر آية أنزلت (يستفتونك). متفق عليه.

وقال الثوري عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلها الله آية الربا. وقال الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}. وقال ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: آخر ما أنزل الله آية الربا فدعوا الربا والريبة. صحيح. وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي قال: آخر آية نزلت {فإن تولوا فقل حسبي الله}. فحاصله أن كلا منهم أخبر بمقتضى ما عنده من العلم. وقال الحسين بن واقد: حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن قالا: نزل من القرآن بالمدينة: ويل للمطففين والبقرة وآل عمران والأنفال والأحزاب والمائدة والممتحنة والنساء وإذا زلزلت والحديد ومحمد والرعد والرحمن وهلأتى والطلاق ولم يكن والحشر وإذا جاء نصر الله والنور والحج والمنافقون والمجادلة والحجرات والتحريم والصف والجمعة والتغابن والفتح وبراءة قالا: ونزل بمكة فذكرا ما بقي من سور القرآن.

باب في النسخ والمحو من الصدور عدل

وقال أبو حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن أبي موسى قال: كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منه: يأيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. أخرجه مسلم وقال شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري: أخبرني أبو أمامة بن سهل أن رهطا من الأنصار من أصحاب رسول الله أخبروه أن رجلا قام في جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كانت قد وعاها فلم يقدر منها على شيء إلا (بسم الله الرحمن الرحيم) فأتى باب رسول الله حين أصبح ليسأله عن ذلك ثم جاء آخر حتى اجتمعوا فسأل بعضهم بعضا ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة ثم أذن لهم رسول الله فأخبروه خبرهم وسألوه عن السورة فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا ثم قال نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شيء كانت فيه. رواه عقيل عن ابن شهاب قال فيه: وابن المسيب جالس لا ينكر ذلك. نسخ هذه السورة ومحوها من صدورهم من براهين النبوة والحديث صحيح. قال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده سمع البراء يقول: كان رسول الله أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير. اتفقا عليه من حديث إبراهيم.

وقال البخاري: نا أبو نعيم نا زهير عن أبي إسحاق قال رجل للبراء: أكان وجه رسول الله مثل السيف؟ قال: لا مثل القمر. وقال إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان وجه النبي مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا. رواه مسلم. وقال المحاربي وغيره عن أشعث عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله في ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر. وقال عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال: لما أن سلمت على رسول الله وهو يبرق وجهه وكان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر أخرجه البخاري.

وقال ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل النبي عليها يوما مسرورا وأسارير وجهه تبرق وذكر الحديث. متفق عليه. وقال يعقوب الفسوي: ثنا سعيد ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي عن أبي إسحاق الهمداني عن امرأة من همدان سماها قالت: حججت مع النبي فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة بيده محجن فقلت لها: شبهيه قالت: كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله. وقال يعقوب بن محمد الزهري: ثنا عبد الله بن موسى التيمي ثنا أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلنا للربيع بنت معوذ: صفي لنا رسول الله قالت: لو رأيته لقلت الشمس طالعة. وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعت أنسا وهو يصف رسول الله قال: كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم ليس بجعد قطط ولا بالسبط بعث على رأس أربعين سنة وتوفي وهو ابن ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء متفق عليه. وقال خالد بن عبد الله عن حميد عن أنس: كان النبي أسمر اللون. وقال ثابت عن أنس: كان أزهر اللون. وقال علي بن عاصم: أنا حميد سمعت أنسا يقول: كان أبيض بياضه إلى السمرة. وقال سعيد الجريري: كنت أنا وأبو الطفيل نطوف بالبيت فقال: ما بقي أحد رأى رسول الله غيري قلت: صفه لي قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم ولفظه: كان أبيض مليح الوجه.

وقال ابن فضيل عن إسماعيل عن أبي جحيفة قال: رأيت النبي أبيض قد شاب وكان الحسن بن علي يشبهه. متفق عليه. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن أبيه قال: كان النبي أزهر اللون. رواه عنه حماد بن سلمة. وقال المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز عن نافع بن جبير عن علي: كان مشربا وجهه حمرة. رواه شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع مثله. وقال عبد الله بن إدريس وغيره: نا ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أبيه أن سراقة بن جعشم قال: أتيت النبي فلما دنوت منه وهو على ناقته أنظر إلى ساقه كأنها جمارة. وقال ابن عيينة: أنا إسماعيل بن أمية عن مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن محرش الكعبي قال: اعمر رسول الله من الجعرانة ليلا فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. وقال يعقوب الفسوي: نا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي أخبرني محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله فقال: كان شديد البياض. وقال رشيدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس مولى أبي هريرة عن أبي هريرة قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيته منه كأن الأرض تطوى له إنا لنجتهد وإنه لغير مكترث. رواه ابن لهيعة عن أبي يونس. وقال شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان النبي ضليع الفم أشكل العينين منهوس الكعبين: أخرجه مسلم. ورواه أبو داود عن شعبة فقال: أشهل العينين منهوس العقب. وقال أبو عبيدة: الشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين والشهلة حمرة في سواد العين. قلت: ومنهوس الكعب: قليل اللحم العقب. كذا فسره سماك بن حرب لشعبة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا عباد عن حجاج عن سماك عن جابر بن سمرة عن صفة رسول الله قال: كنت إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل وكان في ساقيه حموشة وكان لا يضحك إلا تبسما. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال: كان رسول الله عظيم العينين أهدب الأشفار مشرب العين بحمرة كث اللحية. وقال خالد بن عبد الله الطحان عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي: انعت لنا رسول الله فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة وكان أسود الحدقة أهدب الأشفار. وقال عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف النبي فقال: كان مفاض الجبين أهدب الأشفار أسود اللحية حسن الثغر بعيد ما بين المنكبين يطأ بقدميه جميعا ليس له أخمص. وقال عبد العزيز بن ابي ثابت الزهري: نا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: كان رسول الله أفلج الثنيتين إذا تكلم رؤي كالنور بين ثناياه. عبد العزيز متروك. وقال المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز عن نافع بن جبير عن علي: كان رسول الله ضخم الرأس واللحية شثن الكفين والقدمين ضخم الكراديس طويل المسربة. روى مثله شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي ولفظه: كان ضخم الهامة عظيم اللحية. قال سعيد بن منصور: نا نوح بن قيس ثنا خالد بن خالد التميمي عن يوسف بن مازن الراسبي أن رجلا قال لعلي: انعت لنا النبي قال: كان أبيض مشربا حمرة ضخم الهامة أغر أبلج أهدب الأشفار. وقال جرير بن حازم: ثنا قتادة قال: سئل أنس عن شعر رسول الله فقال: كان لا سبط ولا جعد بين أذنيه وعاتقه. متفق عليه.

وقال همام عن قتادة عن أنس: كان شعر رسول الله يضرب منكبيه (خ). وقال حميد عن أنس كان إلى أنصاف أذنيه. (م). قلت: والجمع بينهما ممكن. وقال معمر عن ثابت عن أنس: كان إلى شحمة أذنيه. (د) في السنن. وقال شعبة: نا أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله مرفوعا بعيد ما بين المنكبين يبلغ شعره شحمة أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه. متفق عليه. وأخرجه (خ) من حديث إسرائيل ولفظه: ما رأيت أحدا من خلق الله في حلة حمراء أحسن منه وإن جمته تضرب قريبا من منكبيه. وأخرجه (م) من حديث الثوري ولفظه: شعر يضرب منكبيه وفيه: ليس بالطويل ولا بالقصير. وقال شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير قال: وصف لنا علي النبي فقال: كان كثير شعر الرأس رجله. إسناده حسن. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كان شعر النبي فوق الوفرة ودون الجمة. أخرجه أبو داود. وإسناده حسن. وقال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم هانئ: قدم النبي مكة قدمة وله أربع غدائر تعني ضفائر. لم يدرك مجاهد أم هانئ. وقيل: سمع منها وذلك ممكن. وقال إبراهيم بن سعد: نا ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس قال: كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فسدل ناصيته ثم فرق بعد. خ م. وقال ربيعة الرأي: رأيت شعرا من شعر رسول الله فإذا هو أحمر فسألت فقيل: من الطيب. أخرجه البخاري ومسلم وقال أيوب عن ابن سيرين: سألت أنسا: أخضب رسول الله ؟ فقال: لم ير من الشيب إلا قليلا. أخرجاه وله طرق في الصحيح بمعناه عن أنس. وقال المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي لم يختضب إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا وفي الصدغين يسيرا وفي الرأس يسيرا. أخرجه مسلم. وقال زهير بن معاوية وغيره عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة: رأيت النبي هذه منه بيضاء ووضع زهير بعض أصابعه على عنفقته. أخرجه مسلم وأخرجه مسلم من حديث إسرائيل.

وقال (خ): نا عصام بن خالد نا حريز بن عثمان قلت لعبد الله بن بسر: أكان النبي شيخا؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض. وقال شعبة وغيره عن سماك عن جابر بن سمرة وذكر شمط النبي قال: كان إذا ادهن لم ير وإذا لم يدهن تبين. أخرجه (م). وقال إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته وإذا ادهن ومشطه لم يستبن. أخرجه (م). وقال أبو حمزة السكري عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي قال: دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر رسول الله فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم. صحيح أخرجه (خ) ولم يقل (بالحناء والكتم) من حديث سلام بن أبي مطيع عن عثمان. وقال إسرائيل عن عثمان بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم فيه من شعر النبي فكان إذا أصاب إنسانا الحمى بعث إليها فخضخضته فيه ثم ينضجع الرجل على وجهه قال: يعثني أهلي إليها فأخرجته فإذا هو هكذا - وأشار إسرائيل بثلاث أصابع - وكان فيه شعرات حمر. (خ). محمد بن أبان المستملي: ثنا بشر بن السري ثنا أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن محمد بن عبد الله بن زيد حدثه أن أباه شهد النبي في المنحر هو ورجل من الأنصار فقسم ضحايا بين أصحابه فلم يصبه شيء هو وصاحبه فحلق رسول الله رأسه في ثوبه وأعطاه إياه فقسم منه على رجال. وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه قال: فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم يعني: الشعر. هذا خبر مرسل. وقال شريك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان شيب رسول الله نحوا من عشرين شعرة رواه يحيى بن آدم عنه. وقال جعفر بن برقان: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال: قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها فبعث إليه عمر وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله فإني قد رأيت شعرا من شعره قد لون؟ فقال أنس: إن رسول الله كان قد متع بالسواد ولو عددت ما أقبل علي من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على أحدى عشرة شيبة وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر النبي وهو الذي غير لونه. وقال أبو حمزة السكري عن عبد الملك بن عمير عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: أتيت النبي وعليه بردان أخضران وله شعر قد علاه الشيب وشيبه أحمر مخضوب بالحناء. وقال أبو نعيم: نا عبيد الله بن إياد بن لقيط حدثني أبي عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله فلما رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟ قلت: لا قال: إن هذا رسول الله فاقشعررت حين قال ذلك وكنت أظن رسول الله شيئا لا يشبه الناس فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء وعليه بردان أخضران. وقال عمرو بن محمد العنقزي: أنا ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبي كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران. وقال النضر بن شميل: نا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله كأنما صيغ من فضة رجل الشعر مفاض البطن عظيم مشاش المنكبين يطأ بقدميه جميعا إذا أقبل أقبل جميعا وإذا أدبر أدبر جميعا. وقال جرير بن حازم عن قتادة عن أنس: كان ضخم اليدين لم أر بعده مثله وفي لفظ: كان ضخم الكفين والقدمين سائل العرق. أخرج البخاري بعضه. وقال معمر وغيره عن قتادة عن أنس: كان شثن الكفين والقدمين. وقال أبو هلال عن قتادة عن أنس - أو عن جابر بن عبد الله شك موسى بن إسماعيل فيه - عن أبي هلال أن النبي كان ضخم القدمين والكفين لم أر بعده شبيها به . أخرجهما البخاري تعليقا وهما صحيحان. وقال شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين. قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم قلت: ما أشكل العينين؟ قال: طويل شق العين قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب. أخرجه مسلم.

وقال يزيد بن هارون: أنبأ عبد الله بن يزيد بن مقسم بن ضبة: حدثتني عمتي سارة عن ميمونة بنت كردم قالت: رأيت رسول الله بمكة وهو على ناقة له وأنا مع أبي وبيد النبي درة كدرة الكباث فدنا منه أبي فأخذ بقدمه فأقر له رسول الله . قالت: فما نسيت طول إصبعه السبابة على سائر أصابعه. وقال عثمان بن عمر بن فارس: نا حرب بن سريج الخلقاني حدثني رجل من بلعدوية حدثني جدي قال: انطلقت إلى المدينة فرأيت النبي فإذا رجل حسن الجسم عظيم الجبهة دقيق الأنف دقيق الحاجبين وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط الممدود شعره ورأيته بين طمرين. فدنا مني فقال: (السلام عليك). وقال المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز وقاله شريك عن عبد الملك بن عمير كلاهما عن نافع بن جبير واللفظ لشريك قال: وصف لنا علي النبي فقال: كان لا قصير ولا طويل وكان يتكفأ في مشيته كأنما يمشي في صبب - ولفظ المسعودي: كأنما ينحط من صبب - لم أر قبله ولا بعده مثله. أخرجه النسائي. عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: صلى النبي بالبطحاء وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. أخرجه البخاري تعليقا. وقال خالد بن عبد الله عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي انعت لنا النبي فقال: كان لا قصير ولا طويل وهو إلى الطول أقرب وكان شثن الكف والقدم في صدره مسربة كأن عرقه لؤلؤ إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد. وروى نحوه من وجه آخر عن علي. وقال حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول الله ولا شممت رائحة قط أطيب من ريح رسول الله . أخرجه البخاري. وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ثابت. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فذكر مثله وزاد: كان رسول الله أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ. أخرجه مسلم. وقال شعبة عن يعلى بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: أتيت النبي وهو بمنى فقلت: ناولني يدك فناولنيها فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. وقال سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: دخل علينا رسول الله فقال عندنا فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فاستيقظ النبي فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرق نجعله لطيبنا وهو أطيب الطيب. أخرجه مسلم. وقال وهيب: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس فذكره وفيه: وكان كثير العرق. رواه مسلم


قسم ناقص