تفسير البحر المحيط أبي حيان الغرناطي/سورة الشمس
{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }
طحا ودحا بمعنى واحد، أي بسط ووطأ، ويأتي طحا بمعنى ذهب. قال علقمة:
طحـا بك قلب في الحسان طروب |
ويقال: ما أدري أين طحا: أي ذهب، قاله أبو عمرو، وفي أيمان العرب لا،والقمر الطاحي: أي المشرق المرتفع، ويقال: طحا يطحو طحواً، ويطحى طحواً. التدسية: الإخفاء، وأصله دسس فأبدل من ثالث المضاعفات حرفعلة، كما قالوا في القصص نقص، قال الشاعر:
وأنت الذي دسست عمراً فأصبحت | حلائله منه أرامل صيعا |
وينشد أيضاً:
ودسست عمــراً فــي التــراب |
دمدم عليه القبر: أطبقه. وقال مؤرج: الدمدمة: إهلاك باستئصال. وقال فيالصحاح: دمدمت الشيء: ألزقته بالأرض وطحطحته. {وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا * وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا * وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا * وَٱلَّيْلِ إِذَايَغْشَـٰهَا * وَٱلسَّمَاء وَمَا بَنَـٰهَا * وَٱلاْرْضِ وَمَا طَحَـٰهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَمَن زَكَّـٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَـٰهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِنَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَـٰهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا }. هذه السورة مكية.ولما تقدّم القسم ببعض المواضع الشريفة وما بعدها، أقسم هنا بشيء من العالم العلوي والعالم والسفلي، وبما هو آلة التفكرفي ذلك، وهو النفس. وكان آخر ما قبلها مختتماً بشيء من أحوال الكفار في الآخرة، فاختتم هذه بشيء من أحوالهمفي الدنيا، وفي ذلك بمآلهم في الآخرة إلى النار، وفي الدنيا إلى الهلاك المستأصل. وتقدم الكلام على ضحى في سورةطه عند قوله:
{ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى }
. وقال مجاهد: هو ارتفاع الضوء وكماله. وقال مقاتل: حرها لقوله
{ وَلاَ تَضْحَىٰ }
. وقال قتادة: هو النهار كله، وهذا ليس بجيد، لأنه قد أقسم بالنهار. والمعروف في اللغة أن الضحى هو بعيدطلوع الشمس قليلاً، فإذا زاد فهو الضحاء، بالمد وفتح الضاد إلى الزوال، وقول مقاتل تفسير باللازم. وما نقل عن المبردمن أن الضحى مشتق من الضح، وهو نور الشمس، والألف مقلوبة من الحاء الثانية؛ وكذلك الواو في ضحوة مقلوبة عنالحاء الثانية، لعله مختلق عليه، لأن المبرد أجل من أن يذهب إلى هذا، وهذان مادتان مختلفتان لا تشتق إحداهما منالأخرى. {وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا }، قال الحسن والفراء: تلاها معناه تبعها دأباً في كل وقت، لأنه يستضيء منها، فهويتلوها لذلك. وقال ابن زيد: يتلوها في الشهر كله، يتلوها في النصف الأول من الشهر بالطلوع، وفي الآخر بالغروب. وقالابن سلام: في النصف الأول من الشهر، وذلك لأنه يأخذ موضعها ويسير خلفها، إذا غابت يتبعها القمر طالعاً. وقال قتادة:إنما ذلك البدر، تغيب هي فيطلع هو. وقال الزجاج وغيره: تلاها معناه: امتلأ واستدار، وكان لها تابعاً للمنزل من الضياءوالقدر، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر. وقيل: من أول الشهر إلى نصفه، فيالغروب تغرب هي ثم يغرب هو؛ وفي النصف الآخر يتحاوران، وهو أن تغرب هي فيطلع هو. وقال الزمخشري: تلاها طالعاًعند غروبها أخداً من نورها وذلك في النصف الأول من الشهر. {وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا }: الظاهر أن مفعول جلاهاهو الضمير عائد على الشمس، لأنه عند انبساط النهار تنجلي الشمس في ذلك الوقت تمام الإنجلاء. وقيل: يعود على الظلمة.وقيل: على الأرض. وقيل: على الدنيا، والذي يجلي الظلمة هو الشمس أو النهار، فإنه وإن لم تطلع الشمس لا تبقىالظلمة، والفاعل بجلاها ضمير النهار. قيل: ويحتمل أن يكون عائداً على الله تعالى، كأنه قال: والنهار إذا جلى الله الشمس،فأقسم بالنهار في أكمل حالاته. {وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا }: أي يغشى الشمس، فبدخوله تغيب وتظلم الآفاق، ونسبة ذلك إلىالليل مجاز. وقيل: الضمير عائد على الأرض، والذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله: {يَغْشَـٰهَا } عائدة على الشمس.وكما أن النهار جلاها، كان النهار هو الذي يغشاها. ولما كانت الفواصل ترتبت على ألف وهاء المؤنث، أتى {وَٱلَّيْلِ إِذَايَغْشَـٰهَا } بالمضارع، لأنه الذي ترتب فيه. ولو أتى بالماضي، كالذي قبله وبعده، كان يكون التركيب إذا غشيها، فتفوت الفاصلة،وهي مقصودة. وقال القفال ما ملخصه: هذه الأقسام بالشمس في الحقيقة بحسب أوصاف أربعة: ضوءها عند ارتفاع النهار وقت انتشارالحيوان، وطلب المعاش، وتلو القمر لها بأخذه الضوء، وتكامل طلوعها وبروزها وغيبوبتها بمجيء الليل. وما في قوله: {وَمَا بَنَـٰهَا *وَمَا طَحَـٰهَا * وَمَا سَوَّاهَا }، بمعنى الذي، قاله الحسن ومجاهد وأبو عبيدة، واختاره الطبري، قالوا: لأن ما تقع علىأولي العلم وغيرهم. وقيل: مصدرية، قاله قتادة والمبرد والزجاج، وهذا قول من ذهب إلى أن ما لا تقع على آحادأولي العلم. وقال الزمخشري: جعلت مصدرية، وليس بالوجه لقوله: {فَأَلْهَمَهَا }، وما يؤدي إليه من فساد النظم والوجه أنتكون موصولة، وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية، كأنه قيل: والسماء والقادر العظيم الذي بناها، ونفس والحكيم الباهر الحكمةالذي سواها، وفي كلامهم سبحان من سخركن لنا، انتهى. أما قوله: وليس بالوجه لقوله: {فَأَلْهَمَهَا }، يعني من عودالضمير في {فَأَلْهَمَهَا } على الله تعالى، فيكون قد عاد على مذكور، وهو ما المراد به الذي، ولا يلزم ذلكلأنا إذا جعلناها مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من سياق الكلام؛ ففي بناها ضمير عائد على الله تعالى، أيوبناها هو، أي الله تعالى، كما إذا رأيت زيداً قد ضرب عمراً فقلت: عجبت مما ضرب عمراً تقديره: من ضربعمر؟ وهو كان حسناً فصيحاً جائزاً، وعود الضمير على ما يفهم من سياق الكلام كثير، وقوله: وما يؤدي إليه منفساد النظم ليس كذلك، ولا يؤدي جعلها مصدرية إلى ما ذكر، وقوله إنما أوثرت إلخ لا يراد بما ولا بمنالموصولتين معنى الوصفية، لأنهما لا يوصف بهما، بخلاف الذي، فاشتراكهما في أنهما لا يؤديان معنى الوصفية موجود فيهما، فلا ينفردبه ما دون من، وقوله: وفي كلامهم إلخ. تأوله أصحابنا على أن سبحان علم وما مصدرية ظرفية. وقال الزمخشري:فإن قلت: الأمر في نصب إذا معضل، لأنك إما أن تجعل الواوات عاطفة فتنصب بها وتجر، فتقع في العطف علىعاملين، وفي نحو قولك: مررت أمس بزيد واليوم عمرو؛ وأما أن تجعلهن للقسم، فتقع فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه.قلت: الجواب فيه أن واو القسم مطرح معه إبراز الفعل إطراحاً كلياً، فكان لها شأن خلاف شأن الباء، حيث أبرزمعها الفعل وأضمر، فكانت الواو قائمة مقام الفعل، والباء سادة مسدهما معاً، والواوات العواطف نوائب عن هذه، فحقهن أن يكنعوامل على الفعل والجار جميعاً، كما تقول؛ ضرب زيد عمراً وبكر خالداً، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هوعاملهما، انتهى. أما قوله في واوات العطف فتنصب بها وتجر فليس هذا بالمختار، أعني أن يكون حرف العطف عاملاً لقيامهمقام العامل، بل المختار أن العمل إنما هو للعامل في المعطوف عليه، تم إنا لإنشاء حجة في ذلك. وقوله: فتقعفي العطف على عاملين، ليس ما في الآية من العطف على عاملين، وإنما هو من باب عطف اسمين مجرور ومنصوبعلى اسمين مجرور ومنصوب، فحرف العطف لم ينب مناب عاملين، وذلك نحو قولك: امرر بزيد قائماً وعمرو جالساً؟ وقد أنشدسيبويه في كتابه:
فليس بمعروف لنا أن نردها | صحاحاً ولا مستنكران تعقرا |
فهذا منعطف مجرور، ومرفوع على مجرور ومرفوع، والعطف على عاملين فيه أربع مذاهب، وقد نسب الجواز إلى سيبويه وقوله في نحوقولك: مررت أمس بزيد واليوم عمرو، وهذا المثال مخالف لما في الآية، بل وزان ما في الآية: مررت بزيد أمسوعمرو اليوم، ونحن نجيز هذا. وأما قوله على استكراه فليس كما ذكر، بل كلام الخليل يدل على المنع. قال الخليل:في قوله عز وجل:
{ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلاْنثَىٰ }
، الواوان الأخيرتان ليستابمنزلة الأولى، ولكنهما الواوان اللتان يضمان الأسماء إلى الأسماء في قولك: مررت بزيد وعمرو، والأولى بمنزلة الباء والتاء، انتهى. وأماقوله: إن واو القسم مطرح معه إبراز الفعل إطراحاً كلياً، فليس هذا الحكم مجمعاً عليه، بل قد أجاز ابن كيسانالتصريح بفعل القسم مع الواو، فتقول: أقسم أو أحلف والله لزيد قائم. وأما قوله: والواوات العواطف نوائب عن هذه الخ،فمبني على أن حرف العطف عامل لنيابته مناب العامل، وليس هذا بالمختار. والذي نقوله: إن المعضل هو تقرير العاملفي إذا بعد الاقسام، كقوله:
{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ }
{ وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَٱلصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ }
، {وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا}،
{ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ }
، وما أشبهها. فإذا ظرف مستقبل، لا جائز أن يكون العامل فيه فعل القسم المحذوف، لأنهفعل إنشائي. فهو في الحال ينافي أن يعمل في المستقبل لإطلاق زمان العامل زمان المعمول، ولا جائز أن يكون ثممضاف محذوف أقيم المقسم به مقامه، أي: وطلوع النجم، ومجيء الليل، لأنه معمول لذلك الفعل. فالطلوع حال، ولا يعمل فيهالمستقبل ضرورة أن زمان المعمول زمان العامل، ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم به لأنه ليس من قبيل مايعمل، سيما إن كان جزماً، ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف فيكون قد عمل فيه، ويكون ذلك العامل فيموضع الحال وتقديره: والنجم كائناً إذا هوى، والليل كائناً إذا يغشى، لأنه لا يلزم كائناً أن يكون منصوباً بالعامل، ولايصح أن يكون معمولاً لشيء مما فرضناه أن يكون عاملاً. وأيضاً فقد يكون القسم به جثة، وظروف الزمان لا تكونأحوالاً عن الجثث، كما لا تكون أخباراً. {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا }: اسم جنس، ويدل على ذلك ما بعده منقوله: {فَأَلْهَمَهَا } وما بعده، وتسويتها: إكمال عقلها ونظرها، ولذلك ارتبط به {فَأَلْهَمَهَا }، لأن الفاء تقتضي الترتيب على ماقبلها من التسوية التي هي لا تكون إلا بالعقل. وقال الزمخشري: فإن قلت: لم نكرت النفس؟ قلت: فيه وجهان: أحدها:أن يريد نفساً خاصة من النفوس، وهي نفس آدم، كأنه قال: وواحدة من النفوس، انتهى. وهذا فيه بعد للأوصاف المذكورةبعدها، فلا تكون إلا للجنس. ألا ترى إلى قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا }، كيفتقتضي التغاير في المزكى وفي المدسى؟ {فَأَلْهَمَهَا }، قال ابن جبير: ألزمها. وقال ابن عباس: عرفها. وقال ابن زيد: بينلها. وقال الزجاج: وفقها للتقوى، وألهمها فجورها: أي خذلها، وقيل: عرفها وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور واكتساب التقوى.وقال الزمخشري: ومعنى إلهام الفجور والتقوى: إفهامها وإعقالها، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما بدليلقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا }، فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما. والتزكية: الإنماء، والتدسية: النقصوالإخفاء بالفجور. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال. {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا }، قال الزجاج وغيره: هذا جواب القسم، وحذفت اللاملطول الكلام، والتقدير: لقد أفلح. وقيل: الجواب محذوف تقديره لتبعثن. وقال الزمخشري: تقديره ليدمدمن الله عليهم، أي على أهل مكة،لتكذيبهم رسول الله ﷺ، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً. وأما {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا }فكلام تابع لقوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء، انتهى. وزكاؤها: ظهورها ونماؤهابالعمل الصالح، ودساها: أخفاها وحقرها بعمل المعاصي. والظاهر أن فاعل زكى ودسى ضمير يعود على من، وقاله الحسن وغيره. ويجوزأن يكون ضمير الله تعالى، وعاد الضمير مؤنثاً باعتبار المعنى من مراعاة التأنيث. وفي الحديث ما يشهد لهذا التأويل، كانعليه السلام إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها . وقالالزمخشري: وأما قول من زعم أن الضمير في زكى ودسى لله تعالى، وأن تأنيث الراجع إلى من لأنه في معنىالنفس، فمن تعكيس القدرية الذين يوركون على الله قدراً هو بريء منه ومتعال عنه، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونهاإليه تعالى، انتهى. فجرى على عادته في سب أهل السنة. هذا، وقائل ذلك هو بحر العلم عبد الله بن عباس،والرسول ﷺ يقول: وزكها أنت خير من زكاها . وقال تعالى: {دَسَّـٰهَا } في أهل الخير بالرياءوليس منهم؛ وحين قال: {وَتَقْوَاهَا } أعقبه بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا }. ولما قال: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا }،أعقبه بأهل الجنة. ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه، ذكر فرقة فعلت ذلك ليعتبر بهم. {بِطَغْوَاهَا }: الباء عندالجمهور سببية، أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها. وقال ابن عباس: الطغوى هنا العذاب، كذبوا به حتى نزل بهم لقوله: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ . وقرأ الجمهور: {بِطَغْوَاهَا } بفتح الطاء، وهو مصدر من الطغيان، قلبت فيه الياء واواً فصلاًبين الاسم وبين الصفة، قالوا فيها صرنا وحدنا، وقالوا في الاسم تقوى وشروي. وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بنسلمة: بضم الطاء، وهو مصدر كالرجعى، وكان قياسها الطغيا بالياء كالسقيا، لكنهم شذوا فيه. {إِذِ ٱنبَعَثَ }: أي خرج لعقرالناقة بنشاط وحرص، والناصب لإذ {كَذَّبَتْ }، و{أَشْقَـٰهَا }: قدار بن سالف، وقد يراد به الجماعة، لأن أفعل التفضيل إذاأضيف إلى معرفة جاز إفراده وإن عنى به جمع. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكونوا جماعة، والتوحيد لتسويتك في أفعل التفضيلإذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وكان يجوز أن يقال: أشقوها، انتهى. فأطلق الإضافة، وكان ينبغي أن يقول: إلىمعرفة، لأن إضافته إلى نكرة لا يجوز فيه إذ ذاك إلا أن يكون مفرداً مذكراً، كحاله إذا كان بمن. والظاهرأن الضمير في {لَهُمْ } عائد على أقرب مذكور وهو {أَشْقَـٰهَا } إذا أريد به الجماعة، ويجوز أن يعود على{ثَمُودُ }. {رَّسُولٍ }: هو صالح عليه السلام. وقرأ الجمهور: {نَاقَةُ ٱللَّهِ } بنصب التاء، وهو منصوب على التحذير ممايجب إضمار عامله، لأنه قد عطف عليه، فصار حكمه بالعطف حكم المكرر، كقولك: الأسد الأسد، أي احذروا ناقة الله وسقياهافلا تفعلوا ذلك. {فَكَذَّبُوهُ }، الجمهور على أنهم كانوا كافرين، وروي أنهم كانوا قد أسلموا قبل ذلك وتابعوا صالحاًبمدة، ثم كذبوا وعقروا، وأسند العقر للجماعة لكونهم راضين به ومتمالئين عليه. وقرأ الجمهور: {فَدَمْدمَ } بميم بعد دالين؛ وابنالزبير: قد هدم بهاء بينهما، أي أطبق عليهم العذاب مكرراً ذلك عليهم، {بِذَنبِهِمْ }: فيه تخويف من عاقبة الذنوب، {فَسَوَّاهَا}، قيل: فسوى القبيلة في الهلاك، عاد عليها بالتأنيث كما عاد في {بِطَغْوَاهَا }. وقيل: سوى الدمدمة، أي سواها بينهم،فلم يفلت منهم صغيراً ولا كبيراً. وقرأ أبيّ والأعرج ونافع وابن عامر: فلا يخاف بالفاء؛ وباقي السبعة ولا بالواو؛ والضميرفي يخاف الظاهر عوده إلى أقرب مذكور وهو ربهم، أي لأدرك عليه تعالى في فعله بهم لا يسئل عما يفعل،قاله ابن عباس والحسن، وفيه ذم لهم وتعقبه لآثارهم. وقيل: يحتمل أن يعود على صالح، أي لا يخاف عقبى هذهالفعلة بهم، إذ كان قد أنذرهم وحذرهم. ومن قرأ: ولا يحتمل الضمير الوجهين. وقال السدي والضحاك ومقاتل والزجاج وأبو علي:الواو واو الحال، والضمير في يخاف عائد على {أَشْقَـٰهَا }، أي انبعث لعقرها، وهو لا يخاف عقبى فعله لكفره وطغيانه،والعقبى: خاتمة الشيء وما يجيء من الأمور بعقبه، وهذا فيه بعد لطول الفصل بين الحال وصاحبها.