تلك أمي و إن أجئها كسيحا

تلك أمي و إن أجئها كسيحا

​تلك أمي و إن أجئها كسيحا​ المؤلف بدر شاكر السياب


تلك أمي و إن أجئها كسيحا

لاثماً أزهارها و الماء فيها و الترابا

و نافضا بمقلتي أعشاشها و الغابا

تلك أطيار الغد الزرقاء و الغبراء يعبرن السطوحا

أو ينشرن في بويب الجناحين كزهرة يفتح الأفوافا

ها هنا عند الضحى كان اللقاء

و كانت الشمس على شفاهها تكسر الأطيافا

و تسفح الضياء

كيف أمشي أجوب تلك الدروب الخضر فيها و أطرق

الأبوابا

أطلب الماء فتأتيني من الفخار جره

تنضح الظل للبرود الحلو قطرة

بعد قطره

تمتد بالجرة لي يدان تنشران حول رأسي الأطيابا

هالتي تلك أم (وفيقة) أم (إقبال)

لم يبق لي سوى أسماء

من هوى مر كرعد في سمائي

دون ماء

كيف أمشي خطاي مزقها الداء كأني عمود

ملح يسير

أهي عامورة الغوية أو سادوم

هيهات إنها جيكور

جنة كان الصبي فيها و ضاعت حين ضاعا

آه لو أن السنين السود قمح أو ضخور

فوق ظهري حملتهن لألقيت بحملي فنفضت جيكور

عن شجيراتها ترابا يغشيها و عانقت معزفي ملتاعا

يجهش الحب به لحنا فلحنا

و لقاء فوداعا

آه لو أن السنين الخضر عادت يوم كنا

لم نزل بعد فتيين لقبلت ثلاثا أو رباعا

و جنتي (هالة) و الشهر الذي نشر أمواج الظلام

في سيول من العطور التي تحمل نفسي إلى بحار عميقة

و لقبلت برعم الموت ثغرا من وفيقة

و لأوصلتك يا (إقبال) في ليلة رعد و رياح وقتام

حاملا فانوسي الخفاق تمتد الظلال

منه أو تقصر إذ برعش في ذاك السكون

ذلك الصمت سوى قعقعة الرعد

سوى خفق الخطى بين التلال

و حفيف الريح في ثوبك أو وهوهة الليل مشى بين

الغصون

و لعانقتك عند الباب ما أقسى الوداع

أه لكن الصبى و لى و ضاع

الصبى و الزمان لن يرجعا بعد

فقري يا ذكريات و نامي