تاريخ البيمارستانات في الإسلام/في بيمارستانات البلاد الإسلامية على التفصيل


بيمارستانات مصر

عدل

بيمارستان زقاق القناديل

عدل

قيل إنه كان في الدولة الأموية مارستان في زقاق القناديل دار أبي زبيد. وزقاق القناديل - ويقال له زقاق القنديل - من أزقة الفسطاط. قال القضاعي إنما وسم زقاق القناديل أو القنديل لأنه كان برسم قنديل كان على باب عمرو بن العاص وفي هذا الزقاق ولد الإمام الحافظ ابن سيد الناس صاحب السيرة المتوفى سنة 734هـ.

بيمارستان المعافر

عدل

هذا المارستان كان في خطة المعاقر التي موضعها ما بين العامر من مدينة مصر الفسطاط وبين مصلى خولان التي بالقرافية، بناه الفتح بن خاقان في أيام الخليفة المتوكل على الله وقد باد أثره.

البيمارستان العتيق

عدل

ويعرف بالبيمارستان الأعلى أنشأه أحمد بن طولون في سنة 259هـ 872م وقيل 261هـ وذكر أن مبلغ ما أنفق عليه وعلى مستغله ستون ألف دينار. وحبس عليه سوق الرقيق وغيره ولم يكن قبل ذلك في مصر مارستان. وشرط ألا يعالج فيه جندي ولا مملوك، وكان يشارفه بنفسه ويركب إليه يوما في كل أسبوع. قال أبو العباس أحمد القلقشندي أول من اتخذ البيمارستان بمصر أحمد بن طولون بناه بالفسطاط وهو موجود إلى الآن وبلغت أجرة مقعد يكري عند البيمارستان الطولوني بالفسطاط في كل يوم أثني عشر درهما. وهذا المارستان كان موضعه في أرض العسكر وهي الكيمان والصحراء التي تقع بين جامع ابن طولون وكوم الجارح وفيما بين قنطرة السد التي على الخليج ظاهر مدينة مصر وبين السور الذي يفصل بين القرافة وبين مصر. وقد اندثر هذا المارستان في جملة ما اندثر من الآثار ولم يبق له الآن أثر. وقال أبو عمر محمد بن يوسف الكندي في كتاب الأمراء: وأمر أحمد بن طولون ببنيان المارستان للمرضى فبني لهم في سنة 259هـ 872م. وقال محمد بن داود في ذم أحمد بن طولون وبيمارستانه:

ألا أيها الأغفال إيها تأملوا ... وهل يوقظ الأذهان غير التأمل

ألم تعلموا أن ابن طولون نقمة ... تسيَّر من سفل إليكم ومن عل

ولولا جنايات الذنوب لما علت ... عليكم يدُ العلْج السخيف المُجَهَّلِ

يعالج مرْضاكم ويرمي جريحكم ... حبيش. القلب أدهمَ أعزَلِ؟

فيا ليت مارستانة نيط بِاستِه ... وما فيه من علج عُتُلٍّ مُقَلًّلِ

فكم ضجَّة للناس من خلفِ سِتْرِه ... تُضَجُّ لإبلا قَلْبٍ عن الله مغُفْلِ

وقال جامع السيرة الطولونية وفي سنة 261هـ بنى أحمد بن طولون المارستان، ولم يكن قبل ذلك في مصر مارستان ولما فرغ منه حبس عليه دار الديوان ودوره في الأساكفة والقيسارية وسوق الرقيق وشرط في المارستان ألا يعالج فيه جندي ولا مملوك وعمل حمامين للمارستان أحدهما للرجال والآخر للنساء، حبسهما على المارستان وغيره. وشرط أنه إذا جيء بعليل تنزع عنه ثيابه ونفقته وتحفظ عند أمين المارستان ثم يلبس ثيابا ويفرش له ويغذي ويراح بالأدوية والأغذية والأطباء حتى يبرأ فإذا أكل فرُّوجا ورغيفا أمر بالانصراف وأعطي ماله وثيابه. وفي سنة 262هـ 875م كان ما حبسه على المارستان والعين والمسجد في الجبل الذي يسمى تنور فرعون أعيانا كثيرة وكان بلغ ما أنفق على المارستان ومستغله ستين ألف دينار، فكان يركب بنفسه في كل يوم جمعة ويتفقد خزائن المارستان وما فيها والأطباء وينظر إلى المرضى وسائر المعلولين والمحبوسين من المجانين. دخل مرّة حتى وقف عند المجانين فناداه واحد منهم مغلول. أيها الأمير اسمع كلامي ما أنا بمجنون، وإنما عملت عليَّ حيلة، وفي نفسي شهوة رمانة عريشية أكبر ما يكون. فأمر له بها من ساعته ففرح بها وهزها في يده ورازها ثم غافل أحمد بن طولون ورمى بها في صدره فنضحت على ثيابه، ولو تمكنت منه لأتت على صدره فأمرهم أن يحتفظوا به، ثم لم يعاود بعد ذلك النظر في البيمارستان. ودخل مصر في سنة 578هـ 1182م ابن جبير الرحالة المغربي العظيم وشاهد البيمارستان الذي بالقاهرة وقال: إنه مفخرة من مفاخر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وأطنب في وصفه بما سيأتي ذكره بعد. ثم قال: وفي مصر الفسطاط مارستان آخر على مثل ذلك الرسم بعينه يريد مارستان أحمد بن طولون. وقال السخاوي إن أحمد بن طولون بنى إلى جانب جامعة البيمارستان وكان في أحد مجالس البيمارستان العتيق أي بيمارستان أحمد بن طولون خزانة كتب كان فيها ما يزيد على مائة ألف مجلد في سائر العلوم يطول الأمر في عدتها. ولما آلت الدولة الطولونية إلى الزوال بخروج شيبان بن أحمد ابن طولون آخر ملوكها من مصر في ليلة الخميس لليلة خلت من ربيع الأول 292هـ ودخلها محمد بن سليمان الكاتب من قبل المكتفي بالله، أخذ الشعراء في رثائهم والتحسر عليهم فنظموا القصائد الطوال في ذلك. ومن هؤلاء الشعراء سعيد القاضي قال يرثي الدولة الطولونية وما تركت من جلائل الآثار في قصيدة مطلعها:

جرى دمعه ما بين سحرٍ إلى نَحرِ ... ولم يَجر حتى أسلمته يد الصّبرِ

إلى أن قال يرثي المارستان:

ولا تَنسَ مارستانه واتساعه ... وتوسعة الأرزاق للحول والشهر

وما فيه من قوَّامه وكُفاتِه ... ورفقهم بالمعتفين ذوي الفقر

فللمّيت المقبور حسنُ جهازه ... وللحي رفق في علاج وفي جبرِ

وعمل أحمد بن طولون في موخرة جامعه ميضأة وخزانة شراب فيها جميع الشرابات والأدوية وعليها خدم وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصلاة.

من عرف من الأطباء بخدمة البيمارستان العتيق:

عدل

1 - محمد بن عبدون الجيلي العذري رحل إلى المشرق ودخل البصرة وإلى مدينة فسطاط مصر ودبَّر مارستانها ومهر في الطب ورجع إلى الأندلس سنة 360 وخدم بالطب المستنصر بالله والمؤيد بالله وكان قبل مؤدبا في الحساب والهندسة قال القاضي صاعد الأندلسي وأخبرني أبو عثمان سعيد بن البغونش الطلطلي: أنه لم يلق في قرطبة أيام طلبه من يلحق بمحمد بن عبدون الجيلي في الطب.

2 - سعيد بن نوفل طبيب نصراني كان في خدمة أحمد بن طولون.

3 - شمس الدين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المصري مدرس الأطباء بجامع ابن طولون كان فاضلا له نظم. مات في شوال 17 سنة 772هـ.

المارستان الأسفل

عدل

بالفسطاط أو بيمارستان كافور الإخشيد، بناه الخازن الذي عمر المقياس بالأهراء، عمره وعمر. الميضأتين المرسومة إحداهما لتغسيل الموتى والسقاية، والحمامين المعروفين بحمامي بوران. . . . وذلك في سنة 346هـ قال القضاعي: إن الإخشيد أمير مصر حبس جميع ما بناه من قيسارية ودور وحوانيت على المارستان الأسفل والميضأتين والسقايتين وأكفان الموتى وذكر شيوخ مصر المؤرخون أن هذا المارستان كان فيه من الأزيار الصيني الكبار والبراني والقدور النحاس والهواوين والطسوت وغير ذلك ما يساوي ثلاثة آلف دينار. ونقل إليه من المارستان الأعلى الذي بناه أحمد بن طولون أضعاف ذلك وليس به الآن شراب ولا دواء يلتمسه فقير وإنما يطبخ فيه في السنة. . . كلمة غير مفهومة يسير أكثر الضعفاء لا يصلون إليه ثم بطل ذلك وقال تقي الدين المقريزي هذا المارستان بناه كافور الإخشيد وهو قائم بتدبير دولة الأمير أبي القاسم أنوجور بن محمد الإخشيد بمدينة مصر في سنة 346هـ 957م.

بيمارستان القشاشين

عدل

قال القاضي محي الدين بن عبد الظاهر: بلغني أن البيمارستان كان أولا بالقشاشين يعني المكان المعروف الآن أي في زمن ابن عبد الظاهر بالخراطين على القرب من الجامع الأزهر، وهناك كانت دار الضرب بناها مأمون البطائحي وزير الآمر بأحكام الله قبالة البيمارستان. قال تقي الدين المقريزي في كلامه عن درب خربة صالح: هذا الدرب على يشرة من سلك من أول الخراطين إلى الجامع الأزهر كان موضعه في القديم مارستانا ثم صار مساكن، وعرف بخربة صالح، وفيه سوق الصنادقيين. وقال عن سوق الصنادقيين إنه تجاه المدرسة السيوقية كان موضعه القديم من جملة المارستان فيستفاد من ذلك أن ذلك المارستان قد عفا أثره قبل محي الدين بن عبد الظاهر.

بيمارستان السِّقطيين

عدل

كان هذا البيمارستان في سوق السقطيين خارج باب زويلة بجوار دار التفاح. قال ابن أبي أصيبعة:

كان أبو الحجاج يكحل في البيمارستان بالقاهرة غير الموضع الذي صار حينئذ بالقاهرة بيمارستانا وهو من جملة القصر، يريد أنه غير بيمارستان صلاح الدين أو البيمارستان الناصري. قال وكان البيمارستان في ذلك الوقت في السقطيين أسفل القاهرة.

الأطباء الذين علموا في هذا البيمارستان:

عدل

1 - شهاب الدين أبو الحجاج يوسف الكحَّال كان يكحل في هذا البيمارستان.

البيمارستان الناصري أو الصلاحي أو بيمارستان صلاح الدين

عدل

لما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن يوسف بن أيوب الديار المصرية سنة 567هـ 1171م واستولى على القصر قصر الفاطميين كان في القصر قاعة بناها العزيز بالله في سنة 384هـ 994م فجعلها السلطان صلاح الدين بيمارستانا وهو البيمارستان العتيق داخل القصر. وهو باق على هيئته إلى الآن أي إلى زمن القلقشندي وكانت وفاته سنة 821هـ 1418م ويقال إن فيها أي القاعة طلَّسما لا يدخلها نمل، وإن ذلك هو السبب الموجب لجعلها بيمارستانا. وقال أبو السرور البكري في كلامه على البيمارستانات: قصر أولاد الشيخ من جملة القصر الكبير وكان قاعة فسكنها الوزير الصاحب معين الدين حسين ابن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حموية، في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب فعرف به المارستان العتيق. قال القاضي الفاضل في متجددات سنة 577هـ 1181م: أمر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بفتح مارستان للمرضى والضعفاء فاختير مكانا بالقصر، وأفرد برسم من جملة الرباع الديوانية، مشاهرة مبلغها مائتا دينار وغلات جهتها الفيوم واستخدم له أطباء وكحالين وجرائحيين وشارفا وعاملا وخداما ووجد الناس به رفقا وبه نفعا. وقال ابن عبد الظاهر: كان البيمارستان قاعة بناها العزيز بالله سنة 384هـ 994م وقيل إن القرآن مكتوب على حيطانها. ومن خواصها أنه لا يدخلها نمل لطلسم بها ولما قيل ذلك لصلاح الدين يوسف بن أيوب قال هذا يصلح أن يكون بيمارستانا وسألت مباشريه عن ذلك فقالوا صحيح. قال أبو الحسن محمد بن جبير الرحالة الأندلسي عند زيارته لمدينة القاهرة سنة 578هـ 1182م وذلك في عهد السلطان صلاح الدين: ومما شاهدناه في مفاخر هذا السلطان، المارستان الذي بمدينة القاهرة وهو قصر من القصور الرائعة، حسنا واتساعا. أبرزه لهذه الفضيلة تأجرا واحتسابا، وعين قيما من أهل المعرفة وضع لديه خزائن العقاقير ومكنه من استعمال الأشربة وإقامتها على اختلاف أنواعها، ووضعت في مقاضير ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكسى. وبين يدي ذلك القيم خدمة يتكلفون بتفقد أحوال المرضى بكرة وعشية، فيقابلون من الأغذية والأشربة بما يليق بهم. وبإزاء هذا الموضع موضع مقتطع للنساء المرضى ولهن أيضا من يكلفهن ويتصل بالموضعين المذكورين موضع خر متسع الفناء فيه مقاصير عليها شبابيك من الحديد اتخذت مجالس للمجانين. ولهم أيضا من يتفقد في كل يوم أحوالهم ويقابلها بما يصلح لها. والسلطان يتطلع هذه الأحوال كلها بالبحث والسؤال ويؤكد في الاعتناء بها والمثابرة عليها غاية التأكيد وقال علي مبارك باشا: لما تولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب السلطنة وفرق أماكن قصر الخلافة على أمرائه ليسكنوا فيها جعل موضعا منها مارستانا وهو المارستان المشهور بالعتيق وجعل بابه من حارة ملوخية، وهي حارة قائد القواد قديما وموضعه الآن الدار المعروفة بدار غمري الحصري مع ما جاورها من الدور كما وجدنا ذلك في حجج الأملاك وهو بآخر الحارة من جهة بابها الصغير الذي هو من جهة قصر الشوك. وأصل هذا الباب أحد أبواب القصر الكبير الشرقي وكان يسمى باب قصر الشوك ويدخل منه إلى البيمارستان العتيق.

الأطباء الذين عملوا في هذا المارستان:

عدل

1 - رضي الدين الرحبي: هو الإمام العالم رضي الدين أبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي كان والده من الرحبة وكانت صناعة الكحل أغلب عليه، كان مولده بجزيرة ابن عمر سنة 534هـ 1139م سافر إلى بغداد واشتغل بصناعة الطب، وكان وصوله إلى دمشق مع أبيه سنة 555هـ وكان في ذلك الوقت ملكها السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، واجتمع بالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فحسن موقعه عنده وأطلق له في كل شهر ثلاثين دينارا. ويكون ملازما للقلعة والبيمارستان بالقاهرة ولما توفي صلاح الدين سنة 589هـ 1192م عاد إلى دمشق وبقي فيها إلى أن توفي سنة 631هـ 1233م وعاش نحو المائة سنة. وكان من محاسن عادات رضي الدين أنه ما كان يقرب الطعام إلا إذا طلبته شهوته؛ وأنه كان أبدا يتوخى ألا يصعد في سلم وكان يصف السلم بأنه منشار العمر.

2 - إبراهيم بن الرئيس ميمون: هو أبو المنى إبراهيم بن الرئيس موسى بن ميمون منشؤه فسطاط مصر، وكان طبيبا مشهورا عالما بصناعة الطب وكان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب، ويتردد إلى البيمارستان الذي بالقاهرة من القصر ويعالج المرضى فيه. قال ابن أبي أصيبعة. واجتمعت به في سنة 631 أو 632هـ بالقاهرة وكنت حينئذ أطب في المارستان فوجدته شيخا طويلا نحيف الجشم لطيف الكلام. توفي سنة نيف وثلاثين وستمائة وعاش 86سنة.

3 - موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة. ولد بدمشق وكان متقنا لصناعة الكحل وعمه رشيد الدين علي بن خليفة كان كحالا ببيمارستان دمشق. قرأ الحكمة على رضي الدين علي بن خليفة كان كحالا بيمارستان دمشق. قرأ الكمة على رضي الدين الجيلي وأجتمع بأبن البيطار بدمشق سنة 633هـ 1235م وشاهد معه في ظاهر دمشق كثيرا من النبات في مواضعه. وخدم الطب في البيمارستان الذي أنشأه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالقصر، ثم دخل في خدمة الأمير عز الدين فرخشاه صاحب صرخد وتوفى سنة 688هـ 1269م وقد جاوز السبعين.

4 - الشيخ السديد بن أبي البيان: هو سديد الدين أبو الفضائل داود بن أبي سليمان بن أبي إسرائيل بن أبي الطيب سليمان بن مبارك إسرائيل قرأ، مولده سنة 556هـ 1160م بالقاهرة كان شيخا خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة وكان يعالج المرضى بالبيمارستان الناصري بالقاهرة خدم الملك العادل أبا بكر أبن أيوب وعاش فوق الثمانين. 5 - القاضي نفيس الدين بن الزبير: هو القاضي نفيس الدين اسم هبة الله بن صدقة بن عبد الله الكولمي والكولم من بلاد الهند ولد سنة 556هـ 1160م قرأ صناعة الطب وأتقن صناعة الكحل وعلم الجراحة، ولاه الملك الكامل أبن الملك العادل رياسة الطب بالديار المصرية ويكحل في البيمارستان الناصري الذي كان من جملة القصر وتوفى سنة 636هـ 1238م.

بيمارستان الإسكندرية

عدل

قال تقي الدين المقريزي: في السابع عشر من شوال سنة 577هـ سار السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الإسكندرية فدخلها في الخامس والعشرين من شهر شوال وشرع في قراءة الموطأ، وأنشأ بها مارستانا ودارا للمغاربة ومدرسة على ضريح المعظم توران شاه.

البيمارستان الكبير المنصوري أو دار الشفاء أو مارستان قلاوون

عدل

هذا المارستان بخط القصرين من القاهرة، كان قاعة للسيدة الشريفة ست الملك ابنة العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معدّ وأخت الحاكم بأمر الله منصور، ثم عرف بدار الأمير فخر الدين جهارْكسْ بعد زوال الدولة الفاطمية وبدار موسك ثم صارت للملك المفضل قطب الدين أحمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. فأستقر بها وذريته فصار يقال لها الدار القطبية. ولم تزل بيد ذريته إلى أن أخذها الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي من الست الجليلة عصمة الدين مؤنسة خاتون القطبية ابنة الملك العادل وأخت الملك المفضل قطب الدين أحمد، وعوضت عن ذلك قصر الزمرد برحبة باب العيد في 18 ربيع الأول وقيل في 12 منه سنة 682هـ - 1283م بمباشرة الأمير علم الدين سنجر الشجاعي مدبر الملك ورسم بعمارتها مارستانا وقبة ومدرسة. فتولى الشجاعي أمر العمارة وأظهر من الاهتمام والاحتفال ما لم يسمع بمثله حتى الغرض في أسرع مدة وهي أحد عشر شهرا وأيام. وكان ذرع هذه الدار عشرة آلاف وستمائة ذراع. وكان الشروع في بنائها مارستانا في أول ربيع الآخر سنة 683هـ - 1284م فأبقى القاعة على حالها وعملها مارستانا وهي ذات بوابات أربعة بكل إبوان شاذروان، وبدور قاعتها فسقية يصير إليها الماء من الشاذروان. ولما نجزت العمارة وقف عليها الملك المنصور من الأملاك بديار مصر القياس والرباع والحوانيت والحمامات والفنادق والأحكار وغير ذلك، والضياع بالشام ما يقارب ألف درهم في كل سنة ورتب مصارف المارستان والقبة والمدرسة ومكتب الأيتام. ووكل الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحي أمير جندار في وقف ما عينه من المواضع وترتيب أرباب الوظائف وغيرهم، وجعل النظر لنفسه أيام حياته ثم من بعده لأولاده، ثم من بعدهم لحاكم المسلمين الشافعي فضمن ووقفه كتابا تأريخه يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر صفر سنة 680هـ 1281م يونية. ولما تكامل ذلك ركب السلطان وشاهده وجلس بالبيمارستان ومعه الأمراء والقضاة والعلماء وأخبر بعض من شهد السلطان وشهد عليه أنه أستدعى قدحا من الشراب فشربه وقال قد وقفت هذا على مثلي فمن دوني وأوقفه السلطان على الملك والملوك والكبير والصغير والحر والعبد والذكر والأنثى، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند برئه كسوة ومن مات جهزه، وكفن ودفن ورتب فيه الحكماء الطبائعية والكحالين والجرائحية والمجبرين لمعالجة الرُّمد والمرضى والمجرحين والمكسورين من الرجال والنساء، ورتب به الفراشين والفراشات والقومة لخدمة المرضى وإصلاح أماكنهم وتنظيفها وغسل ثيابهم وخدمتهم في الحمام، وقرر لهم على ذلك الجامكيات الوافرة وعملت التخوت والفرش والطرايج والأقطاع والمخدات واللحف والملاءات لكل مريض فرش كامل. وأفرد لكل طائفة من المرضى أمكنة تختص بهم، فجعلت الأواواوين الأربعة المتقابلة للمرضى بالحميات وغيرها. وجعلت قاعة للرمد، وقاعة للجرحى، وقاعة لمن أفرط به الإسهال، وقاعة للنساء، ومكان حسن للممرورين من الرجال ومثله النساء، والمياه تجري في أكثر هذه الأماكن. وأفردت أماكن لطبخ الطعام والأشربة والأدوية والمعاجين وتركيب الأكحال والشافات والسفوفات وعمل المراهم والأدهان وتركيب الدرياقات، وأماكن لحواصل العقاقير وغيرها من هذه الأصناف المذكورة ومكان يفرق منه الشراب وغير ذلك مما يحتاج إليه ورتب فيه مكان يجلس فيه رئيس الأطباء لإلقاء درس طب ينتفع به الطلبة. ولم يحصر السلطان أثابه الله هذا المكان المبارك بعده في المرضى يقف عندها المباشر ويمنع من عداها، بل جعله سبيلا لكل من يصل إليه في سائر الأوقات من غني وفقير، ولم يقتصر أيضا فيه على من يقيم به من المرضى بل رتب لمن يطلب وهو في منزله ما يحتاج إليه من الأشربة والأغذية والأدوية، حتى إن هؤلاء زادوا في وقت من الأوقات على مائتين غير من هو مقيم بالبيمارستان. ولقد باشرته في شوال النويري يروي ذلك سنة 703هـ وإلى آخر رمضان سنة 707 فكان يصرف منه في بعض الأيام من الشراب والمطبوخ خاصة ما يزيد على خمسة قناطير بالمصري في اليوم الواحد للمرتبين والطوارئ غير السكر والمطابيخ من الأدوية وغير ذلك من الأغذية والأدهان والدرياقات وغيرها ورتب في البيمارستان من المباشرين والأمناء من يقوم بوظائفه وابتياع ما يحتاج إليه من الأصناف وضبط ما يدخل إلى المكان وما يخرج منه خاصة من غير أن يكون لهم تعلق في استخراج الأموال، وإنما يبتاعون الأصناف ويحيلون بثمنها على ديوان صندوق المستخرج ويكتبون في كل شهر عمل استحقاق لسائر أرباب الجامكيات والخزانات من سائر أرباب الوظائف والمباشرين يكتبه العامل ويكتب عليه الشهود ويأمر الناظر بصرفه يحيلون بثمنها على ديوان صندوق المستخرج ويصرف على حكمه وهذه الطائفة من المباشرين بالبيمارستان هم مباشرو الإدارة، وأما مباشرو الصندوق والرباع فإليهم يرجع تحرير جهات الأوقاف في الخلق والمسكون والمعطل واستخراج الأموال ومحاسبات المستأجرين وصرف الأموال بمقتضى حوالة مباشري الإدارة ومباشرة العمارة وعمل الاستحقاق، ولا يتصرفون في غير ذلك كما لا يتصرف مباشر الإدارة في صرف الأموال إلا حوالة بإرادتهم. وأما العمارة فلها مباشرون ينفردون بها من ابتياع الأصناف واستعمال الصباغ ومرمة الأوقاف وغير ذلك مما يدخل في وظيفتهم وهم يحالون بأثمان الأصناف على الصندوق كما يفعل في الإدارة وينقل عليهم من الصندوق من المال ما يصرفونه لأرباب الأجر خاصة ويكتبون في كل شهر عمل استحقاق بثمن الأصناف وأرباب الأجر ويخصمونه بما أحالوا به على الصندوق وما وصل إليهم من المال، ويسوقونه إلى فايض أو متأخر ويرفع كل طائفة من هؤلاء المباشرين حساباتهم مياومة ومشاهرة ومساناة إلى الناظر والمستوفي في هذا ما يتعلق بالبيمارستان.

من أين بني البيمارستان المنصوري

عدل

قال ابن دقماق: في سنة 649 أمر المعز بإخلاء قلعة الروضة ولم يترك بها أحدا. ثم إن الملك المنصور قلاوون لما أراد عمارة البيمارستان أخربها وأخذ حواصلها وعمر بها المارستان والمدرسة والتربة. وقال جلال الدين السيوطي: فلما تسلطن الملك المنصور قلاوون وشرع في بناء المارستان والقبة والمدرسة المنصورية، نقل من قلعة الروضة ما يحتاج إليه من العمد الصوان والعمد الرخام التي كانت قبل عمارة القلعة بالبرابي وغير ذلك. ولما تمت عمارة المدرسة والبيمارستان وكان على عمارتهما الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، دخل عليه الشرف البوصيري فمدحه بقصيدة أولها: أنشأت مدرسة ومارستانا ... لتصحح الأديان والأبدانا فأعجبه ذلك منه وأجزل عطاءه، ورتب في المدرية غير الدروي الفقهية درس طب.

مرتبة نظر البيمارستان

عدل

قال أبو العباس أحمد القلقشندي ابتنى السلطان قلاوون رحمه الله دار ست الملك أخت الحاكم، المعروفة بالدار القطبية، بيمارستانا في سنة 683هـ 1284م مباشرة الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وجعل من داخله المدرسة المنصورية والتربة فبقى معالم بعض الدار على ما هو عليه وغير بعضها. وهو من المعروف العظيم الذي ليس له نظير في الدنيا. ونظره مرتبة سنية يتولاه الوزراء ومن في معناهم قال في مسالك الأبصار: وهو الجليل المقدار، الجليل الآثار، الجميل الإيثار، لعظم بنائه وكثرة أوقافه وسعة إنفاقه وتنوع الأطباء والكحالين والجرائحية فيه. وقال ابن بطوطة: وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون فيعجز الواصف عن محاسنه، وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصى ويذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم.

سبب بناء المارستان

عدل

قال تقي الدين المقريزي: وكان سبب بنائه أن الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزاة الروم في أيام الظاهر بيبرس سنة 675هـ - 1276م، أصابه بدمشق قولنج عظيم، فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من مارستان نور الدين الشهيد، فبرأ وركب حتى شاهد المارستان فأعجب به ونذر إن آتاه الله الملك أن يبني مارستانا. فلما تسلطن أخذ في عمل ذلك فوقع الاختيار على الدار القطبية، وعرض أهلها عنها قصر الزمرد، وولى الأمير علم الدين سنجر الشجاعي أمر عمارته. وذكر المؤرخون سببا آخر في بناء المارستان فقال ابن إياس: إن سبب بناء المارستان هذا: أن الملك المنصور قلاوون أمر مماليكه أن يضعوا السيف في العوام لأمر أوجب تغيير خاطر السلطان عليهم، فإنهم خالفوا أمره في شيء فعل بجهلهم، فأمر بقتلهم فلعب فيهم السيف ثلاثة أيام فقتل في هذه المدة ما لا يحصى عدده، وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لم يحن فلما زاد الأمر عن الحد، طلع القضاة ومشايخ العلم إلى السلطان وشفعوا فيهم فعفا عنهم وكف عنهم القتل، فلما جرى ما جرى وراق خاطر السلطان ندم على ما فعله، وبنى هذا المارستان وجعل له جملة أوقاف على رواتب بر وإحسان، وفعل من أنواع الخير ما لم يفعله غيره من الملوك ليكفر الله عنه ما فعله بالناس لعل الحسنات تذهب السيئات كما قال الله تعالى. وعابوا المارستان لكثرة عسف الناس في عمله وذلك أنه لما وقع اختيار السلطان على عمل الدار القطبية مارستانا، ندب الطواشي حسام الدين بلالا المغيثي للكلام في شرائها فساس الأمر في ذلك حتى أنعمت مؤنة خاتون ببيعها، على أن تعوض عنها بدار تلمها وعيالها، فعوضت قصر الزمرد برحبة باب العيد مع مبلغ من المال حمل إليها. ووقع البيع على هذا فندب السلطان الأمير سنجر الشجاعي للعمارة فأخرج النساء من القطبية من غير مهلة، وأخذ ثلاثمائة أسير، وجمع صناع القاهرة ومصر وتقدم إليهم بأن يعملوا بأجمعهم في الدار القطبية، ومنعهم أن يعملوا لأحد في المدينتين شغلا وشدد عليهم في ذلك، وكان مهابا فلازموا العمل عنده ونقل من قلعة الروضة ما احتاج إليه من العمد الصوان والعمد الرخام والقواعد والأعتاب والرخام البديع وغير ذلك. وصار يركب إليها كل يوم وينقل الأنقاض المذكورة على العجل إلى المارستان، ويعود إلى المارستان فيقف من الصناع على الأساقيل حتى لا يتوانوا في عملهم وأوقف مماليكه بين القصرين، وكان إذا مر أحد ولو جلَّ ألزموه أن يرفع حجرا ويلقيه في موضع العمارة فينزل الجندي والرئيس عن فرسه حتى يفعل ذلك فترك أكثر الناس المرور هناك.

استمرار تعهد البيمارستان المنصوري بالعمارة والإصلاح

عدل

وفي عهد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون في سنة 726هـ حصل الشروع في إصلاح البيمارستان المنصوري والقبة والمدرسة وكان الأمير جمال الدين أقوش الأشرفي ناظر الأوقاف قبل ذلك، كان قد رسم أن لا يترك أحدا من المرضى بالبيمارستان ومن عوفي أو أبل يخرج منه فخلت بذلك الأواوين من المرضى وأكثر القاعات ولم يبق بالبيمارستان إلا الممرورون وبعض المرضى وحصل الشروع في العمارة فأصلحت الجدران وجدد البياض والأدهان ونحت ظاهر القبة والمدرسة والمئذنة بالأزاميل واستمرت العمارة إلى أواخر جمادى الأولى وخلت الأواوين الأربعة بالبيمارستان من مستهل هذه السنة إلى يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الأولى فرسم في هذا اليوم بتنزيل المرضى وكان جملة ما صرف على هذه العمارة تقارب ستين ألف دينار. وقال المقريزي: في يوم الاثنين سادس شعبان سنة 726هـ أنشأ الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك قاعة بالبيمارستان المنصوري ونحت جدر البيمارستان والمدرسة المبنية بالحجر كلها داخلا وخارجا وطرا طلا الطاراز الذهب من خارج القبة والمدرسة حتى صار كأنه جديد وعمل خيمة يزيد طولها على مائة ذراع وركبها لتستر على مقاعد الأقفاص وتستر أهلها من الحر، ونقل الحوض من جانب باب المارستان لكثرة تأذي الناس برائحة النتن، وعمل موضعه سبيل ماء عذب لشرب الناس وكان مصروف ذلك كله من ماله دون مال الوقف. وقال الفيومي: كان الأمير الكبير جمال الدين آقوش الأشرفي في أثناء توليته نظر البيمارستان المنصوري، يحسن إلى المرضى ويتفقد أحوالهم في الليل ويتنكر ويدخل إليهم قبل الفجر ويسأل الضعفاء عن سائر أحوالهم حتى عن الفراش والطبيب. ويدخل إلى مارستان المجانين ويباشر أحوالهم بنفسه ويتحدث معهم ولا يغفل عن مصلحة تتعلق بمباشرته وقال خالد البلوي عن مارستان القاهرة في عصره يريد المارستان الكبير المنصوري: أخبرني الشيخ العالم المؤرخ شمس الدين الكركي أنه يكحل فيه كل يوم من المرضى الداخلين إليه والناقهين الخارجين أربعة آلاف نفس وتارات يزيدون وينقصون، ولا يخرج منه كل من يبرأ من مرض حتى يعطي إحسانا إليه وإنعاما: كسوة للباسه، ودراهم لنفقاته وأما ما يعالج المرضى به من قناطير الأشربة المقطرة والأكحال الرقيقة الطيبة التي تسحق فيها دنانير الذهب الإبريز، وفصوص الياقوت النفيس، وأنواع اللؤلؤ الثمين، فشيء يهول السماع، ويعم ذلك الجمع، إلى ما يضاف إلى ذلك كله من لحوم الطير والأغنام على اختلافها وتباين أصنافها مع ما يحتاج إليه كل واحد ممن يوافيه ويحل فيه، لفرشه وعرشه من غطاء ووطاء ومشموم ومزرور وشبه ذلك مما هو معد على أكمله هنالك، وما ليس مثله إلا في منزل أمير أو خليفة وقد رتب على ذلك كله من الأطباء الماهرين والشهود المبرزين والنظار العارفين والخدام المتصرفين كل من هو في معالجته موثوق بعدالته، مسلم له في معرفته، غير مقصر في تصرفه وخدمته. ولو استقصيت الكلام في هذا المارستان وحده لكان مجلدا مستقلا بنفسه، أو في مبانيه الرائقة وصناعاته الفائقة وتواريخه المذهبة ونقوشه العجيبة المنتخبة التي ترفل في ملابس الإعجاب وتسحر العقول والألباب ما يفتن النفوس، ويكسف أنواع البدور والشموس وتعجز عن وصف بعضها خطأ الأقلام في ساحة الطروس فما وقعت عين على مثله ولا سمعت أذن بشبهه وشكله: تجاوز حدَّ الوهم واللحظ والمنى ... وأعشى الحجا لألاؤه المتضاري فتنعكس الأفكار وهي خواسر ... وتنقلب الأبصار وهي خواسي وفي يوم الاثنين 3 صفر سنة 743 استقر الأمير جنكلي بن الباب في نظر البيمارستان عوضا عن الجاولي. وفي يوم الخميس 11ربيع الأول سنة 743 وقعت منازعة بين الأمير جنكلي بن البابا وبين الضياء المحتسب بسبب وقف الملك المنصور على القبة المنصورية، فإنه أراد إضافته إلى المارستان وصرف متحصله في مصارف المارستان فلم يوافقه الضياء، واحتج بأن لهذا مصرفا عينه واقفه لقراء وخدام، ووافقه القضاة على ذلك. وفي المحرم من سنة 747 خلع على الأمير أرغون العلائي، واستقر في نظر البيمارستان المنصوري عوضا عن الأمير جنكلي بن البابا، فنزل إليه وأعاد جماعة ممن قطعهم ابن الأطروش بعد موت الأمير جنكلي. وأنشأ بجوار باب المارستان سبيل ماء ومكتب سبيل لقراءة أيتام المسلمين القرآن الكريم ووقف عليه وقفا بناحية من الضواحي. وفي 14محرم 752هـ خلع السلطان الملك الصالح الحسن بن محمد ابن قلاوون علي الضياء يوسف الشامي وأعيد إلى حسبة القاهرة ونظر المارستان عوضا عن ابن الأطروش، بسفارة النائب لكلام نقله ابن الأطروش عن الوزير فسبه وأهانه وتحدث في عوله وعود الضياء. فعرض الضياء حواصل المارستان فلم يجد فيها شيئا وكتب بذلك أوراقا وأوقف النائب عليها، فنزل النائب معه إلى المارستان، واستدعى القضاة وأرباب الوظائف بالمارستان وأحضر ابن الأطروش وطلب كتاب الوقف وقرأه حتى وصل فيه القارئ إلى قوله عن الناظر القيم: ويكون على وفاء بالحساب وأمور الكتابة فقال الضياء لابن الأطروش: قد سمعت ما شرطه الواقف فيك وأنت عامي مشهور ببيع الخرائط لا تدري شيئا مما شرط الواقف وناوله ورقة حساب ليقرأها، فقام إليه بعض الفقهاء وقال: هذا معه تدريس وإعادة، وأنا أسأله عن شيء فإن أجاب استحق المعلوم. وأخذته الألسنة من كل جهة فقال النائب: يا قوم هذا رجل عامي وقد أخطأ وما بقي إلا الستر عليه فاعترف أنه لا يدري الحساب وأنه عاجز عن المباشرة وألزم نفسه ألا يعود إليها أبدا بإشهاد وكتب فيه قضاة القضاة ونوابهم يتضمن قوارع مشنعة وما زال النائب بإخصامه حتى كفوا عنه. ثم قام لكشف أحوال المرضى فوجدت فرشهم قد تلفت ولها ثلاث سنين لم تغير فسد النائب خلله وانصرف. وفي شهر ذي القعدة سنة 755 في سعد سلطنة السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون خلع السلطان علي الأمير صرغتمش واستقر في نظر المارستان المنصوري وكان قد تعطل نظره من متحدث ترك وانفرد بالكلام فيه القاضي علاء الدين بن الأطروش وقد حال وقفه، فإنه كان يكثر من مهاداة أمراء الدولة ومديريها ويهمل عمارة رباعه حتى تشققت، فنزل إليه الأمير صرغتمش ودار فيه على المرضى فساءه ما رأى من ضياعهم وقلة العناية بهم، فاستدعى القاضي ضياء الدين يوسف بن أبي بكر محمد بن خطيب بيت الأبار الشامي وعرض عليه التحدث في المارستان كما كان عوضا عن ابن الأطروش، فامتنع من ذلك، فما زال به حتى أجاب وركب إلى أوقاف المارستان بالمهندسين لكشف ما يحتاج إليه من العمارة؛ فكتب تقدير المصروفات ثلاثمائة ألف درهم ومنع من يتعرض لهم وانصلحت أحوال المرضى أيضا. وفي شعبان سنة 902 أمر السلطان الملك الناصر أبو السعادات محمد بن الأشرف قايتباي وكان الخليفة وقتئذ المتوكل على الله العباسي بأن تقطع الحيات التي تصنع في البيمارستان بحضرته حتى يتفرج عليها، فأحضروها بين يديه بقاعة البحرة فقطعت بحضرته وهو ينظر إليها وخلع على رئيس الطب شمس الدين القوضوني وولده والحاوي الذي أحضر الحيات وآخرين. وفي سنة 1190هـ 1776م جدد الأمير عبد الرحمن كتخذا المارستان المنصوري وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى الفسحة من خارج، ولم يعد عمارتها بل سقف قبة المدفن فقط، وترك الأخرى مكشوفة. ورتب له أرزاقا وأخبازا زيادة على البقايا القديمة ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد أن يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفترا، وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة الكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر. ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاوون الكبير الأصلي ووقف ولده الملك الناصر محمد بن قلاوون ووقف ابن الناصر أبي الفداء إسماعيل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم إنه وجد دفتر من دفاتر الشطب المستجدة من بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة. وفي خطط مصر التي وضعتها الحملة الفرنسية على مصر من سنة 1798 إلى سنة 1801 قال المسيو جومار أحد العلماء الذين استقدمهم نابليون مع الحملة: أنشئ في القاهرة منذ خمسة قرون أو ستة، عدة مارستانات تضم الأعلاء والمرضى والمجانين، ولم يبق منها سوى مارستان واحد هو مارستان قلاوون، تجتمع فيه المجانين من الجنسين. ومارستان القاهرة هذا لا يزال أكثر شهرة من مارستان دمشق، وقد كان في الأصل مخصصا للمجانين ثم جعل لقبول كل نوع من الأمراض، وصرف عليه سلاطين مصر مالا وافرا، وأفرد فيه لكل مرض قاعة خاصة وطبيب خاص، وللذكور فيه قسم منعزل عن قسم الإناث. وكان يدخله كل المرضى فقراء وأغنياء بدون تمييز، وكان يجلب إليه الأطباء من مختلف جهات الشرق ويجزل لهم العطاء، وكانت له خزانة شراب صيدلية مجهزة بالأدوية والأدوات. ويقال إن كل مريض كانت نفقاته في كل يوم دينارا، وكان له شخصان يقومان بخدمته. وكان المؤرقون من المرضى يعزلون في قاعة منفردة يشنفون فيها آذانهم بسماع ألحان الموسيقى الشجية أو يتسلون باستماع القصص يلقيها عليهم القصاص وكان المرضى الذين يستعيدون صحتهم يعزلون عن باقي المرضى ويمتعون بمشاهدة الرقص، وكانت تمثل أمامه الروايات المضحكة وكان يعطي لكل مريض حين خروجه من المارستان خمس قطع من الذهب، حتى لا يضطر إلى الالتجاء إلى العمل الشاق في الحال. وبنى السلطان قلاوون المدرسة التابعة للمارستان في المكان الذي هي فيه في الوقت الحاضر وكان يدرس فيها الطب والفقه. وقال بريس دافن كانت قاعات المرضى تدفأ بإحراق البخور أو تبرد بالمراوح الكبيرة الممتدة من طرف القاعة إلى الطرف الثاني، وكانت أرض القاعات تغطى بأغصان شجر الحناء أو شجر الرمان أو شجر المصطكي أو بعساليج الشجيرات العطرية. وكان البلسان يؤتى به من عين شمس إلى المارستان لعلاج المرضى. وقد كان يصرف من الوقف على بعض أجواق تأتي كل يوم إلى المارستان لتسلية المرضى بالغناء أو بالعزف على الآلات الموسيقية. ولتخفيف ألم الانتظار وطول الوقت على المرضى كان المؤذنون في المسجد يؤذنون في السحر وفي الفجر ساعتين قبل الميعاد حتى يخفف قلق المرضى الذين أضجرهم السهر وطول الوقت. وقد شاهد علماء الجملة الفرنسية هذه العناية بأنفسهم. وجاء في هذه الخطط أيضا: إن هذا البناء الذي كان فيما غير من الأيام ملجأ مفتوحا في الشدائد، قد اضمحلت حالته بعد ذلك وزالت عنه السعادة الأولى التي كان يرفل في حلاها، أو بعبارة أخرى كاد لا يبقى منه غير ظلمه بسبب ظلم الترك والمماليك وإهمالهم ولا سيما تبديد أمواله. وعندما دخله المسيو جومار كان عدد المرضى فيه خمسين أو ستين عدا المجانين وكانوا يسكنون قاعات في الدور الأرضي مفتوحة من كل جانب، وليس بها أسرة أو أثاث. وكان المجانين يشغلون قسما آخر من البناء منقسما إلى قاعتين، لكل من الزوجين قاعة خاصة. وكان عدد المجانين عشرة يسكنون حجرات مقفلة بشابيك الحديد وفي رقابهم السلاسل، وكان بينهم نوبيان أحدهما فتى مسرور محتبس منذ ثلاث سنين والثاني عبد للألفي بك أحد أمراء المماليك احتبس منذ أربعة شهور، ورجل سري يعتريه الجنون في كل شهر مرة وآخر معه زوجته الخ وكانت النساء عرايا أو أشبه بالعرايا وهذا البناء المتسع متصل بمسجد السلطان المنصور قلاوون. وقد أمر القائد العام الفرنسي رئيس الأطباء في الحملة بزيارة المارستان وتقديم تقرير عن حالته وعن الإصلاح اللازم له فتوجه إليه المسيو ديجانت مستصحبا معه الشيخ عبد الله الشرقاوي وهاك ما جاء في تقريره قال: توجهت اليوم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي فصحبني إلى المارستان وربما كنت أول مسيحي وطئت قدمه أرض ذلك المكان. فعند ما دخلنا رأيت مظاهر الاحترام التي جرت العادة أن تقدم لمثل هذا الشيخ، ولكن كان يشوبها الشعور بقلق ربما كان سببه وجودي بينهم ثم فرش بساط جلس فوقه الشيخ ثم تكلم بكلام أدركت منه أنه يلقي عليهم موضوع مهمتي وأنه يأمرهم بمعاونتي على تأديتها. فالمارستان مكان متسع رديء الموضع يسع في المتوسط مائة مريض وفيه في الوقت الحاضر سبعة وعشرون مريضا، وأربعة عشر مجنونا سبعة رجال وسبع نسوة. وفي المرضى كثير من العميان وأكثرهم مصاب بالسرطان وبعضهم أنهكته الأمراض العضالة المتروكة من غير علاج، وجميعهم من غير إسعاف سوى توزيع الغذاء عليهم وهو من الخبز والأرز والعدس وهم لا يتصورون أن في الإمكان تخفيف أوجاعهم، وهم بتركهم هكذا تحت رحمة الأقدار لم يعرفوا قط حتى أبسط الأدوية. ويقيم المجانين في ناحيتين منعزلتين في إحداهما ثماني عشرة حجرة للرجال وفي الأخرى ثماني عشرة للنساء. وقد رأيت الرجال مصابين بالبرد والمالنخوليا وأكثرهم مسنٌّ ورأيت فتى فقط كان في حالة هياج فكان يزأر كالأسد ثم انتقل فجأة إلى هدوء أعقبه ابتسام ودهشة. وحجر النساء ليست كلها محاطة بشبابيك الحديد وكانت النسوة كلهن مصفدات ولكنهن غير مثبتات في الجدران كالرجال، وإحدى هاته النسوة وهي طاعنة في السن تقدمت نحوي حتى وسط الحوش وهي تبكي وتطلب إحسانا وكانت الأخيرات متحجبات حتى لم يمكن أن ألحظ شيئا من ملامحن. ووقف الذين اصطحبوني في كل مكان على باب هذه الدايرة وكانت امرأتان تحرسان بابها الداخلي محجبتان على الدوام ومتجهتان بوجوههما إلى الجدار أثناء زيارتي وكانت هناك فتاة صغيرة جميلة قاعدة القرفصاء ووجهها وجسمها يكادان يكونان عاريين فلما لمحتني داخلا فرحت كثيرا وسلمت عليّ مرارا بحني رأسها ووضع يديها المغلولتين فوق صدرها وكانت تتكلم بنشاط، ولكني لم أفهم منها غير كلمة سنيور وكانت تعيدها مرارا ولكنها غريبة عن لسانها. ولقد شككت في كونها مجنونة لأن ظلم الرجال كثيرا ما زج بالعقلاء في هذه المحال المحزنة. على أن شكوك الطبيب وهو الذكي الفؤاد كان لها أساس من الصحة فقد علمنا بعد ذلك أن هذه الفتاة الشقية الحظ قد أطلق سراحها ولكن الذين زجوا بها في هذا المكان لم ينلهم عقاب. وبعد أن زرت كل شيء بالعناية التامة لحقت بالشيخ الذي كان ينتظرني بالمسجد الذي هو من البيمارستان فوجدته يصلي أمام التربة الفخمة المدفون فيها الملك الناصر محمد بن قلاوون الذي أعد هذا المكان لأيام الشدائد. وجاء في الخطط أيضا: إنه كان للبيمارستان وقف كاف للصرف عليه وكانت له عدا ذلك مصادر أخرى متعددة للإبراد مثل الترياق المعمول به في القاهرة فقد كان محتكرا له ومخصصا إيراده للصرف على البيمارستان. وقال فيجرى بك كان هذا المارستان قد أخذ في الاضمحلال ففتحه جنتمكان أي ساكن الجنة الحاج محمد علي باشا ورتب له مبلغا من الدراهم أيضا يصرف على الفقراء والمساكين الذين يأتون إليه. وفي أواسط القرن التاسع عشر الميلادي زار القاهرة العالم الأثري الألماني جورج ابيرس وكتب عن مارستان قلاوون ما ننقله هنا قال: إنه موجود في سوق النحاسين وهم يشتعلون في قاعاته، ولقد تخرب ولم يبق منه سوى تربة مؤسسة يأتي إليها المرضى يزورون مخلفات السلطان بقصد الشفاء: فيمسون عمامته لشفاء أوجاع الرأس، وقفطانه للشفاء من الحميات المنقطعة وتجتمع الشابات من النساء والأمهات ومعهم أولادهن فتطلب الواحدة منهن في القبلة من الله أن يرزقها ولدا ذكرا لأهمية الذكور عنج الوطنيين فلا تكون المرأة سعيدة إذا لم ترزق ولدا ذكرا. فتأتي النساء أمام القبلة فينزعن اللباس عن أنفسهن ويغطين وجوههن بأيديهم ويقفزن من ناحية من نواحي القبلة إلى الناحية الأخرى بخطوة واحدة ويكررن القفز مرارا حتى ينهكهن التعب حتى لقد ترى بعضهن من التعب ممددة ومطروحة فوق الأرض مغمى عليها حتى تفيق من غشيتها وكان كثير من النسوة يأتي بالأطفال الصغار حتى قبل أن تقوى على المشي أجسامهم ويطلب فك عقدة ألسنتهم. وكانت النساء تأتي بالأطفال إلى حجر أسود عريض بقرب الشباك الذي إلى اليمين وتعصر ليمونة خضراء فوق الحجر وتفرش العصارة فوق الحجر وتحكه بحجر آخر صغير حتى إذا تلون حامض الليمون باللون الوردي الناشئ من الحجر الأسود الحديدي، تحمل الأطفال على لحسه فتتألم الأطفال من حموضة الليمون، وتصبح صارخة بأصواتها، فتسر الأم لسماعها صياح طفلها وكلما علا صوته من شدة الحموضة أيقنت الأم بتمام المعجزة وشفاء ابنها وانفكاك عقدة لسانه. وللنساء اعتقاد خاص في عمودي القبلة وجزأيهما السفليين وهما مغطيان بطبقة تجعل منظرهما سمجا بسبب عصارة الليمون. وفي دار الآثار العربية طبق كبير من العقيق ارتفاعه عشرة سنتيمترات وقطره خمسة وأربعون سنتيمترا وبه ثمانية عشر ضلعا من الخارج. وشكل الطبق ينم على كونه رومانب الأصل ربما يكون قد أهداه أحد ملوك الروم إلى السلطان الملك المنصور قلاوون أو إلى ابنه الملك الناصر محمد، وقد رجح ذلك حضرة الباحث المحقق حسين راشد أمين دار الآثار العربية. وكان هذا الطبق أولا بيمارستان قلاوون ثم نقل إلى دار الآثار حفظا له وصيانة من التلف أو الضياع لنفاسته وندورته. وأرجح أن هذا الطبق هو الذي كان يعصر فيه الليمون ويحك بحجر آخر حتى يحمر السائل ثم يرغم الطفل على لحسه. وأما قفز النسوة أمام القبلة كما ذكر إيبرس، فالراجح أيضا أن النسوة كن يضعن الطبق أمام القبلة ثم تخطون فوقه سبع مرات فكا لعقمهن وطلبا للحبل وهذه عادة مشهورة في مصر من تخطي أي شيء غريب جملة مرات من أجل الحبل وهذه صورة الطبق: وفي سنة 1856 كان البيمارستان المنصوري قد بلغ الغاية من الاضمحلال وهجره المرضى ولم يبق به سوى المجانين، فنقلت منه المجانين إلى ورشة الجوخ ببولاق ولم يكن بهذا المحل الاستعداد اللازم لذلك وكانوا غير معتنى بهم فأنشئ مستشفى للمجاذيب في بعض السراي الحمراء التي أنشأها الخديوي إسماعيل باشا بالعباسية ثم أحرقت وكان نقل المجاذيب من ورشة الجوخ ببولاق إلى العباسية سنة 1880م. وقال بريس دافن الذي زار القاهرة في ذلك العصر ووصف البيمارستان في كتابه إنه قد حصلت تغييرات عديدة في أبنيته في عصور مختلفة ولا سيما قد نقلت المجانين منه إلى غيره من الأمكنة فقد تصرف المشرفون عليه بتأجير قاعاته للسكن فصار كأنه وكالة وصارت مرافقه مخازن لصناع النحاس وتجاره وقال: إن درس هذا المارستان الكبير له أهمية عظمى في تاريخ العمارة العربية حيث لم يبق الآن بناء مثله من عصره. وبعد أن انتقلت المجانين من بيمارستان قلاوون إلى ورشة الجوخ ببولاق تحول حال البيمارستان، فيعد أن كان خاصا بالمجانين عاد إلى ما كان عليه في السابق من معالجة سائر الأمراض وكان يتولى العلاج فيه ويدير شؤونه أطباء كيفما كانوا، حتى تولى شؤونه الدكتور حسين عوف بك وكان من خيرة الأطباء المتعلمين فن الطب طبقا للنظام العلمي الحديث. وكان الدكتور حسين عوف هذا طبيبا كحالا فطنا، فتولى علاج أمراض العيون فيه هو ثم ابنه الدكتور محمد عوف باشا مساعدا له أولا ثم متوليا لشؤونه من بعده. ومن هنا أخذ البيمارستان يكون خاصا بأمراض العيون إلى اليوم وممن عمل في هذا البيمارستان بعدهم الدكتور محمد بكير بك والدكتور محمد أمين بك. وفي سنة 1895 عين الدكتور سعد سامح بك الطبيب الكحال مديرا للبيمارستان ورئيسا لأطبائه ثم أحيل إلى المعاش في يناير سنة 1912 ثم خلفه في رياسة البيمارستان الدكتور محمد شاكر بك إلى شهر مارس سنة 1915. وفي أبريل سنة 1915 تولى رياسة البيمارستان الدكتور محمد طاهر بك إلى شهر نوفمبر سنة 1918 حيث خلفه في الرياسة الدكتور سالم هنداوي بك، ولا يزال إلى الآن متوليا رياسة المارستان وكبير أطبائه ويعاونه في علاج الرمد نحو عشرة أطباء آخرون.

الآثار الباقية من البيمارستان المنصوري قلاوون

عدل

لعبت بالبيمارستان المنصوري يد الزمان، فأصبح أثرا بعد عين وعفت آثاره، وزالت معالمه، ولم يبق منه سوى النزر اليسير من رسومه ومرافقه. ولما كانت لجنة حفظ الآثار العربية هي المنوط بها المحافظة على مثل هذه الآثار القيمة والعناية بما أبقته يد التخريب رأينا أن نأتي هنا بما كتبه المؤرخ المهندس العالم مكس هرتزبك كبير مهندسي اللجنة، عن حال المارستان الحاضرة منقولا عن محاضر جلساتها المندرجة في مجموعتها السابعة والعشرين الصادرة في سنة 1910م صفحة 141 قال: المارستان المنصوري هو من أهم عمائر الفن العربي في مصر ولم يبق منه في الوقت الحاضر إلا بقايا نادرة هي:

1 - جزء من الإيوان الشرقي وفسقية من الرخام والقاعة القبلية وبعض ألواح منقوشة في سقف الإيوان البحري وتدل التحلية الجبسية في بعض النوافذ التي لا تزال موجودة على حالها في الردهة الشرقية وأعمال الفسيفساء في الفسقية، على أن وخارف المارستان لم تكن تقل نفاسة عن زخارف التربة التي هي أسلم بناء حفظ للآن من أبنية قلاوون، وتوجد في آخر ردهة المارستان القديم الملاصقة للإيوان الغربي من المسجد، ولا تزال جهتان من حافته مكسوتين بخطوط من الرخام الملون وقاع الفسقية مغطى بالفسيفساء الدقيقة الصنع جدا ولا تزال سليمة وهي مكونه من جزأين: فراغ مستطيل مسطح في وسط جزء مربع مجوف. وكان الماء يأتي إلى الفسقية كما يكون في الفساقي العمومية يخرج من جدار القاع بأنبوب ثم يجري فوق لوح من الرخام كالسلسبيل في الفساقي العمومية. والبناء المسند فوقه لوح الرخام لا يزال قائما. واللوحة الخامسة عشر من كتاب بسكال كوست تبين صورة البيمارستان. وفي اللوحة التالية قطاع أفقي للبيمارستان مار بردهة البيمارستان التي في وسطها الفسقية، وقد اعتمد المؤلف على كثير من الأصول لإعادة تخطيط البيمارستان، وعلى الأقل المعالم الكبير منه فعدد 25 في الرسم المذكور يدل على الردهة المسماة قاعة الناقهين من الرجال والفسقية مبينة فيه بعدد 43 وهكذا. ويخرج من الفسقية قناة تخترق القاعة بطولها وهذا النظام يشبه مثيله في قصر الحمراء وفي قصر زيزا. والمظنون أن هذا النظام كان شائعا في القصور في جميع البلدان الإسلامية. وقد أفاض المقريزي في الكلام عن معلومات قيمة عن هذا البيمارستان الذي يعد أشهر مارستان في العصور الوسطى وذكر الشاذروان الذي فيه والفسقية التي تعد المثل الوحيد من نوعها. وفي سنة 1905 صحت عزيمة لجنة حفظ الآثار العربية على الاحتفاظ بالأجزاء القديمة التالية:

1 - بقايا الإيوان الشرقي حيث توجد فيه ثلاثة منافذ بزخرفها، ونظرا لحالة التلف القائمة بهذا الإيوان يجتهد في حالة تعذر الاحتفاظ بأجزائه القيمة في أماكنها في أن تنقل إلى المتحف، وإلا يكتفي بعمل قوالب منها بالملاط اجتنابا لتهدمها التدريجي بفعل الزمن.

2 - قوس الإيوان الجنوبي وزخارفه الجبسية النفيسة.

3 - الإيوان الغربي ولا سيما طرف هذا الإيوان حيث توجد زخارف مغطاة بطلاء حديث.

4 - الإيوان الشمالي المطل على الحوش الوسطاني: لم يحتفظ بشكله الأصلي ولا يزال قوسه الكبير موجودا، ولكن سد جزء منه للمساعدة على تثبيت ثلاث أقواس بالبناء بالحجر المنحوت خلافا للموجود في الإيوانات الأخرى التي هي مبنية جميعها بالطوب الأحمر. ولو أن اختلاف مادة البناء هذا دليل واضح على أن الإيوان الشمالي جدد بناؤه فإن القسم الفني يرى مع ذلك وجوب الوصاية بالاحتفاظ به.

5 - القاعة الكبرى المربعة في جنوب المارستان المذكورة في تقرير عدد 341 والتي تشتمل على عمد من الرخام وأقواس عني بتشابهها بعضها لبعض وقد كشفت حديثا بعناية كبير مهندسي اللجنة. ويرى القسم الفني أنه يتعذر الاحتفاظ بهذه القاعة بسبب بعدها من مجموعة الأجزاء المهمة في هذا الأثر والتي سبق ذكرها، إلا إذا ألحقت كما هي بالبناء الجديد لمستشفى، وفي حالة تعذر إلحاق هذه القاعة بالبناء الجديد تنقل من مكانها الحالي ويعاد بناؤها في حوش جامع الحاكم.

الكتابات الأثرية في البيمارستان المنصوري

عدل

فوق الباب المعد للدخول إلى المدرسة والقبة والمارستان الكتابة الآتية:

1 - أمر بإنشاء هذه القبة الشريفة المعظمة والمدرسة المباركة والبيمارستان المبارك، مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي. وكان ابتداء عمارة ذلك في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة والفراغ منه في جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وستمائة. وعلى فخذي باب الدخول أسفل البوابة الكبرى، لوحان من الرخام ملصقان على ارتفاع مترين من الأرض على يمين الباب ويساره، سعة كل منهما 70 في 70 سنتيمترا ومنقوش عليهما الكتابة الآتية المركبة من سبعة سطور بالخط النسخي الملوكي والحرف الدقيق وهي كثيرة النقط قليلة الحروف اللينة وصورتهما واحدة إلا اختلافا قليلا وهذا نصها: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على حمد وآله، لما كان بتاريخ يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة سنة 791 في نظر المقر السيفي قان تمر، نصره، برز المرسوم الشريف السلطاني الملكي المنصوري الصالحي خلد الله ملكه، أن ينعم على مستحق ريع وقف البيمارستان المنصوري ما يخص بيت المال السلطاني من إرث من يتوفى من أرباب وظائفه ومباشريه وسكان أوقافه نعمة مستمرة على الدوام والاستمرار، لا يتغير حكمها ولا يندرس رسمها ولعنة الله على من يسعى في تبديله أو إبطاله فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه.

الأعيان التي كانت موقوفة على البيمارستان المنصوري

عدل

الأعيان التي كانت محبوسة على المارستان المنصوري كثيرة وقد تغيرت معالمها وباد الكثير منها بطول الزمن وتغير الدول وكثرة القلاقل والفتن ولم يبق منها إلى اليوم إلا القليل جدا بحيث لا يكفي للقيام بالصرف على المرستان كشروط واقفه. وسنذكر تلك الأعيان التي كانت موقوفة ومكان وجودها، نقلا عن مؤرخي ذلك العصر للدلالة على ما كان عليه المارستان من الشهرة والعظمة. ولقد يأتي الكثير من ذلك أيضا عندما ننقل القسم الخيري من الوقفية الأصلية. فمن الأوقاف بمدينة الفسطاط:

1 - قيسارية الصبانة بالفسطاط: هذه القسارية من الأوقاف المنصورية قلاوون على مصالح البيمارستان المنصوري بالقاهرة.

2 - فندق الملك السعيد بالفسطاط وهو فندق كبير يعلوه ربع كبير عمر في أيام الملك السعيد محمد بن بركة خان ثم ملكه قلاوون الألفي وهو اليوم أي في زمن المؤرخ ابن دقماق المتوفى سنة 809 وقف على المارستان المنصوري وكراؤه في كل شهر نحو الألفي درهم.

وبالقاهرة:

3 - حمام الساباط قال ابن عبد الظاهر: كان في القصر باب يعرف بباب الساباط كان الخليفة في العبد يخرج منه إلى الميدان وهو الحرنشف الخرنفس الآن إلى المنحر لتنحر فيه الضحايا ويعرف هذا الحمام في زماننا أي زمن المقريزي المتوفى سنة 849هـ 1441م بحمام المارستان المنصوري وهذا الحمام هو حمام القصر الصغير الغربي ويعرف أيضا بحمام الصنيمة فلما زالت الدولة الفاطمية من القاهرة، بيع هذا الحمام جملة مرار فلما تملكه الملك المنصور قلاوون وأنشأ المارستان الكبير المنصوري صارت فيما بعد فيما هو موقوف عليه وهي الآن من أوقائه.

4 - قيسارية المحلى وقيسارية الضيافة وقف المارستان المنصوري.

5 - قيسارية الفاضل هذه القيسارية على يمنة من يدخل من باب زويلة عرفت بالقاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني وهي الآن في أوقاف المارستان المنصوري.

6 - سوق القفيصات بصيغة الجمع والتصغير جمع قفص فإنه كان معدا لجلوس أناس على تخوت تجاه شبابيك القبة المنصورية وفوق تلك التخوت أقفاص صغار من حديد مشبك، فيها الطرائف من الخواتيم والفصوص وأساور النسوان وخلاخيلهن وغير ذلك وهذه الأقفاص يأخذ أجرة الأرض التي عليها مباشرة المارستان المنصوري.

7 - سوق الكتبيين: أحدثت بعد سنة 700 يحيط بها سوق الأمشاطيين وسوق النقليين وهما بين المدرسة الصالحية والصاغة وجميع ذلك جار في أوقاف المارستان المنصوري.

صورة من حال البيمارستان المنصوري في بعض عصوره

عدل
بعض من تولى النظر على البيمارستان
عدل

إن السلطان قلاوون حينما أوقف البيمارستان جعل النظر عليه في حياته لنفسه ثم لأولاده من بعده ثم من بعدهم لحاكم المسلمين الشافعي. وسنأتي في هذا الفصل بذكر بعد الذين تولوا النظر على البيمارستان في عصور مختلفة من حياته، لبيان ما كان عليه البيمارستان من المكانة والعظمة، فممن تولى النظر عليه:

1 - علي بن عبد الواحد بن أحمد بن الخضر الشيخ علاء الدين الحلبي نزيل دمشق، كان شيخا كبيرا متميزا من رؤساء الدولة الناصرية خدم في الجهات وولى نظر البيمارستان المنصوري وغيره وتوفي سنة 697هـ.

2 - محمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن عثمان الشيخ شمس الدين أبو عبد الله بن الفاضل نور الدين أبي الحسن البدرشي ثم القاهري المولود بالقاهرة سنة 788هـ اختص بجاني بك الصوفي وباشر البيمارستان في أيامه وعر كلامه وعظم أمره، مات يوم الاثنين في 17 شوال سنة 846هـ.

3 - محمود بن محمد بن علي بن عبد الله قاضي القضاة جمال الدين أبو الثناء القيصري الرومي الأصل العجمي الحنفي، قاضي قضاة الديار المصرية وناظر جيوشها وشيخ الشيخونية، باشر عدة وظائف كالتدريس في الصرغتمشية وغيرها والخطابة بمدرسة السلطان برقوق ونظر البيمارستان المنصوري توفي ليلة الأحد في 7ربيع الأول سنة 799.

4 - علي بن عبد الله بن محمد الأمير علاء الدين بن الطبلاوي نسبة إلى قرية بالمنوفية بالوجه البحري تسمى طبلاه، نشأ بالقاهرة من جملة العوام إلى أن مات عمه بهاء الدين الطبلاوي وكان تاجرا بقيسارية جهاركس بالقاهرة وله مال فورته بنو عمه علي هذا وغيره، فلما صار متمولا سعى إلى أن صار مشدَّ القصر السلطاني بقلعة الجبل، ثم ولي البيمارستان المنصوري، ولا يزال يتقرب عند الملك الظاهر برقوق حتى أدخله في غالب أشغاله وصار له كلمة في الدولة ثم غضب عليه السلطان لأمور صدرت منه ثم نفي إلى الكرك وقتل بغزة سنة 802هـ.

5 - محمد بن أحمد بن عبد الملك القاضي شمس الدين الدميري المالكي ولي حسبة القاهرة في الأيام الأشرفية شعبان بن حسين ثم ولي بعد ذلك غير مرة، وولي نظر الأحباس ونظر البيمارستان المنصوري وقضاء العسكر على مذهب الإمام مالك رضى الله عنه. ولم يزل ينتقل في الوظائف إلى أن توفي يوم الاثنين 9 رمضان سنة 813هـ.

6 - علي بن مفلح القاضي نور الدين ناظر البيمارستان المنصوري ووكيل بيت المال بالأطباق بالقلعة وعد من رؤساء الناس وتوفي يوم الجمعة 12 ذي الحجة سنة 841هـ.

7 - محمد بن محمد بن محمد بدر الدين بن شمس الدين الدميري ثم القاهري، كان جده ناظر البيمارستان وولي الحسبة واستمر هذا في مشارفة المارستان، مات في رمضان سنة 846هـ.

8 - محمد بن محمد بدير بن بدر الدين العباسي المعروق بالعجمي زوج أخت البدر الدميري ورفيقه في مشارفة البيمارستان مات في شوال سنة 846هـ.

9 - في يوم الاثنين ثاني شهر ربيع الآخر سنة 850 استقر المولوي السفطي في نظر البيمارستان المنصوري بعد عزل المحبي ابن الأشقر ولبس الخلعة لذلك، وفي يوم الخميس خامس ربيع الآخر انقض الأمر وألبس المحبي خلعة الاستمرار في اليوم المذكور.

10 - في يوم الأربعاء سلخ شهر ذي الحجة 851هـ طلع القاضي الشافعي إلى السلطان بأربعة عشر ألف دينار من حاصل البيمارستان، فعرضها عليه فشكره على ذلك، وغفل عن كونه لم يعمل فيه بمراد الواقف بل حجر في تنزيل المرضى وغيره وأمر بمسح دهاليزه وكنسه وعدم التمكين من المشي فيه بالنعال حتى أنشدني الشيخ أبو عبد الله الراعي لنفسه:

مرستانكم يشكو الخلاء وما به ... من الكنس والمسح الذي ليس ينفع

وناظره إذ جار في حكمه له ... فيمنعه المرضى ومع ذا يجعجع

بتعميره قفرا مضيعا فياله ... خليا من المرضى ولكن مقرقع

أواوينه مأوى الكلاب لتعجبوا ... ولا رمد فيها ولا متوجع

وبلدتنا مملؤة من مريضنا ... فلا عينه تهمي ولا القلب يخشع

يمشي مريض العين بالباب حافيا ... فويق بلاط صار للعين يقلع

فنسأل ربي أن يفرج كربنا ... ويرحم مرضانا وذو الجور يرفع

11 - في يوم الاثنين 3 جمادى الآخرة سنة 845هـ خلع علي الشرفي الأنصاري باستقراره في نظر البيمارستان والخانقاه الصلاحية سعيد السعداء والجوالي والكسوة ووطالة بيت المال.

12 - محمد بن أحمد بن يوسف بن حجاج القاضي ولي الدين السفطي المولود سنة 790هـ قرره السلطان في نظر البيمارستان المنصوري سنة 849هـ فازداد وجاهة وعزا واجتهد في عمارته وعمارة أوقافه والحث على تنمية مستأجراته وسائر جهاته حتى الأحكار وما نسب إليه من الآثار مع التضييق على مباشرته والتحري في المريض المنزل فيه بحيث زاد على الحد وقل من المرضى فيه العدد، وتحامى الناس المجيء إليه بأنفسهم أو بمرضاتهم، فصار بذلك مكنوسا ممسوحا. ومنع الناس من المشي فيه إلا حفاة وحجر في طل ما أشرت إليه غاية التحجير فاجتمع في الوقف بسبب هذا كله من الأموال ما يفوق الوصف وفيه نوع شبه بما سلكه الشمس محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميري في المارستان أيضا وإن لم يبلغ حد صاحب الترجمة ولا كاد وقد تعرض لصنيعه في ذلك أبو عبد الله الراعي في نظمه كما سيأتي.

13 - في شهر صفر من سنة 901هـ خلع علي الاتابكي تمراز وقرر في نظر البيمارستان المنصوري، فتوجه إلى هناك في موكب حافل وسلطان العصر في ذلك الوقت الملك الأشرف أبو النصر قايتباي المحمودي الظاهري.

14 - في شوال سنة 908هـ خلع علي معين الدين شمس وقرر في وكالة بيت المال ونظر البيمارستان المنصوري فعظم أمره جدا.

15 - في سنة 923هـ في حكم السلطان سليم المعروف بابن عثمان خلع المقر السيفي ملك الأمراء خاير بك بن بلباس نائب السلطنة بالديار المصرية علي الزيني بركات بن موسى وقرره مدير المملكة وناظر الحسبة الشريفة وناظر البيمارستان المنصوري الخ. . .

الثقة بالبيمارستان المنصوري
عدل

للدلالة على ما كان للبيمارستان المنصوري من الثقة في نفوس الناس نذكر بعض الذين عولجوا به من أكابر العلماء ومشاهير الوقت منهم:

1 - عثمان بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن يوسف قاضي القضاة فخر الدين المعروف بابن خطيب جبرين قاضي حلب مولده في ربيع الآخر سنة 662هـ بالحسينية بالقاهرة مرض بالبيمارستان المنصوري ومات به سنة 738هـ.

2 - زين الدين أبو يحيى زكريا الأنصاري رأس القضاء الشافعي توفي سنة 926هـ بالبيمارستان بالقاهرة. ونكتفي بهذين الاسمين خشية الإطالة.

وقفية السلطان قلاوون على البيمارستان المنصوري
عدل

من الوثائق التاريخية الثمينة التي قل أن يجود الزمان بمثلها لطول العهد واضطراب الأحوال وتغير الدول، الوقفية التي أوقفها السلطان الملك المنصور قلاوون على تربته ومدرسته وبيمارستانه فإنها من أوثق المصادر التي يستعان بها في تحقيق أحوال ذلك الزمان الذي وضعت فيه، ومعرفة ما بلغته مصر فيه من الرقي والمدنيةولقد كانت هذه الوقفية في حكم الشيء المفقود فإن المؤرخ عبد الرحمن حسن الجبرتي المتوفى سنة 1240هـ 1825م قد ذكر ضمن حوادث كتابه: أن وقفية السلطان قلاوون قد احترقت في داخل خزانة كتب البيمارستان، وأن الأمير عبد الرحمن كتخدا عندما أراد تجديد البيمارستان في سنة 1190هـ وحبس بعض الأموال عليه لم يجد كتاب وقفه. ومن حسن الاتفاق أنه في المدة التي تولى فيها المرحوم إبراهيم باشا نجيب إدارة ديوان الأوقاف من ديسمبر سنة 1912 إلى 15نوفمبر سنة 1913 عثر في محفوظات الديوان على وقفية السلطان قلاوون، وطلب الديوان من العلامة المرحوم أحمد زكي باشا قراءة الوقفية، فانتهز الفرصة واستنسخ لنفسه منها نسخة للخزانة الزكية، ولم يسبق لأحد ما قبل ذلك رؤية هذه الوقفية أو معرفة ما فيها. وقد تفضل الأستاذ المرحوم أحمد زكي باشا فأعارنيها ضمن ما أعارني من نفائس خزانته. وهذه الوقفية هي أربع وقفيات معا الثلاث الأوليات منها تمت في عهد قلاوون نفسه في ثلاث سنين متتالية وهي سنوات 684 و685 و686، والرابعة عملت في عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا من أمراء المماليك الذين حكموا مصر في العهد العثماني وذلك في سنة 1190هـ وذلك طبقا لما ذكر في وقفية الأمير كتخدا فقد جاء فيها في السطر 99 ما يلي:. . . . . . . . . . . . . . التي من جملة كتب الأوقاف المذكورة الثلاثة كتب الرق الغزال الملصقة المؤرخ أحدهم كذا في 13من شهر ذي الحجة الحرام ختام سنة 684 والثاني مؤرخ في 12شهر صفر الخير، والضم والإلحاق الشرعي الملحق بذيله المؤرخ في حادي عشر شهر صفر المذكور كلاهما سنة 685، والثالث مؤرخ في 24شهر رجب الفرد الحرام سنة 686 هذا ما دلت عليه كتب الأوقاف المذكورة على الحكم المعين والمشروح بأعاليه. وسنأتي على ديباجة الوقفية ثم على الشروط الخاصة بالبيمارستان وحده دون الخاص منها بالتربة أو المدرسة أو القبة أو المسجد ثم نتبع ذلك بذكر وقفية الأمير كتخدا لما احتوت عليه من الأمور العظيمة الهامة للإنسانية.

ديباجة وقفية السلطان الملك المنصور قلاوون
عدل

هذا كتاب وقف صحيح شرعي، وحبس صريح مرضي، أمر بتسطيره وإنشائه وتحريره، مولانا وسيدنا السلطان الأعظم السيد الأجل الملك المنصور العالم العادل، الكافي الكامل، المؤيد المظفر، الهمام غياث الأنام، سيف الدنيا، سلطان الإسلام والمسلمين، قامع الكفرة والمشركين، قاهر الخوارج والمتمردين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، ملك البحرين خادم الحرمين الشريفين، أبو المظفر قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقاليم والقلاع والحصون، خلد الله ملكه وجعل الأرض بأسرها ملكه، وجدد له في كل يوم نصرا وملكه بساط الأرض برا وبحرا. وأشهد على نفسه الشريفة - صانها من كل محذور، وبلغها ما تؤمله في سائر الأوقات والدهور - بما تضمنه هذا المكتوب وأشتمل عليه ونسب فيه الإشهاد إليه. وهو أنه - خلد الله ملكه وسلطانه، وأفاض على كافة الرعايا عدله وإحسانه - وقف وحبس وسبّل وحرّم وأبّد وتصدق بجميع ما هو له - خلد الله ملكه - وفي يده وملكه وتصرفه وهو جميع الربع الكامل المعروف بالعلمي أرضا وبناء الذي هو بالقاهرة المحروسة بالقرب من قيسارية جهاركس. . . . . . . . الخ ما وقفه من أملاكه وتراثه ندعه ونبدأ بشروط الواقف قال: . . . . . . . . . . أما بعد فإن أحق ما انتهزت فرص أجره العزائم، وأحرزت مواهب بره الغنائم، وأجدر ما تنبه لاغتنام ثوابه كل نائم، وأولى ما توجه إليه كل متوجه وقام إليه كل قائم، ما عادت بالخيرات عوائده، وزادت في المسرات زوائده، واستمرت على الآباء فوائده، واستقرت على التقوى بتطاول الآمال قواعده، وهي الأوقاف العميم برها، المقيم أجرها، الجسيم وفرها، الكريم ذخرها، فهي الحسنات التي هي أثمان الجنان، والقربات التي فيها رضوان الرحمن، والصدقات التي هي مهور الحور الحسان، والنفقات التي هي بحور الأجور لا اللؤلؤ والمرجان. . . . . . . . . ولا يخفى ما فيها من إدخال السرور على المريض الفقير، وإيصال الحبور إلى قلبه الكسير، وإغنائه بإيوائه ومداواته، الذي لا يعبر عن وفور أجرها بتعبير، فطوبى لمن عامل مولاه العزيز الغفار، وراقبه مراقبة العالم بسره ونجواه في الإيراد والإصدار، وأقرضه أحسن القروض على حسب الإمكان والاقتدار. وأنتهز الفرصة بالاستباق وأحرز باغتنام أجرها قصب السباق، فساعد الفقير المسلم على إزالة ألمه، ومداواة سقمه مساعدة تنجيه غدا من عذاب ربه الخلاق ورجاء أن تكون له بها عند الله الرتبة العظمى، والقربة التي لا يخاف بأجرها ظلما ولا هضما، والحسنة التي لا تبقى لذنبه غما. ولما علم بذلك مولانا السيد الأجل السلطان الملك المنصور العالم العادل. . . . . . . فتقدم أمره الشريف، العالي المنيف، إلى ولي دولته، وغذي نعمته والمتشرف بخدمته، والمخصوص في هذا الوقف بوكالته، الجناب العالي الأمري الأجلي الأوحدي الكبيري المؤيدي المجاهدي المقدمي العضدي النصري العزي عز الدين، عز الإسلام ذخر الأنام، مقدم الجيوش نصرة المجاهدين عضد الملوك والسلاطين أبي سعيد أيبك بن عبد الله الملكي الصالحي النجمي المعروف بالأفرم أمير جاندار الملكي المنصوري السيفي أدام الله نعمته، أن يقف عنه خلد الله ملكه ويحبس ويسبل جميع ما هو جار في ملك مولانا السلطان الملك المنصور. . . . . . . . جميع أراضي البستان. . . . . . . . . . . . الذي ذلك بظاهر القاهرة خارج بابي الشعرية والفتوح غربي الجامع الظاهري المستجد العامر بذكر الله. . . . . . . . . . على ما نص مولانا السلطان المنصور الموقوف عنه بإذنه المذكور خلد الله مملكته على بيانه وذكر تعيينه ذكرا مصدقا خبره لعيانه، وشرح مصارفه شرحا يبقى على الأبد وترادف زمانه؟ وبين شروطه بيانا لا ينقضي بانقضاء أوانه، من مصالح البيمارستان المبارك المنصوري المستجد إنشاؤه، والبديع بناؤه، والمعدوم في الآفاق مثاله، والمشهور في الأقطار حسن وصفه وجماله، لقد أعجز همم الملوك الأول، وحوى كل وصف جميل واكتمل وحدَّث عنه العيان والخبر، ودل على علو الهمة فيه كالسيف دلّ على التأثير بالأثر؛ من أكحال تكون فيه معدة للسبيل، وأشربة تحلو كالسلسبيل، وأطباء تحضره في البكرة والأصيل، وغير ذلك مما يشفي السقيم ويبري العليل، وفروش وأوان، وقومة وخدام ومطعوم ومشروب ومشموم مستمرا أبدا على الدوام وسيأتي بيان ذلك فيه مفصلا مبينا، ومشروحا معينا. وهذا المارستان المذكور بالقاهرة المحروسة بين القصرين بخط المدارس الكاملية والصالحية والظاهرية، ورحم الله واقفيها على يمنة السالك من المدرسة الكاملية إلى باب الزهومة وفنادق الطواشي شمس الخواص مسرور رحمه الله، وفندقي الحجر والفاكهة والحريريين والسقطيين والشرابشيين وغير ذلك، وإلى بسرة السالك من ذلك إلى المدرسة الكاملية والجامعي الأصغر والأنور. . . . . . ويتوصل إلى هذا المارستان المذكور من الباب الكبير المبني بالرخام المفصوص، المقابل لباب 274 التربة الصالحية النجمية رحم الله واقفها المدخول منه إلى الدهليز المستطيل المسلوك منه إلى القبة المباركة التي على يمنه الداخل فيه وإلى المدرسة التي هي بالعلم الشريف معظمة. . . . . . . . . . وهذا المارستان هو الذي وقفه مولانا السلطان الملك المنصور الموكل الموقوف عنه خلد الله ملكه بيمارستان لمداواة مرضى المسلمين الرجال والنساء من الأغنياء المثرين والفقراء المحتاجين بالقاهرة ومصر وضواحيها من المقيمين بها والواردين إليها من البلاد والأعمال على اختلاف أجناسهم وأوصافهم وتباين أمراضهم وأوصابهم، من أمراض الأجسام قلت أو كثرت أفقت أو اختلفت، وأمراض الحواس خفيت أو ظهرت، واختلال العقول التي حفظها أعظم المقاصد والأغراض، وأول ما يجب الإقبال عليه دون الانحراف عنه والإعراض، وغير ذلك مما تدعو حاجة الإنسان إلى صلاحه وإصلاحه بالأدوية والعقاقير المتعارفة عند أهل صناعة الطب والانشغال فيه بعلم الطب والاشتغال به، يدخلونه جموعا ووحدانا وشيوخا وشبانا، وبلغاء وصبيانا، وحرما وولدانا، يقيم به المرضى الفقراء من الرجال والنساء لمداواتهم إلى حين برئهم وشفائهم ويصرف ما هو معد فيه للمداواة، ويفرق للبعيد والقريب، والأهلي والغريب، والقوي والضعيف، والدني والشريف، والعلي والحقير، والغني والفقير، والمأمور والأمير، والأعمى والبصير. والمفضول والفاضل، والمشهور والخامل والرفيع والوضيع، والمترف والصعلوك، والمليك والمملوك، من غير اشتراط لعوض من الأعواض، ولا تعويض بإنكار على ذلك ولا اعتراض، بل لمحض فضل الله وطوله الجسيم، وأجره الكريم وبره العميم، لينتفع بذلك. . . . . فقبل هذا الوكيل المذكور هذا التوكيل قبولا صحيحا سائغا شرعيا، ووقف بإذن مولانا السلطان الملك المنصور الموكل المذكور خلد الله مملكته، وحبس عنه المارستان المستجد المنصوري المحدود أعلاه، وعلى من يقوم بمصالح المرضى به من الأطباء والكحالين والجرائحيين وطباخي الشراب والمزاور والطعوم وصانعي المعاجين والأكحال والأدوية والمسهلات المفردة والمركبة، وعلى القومة والفراشين والخزان والأمناء والمباشرين وغيرهم ممن جرت عادة أمثالهم بذلك. وعلى ما يقوم بمداواة المرضى من الأطعمة والأشربة والأكحال والشيافات والمعاجين والمراهم والأدهان والشربات، والأدوية المركبة، والمفردة، والفرش والقدور والآلات المعدة للانتفاع بها في مثله. وسيأتي ذكر ذلك مفصلا فيه مبينا ومشروحا معينا، على أن الناظر في هذا الوقف والمتولي عليه يؤجر العقار من هذا الوقف المذكور وما شاء منه بنفسه أو بنائبه مدة ثلاث سنين فما دونها بأجرة المثل فما فوقها ويؤجر الأراضي مدة ثلاثة سنين فما دونها بأجرة المثل فما فوقها ولا يدخل عقدا على عقد ولا يؤجره لمتشرد ولا لمتعزز، ولا لمن تخشى سطوته، ولا لمن ينسى الوقف في يده، ويبدأ من ذلك بعمارة ما يجب عمارته في الوقف والبيمارستان، المذكور ذلك فيه من إصلاح وترميم أو بناء هديم، على وجه لا ضرر فيه ولا ضرار ولا إجحاف بأحد في جد ولا إصرار، وبتخير الناظر في حصيل ربع هذا الوقف وحسن الحال على حسب الإمكان ويطلب ذلك حيث كان في جهة ومكان، بحيث لا يفرط ولا يفرط ولا يخرج في سلوكه عن السنين المتوسطة ولا يهمل حقا معينا ولا يغفل عن أمر يكون صلاحه بينا، لتكون هذه الصدفة طيبة مقبولة وهذا السعي يرجو مولانا السلطان الملك المنصور - خلد الله ملكه - به من ربه قبوله فقد قال فيما ورد عنه من الأخبار الصحيحة المنقولة: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ثم ما فضل بعد ذلك صرف منه الناظر ما يرى صرفه لمن يتولى إنجاز ذلك واستخراج أجرته وعمارته وصرف ريعه في وجوهه المشترطة فيه وتفرقة أشربته وأدويته من شدّ وناظر ومشارف ومشاهد وكاتب وخازن، ويصرف لكل منهم من ريع هذا الوقف أجرة مثله عن تصرفه في ذلك وفعله، ولا يولي الناظر في هذا الوقف يهوديا ولا نصرانيا ولا يمكنه من مباشرة شيء من هذا الوقف بل يكون المتولي مسلما ظاهر الأمانة عارفا بأنواع الكتابة، كافيا فيما يتولاه موصوفا بدينه ودرايته وخبرته ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف، ثمن ما تدعوا حاجة المرضى إليه، من سرر حديد أو خشب على ما يراه مصلحته ولحف محشوة قطنا وطواريح محشوة بالقطن أيضا، وملاحف قطن ومخاد طرح أو أدم محشوة على ما يراه ويؤدي إليه اجتهاده وهو مخير بين أن يفصل كل نوع من ذلك ويصرف أجرة خياطته وعمله وثمن حشوه وبين أن يشتري ذلك معمولا مكملا فيجعل لكل مريض من الفرش على حسب حاله وما يقتضيه مرضه عاملا في حق كل منهم بتقوى الله وطاعته باذلا جهده وغاية نصيحته، فهم رعيته وكل مسئول عن رعيته ويصرف الناظر في هذا الوقف ثمن سكر يصنعه أشربة مختلفة الأنواع، ومعاجين وثمن ما يحتاج إليه لأجل ذلك من الفواكه والخماير، رسم الأشربة وثمن ما يحتاج إليه من أصناف الأدوية والمعاجين والعقاقير والمراهم والأكحال والشيافات والذرورات والأدهان والسفوفات والدرياقات والأقراص وغير ذلك يصنع كل صنف في وقته وأوانه، ويدخره تحت يده في أوعية معدة له، فإذا فرغ استعمل مثله من ريع هذا الوقف ولا يصرف من ذلك لأحد شيئا إلا بقدر حاجته إليه ولا يزيده عليها، وذلك بحسب الزمان وما تدعوا الحاجة إليه بحسب الفصول وأوقات الاستعمال ويقدم في ذلك الأحوج فالأحوج من المرضى والمحتاجين والضعفاء والمنقطعين والفقراء والمساكين ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف ما تدعوا حاجة المرضى إليه من مشموم في كل يوم، وزبادي فخار برسم أغذيتهم وأقداح زجاج وغرار برسم أشربتهم وكيزان وأباريق فخار وقصاري فخار وزيت للوقود عليهم، وبماء من بحر النيل المبارك برسم شربهم وأغذيتهم و. . . . لأجل تغطية أغذيتهم عند صرفها عليهم وفي ثمن مراوح خوص لأجل استعمالهم إياها في الحرّ ويصرف الناظر ثمن ذلك من ريع هذا الوقف في غير إسراف ولا إجحاف ولا زيادة على ما يحتاج إليه كل ذلك بحسب ما تدعو الحاجة لزيادة الأجر والثواب ويصرف الناظر في هذا الوقف لرجلين مسلمين موصوفين بالديانة والأمانة يكون أحدهما خازنا لمخزن حاصل التفرقة، يتولى تفرقة الأشربة والأكحال والأعشاب والمعاجين والأدهان والشيافات، المأذون له في صرف ذلك من المباشرين، ويكون الآخر أمينا يتسلم صبيحة كل يوم وعشيته أقداح الشراب المختصة بالمرضى والمختلين من الرجال والنساء المقيمين بهذا المارستان، ويفرق ذلك عليهم ويباشر شرب كل منهم لما وصف له من ذلك. ويباشر المطبخ بهذا المارستان وما يطبخ به للمرضى من مزاور ودجاج وفراريج ولحم وغير ذلك، ويجعل لكل مريض ما طبخ له في يوم في زبدية منفردة له من غير مشاركة مع مريض آخر ويغطيها ويوصلها إلى المريض إلى أن يتكامل إطعامهم ويستوفي كل منهم غذاءه وعشاءه وما وصف له بكرة وعشية. ويصرف الناظر لكل منهما من ريع هذا الوقف ما يرى صرفه إليه من غير حيف ولا شطط. وللناظر الشهادة عليهما في العدة إذا لم يكفيا ما اشترط عليهما مباشرته ويصرف له أجرة مثله من ريع هذا الوقف ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف لمن ينصبه بهذا المارستان من الأطباء المسلمين الطبائعيين والكحالين والجرائحيين بحسب ما يقتضيه الزمان وحاجة المرضى وهو مخبر في العدة وتقرير الجامكيات ما لم يكن في ذلك حيف ولا شطط يباشرون المرضى والمختلين الرجال والنساء وبهذا المارستان مجتمعين ومتناوبين باتفاقهم على التناوب، أو بإذن الناظر في التناوب، ويسألون عن أحوالهم وما يتجدد لكل منهم من زيادة مرض أو نقص ويكتبون بما يصلح لكل مريض من شراب وغذاء وغيره، في دستور ورق ليصرف على حكمه، ويلتزمون المبيت في كل ليلة بالبيمارستان مجتمعين أو متناوبين ويجلس الأطباء الكحالون لمداواة أعين الرمداء بهذا المارستان ولمداواة من يرد إليهم به من المسلمين بحيث لا يرد أحد من المسلمين الرمداء من مداواة عينه بكرة كل يوم ويباشرون المداواة ويتطلفون فيها ويرفقون بالرمداء في ملاطفتهم وإن كان بينهم من به قروح أو أمراض في عينه تقتضي مراجعة الكحال للطبيب الطبائعي، راجعه وأحضره معه وباشر معه من غير انفراد عنه ويراجعه في أحوال برئه وشفائه ويصرف الناظر في هذا الوقف لمن بنصبه شيخا للاشتغال عليه بعلم الطب على اختلافه يجلس بالطبة الكبرى المعينة له في كتاب الوقف المشار إليه في الأوقات التي يعينها له الناظر ما يرى صرفه إليه وليكن جملة أطباء البيمارستان المبارك من غير زيادة عن العدد ويصرف الناظر مع ربع هذا الوقف للقومة والفراشين الرجال والنساء بهذا البيمارستان ما يرى صرفه إلى كل بحسب عمله على أن كلا منهم يقوم بخدمة المرضى والمختلين الرجال والنساء بهذا البيمارستان ويغسل ثيابهم وتنظيف أماكنهم وإصلاح شؤونهم والقيام بمصالحهم على ما يراه من العدة والتقرير بحيث لا يزيد في العدة ولا في المقادير على الحاجة إليه وفي ذلك بحسب الزمان والمكان ويصرف الناظر ما تدعوا الحاجة إليه في تكفين من يموت بهذا المارستان من المرضى والمختلين الرجال والنساء، فيصرف ما يحتاج إليه برسم غسله وثمن كفنه وحنوطه وأجرة غاسله وحافر قبره ومواراته في قبره على السنة النبوية والحالة المرضية، ومن كان مريضا في بيته وهو فقير كان للناظر أن يصرف إليه ما يحتاج إليه من حاصل هذا المارستان من الأشربة والأدوية والمعالجين وغيرها من عدم التضييق في الصرف على من هو مقيم به، فإن مات بين أهله صرف إليه الناظر في موته بتجهيزه وتغسيله وتكفينه وحمله إلى مدفنه ومواراته في قبره ما يليق بين أهله، وليس للناظر في هذا الوقف أن ينزل بهذا المارستان من المرضى ولا من المختلين ولا من الأطباء ولا من المباشرين ولا من أرباب الوظائف بهذا المارستان يهوديا ولا نصرانيا فإن فعل شيئا من ذلك أو أذن فيه ففعله مردود وإذنه فيه غير معمول به، وقد باء بسخطه وإثمه. ومن حصل له الشفا والعافية ممن هو مقيم بهذا المارستان المبارك صرف الناظر إليه من ربع هذا الوقف المذكور كسوة مثله على العادة، بحسب الحال من غير زيادة تقتضي التضييق على المرضى والقيام بمصالحهم، كل ذلك على ما يراه ويؤدي إليه اجتهاده بحسب ما تدعوا إليه الحاجة ويحصل منه مزيد الأجور لملانا السلطان الملك سيف الدنيا والدين، أعز الله به الدين وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين فإن نقص ربع الوقف المذكور عن استيعاب المصارف المذكورة أعلاه، قدم الناظر صرف الأهم فالأهم من ذلك، من الأطعمة والأشربة والأدوية والسفوفات والمعاجين ومداواة الرمد، وتقديم الأحوج بحسب ما تقتضيه المصلحة وزيادة الأجور والثواب. وعلى الناظر في هذا الوقت أن يراعي تقوى الله سبحانه وتعالى سرا وجهرا، ولا يقدم صاحب جاء على ضعيف ولا قويا على ما هو أضعف منه ولا متأهلا على غريب، بل يقدم في الصرف إليه زيادة الأجور والثواب والتقرب إلى رب الأرباب، فإن تعذر الصرف والعياذ بالله تعالى إلى الجهات المذكورة أو إلى شئ منها كان ذلك مصروفا إلى الفقراء والمساكين من المسلمين أينما كانوا وحيث ما وجدوا وجعل هذا الجناب العالي الأميري العزي الوكيل الواقف بإذن موكله مولانا السيد الأجل السلطان الملك المنصور. ثم من بعده رزقه الله أطول الأعمار وملكه سائر النواحي والأقطار للأمثل فالأمثل ومن أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا ثم للأمثل فالأمثل من عتقاء مولانا السلطان الملك المنصور المسمى أعز الله أنصاره وإذا أنقرضوا كان النظر في ذلك لحاكم المسلمين الشافعي المذهب بالقاهرة ومصر المحروسة، ثم من بعده لمن يوجد من حكام المسلمين يوم ذلك على اختلاف مذاهبهم. . . . . . . . . . . . وصار جميع ما وصف وحدد بعاليه وقفا محرما بحرمات الله الأكيدة التي هي أجمع للتحريم، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر ويعلم أنه إلى ربه صائر من سلطان أو وزير، أو مشير أو قاضي أو محتسب أو وكيل بيت مال، أو أمير أم آمر، نقض هذا الوقف ولا نقض سيء منه ولا تعطيله ولا فسخه ولا تحويلة ولا السعي في إبطال شيء منه ولا الاعتراض إليه ولا إخراجه عن سبيله فمن فعل ذلك أو أعان عليه أو سعى فيه. . . . . . . . . . . . . . . وقعت الشهادة عليه بعد قراءته بتاريخ اليوم المبارك يوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر صفر المبارك من شهور سنة خمس وثمانين وستمائة، الله يقضيها بخير وحسبنا الله ونعم الوكيل الشهود وهم ثمانية. . . . . . . . . . . . . . . . وبذلك أشهد. . . . . . . . . . . وبذلك أشهد يوسف بن سليمان محمد بن محمد. . . . محمد بن عبد العزيز بن أحمد ابن عمر بن اللهيب؟ . . . . . وبذلك أشهد. . . . . . . . . . . . . . . . وبذلك أشهد محمد بن محمد بن عبد العزيز بن رشيق عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن الشافعي إسماعيل بن الحسن الانصاري محمد بن محمد بن محمد البكري الحسيني علي بن عبد العزيز بن علي.

وقفية الأمير عبد الرحمن منخدا
عدل

هي إعلام شرعي صادر من مجلس الشرع الشريف إلى الأمير عبد الرحمن كتخدا بتثبيته ناظرا على وقف السلطان المنصور قلاوون وهو الذي ذكر الجبرتي أنه جدد عمارة المارستان المنصوري وأراد أن يحتاط بجهات وقفه. ومن هذا الإعلام تعلم تمام العلم الحال التي كان عليها المارستان في ذلك العصر من نظام وترتيب في الإدارة والعلاج، وهو من دواعي الاغتباط لمصر، وهاهو ذا الإعلام. سيد الملوك والسلاطين إسكندر صاحب القرآن مولانا السلطان الملك المنصور أبو المظفر قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين وسلطان الديار المصرية، كان تغمده الله بالرحمة والرضوان وأسكنه أعلى فراديس الجنان وقف وحبس وسبل وأيد وأكد وخلد وتصدق بجميع القبة العظمى وجميع المدرسة المباركة وجميع البيمارستان بصدر الدهليز الجامع لذلك، ومكتب السبيل علو باب القيسارية المستجة والصهريج بدخل البيمارستان المرقوم، وما يتبع ذلك من الأواوين والقاعات والأروقة والخلاوي والطباق وبيوت المختلين من الرجال والنساء، وأواين الضعفاء والمرضى، وفساقي المياه وبيوت الأخلية وغير ذلك. . . . وجميع الأماكن والحوانيت والحواصل والخزائن والربوعة والطباق والعقارات الكائنة بمصر المحروسة بالخط المذكور والأطيان التابعة لذلك، المرصد ذلك جميعه على مصالح القبة والمدرسة والبيمارستان والمكتب والصهريج المذكورين أعلاه، المشمول ذلك جميعه وما ألحق به من قبل مولانا السلطان الأشرف برسباي والمرحومة جانم عتيقة الجمالي يوسف زوجة بشتك الداوادار الخازندار مولانا السلطان الموما إليه، وما أنجز لجهة وقف مولانا السلطان المومى إليه من الأوقاف التابعة لذلك على الحاكم المعين باستيمار الوقف بنظر وتحدث فخر الأكابر والأعيان الجناب المكرك الأمير عبد الرحمن كتخذا ابن المرحوم الأمير حسن كتخدا طائفة مستحفظان القاز دغلي بمصر كان بموجب تقريره في ذلك من قبل مولانا شيخ الإسلام المشار إليه أعلاه المؤرخ في شهر ذي الحجة الحرام ختام سنة أربع وسبعين ومائة وألف 1174 المرتب على الفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف من حضرة الوزير المعظم والدستور المكرم والمشير المفخم مولانا أحمد باشا محافظ الديار المصرية دامت سعادته السنية المؤرخ في شهر ذي الحجة المذكورة سنة 1174 المذكورة، وقفا صحيحا شرعيا على ما يبين فيه: فأما القبة المذكورة فإنه وقف رواقها. . . . . . . . . وأما الخزاين التي بالقبة المذكورة فإنه وقفها لحفظ الكتب. . . . . . . . . . وأما المدرسة المباركة. . . . . . . . . . . . . فإنه وقفها على الفقهاء والمنفقهة على مذاهب الأئمة الأربعة. . . . . . . . . . . وأما البيمارستان المذكور المستجد من قبل مولانا السلطان المشار إليه. . . . . . . . . . . . فإنه وقف ذلك بيمارستان لمداواة مرضى المسلمين الرجال والنساء والأغنياء والفقراء بالقاهرة ومصر وضواحيها من المقيمين هما والواردين إليهما من البلاد والأعمال على اختلاف أجناسهم وأوصافهم وسائر أمراضهم من أمراض الأجسام قلت أو كثرت اتفقت أو اختلفت، وأمراض الحواس خفت أو ظهرت واختلال العقول التي حفظها أعظم المقاصد والأغراض، وأول ما يجب الإقبال على ذوي الانحراف عنه والإعراض، وغير ذلك مما تدعو حاجة الإنسان إلى صلاحه وإصلاحه بالأدوية والعقاقير المتعارفة عن أهل صناعة الطب والاشتغال فيه بعلم الطب والاشتغال به، ويدخلونه جموعا ووحدانا وشيوخا وشبابا وبلاغا وصبيانا وحرما وولدانا تقيم المرضى الفقراء من الرجال والنساء لمداواتهم إلى حين برئهم وشفائهم ويصرف ما هو معين فيه للمداواة ويفرق على البعيد والقريب، والأهل والغريب والقوي والضعيف، والدني والشريف، والحقير والغني والفقير والمأمور والأمير، والأعمى والبصير، والمفضول والفاضل، والمشهور والخامل، والرفيع والوضيع، والمترف والصعلوك، والمليك والمملوك من غير اشتراط لعوض من الأعواض، ولا تعريض بإنكار على ذلك ولا إعتراض، بل لمحض فضل الله العظيم. . . . . . . . . . . . . . . . . على أن تكون المسكبة الكبرى التي بالبيمارستان المرقوم مرصدة، لجلوس مدرس من الحكماء الأطباء عارفا بالطب وأوضاعه متبحرا في فضله لكثرة عمله واطلاعه عالما بأسباب الأمراض وعلاجاتها، ولجلوس المشتغلين بعلم الطب على اختلافه. وتكون المسطبة المقابلة لها مرصدة لجلوس المستخدمين والمباشرين لإدارة البيمارستان المرقوم وتكون القاعة التي على يمنة باب الدخول للبيمارستان المرقوم مرصدة لحفظ ما يفرق من حواصل البيمارستان المذكور من أشربة وأكحال وأدوية مفردة ومركبة ومعاجين وأدهان ودرياقات ومراهم وشيافات وغير ذلك. وتكون القاعة المتوصل إليها من الباب الثالث مرصدة لإقامة الرمداء من الرجال والفقراء أو لمن يرى الناظر إقامته بها من المرضى. ويكون المخزن الكبير المتوصل إليه من الباب السادس مرصدا لحفظ الأعشاب، وتكون القاعة المتوصل إليها من الباب السابع برسم إقامة المرضى الفقراء الرجال المسهولين، وتكون المسطبة الكبرى المتوصل إليها من الدهليز الذي بأوله باب المطبخ برسم إقامة المجروحات والمكسورات من النساء، وتكون القاعات الثلاث الباقيات من البيمارستان المذكور المتوصل إلى ذلك من الدهليز المتوصل منه إلى المطبخ المرصد لطبخ الأشربة وإلى المخزنين بجوار المرصدين لحفظ حواصل المطبخ مرصدان برسم إقامة المريضات الفقيرات من النساء وعلو ذلك برسم إقامة من يخدمهن من النساء وباقي بيوت قاعة البيمارستان المرقوم مرصدة لحواصل البيمارستان المرقوم ولإقامة من يرى الناظر إقامته بها من المرضى الفقراء الرجال والنساء وتكون القاعة المرصدة لإقامة المختلين من الرجال برسم إقامة كل من يرد إليها من المختلين الرجال وكذلك القاعة المجاورة لها فإنها مرصدة برسم المختلات من النساء، وأذن مولانا السلطان المشار إليه أعلاه في الإنشاء على سطح بيوت المختلين من الرجال والنساء مساكن برسم القومة والخدام بالبيمارستان المرقوم. وتكون أواوين قاعة البيمارستان المرقوم برسم إقامة المرضى الفقراء الرجال دون النساء على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم وعلى الأطباء المرتبين بالبيمارستان المرقوم والكحالين والجرائحيين مباشرة المرضى بالبيمارستان الرجال والنساء مريضا بعد مربض بحيث يستوعبون جميع المرضى بالمباشرة في كل يوم بكرة وعشية، وعلى كل من القومة والفراشين بالبيمارستان المرقوم أن يتعاهد المرضى ويقوم بما يحتاج إليه من غسل ثيابه وتنظيف مكانه وإصلاح شأنه وحك رجليه والقيام بمصالحه، والاهتمام بشرابه وغذائه وترتيب المشموم له على العادة بحسب ما تدعوا الحاجة إليه. ولا يشرك مريضا مع مريض آخر في شراب ولا في غذاء ويتقي الله سبحانه وتعالى في خدمتهم ويراقب ربه جل جلاله في ملاطفتهم ويجتهد في إتمامه عندهم. . . . . . . . ويصرف الناظر من ربع هذا الوقف المذكور على مصالح البيمارستان المرقوم من أكحال تكون فيه معدة للسبيل وأشربة تحلو كالسلسبيل، وأطباء تحضره في البكرة والأصيل، وغير ذلك مما يشفي السقيم ويبري العليل وفروش وأوان وقومة وخدام ومعهوم ومشروب ومشموم مستمرا أيدا على الدوام وعلى من يقوم لمصالح المرضى به من الأطباء والكحالين والجرائحيين وطباخي الشراب والطعوم وصانعي المعاجين والأكحال والأشربة والمسهلات الفمفردة والمركية، وعلى القومة والفراشين والخزان والأمناء والمباشرين وغيرهم ممن عادة أمثالهم في ذلك، وعلى من يقوم بمداواة المرضى من الأطعمة والأشربة والأكحال والشيافات والمعاجين والمراهم والأدهان والشربات والأدوية المركبة والمفردة والفرش والقدور والآلات المعدة للانتفاع بها في مثله ويصرف الناظر من ربع هذا الوقف المذكور ثمن ما تدعو حاجة المرضى إليه من سرير حديد أو خشب على ما يراه مصلحته ولحف محشوة قطنا وطراريح محشوة على ما يراه الناظر ويؤدي إليه اجتهاده وهو مخير بين أن يفصل كل نوع من ذلك ويصرف أجرة خياطته وعمله وثمن حشوه وبين أن يشتري ذلك معمولا مكملا ويجعل لكل مريض من الفرش والسرر على حسب حاله وما يقتضيه مرضه عاملا في حق كل منهم بتقوى الله. . . . . . . . . . . . . . . . ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف المذكور ثمن سكر يصنعه أشربة مختلفة الأنواع ومعاجين وثمن ما يحتاج إليه لأجل ذلك من الفواكه والخماير برسم الأشربة وثمن ما يحتاج إليه من أصناف الأدوية والعقاقير والمعاجين والمراهم والأكحال والشيافات والذرورات والأدهان والسفوفات والدريافات والأقراص وغير ذلك، يصنع كل صنف في وقته ويدخره تحت يده في أوعية معدة له فإذا فرغ استعمل مثله من ريع هذا الوقف ولا يصرف من ذلك لأحد شيئا إلا بقدر حاجته إليه. . . . . . . . . . . ويقدم من ذلك الأحوج فالأحوج من المرضى والمحتاجين والضعفاء والمنقطعين والفقراء والمساكين. ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف المذكور ما تدعوا حاجة المرضى إليه من مشموم في كل يوم وزبادي فخار برسم أغذيتهم وأقداح زجاج برسم أشربتهم وكيزان وأباريق فخار وشيرج وقناديل وزيت للوقود عليهم، وماء من بحر النيل المبارك برسم شربهم ومكبات خوص لأجل أغطية أغذيتهم عند صرفها عليهم، وفي ثمن مراوح خوص لأجل استعمالهم إياها في الحر وغير ذلك. . . . . . ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف المذكور لرجلين أحدهما خازن بمخزن حاصل التفرقة بغرف الأشربة والأكحال والأعشاب، والمعاجين والأدهان والشيافات، والآخر يتسلم صبيحة كل يوم وغشيته أقداح الشراب المختصة بالمرضى والمختلين من الرجال والنساء ويفرق عليهم ذلك ويباشر شرب كل منهم لما وصف له من ذلك ويباشر البيمارستان وما يطبخ به للمرضى من فراور ودجاج وفراريج ولحم وغير ذلك ويجعل لكل مريض ما يطبخ له في كل يوم في زبدية منفردة من غير مشاركته مع مريض آخر ويغطيها ويوصلها له إلى أن يتكامل إطعامهم ويستوفي كل منهم غداء وعشاء وما وصف له بكرة وعشية. . . . . . . . . . . . وللناظر أن ينصب من الأطباء المسلمين الطبائعيين والكحالين والجرائحيين بحسب ما تقتضيه الزيادة وحاجة المرضى، وهو مخير في العدة وتقدير الجامكيات بالترتيب في ذلك، ويباشرون المرضى والمختلين مجتمعين أو متناوبين باتفاقهم على التناوب، ويسألون عن أحوالهم وما يتجدد لكل منهم من زيادة مرض ويكتبون ما يصح لكل مريض من شراب وغذاء وغير ذلك في دستور ورق ليصرف على حكمه ويلتزمون المبيت في كل ليلة بالبيمارستان وتجلس الأطباء الكحالون لمداواة أعين الرمداء بالبيمارستان ومن يرد عليهم ويتلطفون بهم وإن احتاجوا لأطباء من الطبائعيين إلى مراجعة الكحال يراجعوه ويحضره يباشر معهم ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف المذكور للقومة والفراشين للرجال والنشاء في نظير القيام بهم وتغسيل ثيابهم. . . . . . ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف المذكور ما تجعلوا الحاجة إليه من تكفين من يموت من المرضى والمختلين وما يحتاج إليه برسم غسله وتكفينه وحنوطه وأجرة غاسله وحافر قبره ومواراته في قبره على السنة النبوية. . . . . . ومن كان مريضا في بيته وهو فقير كان للناظر أن يصرف ما يحتاج إليه من حاصل هذا البيمارستان والأشربة والأدوية والمعاجين وغيرها مع عدم التضييق في الصرف على من هو مقيم به، ومن حصل له الشفاء والعافية ممن هو مقيم به يصرف له كسوة مثله على العادة بحسب الحال. . . . . . . . . . . . ذلك جميعه معين ومبين ومفصل ومشروح بكتب الأوقاف الصحيحة الشرعية. . . . . . . . . . من جملة كتب الأوقاف المذكورة الثلاثة كتب الرق الغزال الملصق المؤرخ أحدهم 2 في ثالث وعشرين شهر ذي الحجة الحرام سنة 684 والثاني مؤرخ في ثاني عشر شهر صفر الخير. . . . سنة 685 والثالث مؤرخ في رابع وعشرين شهر رجب الفرد سنة 686 هذا ما دلت كتب الأوقاف. . . . . . . من المرتبات والخيرات على الوجه المسطور طلب الأمير عبد الرحمن كتخدا الناظر. . . . . . . . . . وقع التحرير في اليوم المبارك الموافق لثامن شهر محرم الحرام افتتاح سنة 1175 من هجرة من له كمال العز ومزيد الشرف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

الأطباء الذين عملوا بالبيمارستان المنصوري على طول العصور

عدل

الأطباء الذين عملوا بالبيمارستان المنصوري من عهد إنشائه إلى يومنا هذا كثيرون، فإن هذا البيمارستان لم ينقطع يوما عن تأدية الوظيفة التي أنشئ من أجلها وهي علاج المرضى، غير أن استقصاء جميعهم غير ميسور لأن أسماءهم ضاعت مع الزمن، وإن القليل منهم من ترجم في كتاب، والتراجم الموجودة مشتتة في بطون الكتب على اختلاف أنواعها من كتب أدب وتاريخ وتراجم عامة أو خاصة. وسننشر في هذا الفصل بعض الذين وقعت لنا تراجمهم والكتب المنقولة عنها مرتبة بحسب الزمن، حتى يلم القارئ بشيء من أحوال البيمارستان على طول سنيه، ومن أحوال الطب والأطباء في تلك العصور فمنهم:

1 - أحمد بن يوسف بن هلال بن أبي البركات شهاب الدين الصفدي الطبيب. ولد سنة 661 ثم قدم إلى صفد ونشأ بها ثم أنتقل إلى القاهرة وخدم في جملة أطباء السلطان وبالبيمارستان المنصوري. وكان بارعا في الطب وله قدرة على وصف الشجرات توفى سنة 737هـ.

2 - الشيخ ركن الدين بن القوبع هو ركن الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الجليل الجعفري التونسي: ولد بتونس سنة 664 في رمضان وأخذ عن جماعة وصار يجيد كل ما يعرفه من أصول وحديث وفقه وأدب ولغة ونحو وعروض وأسماء رجال وشعر يحفظه عن العرب والمولدين والمتأخرين وطب، وحكمة ومعرفة الخطوط. قدم مصر في سنة 690 وتولى نيابة الحكم للقاضي المالكي بالقاهرة مدة ثم تركها تدينا منه وقال. يتعذر فيها براءة الذمة وكان يدرس في المنكتمرية بالقاهرة ويدرس الطب بالبيمارستان المنصوري. ينام أول الليل ثم يستفيق وقد أخذ راحته ويتناول كتاب الشفاء لابن سينا ينظر فيه لا يكاد يخل بذلك. وكان حسن التودد إلى الناس وكان يتصدق سرا توفى بالقاهرة في تاسع ذي الحجة سنة 738 عن أربع وسبعين سنة.

3 - محمد بن إبراهيم بن ساعد شمس الدين أبو عبد الله السنجاري الأصل المعري المعروف بابن الأكفاني: ولد بسنجار وتعلم الطب ومهر في معرفة الجواهر والعقاقير حتى رتب بالبيمارستان وألزم الناظر ألا يشتري شيئا، إلا بعد عرضه عليه توفي سنة 749 ومن مؤلفاته: إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد طبع بمصر ونخب الذخائر في معرفة الجواهر، واللباب في الحساب، وغنية اللبيب في غيبة الطبيب، ونهاية القصد في صناعة الفصد.

4 - عمر بن منصور بن عبد الله سراج الدين البهادري القاهري الحنفي ولد سنة 762 واشتغل بالفقه والعربية والطب واستقر في تدريس البيمارستان وجامع ابن طولون في الطب ومات يوم السبت غرة شوال سنة 824هـ.

5 - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو الوفاء القاهري الطبيب ويعرف بوفاء: ولد بعد سنة 830 بالقاهرة ونشأ بها وتدرب بالطب وصار من ذوي النوببالبيمارستان وصار يشار إليه بالبراعة والمتانة.

6 - تقي الدين الكرماني يحيى بن محمود بن يوسف بن العلامة شمس الدين الكرماني البغدادي ولد في رجب سنة 762 سمع عن أبيه وغيره، ونشأ ببغداد وتفقه وبرع وشارك في عدة علوم والتجأ إلى الأمير شيخ المحمودي وجعله إمامه في الصلاة. ولما تسلطن الأمير شيخ المحمودي في سنة 815هـ جعله من خواصه وولاه نظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة ومات بالطاعون يوم الخميس 8 جمادى الآخرة سنة 833 وله مصنفات من ذلك مصنف في الطب وشرح مسلم وشرح البخاري واختصر الروض الأنف.

7 - محمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن عبد الواحد بن صغير الشمس أبو عبد الله القاهري الحنبلي الطبيب والد الكحال محمد ويعرف بابن صغير، تميز في الطب وعالج وتدرب به جماعة وله في الطب كتاب اسمه الزبد وكان أحد الأطباء بالبيمارستان وبخدمة السلطان مات سنة 839 عن 84 سنة.

8 - عبد الوهاب بن محمد بن محمد بن طريف الشيخ تاج الدين ابن الشيخ شمس الدين الشاوي القاهري ولد سنة 766 بالقاهرة وسمع دروسه في الفقه والميقات، على جماعة من العلماء وفي الكحل على السراج البلاذري، وبرع في الميقات وباشر العمل به في عدة أماكن كالمنصورية وجامع الحاكم، وكذا خدم بالكحل في البيمارستان المنصوري وكان إنسانا خيرا ثقة محبا للطلبة ذا ثروة من وظائفه وغيرها ينتفع بالقليل منها ويصرف باقيه في وجوه الخير مات يوم الجمعة 13 شوال سنة 851 وصلي عليه بجامع الحاكم.

9 - محمد بن عبد الوهاب بن محمد الصدر بن البهاء السبكي الأصل القاهري المتكبب ولد قريبا من سنة 773هـ وحفظ القرآن والنحو ثم عانى الطب والكحل وخدم بالبيمارستان مات في جمادى الأولى سنة 866هـ وقد شاخ وضعف بصره.

10 - محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان الشرفي العالي بن صدر أبي البركات بن قاضي طيبة البدر أبي إسحاق المخزومي ولد سنة 793هـ بالقاهرة ونشأ بها ودرس بالبيمارستان المنصوري وجامع ابن طولون مات سنة 873هـ.

11 - محمد بن محمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن عبد الواحد ابن محمد بن صغير الكحال بن الشمس بن العلاء القاهري الطبيب حفيد رئيس الأطباء ويعرف كسلفه بابن صغير؛ حفظ القرآن وقرأ النحو وعانى الطب وأخذ فيه عن أبيه والعز بن جماعة. واستقر في نوبة البيمارستان وله كتاب تشريح الأعضاء والزبد في الطب مات في صفر سنة 891هـ وهو ابن 96سنة.

12 - محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب الشمس التفهني ثم القاهري الكحال كان أبوه خيرا من أهل القرآن، فنشأه وتدرب في الطب والكحل ومهر فيهما وصارت له نوبة في البيمارستان ومولده سنة 815 ومات في ذي الحجة سنة 896هـ.

13 - محمد بن محمد ولي الدين ابن الشيخ العالم محب الدين المحرق المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة وتوفي بها في يوم الخميس ختام ربيع الأول سنة 909.

14 - الشيخ محمد شمس الدين القوصوني: رئيس الأطباء بالقاهرة وطبيب السلطان الغوري والطبيب بدار الشفاء توفي في ربيع الأول سنة 917.

15 - علي بن محمد بن محمد بن علي الجراح بدار الشفاء توفي سنة 1011هـ.

16 - شهاب الدين ابن الصائغ وهو أحمد بن سراج الدين الملقب شهاب الدين، مات عن مشيخة الطب بدار الشفاء المنصوري ورياسة الأطباء، وكانت ولادته سنة 945هـ وتوفي سنة 1036هـ ولم يخلف إلا بنتا تولت مكانه مشيخة الطب.

17 - مدين بن عبد الرحمن القوصوني المصري الطبيب رئيس الأطباء بدار الشفاء بمصر: أخذ العلوم عن الشهاب أحمد بن أحمد المبتولي الشافعي والشيخ عبد الواحد البرجي والطب عن الشيخ داود، ولي مشيخة الطب بمصر بعد السري أحمد الشهير بابن الصائغ وألف التآليف النافعة منها: ريحان الألباء وريعان الشباب في مراتب الآداب وكتاب قاموس الأطباء وناموس الألباء في المفردات وفي خزانة كتبي نسخة منه وله غير ذلك قال صاحب خلاصة الأثر: إنه في سنة 1044هـ كان موجودا بين الأحياء.

18 - خضر بن علي بن الخطاب المعروف بالحاج باشا: كان من ولاية آيدين من الروم وأرتحل إلى القاهرة وقرأ على أكمل الدين ومبارك شاه المنطقي ثم مرض شديد فأضطره إلى الاشتغال بالطب فمهر فيه وفوض إليه بيمارستان مصر فدبره أحسن تدبير وصنف كتاب الشفا في الطب ومختصرا فيه بالتركية سماه التسهيل. وصنف قبل أشتغاله بالطب حواشي على شرح المطالع للقطب الرازي على تصوراته وتصديقاته وشفاء الأسقام وتوفى سنة 1100هـ.

19 - علي بن جبريل المتطبب شيخ دار الشفاء بالمارستان المنصوري رئيس الرؤساء، أتقن فن الطب وشارك في غيره من الفنون، كان أحد جلساء الأمير رضوان الجلفي ونديمه وأنيسه وحكيمه، وكان أحد من منحت له يمين ذلك الأمير بالألوف ومنها بيت علي بركة الأزبكية ذو رونق بديع غريب زجاجي النواحي والأرجاء توفى سنة 1172هـ.

20 - الشريف السيد قاسم بن محمد التونسي كان إماما في الفنون وله يد طولى في العلوم الخارجة مثل الطب والحرف وكان معه وظيفة تدريس الطب بالبيمارستان المنصوري وتولى مشيخة رواق المغاربة بالأزهر مرتين وكان له باع في النظم والنثر توفى سنة 1193هـ، 1797م بعد أن تعلل كثيرا.

المارستان المنصوري في نظامه العصري

عدل

بعد الشريف السيد قاسم التونسي لم أعثر على طبيب آخر تولى العلاج في المارستان المنصوري، والظاهر أن أمر المارستان كان مهملا من العلاج في الفترة بين وفاة التونسي سنة 1797م وهو العام السابق على الحملة الفرنسية، من سنة 1799م إلى سنة 1801. قال المسيو جومار أحد علماء الحملة: إن هذا البناء الذي كان فيما غبر من الأيام ملجأ مفتوحا من الشدائد قد اضمحلت حالته بعد ذلك وزالت عنه السعادة الأولى التي كان يرفل في حلاها، أو بعبارة أخرى كاد لا يبقى منه غير ظله بسبب ظلم الترك والمماليك وإهمالهم ولا سيما تبديد أمواله. ثم بلغ غاية اضمحلاله في سنة 1856م وهجره المرضى ونقلت منه المجانين إلى يوم بولاق، وأجرت قاعاته ومرافقه، كأنه وكالة لمخازن الصناع وتجار النحاس، وظل كذلك إلى سنة 1879 أي نحو ثمانين عاما إلى أن تولى المرحوم الدكتور حسين عوف بك أمر العلاج فيه فانتقل بذلك إلى العصر الجديد في العلاج، وتولى بعده في العلاج بالمارستان وغيره من الأطباء العصريين، إلى أن صحت عزيمة مصلحة الأوقاف في ذلك الزمن على تجديد بناء المارستان المنصوري في الحوش الواسع المتخلف عن المارستان القديم. فابتدأت في البناء وتشييد المارستان الجديد في عام 1912م وقدر له من النفقات 8400 جنيها مصريا ثم رتب عليها ستمائة جنيه فبلغ ما أنفق على تجديد البناء تسعة آلاف من الجنيهات وصرف نحو ستمائة جنيها ثمنا للأدوات والآلات اللازمة. وتم بناءه وأبتدأ العلاج فيه في 15 إبريل سنة 1915 حيث كانت الحرب العالمية مشتعلة الأوار في ذلك الزمن، فلم يحتفل بافتتاحه كما جرت العادة بذلك. ولا تزيد أوقات مارستان قلاوون في الوقت الحاضر على الحمام المجاور للمارستان وبعض دكاكين في الصناعة المجاور. ويبلغ ريع هذه الأوقاف نحو ألفي جنيه تقريبا ويصرف من هذا الريع على مدرسة النحاسين والمسجد والتربة والمارستان وتسد وزارة الأوقاف النقص في النفقات من الأوقاف الخيرية الأخرى. ففي تأريخ 3 جمادى الآخر سنة 1314هـ الموافق 9 نوفمبر سنة 1896م صدرت إرادة سنية من الخديدوي عباس باشا الثاني بناء على فتوى شرعية تقضي بتوحيد حسابات جميع الأوقاف الخيرية وجعلها كلها حسابا واحدا إيرادا ومصروفا، تتصرف فيه وزارة الأوقاف بحسب ما تراه من أعمال الخير، فلا تتقيد بإيراد كل وقف ومصروفه على حدته إذ كان غرض الواقفين عمل الخير، وذلك ابتداء من شهر يناير سنة 1897م. والعلاج في مستشفى قلاوون الآن خاص بأمراض العيون وفيه قسمان قسم للعلاج الخارجي تفحص فيه المرضى وتعالج ثم تنصرف إلى منازلها، وقسم داخلي فيه نحو تسعين سريرا يقيم فيها المرضى للعلاج حتى يشفوا من أدوائهم. وفيه من الأطباء نحو ستة وصيدلاني وكتبة وممرضون وممرضات وطباخ وغسالون وسائر ما يلزم من الخدم وكان جملة ما ينفق عليه في سنة 1927 نحو 6231 جنيها مصريا.

الأطباء العصريون الذين تولوا العلاج في مارستان قلاوون

عدل

إن أول من عانى العلاج في بيمارستان قلاوون من الأطباء العصريين بعد الفترة الكبيرة بعد السيد قاسم بن محمد التونسي هم:

1 - الدكتور حسين عوف بك: تخرج من مدرسة القاهرة ثم اختير للسفر إلى بلاد النمسا سنة 1845م حيث أتقن علم الرمد وعاد منها سنة 1846م وعين أستاذا للرمد بمدرسة الطب سنة 1848م وكان برتبة الصاغ قول أغاسي وذلك في عهد سعيد باشا والي مصر. وفي سنة 1867 أنعم عليه بالوسام المجيدي الرابع. وظل أستاذا إلى أن أحيل على المعاش سنة 1879 وخلفه أبنه أستاذا بمدرسة الطب وقد كان مساعدا له في عمله فيها وبعد إحالته على المعاش تولى العلاج في مارستان قلاوون وتوفى سنة 1883م.

2 - الدكتور محمد عوف باشا: هو أبن الدكتور حسين بك عوف السابق، تعلم بمدارس مصر ثم دخل مدرسة القصر العيني وأرسل بعد ذلك إلى فرنسة في بعثة طبية سنة 1862م لإتقان أمراض العيون، وعاد منها سنة 1870م فعين بمدرسة الطب طبيبا مساعدا لوالده في الكحالة، ولما أحيل والده على المعاش، تعين في مكانه أستاذا وطبيبا للرمد في مدرسة الطب ومستشفى القصر العيني وذلك في 2 نوفمبر سنة 1879 وأستمر في وظيفته نحو ثلاثين عاما ثم أحيل على المعاش وأنعم عليه الخديوي عباس باشا برتبة الميرميران باشا في سنة 1902 ثم تولى العلاج في مارستان قلاوون بعد ذلك وتوفى سنة 1908م.

3 - الدكتور سعد سامع بك: ولد بالإسكندرية سنة 1851 وتعلم الطب بالقاهرة وتخرج سنة 1871 وخدم طبيبا بالجيش المصري وتنقل بين وظائفه والوظائف المدنية إلى سنة 1886 ثم سافر إلى باريس لإتقان فن الكحالة وفي سنة 1895 في عهد الخديوي عباس باشا الثاني عين طبيبا كحالا بمارستان قلاوون ومفتشا صحيا في ديوان الأوقاف معا. وفي سنة 1898 أنعم عليه بالرتبة الثانية ويلقب صاحبها بلقب بك وأحيل في سنة 1911 على المعاش وتوفى في 27 فبراير سنة 1917 ودفن بالقاهرة وله جملة مؤلفات منها:

1 - مرشد الطبيب للعلاج المجيب طبع 1316هـ - 1899م

2 - رسالة بالفرنسية طبعت في باريس سنة 1890 عنوانها:

3 - رسالة في الالتهاب الملتحمي الغشائي الكاذب طبعت سنة 1312م.

4 - تقرير بالفرنسية عنوانه قدمه إلى المؤتمر الطبي الرمدي المنعقد في القاهرة في 19 - 23 ديسمبر سنة 1902م.

4 - الدكتور محمد شاكر بك: تعلم علومه في مصر ثم أتم علومه في فرنسة وعين أول الأمر طبيبا بالخاصة الخديوية وفي يناير سنة 1912 نقل إلى مارستان قلاوون عالج فيه الرمد إلى سنة 1915 حيث أحيل على المعاش.

5 - الدكتور محمد طاهر بك: ولد بدمياط ونشأ وتعلم الطب بمدرسة القصر العيني وتخرج سنة 1904 وعين طبيبا بمستشفيات الرمد المتنقلة التابعة لوقفية السير أرسنت كاسل. وقي سنة 1906 عين طبيبا مساعدا للرمد في مستشفى القصر العيني وفي سنة 1909 أنتقل إلى مصلحة الصحة مفتشا لمستشفيات الرمد. وفي سنة 1914 ألحق بوزارة الأوقاف وعين رئيسا قلاوون إلى سنة 1918 ثم عين مدرسا للرمد بمدرسة الطب في يونية سنة 1912 ثم استقال في السنة نفسها.

6 - الدكتور سالم هنداوي بك: ولد بسنجلف من أعمال إقليم المنوفية ونشأ بالقاهرة، وحصل على إجازة الطب في سنة 1910 وعمل في المستشفى العباسي الذي أنشأه الخديوي عباس باشا طبيبا للرمد. وفي سنة 1918 عين مديرا وكحالا لبيمارستان قلاوون ولا يزال يعمل فيه إلى الآن.

البيمارستان المؤيدي

عدل

قال تقي الدين المقريزي: هذا المارستان فوق الصوّة تجاه طبلخاناه قلعة الجبل حيث كانت مدرسة الأشرف شعبان أبن حسين التي هدمها الناصر فرج بن برقوق هو حيث كان باب المدرسة إلا أنه ضيق عما كان أنشأه الملك المؤيد شيخ في مدة أولاها جمادى الآخرة سنة 821 وآخرها رجب سنة 823 ونزل فيه المرضى في نصف شعبان وعملت مصارفه من جملة أوقاف الجامع المؤيدي المجاور لباب زويلة، فلما مات المؤيد في ثامن المحرم سنة 824 تعطل ثم سكنه طائفة من العجم المستجدين في ربيع الأول منها. وصار منزلا للرسل الواردين من البلاد إلى السلطان ثم عمل فيه منبر ورتب له خطيب وإمام ومؤذن وبواب وقومة وأقيمت به الجمعة في شهر ربيع الآخر سنة 925 فأستمر جامعا تصرف معليم أرباب وظائفه المذكورين من وقف الجامع المؤيدي. وقد ذكر تقي الدين المقريزي هذا المارستان في كتاب آخر من كتبه بالنص الآتي: في شهر ربيع الآخر سنة 825هـ في سلطنة الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباي الدقمقاقي الظاهري الجركسي عمل المارستان المؤيدي الذي بالصوَّة تحت القلعة جامعا تقام فيه الجمعة والجماعة، وكان المؤيد قد جعل هذا الموضع مارستانا ونزل به المرضى. فلما مات لم يوجد في كتاب الوقف المؤيدي له جهة مصرف فأخرجت المرضى منه وأغلق وصار منزلا للرسل والواردين من ملوك الشرق فبقى حانة خمار برسم شرب المسكرات وضرب التنابير وعمل الفواحش ومع ذلك تربط به الخيول فكان هذا منذ مات المؤيد إلى هذا الوقت توفى المقريزي سنة 845هـ فطهره الله من تلك الأرجاس وجعله محل عبادة ولقد تخرب هذا المارستان وامتدت إليه الأيدي بالهدم والبناء حتى ضاعت معالمه وظل مجهولا ومطموسا بين العمارات والمساكن قرونا عديدة لا يعرف مكانه ولا يعرف عنه شيء حتى قيض الله له لجنة حفظ الآثار العربية فزارت مكانه وكتبت عنه تقريرا في سنة 1894 باعتباره أثر يستحق العناية والحفظ كغيره من الآثار، ولم يكن يرى فيه سوى أنه بناء أثري بجانب مسجد الحاج أحمد أبي غالية من الجهة القبلية في حارة السكري بشارع المحجر. وكان الجدار الجنوبي أو القبلي لمسجد أبي غالية هو الوجهة البحرية من هذا البناء الأثري. وكان في هذا الجدار بعض النقوش والمقرنصات وفيه باب صغير تحت بوابة فخمة البناء لا تزال موجودة كاملة ويبعد عن ذلك ببضع خطوات بعض جدران هذا الأثر القديمة وفيها بعض النوافذ. وقد تبين للجنة أن مسجد أبي غالية يستند جداره القبلي على تلك البوابة الفخمة للمارستان المؤيدي ويحجبها عن الأنظار حجابا تاما فقررت الجنة لكشف هذا الأثر إزالة المسجد المتجدد فظهرت واجهة البيمارستان بجمالها وفخامتها ورونقها وما فيها من بديع النقوش والزخرفة وعنيت اللجنة بإرجاع البيمارستان إلى حالته الأصلية بقدر ما تسمح به حال الموجود من آثاره. والمنتظر - نظرا لصعوبات قضائية شرعية بالنسبة لإزالة مسجد الحاج أحمد أبي غالية - تحويل المارستان بعد ترميمه وإصلاحه إلى مسجد أو مصلى وذلك تحقيقا لتمسك المحكمة الشرعية بإعادة بناء مسجد أبي غالية.

وقف البيمارستان المؤيدي

عدل

ما أنشأ الملك المؤيد شيخ المحمودي الجامع العامر الرحب بباب زويلة وأنشأ خانقاه للصوفية والبيمارستان للمرضى والصهاريج للسقاية، أوقف على ذلك كله أوقافا جمة من عقار وطين وكتاب وقفه مذكور في الخطط التوفيقية لعلي مبارك باشا بالتفصيل الوافي فاختصرناها وأثبتنا منها ما يخص البيمارستان فقط وهنا بعض ما اخترناه منها: . . . . . ومن هذه الأوقاف الكبيرة العظيمة يرتب طبيبا طبائعيا وكحاللا وجرائحيا و. . الخ ولكل منهم ثلاثون نصفا في الشهر وجعل النظر عليه لنفسه ثم للأرشد فالأرشد من ذريته الذكور خاصة لكن بالاشتراك مع من يكون داودارا كبيرا ومع كاتب السر مجتمعين غير منفردين، فإن تعذر لذريته كان النظر للداودار وكاتب السر معا ويصرف لكل منهما خمسمائة نصف شهريا وإن تعذر فلحاكم المسلمين بالديار المصرية. وتأريخ الحجة رابع جمادى الآخرة سنة 823هـ 1420م.

بيمارستانات العراق

عدل

بيمارستانات بغداد

عدل

بيمارستان الرشيد

عدل

أمر هارون الرشيد خامس خلفاء بني العباس والذي تولى الخلافة سنة 171هـ 786م جبريل بن بختيشوع أن ينشئ بيمارستانا في بغداد فأنشأه ورشح لرياسته الخوزي من أطباء بيمارستان جنديسابور وتولى جبريل رعايته.

بيمارستان البرامكة

عدل

جاء في كتاب الفهرست: أن من نقله الهند والنبط أبن دهني الهندي وكان إليه بيمارستان البرامكة ونقل إلى العربي من اللسان الهندي وجاء فيه أيضا عن كتاب أنه تفسير أبن دهني صاحب البيمارستان ففيهم من ذلك أنه كان للبرامكة في بغداد بيمارستان وكان أبن دهن طبيبا له.

بيمارستان أبي الحسن علي بن عيسى

عدل

في سنة 302هـ 914م اتخذ الوزير أبو الحسن علي بن عيسى بن الجراح البيمارستان بالحربية وأنفق عليه من ماله وقلده أبا عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي متطببه وهو أحد النقلة المجيدين وكان منقطعا إليه.

بيمارستان بدر غلام المعتضد

عدل

قال ثابت بن سنان بن ثابت بن قُرَّة في بيمارستان بدْر ما يأتي: كانت النفقة على البيمارستان الذي لبدر غلام المعتضد بالمخرم من ارتفاع وقف سجاج أم المتوكل على الله. وكان الوقف في يد أبي الصقر وهب بن محمد الكلوذاني وكان قسط من ارتفاع هذا الوقف يصرف إلى بني هاشم، وقسط إلى نفقة البيمارستان وكان أبو الصقر يروح على بني هاشم مالهم ويؤخر ما يصرف إلى نفقة البيمارستان وبضيقه فكتب والدي أي والد ثابت وهو سنان بن ثابت بن قرَّة إلى أبي الحسن علي بن عيسى بن الجراح يشكو إليه هذا الحال ويعرفه ما لحق المرضى من الضرر بذلك وقصور ما يقام لهم من الفحم والمؤن والدثار وغير ذلك عن مقدار حاجتهم؛ فوقع على ظهر رقعته إلى أبي الصقر توقيعا نسخته: أنت أكرمك الله على ما ذكره وهو غليظ جدا والكلام فيه معك خاصة فيما يقع منك يلزمك وما أحسبك تسلم من الإثم فيه وقد حكيت عني في الهاشميين قولا لست أذكره وكيف تصرفت الأحوال في زيادة المال أو نقصانه ووفوره أو قصوره ولا بد من تعديل الحال فيه بين أن تؤخذ منه وتجعل للبيمارستان قسطا بل هو أحق بالتقدم على غيره لضعف من يلجأ إليه وعظيم النفع به فعرفني أكرمك الله ما النكتة في قصور المال ونقصانه في تخلف نفقة المارستان هذه الشهور المتتابعة وفي هذا الوقت خاصة الشتاء واشتداد البرد. فأحتل بكل حيلة لما يطلق لهم ويعجل حتى يدفأ من البيمارستان من المرضى والممرورين بالدثار والكسوة والفحم ويقام لهم القوت ويفصل لهم العلاج والخدمة، وأجبني بما يكون منك في ذلك وأنفذ لي عملا يدلني على حجتك وأعن بأمر المارستان فضل عناية إن شاء الله.

بيمارستان السيدة

عدل

في أول المحرم سنة 306هـ فتح أبو سعيد سنان بن ثابت بيمارستان السيدةأم المقتدر، وقد اتخذه بسوق يحيى على نهر دجلة وجلس فيه ورتب ببغداد المتطببين وقبل المرضى. وكانت النفقة عليه في كل شهر ستمائة دينار على يدي يوسف بن يحيى المنجم لأن سنان لم يدخل يده في شيء من نفقات البيمارستان وقال ابن تغري بردي: كان مبلغ النفقة عليه في العام سبعة آلاف دينار.

البيمارستان المقتدري

عدل

في سنة 603هـ أشار سنان بن ثابت بن قرة على الخليفة المقتدر بالله أن يتخذ بيمارستاناً ينسب إليه فأمره باتخاذه فاتخذه له في باب الشام وسماه البيمارستان المقتدري وأنفق عليه من ماله في كل شهر مائتي دينار.

الأطباء الذين خدموا البيمارستان المقتدري
عدل

1 - يوسف الواسطي الطبيب كان ملازما لبيمارستان المقتدر وقرأ عليه جبريل بن بختيشوع.

2 - جبريل بن عبيد الله بن بختيشوع كان عالما فاضلا متقنا لصناعة الطب كان من أطباء المقتدر ولازم البيمارستان والعلم والدرس أقام ببغداد ثلاثين سنة ثم دخل إلى ميافارقين عند الأمير ممهد الدولة وتوفى يوم الجمعة ثامن رجب سنة 396 وكان عمره 85 سنة.

بيمارستان ابن الفرات

عدل

قال أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة في سنة 313 قلداني الوزير الخاقاني البيمارستان الذي أتخذه أبن الفرات درب المفضل ينفق عليه من ماله في كل شهر مائتي دينار.

بيمارستان الأمير أبي الحسن يحكمْ

عدل

قال ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة لما مات الراضي بالله أستدعى الأمير أبو الحسن بجكم والدي سنانا وسأله أن ينحدر إلى واسط ثم أمره فعمل بواسط في وقت المجاعة دار ضيافة وببغداد بيمارستانا يعالج فيه الفقراء ويعلّلون، وأنفق في ذلك جملة، ورفه الرعية وأرفقها وأكرم سنانا غاية الإكرام.

بيمارستان معز الدولة بن بويه

عدل

في سنة 355هـ ابتدأ معز الدولة بن بويه في بناء مارستان وأرصد له أوقافا. وفي المرآة لسبط بن الجوزي: أنه في سنة 355 أمر معز الدولة أن يبنى موضع السجن المعروف بالجديد ببغداد مارستانا وأمر أن يوقف عليه الأوقاف وأن يكون مغل الضياع الموقوفة عليه في كل سنة خمسة آلاف دينار فمات قبل أن يتم.

البيمارستان العضدي

عدل

في صفر من سنة 372هـ فتح البيمارستان العضدي الذي أنشأه عضد الدولة بن بويه في الجانب الغربي من بغداد، ورتب فيه الأطباء والخدم والوكلاء والخزان، ونقل إليه من الأدوية والأشربة والعقاقير شيء كثير ومن كل ما يحتاجه إليه. قال عبيد الله بن جبريل إنه لما عمر عضد الدولة البيمارستان الجديد الذي على طرف الجسر من الجانب الغربي من بغداد كان من الذين جمعهم فيه من كل موضع وأمر الراتب منه أربعة وعشرون طبيبا وكان من جملتهم أبو الحسن علي بن إبراهيم بن بكس وكان دأبة أن يدرس فيد الطب لأنه كان محجوبا، وكان منهم أبو الحسن بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان، وأبو يعقوب الأهوازي وأبو عيسى بقية ونظيف النفس الرومي وبنو حسون وجماعة طبائعيون. قال عبيد الله وكان والدي جبريل قد أصعد على عضد الدولة من شيراز، ورتب في جملة الطبائغيين في البيمارستان وفي جملة الأطباء الخواص، قال: فكان في البيمارستان مع هؤلاء من الكحالين الفضلاء أبو النصر الدّحني ومن الجرائحيين أبو الخير وأبو الحسن بن تفاح وجماعة ومن المجبرين المشار إليهم أبو الصلت. قال ابن خلكان: والبيمارستان العضدي ببغداد هو في الجانب الغربي وغرم عليه مالا عظيما وليس في الدنيا مثل ترتيبه وفرغ من بنائه سنة 368هـ 978م، وأعدّ له من الالات ما يقصر الشرح عن وصفه. وقال جمال الدين بن القفطي: لما عمر عضد الدولة قنا خسرو البيمارستان ببغداد جمع إليه الأطباء من كل موضع فاجتمع فيه أربعة وعشرون طبيبا وابن مندويه الأصفهاني واحد منهم وفي سنة 408 توفي الحاجب الكبير الشباسي أبو نصر مولى شرف الدولة بن بهاء الدولة ولقبه بهاء الدولة بن بويه بالسعيد وكان كثير الصدقة والأوقاف على وجوه القربان فمن ذلك أنه وقف ضياعا على المارستان وكانت تغل شيئا كثيرا من الزرع والثمار والخراج. وقال العيني: استهلت سنة 449هـ والخليفة القائم بأمر الله والسلطان طغر لبك، في هذا الوقت نظر عميد الملك في المارستان العضدي وكان قد خلا من دواء وشراب وكان المرضى على وجه الأرض فوجد عند رأس المريض بصلة يشمها، وعطش بعضهم فقام بنفسه إلى حيث الماء فوجد فيه حمأة ودودا. وكان أبو الحسين بن المهتدي ويعرف بابن العريق قد عرف أن يهوديا يعرف بالهاروني استولى عليه وأكل أوقافه، فاستخلصها من المتغلبين عليها وشرع في العمارة وخلص المارستان من أيدي الطامعين فهاب المتغلبين بخمسة آلف طابق وقيل بعشرة آلاف، وكان على بابه سوق فيه مائة دكان قد دثرت فأعادها وجمع فيه من الأشربة والأدوية والعقاقير التي يعز وجودها شيئا كثيرا، وأقام الفرش واللحف للمرضى، والأراييح الطيبة والأسرة والثلج والمستخدمين والأطباء والفراشين. وكان فيه ثمانية وعشرون طبيبا ونساء طباخات وبوابون وحراس، والحمام، والبستان إلى جانبه فيه أنواع الثمار والبقول والسفن على مائة تنقل الضعفاء والفقراء، والأطباء يتناوبونهم بكرة وعشية ويبيتون عندهم بالنوبة. وكان فيه عدة جباب جمع جب وهو الخابية فيها السكر الطبرزد والأبلوج واللوز والمشمش والخشخاش وسائر الحبوب والبراني الصينية فيها العقاير وأربع قواصر فيها الإهليلج الأصفر والكايلي والهندي وأربع قواصر تمر هندي وزنجبيل وعود وند ومسك وعنبر والراوند الصيني في البراني والترياق الفاروقي وجميع الأفاويه وصناديق فيها أكفان وقدور كبار وصغار وآلات وأربعة وعشرون فراشا. وذكر ابن صابي أشياء ما يوجد في دور الخلفاء مثلها. وفي سنة 569هـ 1173م في رمضان كان الزمان ربيعا فتوالت الأمطار في ديار بكر والجزيرة والموصل فدامت أربعين يوما، فما رأينا الشمس فيها غير مرتين هذا قول ابن الأثير كل مرة مقدار لحظة، وخربت المساكن وغيرها وكثر الهدم ومات تحته كثير من الناس، وزادت دجلة زيادة عظيمة وكان أكثرها ببغداد فإنها زادت على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بغداد بذراع وكسر، وخاف الناس الغرق وفارقوا البلد وأقاموا على شاطئ دجلة خوفا من انفتاح الفورج بمعنى السور أو السد وغيره، وكانوا كلما انفتح موضع بادروا بسده ونبع الماء في البلاليع وخرب كثير من الدور، ودخل الماء إلى المارستان العضدي ودخلت السفن من الشبابيك التي له فإنها كانت قد تقلعت، فمن الله على الناس بنقص الماء بعد أن أشرفوا على الغرق وفي يوم 3 صفر سنة 580هـ 17 مايو سنة 1184م دخل أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير بغداد سائحا ونزل في محلة منها، وكل محلة منها مدينة مستقلة. ومعلوم أن محلاتها كلها في الجانب الغربي من نهر دجلة أما الجانب الشرقي فكانت عمارته محدثة قال: وبين الشارع ومحلة باب البصرة سوق المارستان وهي مدينة صغيرة فيها المارستان الشهر ببغداد وهو على دجلة، وتتفقده الأطباء كل يوم أثنين وخميس ويطالعون أحوال المرضى به، ويرتبون لهم أخذ ما يحتاجون إليه وبين أيديهم قومه يتناولون طبخ الأدوية وجميع مرافق المساكن الملوكية والماء يدخل إليه من دجلة. ومن الحوادث التاريخية العظيمة التي لها اتصال بها المارستان صلب محمد بن محمد أبن بقية وزير عز الدولة بن بويه لما ملك بغداد بعد أخيه، لما كان يبلغه عنه من الأمور القبيحة ثم صلبه بحضرة المارستان العضدي وذلك يوم الجمعة لست خلت من شوال سنة 367 ورثاه أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري بقصيدة مشهورة لم يرث مصلوب بأحسن منها وأولها:

علوّ في الحياة وفي الممات ... بحق أنت إحدى المعجزات

كان الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلات

كأنك قائم فيهم خطيبا ... وكلهم قيام للصلاة

مددت يديك نحوهم احتفاء ... كمدها إليهم بالهبات

ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الممات

أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات

لعظمك في النفوس تبيت ترعى ... بحفاظ وحراس ثقات

وتشعل عندك النيران ليلا ... كذلك كنت أيام الحياة الخ

كتبها الشاعر المذكور ورمى بها نسخا في شوارع بغداد فتداولها الأدباء إلى أن وصل خبرها إلى عضد الدولة وأنشدت بين يديه فتمنى أن يكون هو المصلوب.

الأطباء الذين عملوا بالبيمارستان العضدي
عدل

الأطباء الذين عملوا بالبيمارستان العضدي كثيرون نذكر منهم:

1 - جبريل بن عبيد الله بن بختيشوع: تقدم ذكره في البيمارستان المقتدري.

2 - أبو الحسن علي بن إبراهيم بن بكس: نقل كتبا كثيرة إلى العربي ثم كف بصره وكان مع ذلك يحاول صناعة الطب توفى سنة 394هـ.

3 - أبو الحسن علي بن كشكرابا: كان طبيبا مشهورا ببغداد وكان في خدمة الأمير سيف الدولة بن حمدان ولما بنى عضد الدولة البيمارستان أستخدمه فيه.

4 - أبو يعقوب الأهوازي: كان من جملة الأطباء الذين جعلهم عضد الدولة في البيمارستان الذي أنشأه ببغداد وجعله من جملة المرتبين فيه للطب.

5 - أبو عيسى بقية: كان ضمن الأطباء الذين أختارهم عضد الدولة للعمل في البيمارستان.

6 - نظيف النفس الرومي: كان خبيرا باللغات وكان ينقل عن اليوناني إلى العربي وكان يعد الفضلاء في صناعة الطب أستخدمه عضد الدولة في بيمارستانه وكان يتطير به.

7 - أبو الخير الجرائعي: خببير قيم مشهور الصناعة ممن أختارهم عضد الدولة.

8 - أبو الحسن بن تفاح: جرائحي مشهور أختاره عضد الدولة للبيمارستان.

9 - الصلت: من المجبرين المشهورين الذين أختارهم عضد الدولة

10 - أبو نصر الدعنيي: من الكحالين.

11 - نبو حسون: من الأطباء الذين أختارهم عضد الدولة للبيمارستان عند إنشائه.

12 - عبد الرحيم بن علي المرزبان: أبو أحمد الطبيب المرزباني كان من أهل أصبهان عالما فاضلا بعلم الشريعة وعلم الطبيعة، تقدم في الدولة البويهية وكان قاضيا بتستر وخورستان وكان إليه أمر البيمارستان بمدينة السلام ولم يزل على ذلك إلى أن توفى بتستر في جمادى الأولى سنة 396هـ.

13 - الطيب هو الفيلسوف الإمام العالم أبو الفرج عبد الله بن الطيب اعتنى بشرح كتب كثيرة من كتب أرسطوطاليس في المنطق، وكتب جالينوس في الطب وكان يقرئ صناعة الطب في البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فيه، وكان معاصرا للشيخ الرئيس أبن سينا وتتلمذ له جماعة سادوا وأفادوا كالمختار بن الحسن المعروف بأبن بطلان وأبن بدروج والهروي وبنو حيون وعلي بن عيسى وأبو الحسن البصري وغيرهم وتوفى سنة 435هـ 1043م.

14 - أبو الحسن بن سنان بن ثابت بن قرة الصابي: من البيت المشهور في الطب وهم آل سنان، وكان ساعور البيمارستان ببغداد وكان في حدود سنة 439، ولم يكن بالمقصر في صناعة الطب عن مرتبة أسلافه من آبائه وأجداده ونسبائه.

15 - هارون بن صاعد بن هارون الصابي الطبيب أبو نصر: كان مقدم الأطباء وساعورهم في البيمارستان العضدي توفي ليلة الخميس الثالث من رمضان سنة 444هـ 1052م.

16 - أبو الحسن علي بن هبة الله بن الحسن: من الأطباء المتميزين في صناعة الطب، كان في أيام المقتدي بأمر الله وخدمه بصناعة الطب وخدم ولده المستظهر بالله وكان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي. ولد ليلة السبت في 23 جمادى الآخرة سنة 436هـ 1044م وتوفي ليلة الأحد سادس ربيع الأول سنة 495هـ 1101م.

17 - أمين الدولة بن التلميذ هو موفق الملك أمين الدولة أبو الحسن هبة الله بن أبي العلي صاعد بن إبراهيم بن التلميذ: كان والده أبو العلي صاعد طبيبا مشهورا وكان جده لأمه الحكيم معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن التلميذ، فلما توفي نسب إليه. خدم الخلفاء من بني العباس وارتفعت مكانته لديهم وانتهت إليه رياسة الصناعة ببغداد، وكان ساعور البيمارستان العضدي إلى حين وفاته، وكان خبيرا باللسان السرباني والفارسي ومتجرا في اللغة العربية، عمر طويلا وكان يحضر عند المقتفي كل أسبوع مرة فيجلسه لكبر سنه. وتوفي في صغر سنة 560هـ 1164م وله من العمر 94 سنة.

18 - جمال الدين بن أثردي هو أبو الغنائم سعيد بن هبة الله بن أثردي: من الأطباء المشهورين ببغداد وكان ساعورا للبيمارستان العضدي ومتقدما في أيام الإمام المقتفي لأمر الله.

19 - ابن المارستانية هو أبو بكر عبد الله بن أبي الفرج علي بن نصر بن حمزة عرف بابن المارستانية: كان فاضلا في صناعة الطب وسمع شيئا من الحديث وكان عنده تمييز وأدب وتولى نظر البيمارستان العضدي. توفي في ذي الحجة سنة 599هـ بموضع يقال له جرخ بند ودفن هناك.

20 - أبو علي بن أبي الخير مسيحي بن العطار النصراني النيلي الأصل البغدادي المولد والمنشأ وهو ابن مسيحي بن أبي البقاء: تقدم في زمن أبيه بسمعته وجاهه وجعل ساعورا للبيمارستان. وكان قليل التحفظ في أمر دينه ودنياه، وكان جاه أبيه يستره فلما مات أبوه سنة 608 زال من كان يحترمه لأجله.

بيمارستان محمد بن علي بن خلف ببغداد

عدل

قال الذهبي إن محمد بن علي بن خلف الوزير فخر الملك أبو غالب الصيرفي أنشأ بيمارستانا ببغداد قل أن عمل مثله.

بيمارستان واسط

عدل

في سنة 413هـ أنشأ مؤيد الملك أبو علي الحسن بن الحسن الرُّخجي وزير شرف الدولة بن بهاء الدولة مدبر دولة الخليفة القادر بالله في العراق جميعه، بيمارستانا بواسط وأكثر فيه من الأدوية والأشربة والعقاقير ورتب له الخزَّان والأطباء وغير ذلك مما يحتاج إليه ووقف عليه الوقوف الكثيرة.

البيمارستان الفارقي بميَّافارقين

عدل

قال ابن أبي أصيبعة: إن زاهد العلماء هو الذي بنى بيمارستان ميافارقين وحدثني الشيخ سديد الدين بن رقيقة الطبيب: أن سبب بناء بيمارستان ميافارقين، هو أن نصير الدولة بن مروان صاحب ديار بكر في أيام الخليفة القائم بأمر الله تولى الخلافة سنة 422هـ لما كان بميافارقين مرضت ابنة له وكان يرثي لها كثيرا، فآلى على نفسه أنها متى برئت أن يتصدق بوزنها دراهم فما عالجها زاهد العلماء وصلحت، أشار على نصير الدولة أن يجعل جملة هذه الدراهم التي يتصدق بها تكون في بناء بيمارستان ينتفع به الناس ويكون له بذلك أجر عظيم وسمعة حسنة. قال: فأمر ببناء المارستان وأنفق عليه أموالا كثيرة ووقف له أملاكا تقوم بكفايته وجعل فيه من الآلات وجميع ما يحتاج إليه شيئا كثيرا جدا، فجاء لا مزيد عليه في الجودة وكان مقررا في هذا البيمارستان مجلس للعلم يجيب فيه زاهد العلماء على المسائل والجوابات.

بيمارستان باب محوَّل

عدل

ذكر العيني في حوادث سنة 449هـ أنه كان مارستان في باب محول ولكنه دثر فلا عين ولا أثر، وباب محول محلة كبيرة كانت منفردة بجنب الكرخ ببغداد وكانت متصلة بالكرخ أولا.

بيمارستان الموصل

عدل

قال ابن كثير في سنة 572هـ بنى الأمير مجاهد الدين قايماز نائب قلعة الموصل جامعا الجماع المجاهدي حسنا ورباطا ومدرسة ومارستانا متجاورات بظاهر مدينة الموصل على دجلة. وأوقف عليه الأوقاف. وذكر الصفدي في الوافي بالوفيات: أن الحسن بن علي ابن سعيد بن عبد الله علم الدين أبو علي الشاقلاني كان يحب الحديث فكان في كنف جمال الدين بن محمد بن علي بن أبي منصور وزير الموصل، كثير الأفضال عليه فولاه البيمارستان بالموصل وبعد وفاته وفد على نور الدين الشهيد فأكرمه إلى أن مات سنة 572هـ وفي سنة 580هـ زار الموصل أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الرحالة المغربي فذكر أن أحد أمراء بلدة الموصل وكان يعرف بمجاهد الدين بنى جامعا على شط دجلة وأمامه مارستان حفيل من بناء مجاهد الدين المذكور وحوالي سنة 728هـ دخل الرحالة ابن بطوطة مدينة الموصل فوجد بها مارستانا أمام مسجدها الجامع.

بيمارستان حرَّان

عدل

ذكر أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الرحالة المغربي في رحلته إلى المشرق حوالي سنة 580هـ أن ببلدة حرّان مدرسة وبيمارستانا.

بيمارستان الرَّقة

عدل

لم نعرف عن هذا البيمارستان شيئا سوى ما ذكره ابن أبي أصيبعة من أن الحكيم بدر الدين ابن قاضي بعلبك خدم بالرَّقة في البيمارستان الذي بها وصنف مقالة حسنة في مزاج الرقة وأحوال هويتها وما يغلب عليها وأقام بها سنين.

بيمارستان نصيبين

عدل

قال ابن بطوطة الرحالة المغربي زرنا مدينة نصيبين حوالي سنة 720هـ وهي مدينة عتيقة متوسطة قد خرب أكثرها وهي بسيط أفيح. فيه المياه الجارية والبساتين الملتفة والأشجار المنتظمة والفواكه الكثيرة وبها يصنع ماء الورد الذي لا نظير له في العطارة والطيب ويدور بها نهر يعطف عليها انعطاف السوار، منبعه من عيون في جبل قريب منها، وينقسم انقساما فيتخلل بساتينها. ويدخل منه نهر إلى المدينة فيجري في شوارعها ودونها ويخترق صحن مسجدها الأعظم وينصب في صهريجين أحدهما وسط الصحن والآخر عند الباب الشرقي وبهذه المدينة مارستان ومدرستان وأهلها أهل صلاح ودين.

بيمارستانات الشام

عدل

بيمارستان الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي

عدل

قال الشيخ أبو العباس أحمد الفلقشندي: إن أول من اتخذ البيمارستان بالشام للمرضى الوليد بن عبد الملك وهو سادس خلفاء بني أمية تولى الخلافة سنة 86هـ - 705م وقال رشيد الدين ابن الوطواط: أول من عمل البيمارستان وأجرى الصدقات على الزمنى والمجذومين والعميان والمساكين واستخدم لهم الخدّام الوليد بن عبد الملك. وقال تقي الدين المقريزي: أول من بنى البيمارستان في الإسلام ودار المرضى الوليد بن عبد الملك. وهو أيضا أول من عمل دار الضيافة وذلك سنة 88هـ 706م وجعل في البيمارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق وأمر بحبس المجذمين لئلا يخرجوا وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق ولم يصل إلينا أي علم أو إشارة عن المكان الذي أنشأ فيه الوليد البيمارستان.

بيمارستان إنطاكية

عدل

جاء في كتاب كنوز الذهب في تاريخ حلب عن المختار بن الحسن بن بطلان: أنه هو الذي بنى البيمارستان بإنطاكية وقال: وقفت على مقالة وضعها ابن بطلان في علة نقل الأطباء تدبير الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة، ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء صنفها سنة 455هـ 1063م بإنطاكية قال في آخرها: قال المختار بن الحسن: صنفت هذه المقالة لصديق لي وأنا يومئذ مكدود الجسم منقسم الفكر في جمع الآلات لبناء بيمارستان إنطاكية. وقال جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي في سياق كلامه عن إنطاكية ودخول ابن بطلان إليها نقلا عن ابن بطلان نفسه: وفي البلد بيمارستان يراعي البطريرك المرضى فيه بنفسه. وكذلك قال ابن أبي أصيبعة عن مقالة ابن بطلان في علة الأطباء: وصنف ابن بطلان هذه المقالة بإنطاكية سنة 455هـ وكان في ذلك الوقت قد أهل لبناء بيمارستان بإنطاكية.

ابن بطلان

عدل

هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان نصراني من أهل بغداد: خرج من بغداد إلى مصر قصدا منه إلى مشاهدة علي بن رضوان الطبيب، وكان دخوله إلى الفسطاط في مستهل جمادى الآخرة سنة 441هـ 1049م وأقام بها ثلاث سنين وذلك في دولة المستنصر بالله الفاطمي، وجرت بينهما مناظرة ومنافرة؛ وألف ابن بطلان كتابا تضمن كثيرا مما وقع بينه وبين ابن رضوان، وسافر ابن بطلان إلى قسطنطينية وأقام بها سنة ثم ورد إنطاكية وبنى بها البيمارستان إلى أن توفي سنة 455هـ وقيل 458هـ.

المارستان الصغير بدمشق

عدل

ذكر ابن العماد في شذرات الذهب: المارستان الصغير بدمشق أقدم من المارستان النوري وكان مكانه في قبلة مطهرة الجامع الأموي وأول من عمره بيتا وخرب رسوم المارستان منه أبو الفضل الأخناوي، ثم ملكه بعده أخوه البرهان الأخناوي وهو تحت المئذنة الغربية بالجامع الأموي من جهة الغرب وينسب إلى أنه عمارة معاوية أو ابنه.

البيمارستان الكبير النوري

عدل

ملك السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي دمشق سنة 549هـ 1154م، وكان قد أسر بنفسه في بعض الغزوات بعض ملوك الفرنج، فاستشار الأمراء فيه: هل يقتله أو يأخذ منه ما يبذله من المال في الفداء؛ فاختلفوا عليه ثم حسن له رأيه أطرقه وأخذ الفداء. فحين جهز بعث الفداء مات ببلده فأعجب ذلك نور الدين وأصحابه، وابتنى نور الدين من ذلك المال البيمارستان الذي بنى بدمشق وهو أحسن ما بني من البيمارستان بالبلاد ومن شرطه: أنه على الفقراء والمساكين وإذا لم يوجد بعض الأدوية التي يعز وجودها إلا فيه فلا يمنع منه الأغنياء، ومن جاء إليه مستوصفا فلا يمنع من شرابه. ولهذا جاء إليه نور الدين وشرب من شرابه رحمه الله. ويقول بعض الناس: إنه لم تخمد منه النار منذ بني إلى زماننا أي زمان ابن كثير الذي ننقل عنه هذا الكلام وقد توفي سنة 774هـ وقال ابن جبير، وقد دخل دمشق سنة 580: وبها مارستان قديم وحديث والحديث أحفلهما وأكبرهما وجرايته في اليوم نحو الخمسة عشر دينارا وله قومة وبأيديهم الأزمة المحتوية على أسماء المرضى وعلى النفقات التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية وغير ذلك حسبما يليق بكل إنسان منهم، والأدباء يبكرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية. والمارستان الآخر على هذا الرسم لكن الاحتفال في الجديد أكثر وهذا المارستان القديم هو غربي الجامع المكرم. وللمجانين المعتقلين أيضا ضرب من العلاج وهم في سلاسل موثوقون. وهذه المارستانات مفخر عظيم من مفاخر الإسلام. وقال ابن أبي أصبيعة لما أنشأ الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي البيمارستان الكبير، جعل أمر الطب فيه إلى أبي المجد بن أبي الحكم بن عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي، وأطلق له جامكية وجراية، وكان يتردد إليه ويعالج المرضى فيه، وكان أبو المجد بن أبي الحكم يدور عليهم ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى، فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك. ثم قال: وبعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي ويجلس في الإيوان الكبير الذي بالبيمارستان، وجميعه مفروش، ويحضر كتب الاشتغال. وكان نور الدين رحمه الله قد وقف على هذا البيمارستان جملة كتب من الكتب الطبية، وكانت في الخرستانين اللذين في صدر الإيوان فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون إليه ويقعدون بين يديه، ثم تجري مباحث طبية ويقرئ التلاميذ ولا يزال معهم في اشتغال ومباحتة ونظر في الكتب مقدار ثلاث ساعات. قال جمال الدين بن تغري بردى في سنة 597 جاءت في شعبان زلزلة من مصر امتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق وأكثر الكلاّسة والبيمارستان النوري. وقال خليل بن شاهين الظاهري بعد أن زار دمشق: وبها مارستان لم ير مثله في الدنسا قط، واتفقت نكتة أحببت أن أذكرها: وهي أني دخلت دمشق في سنة 831هـ 1427م وكان بصحبتي رجل عجمي من أهل الفضل والذوق واللطافة وكان قصد الحج في تلك السنة فلما دخل البيمارستان المذكور ونظر ما فيه من المآكل والتحف واللطائف التي لا تحصى، قصد اختبار رجال البيمارستان المذكور فتضاعف تمارض وأقام به ثلاثة أيام، ورئيس الطب يتردد إليه ليختبر ضعفه فلما جس نبضه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة والدجاج المسمنة والحلوى والأشربة والفواكه المتنوعة. ثم بعد ثلاثة أيام كتب له ورقة من معناها: أن الضعيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام. وهذا في غاية الحذاقة والظرافة. وقيل إن البيمارستان المذكور منذ عمر لم تنطفئ فيه النار. ولما أتى بدر الدين ابن قاضي بعلبك إلى دمشق ولاه الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود بن الملك العادل بعد أن تملك دمشق في سنة 635 الرياسة على جميع الأطباء والكحالين والجرائحيين، فلم يزل مجتهدا حتى اشترى دورا كثيرة ملاصقة للبيمارستان الكبير النوري وتعب في ذلك تعبا كثيرا واجتهد بنفسه وماله حتى أضاف هذه الدور المشتراة إليه، وجعلها من جملته، وكبر بها قاعات كانت صغيرة وبناها أحسن البناء وشيدها وجعل الماء فيها جاريا فتكمل بها البيمارستان وذكر ابن الوردي: أنه في سنة 728هـ جاء سيل عظيم على عجلون دمشق خرب سوق التجار والمارستان والدباغة وبعض الجامع. وذكر ابن تغري بردى أن شيخ الإسلام شهاب الدين الغزي المتوفى سنة 822 تولى نظر البيمارستان النوري. وذكر السخاوي: أن الشيخ المؤرخ تقي الدين المقريزي كاتب التوقيع في ديوان الإنشاء بمصر والمتوفى سنة 845هـ، كان قد دخل دمشق مرارا وتولى بها نظر وقف القلانسي والبيمارستان الكبير النوري مع كون شرط نظره لقاضيها الشافعي، وهذا يشبه بالتمام نظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة فإنه لقاضيها الشافعي. وقد كان البيمارستان الكبير النوري من المكانة بحيث كان النظر عليه لنائب السلطنة بدمشق قال القلقشندي: ومن الوظائف الديوانية الكبيرة بدمشق نظر البيمارستان الكبير النوري وقد صار معدوقا بالنائب أي نائب السلطنة يفوض التحدث فيه إلى من يختاره من أرباب الأقلام وكذلك يكون معه نظر الجامع الأموي بدمشق. ولبيان حال هذا المارستان في العصور المتأخرة وما كان عليه من الأهمية والمكانة ننقل هنا ما ذكره المحبي بصدده قال: إن حسن باشا بن عبد الله الأمين المعروف بشوريزه حسن، أحد صدور دمشق وأعيانها المتوفى سنة 1027هـ ولي وقف البيمارستان الكبير النوري فأقام شعائره بعد أن كانت اضمحلت وعمر أوقافه وأتى فيه من حسن التنمية بما لا مزيد عليه. وأخبرني العالم الجليل الأستاذ محمد كرد علي بك من أعلام دمشق حالا: أن البيمارستان الكبير النوري ظل عامرا يعالج فيه المرضى إلى سنة 1317هـ 899م وكان أطباؤه وصيادلته لا يقلون عن العشرين حتى قامت بلدية دمشق في عهد ولاية حسين ناظم باشا والي سوريا سابقا بإنشاء مستشفى للغرباء في الجانب الغربي من تكية السلطان سليمان، المطلة على المرج الأخضر، وجمعت له الإعانات بأساليب مختلفة، من واردات البلدية وأوقاف البيمارستان النوري لتنفق عليه، وسمي المستشفى الحميدي نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الذي بنى المستشفى الجديد في عهده وهكذا خلف المستشفى الحميدي البيمارستان النوري نفسه فقد جعل مدرسة للبنات ولا تزال واجهته على حالها وبها بعض الحجرات والنوافذ من البناء القديم وسطت الأيام على بقية البيمارستان فعفا أثرها. وهذه صورة ما هو مكتوب على الباب الداخلي تحت القبة الظاهرة في الشكل 9 وفيه إشارة إلى من جدد بناءه: بسم الله الرحمن الرحيم: والذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا وقال رسول الله : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينفع أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية والمولى الشهيد السلطان الغازي في سبيل الله نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي قدس الله روحه ممن جمع الله سبحانه وتعالى لذاته وصف العالمين. ومن شرط وقفه الذي أشهد به على نفسه أنه وقف على البيمارستان المعروف باسمه وجعله مقرا لتداوي الفقراء والمنقطعين من ضعفه المسلمين الذين يرجى برؤهم وهو يستعدي إلى الله تعالى على من يساعد في تغيير مصارف وقفه وإخراجها عما شرط حاكمه وتخاصمه بين يديه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا. وجدد ما كان تهدم من بنائه وبناء أوقافه في الأيام السلطانية العادلة المنصورية الصالحة خلد الله سلطانها بنظر الفقير إلى الله تعالى عمر بن أبي الطيب غفر الله له ولمن أعانه من البنائين على عمارة هذا الوقف المبارك وكان الفراغ منه في العشر الأوسط من شهر ربيع الآخر.

الأطباء الذين عملوا في البيمارستان الكبير النوري

عدل

1 - مهذب الدين ابن النقاش: هو الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أبي عبد الله عيسى بن هبة الله النقاش مولده ومنشؤه ببغداد، عالم بعلم العربية والأدب واشتغل بصناعة الطب وكان له مجلس علم للمشتغلين عليه. وتوجه إلى مصر وأقام بالقاهرة مدة ثم رجع إلى دمشق وخدم بصناعة الطب الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، وكان يعاني كتابة الإنشاء وخدم في البيمارستان الكبير النوري وكانت وفاته يوم السبت 12 محرم سنة 574هـ 1178م.

2 - موفق الدين بن المطران: هو الحكيم العالم موفق الدين أبو نصر أسعد بن أبي الفتح إلياس بن جرجس المطران: كان مولده ومنشؤه بدمشق وكان أبوه أيضا طبيبا. وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأسلم ابن المطران في أيامه. وكانت له همة عالية في تحصيل الكتب ومات وفي خزانة كتبه ما يناهز عشرة آلاف من الكتب الطبية. وكان ابن المطران بالبيمارستان الكبير النوري يعالج المرضى المقيمين به توفي في شهر ربيع الأول سنة 587هـ 1191م بدمشق.

3 - ابن حمدان الجرائحي: كان من جملة أطباء البيمارستان الكبير النوري ومعاصرا لموفق الدين بن المطران.

4 - أبو الفضل بن عبد الكريم المهندس: هو مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الحارثي: مولده ومنشؤه بدمشق وكان يعرف بالمهندس لجودة معرفته بالهندسة قبل أن يتحلى بمعرفة صناعة الطب، واشتغل أيضا بصناعة النجوم وعمل الزيج وكانت له جامكية لطبه في البيمارستان الكبير النوري وبقي فيه إلى أن توفي سنة 599هـ 1202م بدمشق وعاش نحو السبعين.

5 - موفق الدين عبد العزيز: هو الشيخ الإمام موفق الدين عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي: كان كثير الخير شديد الشفقة على المرضى وكان في أول الأمر فقيها ثم اشتغل بعد ذلك بصناعة الطب وخدم في البيمارستان الكبير النوري، خدم الملك العادل أبا بكر بن أيوب وتوفي بدمشق في يوم الجمعة 20 ذي القعدة سنة 604هـ 1207م وعمر نحو الستين سنة.

6 - كمال الدين الحمصي: هو أبو منصور المظفر علي بن ناصر القرشي اشتغل بصناعة الطب والأدب وكان محبا للتجارة وأكثر معيشته منها ويكره التكسب بصناعة الطب، وبقي سنين يتردد إلى البيمارستان الكبير النوري ويعالج المرضى فيه احتسابا إلى أن توفي في يوم الثلاثاء 9 من شعبان سنة 612هـ 1215م

7 - رشيد الدين علي بن خليفة: هو أبو الحسن علي بن خليفة ابن يونس بن أبي القاسم بن خليفة بن الخزرج مولده بحلب سنة 579هـ 1183م ثم توجه إلى مصر واشتغل بصناعة الطب، ولازم جمال الدين بن أبي الحوافر رئيس الأطباء بمصر وملكها العزيز عثمان بن الملك الناصر صلاح الدين ولازم مشاهدة المرضى بالبيمارستان. وفي سنة 593هـ انتقل إلى الشام وباشر المرضى في البيمارستان الكبير النوري وجعل له مجلسا لتدريس صناعة الطب توفي يوم الاثنين في 17 شعبان سنة 616هـ.

8 - مهذب الدين عبد الرحيم بن علي: هو الشيخ الإمام العالم مهذب الدين أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد ويعرف بالدخوار مولده ومنشؤه دمشق، وكان أبوه كحالا مشهورا. وخدم مهذب الدين كحالا بالبيمارستان الكبير النوري ثم اشتغل بصناعة الطب ثم توجه إلى الديار المصرية، وخدم الملك العادل أبا بكر ابن أيوب وولاه رياسة الطب بمصر والشام. ثم أقام بدمشق وتولى العلاج بالبيمارستان الكبير النوري ثم شرع في تدريس صناعة الطب واجتمع إليه كثير من أعيان الأطباء ووقف داره وجعلها مدرسة للطب ووقف لها ضياعا وعدة أماكن وتوفي ليلة الاثنين 15 شهر صفر 628هـ 1230م.

9 - مهذب الدين أحمد بن الحاجب: كان طبيبا مشهورا في الصناعة الطبية متقنا للعوالم الرياضية بالأدب مولده بدمشق ونشأ بها وخدم بصناعة الطب البيمارستان الكبير النوري.

10 - ابن اللبودي: هو العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبدان بن عبد الواحد بن اللبودي: أتقن الحكمة وصناعة الطب وكان له مجلس لتدريس هذه الصناعة وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر. وأقام عنده بحلب، ثم أتى إلى دمشق وأقام بها يدرس الطب ويطب في البيمارستان الكبير النوري، وتوفي بدمشق في 4 ذي القعدة سنة 622هـ وله من العمر 51 سنة.

11 - عمران الإسرائيلي: هو الحكيم أوحد الدين عمران بن صدقة، مولده بدمشق في سنة 561هـ وكان أبوه طبيبا مشهورا وكان الملك المعظم قد أطلق له جامكية ويتردد إلى البيمارستان الكبير النوري وتوفي في حمص في شهر جمادى الأولى سنة 637هـ 1239م.

12 - سديد الدين بن رقيقة: هو أبو الثناء محمود بن عمر بن محمد بن إبراهيم بن شجاع الشيباني الحانوي ويعرف بابن رقيقة كان مولده سنة 564هـ بمدينة حيني ونشأ بها وكانت له معرفة بصناعة الكحل والجراح، وحاول كثيرا من أعمال الحديد في مداواة أمراض العين وقدح الماء النازل في العين لجماعة وأنجب قدحه وأبصروا. وكان المقدح الذي يعانيه مجوفا وله عطفة ليتمكن في وقت القدح من امتصاص الماء، ويكون العلاج أبلغ وفي سنة 632هـ وصل إلى دمشق إلى السلطان الأشرف وأمر بأن يواظب على معالجة المرضى بالبيمارستان الكبير النوري وتوفي في سنة 635هـ وكان شاعرا مجيدا.

13 - الجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي اشتغل بالفقه وبرع فيه وكان فاضلا في الطب وقد ولي الدخوارية وعاد المرضى بالمارستان على قاعدة الأطباء، وكان مدرسا للشافعية بالفرخشاهية وعيدا بعدة مدارس وكان جيد الذهن مشاركا في فنون كثيرة توفي سنة 649هـ.

14 - سعد الدين بن عبد العزيز: هو الحكيم العالم سعد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي ولد بدمشق سنة 593هـ 1187م وخدم بصناعة الطب البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي في سنة 644هـ 1246م بدمشق.

15 - رضي الدين الرحبي: انظر ترجمته في البيمارستان الناصري 79.

16 - جمال الدين بن الرحبي: هو جمال الدين عثمان بن يوسف ابن حيدرة الرحبي أخو السابق، اشتغل بصناعة الطب على والده بدمشق وخدم بالبيمارستان الكبير النوري وبقي به سنين ولما وصل التتار إلى الشام سنة 657هـ 1258م توجه إلى مصر وأقام بها وتوفي بالقاهرة سنة 658هـ 1259م.

17 - شرف الدين بن الرحبي: هو شرف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي. ولد بدمشق سنة 583هـ 1187م واشتغل بصناعة الطب وخدم مدة في البيمارستان الكبير النوري ودرس بالمدرسة الدخوارية وتوفي سنة 667هـ 1268م.

18 - شمس الدين محمد الكلّي: هو الحكيم العالم أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي المحاسن، كان أبوه أندلسيا وأتى إلى دمشق ونشأ شمس الدين بدمشق وقرأ صناعة الطب وحفظ كليات القانون حفظا جيدا، ولذلك قيل له الكلّي. وخدم بصناعة الطب الملك الأشرف موسى بدمشق قم في البيمارستان الكبير النوري.

19 - عز الدين بن السويدي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد كان أبوه تاجرا من السويداء بحوران، ولد بدمشق سنة 600هـ 1203م ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب وقرأ علم الأدب وأتقن العربية وأجاد الشعر وخدم في البيمارستان الكبير النوري وفي بيمارستان باب البريد وكان مدرسا بالدخوارية.

20 - عماد الدين الدنيسري: هو عماد الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي الخطيب تقي الدين عباس بن أحمد بن عبيد الربعي مولده بدنيسر في سنة 605هـ ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب وتميز في الأدب والفقه خدم في البيمارستان الكبير النوري.

21 - بدر الدين بن قاضي بعلبك: هو الحكيم العالم بدر الدين المظفر ابن القاضي الإمام مجد الدين عبد الرحمن بن إبراهيم نشأ بدمشق واشتغل بصناعة الطب وخدم في البيمارستان الذي بالرقة. وصنف مقالة في مزاج الرقَّة أحوال أهويتها. ثم أتى إلى دمشق وخدم الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مردود وذلك في سنة 635هـ. وولي رياسة جميع الأطباء والكحالين والجرائحيين والبيمارستان الكبير النوري وقرأ الفقه والتفسير.

22 - جمال الدين بن عبد الله: بن عبد السيد أسلم مع والده الذبان وكان من أطباء المارستان النوري بدمشق توفي سنة 735هـ ودفن في قبر أعده لنفسه.

23 - عبد الله بن عبد الحق: بن إبراهيم بن محمد بن عبد الحق رئيس الجرائحية جمال الدين ابن رئيس الأطباء شمس الدين القاهري ويعرف بابن عبد الحق: ولد قبل القرن ودخل في سفره مع أبيه الشام في خدمة الناصر فرج، وتميز في صناعة الطب وباشر رياسة الجرائحية وقتا وتقدم في أيام الأشرف إينال ولم ينفك عن ملازمة البيمارستان كل يوم مات في ربيع الأول سنة 891هـ ودفن بتربة ابن جماعة بالقرب من الصوفية.

البيمارستان النوري أو العتيق بحلب

عدل

ذكر ابن القفطي أن المختار بن الحسن بن عبدون المعروف بابن بطلان خرج من بغداد في مستهل شهر رمضان سنة 440هـ مصعدا، فوصل إلى حلب فوجد فيها جامعا وست بيع وبيمارستانا صغيرا. وروى صاحب كنوز الذهب في تاريخ حلب أن المختار بن الحسن بن عبدون المعروف بابن بطلان هو الذي وضع البيمارستان بحلب وجدّد نور الدين محمود بن زنكي عمارته. وقال في الدر المنتخب: إن البيمارستان النوري بناه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب داخل باب إنطاكية بالقرب من سوق الهواء في محلة الجلّوم الكبرى في الزقاق المعروف الآن بزقاق البهرمة. ويقال: إن الملك العادل نور الدين تقدم إلى الأطباء أن يختاروا في حلب أصح بقعة صحيحة الهواء لبناء البيمارستان بها، فذبحوا خروفا وقطعوة أربعة أرباع، وعلقوها بأرباع المدينة ليلا فلما أصبحوا وجدوا أحسنها رائحة الربع الذي كان في هذا القطر، فبنوا المارستان فيه. ووقفت عليه قرية معراتا ونصف مزرعة وادي العسل من جبل سمعان وخمسة أفدنة من مزرعة كفر تابا وثلت مزرعة الخالدي وطاحونا من المطخ وثمن طاحون ظاهر باب الجنان وثمانية أفدنة من مزرعة أبو مرايا من غراز، زخمسة أفدنة من مزرعة الحميرة من المطخ واثني عشر فدانا من مزرعة الغرزل من المعرّة وثلث قرية بيت راعيل من العزبيات وعشرة دكاكين بسوق الهواء وهو الآن معروف بسوق الجمرك منها ثلاثة تمام، والباقي شركة الجامع الكبير وأحكار ظاهر باب إنطاكية وباب الفرج وباب الجنان. ومكتوب على البيمارستان عند باب البهرمة: بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله الملك العالم العامل المجاهد المرابط الأعز الكامل صلاح الدنيا والدين قسيم الدولة رضي الخلافة تابع الملوك والسلاطين، ناصر الحق بالبراهين، محيي العدل في العالمين، قامع الملحدين، قاتل الكفرة والمشركين، أبو القاسم محمود ابن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين أدام الله دولته، بتولي العبد الفقير إلى رحمة مولاه، عقبة ابن أسعد الموصلي وعلى بابه مكتوب عمره السلطان نور الدين بتولي ابن أبي الصعاليك. وفي هذا المارستان قاعة للنساء مكتوب عليها: عمر هذا المكان في دولة صلاح الدين يوسف بن أيوب، بتولي أبي المعالي محمود بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي الشافعي في شهر رمضان سنة 655هـ 1257م وعلى إيوانه أنه عمر في أيام الأشرف شعبان، وأن هذا الإيوان وقاعة النساء الصيفية أنشأها صالح سبط ابن السفاح، وعلى الشباك الذي على بابه: أنه أحدث في سنة 840هـ 1436م على يد الحاج محمد البيمارستاني وقاعة المنسهلين كانت سماوية فأسقفها القاضي شهاب الدين ابن الزهري. وهو بيمارستان مبارك يستشفي به وهو نير شرح ومفروش من الرخام وبه بركتا ماء يأتي إليهما الماء الحلو من قناة حبلان. وقال الفلقشندي عن حلب: وبها بيمارستان حسن لعلاج المرضى. وقال: من الوظائف الديوانية نظر البيمارستان وقد تقدم الكلام على مدينة حلب أن بها بيمارستان أحدهما يعرف بالعتيق والآخر بالجديد ولكل منهما ناظر يخصه، وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم. ولعل العتيق منهما هو الذي أنشأه نور الدين محمود بن زنكي وهو هذا، والثاني منهما وهو الجديد هو الذي أنشأه الأمير أرغون الكاملي بحلب وسيأتي ذكره بعد. قال صاحب أعلام النبلاء وهو الآن خراب ولم يبق منه سوى بابه وجدران أطرافه تأوي إليه الفقراء من الغرباء. ومن الغريب أن معتمد إيكاليا أدولف صولا عمر فوق باب البيمارستان المذكور قنطرة وجعل طرفا تحت أطراف قصر داره التي تجاه البيمارستان المذكور حفظا للقصر وذلك منذ خمسة عشر عاما وكان ذلك في ليلة واحدة ولم ينتطح لذلك عنزان، غايته أن المتولي على البيمارستان رفع الأمر إلى الحكومة وإلى المجلس البلدي فلم يلتفت إليه وكأن الحادثة لم تكن. وجاء في مجلة الدراسات الإسلامية التي تصدر بالفرنسية عن سنة 1931م عن حال البيمارستان الحاضرة أنه: أسمه نور الدين في أواسط القرن الثاني عشر الميلادي وأجري فيه إصلاح في القرن الخامس عشر. وقد تغيرت معالمه بسبب تحويله إلى مساكن ومع ذلك فإنه يجب المحافظة عليه مثالا من الآثار التي يقل مثلها في العالم الإسلامي. وباب الدخول إليه انظر الصورة 10 لا يزال حافظا لمصراعيه الأصليين وهو مزين بقطع مربعة من صفائح الخشب المنقوش وداخل البيمارستان في حالة من الإهمال لا يمكن وصفها والبوابة منفصلة عن مكانها والواجهة مائلة إلى جهة الشارع وأول شيء يجب عمله فيه هو أن يخلى من ساكنيه ثم يشرع في تنظيفه. وممن عرف من الأطباء الذين خدموا بالبيمارستان النوري بحلب عدا ابن بطلان:

1 - هاشم بن محمود: ابن السيد ناصر الدين السروجي. الحسيني رئيس الأطباء بالمارستان النوري بحلب توفي سنة 964هـ.

بيمارستان باب البريد

عدل

جاء ذكر هذا البيمارستان عرضا في ترجمة عز الدين السويدي فإنه كان طبيبا به وبالبيمارستان الكبير النوري وباب البريد هذا اسم لأحد أبواب جامع دمشق وهو الغربي وتجد ترجمة عز الدين السويدي ضمن أطباء البيمارستان الكبير النوري.

بيمارستان حماة

عدل

دخل ابن جبير في رحلة إلى المشرق مدينة جماة في الضحى الأعلى من يوم السبت في 19 ربيع الأول سنة 580هـ وبعد أن أسهب في وصفها قال: ولها جامع أكبر من الجامع الأسفل ولها ثلاث مدارس ومارستان على شط النهر بإزاء الجامع الصغير.

بيمارستان آخر بحلب

عدل

قال صاحب أعلام النبلاء: على باب الجامع الكبير الشمالي بحلب بيمارستان وله بوابة عظيمة ينسب لابن خرخار والآن قد أغلق بابه، ثم قال: وقد رأيته.

بيمارستان القدس

عدل

رحل السلطان صلاح الدين إلى القدس في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان سنة 583هـ وأمر بتشييد أسواره وزاد في وقف المدرسة التي عملها بالقدس وهذه المدرسة كانت قبل الإسلام تعرف بصند حنه يذكرون أن بها قبر جنة أم مريم عليها السلام، ثم صارت في الإسلام دار علم قبل أن يملك الإفرنج القدس. ثم لما ملك الإفرنج القدس سنة 492م أعادوها كنيسة كما كانت قبل الإسلام، ولما فتح السلطان صلاح الدين القدس أعادها مدرسة وفوض تدريسها إلى القاضي بهاء الدين بن شدَّاد، وأمر بأن تجعل الكنيسة المجاورة لدار الاشبيتار بقرب حمامو مارستانا للمرضى. ووقف عليها مواضع وشهر أدوية وعقاقير غزيرة وفوض القضاء والنظر في هذه الوقوف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع أبي تميم. وقال النويري: قد عزم السلطان صلاح الدين على الحج ثم عاد إلى القدس ورتب أحواله وعين الكنيسة التي في شارع قمامة البيمارستان ونقل إليه العقاقير والأدوية. وأشار ابن القفطي إلى بيمارستان القدس بقوله: إن يعقوب ابن صقلان النصراني أقام على حالته بالقدس في مباشرة البيمارستان إلى أن ملكه المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر أبن أيوب سنة 615هـ. وقد كتب إلي الأستاذ العالم عادل جبر بك مدير المتحف الإسلامي ودار الكتب بالقدس الشريف، عن هذا المارستان فقال: إن بالقدس حارة تسمى الدباغة والمشهور المتداول على ألسنة الناس أن البيمارستان الصلاحي كان في هذه الجهة ثم أدركه الخراب كما أدرك غيره من الآثار ثم حدثت زلزلة في سنة 863هـ 1458م فجعلته أثرا بعد عين فعفيت آثاره واختلست أرضه وتصرف فيه الحكام وغيرهم من الناس بالبيع والهبة، فوهب السلطان عبد الحميد قسما من خراباته إلى الدولة الألمانية لمناسبة زيارة ولي عهدها للقدس الشريف سنة 1896 فبنى فيه الألمان كنيسة افتتحها الإمبراطور غليوم الثاني سنة 1898 وقال إنهم عثروا في خراباته على حجارة مكتوبة ناطقة باسم صلاح الدين وخلفائه من بعده.

الأطباء الذين خدموا بصناعة الطب في مارستان القدس

عدل

1 - يعقوب بن صقلان النصراني المقدسي المشرقي الملكي مولده بالقدس الشريف، قرأ الحكمة والطب وأقام بالقدس في مباشرة البيمارستان إلى أن ملكه الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل فنقله إلى دمشق فاختص به وارتفعت عنده حاله وأدركه نقرس ووجع مفاصل فأقعده عن الحركة حتى قيل إن الملك المعظم إذا احتاج إليه في أمر مرضه استدعاه في محفة تحمل بين الرجال، وتوفي يعقوب في حدود سنة 626هـ.

2 - رشيد الدين الصوري: هو أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري كان أوحد زمانه في معرفة الأدوية المفردة وماهياتها واختلاف أسمائها وصفاتها وتحقيق خواصها مولده في سنة 573هـ بمدينة صور ونشأ بها ثم انتقل عنها واشتغل بصناعة الطب على الشيخ عبد اللطيف البغدادي، وأقام بالقدس وكان يطب في البيمارستان الذي كان فيه وخدم الملك العادل ثم الملك المعظم عيسى ثم ولده الملك الناصر داود وكان له بدمشق مجلس للطب والجماعة يترددون إليه ويشتغلون بالصناعة عليه وتوفي يوم الأحد أول شهر رجب سنة 639هـ 1242م.

بيمارستان عكا

عدل

في سنة 583هـ بعد أن فتح السلطان صلاح الدين بيت المقدس واستنفذه من أيدي الصليبيين، انصرف إلى دمشق واجتاز في طريقه إلى عكا ولما وصل إليها نزل بقلعتها ووكل بعمارتها وتجديد محاسنها بهاء الدين قراقوش، ووقف دار الإشبتار نصفين على الفقراء والفقهاء وجعل دار الأسقف مارستانا ووقف على ذلك كله أوقافا دارّة وولى نظر ذلك لقاضيها جمال الدين ابن الشيخ أبي النجيب وعاد إلى دمشق مؤيدا منصورا.

بيمارستان صَفَد

عدل

ذكر ابن حجر أن في صفد بيمارستانا عمره الأمير تنكز نائب الشام في زمن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون. وقال محمد بن شاكر الكتي: إن الأمير الكبير سيف الدين تنكز نائب السلطنة بالشام عمر بصفد البيمارستان المعروف باسمه.

بيمارستان الصالحية أو القيمري

عدل

البيمارستان القيمري أو مارستان الصالحية أنشأه وأوقفه الأمير الكبير سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس ابن موسك القيمري الكندي: أكبر أمراء القيامرة ومن أبطالهم المذكورين وصلحائهم المشهورين وهو ابن أخت صاحب قيمر كانوا يقفون بين يديه كما تعامل الملوك. ومن أكبر حسناته وقفه المارستان الذي بسفح قاسيون بالصالحية وكانت وفاته سنة 653هـ ودفن بالسفح في قبته التي تجاه المارستان وكان ذا مال وقروة. وفي سنة 696هـ في يوم السبت النصف من ربيع الآخر شرعت التتار في نهب الصالحية وأخربوا أماكن كثيرة ومنها المارستان بالصالحية وقال ابن العماد: إنه في سنة 856هـ توفي الشيخ زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن داود الحنبلي وكان المتكلم على البيمارستان القيمري، فحصل به النفع من عمارة جهاته وعمل مصالحه ورغب الناس في نفع الفقراء بكل ممكن. وذكر المحبي: أن حسن باشا بن عبد الله الأمين المعروف بشوريزه أحد صدور دمشق وأعيانها المتوفى سنة 1027 كان قد ولي البيمارستان الكبير النوري فأقام شعائره وعمر أوقافه وأتى فيه من حسن التنمية بما لا يزيد عليه، فاستدعاه المولى مصطفى كوجك قاضي القضاة بدمشق لولاية البيمارستان القيمري فأبى حتى أبرم عليه هو ورئيس الأطباء بدمشق الشيخ شرف الدين لاضمحلال حاله، ثم قبله على شريطة أن لا يتناول فيه رئيس الأطباء بعض أشياء عينها ولا يخالط أموره بسوى القدر الفلاني من علوفته فإنه بسبب تجاوزه وتجاوز أمثاله خرب الوقف فقبل القاضي والرئيس شرطه وعمره ونمى وقفه. وهذه صورة ما هو منحوت على وجه المستشفى القيمري في الصالحية بدمشق:

السطر الأول

هذا ما أوقفه وحبسه وأبده الأمير سيف الدين القيمري رحمه الله تعالى على هذا البيمارستان: فمن المرج نصف قرية البحدلية وكذلك قرية المسعودية بكمالها وأيضا قرية المعضادية وأيضا قرية بالا تسعة قراريط ونصف الحصص من الأصقاع الجولانية ودير أيوب عليه السلام بكمالها

السطر الثاني

دير الهرير وطواحينها بكمالها ودير السوج بطواحينها. . والربع منها ومن قرية عترا الربع ومن قرية فادا النصف والثمن من تل سرية ثلاث قراريط ونصف من المسقف من حصة بن مخشي بقيسارية قيراطين بالفسقار مضمون برسم الشوي وفي صفة نوح سبعة عشر حانوت. . والحصة من الدار؟ ربع قيراط.

سطر علوي مفرق

وخان التوتة بحد السماق بكماله وحصة بطاحونة باب توما أربع قراريط وخان شمالي المارستان يشتمل على بيوت جملة وقاعة بشرقي المارستان حوانيت ومصاغ باب المارستان سبعة عشر حانوت قاعة وحجرة وإصطبل تحتها وقف أمين الدين بدال بالقصاعين. اه وتحت ذلك:

السطر الأول

بسم الله الرحمن الرحيم. أمر ببناء هذا المارستان المبارك العبد الفقير الراجي رحمة ربه الكريم الأمير الأجل الكبير والغازي المجاهد المؤيد المظفر المنصور سيف الدين ملك الأمراء نصرة الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين نصير أمير المؤمنين أبو الحسن الإمام عز الدين يوسف أبن المظفر ضياء الدين أبي الفوارس القيمري.

السطر الثاني

طلب ثواب تعالى وابتغاء مرضاته يوم يجزي الله المصدقين ولا يضيع الله أجر المحسنين في أيام مولانا السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبن مولانا السلطان العزيز خلد الله ملكه وسلطانه من نعمة مولانا السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب أبن الملك الكامل محمد قدس الله روحهما وجعل النظر. .

السطر الثالث

جميع الأماكن الموقوفة على هذا المكان المبارك إلى الأمير الكبير ناصر الدين ملك الأمراء والمقدمين مشد دار الملوك والسلاطين ظهير أمير المؤمنين لينظر فيه ناظرا وحاكما بموجب الشرع العزيز ومقتضاه على ما هو مذكور في كتاب الوقف. . الله منشئه وأثاب الناظر فيه وبعد ذلك جعل له النظر على المدرسة وأناب فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم. اه. وجاء في خطط الشام ج6 ص 163 ما يأتي: قرأت في كتاب الجوامع والمدارس صورة وقف البيمارستان القيمري فإذا فيه: هذا وقف أبي الحسن بن أبي الفوارس القيمري على بيمارستانه في الصالحية على معالجة المرضى والمعاجين والأشربة وأجرة الطبيب يصرف إلى الطبيب في كل شهر: لواحد سبعون درهما ونصف غرارة من قمح، والأدنى ستون درهما ونصف غرارة قمح، وللمشارف في كل شهر أربعون درهما ونصف غرارة قمح، وللكحال في كل شهر خمسة وأربعون درهما ونصف غرارة قمح، وللحوائج في كل شهر ثلاثة عشر درهما وربع غرارة قمح، وإلى ثلاثة رجال يقدم لكل من الرجال في كل شهر ثلاثة عشر درهما وسدس غرارة قمح ولمن يقوم بمريضات النساء والمجنونات في كل شهر لكل واحدة عشرة دراهم وسدس غرارة قمح، وإلى الشراب وبائعه لعمل الأشربة والمعاجين في كل شهر ستة وعشرون درهما وثلث عرارة قمح ولأمين المشارفين والمتولين في الوقف إلى كل واحد في كل شهر ستون درهما وغرارة قمح وغرارة شعير، وللإمام في كل شهر أربعون درهما وثلث غرارة قمح وللمعمار المرتب لعمارته في كل شهر ثلاثة عشر درهما وسدس غرارة قمح ويكون بوابا وللحوائج في كل شهر ثمانية دراهم وسدس غرارة، وللناظر العشر عن المغل وريع الوقف ويصرف إلى رجلين اثنين بخدمة البيمارستان عن ثمن قدور ونحاس وفرش ولحف ومخدة وفي كل شهر إلى قيمه والمؤذن بالمسجد بقرب البيمارستان خمسة وعشرون درهما فإن فضل يصرف إلى فكاك الأسارى من الكفار وبعد ذلك عاد فضل يصرف إلى فكاك الأسارى من الكفار وبعد ذلك عاد وقفا على الفقراء وتاريخ الوقفية سنة 652 وتاريخ المسجد سنة 880 ثم ذكر القرى والبساتين والحوانيت والطواحين التي وقفها على بيمارستانه. وممن ولى النظر على البيمارستان القيمري محمد بن قباد المعروف بالسكوني الدمشقي الحنفي مفتي الشام وكانت وفاته سنة 1053هـ. وممن خدم من الأطباء في البيمارستان القيمري بالصالحية.

1 - إبراهيم بن إسماعيل بن القاسم بن هبة الله بن المقداد القيسي كان طبيبا بالبيمارستان بالصالحية وتوفي في جمادى الأولى سنة 741هـ.

بيمارستان الجبل

عدل

كان بقرية نيرب وهي قرية على نصف فرسخ من دمشق بيمارستان يسمى بيمارستان الجبل ولم يعرف شيء عن هذا البيمارستان، ولا عمن أنشأه والزمن الذي أنشئ فيه، غير أن ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات، والذهبي في تاريخ الإسلام قد ذكرا بعض الذين خدموا في هذا البيمارستان من الأطباء وعينا زمنهم فعلمنا بذلك عصره بوجه التقريب وذكر الذهبي في تاريخه أيضا أن التتار لما دخلوا دمشق في سنة 669هـ في 18 جمادى الأولى أحرقوا ومعهم الكرج والأرمن مارستان الجبل وعدة مدارس وأماكن في غاية الحسن والكثرة.

ومن الأطباء الذين خدموا في هذا البيمارستان

عدل

1 - عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحكيم الخطيب الطبيب البارع مجد الدين خطيب النيرب له شعر وأدب وفضائل وكان من فضلاء الحنفية درس بالدماغية وعاش خمسا وسبعين سنة وكان طبيب مارستان النيرب، وفي تاريخ الإسلام للذهبي طبيب مارستان الجبل.

2 - أحمد بن أبي بكر محمد بن حمزة بن منصور الطبيب نجم الدين أبو العباس الهمداني ثم الدمشقي المعروف بالجيلي: طبيب مارستان الجيل ولد سنة خمس أو ست وستمائة ومات في رمضان بدوير أحمد ولي مشارفة الجامع في هذه السنة بعد أخيه لأم الشمس الجيلي توفي سنة 695هـ.

بيمارستان غزة=

عدل

لما توفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وتولى الملك الصالح إسماعيل، رسم للأمير علم الدين سنجر الجاولي الفقيه الشافعي بنيابة غزة فحضر إليها وأقام بها مدة شرع في أثنائها في عمارة الجامع بغزة، وعمر حماما هائلا ومدرسة للشافعية وعمر خانا للسبيل وبنى بغزة مارستانا ووقف عليه عن الملك الناصر أوقافا جليلة، وجعل النظر فيها لنواب غزة وتوفي في 9 رمضان سنة 745 ودفن الأمير سنجر في تربته التي على جبل الكبش ظاهر القاهرة.

بيمارستان الكرك

عدل

هذا البيمارستان أنشأه الأمير علم الدين سنجر الجاولي أبو سعيد المتقدم ذكره والذي أنشأ أيضا مارستان غزة. ولد الأمير سنجر سنة 653 بآمد ثم صار لأمير يقال له جاول في سلطنة الظاهر بيبرس فنسب إليه، ثم انتقل بعده إلى بيت السلطان وأخرج في أيام الأشرف خليل إلى الكرك ثم عمل إستادار صحبة الناصر محمد نيابة عن بيبرس الجاشنكير واستنابه الناصر محمد بعد مجيئه من الكرك سنة 711 فعمر بها قصرا للنيابة وهو أول من مدّنها، فبنى فيها القصر والجامع والحمام والمدرسة للشافعية وخان السبيل والمارستان والميدان ثم قدم إلى مصر ليكون نائبا للحوائج خاناه ثم ولي نيابة غزة وصار من أكبر أمراء مصر وتوفي في تاسع شهر رمضان سنة 745

مارستان حصن الأكراد

عدل

أنشأ هذا المارستان أحد المماليك بهذا الحصن ووجد مكتوبا على عتبة باب هذا المكان ما يأتي: بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذا البيمارستان المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى بكتمر بن عبد الله الأشرفي نائب السلطنة المعظمة بحصن الأكراد أنابه الله تعالى وأوقفه على مرضى المسلمين المقيمين والوردين وذلك في شهور سنة 719هـ 1319م.

وهذا المارستان لم يبق من آثاره إلا هذه الكتابة وبعض الأحجار المستعملة الآن في بناء بعض المنازل الصغيرة المجاورة للبيمارستان وقد أرصد بكتمر بعض الأوقاف للصرف على هذا المارستان. قال ناقل هذه الكتابة: وقد وجدت في بعض البيوت المتخربة قطعة من نص وقفية بكتمر على البيمارستان وهذا نصها: . . . وبسوق البزّ وجميع الدار المجاورة للبيمارستان من جهة الشمال والربع والثمن من الحانوت وبسوق السمانين ومن شروطه أن يبدأ من ريع ذلك بعمارة المارستان وما هو موقوف عليه أثابه الله تعالى. ووجدت وقفية أخرى مكتوبة فوق حجر في جدار أحد المنازل الصغيرة مقابلة للكتابة السابقة وهذه صورتها ونصها: أوقفت الحاجة مريم زوجة ابن المسروري أثابها الله تعالى على هذا الوقف المبارك أربعة عشر سهما من البستان بقرية السحارة الآن خراب وتبعد بمقدار ساعة ونصف عن حصن الأكراد. وحصن الأكراد في السهل المسمى البقاعية يحده من الجنوب جبل عكار وجبل لبنان ومن الشمال جبال النصيرية. وسبب تسميته بحصن الأكراد أن أحد أمراء حمص المرداسيين وهو شبل الدولة نصر بن مرداس صاحب حمص أسكن فيه جماعة من الأكراد الذين أقاموا به هم وأولادهم لحماية الطريق، وذلك سنة 422هـ فنسب إليهم وكان من قبل يسمى حصن الصفح وقد استولى عليه الصليبيون وبقي في أيديهم إلى سنة 669هـ 1271م ثم استرده منهم الملك بيبرس قسيم أمير المؤمنين.

البيمارستان الجديد بحلب أو بيمارستان أرغون الكاملي

عدل

أنشأ الأمير سيف الدين أرغون الكاملي في سنة 755 عمارة البيمارستان المنسوب إليه بحلب داخل باب قنسرين، واجتهد في أمره ورفل في أثواب ثوابه وأجره، وشيد بنيانه؛ ومهد مجالسه وإيوانه، ورفع قواعده، وهيأ بيوته ومراقده، وأعد له الآلات والخدم. ورتب لحفظ الصحة فيه أرباب الحكم وأباحه للضعيف والسقيم، وفتح بابه للراحل والمقيم، ورواه بالمياه الكثيرة وأنفق عليه أموالا غزيرة، وأجرى عيون معلومة وجرايته، ووقف للقيام بمصالحه ما يزيد على كفايته. وقال في ذلك أبن كثير: قولا لأرغون الذي معروفه بالعرف قد أحيا النفوس والأرج أنزلك الرحمن خبر منزل رحب ورقاك إلى أعلى الدرج بنيت دارا للنجاة وللشفا ليس بها على المريض من حرج.

وتوفى الأمير أرغون الكاملي بالقدس الشريف يوم الخميس السادس والعشرين من شوال سنة 758هـ ودفن بتربة أنشأها غربي المسجد بشمال. وكان قد ناب بدمشق مدة ثم صار إلى نيابة حلب ثم سجن بشمال. وكان قد ناب بدمشق مدة ثم صار إلى نيابة حلب ثم سجن بالأسكندرية، ثم أفرج عنه، فقام في القدس الشريف إلى أن كانت وفاته، وكان سلطان مصر إذ ذاك الملك الناصر حسن أبن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور وقلاوون. وهذا البيمارستان هو من البيمارستانات الإسلامية الموجودة إلى اليوم في سوريا ومصر التي حفظت آثارها، فجميع نظامه بتفاصيله لا يزال سليما وله بوابة عظيمة ذات نخاريب، ودهليز ذو أعمدة وإيوائات، وبهو يشتمل على خلوات للمرضى. وبوجهته شقوق وحالة القبة من الداخل رديئة. وأول شئ يجب إجراؤه إلاؤه من ساكنيه الذين أزالوا من أخشابه القديمة الشيء الكثير ثم إصلاحه وترميمه وإصلاح بابه وتكميل ما نقص من قطعه. ومكتوب على باب البيمارستان عند باب قنسرين:

بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا البيمارستان الملك الناصر مولانا السلطان الملك الصالح أبن السلطان الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون خلد ملكه الله والفقير إلى ربه أرغون الكاملي نائب السلطنة المعظمة بحلب المحروسة غفر الله له وأثابه الجنة في شهور سنة 755هـ 1345م وفي أعلام النبلاء: أن محلة هذا البيمارستان كانت بيتا لأمير فتوصل إليه بطريق شرعي، ولم يغير بوابة تلك الدار عن حالها وإنما كتب عليها وهي معمورة، وهذا المارستان له أوقاف مترورة منها قرية بنش من عمل سرمين وغيرها، وكتاب وقفه موجود وقد رتب فيه القراء يقرؤن القرآن طرفي النهار، وخبزا يتصدق به ورتب له جميع ما يحتاج إليه من أشربة وكحل ومراهم وجميع الملطفات، وكان هذا المارستان بكفالة تفري برمس على أتم الوجوه وشرط واقفه أن يكون النظر فيه لمن يكون كافل حلب، ولما تولى جانم الأشرفي كفالة حلب جعل إمامه متكلما على هذا البيمارستان، فصنع له سحابة على إيوانه القبلي على قاعدة بيمارستان القاهرة، إذ في هذه السحابة منفعة للضعفاء تقيهم الحر والبرد. ولما كان بتأريخ ربيع الأول سنة 825هـ أطلع مولانا المقر الأشرف السيفي المالكي الصالحي مولانا الملك الآمر عز نصره وهو الناظر الشرعي على البيمارستان السيفي أرغون الكاملي بحلب المحروسة على ما شرط الواقف أثابه الله في كتاب وقفه فمنع من هو بغير شرط الواقف. ونأتي هنا على وصف مسهب لهذا البيمارستان كما ذكره صاحب أعلام النبلاء قال: تدخل إلى البيمارستان فتجد عن يمينك حجرة هي الآن خربة ثم تدخل الباب الثاني فتجد عن يمينك حجرة أخرى، كانت هاتان الحجرتان لقعود الأطباء ووضع ما يحتاجون إليه من الأدوية والأشربة، ثم تجد صحنا واسعا يحيط بطرفيه الجنوبي والشمالي رواقان ضيقان مرفوعان على أعمدة عظيمة، ووراءهما حجرة صغيرة هي محل حبس المجانين فيها. ثم تدخل من الجهة الشمالية في دهليز وبعد خطوات تجد دهليزين: الذي على اليمين يأخذ إلى باب آخر للمارستان تخرج منه إلى بوابة صغيرة وهو مغلق الآن والدهليز الذي على اليسار يأخذك إلى صحنين حولهما حجرة صغيرة وهي معدة أيضا لحبس المجانين. وهناك يأخذك الهول ويداخل قلبك الروع للظلمة المخيمة على هذه الأمكنة ولا منافذ لها، وروائح العفونة والأقذار منتشرة فيها. ثم قال: وقد بلغنا أنه كان في أطراف الصحن الخارجي وعلى أطراف الحوض الذي في وسطه أنواع الرياحين لينظرها المجانين، وكانوا يأتون بآلات الطرب وبالمغنين فيداوون المجانين بها أيضا. وكان أمره جاريا على الانتظام إلى أواخر القرن العاشر، ومن ذلك الحين أهمل أمره وزالت تلك الأوضاع منه. وكان بلاط الصحن متوهنا جدا فاهتم جميل باشا سنة 1302هـ بتبليطه وتجديد حوضه وترميمه. وكان يسكن في إيوانه الغربي رجل يقال له أبو حيدرة هو وأسرته فكانوا يحافظون على هؤلاء المجانين ويطعمونهم ويرفعون الأقذار من عندهم. ومنذ نحو عشر سنوات أو أزيد بقليل أخذ من كان فيه من المجانين وكانوا نحو عشرين شخصا إلى الأستانة وهو آخر العهد بهم. والآن يسكنه بعض الفقراء وقد كان لبابه حلقتان كبيرتان جميلتا الشكل من النحاس الأصفر، قلعتا منه منذ خمس عشرة سنة وأخذنا إلى متحف الأستانة، ولا ندري أو صلتا إليه أم لا، ويعد هذا البيمارستان من جملة الآثار القديمة الباقية في حلب، غير أنه إذا بقي مهملا على حالته الحاضرة أدى ذلك إلى تداعيه وخرابه. وأما واردات البيمارستان من قرية بنش فإنها حولت سنة 1284هـ 1867م إلى أوقاف الجامع الكبير.

البيمارستان الدَّقاني

عدل

منسوب إلى دقان بن تتش السلجوقي أحد حكام دمشق في عصر السلاجقة قال ابن كثير: في ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر سنة 764 عملت خيمة حافلة بالبيمارستان الدَّقاني جوار الجامع بدمشق بسبب تكامل تجديده قريب السقف مبنيا باللبن حتى قناطره الأربع بالحجارة البلق وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة وفتق في قبلته إيوانا حسنا زاد في أعماقه أضعاف ما كان وبيضه بالجض الحسن المليح وجددت فيه خزائن ومصالح وفرش ولحف جدد وأشياء حسنة، فأثابه الله وأحسن جزاءه وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخواص والعوام ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارة وأخبره عما كان حاله قبل هذه العمارة فاستجاد ذلك من صنيع الناظر وهو الصاحب تقي الدين بن مراجل وذلك في سنة 764هـ والسلطان بالديار المصرية والشامية والحجازية الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ومدبر الممالك بين يديه وأتابك العساكر الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي ودخله السلطان يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفا من المطر.

بيمارستان الرملة بيمارستان نابلس

عدل

ذكر ابن حجر العسقلاني أن ممد بن فضل الله القبطي فخر الدين ناظر الجيش كان قد أسلم وتسمى محمدا وحج عشر مرات وزار القدس، وأحرم مرة من القدس إلى مكة وكانت صدقته في كل يوم ألف درهم وبنى عدة مساجد وعدة أحواض لسقي الماء في الطرقات وله مارستان بالرملة وآخر بنابلس من أعمال فلسطين اتصل بخدمة الناصر محمد ومات في رجب سنة 732.

بيمارستانات الجزيرة العربية

عدل

بيمارستان مكة

عدل

قال تقي الدين أبو الطيب محمد بن أحمد بن علي: وبمكة أوقاف كثيرة على جهات من القربات غالبها الآن غير معروف لتوالي الأيدي عليها. ومن المعروف منها البيمارستان المستنصري العباسي بالجانب الشمالي من المسجد الحرام وتاريخ وقفه سنة 628هـ وعمرها في عصرنا الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة عمارته التي هو عليها الآن، وزاد فيه على ما كان عليه أولا إيوانين أحدهما في جهته الشمالية والآخر في جهته الغربية، وأحدث فيه صهريجا ورواقا فوق الإيوانين اللذين أحدثهما وفوق الإيوان الشرقي الذي كان فيه من قبل وجدد هو عمارته، وفوق الموضع الذي فيه الشباكان المشرفان على المسجد الحرام وأدخل فيه البئر التي كان يستقى منها للميضأة الصرغتمشية ووقف جميع ما بناه وما يستحق منافعه في الموضع المذكور المدة التي يستحقها من الضعفاء والمجانين ووقف عليه منافع الدار المعروفة بدار الإمارة عند باب شيبة بعد عمارته لها حين تخربت بالحريق الذي وقع في آخر ذي القعدة من سنة 814هـ. وذلك بعد استيجاره. واستيجاره للبيمارستان، وأذن له في صرف أجرة الموضعين في عمارتهما وكان استيجاره لذلك في شهر ربيع الأول سنة 815 هو فيها شرع في عمارتهما وكان وقفه لذلك في صفر سنة 718 ووقف المنافع يتمشى على رأي بعض متأخري المالكية وحكم به بعض طلبة المالكية ليثبت أمره وإن كان بعض المعتبرين من المالكية لا يرى جوازه. وقال الشيخ قطب الدين النهروالي المكي: وفي سنة 816هـ عمر شريف مكة يومئذ وهو الشريف حسن بن عجلان بن رميثة جد سيدنا ومولانا شريف مكة الآن سنة 979هـ السيد الشريف حسن بن أبي نمي بن بركات بن محمد بن بركات بن حسن بن عجلان أدام الله تعالى دولته وسعادته بالجانب الشمالي من المسجد الحرام البيمارستان الذي كان وقفا للمستنصر العباشي فخرب ودثر فاستأجره من قاضي القضاة بمكة يومئذ القاضي جمال الدين بن ظهيرة الشافعي إجارة طويلة مائة عام بأربعين ألف درهم بوزن مصر، وأذن القاضي جمال الدين السيد حسن بن عجلان أن يصرف الاجرة المذكورة في عمارة ما تخرب من البيمارستان المذكور وأن يهدم ما يحتاج إلى الهدم ويرمم ما يحتاج إلى ترميم، وأن ينتفع به مدة إجارته فشرع السيد حسن في عمارة البيمارستان المذكور عمارة حسنة، وجدد به ما يحصل به النفع للفقراء، وجدد به إيوانا وصهريجا ووقف جميع ذلك مما عمره ومما يستحق الانتفاع به على الفقراء والمساكين والمرضى والمنقطعين يأوون إلأيه علوا وسفلا وينتفعون بالإقامة والسكن فيه، لا يزعجهم أحد ولا يخرجهم بل يستمرون إلى أن يحصل لهم الشفاء والعافية فيخرجون باختيارهم، فإذا خلا البيمارستان من المرضى عاد الانتفاع لهم وكتب بذلك كتاب وقف على الصورة المشروحة وجعل النظر على ذلك لولديه بركات وأحمد ثم من بعدهما للأرشد فالأرشد من ذرية الذكور دون الإناث من ولد الظهر لا البطن. وثبت ذلك وحكم بصحته القاضي السيد رضي الدين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن الفاسي الحسني المالكي في يوم الجمعة لعشر مضين من صفر سنة 816 وإنما استحكم فيه المالكي لأن متأخريهم أجازوا وقف المنافع وهو خلاف رأي أبي حنيفة والشافعي. واستمر إلى أن خرب ودثر فاستبدل مرارا آخر ذلك في أواخر دولة المرحوم المقدس السلطان سليمان خان بن سليم خان سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان. وقال الشيخ قطب الدين: إن المدرسة الحنفية التي أنشأها سلطان الهند السلطان أحمد شاه الكشراني بجانب البيمارستان، كانت بيده هي والبيمارستان المستنصري وكذلك أوقاف السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودي. قال الشيخ قطب الدين: وأقرأت فيها درسا في الطب ودرسا في الحديث. وفي أوائل القرن التاسع الهجري أوقف الجمال محمد بن الشهاب أحمد البوني من أهل بونه من أعمال تونس بالمغرب الذي سافر إلى مكة وقطن الحجاز على البيمارستان المكي بعض الأماكن. وكان إبراهيم بن محمد برهان الدين الكردي نزيل الحرمين متوليا مشيخة البيمارستان بمكة بعد موت الشمس البلوي، وجدد في أوقافه المكان المجاور لأحد أبوابه اشتراه من ريعه في سنة 846هـ. وأوقف محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الجمال محمد بن الشهاب أحمد بن أحمد في مرض موته على البيمارستان المكي بعض الأماكن، وكان قد قدم جده من المغرب وهو فقير جدا فقطن الحجاز وترقى ابنه بخدمة الشريف بركات بن أبي نمي صاحب مكة وكان فيه خير بحت وتوفي بمكة عام 1017هـ ودفن بالمعلاة.

بيمارستان المدينة

عدل

قال النويري في سنة 663هـ جهز الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي، الأخشاب والحديد والرصاص والآلات والصناع فكانوا ثلاثة وخمسين رجلا لإتمام عمارة الحرم الشريف النبوي وأنفق فيه الأموال وجهز معهم المؤنة، وندب لذلك الطواشي شهاب الدين محسن الصالحي ورضي الدين أبا بكر والأمير شهاب الدين الغازي ابن الفضل اليعمري مشدّا ومحي الدين أحمد بن أبي الحسين ابن تمام طبيبا إلى البيمارستان الذي بالمدينة ومعه أدوية وأشربة ومعاجين ومراهم وسكر لأجل من يعتريه من الجماعة مرض. وكان خروجهم من القاهرة في سابع عشر شهر رجب ووصل إلى المدينة في ثاني شوال وقال ابن شاكر الكتبي تمم الملك الظاهر بيبرس عمارة حرم رسول اله وعمل منبره وأحاط بالضريح درابزين وذّضهب سقفه وبيضه وجدد البيمارستان بالمدينة ونقل إليه سائر المعاجين والأكحال والأشربة وبعث إليه طبيبا من الديار المصرية. وتوفي الملك الظاهر يوم الخميس 18 محرم سنة 676هـ.

بيمارستانات إيران

عدل

بيمارستان الرَّيّ

عدل

قال ياقوت في كلامه عن مدينة الريّ: أنشأ المسلمون في هذه المدينة بيمارستانا. ولم أهتد إلى من أنشأه. وقال ابن القفطي ذكر ابن جلجل الأندلسي في كتابه قال: أبو بكر محمد بن زكريا الرازي مسلم النحلة أديب طبيب مارستاني دبر مارستان الرَّي ثم مارستان بغداد.

وقال سليمان بن حسان: إن الرازي كان متوليا لتدبير بيمارستان الري زمانا قبل مزاولته وتصرفه في البيمارستان العضدي ببغداد. ومدينة الري كانت مدينة عامرة بينها وبين قزوين على بحر الخزر نحو سبعة وعشرين فرسخا افتتحها المسلمون سنة 20هـ. قال يالقوت: كانت الري مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أني اجتزت في خرابها في سنة 617هـ وأنا منهزم من التتار فرأيت حيطان خرائبها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها لقرب عهدها بالخراب، إلا أنها خاوية على عروشها وحكى الإصطخري أنها كانت أكبر من أصبهان وليس بعد بغداد بالمشرق أعمر منها.

بيمارستان أصبهان

عدل

ذكر ابن أبي أصبيعة: أن ابن مندويه الأصبهاني من الأطباء المذكورين ببلاد العجم وكانت له أعمال مشهورة في صناعة الطب ألف رسالة إلى المتقلدين علاج المرضى ببيمارستان أصبهان ولم أقف على أكثر من ذلك.

بيمارستان شيراز

عدل

ذكر ابن ثغري بردي: أن محمود بن مسعود بن مصلح العلامة قطب الدين أبو الثناء الفارسي الشيرازي المولود بشيراز سنة 624هـ رتب طبيبا بالبيمارستان وهو حدث ثم سافر إلى النصير الطوسي ولازمه وقرأ عليه الهيئة والرياضي واجتمع بهولاكو وأبغا ومات سنة 710هـ.

دار المرضى بنيسابور

عدل

ذكر العيني: أن عبد الملك بن أبي عثمان محمد بن إبراهيم أبا سعيد النيسابوري المعروف بالخركوش، تفقه وتزهد وجاور نمكة وسمع الحديث ثم انصرف إلى وطنه نيسابور فعمر القناطر والجسور والحياض وبنى المساجد ودار المرضى ووقف عليها الأوقاف وله خزانة كتب كبيرة موقوفة وصنف الكتب وتوفي بنيسابور في جمادى الأولى سنة 407هـ وذكر ابن الملقن الأندلسي أن الحسن بن علي بن إسحاق الوزير نظام الملك من وزراء السلجوقية بنى بيمارستانا بنيسابور ويقال إنه كان يتصدق في بكرة كل يوم ألف دينار وتوفي في رمضان سنة 485هـ.

بيمارستان زَرَنْج

عدل

ذكر الإصطخري أن عمرو بن الليث الصقال بنى بزرنج سوق عمرو ووقفه على المسجد الجامع والبيمارستان والمسجد الحرام وغلة هذا السوق في كل يوم نحو ألف درهم ومدينة زرنج هي قصبة سبحستان وأسواقها على غاية من العمارة.

بيمارستان تبريز

عدل

بنى رشيد الدين فضل الله وزير السلطان أو لجايتو دار شفاء بتبريز في أوائل القرن الثامن الهجري أي نحو سنة 710هـ أو أزيد قليلا.

بيمارستان مرو

عدل

قال ابن البيطار في مفرداته: قال عيسى بن ماسه: أما نحن في بيمارستان مرو فإنا نستعمل الحرمل. . . الخ فثبت أنه كان بمرو بيمارستان، وكان عيسى بن ماسه من المشتغلين فيه.

بيمارستان خوارزم

عدل

في أواخر سنة 733 دخل ابن بطوطة خوارزم سائحا فقال في رحلته: وبخوارزم مارستان له طبيب شامي يعرف بالصهيوني نسبة إلى صهيون من بلاد الشام، ولم أر في الدنيا أحسن أخلاقا من أهل خوارزم. وخوارزم هذه ولاية متسعة في شمال خراسان زارها ياقوت الحموي في سنة 616هـ فوجد بها العمار منتشرا وأهلها علماء فقهاء أذكياء. وقد وردها التتار سنة 618هـ وخربوها وقتلوا أهلها وتركوها تلالا.

بيمارستانات بلاد الروم أي الأناضول

عدل

بيمارستان قيسارية أو دار الشفا

عدل

دار الشفاء بقيسارية منسوبة إلى كوهي خاتون وكان بناؤها سنة 602هـ وهذه الخاتون المباركة كانت ابنة قليج أرسلان السلجوقي وهذه الدار تسمى أيضا مدرسة شفائية غياثية لأنها بنيت على وصية هذه السيدة بأمر غياث الدين كيخسرو ابن قليج أرسلان وهو أخوها. وعلى هذه الدار بالخط السلجوقي ما يأتي: أيام السلطان المعظم غياث الدنسا والدين كيخسرو بن قليج أرسلان دامت. . اتفق بناء هذا المارستان وصية عن الملكة عصمة الدنسا والدين كوهي نسيبة ابنة قليج أرسلان سنة 602هـ. ولم يعثر على كتاب وقف هذا المارستان، والكتابات المعمارية والتاريخية لهذا الأثر في كتاب الكتابات القيسارية لخليل أدهم مدير متحف الآثار القديمة بالأستانة سابقا طبع استنبول سنة 1334هـ وقال الأستاذ الدكتور أحمد سهيل التركي في المؤتمر التاسع لتاريخ الطب المنعقد في بوخارست في 11 سبتمبر سنة 1932: إن مارستان قيسارية لا يزال موجودا يؤدي خدمته بعد أن أصلح على النظم الحديثة. وقيسارية مدينة عظيمة من بلاد الروم كانت تابعة لصاحب العراق واسمها القديم وكانت عاصمة بني سلجوق ملوك الروم أولاد قليج أرسلان افتتحها ألب أرسلان سنة 1066م.

المدرسة الشفائية بسيواس

عدل

بناها كيكاوس بن كيخسرو السلجوقي بن قليج أرسلان سنة 614هـ 1217م ومكتوب عليها: أمر بعمارة هذه الدار إرضاء الله تعالى السلطان الغالب بأمر الله عز الدنيا والدين ركن الإسلام والمسلمين سلطان البر والبحر تاج آل سلجوق أبو الفتح كيكاوس بن كيخسرو برهان أمير المؤمنين سنة 614هـ. وكتاب الوقف محفوظ بدار الأوقاف ننقل خلاصته وهي: وقف الواقف المذكور المبرور سقاه الله تعالى شآبيب الرحمة والرضوان، وكساه جلابيب العفو والغفران: الضياع الخمس والحوانيت المائة والثمانية والأشقاص السبعة والمبقلة والرحى والهري والإسطبل المذكورة المحدودة الموصوفة في هذا الذكر بجميع حدودها وحقوقها ومرافقها وتخومها ومصالحها ورسومها كلها أرضها وبنائها ونقضها وسمائها وعلوها وسفلها وبيوتاتها ومنازلها ومعالفها وأصايلها وأواخيرها ومنابدها ومراعيها ومساكنها وأشجاها وكرومها وأفراخها وبساتينها ومستأجرها ومروجها ومقاصها ومحاسنها ومحاطبها ومبقالها وأنهارها وسواقيها وآبارها ورياضها وغياضها وغدرانها وحياضها وعيونها ووهادها وتلالها وقيعانها وجبالها وحق شربها المعلوم وملقى ذيلها المرسوم وعامرها وغامرها وكل حق هو لها داخل فيها وخارج عنها ومتصل بها ومنفصل عنها ومعروف بها ومعلوم لها ومعزى إليها ومعدود منها بأسرها وحذافيرها على دار الشفاء ومأوى المرضى والأعلاء التي رسم بإنشائها وأمر ببنائها الكائن موضعها ظاهر كورة سيواس حماها الله تعالى وحرسها على فوهة جادة توقات حيث عن الآفات؟ المشتملة عليها حدودا أربعة: أولا. . . صرفنا النظر عن ذكره اجتنابا للتطويل وثانيا. . . . وثالثا. . . . ورابعا. . . . وقفا مؤبدا صحيحا شرعيا وتصدقا سرمدا صريحا سميعا ونجيا مخلدا جائزا قطعيا بتا بتلا فضلا جاريا على منهج الشرع، حاويا مقتضى الحكم، خاليا عن الموانع الفادحة، جامعا لشرائط الصحة لا تباع هذه الأوقاف المذكورة، ولا يوهب ولا يرهن ولا يورث ولا يملك ولا يتلف ولا يهلك ولا يخلف لوجه من الوجوه وسبب من الأسباب بل يجري على أصلها المؤيد وتقام على شرائطها المؤكد كذا لا ينقصها مرور الأيام ولا ينقصها كرور الشهور والأعوام. . . . . . . وجعل الأمير الأجل الكبير المبجل الأمير العاقل العالم العادل الكافي الكامل المظفر المؤيد المنصور المشيد؟ جمال الدين، جلال الإسلام والمسلمين عمدة الملوك والسلاطين في الممالك، أستاذ الدار فرخ بن عبد الله الخازن الخاص دام توفيقه متوليا الأوقاف المذكورة في هذه الوثيقة. . . . . وناظرا فيها يتولى بنفسه ويستنيب من ينوبه كذا ويوكل إلى من يشاء ويفوض إلى من آثر واختار ويوكل فيها من أراد ويعزل عن الوكالة أنى أحب ومتى شاء لا اعتراض لأحد من الناس كائنا من كان فيها عليه، فهو المعول عليه في تقدير واردات الأطباء الحاذقين والمترفقين الفائقين المجربين المهذبين الغير المتحذلقين، والكحالين الفاضلين والجراحين المصلحين الشفيقين الرفيقين القاضين بها، وترتيب غير التعبير؟ لتحصيل الأدوية والعقاقير وتمشية أحوال المستخدمين من الملازمين على تباين درجاتهم وتفاوت طبقاتهم، فما أفاد الله تعالى من فوائد ريع مستغلها يصرف في عمارة الأوقاف المذكورة وبناء ما انهدم وإصلاح مرماتها واستزادة غلاتها، فما فضل عنها يصرف إلى نفسه منها كل سنة من القراطيس البيض بالفضة السلطانية الرائجة ببلاد الروم في معاملات أهلها أربعة آلاف درهم قرطاس من النقد المذكور، النصف منها كلها تأكيدا لها ألفا قرطاس فضة من الغلة ألف مدّ بن براتي النصف من ذلك خمسمائة مدّ حسب المحرر، ويختزن الفاضل في خزانة دار المستغلات حصلها بالمبايعة وأضافها إلى الأوقاف المذكورة ردما لا زيادها. وشرط الواقف المذكور على المتولي المذكور والناظر في أوقافه المذكورة وكل متولي بعده أن لا يؤجر شيئا منها عند مسيس الحاجة في الإجارة أكثر من ثلاث سنين متواليات ثم لا يعقد عليه عقد إجارة أخرى حتى تنقضي هذه الإجازة المعقود عليها الأولى ولا يؤجر من ظالم أو طامع ولا متغلب ولا متعد ولا من يخشى غائلته، فإن انطمست دار الشفاء المذكورة عياذا بالله واستحال استجراؤها وتعذر السكون إليها وعدم الانتفاع بها صارت الفوائد الحاصلة من الأوقاف المذكورة إلى فقراء المسلمين ومحاويج الموحدين ومساكين المسلمين. . . الخ. قال الدكتور أحمد سهيل في مؤتمر تاريخ الطب بيوخارست: هذا المارستان لا يزال موجودا.

مارستان قوتلوغ توركان بايران

عدل

مآثر قوتلوغ تروكان خاتون بن ملكات قره خطائية الحاكمة بإيران جديرة بأن تذكر في ساحة الفتوة والكرم، وهذه الملكة جلست على كرسي السلطنة بعد السلطان قطب الدين بايران سنة 670هـ وسيرتها مضبوطة في تاريخ آل سلجوق بمكتبة أيا صوفيا رقم 3019 ورقة 88 و89، يذكر فيها أنها وقفت تلك الآثار مدرسة وسائر بقاع خيراز رباطات ومساجد ودار شفاء وقناطر وخانقاهات وسائر أبواب الخير.

بيمارستان أماصيه

عدل

أنشأت إيلدوز من خاتون زوجة السلطان أولجايتو دار الشفا محتشمة بأماصيا سنة 708هـ و1308م ولا تزال موجودة.

بيمارستان ديوركي

عدل

أنشأت توران خاتون زوجة أحمد شاه الرانشمندي دار الشفاء بمدينة ديوركي في سنة 614هـ 1228م ولا تزال موجودة.

بيمارستان محمد الفاتح

عدل

في سنة 1470م أنشأ السلطان محمد الفاتح مارستانا بقسطنطينية ومن الأطباء اللذين عملوا فيه:

1 - المولى محمود بن الكمال الملقب بأخي جان المشتهر بأخي جلبي، كان أبوه في بلدة تبريز ثم أتى إلى بلاد الروم ونزل قسطنطينية وعانى فيها الطب وتعين طبيبا لدار السلطنة ورئيسا للأطباء في المارستان الذي بناه السلطان محمد خان بمدينة القسطنطينية وتوفي سنة 903هـ.

بيمارستان السلطان سليمان

عدل

السلطان سليمان ابن السلطان سليم خان عاشر سلاطين آل عثمان والمتوفى في 22 صفر سنة 974هـ بنى بالقسطنطينية بيمارستانا لمداواة المرضى وتربية المجانين بأنواع الأشربة والأطعمة والمعاجين.

بيمارستان أدرنة

عدل

أنشأ هذا المارستان أحد سلاطين آل عثمان ولم أتحقق من هو ويغلب أن يكون إنشاؤه قبل عهد السلطان سليم ولعل السلطان بايزيد الثاني هو الذي أنشأه، ويفهم ذلك من ترجمة أحد الأطباء الذين عملوا في هذا المارستان وهو:

1 - الحكيم شهاب الدين يوسف قرأ في أول عمره على علماء عصره ثم رغب في الطب وقرأ على الحكيم محي الدين ثم نصب طبيبا في مارستان أدرنة ومارستان قسطنطينية ثم جعل طبيبا للسلطان سليم خان وهو أمير على بلده طرابوزان ولما جلس السلطان سليم خان على سرير المملكة جعله طبيبا لدار السلطنة ثم جعله رئيسا للأطباء ودام ذلك إلى أن توفي في سنة 951هـ وكانت سنه مائة سنة أو أكثر وكان رحمه الله عالما صالحا عابدا سليم الطبع حليم النفس معرضا عن أحوال الدنيا.

بيمارستانات أخرى ببلاد الروم الأناضول

عدل

وقد أنشئت في بلاد الروم بيمارستانات أخرى لم تقف على تاريخها بالشرح الكافي ونكتفي بذكر أسمائها وتواريخها وقد ذكرها الدكتور أحمد سهيل في مؤتمر تاريخ الطب ببوخارست:

أ - بيمارستان قصطاموني أو بيمارستان علي فريانه أنشئ سنة 1272م

ب - بيمارستان علاء الدين قيقباد بقونيه أنشئ سنة 1219م.

ج - دار الطب ببروسه أنشئت سنة 1339م.

د - بيمارستان للجذام بأدرنة أنشئ سنة 1431م.

هـ - بيمارستان بايزيد الثاني بأدرنة أنشئ سنة 1485م ولعله البيمارستان السابق ذكره.

و - بيمارستان خاصكي سلطان باستنبول أنشئ سنة 1539م.

ز - بيمارستان والده سلطان بمغنيزيه أنشئ سنة 1554م.

ح - بيمارستان السلطان أحمد باستنبول أنشئ سنة 1616م.

بيمارستانات المغرب

عدل

بيمارستان تونس

عدل

في تونس مارستان بالقرب من سيدي محرز لا يزال موجودا ولكنه قد تغيرت معالمه. ويرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي. وذكر الفقيه العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللؤلؤي المعروف بالزركشي: أن أمير المؤمنين أبا فارس عبد العزيز بن السلطان أبي العباس، أحمد بن أبي عبد الله محمد بن السلطان أبي يحيى بن أبي بكر أحد ملوك الدولة الحفصية تولى تونس بعد وفاة والده الخليفة السلطان أبي العباس أحمد في يوم الأربعاء ثالث شعبان سنة 796 فأخذ بالجزم في أموره وجعل في كل خطة من يصلح بها فاستقامت الأمور بتونس في أيامه كلها أحسن استقامة وأحدث في أيامه بتونس حسنات دائمة فمنها. . . . . . . . . ومنها إقامة الخزانة بجوفي جامع الزيتونة وحبس ما فيها وفي غيرها من الكتب في العلون الشرعية والعربية واللغة والطب والحساب والتاريخ والأدبيات وغير ذلك ومنها إحداث المارستان بتونس للضعفاء والغرباء وذوي العاهات من المسلمين وأوقف على ذلك أوقافا كثيرة تقوم به ومن الأطباء الذين عملوا ببيمارستان تونس:

1 - محمد الشريف الحسني الزكراوي: نسبة إلى جده أبو زكريا الفاسي نزيل تونس وبها توفي سنة 874هـ وقد جاوز الخمسين، وكان أديبا طبيبا لبيبا، ولي البيمارستان بتونس وأقرأ العقليات مع مشاركة في الفقه واعتناء بالتاريخ.

بيمارستان مراكش

عدل

أو بيمارستان أمير المؤمنين المنصور أبي يوسف قال عبد الواحد المراكشي في سياق كلامه عن أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي بن علوي الكومي من ملوك الموحدين بالمغرب: وبنى بمدينة مراكش بيمارستانا ما أظن أن في الدنيا مثله وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه وأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخارف المحكمة ما زاد على الاقتراح؛ وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار والشمومات والمأكولات وأجرى فيه مياها كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسط إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد عن الوصف ويأتي فوق النعت، وأجرى له ثلاثين دينارا في كل يوم برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة خارجا عما جلب إليه من الأدوية، وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال وأعدّ فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم من جهاز الصيف والشتاء فإذا نقه المريض فإن كان فقيرا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يشتقل، وإن كان غنيا دفع إليه ماله وتركته وسببه، ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء، بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج إلا أن يستريح أو يموت. وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله يعود المرضى ويسأل عن أهل بيت أهل بيت ويقول: كيف حالكم؟ وكيف القومة عليكم؟ إلى غير ذلك من الشؤال ثم يخرج، لم يزل مستمرا على هذا إلى أن مات رحمه الله في شهر صفر سنة 595هـ وله من العمر 48سنة ومدة ولايته 16 سنة وثمانية شهور.

الأطباء الذين خدموا في هذا المارستان

عدل

1 - أبو إسحاق إبراهيم الداني: كانت له عناية بالغة بصناعة الطب وأصله من بجاية ونقل إلى الحضرة، وكان أمين البيمارستان وطبيبه بالحضرة وكذلك ولداه، وتوفي الداني في مراكش دولة المستنصر بن الناصر.

2 - محمد ابن قاسم: بن أبي بكر القرشي المالقي نزيل غرناطة قال ابن الخطيب كان بارع الكتابة والنظم حسن النادرة عارفا بالطب، ولى النظر على البيمارستان بفاس ومات وسط سنة 757هـ وله 54سنة.

بيمارستان سلا

عدل

لما قدم أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر بن عاشر الأنصاري الأندلسي من بلاد الأندلس جعل إقامته بسلا، وذلك في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي بعد أن تنقل في بلاد المغرب مثل فاس ومكناسة وشالة، وأخذ ابن عاشر يعالج المرضى واشتهر اسمه بسيدي ابن عاشر الطبيب، وأنشئ بالقرب من قبره مارستان وتوفي ابن عاشر سنة 764 أو سنة 765 ودفن في التربة المسماة باسمه وقبته من أكبر القباب في كل من لا ورباط وفي سنة 1247هـ 1846م جدد السلطان مولاي عبد الرحمن بناء هذا المارستان. وسلا مدينة بالمغرب الأقصى على ساحل المحيط الأطلنطي وقد اختارها ابن الخطيب مقاما له وقد وصفها في مقاماته بقوله العقيلة المفضلة والبطيحة المخضلة والقاعدة المؤصلة والسورة المفصلة ذات الوسامة والنظارة والجامعة بين البداوة والحضارة معدن القطن والكتان والمدرسة والمارستان.

بيمارستان سيدي فرج بفاس

عدل

جاء في كتاب سلوة الأنفس: أنه بالقرب من سوق العطارين وسوق الحنا بفاس، مكان يقيم به المرضى الذين بعقولهم مرض، وهم المجانين ويسمى ذلك المكان سيدي فرج على أنه لم يدفن به أي شخص كان يسمى بهذا الاسم، وليس به قبر، وإنما بنى هذا المكان أحد السلاطين ليضم مرضى المسلمين الذين لا ملجأ لهم أو مأوى يأوون إليه، وسمي باب الفرج لأن المرضى كانوا يجدون فيه ما يفرج كربهم وقد حبست عليه الحبوس التي كانت تصرف غلتها عليه. وقد جلا الدكتور دومازل وصف هذا البيمارستان فقال: بناؤه قديم يرجع تأسيسه إلى عهد سلاطين بني مرين وهم في أوج عزهم وعظمتهم يعاونون على نشر العلوم وتجميل المدن. وبنى أحدهم وهو أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق هذا المارستان لما تولى الملك سنة 685هـ 1286م وعهد مؤسسه إدارته إلى أشهر الأطباء وأوقف عليه الحبوس الكثيرة من العقار للصرف عليه وحفظه ولما عظم أمر البيمارستان واتسعت أعماله أدخل عليه السلطان أبو عنان الذي تولى الملك 766هـ زيادات عظيمة. وفي سنة 900هـ اتخذ أهل الأندلس من المسلمين إقامتهم في فاس، فتولى رياسته من بني الأحمر يسمى فرج الخزرجي ولذلك سمي بيمارستان فرج، فأصلح فيه وجعل الموسيقاريين يلحنون أمام المرضى. وليس في مدخل البيمارستان شيء يستوقف النظر وهو في سوق الحنا ويحيط به جدار أبيض وعليه باب عال مغطى بالحديد شأنه كسائر أبواب المدينة مقفل على الدوام ولا يفتح إلا قليلا.

بيمارستانات الأندلس

عدل

بيمارستان غرناطة

عدل

قال الوزير لسان الدين بن الخطيب في كلامه عن أمير المسلمين بالأندلس محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن نصر، الذي تولى الملك بعد وفاة أبيه في عام 755هـ: ومن موافق الصدقة والإحسان من خارق جهاد النفس بناء البيمارستان الأعظم، حسنة هذه التخوم القصوى، ومزبة المدينة الفضلى، لم يهتد إليه غيره من الفتح الأول مع تقرير الضرورة وظهور الحاجة، فأغرى به همة الدين ونفس التقوى فأبرزه موقف الأحداق ورحلة الأندلس ومدرك الحسنات فخامة بيت وتعدد مساكن ورحب ساحة ودرور مياه وصحة هواء ونقد خزائن ومتوضآت وانطلاق خيرات وحسن ترتيب، أبرّ على مارستان مصر بالساحة العريضة والأهوية الطيبة، وتدفق المياه من فورات الرمل وسود الصخر، وتمرج البحر وانسدال الأشجار وقال سلادين: إن هذا الأثر المربع الزوايا لا يبلغ من الاتساع والإحكام في البناء مبلغ مارستان قلاوون بالقاهرة، ولكنه كان مرتبا في بساطته أنيقا في تفاصيله، وكانت قاعاته البسيطة تدور حول باحة داخلية في وسطها حوض عميق لقبول الماء من عينين كل عين منها عبارة عن أسدجاث. ولما انتزعت غرناطة من يد العرب سنة 1492م حول هذا البناء الصغير إلى دار ضرب السكة ثم أدخلت عليه تغييرات مختلفة شوهت معالمه ثم تهدم معظمه. وذكر مارشيه كذلك: أن مارستان غرناطة حول إلى دار ضرب بعد سقوط غرناطة وحدثت فيه تغييرات مرات عديدة وتهدم ثلاثة أرباعه، ولكنه في مظهره أبسط من معاصره بيمارستان قلاوون ففي وجهته بعض النوافذ وفيها أقواس مزدوجة وفي الوسط باب وأسكفة يعلوهما كتابة تشبه أشرعة الفلك، ويدخل من الباب إلى ردهة مربعة الزوايا مستطيلة وفي وسطها حوض فيه أسدان جاثيان يشبهان مثيليهما في قصر الحمراء وينبع منهما الماء، وحول الردهة أربعة أروقة ينفتح فيها أبواب طويلة ذات انحناء على شكل نعل الفرس وفي الزوايا سلاليم يدخل منها إلى الطابق الأول. ونقل ليفي بروفنسال نص ذكرى بناء السلطان محمد الخامس للبيمارستان سنة 767 - 768هـ وهو لوح من الرخام على شكل الباب مقنطر مركب من قطعتين ملتصقتين التصاقا تاما محفوظ منذ سنة 1850م في جناح من بستان قصر الحمراء، نقل إليه من أحد بيوت غرناطة، وعلى أحد وجهي هذا اللوح كتابة في غاية الحفظ تملأ هذا الوجه وهي مكونة من 26سطرا بالخط العادي الأندلسي وهذه الكتابة: تخليد ذكرى مارستان بناه السلطان محمد الخامس من بني نصر الغني بالله خاصا بمرضى غرناطة الوطنيين. وهذا هو النص: الحمد لله أمر ببناء هذا المارستان رحمة واسعة لضعفاء مرضى المسلمين، وقربة نافعة إن شاء الله لرب العالمين، وخلد حسنة ناطقة باللسان المبين، وأجرى صدقة على مرّ الأعوام وتوالي السنين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، المولى الإمام السلطان الهمام الكبير الشهير الطاهر الظاهر أسعد قومه دولة وأمضاهم في سبيل الله صولة صاحب الفتوح والصنع الممنوح، والصدر المشروح، المؤيد بالملائكة والروح ناصر السنة، كهف الملّة أمير المسلمين الغني بالله أبو عبد الله محمد بن المولى الكبير الشهير السلطان الجليل الرفيع المجاهد العادل الحافل السعيد الشهير المقدس أمير المسلمين أبي الحجاج ابن المولى السلطان الجليل الشهير المعظم المنصور هازم المشركين وقامع الكفرة المعتدين السعيد الشهيد الوليد بن نصر الأنصاري الخزرجي، أنجح الله في مرضاته أعماله، وبلغه من فضله العميم وثوابه الجسيم آماله، فاخترع به حسنة لم يسبق إليها من لدن دخل الإسلام هذه البلاد؛ وأختص بها طراز فخر على عاتق حلة الجهاد. وقد أراد وجه الله بابتغاء الأجر والله ذو الفضل العظيم، وقدم نورا يسعى بين يديه ومن خلفه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فكان ابتداء بنائه في العشر الوسط من شهر المحرم من عام سبع وستين وسبعمائة 767هـ وتم ما قصد إليه ووقف الأوقاف عليه في العشر الوسط من شوال من عام ثمانية وستين وسبعمائة 768 والله لا يضيع أجر العاملين ولا يخيب سعي المحسنين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وأصحابه أجمعين.