توق ديار الحى فهى المقاتل

توقَّ ديارَ الحى ِّ فهى المقاتلُ

​توقَّ ديارَ الحى ِّ فهى المقاتلُ​ المؤلف الشريف المرتضى


توقَّ ديارَ الحىِّ فهى المقاتلُ
فما حشوُها إلاّ قتيلٌ وقاتلُ
أطعتَ الهوى حتّى أضرَّ بك الهوى
وعلّم حزماً ما تقول العواذلُ
وأين الهوى منّى وقد شحط الصّبا
وفارق فَوْدَيَّ الشّبابُ المُزايلُ
وقد قَلَصَتْ عنّي ذيولُ شَبيبتي
وفى الرّأس شيبٌ كالثّغامةِ شاملُ
ولي من دموعي غدوةً وعشيَّةً
لبينِ الشّبابِ الغضِّ طَلٌّ ووابلُ
وكيف يُزيلُ الشَّيبَ أو يُرجعُ الصّبا
وجيبُ قلوبٍ أو دموعٌ هواطلُ؟
ولاح لنا من أبرقِ الحزنِ بارقٌ
كما لاح فجرٌ آخر اللّيل ناحلُ
يضىء ويخفى لا يدوم لناظرٍ
فلا هوَ مُستخفٍ ولا هوَ ماثِلُ؟
فلمّا أضاءتْ غبشةً حال عندهمْ
وعَصْفَرَ واحمرَّتْ عليه الغلائلُ
ذكرتُ به مَن زارني مِن بلادهِ
وما الذّكر إلاّ ما تجرّ البلابلُ
أمنْ بعد أنْ جرّبتُ كلّ مجرّبٍ
وسَلَّمَ لي قَصْدَ السَّبيلِ الأفاضلُ
ولم يكُ لي عيبٌ يُعابُ بمثلهِ
أولو الفضل إلاّ ما تقوّل قائلُ
وسارتْ بروّادِ الفضائل كلّها
منَ الشّرقِ والتّغريب عنّي الرَّواحلُ
وحمّلتُ أعباءَ العشيرةِ فى ندًى
ويوم ردًى، والعودُ للعبءِ حاملُ
وحزتُ كراماتِ الخلائق وادعاً
وشاطرني ضيقَ المكانِ الحُلاحِلُ
وأنجدتُهمْ بالرَّأي والرَّأيُ عازبٌ
وجُدتُ لهمْ بالحزمِ والحزمُ ماطلُ
ولمّا اجتبونى لم يطرْ بهمُ أذًى
وبان لهمْ منّى صحيحٌ وباطلُ
وسحَّبتُ أثوابَ الملوك على الثَّرى
وغيرىَ من حلىِ المكارمِ عاطلُ
ولي موقفٌ عندَ الخليفةِ ما ادَّعتْ
عديلاً له هذي النُّجومُ الموائلُ
أقومُ وما بيني وبينَ سريرِه
مقامٌ ولا لى دونه الدّهرَ حائلُ
ويُحجبُ عنه الزّائرون وإنِّني
إليه على ذاك التحجّبٍ واصلُ
وما غابَ وجهي عن مدَى لَحْظِ طَرْفِه
لدى الخلق إلاّ وهو عنّى سائلُ
أضافَ إلى ما ليس لي ويَعُدُّني
منَ القوم خوَّارُ الأنابيبِ خاملُ
ويحسبُ أنّي كالّذين يراهمُ
من النّاسِ مسلوبُ البصيرةِ غافلُ
ولم أخفَ إلاّ عن عمٍ ولطالما
تغطّى عن العشوِ الصّباحُ المقابلُ
فإمّا يقولُ السِّنْخُ والأصلُ واحدٌ
فقد ولدتْ كلَّ الرّجالِ الحواملُ
وجدتُ ولم أطلبْ عدوّاً مُكاشفاً
وما فاتنى إلاّ الصّديقُ المجاملُ
إلى كم أغضُّ اللَّحْظَ منّي على قذىً
وتكدُرُ لي دونَ الأنامِ المناهلُ؟
وأصبحُ مغبوناً بكلّ مفهّهٍ
له منزلٌ بينَ الخليقةِ سافلُ
إذا قالَ صدَّتْ أعينٌ ومَسامعٌ
ولم يكُ فيما قالَهُ الدَّهرَ طائلُ
وإنْ شهد النّجوى فلم يرض قومه
بنجوى ولا أثنتْ عليه المحافلُ
يُحاتلني والخَتْلُ من غيرِ شِيمتي
وما فضحَ التَّجريبَ إلاّ المُخاتلُ
ويزعمُ أنِّي كاذباً مستوٍ بهِ
وأنّى استوتْ بالرّاحتين الأناملُ؟
فمن مبلغٌ عنّى ابنَ عوفٍ رسالةً
كما شاءت الأشواقُ منّى الدّواخلُ
بَعُدنا جُسوماً والقلوبُ قريبةٌ
فلا العهدُ منسىٌّ ولا الودّ حائلُ
وكم ذالنا والهجرُ ملتبسٌ بنا
نلاقى ضميراً والهوى متواصلُ
فإنْ سكتتْ منّا شفاهٌ على قذىً
فمن دونها منّا قلوبٌ قواتلُ
وكم لأُناسٍ بيننا من جوارحٍ
يرين تروكاتٍ وهنّ فواعلُ
وإنّ ثمار الزّرع يجنى إذا مضى
على الزّرع أزمانٌ وزالتْ حوائلُ
تسلَّ فأيّامُ الفراقِ كثيرةٌ
لمُحْصٍ وأيّامُ التَّلاقي قلائلُ
وقد أسلفتنا الحادثاتُ ليالياً
ذهبْنَ فأينَ الآتياتُ القوابلُ؟
فلستُ بناسٍ ما حييتُ اجتماعنا
وقد نتجتْ فينا السّنون الحوائلُ
تمرُّ بنا الأيّامُ وهْيَ قصائرٌ
وتمضي لنا الأوقاتُ وهْيَ أصائِلُ
وإنّى لأرجو أن تعود وإنْ مضى
على فقدها ذاك المدى المتطاولُ
ألا لا أرَى حقّاً فأسلُكَ قصدَه
فقد طالما التفّتْ علىَّ الأباطلُ
فإنّ الرّياحَ الضّاحكاتِ عوابسٌ
وإنَّ الغصونَ الممرعاتِ ذوابلُ
وسقّى الدّيارَ الماحلاتِ سحابةٌ
لها أزجلٌ لا تنقضى وصلاصلُ
فإنّك من قومٍ إذا حملوا القنا
جرتْ علقاً من الكماةِ العواملُ
يخوضون أظلامَ الوغَى وأكفُّهمْ
تضمُّ على ما أخلصَتْه الصيَّاقلُ
وتُعْرَفُ مِن آبائهم وجُدودهمْ
سِماتٌ على أخلاقِهمْ وشمائلُ
إلى الحزمِ لم يُثْنَوْا على الرَّأي والهوى
ولا شغلتهمْ عن عظيمٍ شواغلُ
ولا رفلتْ فيهمْ وقد سلبَ النَّدى
نفائسهمْ تلك الهمومُ الرّوافلُ
ولا خفقتْ في يومِ روعٍ قلوبُهمْ
ولا ارتعدتْ خوفَ الحِمامِ الخصائلْ
كأنّي بِهمْ مثلَ الذّئابِ مُغيرةً
وقد ضحيتْ عنهنّ تلك القساطلُ
ومن فوقِهنَّ القومُ ما شَهدوا الظُّبا
لدَى الرَّوْعِ إلاّ والنِّساءُ ثواكلُ
ولستَ ترى إلاّ رجالاً كأنَّهمْ
مناصلُ فى الإيمانِ منها مناصلُ
تُبلَّغُ أوطارٌ لنا ومآربٌ
وتُدرَك ثاراتٌ لنا وطوائلُ